الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

المؤوي لطريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنكم صرتم بعده الامراء ، وبايعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.

قال : فحملناه ، فأتينا به قبر أمه فاطمة عليها‌السلام فدفناه إلى جنبها ( رضي‌الله‌عنه وأرضاه ).

قال ابن عباس : وكنت أول من انصرف فسمعت اللغط وخفت أن يعجل الحسين عليه‌السلام على من قد أقبل ، ورأيت شخصا علمت الشر فيه ، فأقبلت مبادرا فإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم وتأمرهم بالقتال ، فلما رأتني قالت : إلي إلي يا بن عباس ، لقد اجترأتم علي في الدنيا تؤذونني مرة بعد أخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب.

فقلت : وا سوأتاه! يوم على بغل ، ويوم على جمل ، تريدين أن تطفئي فيه نور الله ، وتقاتلي أولياء الله ، وتحولي بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين حبيبه أن يدفن معه ، ارجعي فقد كفى الله ( تعالى ) المؤنة ، ودفن الحسن إلى جنب أمه ، فلم يزدد من الله ( تعالى ) إلا قربا ، وما ازددتم منه والله إلا بعدا ، يا سوأتاه! انصرفي فقد رأيت ما سرك.

قال : فقطبت في وجهي ، ونادت بأعلى صوتها : أما نسيتم الجمل يا بن عباس ، إنكم لذوو أحقاد. فقلت : أما والله ما نسيه أهل السماء ، فكيف ينساه أهل الأرض؟! فانصرفت وهي تقول :

فألقت عصاها فاستقرت بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

٢٦٨ / ٢٠ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب الزراد ، عن أبي محمد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب ، قال : كنت جالسا عند جعفر بن محمد عليهما‌السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر ، فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال له أبو عبد الله : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، يا شيخ ادن مني ، فدنا منه فقبل يده فبكى ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : وما يبكيك يا شيخ؟

قال له : يا بن رسول الله ، أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة ، أقول

١٦١

هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم ، ولا أراه فيكم ، فتلومني أن أبكي! قال : فبكى أبو عبد الله عليه‌السلام ثم قال : يا شيخ ، إن أخرت منيتك كنت معنا ، وإن عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال الشيخ : ما أبالي ما فاتني بعد هذا يا بن رسول الله.

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : يا شيخ ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله المنزل ، وعترتي أهل بيتي ، تجئ وأنت معنا يوم القيامة.

قال : يا شيخ ، ما أحسبك من أهل الكوفة. قال : لا. قال : فمن أين أنت؟ قال : من سوادها جعلت فداك.

قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين عليه‌السلام؟ قال : إني لقريب منه قال : كيف إتيانك له؟ قال : إني لآتيه وأكثر.

قال : يا شيخ ، ذاك دم يطلب الله ( تعالى ) به ، ما أصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين عليه‌السلام ، ولقد قتل عليه‌السلام في سبعة عشر من أهل بيته ، نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم أحسن جزاء الصابرين ، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسين عليه‌السلام ويده على رأسه بقطر دما فيقول : يا رب ، سل أمتي فيم قتلوا ولدي.

وقال عليه‌السلام. كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه‌السلام.

٢٦٩ / ٢١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن سفيان الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا الوليد بن أبي ثور ، قال : حدثنا محمد بن سليمان ، قال : حدثني عمي ، قال : لما خفنا أيام الحجاج ، خرج نفر منا من الكوفة مستترين ، وخرجت معهم فصرنا إلى كربلاء ، وليس بها موضع نسكنه ، فبنينا كوخا على شاطئ الفرات وقلنا ناوي إليه ، فبينا نحن

١٦٢

فيه إذ جاءنا رجل غريب فقال : أصير معكم في هذا الكوخ الليلة فإني عابر سبيل ، فأجبناه وقلنا غريب منقطع به.

