الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

[٥]

المجلس الخامس

فيه بقية أحاديث الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان.

بسم الله الرحمن الرحيم

١٨٨ / ١ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأنباري الكاتب ، قال : حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي ، قال : حدثنا شعيب بن أيوب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام يخطب الناس بعد البيعة له بالامر ، فقال : نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمته ، والثاني كتاب الله ، فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعول علينا في تفسيره ، لا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه ، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله ( عزوجل ) ورسوله مقرونة ، قال ( عزوجل ) : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ) (١) ، ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

١٢١

لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) (١) وأحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان ، فإنه لكم عدو مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون ) (٢) فتلقون إلى الرماح وزرا ، وإلى السيوف جزرا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم ( لا ينفع نفسا ، إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ، إيمانها خيرا ) (٣).

١٨٩ / ٢ ـ أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر ابن محمد رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي الحسن العبدي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، قال : ما كان عبد ليحبس نفسه على الله إلا أدخله الجنة.

١٩٠ / ٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثني أحمد بن محمد الجوهري ، قال : حدثنا الحسن بن عليل العنزي ، قال : حدثنا عبد الكريم بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن منقر ، عن زياد بن المنذر ، قال : حدثنا شرحبيل ، عن أم الفضل بنت العباس ، قالت : لما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه أفاق إفاقة ونحن نبكي ، فقال : ما الذي يبكيكم؟ قلنا : يا رسول الله ، نبكي لغير خصلة ، نبكي لفراقك إيانا ، ولانقطاع خبر السماء عنا ، ونبكي الأمة من بعدك. فقال عليه‌السلام : أما إنكم المقهورون والمستضعفون من بعدي.

١٩١ / ٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أبو

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٨٣.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٤٨.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٥٨.

١٢٢

عوانة موسى بن يوسف القطان الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن سليمان المقرئ الكندي ، عن عبد الصمد بن علي النوفلي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الأصبغ بن نباتة السعدي ، قال : لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام غدونا عليه نفر من أصحابنا ، أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا ، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : يقول لكم أمير المؤمنين : انصرفوا إلى منازلكم ، فانصرف القوم غيري ، فاشتد البكاء من منزله ، فبكيت وخرج الحسن عليه‌السلام وقال : ألم أقل لكم انصرفوا. فقلت : لا والله يا بن رسول الله ، ما تتابعني نفسي ، ولا تحملني رجلي أن انصرف حتى أرى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه). قال : وبكيت ، فدخل فلم يلبث أن خرج فقال لي : ادخل ، فدخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام فإذا هو مستند ، معصوب الرأس بعمامة صفراء ، ، قد نزف وأصفر وجهه ، ما أدري وجهه أصفر أم العمامة ، فأكببت عليه فقبلته وبكيت ، فقال لي : لا تبك يا أصبغ ، فإنها والله الجنة.

فقلت له : جعلت فداك ، إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة ، وإنما أبكي لفقداني إياك ، يا أمير المؤمنين ، جعلت فداك ، حدثني بحديثي سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإني أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا.

قال : نعم يا أصبغ ، دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فقال لي : يا علي ، انطلق حتى تأتي مسجدي ، ثم تصعد منبري ، ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله ( تعالى ) ، وتثني عليه ، وتصلي علي صلاة كثيرة ، ثم تقول : أيها الناس ، إني رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليكم ، وهو يقول لكم : إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيرا أجره.

فأتيت مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي ، فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة كثيرة ، ثم قلت : أيها الناس ، إني رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٢٣

إليكم ، وهو يقول لكم : ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيرا أجره.

قال : فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب ، فإنه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ، ولكنك جلت بكلام غير مفسر.

فقلت : أبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرجعت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته الخبر ، فقال : ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله واثن عليه ، وصل علي ، ثم قل : يا أيها الناس ، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره ، ألا وإني أنا أبوكم ، ألا وإني أنا مولاكم ، ألا وإني أنا أجيركم.

