الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة (١) يتخذها الظالمون فيكم سنة ، تفرق جماعتكم ، وتبكي عيونكم ، وتمنون عما قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني ، وستعرفون ما أقول لكم عما قليل ، ولا يبعد الله إلا من ظلم.

قال : فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكى ، وقال : صدق والله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قد شملنا الذل ، ورأينا الأثرة ، ولا يبعد الله إلا من ظلم.

٣٠٣ / ٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الاعلى بن واصل الأسدي ، عن مخول بن إبراهيم ، عن علي بن حزور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : يا علي ، إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها ، زينك بالزهد في الدنيا ، وجعلك لا ترزأ (٢) منها شيئا ، ولا ترزأ منك شيئا ، ووهب لك حب المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك إماما ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فأما من أحبك وصدق فيك فأولئك جيرانك في دارك ، وشركاؤك في جنتك ، وأما من أبغضك وكذب عليك فحق على الله أن يوقفه موقف الكذابين.

٣٠٤ / ٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن مالك النحوي ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثني عيسى بن مهران المستعطف ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا شريك ، عن عمران ابن طفيل ، عن أبي تحيى ، قال : سمعت عمار بن ياسر رحمه‌الله يعاقب أبا موسى الأشعري ، ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقعوده عن الدخول في بيعته ، ويقول له : يا أبا موسى ، ما الذي أخرك عن أمير المؤمنين؟ فوالله لئن

__________________

(١) الأثرة : استئثار أمراء الجور بالفئ.

(٢) أي لا تأخذ ولا تنال.

١٨١

شككت فيه لتخرجن عن الاسلام. وأبو موسى يقول له : لا تفعل ودع عتابك لي ، فإنما أنا أخوك. فقال له عمار : ما أنا لك بأخ ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت. فقال له أبو موسى : أفليس قد استغفر لي؟ قال عمار : قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار.

٣٠٥ / ٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم إسماعيل بن محمد الكاتب ، قال : أخبرني عبد الصمد بن علي ، قال : أخبرنا محمد بن هارون بن عيسى ، قال : أخبرني أبو طلحة الخزاعي ، قال : حدثنا عمر بن عباد ، قال : حدثنا أبو تراب ، قال : قرأت في كتاب لوهب بن منبه فإذا مكتوب في صدر الكتاب : هذا ما وضعت الحكماء في كتبها : الاجتهاد في عبادة الله أربح تجارة ، ولا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، وأدب تستفيده خير من ميراث ، وحسن الخلق خير رفيق ، والتوفيق خير قائد ، ولا ظهر أوثق من المشاورة ، ولا وحشة أوحش من العجب ، ولا يطمعن صاحب الكبر في حسن الثناء عليه.

٣٠٦ / ٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو نصر محمد بن الحسين الخلال ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري ، قال : حدثنا زافر بن سليمان ، عن أشرس الخراساني ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسر ما يرضي الله ( عزوجل ) أظهر الله له ما يسره ، ومن أسر ما يسخط الله ( تعالى ) أظهر الله ما يحزنه ، ومن كسب مالا من غير حله أفقره الله ( عزوجل ) ، ومن تواضع لله رفعه الله ، ومن سعى في رضوان الله أرضاه الله ، ومن أذل مؤمنا أذله الله ، ومن عاد مريضا فإنه يخوض في الرحمة ـ وأومأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حقويه (١) ـ وإذا جلس عند المريض غمرته الرحمة ، ومن خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له ، ومن كظم غيظا ملا الله جوفه إيمانا ، ومن أعرض عن محرم أبدله الله بعبادة تسره ، ومن عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزا في

__________________

(١) الحقوة : الخصر.

١٨٢

الدنيا والآخرة ، ومن بنى مسجدا ولو مفحص (١) قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ، ومن أعتق رقبة فهي فداء من النار ، كل عضو منها فداء عضو منه ، ومن أعطى درهما في سبيل الله كتب الله سبع مائة حسنة ، ومن أحاط عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب الله له أجر قراءة أربع مائة آية ، كل حرفي منها بعشر حسنات ، ومن لقي عشرة من المسلمين فسلم عليهم كتب الله له عتق رقبة ، ومن أطعم مؤمنا لقمة أطمعه الله من ثمار الجنة ، ومن سقاه شربة من ماء سقاه الله من الرحيق المختوم ، ومن كساه ثوبا كساه الله من الإستبرق والحرير ، وصلى عليه الملائكة ما بقي في ذلك الثوب سلك.

