الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

الانعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ، ظاهرا مشهورا ، أو مستترا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، وأين أولئك؟ والله الأقلون عددا الأعظمون خطرا ، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقائق الأمور ، فباشروا أرواح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الاعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه. آه آه شوقا إلى رؤيتهم ، واستغفر الله لي ولكم. ثم نزع يده من يدي وقال : انصرف إذا شئت.

٢٤ / ٢٤ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثني علي ، بن إسحاق النحوي ، قال : حدثنا عثمان بن عبد الله الشامي ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي زرعة الحضرمي ، عن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. يا علي بنا يختم الله الدين كما بنا فتحه ، وبنا يؤلف الله بين قلوبكم بعد العداوة والبغضاء.

٢٥ / ٢٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : طوبى لمن لم يبدل نعمة الله كفرا ، طوبى للمتحابين في الله.

٢٦ / ٢٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا عبد الكريم بن محمد ، قال : حدثنا سهل بن زنجلة الرازي ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن حميد بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم ، وأن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء ، أما والله لو أن رجلا صف قدميه بين الركن والمقام مصليا فلقي الله ببغضكم

٢١

أهل البيت دخل النار (١).

٢٧ / ٢٧ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرني الشريف الصالح أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الطبري رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن مروك بن عبيد الكوفي ، عن محمد بن يزيد الطبري ، قال : كنت قائما على رأس الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام بخراسان وعنده جماعة من. بني هاشم منهم إسحاق بن العباس بن موسى ، فقال له : يا إسحاق ، بلغني أنكم تقولون : إن الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما قلته قط ، ولا سمعته من أحد من آبائي ، ولا بلغني عن أحد منهم قاله ، لكنا نقول : الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلغ الشاهد الغائب.

٢٨ / ٢٨ ـ وبهذا الاسناد ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يتكلم في توحيد الله فقال : أولى عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله ( جل اسمه ) توحيده ، ونظام توحيده نفي التحديد عنه ، لشهادة العقول أن كل محدود مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بمخلوق ، والممتنع من الحدث هو القديم في الأزل.

فليس الله عبد من نعت ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه بشئ من الحواس ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له عرف من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطر تثبت حجته.

خلق الله ( تعالى ) الخلق حجاب بينه وبينهم ، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم ، وابتداؤه لهم دليلهم على أن لا ابتداء له ، لعجز كل مبتدئ منهم عن ابتداء مثله ، فأسماؤه ( تعالى ) تعبير ، وأفعاله ( سبحانه ) تفهيم.

__________________

(١) يأتي في الحديثين. ١٨٤ و ٤٣٥.

٢٢

قد جهل الله من حده ، وقد تعداه من اشتمله ، وتد أخطاه من اكتنهه ، ومن قال : « كيف هو » فقد شبهه ، ومن قال فيه : « لم » فقد علله ، ومن قال : « متى » فقد وقته ، ومن قال : « فيم » فقد ضمنه ، ومن قال : « إلى م » فقد نهاه ، ومن قال : « حتى م » ، فقد غياه ، ومن غياه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد ألحد فيه.

لا يتغير الله بتغير المخلوقات ، ولا يتحدد بتحدد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مبائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بفكرة ، مدبر لا بحركة ، مريد لا بعزيمة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بحاسة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمه الأماكن ، ولا تأخذه السنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بخلقه الأشباه علم أنه لا شبه له ، وبمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له.

ضاد النور بالظلمة ، والصر (١) بالحر ، مؤلف بين متعاقباتها ، مفرق بين متدانياتها ، بتفريقها دل على مفرقها ، وبتأليفها دل على مؤلفها ، قال الله ( تعالى ) : ( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (٢).

له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث أحدث استفاد معنى المحدث ، لا يغيبه منذ ، ولا يدنيه قد ، ولا يحجبه لعل ، ولا يوقته متى ، ولا يشتمله حين ، ولا يقارنه مع ، كل ما في الخلق من أثر غير موجود في خالقه ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لا تجرى عليه الحركة والسكون ، كيف يجرى عليه ما هو أجراه ، أو

__________________

(١) الصرد : البرد.

