الأمالي

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الأمالي

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨

المأمون ـ فقال له : أنشدني قصيدتك ، فجحدها دعبل ، وأنكر معرفتها. فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك ، فأنشده :

تأسفت جارتي لما رأت زوري

وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر

ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها

وقد جرت طلقا في حلبة الكبر

أجارتي إن شيب الرأس يعلمني (١)

ذكر المعاد وأرضاني عن القدر

لو كنت أركن للدنيا وزينتها

إذن بكيت على الماضين من نفر

أخنى الزمان على أهلي فصدعهم

تصد ع القعب (٢) لاقى صدمة الحجر

بعض أقام وبعض قد أهاب به (٣)

داعي المنية والباقي على الأثر

أما المقيم فأخشى أن يفارقني

ولست أوبة من ولى بمنتظر

أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي

كحالم قص رؤيا بعد مدكر

لولا تشاغل عيني بالألى سلفوا

من أهل بيت رسول الله لم أقر

وفي مواليك للمحزون مشغلة

من أن تبيت لمفقود (٤) على أثر

كم من ذراع لهم بالطف بائنة

وعارض بصعيد الترب منعفر

أنسى الحسين ومسراهم لمقتله

وهم يقولون هذا سيد البشر

يا أمة السوء ما جازيت أحمد في

حسن البلاء على التنزيل والسور؟!

خلفتموه على الأبناء حين مضى

خلافة الذئب في إبقار ذي بقر

قال يحيى بن أكثم : وأنفذني المأمون في حاجة ، فقمت فعدت إليه ، وقد انتهى إلى قوله :

لم يبق حي من الاحياء نعلمه

من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

__________________

(١) في نسخة : ثقلني.

(٢) القعب : القدح.

(٣) أي دعاه أو زجره.

(٤) في نسخة : لمشغول.

١٠١

إلا وهم شركاء في دمائهم

كما تشارك أيسار على جزر (١)

قتلا وأسرا وتحريقا ومنهبة

فعل الغزاة بأهل الروم والخزر

أرى أمية معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من غذر

قوم قتلتم على الاسلام أولهم

حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر

أبناء حرب ومروان وأسرتهم

بنو معيط أولات الحقد والوغر (٢)

أربع (٣) بطوس على قبر الزكي بها

إن كنت تربع من دين على وطر

هيهات كل امرء رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذر

قال : فضرب المأمون بعمامته الأرض وقال : صدقت والله يا دعبل.

١٥٧ / ١١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي رحمه‌الله قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، قال : صلى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالناس الصبح بالعراق ، فلما انصرف وعظهم ، فبكى وأبكاهم من خوف الله ( تعالى ) ، ثم قال : أما والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنهم ليصبحون ويمشون شعثاء غبراء خمصاء بين أعينهم كركب المعزى ، يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار ، والله لقد رأيتهم مع ذلك وهم جميع مشفقون منه خائفون.

١٥٨ / ١٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن

__________________

(١) الأيسار : جمع يسر ، القوم المجتمعون على اليسر ، والجزر : كل شئ مباح للذبح.

(٢) الوغر : الحقد والضغن.

(٣) أي قف وانتظر.

١٠٢

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن صباح الحذاء ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ، وينادي مناد من عند الله ، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، يقول : أين أهل الصبر؟ فيقوم عنق من الناس (١) ، فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم : ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون : صبرنا أنفسنا على طاعة الله ، وصبرناها عن معصية الله. قال : فينادي مناد من عند الله : صدق عبادي ، خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب.

قال : ثم ينادي مناد آخر ، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، فيقول : أين أهل الفضل. فيقوم عنق من الناس ، فتستقبلهم زمرة من الملائكة ، فيقولون : ما فضلكم هذا الذي نوديتم به؟ فيقولون : كنا يجهل علينا في الدنيا فنحتمل ويساء إلينا فنعفو. قال : فينادي مناد من عند الله ( تعالى ) : صدق عبادي ، خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب.