٣٠٧ / ٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن الحسن البصري ، قال : حدثنا أبو بشر أحمد بن إبراهيم العمي ، قال : حدثنا أبو الطيب محمد ابن علي الأحمر الناقد ، قال : حدثني نصر بن علي ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحميد ، قال : حدثنا حميد ، عن نصر بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كنت أنا وعلي عن يمين العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلما خلق آدم جعلنا في صلبه ، ثم نقلنا من صلب إلى صلب في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبد المطلب ، فقسمنا قسمين : فجعل في عبد الله نصفا ، وفي أبي طالب نصفا ، وجعل النبوة والرسالة في ، وجعل الوصية والقضية في علي ، ثم اختار لنا اسمين اشتقهما من أسمائه ، فالله المحمود وأنا محمد ، والله العلي وهذا علي ، فأنا للنبوة والرسالة ، وعلي للوصية والقضية.

٣٠٨ / ١٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا أبو مخنف لوط بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الله بن عاصم ، قال : حدثنا جبر بن نوف ، قال : لما أراد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) المسير إلى الشام ، اجتمع إليه وجوه أصحابه فقالوا : لو كتبت يا أمير المؤمنين إلى معاوية وأصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحق ،

__________________

(١) المفحص : حفرة تحفرها القطاة في الأرض لتبيض وترقد فيها.

١٨٣

وتأمرهم بما لهم فيه الحظ ، كانت الحجة تزداد عليهم قوة.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه : اكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ومن قبله من الناس ، سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد ، فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنت يا معاوية وأبوك وأهلك في ذلك الزمان أعداء الرسول ، مكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من لقيتم منهم حبستموه وعذبتموه وقتلتموه ، حتى إذا أراد الله ( تعالى ) إعزاز دينه وإظهار رسوله ، دخلت العرب في دينه أفواجا ، وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها ، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة ، فليس ينبني لكم أن تنازعوا أهل السبق ومن فاز بالفضل ، فإنه من نازعه منكم فبحوب وظلم ، فلا ينبغي لمن كان له قلب أن يجهل قدره ، ولا يعدو طوره ، ولا يشقي نفسه بالتماس ما ليس له.

إن أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا أقربهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعلمهم بالكتاب ، وأقدمهم في الدين ، وأفضلهم جهادا ، وأولهم إيمانا ، وأشدهم اضطلاعا (١) بما تجهله الرعية من أمرها. فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا به الحق.

واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ، وأن شرهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ، ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وحقن دماء هذه الأمة ، فإن قبلتم أصبتم رشدكم وهديتم لحظكم ، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة لم تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولم يزدد عليكم إلا سخطا ، والسلام.

__________________

(١) اضطلع بالامر : قوي عليه ونهض به.

١٨٤

قال : فكتب إليه معاوية : أما بعد ، إنه ليس بيني وبين قيس عتاب ، غير طعن الكلى وجز الرقاب.

فلما وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام على جوابه بذلك قال : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء (١) إلى صراط مستقيم.

٣٠٩ / ١١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسين المقرئ ، قال : حدثنا محمد بن حسن بن سهل العطار ، قال : حدثنا أحمد بن عمر الدهقان ، قال : حدثنا محمد بن كثير مولى عمر بن عبد العزيز ، قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا إلا الماء.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أنا له يا رسول الله ، وأتى فاطمة عليها‌السلام فقال : ما عندك ، يا ابنة رسول الله؟ فقالت : ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر ضيفنا.

فقال علي عليه‌السلام : يا ابنة محمد ، نومي الصبية ، وأطفئي المصباح ، فلما أصبح علي عليه‌السلام غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره الخبر ، فلم يبرح حتى أنزل الله ( عزوجل ) : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (٢).