(٢) سورة الذاريات ٥١ : ٤٩.

٢٣

يعود فيه ما هو ابتداه؟ إذن لتفاوتت دلالته ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للبارئ معنى غير المبرأ.

لو حد له وراء لحد له أمام ، ولو التمس له التمام للزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء؟

لو تعلقت به المعاني لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحول عن كونه دالا إلى كونه مدلولا عليه ، ليس في مجال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلا الله العلي العظيم.

٢٩ / ٢٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو غالب أحمد بن محمد الزراري رحمه‌الله ، قال : حدثني خالي أبو العباس محمد بن جعفر الرزاز القرشي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. يقول الله ( تعالى ) : المعروف هدية مني إلى عبدي المؤمن ، فإن قبلها مني فبرحمتي ومني ، وان ردها فبذنبه حرمها ومنه لا مني ، وأيما عبد خلقته فهديته إلى الايمان وحسنت خلقه ، ولم ابتله بالبخل ، فإني أريد به خيرا.

٣٠ / ٣٠ ـ عنه ، أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو القاسم الحسن (١) بن علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مروان الغزال ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد الله بن الحسن الأحمسي ، قال : حدثنا خالد ابن عبد الله ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال : سمعت سعد ابن مالك ـ يعني ابن أبي وقاص ـ يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : فاطمة بضعة مني ، من سرها فقد سرني ، ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز البرية علي.

٣١ / ٣١ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : أخبرني

__________________

(١) في نسخة : الحسين.

٢٤

أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان ، قال : حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد ، عن فضيل بن الجعد ، عن أبي إسحاق الهمداني ، قال : لما ولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) محمد بن أبي بكر مصر وأعمالها كتب له كتابا ، وأمره أن يقرأه على أهل مصر ، وليعمل بما وصاه به فيه ، وكان الكتاب :

بسم الله الرحيم الرحيم

من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل مصر ومحمد بن أبي بكر. سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد : فإني أوصيكم. بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وإليه تصيرون ، فإن الله تعالى يقول : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) (١) ويقول : ( ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) (٢) ويقول : ( فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون ) (٣).

فاعلموا عباد الله أن الله عزوجل سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير فإن يعذب فنحن أظلم ، وإن يعف فهو أرحم الراحمين.

يا عباد الله ، إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل الله بطاعته وينصحه بالتوبة ، عليكم بتقوى الله ، فإنها تجمع الخير ولا خير غيرها ، ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة ، قال الله ( عز وحل ) : ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ) (٤).

اعلموا يا عباد الله أن المؤمن يعمل لثلاث من الثواب : إما لخير ( الدنيا ) فإن الله

__________________

(١) سورة المدثر ٧٤ : ٣٨.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٢٨.

(٣) سورة الحجر ١٥ : ٩٢ و ٩٣.

(٤) سورة النحل ١٦ : ٣٠.

٢٥

يثيبه بعمله في دنياه ، قال الله ( سبحانه ) لإبراهيم : ( وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) (١) فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة وكفاه المهم فيهما ، وقد قال الله ( تعالى ) : ( يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) (٢) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ، قال الله تعالى : ( اللذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) (٣) والحسنى هي الجنة والزيادة هي الدنيا ، ( واما لخير الآخرة ) فإن الله تعالى يكفر بكل حسنة سيئة ، قال الله عزوجل : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) (٤) حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ، ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف ، قال الله عزوجل : « جزاء من ربك عطاء حسابا » (٥) وقال : ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ) (٦) فارغبوا في هذا رحمكم الله واعملوا له وتحاضوا عليه.

واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم ، أباحهم الله من الدنيا ما كفاهم به وأغناهم ، قال الله عزوجل : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) (٧) سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت ، وأكلوها بأفضل ما أكلت ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون ، وشربوا من طيبات ما

__________________

(١) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢٧.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ١٠.

(٣) سورة يونس ١٠ : ٢٦.

(٤) سورة هود ١١ : ١١٤.

(٥) سورة النبأ ٧٨ : ٣٦.

(٦) سورة سبأ ٣٤ : ٣٧.

