الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

١٠٢٩ / ٣٥ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العراد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن شمون البصري ، قال : حدثني الحسن ابن الفضل بن الربيع حاجب المنصور لقيته بمكة ، قال : حدثني أبي ، عن جدي الربيع ، قال : دعاني المنصور يوما فقال : يا ربيع ، أحضر لي جعفر بن محمد الساعة والله لأقتلنه؟ فوجهت إليه ، فلما وافى قلت : يا بن رسول الله ، إن كان لك وصية أو عهد تعهده إلى أحد فافعل. قال : فاستأذن لي عليه ، فدخلت إلى المنصور فأعلمته موضعه ، فقال : أدخله ، فلما وقعت عين جعفر عليه‌السلام على المنصور رأيته يحرك شفتيه بشئ لم أفهمه ، فلما سلم على المنصور نهض إليه فاعتنقه وأجلسه إلى جانبه ، فقال له : ارفع حوائجك؟ فأخرج رقاعا لأقوام ، وسأل في آخرين فقضيت حوائجه.

فقال المنصور : ارفع حوائجك في نفسك. فقال له جعفر عليه‌السلام : لا تدعني حتى آتيك. فقال له المنصور : ما إلى ذلك سبيل ، وأنت تزعم للناس ـ يا أبا عبد الله ـ أنك تعلم الغيب. فقال جعفر عليه‌السلام : من أخبرك بهذا ، فأومأ المنصور إلى شيخ قاعد بين يديه ، فقال جعفر عليه‌السلام للشيخ : أنت سمعتني أقول هذا القول؟ قال الشيخ : نعم. قال جعفر عليه‌السلام للمنصور : أيحلف يا أمير المؤمنين؟ فقال له المنصور : احلف ، فلما بدأ الشيخ في اليمين قال جعفر عليه‌السلام للمنصور : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن العبد إذا حلف باليمين التي ينزه الله ( عزوجل ) فيها وهو كاذب امتنع الله من عقوبته عليها في عاجلته لما نزه الله ( عزوجل ) ، ولكني أنا استحلفه. فقال المنصور : ذلك لك. فقال جعفر عليه‌السلام للشيخ : قل أبرأ إلى الله من حوله وقوته ، وألجأ إلى حولي وقوتي ، إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول فتلكأ الشيخ ، فرفع المنصور عمودا كان في يده وقال : والله لئن لم تحلف لأعلونك بهذا العمود؟ فحلف الشيخ ، فما أتم اليمين حتى دلع لسانه كما يدلع الكلب ، ومات لوقته ، ونهض جعفر عليه‌السلام.

قال الربيع : فقال لي المنصور : ويلك اكتمها الناس لا يفتنون. قال الربيع :

٤٦١

فشيعت جعفراعليه‌السلام وقلت له : يا بن رسول الله ، إن المنصور كان قد هم بأمر عظيم ، فلما وقعت عينك عليه وعينه عليك زال ذلك. فقال : يا ربيع ، إني رأيت البارحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم فقال لي : يا جعفر خفته. فقلت : نعم رسول الله. فقال لي : إذا وقعت عينك عليه فقل : ( بسم الله استفتح ، وبسم الله استنجح ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبة أمري وكل صعوبة ، وسهل لي حزونة أمري وكل حزونة ، واكفني مؤنة أمري وكل مؤنة ).

قال أبو المفضل : حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي بسر من رأى ، باسناد عن أهله لا أحفظه ـ فذكر هذا الحديث ، وذكر فيه : أن المنصور قام إليه واعتنقه فقال لي : المنصور خليفة ، ولا ينبغي للخليفة أن يقوم إلى أحد ولا إلى عمومته ، وما قام المنصور إلا إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام.