٣١٠ / ١٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن حماد بن أبي طلحة ، عن معاذ بن كثير ، قال : نظرت إلى الموقف والناس فيه كثير ، فدنوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت. إن أهل الموقف لكثير ، قال : فصوب ببصره فأداره فيهم ، ثم قال : ادن مني يا أبا عبد الله ، فدنوت منه

__________________

(١) تضمين من سورة القصص ٢٨ : ٥٦.

(٢) سورة الحشر ٥٩ : ٩.

١٨٥

فقال : غثاء (١) يأتي به الموج من كل مكان ، لا والله ما الحج إلا لكم ، ولا والله ما يتقبل الله إلا منكم.

٣١١ / ١٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد العطشي ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا حمزة بن أبي جمة الجرجرائي الكاتب ، قال : حدثنا أبو الحارث شريح ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد العزيز بن سليمان ، عن سليمان بن حبيب ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لتنقض عرى الاسلام عروة عروة ، كلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهن نقض الحكم ، وآخرهن الصلاة.

٣١٢ / ١٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد الكاتب ، قال : حدثنا أحمد بن جعفر المالكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثني حبيب ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن أبي ذر الغفاري رحمه‌الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتق الله حيث ما كنت ، وخالق الناس (٢) بخلق حسن ، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوها.

٣١٣ / ١٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثني محمد بن مدرك الشيباني ، قال : حدثنا زكريا بن الحكم ، قال : حدثنا خلف بن تميم ، قال : حدثنا بكر بن خنيس ، عن أبي شيبة ، عن عبد الملك بن عمر ، عن أبي قرة ، عن سلمان الفارسي رحمه‌الله ، قال : قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان ، إذا أصبحت فقل : « اللهم أنت ربي لا شريك لك ، أصبحنا وأصبح الملك لله » قلها ثلاثا ، وإذا أمسيت فقل مثل ذلك ، فإنهن يكفرن ما بينهن من خطيئة.

٣١٤ / ١٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر

__________________

(١) الغثاء : ما يحمله السيل من رغوة ومن فتات الأشياء التي على وجه الأرض.

(٢) خالق الناس : عاشرهم.

١٨٦

الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف بن راشد الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن سليمان بن بزيغ الخزاز ، قال : حدثنا الحسين الأشقر ، عن قيس ، عن ليث ، عن أبي ليلى ، عن الحسين بن علي عليهما‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله اليوم القيامة وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا.

٣١٥ / ١٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال : حدثني محمد بن أبي السري ، قال : حدثنا هشام ، عن أبي مخنف ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه ، قال : لما وقع الاتفاق على كتب القضية بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين معاوية بن أبي سفيان ، حضر عمرو بن العاص في رجال من أهل الشام ، وعبد الله بن عباس في رجال من أهل العراق ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام للكاتب : اكتب هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.

فقال عمرو بن العاص : اكتب اسمه واسم أبيه ، ولا تسمه بإمرة المؤمنين ، فإنما هو أمير هؤلاء وليس بأميرنا.

فقال الأحنف بن قيس. لا تمح هذا الاسم ، فإني أتخوف إن محوته لا يرجع إليك أبدا.

فامتنع أمير المؤمنين عليه‌السلام من محوه ، فتراجع الخطاب فيه مليا من النهار ، فقال الأشعث بن قيس : امح هذا الاسم ترحه الله.

فقال أمير المؤمنين : الله أكبر سنة بسنة ، ومثل بمثل ، والله إني لكاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية ، وقد أملى علي : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال له سهيل : امح رسول الله ، فإنا لا نقر لك بذلك ، ولا نشهد لك به ، اكتب اسمك واسم أبيك ، فامتنعت من محوه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : امحه يا علي ، وستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض.

١٨٧

فقال عمرو بن العاص : سبحان الله! ومثل هذا يشبه بذلك ، ونحن مؤمنون وأولئك كانوا كفارا!

