الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

٣٤٢ / ٤٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن بشير الدهان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربما فاتني الحج فأعرف عند قبر الحسين عليه‌السلام؟ قال : أحسنت يا بشير ، إنه من أتى قبر الحسين بن علي عليهما‌السلام في غير يوم عيد كتب له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات ، وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه يوم عيد عارفا بحقه كتب له مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه يوم عرفة عارفا بحقه كتب له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل.

قال بشير : فقلت له كيف لي بمثل الموقفين؟ فنظر إلي كالمغضب ، ثم قال : يا بشير ، من أتى الحسين بن علي عليهما‌السلام عارفا بحقه فاغتسل في الفرات وتوجه إليه ، كتبت له بكل خطوة حجة بمناسكها. قال : ولا أعلم إلا قال : وغزوة.

٣٤٣ / ٤٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن إبراهيم بن زياد ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : إن الله ( تعالى ) إذا غضب على أمة ثم لم ينزل بها العذاب ، أغلى أسعارها ، وقصر أعمارها ، ولم يربح تجارها ، ولم تغزر أنهارها ، ولم تزك ثمارها ، وسلط عليها شرارها ، وحبس عليها أمطارها.

٣٤٤ / ٤٦ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني سليمان بن محمد الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن عمران ـ وهو ابن أبي ليلى ـ ، قال : حدثنا محمد بن عيسى الكندي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد ،

٢٠١

أخبرني بعمل يحبني عليه.

قال : يا أعرابي ، أزهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس تحبك الناس.

قال : وقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : من أخرجه الله من ذل المعصية إلى عز التقوى أغناه بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ، ومن خاف الله أخاف منه كل شئ ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ (١).

٣٤٥ / ٤٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد ابن يوسف بن يعقوب الجعفي ، قال : حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا أبي ، عن عاصم بن عمر الجعفي ، عن محمد بن مسلم العبدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كتب إلى الحسن بن علي عليه‌السلام قوم من أصحابه يعزونه عن ابنة له. فكتب إليهم : « أما بعد ، فقد بلغني كتابكم تعزوني بفلانة ، فعند الله احتسبها تسليما لقضائه ، وصبرا على بلائه ، فإن أوجعتنا المصائب ، وفجعتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية (٢) ، والاخوان المحبون الذين كان يسر بهم الناظرون ، وتقر بهم العيون ، أضحوا قد اخترمتهم الأيام ، ونزل بهم الحمام (٣) ، فخلفوا الخلوف ، وأودت بهم الحتوف ، فهم صرعى في عساكر الموتى ، متجاورون في غير محلة التجاور ، ولا صلاة بينهم ولا تزاور ، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم ، أجسامهم نائية من أهلها ، خالية من أربابها ، قد أجشعها (٤) إخوانها ، فلم أر مثل دارها دارا ، ولا مثل قرارها قرارا ، في بيوت موحشة ، وحلول مخضعة ، قد صارت في تلك الديار الموحشة ،

__________________

(١) تقدم في الحديث : ٢٢٨.

(٢) الحفي : البر اللطيف.

(٣) الحمام : الموت.

(٤) في نسخة. أخشعها.

٢٠٢

وخرجت عن الدار المؤنسة ، ففارقتها من غير قلى (١) ، فاستودعتها البلاء ، وكانت أمة مملوكة ، سلكت سبيلا مسلوكة ، صار إليها الأولون ، وسيصير إليها الآخرون ، والسلام ».

٣٤٦ / ٤٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا الشريف الصالح أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن هارون ابن مسلم ، عن سعد بن زياد العبدي ، قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : في حكمة آل داود : يا بن ادم ، كيف تتكلم بالهدى وأنت لا تفيق عن الردى! يا بن ادم ، أصبح قلبك قاسيا وأنت لعظمة الله ناسيا ، فلو كنت بالله عالما ، وبعظمته عارفا ، لم تزل منه خائفا ، ولو عده راجيا ، ويحك كيف لا تذكر لحدك ، وانفرادك فيه وحدك!