١٠٣٠ / ٣٦ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر ابن محمد العلوي الحسني رحمه‌الله سنة سبع وثلاث مائة ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : حدثنا حسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ( صلوات الله عليهم ) ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : المؤمن غر (١) كريم ، والفاجر خب (٢) لئيم ، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

قال : وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أشرار الناس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم ، المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العنت ، أولئك لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة ، ثم تلا صلى‌الله‌عليه‌وآله ( هو الذي أيدك

__________________

(١) أي ليس بذي نكر ، فهو ينخدع لانقياده ولينه ، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة ، وقلة الفطنة للشر ، وترك البحث عنه ، وليس ذلك منه جهلا ، ولكنه كرم وحسن خلق.

(٢) الخب : الخداع ، الذي يسعى بين الناس بالفساد.

٤٦٢

بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم ) (١).

١٠٣١ / ٣٧ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد ابن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة ، قال : حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي سنة خمسين ومائتين ، قال : حدثني الحسن بن حمزة أبو محمد النوفلي ، قال : حدثني أبي وخالي يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، عن الزبير بن سعيد الهاشمي ، قال : حدثنيه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه بين القبر والروضة ، عن أبيه وعبيد الله بن أبي رافع جميعا ، عن عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه وأبي رافع مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال أبو عبيدة : وحدثنيه سنان بن أبي سنان : أن هند بن هند بن أبي هالة الأسدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمه خديجة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخته لأمه فاطمة ( صلوات الله عليها ).

قال أبو عبيدة : وكان هؤلاء الثلاثة هند بن هالة وأبو رافع وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات لله عليه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ومبيته قبل ذلك على فراشه.

قال : وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة ، واقتصاصه عن الثلاثة : هند وعمار وأبي رافع ، وقد دخل حديث بعضهم في بعض ، قالوا : كان الله ( عزوجل ) مما يمنع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعمه أبي طالب ، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته ، فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى (٢) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم! وصلتك رحم ، فجزيت خيرا يا عم. ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر فاجتمع

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٦٢ ، ٦٣.

(٢) اللقى : الملقى على الأرض.

٤٦٣

بذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حزنان حتى عرف ذلك فيه.

قال هند : ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ، ليأتمروا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسروا ذلك بينهم ، فقال بعضهم : نبني له علما ، وينزل برجا نستودعه فيه ، فلا يخلص من الضباة (١) إليه أحد ، ولا يزال في رنق (٢) من العيش حتى يتضيفه (٣) ريب المنون ، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل وأمية وأبي ابنا خلف.

وقال قائل : بئس الرأي ما رأيتم ، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن (٤) له الحدب (٥) الحميم والمولى الحليف ، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أنشوطتكم (٦) قولوا قولكم.

قال عتبة وشيبة وشركهما أبو سفيان ، قالوا : فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا ، ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ، ثم نقصع البعير بأطراف الرماح ، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك (٧) إربا إربا.

فقال صاحب رأيهم : إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا ، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق ، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاوة (٨) لسانه ، فصبا القوم إليه ، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة ، فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب (٩) ، فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم؟! قولوا قولكم.

__________________

(١) الصباة : جمع صابي ، الذي خرج من دين إلى دين غيره.

(٢) الرنق : الكدورة.

(٣) أي ينزل به.

(٤) تنمر : تشبه بالنمر ، وتنمر له : تنكر وتغير.

(٥) الحدب : الشفيق ، العطوف.

(٦) الأنشوطة : عقدة يسهل انحلالها.

(٧) الدكادك : الأرض التي فيها غلظ.

(٨) الطلاوة : الحسن والبهجة.

(٩) المقانب : جمع مقنب ، وهو جماعة الخيل والفرسان.

٤٦٤

فقال له أبو جهل : لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة ، فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا (١) ، ثم تسلحوه حساما عضبا (٢) ، وتمهل الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبيشة بياتا ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم ، فيرضون حينئذ بالعقل (٣) منهم ، فقال صاحب رأيهم : أصبت يا أبا الحكم.

ثم أقبل عليهم فقال : هذا الرأي فلا تعدلوا به رأيا ، وأوكئوا في ذلك أفواهكم (٤) حتى يستتب أمركم ، فخرج القوم عزين (٥) ، وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل عليه‌السلام ، فتلا هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (٦).