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا بن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين وليا ، وللمسلمين عدوا ، وهل تشبه إلا أمك التي دفعت بك؟

فقال عمرو : لا جرم لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : والله إني لأرجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن أشباهك ، ثم كتب الكتاب وانصرف الناس.

٣١٦ / ١٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد ابن عبد الجبار ، قال : حدثنا ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن العباس ، قال : لما حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته ، فقيل له : يا رسول الله ، ما يبكيك؟ فقال : أبكي لذريتي ، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي ، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي « يا أبتاه ، يا أبتاه » فلا يعينها أحد من أمتي.

فسمعت ذلك فاطمة عليهما‌السلام فبكت ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. لا تبكين. يا بنية. فقالت : لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك ، يا رسول الله. فقال لها : أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي ، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي.

٣١٧ / ١٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الله بن هارون ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي ، قال : حدثنا المعلى بن هلال ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أعطاني الله خمسا ، وأعطى عليا خمسا : أعطاني جوامع الكلم ، وأعطى عليا جوامع العلم ، وجعلني نبيا ، وجعل عليا وصيا ، أعطاني الكوثر ، وأعطى عليا السلسبيل ،

١٨٨

وأعطاني الوحي ، وأعطى عليا الالهام ، وأسرى بي إليه ، وفتحت له أبواب السماء حتى رأى ما رأيت ونظر إلى ما نظرت إليه.

ثم قال : يا بن عباس ، من خالف عليا فلا تكونن ظهيرا له ولا وليا ، فوالذي بعثني بالحق ما يخالفه أحد إلا غير الله ما به من نعمة وشوه خلقه قبل إدخاله النار.

يا بن عباس ، لا تشك في علي ، فإن الشك فيه يخرج عن الايمان ، ويوجب الخلود في النار.

٣١٨ / ٢٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو غالب أحمد بن محمد الزراري ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : من زي الايمان الفقه ، ومن زي الفقه الحلم ، ومن زي الحلم الرفق ، ومن زي الرفق اللين ، ومن زي اللين السهولة.

٣١٩ / ٢١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، قال : حدثني أبي ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي حمزة الثمالي رحمه‌الله ، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : أربع من كن فيه كمل إسلامه ، وأعين على إيمانه ، ومحصت ذنوبه ، ولقي ربه وهو عنه راض ، ولو كان فيما بين قرنه إلى قدمه ذنوب حطها الله ( تعالى ) عنه ، وهي : الوفاء بما يجعل الله على نفسه ، وصدق اللسان مع الناس ، والحياء مما يقبح عند الله وعند الناس ، وحسن الخلق مع الأهل والناس.

وأربع من كن فيه من المؤمنين أسكنه الله في أعلى عليين ، في غرف في محل الشرف كل الشرف : من آوى اليتيم ، ونظر له فكان له أبا ، ومن رحم الضعيف وأعانه وكفاه ، ومن أنفق على والد يه ورفق بهما وبرهما ولم يحزنهما ، ولم يخرق (١) لمملوكه ،

__________________

(١) الخرق : ضد الرفق ، أي أن يرفق به ولا يسئ إليه.

١٨٩

وأعانه على ما يكلفه ، ولم يستسعه فيما لا يطيق.

٣٢٠ / ٢٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الحكيمي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : أخبرنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما كان الفحش في شئ إلا شانه ، ولا كان الحبا ، في شئ قط إلا زانه.

٣٢١ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو نصر محمد بن الحسين المقرئ ، قال : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي الرازي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الحنفي ، قال : حدثنا يحيى بن هاشم السمسار ، قال : حدثنا عمرو بن شمر ، قال : حدثنا حماد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله بن حزام ، قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول الله ، من وصيك؟ قال : فأمسك عني عشرا لا يجيبني ، ثم قال : يا جابر ، ألا أخبرك عما سألتني؟

فقلت : بأبي أنت وأمي ، أما والله لقد سكت عني حتى ظننت أنك وجدت (١) علي.

فقال : ما وجدت عليك يا جابر ، ولكن كنت انتظر ما يأتيني من السماء ، فأتاني جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ، ربك يقول : إن علي بن أبي طالب وصيك ، وخليفتك على أهلك وأمتك ، والذائد عن حوضك ، وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة.