(٧) سورة الأعراف ٧ : ٣٢.

٢٦

يشربون ، ولبسوا من أفضل ما يلبسون ، وسكنوا من أفضل ما يسكنون ، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون ، وركبوا من أفضل ما يركبون ، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا ، وهم غدا جيران الله تعالى ، يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون ، لا ترد لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة ، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل ويعمل له بتقوى الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا عباد الله ، إن اتقيتم وحفظتم نبيكم في أهل بيته ، فقد عبدتموه بأفضل ما عبد ، وذكرتموه بأفضل ما ذكر ، وشكرتموه بأفضل ما شكر ، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر ، واجتهدتم أفضل الاجتهاد ، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما فأنتم أتقى لله منه ، وأنصح لاولي الامر.

احذروا يا عباد الله الموت وسكرته ، فأعدوا له عدته ، فإنه يفجأكم بأمر عظيم ، بخير لا يكون معه شر أبدأ ، أو بشر لا يكون معه خير أبدا ، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ، ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلين يصير : إلى الجنة أم النار ، أعدو هو لله أم ولي؟ فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة ، وشرعت له طرقها ، ورأي ما أعد الله له فيها ، ففزع من كل شغل ، ووضع عنه كل ثقل ، وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار ، وشرع له طرقها ، ونظر إلى ما أعد الله له فيها ، فاستقبل كل مكروه وترك كل سرور ، كل هذا يكون عند الموت ، وعنده يكون اليقين ، قال الله تعالى : ( اللذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) (١) ويقول : ( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سؤ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) (٢).

يا عباد الله ، إن الموت ليس منه فوت ، فاحذروه قبل وقوعه ، واعدوا له عدته ،

__________________

(١) سورة النحل ١٦ : ٣٢.

(٢) سورة النحل ٦ ١ : ٢٨ و ٢٩.

٢٧

فإنكم طرد الموت ، إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلكم ، الموت معقود بنواصيكم ، والدنيا تطوى خلفكم ، فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات ، وكفى بالموت واعظا؟ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت ، فيقول : أكثروا ذ كر الموت ، فإنه هادم اللذات ، حائل بينكم وبين الشهوات.

يا عباد الله ، ما بعد الموت لمن لم يغفر له أشد من الموت : القبر ، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ، إن القبر يقول كل يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوام ، والقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران ، إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض : مرحبا وأهلا ، لقد كنت ممن أحب أن يمشي على ظهري ، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك؟ فتتسع له مد البصر. وإن الكافر إذا دفن قالت له الأرض : لا مرحبا ولا أهلا ، لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري ، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك ، فتضمه حتى تلتقي أضلاعه.

وان المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر ، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا (١) ، فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، ويترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا.

اعلموا يا عباد الله أن أنفسكم الضعيفة ، وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه ، فاعملوا بما أحب الله واتركوا ماكره الله.

يا عباد الله ، إن بعد البعث ما هو أشد من القبر ، يوم يشيب فيه الصغير ، ويسكر منه الكبير ، ويسقط فيه الجنين ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، يوم عبوس قمطرير ، ويوم كان شره مستطيرا. إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم ، وترعد منه السبع الشداد ، والجبال الأوتاد ، والأرض المهاد ، وتنشق السماء فهي

__________________

(١) التنين : الحية العظيمة.

٢٨

يومئذ واهية ، وتتغير فكأنها وردة كالدهان ، وتكون الجبال كثيبا (١) مهيلا بعدما كانت صما صلابا ، وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن ، إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم؟ لأنه يقض ويصير إلى غيره ، إلى نار قعرها بعيد ، وحرها شديد ، وشرابها صديد ، وعذابها جديد ، ومقامعها حديد ، لا يفتر عذابها ولا يموت ساكنها ، دار ليس فيها رحمة ، ولا يسمع لأهلها دعوة.

واعلموا يا عباد الله أن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز العباد ، جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين ، لا يكون معها شر أبدا ، لذاتها لا تمل ، ومجتمعها لا يتفرق ، وسكانها قد جاوروا الرحمن ، وقام بين أيد يهم الغلمان ، بصحاف من الذهب فيها الفاكهة والريحان.

ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي ، أهل مصر ، فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك وأن تحذر فيه على دينك ، فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل ، فإن في الله عزوجل خلفا من غيره ، وليس في شئ سواه خلف منه ، اشتد على الظالم وخذ عليه ، ولن لأهل الخير وقربهم ، واجعلهم بطانتك وأقرانك ، وانظر إلى صلاتك كيف هي ، فإنك إمام لقومك ( ينبغي لك ) أن تتمها ولا تخففها ، فليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلاتهم نقصان إلا كان عليه ، لا ينقص من صلاتهم شئ ، وتممها وتحفظ فيها ، يكن لك مثل أجورهم ، ولا ينقص ذلك من أجرهم شيئا.

وانظر إلى الوضوء ، فإنه من تمام الصلاة ، تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا ، واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك ، فإني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصنع ذلك ، واعلم أن الوضوء نصف الايمان.

ثم ارتقب وقت الصلاة ، فصلها لوقتها ، ولا تعجل بها قبله لفراغ ، ولا تؤخرها

__________________

(١) في نسخة : سرابا.

٢٩

عنه لشغل ، فإن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أوقات الصلاة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل عليه‌السلام فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس ، فكانت على حاجبه الأيمن ، ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شئ مثله ، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ، ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ، ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة ، فصل لهذه الأوقات ، والزم السنة المعروفة والطريق الواضحة ، ثم انظر ركوعك وسجودك ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أتم الناس صلاة ، وأحقهم عملا بها.

واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك ، فمن ضيع الصلاة فإنه لغيرها أضيع. أسأل الله الذي يرى ولا يرى ، وهو بالمنظر الاعلى أن يجعلنا وإياك ممن يحب ويرضى حتى يعيننا وإياك على شكره وذكره ، وحسن عبادته ، وأداء حقه ، وعلى كل شئ اختار لنا في دنيانا وديننا وآخرتنا.

وأنتم يا أهل مصر ، فليصدق قولكم فعلكم ، وسركم علانيتكم ، ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم.

واعلموا أنه لا يستوي إمام الفدى وامام الردى ، ووصي النبي وعدوه ، إني لا أخاف عليكم مؤمنا ولا مشركا ، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه ، وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه ، ولكني أخاف عليكم المنافق ، يقول ما تعرفون ويعمل بما تنكرون.

يا محمد بن أبي بكر ، اعلم أن أفضل الفقه الورع في دين الله ، والعمل بطاعته ، وإني أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك وعلى أي حال كنت عليها ، الدنيا دار بلاء ودار فنا ، والآخرة دار الجزاء ودار البقاء ، فاعمل لما يبقى واعدل عما يفنى ، ولا تنس نصيبك من الدنيا.

أوصيك بسبع هن من جوامع الاسلام. تخشى الله عزوجل ولا تخش الناس في الله ، وخير القول ما صدقه العمل ، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيختلف أمرك وتزيغ عن الحق ، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، وأكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، فإن ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية ،

٣٠

وخض الغمرات إلى الحق ، ولا تخف في الله لومة لائم ، وانصح المرء إذا استشارك ، واجعل نفسك أسوة لقريب المؤمنين وبعيدهم.

جعل الله مودتنا في الدين ، وخلتنا له إياكم خلة المتقين ، وأبقى لكم طاعتكم ، حتى يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين.

أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمد أميركم ، واثبتوا على طاعتكم ، تردوا حوض نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم المجلس الأول ، ويتلوه المجلس الثاني من أمالي الشيخ السعيد

أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمه‌الله

٣١

٣٢

[٢]

المجلس الثاني

فيه بقية أحاديث الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.

بسم الله الرحمن الرحيم

٣٢ / ١ ـ أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو نصر محمد بن عمر النيشابوري ، قال : حدثنا محمد بن السري ، قال لـ : حدثنا أبي ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن برد بن سنان ، عن مكحول ، عن واثلة بن الأصقع ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيعافه الله ويبتليك.