قال : ثم ينادي مناد من عند الله ( عزوجل ) ، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، فيقول : أين جيران الله ( تعالى ) في داره؟ فيقوم عنق من الناس ، فتستقبلهم زمرة من الملائكة ، فيقولون لهم : ماذا كان عملكم في دار الدنيا فصرتم به اليوم جيران الله ( تعالى ) في داره؟ فيقولون : كنا نتحاب في الله ( عزوجل ). ونتباذل في الله ، ونتوازر في الله. فينادي مناد من عند الله : صدق عبادي خلوا سبيلهم لينطلقوا إلى جوار الله في الجنة بغير حساب. قال : فينطلقون إلى الجنة بغير حساب.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : فهؤلاء جيران الله في داره ، يخاف الناس ولا يخافون ، ويحاسب الناس ولا يحاسبون.

١٥٩ / ١٣ ـ أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي ابن محمد الكاتب ، قال : حدثنا الحسن بن علي الزعفراني ، قال : حدثنا أبو إسحاق

__________________

(١) أي جماعة من الناس.

١٠٣

الثقفي ، قال : حدثنا العباس بن بكار الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، قال : حدثنا محمد بن سيرين ، قال : سمعت غير واحد من مشيخة أهل البصرة يقول : لما فرغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام من حرب أصحاب الجمل لحقه مرض وحضرت الجمعة ، فقال لابنه الحسن عليه‌السلام : انطلق يا بني فجمع بالناس. فأقبل الحسن عليه‌السلام إلى المسجد ، فلما استقل على المنبر حمد الله وأثنى عليه وتشهد وصلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : أيها الناس ، إن الله اختارنا لنبوته ، واصطفانا على خلقه وبريته ، وأنزل علينا كتابه ووحيه ، وأيم الله لا ينتقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصه الله في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) (١).

ثم جمع بالناس ، وبلغ أباه كلامه ، فلما انصرف إلى أبيه عليه‌السلام نظر إليه فما ملك عبرته أن سألت على خديه ، ثم استدناه فقبل بين عينيه ، وقال : بأبي أنت وأمي ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (٢).

١٦٠ / ١٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو القاسم جعفر ابن محمد ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس ابن معروف ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ما قبض الله نبيا حتى أمره أن يوصي إلى أفضل عشيرته من عصبته ، وأمرني أن أوصي. فقلت : إلى من يا رب؟ فقال : أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب ، فإني قد أثبته في الكتب السالفة ، وكتبت فيها أنه وصيك ، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي ، أخذت مواثيقهم لي بالربوبية ، ولك يا محمد بالنبوة ، ولعلي بالولاية.

١٦١ / ١٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٨٨.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٣٤ وقد تقدم في الحديث : ١٢١.

١٠٤

ابن الحسن ، قال : حدثني أبي ، عن سعيد بن عبد الله بن موسى ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العرزمي ، قال : حدثني المعلى بن هلال ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن عبد الله بن العباس ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أعطاني الله ( تبارك وتعالى ) خمسا ، وأعطى عليا خمسا. أعطاني جوامع الكلم ، وأعطى عليا جوامع العلم ، وجعلني نبيا وجعله وصيا ، وأعطاني الكوثر ، وأعطاه السلسبيل ة وأعطاني الوحي ، وأعطاه الالهام ، وأسرى بي إليه ، وفتح له أبواب السماء والحجب حتى نظر إلي فنظرت إليه.

قال : ثم بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت له : ما يبكيك فداك أمي وأبي؟ فقال : يا بن عباس ، إن أول ما كتمني به أن قال : يا محمد انظر تحتك ، فنظرت إلى الحجب قد انخرقت ، وإلى أبواب السماء قد فتحت ، ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه إلي ، فكلمني وكلمته ، وكلمني ربي ( عزوجل ).

فقلت : يا رسول الله ، بم كلمك ربك؟

قال : قال لي : يا محمد ، إني جعلت عليا ووصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك فأعلمه ، فها هو يسمع كلامك ، فأعلمته وأنا بين يدي ربي ( عزوجل ) ، فقال لي : قد قبلت وأطعت. فأمر الله الملائكة أن تسلم عليه ، ففعلت ، فرد عليهم‌السلام ، ورأيت الملائكة يتباشرون به ، وما مررت بملائكة من ملائكة السماء إلا هنأوني وقالوا : يا محمد ، والذي بعثك بالحق ، لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله ( عزوجل ) لك ابن عمك. ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم إلى الأرض ، فقلت : يا جبرئيل ، لم نكس حملة العرش رؤوسهم؟ فقال : يا محمد ، ما من ملك من الملائكة إلا وقد نظر إلى وجه علي بن أبي طالب استبشارا به ما خلا حملة العرش فإنهم استأذنوا الله ( عزوجل ) في هذه الساعة ، فأذن لهم أن ينظروا إلى علي بن أبي طالب فنظروا إليه ، فلما هبطت جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني به ، فعلمت أني لم أطأ موطئا إلا وقد كشف لعلي عنه حتى نظر إليه.