فقلت : يا نبي الله ، أرأيت من لا يؤمن بهذا أقتله؟ قال : نعم يا جابر ، ما وضع هذا الموضع إلا ليتابع عليه ، فمن تابعه كان معي غدا ، ومن خالفه لم يرد علي الحوض أبدا.

٣٢٢ / ٢٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر

__________________

(١) وجد : غضب.

١٩٠

الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : أخبرني عمر بن أسلم ، قال : حدثنا سعيد بن يوسف البصري ، عن خالد بن عبد الرحمن المدائني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي ذر الغفاري رحمه‌الله قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضرب كتف علي بن أبي طالب بيده ، وقال : يا علي من أحبنا فهو العربي ، ومن أبغضنا فهو العلج (١) ، شيعتنا أهل البيوتات والمعادن والشرف ، ومن كان مولده صحيحا ، وما على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء ، إن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القوم البنيان.

٣٢٣ / ٢٥ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرنا الحسن بن علي الزعفراني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، قال : حدثنا لوط بن يحيى ، قال : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه ، قال : لما بويع عثمان سمعت المقداد بن الأسود الكندي يقول لعبد الرحمن بن عوف : والله يا عبد الرحمن ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم.

فقال له عبد الرحمن : وما أنت وذاك يا مقداد؟

قال : إني والله أحبهم لحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعتريني والله وجد لا أبثه بثة ، لتشرف قريش على الناس بشرفهم ، واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أيديهم.

فقال له عبد الرحمن : ويحك والله لقد اجتهدت نفسي لكم.

فقال له المقداد : والله لقد تركت رجلا من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون ، أما والله لو أن لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم يوم بدر وأحد.

فقال له عبد الرحمن : ثكلتك. أمك يا مقداد لا يسمعن هذا الكلام منك الناس ، أما والله إني لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة.

__________________

(١) العلج : الكافر من العجم.

١٩١

قال جندب : فأتيته بعد ما انصرف من مقامه ، فقلت له : يا مقداد أنا من أعوانك.

فقال : رحمك الله ، إن الذي نريد لا يغني فيه الرجلان والثلاثة ، فخرجت من عنده وأتيت علي بن أبي طالب عليه‌السلام فذكرت له ما قال وقلت ، قال : فدعا لنا بخير.

٣٢٤ / ٢٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحكيمي ، قال : حدثنا إسماعيل ابن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير اللخمي ، قال : قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية ، ومع معاوية على السرير الأحنف بن قيس والحتات المجاشعي ، فقال له معاوية : من أنت؟ قال : أنا جارية بن قدامة. قال : وكان قليلا (١) ، فقال له معاوية : ما عسيت أن تكون هل أنت إلا نحلة؟ فقال : لا تفعل يا معاوية قد شبهتني بالنحلة ، وهي والله حامية اللسعة حلوة البصاق ، والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب ، ولا أمية إلا تصغير أمة. فقال معاوية : لا تفعل. قال : إنك فعلت ففعلت.

قال له : فادن اجلس معي على السرير. فقال : لا أفعل. قال : ولم؟ قال : لأني رأيت هذين قد أماطاك (٢) عن مجلسك ، فلم أكن لأشاركهما.

قال له معاوية : ادن أسارك ، فدنا منه فقال : يا جارية ، إني اشتريت من هذين الرجلين دينهما. قال : ومني فاشتر يا معاوية. قال له : لا تجهر.

٣٢٥ / ٢٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الحكيمي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : أخبرنا داود بن المحبر ، قال : حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا خالد بن يزيد اليماني ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته.

__________________

(١) القليل : القصير النحيف.

(٢) أماطه : نحاه وأبعده.

١٩٢

٣٢٦ / ٢٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم بن البراء المعروف بابن الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان ، قال : حدثنا محمد بن مروان الذهلي ، عن عمرو بن سيف الأزدي ، قال : قال لي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام : لا تدع طلب الرزق من حله ، فإنه أعون لك على دينك ، وأعقل راحلتك وتوكل.