١٩٢ / ٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، قال : بني الاسلام على خمس دعائم : إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، والولاية لنا أهل البيت.

١٩٣ / ٦ ـ وبهذا الاسناد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم عبد مؤمن يوم القيامة من بين يدي الله ( عزوجل ) حتى يسأله عن أربع خصال : عمرك فيما أفنيته ، وجسدك فيما أبليته ، ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته ، وعن حبنا أهل البيت. فقال رجل من القوم : وما علامة حبكم ، يا رسول الله؟ فقال : محبة هذا ، ووضع يده على رأس علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

١٩٤ / ٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا القاسم بن محمد الدلال ، قال : حدثنا إسماعيل بن محمد المزني ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا علي بن غراب ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، عن عياض ، عن أبيه ، قال : مر علي بن أبي طالب عليه‌السلام بملأ فيه سلمان رحمه‌الله ، فقال لهم سلمان : قوموا فخذوا بحجزة هذا ، فوالله لا يخبركم بسر نبيكم (صلوات الله عليه) أحد غيره.

١٢٤

١٩٥ / ٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني المظفر بن محمد البلخي ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن هشام الإسكافي ، قال : أخبرني أبو جعفر أحمد بن مابنداذ : أن منصور بن العباس القصباني حدثهم عن الحسن بن علي الخزاز ، عن علي ابن عقبة ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام قلت لأصحابي : انتظروني حتى ادخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فأعزيه به ، فدخلت عليه فعزيته ، ثم قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب والله من كان يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يسال عمن بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يرى مثله أبدا.

قال : فسكت أبو عبد الله عليه‌السلام ساعة ، ثم قال : قال الله ( تبارك وتعالى ) : إن من عبادي من يتصدق بشق تمرة فأربيها له كما يربي أحدكم فلوه (١) حتى أجعلها له مثل جبل أحد ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : ما رأيت أعجب من هذا ، كنا نستعظم قول أبي جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بلا واسطة ، فقال لي أبو عبد الله قال الله ( تعالى ) بلا واسطة.

١٩٦ / ٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي سعيد القماط ، عن المفضل بن عمر الجعفي ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : لا يكمل إيمان العبد حتى تكون فيه أربع خصال : يحسن خلقه ، وتسخو نفسه ، ويمسك الفضل من قوله ، ويخرج الفضل من ماله (٢).

١٩٧ / ١٠ ـ وحدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد من حفظه ، قال : حدثني أبو حفص عمر بن محمد الزيات الصيرفي ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني ، قال : حدثنا داود بن سليمان الغازي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ، قال : حدثني أبي

__________________

(١) الفلو : المهر حين يفطم أو يبلغ السنة.

(٢) يأتي في الحديث : ٤٠٨.

١٢٥

موسى بن جعفر العبد الصالح ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق ، قال : حدثني أبي محمد بن علي الباقر ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي الشهيد ، قال : حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : حدثني أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يقول الله ( عزوجل ) : يا بن آدم ، ما تنصفني ، أتحب إليك بالنعم وتتمقت إلي بالمعاصي ، خيري إليك منزول وشرك إلي صاعد ، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم بعمل غير صالح! يا بن آدم ، لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته (١).

١٩٨ / ١١ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثني القاسم ابن محمد بن حماد الدلال ، قال : حدثنا عبيد بن يعيش ، قال : حدثنا مصعب بن سلام ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تناصحوا في العلم ، فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله ، وإن الله سائلكم يوم القيامة.

١٩٩ / ١٢ ـ قال : وأخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن عبد الله ابن أسلم ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا معاوية بن سفيان المزني ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل بن الحكم ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، قال : كان في بني إسرائيل قاض وكان يقضي بينهم. قال : فلما حضره الموت قال لامرأته : إذا مت فاغسليني وكفنيني ، وضعيني على سريري وغطي وجهي ، فإنك لا ترين سوءا.

قال : فلما أن مات فعلت به ذلك ، ثم مكثت حينا ، وكشفت عن وجهه لتنظر إليه ، فإذا هي بدودة تعترض منخره ، ففزعت لذلك ، فلما كان الليل أتاها في منامها ،

__________________

(١) يأتي في الحديث : ٥٣٢ والحديث : ١١٨١.