قال ابن عباس : فقلت : يا رسول الله ، أوصني. فقال : عليك بمودة علي بن أبي

١٠٥

طالب ، والذي بعثني بالحق نبيا ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي ابن أبي طالب عليه‌السلام وهو تعالى أعلم ، فإن جاء بولايته قبل عمله على ما كان منه ، وان لم يأت بولايته لم يسأله عن شئ ، ثم أمر به إلى النار. يا بن عباس ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن النار لأشد غضبا على مبغض علي منها على من زعم أن لله ولدا. يا بن عباس ، لو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغض علي ، ولن يفعلوا ، لعذبهم الله بالنار.

قلت : يا رسول الله ، وهل يبغضه أحد؟ قال : يا بن عباس نعم ، يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي ، لم يجعل الله لهم في الاسلام نصيبا. يا بن عباس ، إن من علامة بغضهم تفضيلهم من هو دونه عليه ، والذي بعثني بالحق نبيا ، ما بعث الله نبيا أكرم عليه مني ، ولا وصيا أكرم عليه من وصيي علي.

قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصاني بمودته ، وإنه لأكبر عملي عندي.

قال ابن عباس : فلما مضى من الزمان ما مضى ، وحضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة حضرته ، فقلت له : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، قد دنا أجلك ، فما تأمرني؟

فقال : يا بن عباس ، خالف من خالف عليا ، ولا تكونن لهم ظهيرا ، ولا وليا.

قلت : يا رسول الله ، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟ قال : فبكى عليه‌السلام حتى أغمي عليه ، ثم قال : يا بن عباس ، قد سبق فيهم علم ربي ، والذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر حقه حتى يغير الله ما به من نعمة.

يا بن عباس ، إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راض ، فاسلك طريقة علي بن أبي طالب ، ومل معه حيث مال ، وأرض به إماما ، وعاد من عاداه ، ووال من والاه.

يا بن عباس ، احذر أن يدخلك شك فيه ، فإن الشك في علي كفر بالله ( تعالى ).

١٦٢ / ١٦ ـ أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، قال : أخبرني أبو الطيب الحسين بن محمد التمار ، قال : حدثني محمد بن القاسم الأنباري ، قال :

١٠٦

حدثني أبي ، عن الحسين بن سليمان الزاهد ، قال : سمعت أبا جعفر الطائي الواعظ يقول : سمعت وهب بن منبه ، يقول : قرأت في زبور داود أسطرا ، منها ما حفظت ومنها ما نسيت ، فما حفظت قوله : يا داود ، اسمع مني ما أقول ، والحق أقول ، من أتاني وهو يحبني أدخلته الجنة. يا داود ، اسمع منى ما أقول ، والحق أقول ، من أتاني وهو مستحي من المعاصي التي عصاني بها ، غفرتها له وأنسيتها حافظيه. يا داود ، اسمع مني ما أقول والحق أقول ، من أتاني بحسنة واحدة أدخلته الجنة. قال داود : يا رب ، ما هذه الحسنة؟ قال : من فرج عن عبد مسلم. فقال داود عليه‌السلام : إلهي كذلك لا ينبغي لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك.

١٦٣ / ١٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو غالب أحمد بن محمد الزراري ، قال : حدثني محمد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن خالد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أسرع الخير ثوابا البر ، وأسرع الشر عقابا البغي ، وكفى بالمرء ، عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه ، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

١٦٤ / ١٨ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن محمد المعروف بابن الزيات ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن هشام الإسكافي ، قال. حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى ، قال : حدثني أبي ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن عمار بن يزيد ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطن قد يد (١) ، قال لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : يا علي ، إني سألت الله ( عزوجل ) أن يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن يجعلك وصيي ففعل.

__________________

(١) قديد : موضع قرب مكة.