٣٢٧ / ٢٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن غالب ، قال : حدثنا الحسين بن علي بن رياح ، عن سيف بن عميرة ، قال : حدثني محمد بن مروان ، قال : حدثني عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد عليهما‌السلام ، قال : ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة : عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم ، ورجل أم قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط.

٣٢٨ / ٣٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن إبراهيم ، قال : حدثني الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، نوديت : يا محمد استوص بعلي خيرا ، فإنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين يوم القيامة.

٣٢٩ / ٣١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثني عثمان بن أبي شيبة ، عن عمرو بن ميمون ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي

١٩٣

طالب عليه‌السلام على منبرالكوفة : أيها الناس ، إنه كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر خصال ، لهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت أقرب الخلائق إلي يوم القيامة في الموقف بين يدي الجبار ، ومنزلك في الجنة مواجه منزلي كما تتواجه منازل الاخوان في الله ( عزوجل ) ، وأنت الوارث مني ، وأنت الوصي من بعدي في عداتي وأسرتي ، وأنت الحافظ لي في أهلي عند غيبتي ، وأنت الامام لامتي ، والقائم بالقسط في رعيتي ، وأنت وليي ، ووليي ولي الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله.

٣٣٠ / ٣٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الحميد بن خلف ، قال : حدثنا محمد بن عمرو بن عتبة ، عن حسين الأشقر ، عن محمد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : من دمعت عينه دمعة لدم سفك لنا ، أو حق لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لاحد من شيعتنا ، بوأه الله ( تعالى ) بها في الجنة حقبا.

٣٣١ / ٣٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن أسد الأصبهاني ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان ، قال : حدثني علي بن أبي سيف ، عن علي بن خباب ، عن ربيعة وعمارة وغيرهما : أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثيرهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من الدنيا ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، اعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ، ومن يخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ، لا والله لا أفعلن ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم ، والله لو كان مالي لواسيت بينهم ، وكيف وإنما هو أموالهم؟!

١٩٤

قال : ثم أرم (١) أمير المؤمنين عليه‌السلام طويلا ساكتا ، ثم قال : من كان له مال فإياه والفساد ، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف ، وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا والآخرة فهو يضيعه عند الله ( عزوجل ) ، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم ، فإن بقي معه من يوده ويظهر له الشكر ، فإنما هو ملق وكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل ، فإن زلت بصاحبه النعل فاحتاج إلى معونته أو مكافأته ، لشر خليل والام خدين (٢) ، ومن ضيع المعروف فيما أتاه فليصل به القرابة ، وليحسن فيه الضيافة ، وليفك به العاني ، وليعن به الغارم ، وابن السبيل ، والفقراء ، والمجاهدين في سبيل الله ، وليصبر نفسه على النوائب والحقوق ، فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الآخرة.

٣٣٢ / ٣٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا علي بن الحسين ، قال : حدثنا العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا إسحاق ، كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت؟ قال : يأتوني إلى المنزل فأعطيهم. فقال لي : ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين ، فإياك إياك ، إن الله ( تعالى ) يقول : من أذل لي وليا فقد أرصد لي بالمحاربة.

٣٣٣ / ٣٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر عنده المؤمن وما يجب من حقه ، فالتفت إلي أبو عبد الله عليه‌السلام فقال لي : يا أبا الفضل ، ألا أحدثك بحال المؤمن عند الله؟ فقلت : بلى فحدثني جعلت فداك.

__________________

(١) أي أمسك وسكت.

(٢) الخدين : الصاحب.

١٩٥

فقال : إذا قبض الله روح المؤمن صعد ملكاه إلى السماء فقالا : يا ربي عبدك ونعم العبد ، كان سريعا إلى طاعتك ، بطيئا عن معصيتك ، وقد قبضته إليك ، فما تأمرنا من بعده؟ فيقول الجليل الجبار : اهبطا إلى الدنيا ، وكونا عند قبر عبدي ، وسبحاني ومجداني وهللاني وكبراني واكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره.