فلما غربت الشمس وأظلم الليل أشعلنا ، فكنا نشعل بالنفط ، ثم جلسنا نتذاكر أمر الحسين بن علي عليهما‌السلام ومصيبته وقتله ومن تولاه ، فقلنا : ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا رماه الله ببلية في بدنه. فقال ذلك الرجل : فأنا قد كنت فيمن قتله ، والله ما أصابني سوء ، له ، وإنكم يا قوم تكذبون؟ فأمسكنا عنه ، وقل ضوء النفط ، فقام ذلك الرجل ليصلح الفتيلة بإصبعه ، فأخذت النار كفه ، فخرج ونادى حتى ألقى نفسه في الفرات يتغوص به ، فوالله لقد رأيناه يدخل رأسه في الماء والنار على وجه الماء ، فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه فتغوصه إلى الماء ، ثم يخرجه فتعود إليه ، فلم يزل ذلك دأبه حتى هلك.

٢٧٠ / ٢٢ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه رحمه‌الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن منصور بزرج ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، في قول الله ( عزوجل ) : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) (١).

قال : النجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعلامات الأئمة من بعده عليهم‌السلام.

٢٧١ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن صالح بن حمزة ، عن الحسين بن عبد الله ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأصحابه : اعلموا يقينا أن الله ( تعالى ) لم يجعل للعبد ـ وإن عظمت حيلته ، واشتد طلبه ، وقويت مكائده ـ أكثر مما سنى له في الذكر الحكيم ، فالعارف بهذا العاقل له أعظم الناس راحة في منفعته ، والتارك له أعظم الناس شغلا

__________________

(١) سورة النحل ١٦ : ١٦.

١٦٣

في مضرته ، والحمد لله رب العالمين. ورب منعم عليه مستدرج ، ورب مبتلى عند الناس مصنوع له ، فأبق أيها المستمع من سعيك ، وقصر من عجلتك ، واذكر قبرك ومعادك ، فإن إلى الله مصيرك ، وكما تدين تدان.

٢٧٢ / ٢٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني ، قال : حدثنا داود بن سليمان الغازي ، قال : حدثنا الرضا علي بن موسى ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم وعلى المعترض عليهم والساب لهم ، ( أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) (١).

٢٧٣ / ٢٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا علي بن محمد بن مسعدة ، قال : حدثني جدي مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : والله لا يهلك هالك على حب علي عليه‌السلام إلا رآه في أحب المواطن إليه ، والله لا يهلك هالك على بغض علي عليه‌السلام إلا رآه في أبغض المواطن إليه.

٢٧٤ / ٢٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن الحسين البصري البزاز ، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن مهدي ، عن أبيه ، عن الرضا علي ابن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبنا أهل البيت يكفر الذنوب ، ويضاعف الحسنات ، وإن الله ( تعالى ) ليتحمل عن محبينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد ، إلا ما كان منهم فيها على إصرار وظلم للمؤمنين ،

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٧٧.

١٦٤

فيقول للسيئات : كوني حسنات.

٢٧٥ / ٢٧ ـ أخبرني محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن المظفر بن محمد الخراساني ، قال : حدثنا محمد بن جعفر العلوي الحسيني ، قال : حدثنا الحسن ابن محمد بن جمهور العمي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه‌السلام : أتدري يا موسى ، لم انتجبتك من خلقي ، واصطفيتك لكلامي؟ فقال : لا ، يا رب ، فأوحى الله إليه : أني اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك ، فخر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا منه لربه ( عزوجل ) ، فأوحى الله إليه : ارفع رأسك يا موسى ، وامر يدك موضع سجودك ، وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك ، فإنه أمان من كل سقم دواء وآفة وعاهة.

٢٧٦ / ٢٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني القاضي أبو بكر محمد بن عمر المعروف بالجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : أخبرنا محمد بن يوسف بن إبراهيم الورداني ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا وهيب بن حفص ، عن أبي حسان العجلي ، قال : لقيت أمة الله بنت رشيد الهجري فقلت لها : أخبريني بما سمعت من أبيك. قالت : سمعته يقول : قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا رشيد ، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أيكون آخر ذلك إلى الجنة؟ قال : نعم يا رشيد ، وأنت معي في الدنيا والآخرة.

قالت : فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأبى أن يتبرأ منه ، فقال له ابن زياد : فبأي ميتة قال لك صاحبك تموت؟ قال : أخبرني خليلي صلوات الله عليه أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرأ ، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني.

فقال : والله لأكذبن صاحبك ، قدموه فاقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه ، فقطعوه ثم حملوه إلى منزلنا فقلت له : يا أبه جعلت فداك ، هل تجد لما أصابك ألما؟ قال :

١٦٥

والله لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس.

ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يترجعون له فقال : إئتوني بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون مما أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأتوه بصحيفة ودواة ، فجعل يذكر ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه ، فمات من ليلته تلك رحمه‌الله ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسميه رشيد المبتلى ، وكان قد ألقى عليه‌السلام إليه علم البلايا والمنايا ، فكان يلقى الرجل فيقول له : يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا ، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا ، فيكون الامر كما قاله رشيد رحمه‌الله.

٢٧٧ / ٢٩ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار ، قال : حدثنا محمد بن يحيى بن سلمان ، قال : حدثنا يحيى بن داود ، قال : حدثنا جعفر بن إسماعيل ، قال : أخبرنا عمرو بن أبي عمرو ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر.

٢٧٨ / ٣٠ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني ، قال : حد ثنا داود بن سليمان ، قال : حدثنا الرضا علي بن موسى ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله ( عزوجل ) : يا بن آدم ، كلكم ضال إلا من هديت ، وكلكم عائل إلا من أغنيت ، وكلكم هالك إلا من أنجيت ، فاسألوني أكفكم وأهدكم سبيل رشدكم ، فإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفاقة ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أمرضته لا فسده ذلك ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا المرض ولو أصححت جسمه لأفسده ذلك ، وإن من عبادي لمن يجتهد في عبادتي وقيام الليل لي ، فألقي عليه النعاس نظرا

١٦٦

مني له ، فيرقد حثى يصبح ويقوم حين يقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ، ولو خليت بينه وبين ما يريد لدخله العجب بعمله ، ثم كان هلاكه في عجبه ورضاه من نفسه ، فيظن أنه قد فاق العابدين وجاز باجتهاده حد المقصرين فيتباعد بذلك مني ، وهو يظن أنه يتقرب إلي ، فلا يتكل العاملون على أعمالهم وإن حسنت ، ولا ييأس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم وإن كثرت ، لكن برحمتي فليثقوا ، ولفضلي فليرجوا ، وإلى حسن نظري فليطمئنوا ، وذلك أني أدبر عبادي بما يصلحهم ، وأنا بهم لطيف خبير.

٢٧٩ / ٣١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسين البزوفري رحمه‌الله عن أبيه الحسين بن علي بن سفيان ، قال : حدثنا عبد الله بن زيدان البجلي ، قال : حدثنا الحسن بن أبي عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سلم علي في شئ من الأرض أبلغته ، ومن سلم علي عند القبر سمعته.

٢٨٠ / ٣٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام : من تعلم لله ، وعمل لله ، وعلم لله ، دعي في ملكوت السماوات عظيما ، فقيل : تعلم لله ، وعمل لله ، وعمل لله (١).

٢٨١ / ٣٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو حفص عمر بن محمد بن علي ابن الزيات ، قال : أخبرني أبو عبد الله الحسين بن يحيى بن العباس التمار ، قال : حدثنا الحسن بن عبيد الله ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان ، قال : كنا مع سلمان الفارسي رحمه‌الله تحت شجرة ،

__________________

(١) تقدم في الحديث : ٥٨.

١٦٧

فأخذ غصنا منها ، فنفضه فتساقط ورقه ، فقال : ألا تسألوني عما صنعت؟ فقلنا : خبرنا ، فقال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ظل شجرة فأخذ غصنا منها ، فنفضه فتساقط ورقه ، فقال : ألا تسألوني عما صنعت؟ فقلنا : أخبرنا ، يا رسول الله ، قال : إن العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاتت (١) عنه خطاياه ، كما تحات ورق هذه الشجرة.

٢٨٢ / ٣٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن خالد الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد يقول : لم يزل الله ( جل اسمه ) عالما بذاته ولا معلوم ، ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور.

قلت له : جعلت فداك ، فلم يزل متكلما؟ فقال : الكلام فحدث ، كان الله ( عزوجل ) وليس بمتكلم ، ثم أحدث الكلام.