١٢٦

فقال لها : أفزعك ما رأيت؟ فقالت : أجل لقد فزعت. فقال : أما إنك إن كنت فزعت فما كان ما رأيت إلا في أخيك فلان ، أتاني ومعه خصم له فلما جلسا إلي قلت : اللهم اجعل الحق له ، ووجه القضاء له على صاحبه ، فلما اختصما إلي كان الحق له ، ورأيت ذلك بينا في القضاء ، فوجهت القضاء له على صاحبه ، فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان معه وإن وافقه الحق.

٢٠٠ / ١٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، فال : أخبرني عمر بن محمد الصيرفي ، قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل الضبي ، قال : حدثنا عبد الله بن شبيب ، قال : حدثني هارون بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة ، قال : حدثني زكريا بن إسماعيل الزيدي من ولد زيد بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه ، عن عمه سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري ، عن زيد بن ثابت ، قال : خرجنا جماعة من الصحابة في غزاة من الغزوات مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى وقفنا في مجمع طرق ، فطلع أعرابي بخطام بعير حتى وقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليك السلام. قال : كيف أصبحت ، بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله؟ قال له : أحمد الله إليك كيف أصبحت.

قال : وكان وراء البعير الذي يقوده الاعرابي رجل فقال : يا رسول الله ، إن هذا الاعرابي سرق البعير ، فرغا البعير ساعة ، فأنصت له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع رغاءه.

قال : ثم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الرجل فقال : انصرف عنه ، فإن البعير يشهد عليك أنك كاذب.

قال : فانصرف الرجل ، وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الاعرابي فقال : أي شئ قلت حين جئتني؟ قال : قلت : اللهم صل على محمد حتى لا تبقى صلاة ، اللهم بارك على محمد حتى لا تبقى بركة ، اللهم سلم على محمد حتى لا يبقى سلام ، اللهم ارحم محمدا حتى لا تبقى رحمة.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني أقول : مالي أرى البعير ينطق بعذره وأرى

١٢٧

الملائكة قد سدوا الأفق؟

٢٠١ / ١٤ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الطيب الحسين ابن محمد التمار ، قال : حدثنا محمد بن إشكاب ، قال : حدثنا مصعب بن مقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رأى ناشئا ترك كل شئ ، وإن كان في صلاة ، وقال : اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه ، فان ذهب حمدالله ، وإن أمطر قال : اللهم ناشئا نافعا.

الناشئ : السحاب ، والمخيلة أيضا : السحابة.

ويروى أن عبيد بن الأبرص الأسدي قال للمنذر بن ماء السماء حين خيره وأراد فتله : إن شئت من الأكحل (١) ، وإن شئت من الأبجل (٢) ، وإن شئت من الوريد.

فقال : أبيت اللعن ، ثلاث خصال كسحائب عاد ، ولا خير فيها لمرتاد.

٢٠٢ / ١٥ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد ابن سلمة ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الحسن بن حذيفة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : مرض رجل من أصحاب سلمان رحمه‌الله فافتقده فقال : أين صاحبكم؟ فقالوا : مريض. قال : امشوا بنا نعوده ، فقاموا معه ، فلما دخلوا على الرجل إذا هو يجود بنفسه ، فقال سلمان : يا ملك الموت ، ارفق بولي الله. قال ملك الموت بكلام يسمعه من حضر : يا أبا عبد الله ، إني أرفق بالمؤمنين ولو ظهرت لاحد لظهرت لك.

٢٠٣ / ١٦ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : حدثنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار ، قال : حدثنا محمد بن القاسم ، قال : حدثنا أبو عمران موسى بن محمد الخياط ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الخراساني ـ وهو ابن أبي

__________________

(١) الأكحل ، وريد في وسط الذراع.

(٢) الأبجل : وريد في زراع البعير والفرس ، بمنزلة الأكحل في الانسان.