١٠٧

فقال رجل من القوم : والله لصاع من تمر في شن (١) بال خير مما سأل محمد ربه ، هلا سأله ملكا يعضده على عدوه ، أو كنزا يستعين به على فاقته؟ فأنزل الله ( تعالى ). ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أتت نذير والله علي كل شئ وكيل ) (٢).

١٦٥ / ١٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه‌الله ، قال : حدثنا بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا علي ابن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : حدثني من حضر عبد الملك بن مروان وهو يخطب الناس بمكة ، فلما صار إلى موضع العظة من خطبته ، قام إليه رجل فقال : مهلا مهلا ، إنكم تأمرون ولا تأتمرون ، وتنهون ولا تنتهون ، وتعظون ولا تتعظون ، أفاقتداء بسيرتكم ، أو طاعة لامركم؟ فان قلتم : اقتداء بسيرتنا ، فكيف يقتدى بسيرة الظالمين ، وما الحجة في اتباع المجرمين الذين اتخذوا مال الله دولا وجعلوا عباد الله خولا؟! وإن قلتم : أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا ، فكيف ينصح غيره من لم ينصح نفسه ، أم كيف تجب طاعة من لم تثبت له عدالة؟! وإن قلتم : خذوا الحكمة من حيث وجدتموها ، واقبلوا العظة ممن سمعتموها ، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات ، وأعرف بوجوه اللغات منكم ، فتزحزحوا عنها ، واطلقوا أقفالها ، وخلوا سبيلها ، ينتدب لها الذين شردتم في البلاد ، ونقلتموهم عن مستقرهم إلى كل واد ، فوالله قلدناكم أزمة أمورنا ، وحكمناكم في أبداننا وأموالنا وأدياننا لتسيروا فينا بسيرة الجبارين ، غير أنا نصبر أنفسنا لاستبقاء المدة وبلوغ الغاية وتمام المحنة ، ولكل قائم منكم يوم لا يعدوه ، وكتاب لابد أن يتلوه ( لا يغادر صغيرة ولا

__________________

(١) الشن : القربة الخلق الصغيرة.

(٢) سورة هود ١١ : ١٢.

١٠٨

كبيرة إلا أحصاها ) (١) ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) (٢). قال : فقام إليه بعض أصحاب المشايخ فقبض عليه ، وكان ذلك آخر عهدنا به ، ولا ندري ما كانت حاله.

١٦٦ / ٢٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن القاسم بن محمد الرازي ، عن علي بن محمد الهرمزداني ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، عن أبيه الحسين عليه‌السلام ، قال : لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصت إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحدا بمرضها ، ففعل ذلك ، وكان يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس ( رحمها الله ) على استمرار بذلك ، كما وصت به ، فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يترك أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها ، فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفنها وعفى موضع قبرها ، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن ، وأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا رسول الله ، عني وعن ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك ، والثابتة في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك لموضع التعزي ، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري ، ـ وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي ، نعم وفي كتاب الله نعم القبول ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء ، يا رسول الله! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ : ٤٩.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.

١٠٩

من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم ، كمد مقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك علي وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله ، سلام مودع لا سئم ولا قال ، فان أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، الصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما ، والتلبث عنده معكوفا ، ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية ، فبعين الله تدفن بنتك سرا ، ويهتضم حقها قهرا ، ويمنع إرثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته.

١٦٧ / ٢١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ومحمد بن سنان ، عن محمد بن عطية ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الموت كفارة لذنوب المؤمنين.

١٦٨ / ٢٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : حدثني أبو الحسن زكريا بن يحيى الكنجي ، قال : حد ثني أبو هاشم داود ابن القاسم الجعفري ، قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام يقول : إن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال لكميل بن زياد فيما قال : يا كميل ، أخوك دينك ، فاحتط لدينك بما شئت.

١٦٩ / ٢٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الوليد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا علي ابن محمد القاساني ، عن حفص بن غياث القاضي ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، فلييأس عن

١١٠

الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إلا من الله ( عزوجل ) ، فإنه إذا علم الله ( تعالى ) ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإن في القيامة خمسين موقفا ، كل موقف مقام ألف سنة ، ثم تلا هذه الآية ( في يوم كان مقدار ه خمسين ألف سنة ) (١).