فلما أخبره جبرئيل عليه‌السلام بأمر الله في ذلك ووحيه ، وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ، وقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا ، يخبرني أن قريشا اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنه أوحى إلي ربي ( عزوجل ) أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ـ أو قال : مضجعي ـ ليخفى بمبيتك عليه أثري ، فما أنت قائل ، وما صانع؟ فقال علي عليه‌السلام : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال : نعم ، فتبسم علي عليه‌السلام ضاحكا ، وأهوى إلى الأرض ساجدا ، شكرا بما أنبأه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سلامته ، وكان علي (صلوات الله عليه) أول من سجد لله شكرا ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما

__________________

(١) النجد : الشجاع.

(٢) أي قاطعا.

(٣) العقل : الدية.

(٤) أي سدوها.

(٥) العزون : جمع عزة ، وهي الفرقة من الناس.

(٦) سورة الأنفال ٨ : ٣٠.

٤٦٥

رفع رأسه قال له : امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك ، واقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله.

قال : وإن القى عليك شبه مني ، أو قال : شبهي ، قال : إن ـ بمعنى نعم (١) ـ قال : فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي ، ثم إني أخبرك يا علي أن الله ( تعالى ) يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا بن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل ، فصبرا صبرا ، فإن رحمة القريب من المحسنين ثم ضمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدره وبكى إليه وجدا به ، وبكى علي عليه‌السلام جشعا (٢) لفراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

واستتبع رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار ، ولبث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكانه مع علي عليه‌السلام يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين.

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فحمة العشاء الآخرة ، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) (٣) وأخذ بيده قبضة من تراب ، فرمى بها على رؤوسهم ، فما شعر القوم به حتى تجاوزهم ، ومضى حتى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه ، حتى وصلوا إلى الغار.

ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر إلى الغار ، فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع

__________________

(١) تأتي ( إن ) بمعنى ( نعم ) من أحرف الجواب.

(٢) الجشع : أشد الحرص.

(٣) سورة يس : ٣٦ : ٩.

٤٦٦

الأثر ، أقبل القوم على علي عليه‌السلام يقذفونه بالحجارة والحلم (١) ، ولا يشكون أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على علي (صلوات الله عليه) ، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلما بصر بهم علي عليه‌السلام قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علي عليه‌السلام فختله وهمز يده (٢) ، فجعل خالد يقمص قماص البكر (٣) ، ويرغو رغاء الجمل ، ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار (٤) من خلفه ، وشد عليهم علي عليه‌السلام بسيفه ـ يعني سيف خالد ـ فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار ، فتبصروه فإذا هو علي عليه‌السلام ، فقالوا : إنك لعلي؟ قال : أنا علي. قالوا : فإنا لم نردك ، فما فعل صاحبك؟ قال : لا علم لي به ، وقد كان علم ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ أن الله ( تعالى ) قد أنجى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون (٥) ، وركبت في طلبه الصعب والذلول ، وأمهل علي (صلوات الله عليه) حتى إذا أعتم (٦) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال : فهي لك بذلك ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فأقبضه الثمن ، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته.

وكانت قريش تدعو محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجاهلية الأمين ، وكانت

__________________

(١) الحلم : جمع حلمة ، وهي شجرة السعدان.

(٢) أي غمزها وضغطها.

(٣) القماص : الضرب بالرجل ، البكر : الفتى من الإبل.

(٤) عرج الدار : منعطفها أو مصعدها أو سلمها.

(٥) أي أرسلت عليه الطلائع.

(٦) أي دخل في العتمة.

٤٦٧

تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر عليا عليه‌السلام أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته.

قال : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي ، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم.

قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله ـ يعني ابن أبي رافع ـ أو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال : إني سألت أبي عما سألتني ، وكان يحدث بهذا الحديث ، فقال : فأين يذهب بك عن مال خديجة عليها‌السلام؟ وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة عليها‌السلام ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفك من مالها الغارم والعاني (١) ويحمل الكل (٢) ، ويعطي في النائبة ، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة ، ويحمل من أراد منهم الهجرة ، وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين ـ يعني رحلة الشتاء والصيف ـ كانت طائفة من العير لخديجة ، وكانت أكثر قريش مالا ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها.

قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إلي لقدوم كتابي إليك ، ولا تلبث بعده.

وانطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لوجهه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثا ، ومبيت علي (صلوات الله عليه) على الفراش أول ليلة.

قال عبيد الله بن أبي رافع : وقد قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام شعرا يذكر فيه

__________________

(١) العاني : الأسير.

(٢) الكل : الضعيف ومن لا ولد له ولا والد ، والعيال والثقل.

٤٦٨

مبيته على الفراش ومقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ثلاثا.

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به

فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

ويأت رسول الله في الغار آمنا

هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثا ثم زمت قلائص قلائص

يفرين الحصا أينما تفري (١)

ولما ورد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، نزل في بني عمرو بن عوف بقباء ، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة وألاصه (٢) في ذلك ، فقال : ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي؟ يعني عليا وفاطمة عليهما‌السلام.

قال : قال أبو اليقظان. فحدثنا رسول الله ونحن معه بقباء ، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت علي عليه‌السلام على فراشه ، قال : أوحى الله ( عزوجل ) إلى جبرئيل وميكائيل عليه‌السلام أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : عبدي ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل ـ أو قال : رقد ـ على فراشه يفديه بمهجته ، اهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله ( عزوجل ) يباهي بك الملائكة! قال : فأنزل الله ( عزوجل ) في علي عليه‌السلام : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ) (٣).

قال أبو عبيدة : قال أبي وابن أبي رافع : ثم كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى

__________________

(١) القلائص : جمع قلوص ، وهي الناقة الشابة ، وفرى الأرض : سارها وقطعها.

(٢) ألاصه : أي أداره على الشئ الذي يرومه منه.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.

٤٦٩

علي بن أبي طالب عليه‌السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التلوم (١) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فلما أتاه كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تهيأ للخروج والهجرة ، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى ، وخرج علي عليه‌السلام بفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ـ وقد قيل هي ضباعة ـ وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو واقد رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم ، فقال علي (صلوات الله عليه) : ارفق بالنسوة يا أبا واقد ، إنهن من الضعائف. قال : إني أخاف أن يدركنا الطالب ـ أو قال : الطلب ـ فقال علي عليه‌السلام : أربع عليك (٢) ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : يا علي ، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه. ثم جعل ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ يسرق بهن سرقا رفيقا وهو يرتجز ويقول :

ليس إلا الله فارفع ظنكا

يكفيك رب الناس ما أهمكا

وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب ، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين (٣) ، وثامنهم مولى لحرب بن أمية يدعى جناحا ، فأقبل علي عليه‌السلام على أيمن وأبي واقد ، وقد تراءى القوم ، فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدم حتى أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم عليه‌السلام منتضيا سيفه ، فاقبلوا عليه فقالوا : أظننت أنك يا غدر (٤) ناج بالنسوة؟! ارجع لا أبا لك. قال : فإن لم أفعل؟ قالوا : لترجعن راغما ، أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك ، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها ، فحال علي عليه‌السلام بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ علي عليه‌السلام عن ضربته وتختله علي عليه‌السلام فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف

__________________

(١) التلوم : الانتظار والتمكث.

(٢) أي توقف وتحبس.

(٣) استلأم الرجل : لبس اللامة ، وهي أداة الحرب وعدتها.

(٤) أي يا غادر.

٤٧٠

مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه (١) ، فكان عليه‌السلام يشد على قدمه شد الفرس ، أو الفارس على فرسه ، فشد عليهم بسيفه وهو يقول :

خلوا سبيل الجاهد المجاهد

آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع عنه القوم وقالوا له : اغن عنا نفسك يا بن أبي طالب. قال : فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيثرب ، فمن سره أن أفري لحمه وأريق دمه فليتعقبني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما : أطلقا مطايا كما.

ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان ، فتلوم بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظل ليلته تلك هو والفواطم ـ أمه فاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنت الزبير ـ طررا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى عليه‌السلام بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه يجوب منزلا بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله ( تعالى ) : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) إلى قوله : ( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) الذكر علي ، والأنثى الفواطم المتقدم ذكرهن ، وهن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت الزبير ( بعضكم من بعض ) يقول : علي من فاطمة ـ أو قال : الفواطم ـ وهن من علي ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ) (٢)

__________________

(١) كاثبة الفرس : المنسج أو مقدمه حيث تقع عليه يد الفارس. وقيل : أعلى الظهر.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٩١ ، ١٩٥.

٤٧١

وتلا صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ) (١).

قال : وقال. يا علي ، أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله ، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله ، وآخرهم عهدا برسوله ، لا يحبك ـ والذي نفسي بيده ـ إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان ، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.

تم المجلس السادس عشر ، والحمد لله رب العالمين ،

يتلوه المجلس السابع عشر.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.

٤٧٢

[١٧]

المجلس السابع عشر

من روايات أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، رواية

المسمين في أول المجلس عنه ، رواية محمد بن الحسن بن علي الطوسي عنهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٠٣٢ / ١ ـ أخبرنا جماعة منهم الحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن محمد بن عبدون ، والحسن بن إسماعيل بن أشناس وأبو طالب بن غرور وأبو الحسن الصقال ، قالوا : حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور أبو العباس الدقاق ، قال : حدثنا أيوب بن محمد الرقي الوزان ، قال : حدثنا سلام ابن رزين الحراني ، قال : حدثني إسرائيل بن يونس الكوفي ، عن جده أبي إسحاق ، عن الحارث الهمداني ، عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : الأنبياء قادة ، والفقهاء سادة ، ومجالستهم زيادة ، وأنتم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة ، والموت يأتيكم بغتة ، فمن يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرا يحصد ندامة.

١٠٣٣ / ٢ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أحمد بن عثمان بن نصر النريزي ببرديج الحافظ ، قال : حدثنا يحيى بن عمر بن فضلان التنوخي ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان بن حميد الخفتاني ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بالمدينة ،

٤٧٣

عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي عليه‌السلام ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عبد الله ( عزوجل ) بشئ أفضل من فقه في دين ـ أو قال : في دينه ـ قال الخفتاني : فذكرته لمالك بن أنس فقيه أهل دار الهجرة فعرفه وأثبته لي عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام.

١٠٣٤ / ٣ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو سعد داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول النحوي بالأنبار ، قال : حدثني جدي إسحاق بن البهلول التنوخي ، قال : حدثني أبي البهلول بن حسان ، قال : حدثني طلحة بن زيد الرقي ، عن الوضين بن عطاء ، عن عمير بن هانئ العبسي ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغتر فيها بيد ولا لسان ، فقال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) : يا رسول الله ، وفيهم يومئذ مؤمنون؟ قال : نعم. قال فينقص ذلك من إيمانهم شيئا؟ قال : لا ، إلا كما ينقص القطر من الصفا ، إنهم يكرهونه بقلوبهم.

١٠٣٥ / ٤ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان بن زياد الكوفي ببغداد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سالم الفراء ، عن حماد بن عثمان ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه ( صلوات الله عليهم ) ، عن علي عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : لما أسري بي إلى السماء ، دخلت الجنة فرأيت فيها قيعانا يققا (١) من مسك ، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وربما أمسكوا ، فقلت لهم : مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟ قالوا : حتى تأتينا النفقة. قلت : وما نفقتكم؟ قالوا : قول المؤمن ( سبحان ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) فإذا قالهن بنينا ، وإذا سكت وأمسك أمسكنا.

١٠٣٦ / ٥ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر الحسني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني أيوب بن محمد بن فروخ الوزان

__________________

(١) أي بيضا.