٣٤٧ / ٤٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن صدقة الأحدب ، عن داود الابزاري ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : كفى بالتجارب تأديبا ، وبمر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت معرفة ، وبذكر الموت حاجزا من الذنوب والمعاصي ، والعجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن ينزل بهم ، كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في أبدانهم!

٣٤٨ / ٥٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال. حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني زيد بن علي ، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين أبو الحسين العلوي ، قال : حدثني علي بن جعفر بن محمد ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن جده علن بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة.

__________________

(١) القلى : البغض والهجران.

٢٠٣

٣٤٩ / ٥١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا الشريف الصالح أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي رحمه‌الله قال : حدثنا أحمد بن عبد الله ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن أبي اليقظان ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : ثلاث لا يضر معهن شئ : الدعاء عند الكربات ، والاستغفار عند الذنب ، والشكر عند النعمة.

٣٥٠ / ٥٢ ـ هذا حديث وجدته بخط بعض المشايخ ( رحمهم‌الله ) ذكر أنه وجده في كتاب لأبي غانم المعلم الأعرج ، وكان مسكنه بباب الشعير ، وجد بخطه على ظهر كتاب له حين مات : وهو أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة عليها‌السلام فرأتها باكية ، فقالت لها : بأبي أنت وأمي ، ما الذي يبكيك؟ فقالت لها ( صلوات الله عليها ) : أسائلتي عن هنة حلق بها الطائر ، وحفي بها السائر ، ورفع إلى السماء أثرا ، ورزئت في الأرض خبرا ، أن قحيف تيم وأحيوك عدي جاريا أبا الحسن في السباق ، حتى إذا تقربا بالخناق ، أسرا له الشنآن ، وطوياه الاعلان ، فلما خبا نور الدين ، وقبض النبي الأمين ، نطقا بفورهما ، ونفثا بسورهما ، وأدلا بفدك ، فيا لها لمن ملك ، تلك أنها عطية الرب الاعلى للنجي الأوفى ، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي ، وأنها ليعلم الله وشهادة أمينه ، فإن انتزعا مني البلغة ، ومنعاني اللمظة ، واحتسبتها يوم الحشر زلفة ، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم ، في لظى جحيم.

تم المجلس السابع ، ويتلوه المجلس الثامن من أمالي الشيخ الطوسي رحمه‌الله.

٢٠٤

[٨]

المجلس الثامن

فيه بقية أحاديث الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.

بسم الله الرحمن الرحيم

٣٥١ / ١ ـ أخبرنا الشيخ السعيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أعطيت تسعا لم يعط أحد قبلي سوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد فتحت لي السبل ، وعلمت المنايا ، والبلايا ، والأنساب ، وفصل الخطاب ، ولقد نظرت في الملكوت باذن ربي ، فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي ، وان بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم ، وأتم عليهم النعم ، ورضي لهم إسلامهم ، إذ يقول يوم الولاية لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد ، أخبرهم أني أكملت لهم اليوم دينهم ، وأتممت عليهم النعم ، ورضيت إسلامهم ، كل ذلك من الله به علي فله الحمد.

٣٥٢ / ٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا الشريف الصالح أبو محمد الحسن بن حمزة ، قال : حدثنا أبو القاسم نصر بن الحسن الوراميني ، قال : حدثنا أبو

٢٠٥

سعيد سهل بن زياد الادمي ، قال : حدثنا محمد بن الوليد المعروف بشباب الصيرفي مولى بني هاشم ، قال : حدثنا سعيد الأعرج ، قال : دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فابتدأني ، فقال : يا سليمان ، ما جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يؤخذ به ، وما نهى عنه ينتهى عنه ، جرى له من الفضل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولرسوله الفضل على جميع من خلق الله ، العائب على أمير المؤمنين في شئ كالعائب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والراد عليه في صغير أو كبير على حد الشرك بالله.