١٧٠ / ٢٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب ، عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن حبيب بن نصر ، عن أحمد بن بشير بن سليمان ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه محمد بن السائب ، عن إبراهيم بن محمد اليماني ، عن عكرمة ، قال : سمعت عبد الله بن العباس يقول لابنه علي بن عبد الله : ليكن كنزك الذي تدخره العلم ، كن به أشد اغتباطا منك بكنز الذهب الأحمر ، فإني مودعك كلاما إن أنت وعيته اجتمع لك به خير أمر الدنيا والآخرة ، لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخر التوبة لطول الامل ، ويقول في الدنيا قول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أعطي منها لم يشبع ، وإن منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما يؤتى ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ويأمر بما لا يأتي.

يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض الفجار وهو أحدهم ، ويقول : لم أعمل فأتعنى ، ألا أجلس فأتمنى ، فهو يتمنى المغفرة وقد دأب في المعصية ، قد عمر ما يتذكر فيه من تذكر ، يقول فيما ذهب : لو كنت عملت ونصبت كان ذخرا لي ، ويعصي ربه ( تعالى ) فيما بقي غير مكترث ، إن سقم ندم على العمل ، وإن صح أمن واغتر وأخر العمل ، معجب بنفسه ما عوفي ، وقانط إذا ابتلي ، إن رغب أشر ، وإن بسط له هلك ، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن ، لا يثق من الرزق بما قد ضمن له ، ولا يقنع بما قسم له ، لم يرغب قبل أن ينصب ، ولا ينصب فيما يرغب ، إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنط ، فهو يبتغي الزيادة وإن لم يشكر ، ويضيع من نفسه ما هو

__________________

(١) سورة المعارج ٧٠ : ٤.

١١١

أكثر.

يكره الموت لإساءته ، ولا يدع الإساءة في حياته إن عرضت شهوته ، واقع الخطيئة ثم تمنى التوبة ، وإن عرض له عمل الآخرة دافع ، يبلغ في الرغبة حين يسأل ، ويقصر في العمل حين يعمل ، فهو بالطول مدل ، وفي العمل مقل ، يتبادر في الدنيا تعبا لمرض ، فإذا أفاق واقع الخطايا ولم يعرض ، يخشى الموت ، ولا يخاف الفوت ، يخاف على غيره بأقل من ذنبه ، ويرجو لنفسه بدون عمله ، وهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، يرجو الأمانة ما رضي ، ويرى الخيانة إن سخط ، إن عوفي ظن أنه قد تاب وإن ابتلي طمع في العافية وعاد ، لا يبيت قائما ، ولا يصبح صائما ، ( يصبح ) وهمه الغذاء ، ويمسي ونيته العشاء ، وهو مفطر ، يتعوذ بالله منه من هو فوقه ، ولا ينجو بالعوذ منه من هو دونه ، يهلك في بغضه إذا أبغض ، ولا يقصر في حبه إذا أحب ، يغضب في اليسير ، ويغضي على الكثير ، فهو يطاع ويعصي والله المستعان.

١٧١ / ٢٥ ـ حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ، قال : حدثني هارون بن حاتم ، قال : حدثنا إسماعيل بن توبة ومصعب بن سلام ، عن أبي إسحاق ، عن ربيعة السعدي ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له : حدثني بما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو رأيته لاعمل به؟ قال : فقال لي : عليك بالقران. فقلت له : قد قرأت القران ، وإنما جئتك لتحدثني ، اللهم إني أشهدك على حذيفة أني أتيته ليحدثني بما لم أسمعه ولم أره من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه قد منعنيه وكتمنيه.

فقال حذيفة : يا هذا ، قد أبلغت في الشدة. ثم قال لي : خذها قصيرة من طويلة وجامعة لكل أمرك ، إن آية الجنة في هذه الأمة لبينة ، إنه ليأكل الطعام ويمشي في الأسواق.

فقلت له : بين لي آية الجنة أتبعها ، وبين لي آية النار فأتقيها.

فقال لي : والذي نفسي بيده ، إن آية الجنة والهداة إليها إلى يوم القيامة وآية الحق إلى يوم القيامة لآل محمد عليهم‌السلام ، وإن آية النار وآية الكفر والدعاة إلى النار

١١٢

إلى يوم القيامة لغيرهم (١).