٣٣ / ٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله ، قال : حدثني أبي ، قال : أخبرني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن كليب بن معاوية الأسدي ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : أما والله إنكم لعلى دين الله وملائكته ، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد ، عليكم بالصلاة والعبادة ، عليكم بالورع.

٣٤ / ٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد رحمه‌الله ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مسبح (١) بن محمد ، قال :

__________________

(١) في نسخة : شيح.

٣٣

حدثني أبو علي بن أبي عمرة (١) الخراساني ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : دخلنا على مسروق الأجدع ، فإذا عنده ضيف له لا نعرفه وهما يطعمان من طعام لهما ، فقال الضيف : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحنين (٢) ، فلما قالها عرفنا أنه كانت له صحبة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فجاءت صفية بنت حيي ابن أخطب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ، إني لست كأحد من نسائك ، قتلت الأب والأخ والعم ، فإن حدث بك شئ فإلى من؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى هذا ـ وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ.

ثم قال : ألا أحدثكم بما حدثني به الحارث الأعور؟ قال : قلنا : بلى. قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ما جاء بك يا أعور؟ قال : قلت : حبك ، يا أمير المؤمنين. قال : الله ، قلت : الله ، فناشدني ثلاثا ، ثم قال : أما إنه ليس عبد من عباد الله ممن امتحن الله قلبه للايمان إلا وهو يجد مودتنا على قلبه فهو يحبنا ، وليس عبد من عباد الله ممن سخط الله عليه إلا وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا ، فأصبح محبنا ينتظر الرحمة ، وكان أبواب الرحمة قد فتحت له ، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ، فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم ، وتعسا لأهل النار مثواهم.

٣٥ / ٤ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو علي الحسن بن علي بن الفضل الداودي ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشر العسكري ، قال : حدثنا أبو إسحاق محمد بن هارون بن عيسى الهاشمي ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن مهدي الابلي ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الهاشمي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا هارون الرشيد ، قال : حدثني أبي المهدي ، قال : حدثنا أمير المؤمنين المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، قال : سمعت

__________________

(١) في نسخة : عمر.

(٢) في نسخة : بخيبر.

٣٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا أيها الناس ، نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا. فقال له قائل : بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ من الركبان؟ قال : أنا على البراق ، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء ، وعلي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة ، خطمها من اللؤلؤ الرطب ، وعيناها من ياقوتتين حمراوين ، وبطنها من زبرجد أخضر ، عليها قبة من لؤلؤ بيضاء ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، ظاهرها من رحمة الله ، وباطنها من عفو الله ، إذا أقبلت زفت ، وإذا أدبرت زفت ، وهو أمامي على رأسه تاج من نور يضئ لأهل الجمع ، ذلك التاج له سبعون ركنا ، كل ركن يضئ كالكوكب الدري في أفق السماء ، وبيده لواء الحمد ، وهو ينادي في القيامة : « لا إله إلا الله محمد رسول الله » فلا يمر بملاء من الملائكة إلا قالوا : نبي مرسل ، ولا بنبي إلا يقول : ملك مقرب ، فينادي مناد من بطنان العرش : يا أيها الناس ، ليس هذا ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ، ولا حامل عرش ، هذا علي ابن أبي طالب. ويجئ شيعته من بعده فينادي مناد لشيعته : من أنتم؟ فيقولون : نحن العلويون. فيأتيهم النداء : أيها العلويون ، أنتم آمنون ، ادخلوا الجنة مع من كنتم تو الون (١).

٣٦ / ٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الريحان بن الصلت ، قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليه‌السلام يدعو بكلمات ، فحفظتها عنه ، فما دعوت بها في شدة إلا فرج الله عني ، وهي : « اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وأنت رجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة. كم من كرب يضعف فيه الفواد ، وتقل فيه الحيلة ، وتعي فيه الأمور ، ويخذل فيه البعيد والقريب والصديق ، ويشمت فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته إليك ، راغبا إليك فيه عمن سواك ، ففرجته وكشفته وكفيتنيه. فأنت ولن كل نعمة ، وصاحب كل حاجة ،

__________________

(١) يأتي نحو ه في الحديث : ٧١١.