٢٨٣ / ٣٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن صبيح ، عن يحيى بن مساور ، عن علي بن حزور ، عن الهيثم بن عوف ، عن خالد بن عرعرة ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : إن بالكوفة مساجد مباركة ، ومساجد ملعونة ، فأما المباركة فمنها مسجد غني وهو مسجد مبارك ، والله إن قبلته لقاسطة ، ولقد أسسه رجل مؤمن ، وإنه لفي سرة الأرض ، وإن بقعته لطيبة ، ولا تذهب الليالي والأيام حتى تنفجر فيه عيون ، ويكون على جنبه جنتان ، وإن أهله ملعونون وهو مسلوب منهم. ومسجد جعفي مسجد مبارك ، وربما اجتمع فيه أناس من العرب من أوليائنا فيصلون فيه. ومسجد بني ظفر مسجد مبارك ، والله إن فيه لصخرة خضراء ، وما بعث الله نبي إلا فيها تمثال وجهه ، وهو مسجد السهلة. ومسجد الحمراء وهو مسجد يونس بن متى عليه‌السلام ، ولتنفجرن

__________________

(١) أي تناثرت.

١٦٨

فيه عين تظهر على السبخة وما حولها.

وأما المساجد الملعونة فمسجد الأشعث بن قيس ، ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ، ومسجد ثقيف ، ومسجد سماك ، ومسجد بالحمراء بني على قبر فرعون من الفرا عنة.

٢٨٤ / ٣٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عبيد الله بن إسحاق الضبي ، عن حمزة بن نصر ، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي ، قال : لما رجعت رسل أمير المؤمنين عليه‌السلام من عند طلحة والزبير وعائشة ، يؤذنونه بالحرب ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد وآله ، ثم قال :

يا أيها الناس ، إني قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا (١) أو يرجعوا ، وقد وبختهم بنكثهم وعرفتهم بغيهم ، فليسوا يستجيبون ، ألا وقد بعثوا إلي أن أبرز للطعان ، واصبر للجلاد ، فإنما منتك نفسك من أبنائنا الأباطيل ، هبلتهم الهبول (٢) ، قد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب ، وأنا على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر ، وإني لعلى يقين من ربي ، وفي غير شبهة من أمري.

أيها الناس ، إن الموت لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيص ، من لم يمت يقتل ، إن أفضل الموت القتل ، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش.

يا عجبا لطلحة ، ألب على ابن عفان حتى إذا قتل أعطاني صفقة يمينه طائعا ، ثم نكث بيعتي ، وطفق ينعى ابن عفان ظالما ، وجاء يطلبني يزعم بدمه ، والله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث : لئن كان ابن عفان ظالما ، كما كان يزعم حين حصره

__________________

(١) أي يكفوا.

(٢) هبلتهم : ثكلتهم ، والهبول : المرأة الثكول.

١٦٩

وألب عليه ، إنه لينبغي أن يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه ، وإن كان في تلك الحال مظلوما ، إنه لينبغي أن يكون معه ، وإن كان في شك من الخصلتين ، لقد كان ينبغي أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانبا ، فما فعل من هذه الخصال واحدة ، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته ، اللهم فخذه ولا تمهله.

ألا وإن الزبير قطع رحمي وقرابتي ، ونكث بيعتي ، ونصب لي الحرب ، وهو يعلم أنه ظالم لي ، اللهم فاكفنيه بما شئت.

٢٨٥ / ٣٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن مالك النحوي ، قال : حدثنا الحسين بن عطاء الصواف ، قال : حدثنا محمد بن سعيد النصري ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الأصباغي ، عن عطاء بن مسلم ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال : كنت غازيا زمن معاوية بخراسان ، وكان علينا رجل من التابعين فصلى بنا يوما الظهر ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنه قد حدث في الاسلام حدث عظيم ، لم يكن منذ قبض الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله ، بلغني أن معاوية قتل حجرا وأصحابه ، فإن يك عند المسلمين غير فسبيل ذلك ، له وإن لم يكن عندهم غير فأسأل الله أن يقبضني إليه ، وأن يعجل ذلك. قال الحسن بن أبي الحسن : فلا والله ما صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه الصياح.

٢٨٦ / ٣٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا الحسن ابن القاسم ، عن علي بن إبراهيم بن يعلى التيمي ، قال : حدثني علي بن سيف بن عميرة ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ما نزلت آية إلا وأنا عالم متى نزلت ، وفي من أنزلت ، ولو سألتموني عما بين اللوحين لحدثتكم.