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام باب الله لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من تمسك بغيره هلك ، كذلك جرى حكم الأئمة عليهم‌السلام بعده واحدا بعد واحد ، جعلهم الله أركان الأرض ، وهم الحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.

أما علمت أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : أنا قسيم الله بين الجنة والنار ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقر لي جميع الملائكة والروح بمثل ما أقروا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد حملت مثل حمولة محمد ، وهي حمولة الرب ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى فيكسى ويستنطق فينطق ، وأدعى فأكسى وأستنطق فأنطق ، ولقد أعطيت خصالا لم يعطها أحد قبلي : علمت البلايا ، والقضايا ، وفصل الخطاب؟

٣٥٣ / ٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا علي بن العباس بن الوليد ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشر بن خالد ، قال : حدثنا منصور بن يعقوب ، قال : حدثنا عمرو بن شمر ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى  ، عن سويد ابن غفلة ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : والله لو صببت الدنيا على المنافق صبا ما أحبني ، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي ، لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق.

٣٥٤ / ٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر ، قال :

٢٠٦

حدثني يوسف بن الحكم الخياط ، قال : حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا سلمة بن صالح الأحمر ، عن عبد الملك بن عبد الرحمن ، عن الأشقر بن طليق ، قال : سمعت الحسن العرني يحدث عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : نعى إلينا حبيبنا ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ـ فبأبي وأمي ونفسي له الفداء ـ قبل موته بشهر ، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت ، فنظر إلينا ، فدمعت عيناه ، ثم قال : مرحبا بكم ، حياكم الله ، حفظكم الله ، نصركم الله ، نفعكم الله ، هداكم الله ، وفقكم الله ، سلمكم الله ، قبلكم الله ، رزقكم الله ، رفعكم الله ، أوصيكم بتقوى الله ، وأوصي الله بكم ، إني لكم نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده ، فإن الله ( تعالى ) قال لي ولكم : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) (١) وقال سبحانه : ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) (٢).

قلنا : متى يا نبي الله أجلك؟ قال : دنا الاجل والمنقلب إلى الله ، وإلى سدرة المنتهى ، وجنة المأوى ، والعرش الاعلى ، والكأس الأوفى ، والعيش المهنى.

قلنا : فمن يغسلك؟ قال : أخي وأهل بيتي الأدنى فالأدنى.

٣٥٥ / ٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد ابن إسماعيل ، قال : حدثنا الحسن بن زياد ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن جعفر ابن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد السيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : لا تعجل وانظره سبع ساعات ، فإن مضى سبع ساعات ولم يستغفر قال : اكتب ، فما أقل حياء هذا العبد!

٣٥٦ / ٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد

__________________

(١) سورة القصص ٢٨ : ٨٣.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٦٠.

٢٠٧

ابن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : قال عيسى بن مريم لأصحابه : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بعمل ، ويلكم علماء السوء ، الآخرة تأخذون والعمل لا تصنعون! يوشك رب العمل أن يطلب عمله ، ويوشك أن يخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر ، كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى اخرته وهر مقبل على دنياه ، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟

٣٥٧ / ٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن مسلم الجعابي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو علي ، قال : حدثني عم أبي الحسين بن موسى ، عن أبيه موسى ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن المؤمن لا يصبح إلا خائفا وإن كان محسنا ، ولا يمسي إلا خائفا وإن كان محسنا ، لأنه بين أمرين : بين وقت قد مضى لا يدري ما الله صانع به ، وبين أجل قد اقترب لا يدري ما يصيبه من الهلكات.

ألا وقولوا خيرا تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، صلوا أرحامكم وان قطعوكم ، وعودوا بالفضل على من حرمكم ، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم ، وأوفوا بعهد من عاهدتم ، وإذا حكمتم فاعدلوا.