١٢٨

إسرائيل ـ ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الله بن عمر (١) ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أصابنا عطش في الحديبية ، فجهشنا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فبسط يديه بالدعاء ، فتألف السحاب ، وجاء الغيث ، فروينا منه.

قال أبو الطيب : قال الأصمعي : الجهش : أن يفزع الانسان إلى الانسان ، قال أبو عبيدة : هي مع فزعه ، كأنه يريد البكاء. وفي لغة أخرى : أجهشت إجهاشا فأنا مجهش ، ومنه قول لبيد :

قالت تشكى إلي النفس مجهشة

وقد حملتك سبعا بعد سبعينا

فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا

وفي الثلاث وفاء للثمانينا

٢٠٤ / ١٧ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أبو الفضل الربعي ، قال : حدثنا جميل المكي ، قال : حدثني الأصمعي ، قال : حدثنا جابر بن عون ، قال : دخل أسماء بن خارجة الفزاري (٢) على عمر بن عبد العزيز يوم بويع له ، فأنشأ يقول :

إن أولى الأنام بالحق قدما

هو أولى بأن يكون خليقا

بالأمر والنهي اللاتي

يأبى بغيره أن يليقا (٣)

من أبوه عبد العزيز بن مروان

ومن كان جده فاروقا

فقال عمر : لو أمسكت عن هذا لكان أحب لي.

٢٠٥ / ١٨ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي ، قال : حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب ، قال : حدثني ابن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن

__________________

(١) في نسخة : عمير.

(٢) كذا ، ولا يصح إذ إن أسماء توفي سنة ٦٦ ه ، وقد بويع لعمر سنة ٩٩ ه ، وفي الكامل للمبرد ٢ : ٢٧١ دار الفكر العربي ، ولسان العرب ( فرق ) ، والعقد الفريد ٦ : ١٢٣ المكتبة التجارية الكبرى ، نسبت الأبيات لعتبة ابن شماس وهو الصحيح.

(٣) كذا ، ولا يصح وزنا ، وفي نقص في بعض تفعيلاته ، وز يد في المصادر المتقدمة بيت آخر غيره.

١٢٩

سليمان بن بلال ، عن محمد بن يوسف ، عن السائب بن يزيد : أن عمر بن الخطاب بينما هو يمشي في أزقة المدينة إذا هو بأصوات في بيت ، فاطلع عليهم فإذا هم على شراب ، فقالوا له حين رأوه : ما هذا يا بن الخطاب ، أليس الله ( تعالى ) يقول : ( ولا تجسسوا ) (١). قال : فأعرض عمر عنهم وانصرف مبادرا.

٢٠٦ / ١٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن عبد الله المرزباني ، قال : حدثنا ابن دريد ، قال : حدثنا إسحاق بن عبد الله الطلحي ، قال : قال الأصمعي : ولى عمر بن الخطاب كعب بن سور قضاء البصرة ، وكان سبب ذلك أن حضر مجلس عمر فجاءت امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي صوام قوام. فقال عمر : إن هذا الرجل صالح ، ليتني كنت كذا ، فردت عليه الكلام ، فقال عمر كما قال : فقال كعب بن سور الأزدي : يا أمير المؤمنين ، إنها تشكو زوجها ، تخبر أنها لاحظ لها منه. قال : علي بزوجها ، فأتي به ، فقال له : ما بالها تشكوك ، وما رأيت أكرم شكوى منها؟

قال له : يا أمير المؤمنين ، إني امرؤ أفزعني ما قد نزل في الحجر والنحل وفي السبع الطوال.

فقال له كعب : إن لها عليك حقا ، فابعل وأوفها الحق ، فصم ثم وصل. فقال عمر لكعب : اقض بينهما.

قال : نعم ، أحل الله للرجال أربعا ، فأوجب لكل واحدة ليلة ، فلها من كل أربع ليال ليلة ، ويصنع بنفسه في الثلاثة ما شاء ، فألزمه ذلك. وقال لكعب : اخرج قاضيا على البصرة ، فلم يزل عليها حتى قتل عثمان ، فلما كان يوم الجمل خرج مع أهل البصرة وفي عنقه مصحف ، فقتل هو يومئذ وثلاثة أخوة له أو أربعة ، فجاءت أمهم فوجدتهم في القتلى فحملتهم ، وجعلت تقول :

أيا عين أبكي بدمع سرب

على فتية من خيار العرب

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١٢.