١٧٢ / ٢٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي رحمه‌الله ، قال : حد ثني القاسم بن محمد الدلال ، عن سيرة بن زياد ، عن الحكم ابن عتيبة ، عن حنش بن المعتمر ، قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، كيف أمسيت؟

قال : أمسيت محبا لمحبنا ، ومبغضا لمبغضنا ، وأمسى محبنا مغتبطا برحمة من الله كان ينتظرها ، وأمسى عدونا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار ، وكأن ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم ، وكأن أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها ، فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم ، والتعس لأهل النار ، والنار لهم.

يا حنش ، من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه ، فإن كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا ، وإن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا ، إن الله ( تعالى ) أخذ الميثاق لمحبنا بمودتنا ، وكتب في الذكر اسم مبغضنا ، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء.

١٧٣ / ٢٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الهمداني ، قال : حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف بن راشد ، قال : حدثنا عبد السلام بن عاصم ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل حمويه (٢) ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، قال : أخبرني رجل من تميم ، قال : كنا مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام بذي قار ونحن نرى أنا سنختطف في يومنا ، فسمعته يقول : والله لنظهرن على هذه الفرقة ، ولنقتلن هذين الرجلين ـ يعني طلحة والزبير ـ ولنستبيحن

__________________

(١) تقدم في الحديث : ١٢٣.

(٢) في نسخة : حيويه.

١١٣

عسكرهما.

قال التميمي : فأتيت إلى عبد الله بن عباس ، فقلت : أما ترى إلى ابن عمك وما يقول؟ فقال : لا تعجل حتى تنظر ما يكون ، فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت. لا أرى ابن عمك إلا قد صدق. فقال : ويحك! إنا كنا نتحدث أصحاب محمد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره ، فلعل هذا مما عهد إليه.

١٧٤ / ٢٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه‌الله قال : حدثني أبي ، قال : حدثني محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، قال : حدثني من سمع حنان بن سدير يقول : سمعت أبي سد ير الصيرفي يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطى بمنديل ، فدنوت منه وسلمت عليه ، فرد السلام ، وكشف المنديل عن الطبق ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فدنوت منه فقلت : يا رسول الله ، ناولني رطبة ، فناولني واحدة ، فأكلتها ، ثم قلت : يا رسول الله ، ناولني أخرى ، فناولنيها فأكلتها ، وجعلت كلما أكلت واحدة سألته أخرى حتى أعطاني ثماني رطبات فأكلتها ، ثم طلبت منه أخرى ، فقال لي : حسبك.

قال : فانتبهت من منامي ، فلما كان من الغد دخلت على جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام وبين يديه طبق مغطى بمنديل ، كأنه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، ثم كشف عن الطبق ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فعجبت لذلك ، وقلت : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولني فأكلتها ، ثم طلبت أخرى فناولني فأكلتها ، وطلبت أخرى حتى أكلت ثماني رطبات ، ثم طلبت منه أخرى فقال لي : لو زادك جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزدتك ، فأخبرته الخبر فتبسم تبسم عارف بما كان.

١٧٥ / ٢٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثني الشيح الصالح عبد الله بن محمد بن عبد الله بن ياسين ، قال :

١١٤

سمعت العبد الصالح علي بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام بسر من رأى ، يذكر عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين : العلم وراثة كريمة ، والآداب حلل حسان ، والفكرة مرآة صافية ، والاعتذار منذر ناصح ، وكفى بك أدبا تركك ما كرهته من غيرك.

١٧٦ / ٣٠ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ابن الوليد ، قال : حدثني أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : ابن آدم ، لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همك ، وما كان الخوف لك شعارا ، والحزن لك دثارا ، ابن آدم ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله ( عزوجل ) ومسؤول ، فأعد جوابا.

١٧٧ / ٣١ ـ أخبرنا محمد بن محمد رحمه‌الله قال : حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد الجرجرائي ، قال : حدثنا إسحاق بن عبدوس ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم بن عتيبة ، عن ابن أبي الدرداء ، عن أبيه ، قال : نال رجل من عرض رجل عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرد رجل من القوم عليه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من رد عن عرض أخيه كان له حجابا من نار.