٣٥٨ / ٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن خاقان النهدي قراءة ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أعين ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : ما أبالي إذا قلت هؤلاء الكلمات لو اجتمع علي الإنس والجن  : « بسم الله وبالله ، ومن الله ، وإلى الله ، وفي سبيل الله ، اللهم إليك أسلمت نفسي ، واليك وجهت وجهي ، واليك فوضت أمري ، فاحفظني بحفظ الايمان ، من بين يدي ،

٢٠٨

ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، ومن فوقي ، ومن تحتي ، وادفع عني بحولك وقوتك ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ».

٣٥٩ / ٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الطائي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن ابن جعفر بن سليمان الضبعي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، قال : حدثني يعقوب بن الفضل ، قال : حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطيت في علي تسعا ، ثلاثا في الدنيا ، وثلاثا في الآخرة ، واثنين أرجوهما له ، وواحدة أخافها عليه :

فأما الثلاثة التي في الدنيا : فساتر عورتي ، والقائم بأمر أهلي ، ووصيي فيهم.

وأما الثلاثة التي في الآخرة : فإني أعطى يوم القيامة لواء الحمد فأرفعه إلى علي ابن أبي طالب يحمله عني ، واعتمد عليه في مقام الشفاعة ، ويعينني على حمل مفاتيح الجنة.

وأما اللتان أرجوهما له : فإنه لا يرجع من بعدي ضالا ، ولا كافرا. وأما التي أخافها عليه : فغدر قريش به من بعدي.

٣٦٠ / ١٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم بن محمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا جعفر بن عبيد الله بن جعفر المحمدي ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات التميمي ، قال : حدثنا المسعودي ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي محمد العنزي ، قال : حدثني ابن عمي أبو عبد الله العنزي ، قال : إنا لجلوس مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به : يا أمير المؤمنين ، لقد نالنا النبل والنشاب ، فسكت ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك فقالوا : قد جرحنا ، فقال علي عليه‌السلام : يا قوم ، من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال ولم تنزل بعد الملائكة.

فقال : إنا لجلوس ما نرى ريحا ولا نحسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا ، والله لو جدت بردها بين كتفي من تحت الدرع والثياب ، قال : فلما هبت صب أمير

٢٠٩

المؤمنين عليه‌السلام درعه ، ثم قام إلى القوم ، فما رأيت فتحا كان أسرع منه.

٣٦١ / ١١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ، قال : حدثنا إسماعيل بن موسى السدي ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، عن فضيل بن مرزوق ، عن أبي سخيلة ، عن أبي ذر وسلمان ( رضي‌الله‌عنهما ) ، قالا : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : هذا أول بن آمن بي ، وهو أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وفاروق هذه الأمة ، ويعسوب المؤمنين.

٣٦٢ / ١٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان ، قال : حدثنا بكير بن سلم ، قال : حدثني محمد بن ميمون ، قال : حدثني جعفر ابن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ستدعون إلى سبي فسبوني ، وتدعون إلى البراءة مني فمدوا الرقاب فإني على الفطرة.

٣٦٣ / ١٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام يقول : وجدت في كتاب علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إذا ظهر الربا من بعدي ظهر موت الفجأة ، وإذا طففت المكاييل أخذهم الله بالسنين والنقص ، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها ، وإذا جاروا في الحكم تعاونوا على الاثم والعدوان ، وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم شرارهم ، ثم يدعو خيارهم فلا يستجاب لهم.

٣٦٤ / ١٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو حفص محمد بن عثمان الصيرفي ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله العلاف ـ المعروف بالمستغني ـ قراءة عليه ، قال : حدثنا محمد بن أبي يعقوب الدينوري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البلوي ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : حدثني بكر بن حارثة الزهري ، عن

٢١٠

عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام ينشد ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع :

أنا أخو المصطفى لاشك في نسبي

معه ربيت وسبطاه هما ولدي

جدي وجد رسول الله منفرد

وفاطم زوجتي لا قول ذي فند

فالحمد لله شكرا لا شريك له

البر بالعبد والباقي بلا أمد

قال : فابتسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : صدقت يا علي.