١٣٠

فما ضرهم غير حين (١) النفو

س أي أميري قريش غلب

٢٠٧ / ٢٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا القاسم بن محمد الدلال ، قال : حدثنا يحيى بن إسماعيل المزني ، قال : حدثنا جعفر بن علي ، قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن أبيه ، عن بكير بن عبد الله الطويل وعمار بن أبي معاوية ، قال : حدثنا أبو عثمان البجلي ، مؤذن بني أفصى ، قال بكير : أذن لنا أربعين سنة.

قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول يوم الجمل : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) (٢) ثم حلف حين قرأها أنه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم.

قال بكير : فسألت عنها أبا جعفر عليه‌السلام ، فقال : صدق الشيخ ، هكذا قال علي عليه‌السلام ، وهكذا كان.

٢٠٨ / ٢١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : أخبرني الحسن بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثني الزبير بن بكار ، قال : حدثنا علي بن محمد ، قال : كان عمرو بن العاص يقول. إن في علي دعابة. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : زعم ابن النابغة أني تلعابة (٣) ، مزاحة ذو دعابة (٤) ، أعافس وأمارس (٥) ، هيهات يمنع من العفاس والمراس ذكر الموت وخوف البعث والحساب ، ومن كان له قلب ، ففي هذا له واعظ وزاجر ، أما وشر القول الكذب ، إنه ليحدث فيكذب ويعد فيحلف ، فإذا كان يوم البأس فأي زاجر

__________________

(١) الحين : الموت والهلاك.

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٢.

(٣) التلعابة : كثير اللعب.

(٤) الدعابة : المزاح واللعب.

(٥) المعافسة : مغازلة النساء ، ومعالجة الناس بالمزاح ، والممارسة مثلها.

١٣١

وآمر هو! ما لم تأخذ السيوف هام الرجال ، فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم استه (١).

٢٠٩ / ٢٢ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا عبد الله ( بن ) أحمد بن مستورد ، قال : حدثنا عبد الله بن يحيى ، عن علي بن عاصم ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال لنا علي بن الحسين زين العابد ين عليهما‌السلام : أي البقا ع أفضل؟ فقلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال : إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ، ثم لقي الله بغير ولايتنا ، لم ينفعه ذلك شيئا.

٢١٠ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن بكر بن محمد ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر ابن محمد عليهما‌السلام يقول : كم من نعمة الله على عبده في غير أمله ، وكم من مؤمل أملا الخيار في غيره ، وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطئ عن حظه.

٢١١ / ٢٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسين محمد بن المظفر ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عصام بن يوسف ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم من أحبني فارزقه الكفاف والعفاف ، ومن أبغضني فأكثر ما له وولده.

٢١٢ / ٢٥ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أبو حاتم ، قال : حدثنا محمد بن الفرات ، قال : حدثنا حنان بن سدير ، عن أبي جعفر

__________________

(١) الاست : العجز.

١٣٢

محمدبن علي الباقرعليهما‌السلام ، قال : ما ثبت الله ( تعالى ) حب علي عليه‌السلام في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبتت له قدم أخرى.

٢١٣ / ٢٦ ـ أخبرني محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن العباس ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين ، قال : حدثنا موسى بن زياد ، عن يحيى بن يعلى ، عن أبي خالد الواسطي ، عن أبي هاشم الخولاني ، عن زاذان ، قال : سمعت سلمان رحمه‌الله يقول : لا أزال أحب عليا عليه‌السلام ، فإني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يضرب فخذه ويقول : محبك لي محب ، ومحبي لله محب ، ومبغضك لي مبغض ، ومبغضي لله ( تعالى ) مبغض.