٢٨٧ / ٣٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن مالك

١٧٠

النحوي ، قال : أخبرني أبو الحسن (١) أحمد بن علي المعدل بحلب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الأصفهاني ، قال : حدثنا عمر بن قيس المكي ، عن عكرمة صاحب ابن عباس ، قال : لما حج معاوية نزل المدينة فاستؤذن لسعد بن أبي وقاص عليه ، فقال لجلسائه : إذا أذنت لسعد وجلس فخذوا من علي بن أبي طالب ، فإذن له ، وجلس معه على السرير.

قال : وشتم القوم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، فانسكبت عينا سعد بالبكاء ، فقال له معاوية : ما يبكيك يا سعد؟ أتبكي أن يشتم قاتل أخيك عثمان بن عفان؟ قال : والله ما أملك البكاء ، خرجنا من مكة مهاجرين حتى نزل هذا المسجد ـ يعني مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وكان فيه مبيتنا ومقيلنا ، إذ أخرجنا منه وترك علي بن أبي طالب فيه ، فاشتد ذلك علينا وهبنا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نذكر ذلك له ، فأتينا عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين ، إن لنا صحبة مثل صحبة علي ، وهجرة مثل هجرته ، وإنا قد أخرجنا من المسجد وترك فيه ، فلا ندري من سخط من الله ، أو من غضب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فاذكري له ذلك فانا نهابه ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لما : يا عائشة ، لا والله ما أنا أخرجتهم ، ولا أنا أسكنته ، بل الله أخرجهم وأسكنه.

وغزونا خيبر فانهزم عنها من انهزم فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فدعاه وهو أرمد فتفل في عينه وأعطاه الراية ففتح الله له.

وغزونا تبوك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فودع علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ثنية الوداع وبكى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك؟ فقال كيف لا أبكي ولم أتخلف عنك في غزاة منذ بعثك الله ( تعالى ) ، فما بالك تخلفني في هذه الغزاة؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فقال علي عليه‌السلام : بل رضيت.

__________________

(١) في نسخة : الحسين.

١٧١

٢٨٨ / ٤٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : أخبرنا الحسن بن القاسم ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن يعلى التيمي ، قال : حدثنا علي بن سيف بن عميرة ، عن أبيه ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن حمران بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه ، قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : والله لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعداءنا ، ولأوردنه (١) أحباءنا.

٢٨٩ / ٤١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر ، عن أبي العباس أحمد بن محمد ، عن يحيى بن زكريا بن شيبان ، عن الحسين بن سفيان ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن المشمعل ، قال : حدثنا أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : من دعا الله بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك.

٢٩٠ / ٤٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : إذا دعا أحدكم فليبدأ. بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مقبولة ، ولم يكن الله ليقبل بعض الدعاء ويرد بعضا.

٢٩١ / ٤٣ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمد بن الحسن ، عن محمد ابن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبان ابن عثمان ، عن بحر السقاء ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : إن من روح الله ( تعالى ) ثلاثة : التهجد بالليل ، وإفطار الصائم ، ولقاء الاخوان.

__________________

(١) في نسخة : وليردنه.

١٧٢

٢٩٢ / ٤٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد ابن عبد الحميد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو بن عتبة ، قال : حدثنا الحسن بن المبارك ، قال : حدثنا العباس بن عامر ، عن مالك الأحمسي ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ ابن نباتة ، قال : كنت أركع عند باب أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنا أدعو الله ، إذ خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : يا أصبغ. فقلت : لبيك. قال أي شئ كنت تصنع؟ قلت : ركعت وأنا أدعو. قال : أفلا أعلمك دعاء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : بلى. قال : قل : « الحمد لله على ما كان ، والحمد لله على كل حال » ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الأيسر ، وقال : يا أصبغ ، لئن ثبتت قدمك ، وتمت ولايتك ، وانبسطت يدك ، فالله أرحم بك من نفسك.

٢٩٣ / ٤٥ ـ أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي ابن محمد الكاتب ، قال : أخبرنا الحسن بن علي بن عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن زيد بن المعدل ، عن يحيى بن صالح الطيالسي ، عن إسماعيل بن زياد ، عن ربيعة بن ناجذ ، قال : لما وجه معاوية بن أبي سفيان ، سفيان بن عوف الغامدي إلى الأنبار للغارة ، بعثه في ستة آلاف فارس ، فأغار على هيت والأنبار ، وقتل المسلمين ، وسبى الحريم ، وعرض الناس على البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، استنفر أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس وقد كانوا تقاعدوا عنه ، واجتمعوا على خذلانه ، وأمر مناديه في الناس فاجتمعوا ، فقام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال :

أما بعد : أيها الناس ، فوالله لأهل مصركم في الأمصار أكثر في العرب من الأنصار ، وما كانوا يوم عاهدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات الله إلا قبيلتين صغير مولدهما ، ما هما بأقدم العرب ميلادا ، ولا بأكثره عددا ، فلما آووا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، ونصروا الله ودينه ، رمتهم العرب عن قوس واحدة ، وتحالفت عليهم اليهود ، وغزتهم القبائل قبيلة

١٧٣

بعد قبيلة ، فتجردوا للدين ، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل ، وما بينهم وبين اليهود من العهود ، ونصبوا لأهل نجد وتهامة وأهل مكة واليمامة وأهل الحزن وأهل السهل قناة الدين والصبر تحت حماس الجلاد ، حتى دانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العرب ، فرأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضه الله إليه ، فأنتم في الناس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب.

فقال إليه رجل آدم (١) طوال فقال : ما أنت كمحمد ، ولا نحن كأولئك الذين ذكرت ، فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أحسن مسمعا تحسن إجابة ، ثكلتكم الثواكل ما تزيدونني إلا غما ، هل أخبرتكم أني مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنكم مثل أنصاره ، وإنما ضربت لكم مثلا ، وأنا أرجو أن تأسوا بهم.

ثم قام رجل آخر فقال : ما أحوج أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن معه إلى أصحاب النهروان!

ثم تكلم الناس من كل ناحية ولغطوا ، فقام رجل فقال بأعلى صوته : استبان فقد الأشتر ، على أهل العراق ، لو كان حيا لقل اللغط ، ولعلم كل امرئ ما يقول.

فقال لهم أمير المؤمنين ( صلوت الله عليه ) : هبلتكم الهوابل ، لأنا أوجب عليكم حقا من الأشتر ، وهل للأشتر عليكم من الحق إلا حق المسلم على المسلم؟ وغضب فنزل.

فقام حجر بن عدي وسعد بن قيس ، فقالا : لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين ، مرنا بأمرك نتبعه ، فوالله العظيم ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تفرق ، ولا على عشائرنا أن تقتل في طاعتك ، فقال لهم : تجهزوا للسير إلى عدونا.

ثم دخل منزله عليه‌السلام ودخل عليه وجوه أصحابه ، فقال لهم : أشيروا علي برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد؟ فقال سعد بن قيس : عليك يا أمير المؤمنين بالناصح الاريب الشجا ع الصليب معقل بن قيس التميمي ، قال : نعم ، ثم

__________________

(١) الادم : الأسمر.

١٧٤

دعاه فوجهه وسار ، ولم يعد حتى أصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢٩٤ / ٤٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن عامر القصباني ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن بريد العجلي ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : لما توفيت خديجة ( رضي‌الله‌عنها ) جعلت فاطمة ( صلوت الله عليها ) تلوذ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتدور حوله ، وتقول : يا أبه ، أين أمي؟ قال : فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام ، وتقول لها : إن أمك في بيت من قصب ، كعابه (١) من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر ، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام.

٢٩٥ / ٤٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا الفضل بن الحباب الجمحي ، قال : حدثنا الحسين بن عبد الله (٢) الابلي ، قال : حدثنا أبو خالد الأسدي ، عن أبي بكر بن عياش ، عن صدقة بن سعيد الحنفي ، عن جميع بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول : انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العقبة فقال : لا يجاوزها أحد ، فعوج الحكم بن أبي العاص فمه مستهزئا به صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اشترى شاة مصراة (٣) فهو بالخيار ، فعوج الحكم فمه ، فبصر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا عليه فصرع شهرين ثم أفاق ، فأخرجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المدينة طريدا ونفاه عنها.

٢٩٦ / ٤٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرني أبو الحسن علي ابن خالد المراغي ، قال : حدثنا العباس بن الوليد ، قال : حدثنا القناد ، عن الحسين بن

__________________

(١) الكعاب : جمع كعبة ، وهي الغرفة وكل بيت مربع.

(٢) في نسخة : عبيد الله.

(٣) المصراة : الناقة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها ، أي يجمع ويحبس.