١٧٨ / ٣٢ ـ أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌الله قال : أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، قال : حدثنا سليمان بن مسلم الكندي ، عن محمد بن سعيد بن غزوان ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله. ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

١٧٩ / ٣٣ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أبو عوانة موسى بن

١١٥

يوسف القطان ، قال : حدثنا محمد بن يحيى الأودي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن قيس الرحبي ، قال : كنت جالسا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على باب القصر حتى ألجأته الشمس إلى حائط القصر ، فوثب ليدخل ، فقام رجل من همدان فتعلق بثوبه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، حدثني حديثا جامعا ينفعني الله به قال : أو لم يكن في حديث كثير؟ قال : بلى ، ولكن حدثني حديثا ينفعني الله به.

قال : حد ثني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أني أرد أنا وشيعتي الحوض رواء مرويين مبيضة وجوههم ، ويرد عدونا ظماء مظمئين مسودة وجوههم ، خذها إليك قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت ، أرسلني يا أخا همدان ، ثم دخل القصر.

١٨٠ / ٣٤ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرنا الحسن بن علي الزعفراني ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن يوسف بن كليب ، عن معاوية بن هشام ، عن الصباح بن يحيى المزني ، عن الحارث بن حصيرة ، قال : حدثني جماعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال يوما : ادعوا غنيا وباهلة وحيا آخر ، وقد سماها ، فليأخذوا أعطياتهم ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم في الاسلام نصيب ، وأنا شاهد في منزلي عند الحوض وعند المقام المحمود أنهم أعداء لي في الدنيا والآخرة ، لاخذن غنيا أخذة تضرط باهله (١) ، ولئن ثبتت قدماي لأردن قبائل إلى قبائل وقبائل إلى قبائل ، ولأبهرجن (٢) ستين قبيلة ما لها في الاسلام نصيب.

١٨١ / ٣٥ ـ أخبرنا محمد بن محمد رحمه‌الله ، قال : أخبرني أبو عمرو عثمان الدقاق إجازة ، فال : أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى

__________________

(١) أي إن قبيلة باهلة تخاف من تلك الآخذة. ويمكن أن يقرأ بأهله.

(٢) بهرج الدم : أهدر ه وقيل : أبطله.

١١٦

الأودي ، قال : حدثنا مخول بن إبراهيم ، عن الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي عليهما‌السلام ، قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا.

قال أحمد بن يحيى الأودي : فرأيت الحسين بن علي عليه‌السلام في المنام فقلت : حدثني مخول بن إبراهيم ، عن الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عنك ، أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا. قال : نعم. قلت : سقط الاسناد بيني وبينك.

١٨٢ / ٣٦ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو نصر محمد بن الحسين البصير ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن شبابة ، قال : حدثنا عمر بن عبد الجبار ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن جعفر بن محمد ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لأصحابه : ألا إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم ، وهو الحسد ، ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين ، وينجي منه أن يكف الانسان يده ، ويخزن لسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن.

١٨٣ / ٣٧ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا محمد بن الوليد ، قال : حدثنا غندر بن محمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة بن جميل ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني رحمه‌الله ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : إن أخوف ما أخاف عليكم طول الامل واتباع الهوى ، فأما طول الامل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد تولت مدبرة ، والآخرة قد أقبلت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل.

١٨٤ / ٣٨ ـ أخبرنا محمد بن محمد رحمه‌الله قال : أخبرني أبو الطيب الحسين ابن محمد التمار ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن حميد بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم ، وأن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يجعلكم

١١٧

نجداء جوداء رحماء ، ولو أن رجلا صلى وصف قدميه بين الركن والمقام ، ولقي الله ببغضكم أهل البيت ، دخل النار (١).

١٨٥ / ٣٩ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن زياد من كتابة ، فال : حدثنا أحمد بن عيسى بن الحسن الجرمي ، قال : حدثنا نصر بن حماد ، قال : حدثنا عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام لا عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جبرئيل نزل علي وقال : إن الله يأمرك أن تقوم بتفضيل علي بن أبي طالب خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك عنك ، ويأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره ، والله يوحي إليك يا محمد أن من خالفك في أمره دخل النار ، ومن أطاعك فله الجنة.

فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديا فنادى بالصلاة جامعة ، فاجتمع الناس وخرج حتى رقي المنبر ، وكان أول ما تكلم به : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم.