٢١٤ / ٢٧ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه رحمه‌الله ، قال : حدثني أبي ، عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، جميعا عن علي بن محمد بن علي الأشعري ، قال : حدثنا محمد بن مسلم بن أبي سلمة الكندي السجستاني الأصم ، عن أبيه مسلم بن أبي سلمة ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن يوسف ، عن منصور بزرج ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : ما أكثر ما أسمع منك يا سيدي ذكر سلمان الفارسي!

فقال : لا تقل الفارسي ، ولكن قل سلمان المحمدي ، أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت : لا. قال : لثلاث خلال : أحدها : إيثاره هوى أمير المؤمنين عليه‌السلام على هوى نفسه ، والثانية : حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد ، والثالثة : حبه للعلم والعلماء. إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما وما كان من المشركين.

٢١٥ / ٢٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرنا الحسن بن علي الزعفراني ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا منصور بن مهاجر ، عن علي بن عبد الأعلى ، عن زر بن حبيش ، قال : كانت عصابة من قريش في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكروا

__________________

(١) يأتي في الحديث : ٧٢٨.

١٣٣

علي بن أبي طالب عليه‌السلام وانتهكوا منه ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائل (١) في بيت بعض نسائه ، فأتي بقولهم فثار من نومه في إزار ليس عليه غيره ، فقصد نحوهم ورأوا الغضب في وجهه ، فقالوا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لكم وعلي! أما تدعون عليا ، ألا إن عليا مني وأنا منه ، من آذى عليا فقد آذاني ، من آذى عليا فقد آذاني.

٢١٦ / ٢٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حد ثني أبو الوليد الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، قال : دخل الحارث بن حوط الليثي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتجوا إلا على حق؟ فقال : يا حارث ، إنك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحق ، إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس ، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه ، والباطل باجتناب من اجتنبه.

قال : فهلا أكون كعبد الله بن عمر وسعد بن مالك؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن عبد الله بن عمر وسعد أخذلا الحق ولم ينصرا الباطل ، متى كانا إمامين في الخير فيتبعان؟!

٢١٧ / ٣٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثني محمد بن إسحاق الأشعري النحوي ، قال : حدثني الوليد بن محمد بن إسحاق الحضرمي ، عن أبيه ، قال : استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان ، فلما دخل عليه استضحك معاوية ، فقال له عمرو : ما أضحكك يا أمير المؤمنين ، أدام الله سرورك؟

قال : ذكرت ابن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتقيته ووليت.

فقال : أتشمت بي يا معاوية ، وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع

__________________

(١) أي نائم القيلولة.

١٣٤

لونك ، وأطت (١) أضلاعك ، وانتفخ منخرك ، والله لو بارزته لأوجع قذالك (٢) ، وأيتم عيالك ، وبزك سلطانك ، وأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا تشمت بفارس بهمة (٣)

لقى فارسا لا تعتليه الفوارس

معاوي لو أبصرت في الحرب مقبلا

أبا حسن يهوي دهتك الوساوس

وأيقنت أن الموت حق وأنه

لنفسك إن لم تمعن الركض خالس

دعاك فصمت دونه الاذن أذرعا

ونفسك قد ضاقت عليها الأمالس (٤)

أتشمت بي إذ نالني حد رمحه

وعضضني ناب من الحرب ناهس

فأي امرئ لاقاه لم يلق شلوه

بمعترك تسفي عليه الروامس (٥)

أبى الله إلا أنه ليث غابة

أبو أشبل تهدى إليه الفرائس

فإن كنت في شك فأرهج عجاجة

وإلا فتلك الترهات البسابس (٦)

فقال معاوية : مهلا يا أبا عبدا لله ، ولاكل هذا. قال : أنت استدعيته.

٢١٨ / ٣١ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر ابن محمد رحمه‌الله عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : سمعته يقول لخيثمة : يا خيثمة اقرئ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإن لقياهم حياة أمرنا. قال : ثم رفع يده عليه‌السلام فقال : رحم الله من أحيا أمرنا.

٢١٩ / ٣٢ ـ وبهذا الاسناد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الدعاء ليرد

__________________

(١) أي صوتت.