٣٥

ومنتهى كل رغبة ، فلك الحمد كثيرا ، ولك المن فاضلا. بنعمتك تتم الصالحات ، يا معروفا بالمعروف معروف ، يا من هو بالمعروف موصوف ، أنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف من سواك ، برحمتك يا أرحم الراحمين ».

٣٧ / ٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو القاسم علي بن الحسن ، عن جعفر بن محمد بن مروان ، عن أبيه ، قال : حدثنا أحمد بن عيسى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلتان لا تجتمعان في منافق : فقه في الاسلام ، وحسن سمت في الوجه.

٣٧ / ٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمد القاشاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام : إذا أراد أحدكم ألا يسأل الله شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله ( عزوجل ) ، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإن للقيامة خمسين موقفا ، كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون ، ثم تلا هذه الآية : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) (١).

٣٩ / ٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي المالكي ، قال : حدثنا أبو الصلت الهروي ، قال : حدثنا الرضا علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي الشهيد ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الايمان قول مقول ، وعمل معمول ، وعرفان العقول.

__________________

(١) سورة المعارج ٧٠ : ٤.

٣٦

قال أبو الصلت : فحدثت بهذا الحديث في مجلس أحمد بن حنبل ، فقال لي أحمد : يا أبا الصلت ، لو قرئ بهذا الاسناد على المجانين لأفاقوا.

٤٠ / ٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثني أحمد بن سليمان الطوسي ، عن الزبير بن بكار ، قال : حدثني عبد الله بن وهب ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن قبيصة بن جابر الأسدي ، قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فسأله عن الايمان ، فقام عليه‌السلام خطيبا فقال : الحمد لله الذي شرع الاسلام فسهل شرائعه لمن ورده ، وأعز أركانه على من حاربه ، وجعله عزا لمن والاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن ائتم به ، وزينة لمن تحلى به ، وعصمة لمن اعتصم به ، وحبلا لمن تمسك به ، وبرهانا لمن تكلم به ، ونورا لمن استضاء به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاج به ، وعلما لمن وعاه ، وحديثا لمن رواه ، وحكما لمن قضى به ، وحلما لمن جرب ، ولبا لمن تدبر ، وفهما لمن فطن ، ويقينا لمن عقل ، وتبصرة لمن عزم ، وآية لمن توسم ، وعبرة لمن اتعظ ، ونجاة لمن صدق ، ومودة من الله لمن أصلح ، وزلفى لمن ارتقب ، وثقة لمن توكل ، وراحة لمن فوض ، وجنة لمن صبر.

الحق سبيله ، والهدى صفته ، والحسنى مأثرته ، فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، مضئ المصابيح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، متنافس السبقة ، كريم الفرسان ، التصديق منهاجه ، والصالحات مناره ، والفقه مصابيحه ، والموت غايته ، والدنيا مضماره ، والقيامة حلبته ، والجنة سبقته والنار نقمته ، والتقوى عدته ، والمحسنون فرسانه.

فبالايمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يعمر الفقه ، وبالفقه يرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا ، وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين ، وتبرز الجحيم للغاوين.

والايمان على أربع دعائم : الصبر واليقين والعدل ، والجهاد. فالصبر على أربع شعب : الشوق ، والشفق ، والزهادة ، والترقب ، ألا من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه

٣٧

المصيبات ، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

واليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأول الحكمة ، وموعظة العبرة ، وسنة الأولين ، فمن تبصر في الفطنة تبين الحكمة ، ومن تبين الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنة ، ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين.

والعدل على أربع شعب. على غامض الفهم ، وعمارة العلم ، وزهرة الحكم ، وروضة الحلم ، فمن فهم نشر جميل العلم ، ومن علم عرف شرائع الحكم ، ومن عرف شرائع الحكم لم يضل ، ومن حلم لم يفرط ( في ) أمره ، وعاش في الناس حميدا.

والجهاد على أربع شعب : على الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والصدق في المواطن ، وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر ، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ، ومن شنأ الفاسقين غضب لله ، ومن غضب لله تعالى فهو مؤمن حقا ، فهذه صفة الايمان ودعائمه.