٣٦٥ / ١٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة من الله ( عزوجل ) ومن الخلق؟

فقال : الإرادة من الله ( تعالى ) إحداثه الفعل لا غير ذلك ، لأنه ( جل اسمه ) لا يهم ولا يتفكر.

٣٦٦ / ١٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان ابن عيينة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما من عبد إلا ولله عليه حجة ، إما في ذنب اقترفه ، وإما في نعمة قصر عن شكرها.

٣٦٧ / ١٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : عليك بالجد ، ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله ( تعالى ) لا يعبد حق عبادته.

٣٦٨ / ١٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن

٢١١

الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله ( عزوجل ) : لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملون بها لثوابي ، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي ، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كهنه عبادتي ، فيما يطلبون من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، ورفيع الدرجات في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا ، وفضلي ، فليرجوا ، والى حسن الظن بي فليطمئنوا ، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم ، وبمني أبلغهم رضواني وألبسهم عفوي ، فإني انا الله الرحمن الرحيم ، بذلك تسميت.

٣٦٩ / ١٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان ابن عيينة ، عن حميد بن زياد ، عن عطاء بن يسار ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : يوقف العبد بين يدي الله فيقول : قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله ، فستغرق النعم العمل ، فيقولون : قد استغرقت النعم العمل ، فيقول : هبوا له نعمي ، وقيسوا بين الخير والشر منه ، فإن استوى العملان أذهب الله الشر بالخير وأدخله الجنة ، فإن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، وإن كان عليه فضل ، وهو من أهل التقوى ، لم يشرك بالله ( تعالى ) ، واتقى الشرك به ، فهو من أهل المغفرة ، يغفر الله له برحمته إن شاء ، ويتفضل عليه بعفوه.

٣٧٠ / ٢٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن مالك النحوي ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عبد الصمد بن محمد الهاشمي ، قال : حدثنا الفضل بن سليمان النهدي ، قال : حدثنا ابن الكلبي ، عن شرقي بن القطامي ، عن أبيه ، قال : خاصم عمرو بن عثمان بن عفان أسامة بن زيد إلى معاوية بن أبي سفيان مقدمه المدينة ، في حائط من حيطان المدينة ، فارتفع الكلام بينهما حتى تلاحيا (١) ، فقال عمرو : تلاحيني وأنت مولاي؟

__________________

(١) لاحاه : نازعه وخاصمه.

٢١٢

فقال أسامة : والله ما أنا بمولاك ولا يسرني أني في نسبك ، مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال : ألا تسمعون بما يستقبلني به هذا العبد؟

ثم التفت إليه عمرو فقال له : يا بن السوداء ، ما أطغاك! فقال : أنت أطغى مني وألام ، تعيرني بأمي ، وأمي والله خير من أمك ، وهي أم أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بشرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غير موطن بالجنة ، وأبي خير من أبيك ، زيد بن حارثة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحبه ومولاه ، قتل شهيدا بمؤتة على طاعة الله وطاعة رسوله ، وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانا أمير على أبيك ، وعلى من هر خير من أبيك ، على أبي بكر وعمر وأبي عبيدة ، وسروات (١) المهاجرين والأنصار ، فاتى تفاخرني يا بن عثمان! فقال عمرو : يا قوم أما تسمعون بما يجبهني به هذا العبد؟

فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جنب عمرو بن عثمان ، فقام الحسن بن علي عليه‌السلام فجلس إلى جنب أسامة ، فقام عتبة بن أبي سفيان فجلس إلى جنب عمرو ، فقام عبد الله بن عباس فجلس إلى جنب أسامة ، فقام سعيد بن العاص فجلس إلى جنب عمرو ، فقام عبد الله بن جعفر فجلس إلى جنب أسامة.

فلما رآهم معاوية قد صاروا فريقين من بني هاشم وبني أمية ، خشي أن يعظم البلاء ، فقال : إن عندي من هذا الحائط لعلما. قالوا : فقل بعلمك فقد رضينا.