(٢) القذال : هو ما بين الاذنين من مؤخر الرأس.

(٣) البهمة : الشجاع الذي يستبهم مأتاه على أقرانه.

(٤) الأمالس : جمع إمليس ، الفلاة ليس فيها نبات.

(٥) الروامس : الرياح التي تغطي آثار الديار بما تثير.

(٦) أي الباطل الكذب.

١٣٥

القضاء ، وإن المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق.

٢٢٠ / ٣٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا أبو صالح محمد بن فيض العجلي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى ، قال : حدثني أبي الرضا علي بن موسى ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على اليمن فقال وهو يوصيني : يا علي ، ما حار من استخار ، ولا ندم من استشار ، يا علي ، عليك بالدلجة (١) ، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار؟ يا علي ، اغد على اسم الله ، فإن الله ( تعالى ) بارك لامتي في بكورها.

٢٢١ / ٣٤ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى المكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف عن عطية الطفاوي ، عن أبيه ، عن أم سلمة ( رضي‌الله‌عنها ) ، قالت : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي إذ قالت الخادم : يا رسول الله ، إن عليا وفاطمة عليهما‌السلام في السدة (٢). فقال : قومي فتنحي عن أهل بيتي. قالت : فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وهما صبيان صغيران ، فوضعهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجره وقبلهما ، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى ، وقبل فاطمة عليهما‌السلام وقال : اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار. فقلت : يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال : وأنت.

__________________

(١) الدلجة : السير في أول الليل.

(٢) السدة : باب الدار ، والظلة فوقه.

١٣٦

٢٢٢ / ٣٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا الشريف أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ، قال : حدثني جدي ، قال : حدثنا إبراهيم بن علي والحسن بن يحيى ، جميعا ، قالا : حدثنا نصر بن مزاحم ، عن أبي خالد الواسطي ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر لم يعطهن أحد قبلي ، ولا يعطاهن أحد بعدي. قال لي : أنت يا علي أخي في الدنيا وأخي في الآخرة ، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزل الأخوين ، وأنت الوصي ، وأنت الولي ، وأنت الوزير ، عدوك عدوي وعدوي عدو الله ، ووليك ولي ووليي وليي الله.

٢٢٣ / ٣٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي الزعفراني ، قال : حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا إبراهيم بن عمر ، قال : حدثني أبي ، عن أخيه ، عن بكر بن عيسى ، قال : لما اصطف الناس للحرب بالبصرة خرج طلحة والزبير في صف أصحابهما ، فنادى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام الزبير بن العوام فقال له : يا أبا عبد الله ، ادن مني لأفضي إليك بسر عندي ، فدنا منه حتى اختلفت أعناق فرسيهما ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : نشدتك الله إن ذكرتك شيئا فذكرته ، أما تعترف به؟ فقال : نعم. فقال : أما تذكر يوما كنت مقبلا علي بالمدينة تحدثني إذ خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرآك معي وأنت تبسم إلي ، فقال لك : يا زبير ، أتحب عليا؟ فقلت : وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس لغيره! فقال : إنك ستقاتله وأنت له ظالم. فقلت : أعوذ بالله من ذلك؟ فنكس الزبير رأسه ثم قال : إني أنسيت هذا المقام.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : دع هذا ، أفلست بايعتني طائعا؟ قال : بلى. قال : فوجدت مني حدثا يوجب مفارقتي؟ فسكت ثم قال : لا جرم والله لا قاتلتك ، ورجع متوجها نحو البصرة ، فقال له طلحة : مالك يا زبير! تنصرف عنا ، سحرك ابن أبي

١٣٧

طالب؟

فقال : لا ولكن ذكرني ما كان أنسانيه الدهر ، واحتج علي ببيعتي له.

فقال طلحة : لا ، ولكن جبنت ، وانتفح سحرك (١). فقال الزبير : لم أجبن لكن أذكرت فذ كرت.