فقال له السائل : لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت ، فجزاك الله عن الدين خيرا.

٤١ / ١٠ ـ حدثنا محمد بن محمد رحمه‌الله ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن الحسن ابن موسى الخشاب ، عن علي بن النعمان ، عن بشير الدهان ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، أي الفصوص أفضل أركبه على خاتمي؟

فقال : يا بشير ، أين أنت عن العقيق الأحمر والعقيق الأصفر والعقيق الأبيض ، فإنها ثلاثة جبال في الجنة : فأما الأحمر فمطل على دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما الأصفر فمطل على دار فاطمة عليها‌السلام ، وأما الأبيض فمطل على دار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدور كلها واحدة يخرج منها ثلاثة أنهار ، من تحت كل جبل نهر أشد بردا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأشد بياضا من اللبن ، لا يشرب منها إلا محمد وآله عليهم‌السلام وشيعتهم ، ومصبها كلها واحد ومخرجها من الكوثر ، وإن هذه الجبال تسبح الله وتقدسه وتمجده ، وتستغفر لمحبي آل محمد عليهم‌السلام ، فمن تختم

٣٨

بشئ منها من شيعة آل محمد عليهم‌السلام لم ير إلا الخير والحسنى والسعة في رزقه ، والسلامة من جميع أنواع البلاء ، وهو أمان من السلطان الجائر ، ومن كل ما يخافه الانسان ويحذره.

٤٢ / ١١ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا بن شيبان إملاء ، قال : حدثنا أسيد بن زيد القرشي ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : إياك وصحبة الأحمق ، فإنه أقرب ما يكون منه أقرب ما يكون إلى مساءتك.

٤٣ / ١٢ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا الفضل بن حباب الجمحي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن سليمان ، عن أبيه ، عن الأجلح الكندي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله يحب الحيي المتعفف ، ويبغض البذي السائل الملحف.

٤٤ / ١٣ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبو نصر محمد بن الحسين البصير السهروردي ، قال : حدثنا الحسين بن محمد الأسدي ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن عبد الله بن جعفر العلوي المحمدي ، قال : حدثنا يحيى بن هاشم الغساني ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثني جويبر بن سعيد ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت له فاطمة ، قال : فأتيته ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضحك ، ثم قال : ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟ قال : فذكرت له قرابتي وقدمي في الاسلام ونصرتي له وجهادي ، فقال : يا علي ، صدقت ، فأنت أفضل مما تذكر.

فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تزوجنيها؟ فقال : يا علي ، إنه قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها ، فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك ، فدخل عليها فقامت إليه ، فأخذت رداءه ونزعت نعليه ، وأتته بالوضوء ، فوضأته بيدها

٣٩

وغسلت رجليه ، ثم قعدت ، فقال لها : يا فاطمة. فقالت : لبيك ، حاجتك ، يا رسول الله؟ قال : إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه ، وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم ير فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة ، فقام وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ، زوجها علي بن أبي طالب ، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي : فزوجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أتاني فأخذ بيدي فقال : قم بسم الله وقل : « على بركة الله ، وما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، توكلت على الله » ثم جاءني حين أقعدني عندها عليها‌السلام ، ثم قال : « اللهم إنهما أحبي خلقك إلي فأحبهما ، وبارك في ذريتهما ، واجعل عليهما منك حافظا ، وإني أعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم ».

٤٥ / ١٤ ـ حدثني جماعة ، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري ، عن خاله ، عن الأشعري ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن علي بن أسباط ، عن داود ، عن يعقوب ابن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليا عليها‌السلام دخل عليها وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهل بيتي خير منه زوجتك ، وما أنا زوجتك ولكن الله زوجك ، وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والأرض.

قال علي عليه‌السلام : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قم فبع الدرع ، فقمت فبعته وأخذت الثمن ودخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسكبت الدراهم في حجره ، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته ، ثم قبض قبضة ودعا بلالا فأعطاه وقال : ابتع لفاطمة طيبا. ثم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر وقال : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت ، وأردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه ، فحضروا السوق فكانوا يعرضون الشئ مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر فان استصلحه اشتروه ، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم ،

٤٠