فقال معاوية : أشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعله لأسامة بن زيد ، قم يا أسامة فاقبض حائطك هنيئا مريئا ، فقام أسامة والهاشميين وجزوا معاوية خيرا.

فأقبل عمرو بن عثمان على معاوية ، فقال : لا جزاك الله عن الرحم خيرا ، ما زدت على أن كذبت قولنا ، وفسخت حجتنا ، وشمت بنا عدونا.

فقال معاوية : ويحك يا عمرو! إني لما رأيت هؤلاء الفتية من بني هاشم قد

__________________

(١) السري : الرجل الشريف ، والجمع أسرياء وسراة ، وجمع الجمع سروات.

٢١٣

اعتزلوا ، ذكرت أعينهم تزور (١) إلي من تحت المغافر بصفين فكاد يختلط علي عقلي ، وما يؤمنني يا بن عثمان منهم وقد أحلوا بأبيك ما أحلوا ، ونازعوني مهجة نفسي حتى نجوت منهم بعد نبأ عظيم وخطب جسيم ، فانصرف فنحن مخلفون لك خيرا من حائطك إن شاء الله ( تعالى ).

٣٧١ / ٢١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، قال : حدثنا الحسن بن الجهم ، عن عبد الله بن سنان ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي ذات يوم مع أصحابه إذ قال لهم : على رسلكم حتى أثني على ربي. ثم قال : « اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا قابض لما بسطت ، ولا باسط لما قبضت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، اللهم أنت الحليم فلا تجهل ، وأنت الجواد فلا تبخل ، وأنت العزيز فلا تستذل ، وأنت المنيع فلا ترام ».

٣٧٢ / ٢٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة ، وإنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك ، فيأتون البيت المعمور فيطوفون به ، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة ، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلموا عليه ، ثم أتوا قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام فسلموا عليه ، ثم أتوا قبر الحسين عليه‌السلام فسلموا عليه ، ثم عرجوا ، وينزل مثلهم أبدا إلى يوم القيامة.

وقال عليه‌السلام : من زار أمير المؤمنين عليه‌السلام عارفا بحقه ، غير متجبر ، ولا متكبر ، كتب الله له أجر مائة ألف شهيد ، وغفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبعث من

__________________

(١) تزور : تدور وتنحرف.

٢١٤

الآمنين ، وهون عليه الحساب ، واستقبلته الملائكة ، فإذا انصرف شيعته إلى منزله ، فإن مرض عادوه ، وان مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره.

قال : ومن زار الحسين عليه‌السلام عارفا بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة مقبولة وألف عمرة مقبولة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

٣٧٣ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سليمان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، قال : أول اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين وإبراهيم الخليل عليه‌السلام ، استقبله إبراهيم عليه‌السلام فصافحه ، وأول شجرة على وجه الأرض النخلة.

٣٧٤ / ٢٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار.

٣٧٥ / ٢٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن لله علما لم يعلمه إلا هو ، وعلما أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله ، وما أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه.

٣٧٦ / ٢٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، عن أحمد بن يحيى ، عن أسيد ابن زيد القرشي ، عن محمد بن مروان ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلاتكم علي إجابة لدعائكم ، وزكاة لاعمالكم.

٢١٥

٣٧٧ / ٢٧ ـ وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج ذات ليلة من المسجد ، وكانت ليلة قمراء ، فأتى الجبانة ، ولحقه جماعة يقفون أثره ، فوقف عليهم ثم قال. من أنتم؟ قالوا : شيعتك يا أمير المؤمنين ، فتفرس في وجوههم ثم قال : فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة! قالوا : وما سيماء الشيعة ، يا أمير المؤمنين؟ فقال : صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، حدب الظهور من القيام ، خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، عليهم غبرة الخاشعين.