فقال له عبد الله : يا أبه ، جئت بهذين العسكرين العظيمين حتى إذا اصطفا للحرب قلت : أتركهما وأنصرف ، فما تقول قريش غدا بالمدينة؟ الله الله يا أبه لا تشمت الأعداء ، ولا تشين نفسك بالهزيمة قبل القتال.

قال : يا بني ما أصنع وقد حلفت له بالله ألا أقاتله؟ قال له : فكفر عن يمينك ولا تفسد أمرنا. فقال الزبير : عبدي مكحول حر لوجه الله كفارة يميني. ثم عاد معهم للقتال.

فقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال علي عليه‌السلام :

أيعتق مكحولا ويعصي نبيه

لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق

أينوي بهذا الصدق والبر والتقى

سيعلم يوما من يبر ويصدق

لشتان ما بين الضلالة والهدى

وشتان من يعصي النبي ويعتق

ومن هو في ذات الاله مشمر

يكبر برا ربه ويصدق

أفي الحق أن يعصى النبي سفاهة

ويعتق عن عصيانه ويطلق

كدافق ماء للسراب يؤمه

ألا في ضلال ما يصب ويدفق

٢٢٤ / ٣٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا العباس بن بكر ، قال : حدثنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا كثير بن طارق ، قال : سألت زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام عن قوله ( تعالى ) : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا

__________________

(١) السحر : الرئة ، يقال ذلك للجبان.

١٣٨

كثيرا ) (١).

فقال زيد. يا كثير ، إنك رجل صالح ، ولست بمتهم ، وإني خائف عليك أن تهلك ، إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بأتباع كل إمام جائر إلى النار ، فيدعون بالويل والثبور ، ويقولون لإمامهم : يا من أهلكنا هلم الان فخلصنا مما نحن فيه ، فعندها يقال لهم : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ).

ثم قال زيد بن علي عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن أبيه الحسين بن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام أنت يا علي وأصحابك في الجنة ، أنت يا علي وأتباعك في الجنة.

٢٢٥ / ٣٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام. ما الايمان؟ فجمع لي الجواب في كلمتين فقال : الايمان بالله أن لا تعصي الله.

قلت : فما الاسلام؟ فجمعه في كلمتين فقال : من شهد شهادتنا ، ونسك نسكنا ، وذبح ذبيحتنا.

٢٢٦ / ٣٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الطيب الحسين بن محمد التمار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا العنزي ، قال : حدثنا علي بن الصباح ، قال : أخبرنا أبو المنذر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المساجد سوق من أسواق الآخرة ، قراها (٢) المغفرة ، وتحفتها الجنة.

٢٢٧ / ٤٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن مسلم الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن

__________________

(١) سورة الفرقان ٢٥ : ١٤.

(٢) القرى : ما يقدم إلى الضيف من طعام ونحوه.

١٣٩

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قال : حدثني أبي : أنه سمع جعفر بن محمد يحدث عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.

٢٢٨ / ٤١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني سليمان بن محمد الهمداني ، قال : حدثني محمد بن عمران ، قال : حدثنا محمد بن عيسى الكندي ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد ، أخبرني بعمل يحبني الله عليه.

قال : يا أعرابي أزهد في الدنيا يحبك الله ( عزوجل ) ، وازهد في ما في أيدي الناس يحبك الناس.

قال : قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام. من أخرجه الله ( تعالى ) من ذل المعصية إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ، ومن خاف الله ( عزوجل ) أخاف الله كل شئ ، ومن لم يخف الله ( عزوجل ) أخافه الله من كل شئ (١).

٢٢٩ / ٤٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن خالد المراغي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن الحسن الكوفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن محمد المزني ، قال : حدثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني ، عن سعد بن سعيد ، عن يونس بن الحباب ، عن علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بال أقوام إذا ذ كر عندهم آل إبراهيم عليه‌السلام فرحوا واستبشروا ، وإذا ذكر عندهم آل محمد عليهم‌السلام اشمأزت قلوبهم؟! والذي نفس محمد بيده لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي.

٢٣٠ / ٤٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران

__________________

(١) يأتي في الحديث : ٣٤٤.

١٤٠