ثم قال لي : ألا أزيدك؟ قلت : بلى. فقال : إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه ، فكلما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تجزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله ( عزوجل ) ، قال : فما يزال يبشره بالسرور والكرامة من الله ( سبحانه ) حثى يقف بين يدي الله ( عزوجل ) ويحاسبه حسابا يسيرا ، ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه ، فيقول له المؤمن : يرحمك الله ، نعم الخارج معي من قبري ، ما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله ( عزوجل ) حتى كان ذلك ، فمن أنت؟ فيقول له المثال : أنا السرور الذي أدخلته على أخيك في الدنيا خلقني الله منه لأبشرك.

٣٣٤ / ٣٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد الجعفي ، عن أبيه ، قال : كنت كثيرا ما أشتكي عيني ، فشكوت ذلك إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : ألا أعلمك دعاء لد نياك وآخرتك وتكفى به وجع عينيك؟ فقلت : بلى.

فقال : تقول في دبر الفجر ودبر المغرب : « اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل النور في بصري ، والبصيرة في ديني ، واليقين في قلبي ، والاخلاص في عملي ، والسلامة في نفسي ، والسعة في رزقي ، والشكر لك أبدا ما أبقيتني ».

٣٥٥ / ٣٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه رحمه‌الله ، قال : حدثني محمد بن يعقوب ، عن علي إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت

١٩٦

أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : رأس طاعة الله الرضا بما صنع الله فيما أحب العبد وفيما كره ، ولم يصنع الله ( تعالى ) بعبد شيئا إلا وهو خير له.

٣٣٦ / ٣٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله محمد ابن محمد بن طاهر ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني أحمد بن الحسين بن سعيد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني ظريف بن ناصح ، عن محمد بن عبد الله الأصم الأعلم ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : سمعت أبي عليه‌السلام يقول لجماعة من أصحابه : والله لو أن على أفواهكم أوكية (١) لأخبرت كل رجل منكم ما لا يستوحش معه إلى شئ ، ولكن قد سبقت فيكم الإذاعة والله بالغ أمره

٣٣٧ / ٣٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي ، قال : حدثنا سليمان بن الربيع النهدي ، قال : حدثنا نصر بن مزاحم المنقري ، قال أبو الحسن علي ابن بلال : وحدثني علي بن عبد الله بن أسد بن منصور الأصبهاني ، قال : حدثنا إبراهيم ابن محمد بن هلال الثقفي ، قال : حدثني محمد بن علي ، قال : حدثنا نصر بن مزاحم ، عن يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن علي بن الحزور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى علي عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء القوم الذين تقاتلهم ، الدعوة واحد ة ، والرسول واحد ، والصلاة واحد ة ، والحج واحد ، فبم نسميهم؟

قال : سمهم بما سماهم الله ( تعالى ) في كتابه. فقال : ماكل ما في كتاب الله أعلمه قال : أما سمعت الله ( تعالى ) يقول في كتابه : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى أبن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات

__________________

(١) الأوكية : جمع وكاء ، وهو الغطاء.

١٩٧

ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر )؟ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله ( عز وحل ) وبالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب ، وبالحق ، فنحن الذين آمنوا وهم الذ ين كفروا ، وشاء الله قتالهم بمشيئته وإرادته.

٣٣٨ / ٤٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله محمد ابن طاهر ، قال : حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني عبد الله بن أحمد بن المستورد ، قال : حدثني عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد بن مدرك الحارثي ، قال : دخلت مع عمي عامر بن مدرك على أبي عبد الله جعفر ابن محمد عليهما‌السلام فسمعته يقول : من أعان على مؤمن بشطر كلمة ، لقي الله وبين عينيه مكتوب : آيس من رحمة الله.