٣٧٨ / ٢٨ ـ وقال عليه‌السلام : الموت طالب ومطلوب ، لا يعجزه المقيم ، ولا يفوته الهارب ، فقدموا ولا تتكلموا ، فإنه ليس عن الموت محيص ، إنكم إن لم تقتلوا تموتوا ، والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من الموت على فراش.

٣٧٩ / ٢٩ ـ ومن كلامه عليه‌السلام : أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا ، وأموالكم نهب المصائب ، وما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص ، وما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق. وأشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها. أيها الناس ، إنا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون ، فتزودوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه ، والسلام.

٣٨٠ / ٣٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أفضل ما توسل به المتوسلون : الايمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنها الملة ، وايتاء الزكاة فإنها من فرائض الله ، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فإنه مثراة للمال ومنسأة للأجل ، وصدقة السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب ، وصنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء ، وتقي مصارع الهوان ، ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق ، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب

٢١٦

الايمان ، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة ، ألا وقولوا خيرا تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم ، وصلوا من قطعكم ، وعودوا بالفضل عليهم.

٣٨١ / ٣١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : حدثنا الأجلح ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد الحماني ، قال : كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلى معاوية بن أبي سفيان : « أما بعد ، فإن الله ( تعالى ) أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في شبهة ، ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة ، والتوبة مبسوطة ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) (١) وأنت ممن شرع الخلاف متماديا في غرة الامل ، مختلف السر والعلانية رغبة في العاجل وتكذيبا بعد بالأجل ، وكأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع سبيلا ».

وكتب (صلوات الله عليه) إلى عمرو بن العاص : « من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمرو ابن العاص. أما بعد ، فإن الذي أعجبك مما تلويت من الدنيا ووثقت به منها منقلب عنك ، فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة ، ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي وانتفعت منها بما وعظت به ، ولكنك تبعت هواك وأثرته ، لولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره لأنا أعظم رجاء وأولى بالحجة ، والسلام ».

وكتب عليه‌السلام إلى أمراء الأجناد : « من عبد الله أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح. أما بعد ، فإن حقا على المولى ألا يغيره عن رعيته فضل ناله ولا مرتبة اختص بها ، وأن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم ، ألا وإن لكم عندي ألا احتجبن دونكم سرا إلا في حرب ، ولا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم ، ولا أؤخر لكم حقا عن محله ، وأن تكونوا في الحق عندي سواء ، فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة ولزمتكم الطاعة ، وألا تنكصوا عن دعوة ، ولا تفرطوا في صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ، فإن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن أحد أهون

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٦١.

٢١٧

علي ممن خالفني فيه ، ثم أحل بكم فيه عقوبته ، ولا تجدوا عندي فيها رخصة ، فخذوا هذا من أمرائكم ، وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم ، والسلام ».

٣٨٢ / ٣٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد ، قال : حدثنا العباس بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو الكندي ، قال : حدثنا عبد الكريم بن إسحاق الرازي ، قال : حدثنا محمد بن يزداد ، عن سعيد بن خالد ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن عبد الرحمن بن قيس البصري ، قال : حدثنا زاذان ، عن سلمان الفارسي ( رحمة الله عليه ) ، قال : لما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقلد أبو بكر الامر ، قدم المدينة جماعة من النصارى يتقدمهم جاثليق له سمت (١) ومعرفة بالكلام ووجوهه وحفظ التوراة والإنجيل وما فيهما ، فقصدوا أبو بكر ، فقال له الجاثليق : إنا وجدنا في الإنجيل رسولا يخرج بعد عيسى ، وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله يذكر أنه ذلك الرسول ، ففزعنا إلى ملكنا فجمع وجوه قومنا ، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا ، وقد فاتنا نبيكم محمد ، وفيما قرأناه من كتبنا أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم يخلفونهم في أممهم ، يقتبس منهم الضياء فيما أشكل ، فأنت أيها الأمير وصيه ، لنسألك عما نحتاج إليه؟

فقال عمر : هذا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فجثا الجاثليق لركبتيه ، وقال له : خبرنا ـ أيها الخليفة ـ عن فضلكم علينا في الدين ، فإنا جئنا نسال عن ذلك؟

فقال أبو بكر : نحن مؤمنون وأنتم كفار ، والمؤمن خير من الكافر ، والايمان خير من الكفر.