ثم قال : أيها الناس ، أنا البشير ، وأنا النذير ، وأنا النبي الأمي ، إني مبلغكم عن الله ( عزوجل ) في أمر رجل لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة العلم ، وهو الذي انتخبه الله من هذه الأمة واصطفاه وهداه وتولاه ، وخلقني له وإياه ، وفضلني بالرسالة ، وفضله بالتبليغ عني ، وجعلني مدينة العلم وجعله الباب ، وجعله خازن العلم والمقتبس منه الاحكام ، وخصه بالوصية ، وأبان أمره ، وخوف من عداوته ، وأزلف من والاه ، وغفر لشيعته ، وأمر الناس جميعا بطاعته. وإنه ( عزوجل ) يقول : من عاداه عاداني ، ومن والاه والاني ، ومن ناصبه ناصبني ، ومن خالفه خالفني ، ومن عصاه عصاني ، ومن آذاه آذاني ، ومن أبغضه أبغضني ، ومن أحبه أحبني ، ومن أرداه أرداني ، ومن كاده كادني ، ومن نصره نصرني.

__________________

(١) تقدم في الحديث : ٢٦ ويأتي في الحديث : ٤٣٥.

١١٨

يا أيها الناس ، اسمعوا ما آمركم به وأطيعوه ، فإني أخوفكم عقاب الله ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) (١) ، ( ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) (٢).

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : معاشر الناس ، هذا مولى المؤمنين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ، والمجاهد للكافرين. اللهم إني قد بلغت ، وهم عبادك وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، واستغفر الله لي ولكم.

ثم نزل عن المنبر فأتاه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، إن الله ( عزوجل ) يقرئك السلام ويقول لك : جزاك الله عن تبليغك خيرا ، قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لامتك ، وأرضيت المؤمنين ، وأرغمت الكافرين ، يا محمد ، إن ابن عمك مبتلى ومبتلى به ، يا محمد ، قل في كل أوقاتك « الحمد لله رب العالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ».

١٨٦ / ٤٠ ـ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمر المرزباني ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الرحيم السجستاني ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن عبد الله بن عاصم ، عن محمد بن بشر ، قال : لما سير ابن الزبير بن عباس رحمه‌الله إلى الطائف ، كتب إليه محمد بن الحنفية رحمه‌الله : أما بعد ، فقد بلغني أن ابن الجاهلية سيرك إلى الطائف ، فرفع الله ( جل اسمه ) بذلك لك ذكرا ، وأعظم لك أجرا ، وحط به عنك وزرا ، يا بن عم ، إنما يبتلى الصالحون ، وإنما تهدى الكرامة للأبرار ، ولو لم تؤجر إلا فيما تحب إذ ن قل أجرك ، قال الله ( تبارك وتعالى ) ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) (٣) وهذا لست أشك أنه خير لك عند بارئك ، عزم

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٣٠.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٢٨.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢١٦.

١١٩

الله لك على الصبر في البلوى ، والشكر في النعماء ، إنه على كل شئ قدير.

فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس أجاب عنه ، فقال : « أما بعد ، فقد أتاني كتابك تعزيني فيه على تسييري ، وتسأل ربك جل اسمه أن يرفع به ذكري ، وهو ( تعالى ) قادر على تضعيف الاجر ، والعائدة بالفضل ، والزيادة من الاحسان ، وما أجب أن الذي ركب مني ابن الزبير كان ركبه مني أعداء خلق الله لي احتسابا لذلك في حسناتي ، ولما أرجو أن أنال به رضوان ربي ، يا أخي ، الدنيا قد ولت ، وإن الآخرة قد أظلت ، فاعمل صالحا ، جعلنا الله وإياك ممن يخافه بالغيب ، ويعمل لرضوانه في السر والعلانية ، إنه على كل شئ قدير ».

١٨٧ / ٤١ ـ أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني المظفر بن محمد البلخي ، قال : حدثنا محمد بن همام أبو علي ، قال : حدثنا حميد بن زياد ، قال : حدثنا إبراهيم ابن عبيد الله بن حيان ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان ، عن إسماعيل بن مسلم السكوني ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : اعمل بفرائض الله تكن من أتقى الناس ، وارض بقسم الله تكن من أغنى الناس ، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس ، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا ، وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما.

تم المجلس الرابع ، ويتلوه المجلس الخامس من الأمالي ، للشيخ

السعيد الفقيه أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي

رضي‌الله‌عنه بحمد الله تعالى وحسن توفيقه ،

والصلاة على النبي وآله الطاهرين

١٢٠