٣٣٩ / ٤١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : أخبرنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا جبلة بن محمد بن جبلة الكوفي ، قال : حدثني أبي ، قال : اجتمع عندنا السيد بن محمد الحميري وجعفر بن عفان الطائي ، فقال له السيد : ويحك أتقول في آل محمد عليهم‌السلام شرا! :

ما بال بيتكم يخرب سقفه

وثيابكم من أرذل الأثواب

فقال جعفر : فما أنكرت من ذلك؟

فقال له السيد : إذا لم تحسن المدح فاسكت ، أيوصف آل محمد بمثل هذا؟! ولكني أعذرك ، هذا طبعك وعلمك ومنتهاك ، وقد قلت أمحو عنهم عار مدحك :

أقسم بالله وآلائه

والمرء عما قال مسؤول

إن علي بن أبي طالب

على التقي والبر مجبول

وإنه كان الامام الذي

له على الأمة تفضيل

يقول بالحق ويعنى به

ولا تلهيه الأباطيل

كان إذا الحرب مرتها القنا

وأحجمت عنها البهاليل

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٥٣.

١٩٨

يمشي إلى القرن وفي كفه

أبيض ماضي الحد مصقول

مشى العفرني (١) بين أشباله

أبرزه للقنص الغيل (٢)

ذاك الذي سلم في ليلة

عليه ميكال وجبريل

ميكال في ألف وجبريل في

ألف ويتلوهم سرافيل

ليلة بدر مددا أنزلوا

كأنهم طير أبابيل

فسلموا لما أتوا حذوه

وذاك إعظام وتبجيل

كذا يقال فيه يا جعفر ، وشعرك يقال مثله لأهل الخصاصة والضعف ، فقبل جعفر رأسه وقال : أنت والله الرأس يا أبا هاشم ، ونحن الأذناب.

٣٤٠ / ٤٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال : حدثني إسماعيل بن علي بن عبد الرحمن البربري الخزاعي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عيسى بن حميد الطائي ، قال : حدثنا أبي حميد بن قيس ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام يقول : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء ، فقال للناس : إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها ، فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعا من أرضها قال : ما هذه الأرض؟ قيل : أرض بحرا. فقال : أرض سباخ جنبوا ويمنوا.

فلما أتى يمنه السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له : يا راهب ، أنزل هاهنا؟ فقال له الراهب : لا تنزل هذه الأرض بجيشك. قال : ولم؟ قال : لأنه لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه ، يقاتل في سبيل الله ( عزوجل ) ، هكذا نجد في كتبنا.

فقال له أمير المؤمنين : فأنا وصي سيد الأنبياء ، وسيد الأوصياء. فقال له الراهب : فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال له أمير المؤمنين : أنا

__________________

(١) يقال : أسد غفرني ، أي شديد قوي.

(٢) الغيل : كل موضع في ماء من واد ونحوه. والغيل : الشجر الكثيف الملتف ، ويطلق على موضع الأسد أيضا.

١٩٩

ذلك.

فنزل الراهب إليه ، فقال : خذ علي شرائع الاسلام ، إني وجدت في الإنجيل نعتك ، وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى عليه‌السلام.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قف ولا تخبرنا بشئ ، ثم أتى موضعا فقال : الكزوا (١) هذه ، فلكزه برجله عليه‌السلام فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم التي انبعقت لها ، ثم قال : اكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعا ، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال علي عليه‌السلام : على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا؟ فنصب أمير المؤمنين عليه‌السلام الصخرة وصلى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة ، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة ، ثم قال : أرض براثا ، هذا بيت مريم عليها‌السلام ، هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء.

قال أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام : ولقد وجدنا أنه صلى فيه إبرا هيم عليه‌السلام قبل عيسى عليه‌السلام.

٣٤١ / ٤٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أبي الجوزاء المنبه بن عبيد الله ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. يا علي ، إن الله ( تعالى ) أمرني أن أتخذك أخا ووصيا ، فأنت أخي ووصيي ، وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي ، من تبعك فقد تبعني ، ومن تخلف عنك فقد تخلف عني ، ومن كفر بك فقد كفرني ، ومن ظلمك فقد ظلمني. يا علي ، أنت مني وأنا منك. يا علي ، لولا أنت لما قوتل أهل النهر.

قال : فقلت يا رسول الله ، ومن أهل النهر؟ قال : قوم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية.

__________________

(١) لكز ه : ضربه بجمع كفه.

٢٠٠