فقال الجاثليق : هذه دعوى تحتاج إلى حجة ، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟

فقال أبو بكر : أنا مؤمن عند نفسي ، ولا علم لي بما عند الله.

قال : فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن ، أم أنا كافر عند الله؟

__________________

(١) الجاثليق : رئيس الأساقفة ، عند بعض طوائف المسيحية. والسمت. الهيئة والسكينة والوقار.

٢١٨

فقال : أنت عندي كافر ، ولا علم لي بحالك عند الله.

فقال الجاثليق : فما أراك إلا شاكا في نفسك وفي ، ولست على يقين من دينك ، فخبرني ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه في الدين تعرفها؟

فقال : لي منزلة في الجنة أعرفها بالوعد ، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا.

فقال له : فترجو أن تكون لي منزلة في الجنة؟ قال : أجل أرجو ذلك. فقال الجاثليق : فما أراك إلا راجيا لي ، وخائفا على نفسك ، فما فضلك علي في العلم؟

ثم قال له : أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك؟ قال : لا ولكن أعلم منه ما قضى لي علمه.

قال : فكيف صرت خليفة للنبي ، وأنت لا تحيط علما بما تحتاج إليه أمته من علمه ، وكيف قدمك قومك على ذلك؟

فقال له عمر : كف ـ أيها النصراني ـ عن هذا العنت والا أبحنا دمك. فقال الجاثليق : ما هذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا.

فقال سلمان رحمه‌الله : فكأنما ألبسنا جلباب المذلة ، فنهضت حتى أتيت عليا عليه‌السلام فأخبرته الخبر ، فأقبل ـ بأبي وأمي ـ حتى جلس والنصراني يقول : دلوني على من أساله عما أحتاج إليه ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : سل ـ يا نصراني ـ فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لا تسألني عما مضى ولاما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال النصراني : أسالك عما سألت عنه هذا الشيخ ، خبرني أمؤمن أنت عند الله ، أم عند نفسك؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.

فقال الجاثليق : الله أكبر هذا كلام وثيق بدينه ، متحقق فيه بصحة يقينه ، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ما هي؟

فقال عليه‌السلام : منزلتي مع النبي الأمي في الفردوس الاعلى ، لا أرتاب بذلك ، ولا أشك في الوعد به من ربي.

٢١٩

فقال النصراني. فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل.

قال : فبماذا علمت صدق نبيك؟ قال عليه‌السلام : بالآيات الباهرات والمعجزات البينات.

قال الجاثليق : هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج ، فخبرني عن الله تعالى ، أين هو اليوم؟

فقال : يا نصراني ، إن الله تعالى يجل عن الأين ، ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم على ذلك لم يتغير من حال إلى حال.

فقال : أجل أحسنت أيها العالم وأوجزت في الجواب ، فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس عندك ، فيسلك المسترشد في طلبه استعمال الحواس ، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار ، أو تدركه الحواس ، أو يقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول ، الدالة ذوي الاعتبار بما هو عنده مشهود ومعقول.

قال الجاثليق : صدقت ، هذا والله الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات ، فخبرني الان عما قاله نبيكم في المسيح ، وانه مخلوق ، من أين أثبت له الخلق ، ونفى عنه الإلهية ، وأوجب فيه النقص؟ وقد عرفت ما يعتقد ـ فيه كثير من المتدينين.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه ، والتصوير والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد ، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون.

فقال له الجاثليق : هذا ما لا يطعن فيه الان ، غير أن الحجاج مما تشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم ، فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك؟

٢٢٠