٤٧٤

بالرقة ، قال : حدثنا سعيد بن مسلمة ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن السخاء شجرة من أشجار الجنة ، لها أغصان متدلية في الدنيا ، فمن كان سخيا تعلق بغصن من أغصانها ، فساقه ذلك الغصن إلى الجنة؟ والبخل شجرة من أشجار النار لها أغصان متدلية في الدنيا ، فمن كان بخيلا تعلق بغصن من أغصانها ، فساقه ذلك الغصن إلى النار.

١٠٣٧ / ٦ ـ قال أبو المفضل : قال لنا أبو عبد الله الحسني : وحدثني شيخ من أهلنا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، بحديثه هذا ، حديث السخاء والبخل ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس السخي المبذر الذي ينفق ماله في غير حقه ، ولكنه الذي يؤدي إلى الله ( عزوجل ) ما افترض عليه في ماله من الزكاة وغيرها ، والبخيل الذي لا يؤدي حق الله ( عزوجل ) عليه في ماله.

١٠٣٨ / ٧ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن محمود ابن بنت الأشج الكندي بأسوان ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن أبو جعفر الذهلي ، قال : حدثنا عمار بن الصباح ، قال : حدثني عبد الغفور أبو الصباح الواسطي ، عن عبد العزيز بن سعيد الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده ـ وكانت له صحبة ـ عن أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : حب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة الوداع بأزواجه ، فكان يأوي في كل يوم وليلة إلى امرأة منهن وهو حرام (١) يبتغي بذلك العدل بينهن.

قالت : فلما أن كانت ليلة عائشة ويومها خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يناجيه وهما يسيران ، فأطال مناجاته ، فشق ذلك على عائشة ، فقالت : إني أريد أن أذهب إلى علي فأناله ـ أو قالت : أتناوله ـ بلساني ، في حبسه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عني ، فنهيتها ، فنصت (٢) ناقتها في السير ، ثم إنها رجعت إلي

__________________

(١) أي محرم.

(٢) نص ناقته : استحثها واستقصى آخر ما عندها من السير.

٤٧٥

وهي تبكي ، فقلت : مالك؟ قالت : إني أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا بن أبي طالب ، ما تزال تحبس عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحولي بيني وبين علي ، إنه لا يحاقه في أحد ، وإنه لا يبغضه ـ والذي نفسي بيده ـ مؤمن ولا يحبه كافر ، ألا إن الحق بعدي مع علي ، يميل معه حيثما مال ، لا يفترقان جميعا حتى يردا علي الحوض. قالت أم سلمة : فقلت لها قد نهيتك فأبيت إلا ما صنعت.

١٠٣٩ / ٨ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا علي بن محمد بن مخلد الجعفي الدهان بالكوفة ، قال : حدثني عباد بن سعيد الجعفي وهو جده لأمه ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول ، قال : حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن أبي الجارود ، عن حكيم بن جبير ، عن سالم الجعفي ، قال : قال علي (صلوات الله عليه) وهو في الرحبة جالس : انتدبوا؟ وهو على المسير من السواد ، فانتدبوا نحو من مائة ، فقال : ورب السماء ورب الأرض ، لقد حدثني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأمة ستغدر بي من بعده عهدا معهودا وقضاء مقضيا ، وقد خاب من افترى.

١٠٤٠ / ٩ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا مسدد بن يعقوب بن إسحاق بن زياد القلوسي البصري قاضي تنيس ، قال : حدثنا إسحاق بن سيار النصيبي ، قال : حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا فطر بن خليفة ، قال : أخبرني حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت ثعلبة بن مرثد الحماني ، قال : سمعت عليا (صلوات الله عليه) ، قال : والله إنه لعهد عهده إلي النبي الأمي أن الأمة ستغدر بك بعدي.

١٠٤١ / ١٠ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو نصر ليث بن محمد بن نصر بن الليث البلخي ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الصمد بن مزاحم الهروي ، سنة إحدى وستين ومائتين ، قال : حدثني خالي عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي ، قال : حدثني عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري ، قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : حج عمر بن الخطاب في إمرته ، فلما افتتح الطواف حاذى الحجر الأسود ، ومر فاستلمه وقبله ، وقال : أقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولكن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بك حفيا ولولا أني رأيته

٤٧٦

يقبلك ما قبلتك.