١٧٥

سعيد ، عن أبيه ، عن هارون بن سعيد ، قال : صلى بنا الوليد بن عقبة بالكوفة صلاة الغداة ـ وكان سكرانا ـ فتغنى في الثانية منها ، وزادنا ركعة أخرى ، ونام في آخرها ، فأخذ رجل من بكر بن وائل خاتمه من يده ، فقال فيه علباء السدوسي.

تكلم في الصلاة وزاد فيها

مجاهرة وعالن بالنفاق

وفاح الخمر من سنن المصلى

ونادى والجميع إلى افتراق

أزيديكم على أن تحمدوني

فما لكم ومالي من خلاق

٢٩٧ / ٤٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو نصر محمد بن الحسين المقرئ البصير ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله البغدادي بواسط ، قال : حدثنا عيسى بن مهران ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا موسى بن قيس ، قال : حدثنا الحسين بن أسباط العبدي ، قال : سمعت عمار بن ياسر رحمه‌الله يقول عند توجهه إلى صفين : اللهم لو أعلم أنه أرض لك أن أرمي بنفسي من فرق هذا الجبل لرميت بها ، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد لنفسي نارا فأقع فيها لفعلت ، وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وأنا أريد بذلك وجهك ، وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك الكريم.

٢٩٨ / ٥٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبد الله بن أبي رافع الكاتب ، قال : حدثني جعفر بن محمد بن جعفر الحسيني ، قال : حدثنا عيسى بن مهران ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات ، قال : حدثنا أبو المقوم ثعلبة بن زيد الأنصاري ، قال : سمعت جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري رحمه‌الله يقول : تمثل إبليس لعنه الله ه في أربع صور : تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم ) (١).

وتصور يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج فنادى : أن محمدا والصباة معه

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤٨.

١٧٦

عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار : لا تخافوا فإن صوته لن يعد وهم.

وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وأشار عليهم في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أشار ، فأنزل الله ( تعالى ) : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (١).

وتصور يوم قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيها الناس ، لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية ، وسعوها تتسع ، فلا ترد وها في بني هاشم ، فتنتظر بها الحبالى.

تم المجلس السادس ، ويتلوه المجلس السابع من أمالي

الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله.

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٠.

١٧٧

١٧٨

[٧]

المجلس السابع

فيه بقية أحاديث الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.

بسم الله الرحمن الرحيم

٢٩٩ / ١ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ، قال : دخل رجل على أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ومعه صحيفة مسائل شبه الخصومة. فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : هذه صحيفة تخاصم على الدين الذي يقبل الله فيه العمل؟

فقال : رحمك الله ، هذا الذي أريد.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وتقر بما جاء من عند الله ، والولاية لنا أهل البيت ، والبراءة من عدونا ، والتسلم لنا ، والتواضع والطمأنينة ، وانتظار أمرنا ، فإن لنا دولة إن شاء الله ( تعالى ) جاء بها.

٣٠٠ / ٢ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن هشام ، عن محمد بن إسماعيل البزاز ، عن العباس بن عامر ، عن أبان بن

١٧٩

عثمان ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام يقول : إذا دخل أهل الجنة الجنة بأعمالهم ، فأين عتقاء الله من النار؟ إن لله عتقاء من النار.

٣٠١ / ٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف بن راشد ، قال : حدثنا علي بن حكيم الأودي ، قال : أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن فضيل بن غزوان ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : من أحبني رآني يوم القيامة حيث يحب ، ومن أبغضني رآني يوم القيامة حيث يكره.

٣٠٢ / ٤ ـ أخبرني جماعة ، عن أبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن سهل ، قال : أخبرنا هشام ، قال : حدثني أبو مخنف ، قال : حدثني الحارث بن حصيرة ، عن أبي صادق ، عن جندب بن عبد الله الأزدي ، قال : قام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الناس ليستنفرهم إلى أهل الشام ، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم ، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات ، فاستنفرهم بالرغبة في الجهاد والرهبة فلم ينفروا ، فأضجره ذلك فقال :

أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، كلامكم يوهن الصم الصلاب ، وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم ، إذا أمرتكم قلتم : كيت وكيت ، وليت وعسى ، أعاليل أباطيل ، وتسألوني التأخير دفاع ذي الدين المطول ، هيهات هيهات ، لا يدفع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر.

أي دار بعد داركم تمتعون ، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟! المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم.

١٨٠