قال : وكان في الحجيج علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : بلى والله إنه ليضر وينفع. قال : فبم قلت ذلك ، يا أبا الحسن؟ قال : بكتاب الله ( تعالى ). قال : أشهد أنك لذو علم بكتاب الله ( تعالى ) ، فأين ذلك من الكتاب؟ قال : قوله ( تعالى ) : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) (١) وأخبرك أن الله ( تعالى ) لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذريته من صلبه في هيئة الذر ، فألزمهم العقل ، وقررهم أنه الرب وأنهم العبيد ، فأقروا له بالربوبية ، وشهدوا على أنفسهم بالعبودية ، والله ( عزوجل ) يعلم أنهم في ذلك في منازل مختلفة ، فكتب أسماء عبيده في رق ، وكان لهذا الحجر يومئذ عينان وشفتان ولسان ، فقال : افتح فاك ، ففتح فاه فألقمه ذلك الرق ، ثم قال له : اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة ، فلما هبط آدم عليه‌السلام هبط والحجر معه ، فجعل في موضعه الذي ترى من هذا الركن ، وكانت الملائكة تحج هذا البيت من قبل أن يخلق الله ( تعالي ) آدم عليه‌السلام ، ثم حجه آدم ، ثم نوح من بعده ، ثم هدم البيت ودرست قواعده ، فاستودع الحجر من أبي قبيس ، فلما أعاد إبراهيم وإسماعيل بناء البيت وبناء قواعده ، واستخرجا الحجر من أبي قبيس بوحي من الله ( عزوجل ) ، فجعلاه بحيث هو اليوم من هذا الركن ، وهو من حجارة الجنة ، وكان لما انزل في مثل لون الدر وبياضه ، وصفاء الياقوت وضيائه ، فسودته أيدي الكفار ومن كان يلمسه من أهل الشرك بعتائرهم (٢). قال : فقال عمر : لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن.

١٠٤٢ / ١١ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثني أبو عبد الله جعفر ابن محمد بن جعفر العلوي الحسني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني محمد بن علي بن

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) العتائر ، جمع عتيرة : وهي شاة يذبحها أهل الجاهلية في رجب يتقربون بها ، وهي أيضا الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام ، فيصب دمها على رأسها.

٤٧٧

الحسين بن زيد بن علي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بمكارم الأخلاق ، فإن الله ( عزوجل ) بعثني بها ، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، وأن يعود من لا يعوده.

١٠٤٣ / ١٢ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق ابن البهلول القاضي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبي البهلول بن حسان ، عن أبي شيبة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث الهمداني ، عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ستا : يسلم عليه إذا لقيه ، ويعوده إذا مرض ، ويسمته (١) إذا عطس ، ويشهده إذا مات ، ويجيبه إذ دعاه ، ويحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه (٢).

١٠٤٤ / ١٣ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الفضل الدبيلي بمكة ، قال : حدثنا عبد الحميد بن صبيح أبو يحيى العبدي بعدن ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال : مرحبا بوصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سيأتيكم قوم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرا. قال : ويقول : أنتم وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٠٤٥ / ١٤ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر الرزاز القرشي ، قال : حدثنا جدي لأمي محمد بن عيسى القيسي ، قال : حدثنا إسحاق ابن يزيد الطائي ، قال : حدثنا هاشم بن البريد ، عن أبي سعيد التيمي ، قال : سمعت أبا ثابت مولى أبي ذر رحمه‌الله يقول : سمعت أم سلمة ( رضي‌الله‌عنها ) تقول : سمعت رسول

__________________

(١) في نسخة : يشمته ، وكلاهما بمعنى ، يقال : سمعت العاطس أو شمته ، إذا دعا له بقوله : يرحمك الله أو نحوه.

(٢) يأتي في الحديث : ١٣١٠.

٤٧٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلأت الحجرة من أصحابه : أيها الناس ، يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إني مخلف فيكم كتاب الله ( عزوجل ) وعترتي أهل بيتي.

ثم أخذ بيد علي عليه‌السلام فرفعها فقال : هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي ، خليفتان بصيران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ، فأسألهما ماذا خلفت فيهما.

١٠٤٦ / ١٥ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا علي بن موسى بن سعدان المعدل بالأنبار ، قال : حدثنا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الطلحي ، قال : حدثني جدي أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثني موسى بن قيس الحضرمي ، قال : حدثني سلمة بن كهيل ، عن عياض بن عياض ، وكان من خيار أهل القبلة ، عن مالك بن جعونة ، عن أم سلمة ( رضي‌الله‌عنها ) ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو آخذ بكف علي عليه‌السلام : الحق بعدي مع علي ، يدور معه حيث دار.

١٠٤٧ / ١٠ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن علي بن شاذان بن حباب الأزدي الخلال بالكوفة ، قال : حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الواحد المزني ، قال : حدثنا حسن بن حسين العرني ، عن يحيى بن يعلى ، عن عمر بن موسى ـ يعني الوجيهي ـ ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( صلوات الله عليهم ) ، عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : ألا إنك المبتلى والمبتلى بك ، أما إنك الهادي لمن اتبعك ، ومن خالف طريقتك ضل إلى يوم القيامة (١).

١٠٤٨ / ١٧ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا أبو سليمان أحمد ابن هوذة بن أبي هراسة الباهلي بالنهروان من كتابه ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي بشر الأحمري بنهاوند ، قال : أخبرنا عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن عبد العزيز بن محمد بن الدراوردي ، قال : دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام وأنا عنده ، فقال له جعفر عليه‌السلام : يا سفيان ، إنك رجل مطلوب ،

__________________

(١) يأتي في الحديث : ١٠٩٤.

٤٧٩

وأنا رجل تسرع إلي الألسن ، فسل عما بدا لك. فقال : ما أتيتك يا بن رسول الله إلا لاستفيد منك خيرا.

قال : يا سفيان ، إني رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث : تعجيله ، وستره ، وتصغيره ، فإنك إذا سترته أتممته ، وإذا صغرته عظم عند من تسديه إليه.

يا سفيان ، إذا أنعم الله على أحد بنعمة فليحمد الله ( عزوجل ) ، وإذا استبطأ الرزق فليستغفر الله ، وإذا أحزنه أمر قال : لا حول ولا قوة إلا بالله.

يا سفيان ، ثلاث أيما ثلاث! نعمت الهدية ، نعمت العطية الكلمة الصالحة بسمعها المؤمن فينطوي عليها حتى يهديها إلى أخيه المؤمن.

وقال عليه‌السلام : المعروف كاسمه ، وليس شئ أعظم من المعروف إلا ثوابه ، وليس كل من يحب أن يمنع المعروف يصنعه ، ولا كل من يرغب فيه يقدر عليه ، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه ، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه.

١٠٤٩ / ١٨ ـ أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي بسر من رأى ، قال : حدثني أبي عبد الصمد بن موسى ، قال : حدثني عمي عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه محمد بن إبراهيم ، قال : بعث أبو جعفر المنصور إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام وأمر بفرش فطرحت إلى جانبه فأجلسه عليها ، ثم قال : علي بمحمد ، علي بالمهدي ، يقول ذلك مرارا ، فقيل له : الساعة يأتي يا أمير المؤمنين ، ما يحبسه إلا أنه يتبخر.

فما لبث أن وافى وقد سبقته رائحته ، فأقبل المنصور على جعفر عليه‌السلام ، فقال : يا أبا عبد الله ، حديث حدثنيه في صلة الرحم أذكره يسمعه المهدي ، قال : نعم ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصير ها الله ( عزوجل ) ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها ثلاث سنين ، ثم تلا عليه‌السلام :

٤٨٠