سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

علي موسى الكعبي

سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: ٢٤٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وقد استلهم بعضهم هذا المعنىٰ فأنشد :

كما الله سمّاها بفاطم إذ قضىٰ

بفطم محبيها من النار في الاُخرىٰ

بأُمّ أبيها كنّيت إذ بفـاطم

بقى ذكره في الناس والملّة الغرّا (١)

حليتها وشمائلها :

كانت الزهراء عليها‌السلام تشبه أباها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلقاً وأخلاقاً ومنطقاً ، وقد وصفها الصحابة المعاصرون لها بأنّها كانت كأبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشيته وجلسته وسمته وهديه ما تخطي منه شيئاً.

عن أنس بن مالك ، قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن ابن علي وفاطمة عليهما‌السلام (٢).

وعن عائشة ، قالت : ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلّاً وهدياً وحديثاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وقالت : أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

وعن جابر بن عبدالله ، قال : ما رأيت فاطمة تمشي إلّا ذكرت رسول

_______________________

١) البيتان للشيخ علي الجشي من ديوانه ١ : ٧٦ مطبعة النجف ١٣٨٣ هـ.

٢) مسند أحمد ٣ : ١٦٤.

٣) سنن الترمذي ٥ : ٧٠٠ / ٣٨٧٢. وجامع الاُصول ١٠ : ٨٦. ومستدرك الحاكم ٤ : ٢٧٢.

٤) مسند أحمد ٦ : ٢٨٢.

٤١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تميل علىٰ جانبها الأيمن مرّة ، وعلىٰ جانبها الأيسر مرة (١).

وعن أُمّ سلمة ، قالت : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وكانت الزهراء عليها‌السلام المثل الأعلىٰ في خَلقِها وخُلُقِها وسموها وتفوقها في كل الفضائل والصفات الإنسانية العليا علىٰ جميع نساء أهل الدنيا ، حتىٰ بلغ من كمالها أن وصفها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مراراً وتكراراً بالحورية ، فسبحان من خصّها بما خصّها وفضّلها علىٰ نساء العالمين.

المبحث الثالث : زواجها عليها‌السلام :

إنّ المتأمل لمفردات زواج الزهراء عليها‌السلام يلمس فيه أعلىٰ معاني الكمال الإنساني والشرف الخلقي ، ويجد فيه أكثر من سنّة نبوية مباركة ، ويستلهم منه المزيد من العظات والعبر التي تسهم في حلِّ الصعوبات التي تعترض الحياة الزوجية في كلِّ زمان ومكان ، وقبل البحث في بعض هذه المفردات ، لابدّ من بيان تاريخ زواجها وعمرها عند الزواج.

تاريخ زواجها :

اختلف المحدثون والمؤرخون في السنة التي تزوّج فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام بالزهراء عليها‌السلام ، فقيل : تزوجها بعد هجرتها إلىٰ المدينة بسنة ، وبنىٰ بها بعد سنة (٣). وقيل : بنىٰ بها في ذي الحجة من السنة الثانية

_______________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ٦ / ٧.

٢) كشف الغمة ١ : ٤٧١. وبحار الأنوار ٤٣ : ٥٥.

٣) البدء والتاريخ ٥ : ٢٠. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨٣. والهداية الكبرىٰ : ٣.

٤٢

للهجرة (١). وقيل كان زفافها سنة ثلاث من الهجرة (٢) ، ومهما اختلفت الأقوال ، فإنّ المتعين أن زفافها كان بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.

وكذلك اختلف في يوم زواجها عليها‌السلام فقيل : تزوجها في أول ذي الحجة (٣). وقيل : في السادس منه يوم الثلاثاء ، وروي أيضاً لأيام خلت من شوال بعد وفاة أُختها رقية (٤). وقيل : كان تزويجها في صفر بعد الهجرة ، وبنىٰ بها بعد رجوعه من غزاة بدر (٥). وقيل : تزوجها في شهر رمضان ، وبنىٰ بها في ذي الحجة (٦). وقيل : كان زفافها ليلة الخميس إحدىٰ وعشرين من المحرم (٧). وأخيراً قيل : تزوجها في رجب بعد مقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ المدينة بخمسة أشهر ، وبنىٰ بها بعد رجوعه من بدر (٨). والمشهور الأول أي الأول من ذي الحجة.

عمرها عند الزواج :

تختلف الروايات في مقدار عمرها عليها‌السلام عند الزواج بحسب الاختلاف الحاصل في تاريخ ولادتها وزواجها ، فإن قلنا : إنّ ولادتها بعد المبعث

_______________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٢) إقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٣) مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي : ٦٧١ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت. ومصباح الكفعمي : ٥١٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ٢.

٤) أمالي الطوسي : ٤٣ / ١٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٧ / ٧.

٥) مقاتل الطالبيين : ٣٠.

٦) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦.

٧) اقبال الأعمال / السيد ابن طاووس : ٥٨٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٢ / ١.

٨) طبقات ابن سعد ٨ : ٢٢ دار صادر ـ بيروت. الثغور الباسمة : ٢٧.

٤٣

بخمس سنين ، يكون عمرها عند الزواج تسع سنين أو عشر أو إحدىٰ عشرة سنة ، وفق اختلاف الرواية في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث ، والمشهور الأول.

وقيل أيضاً : كان عمرها عند الزواج اثنتي عشرة سنة ، أو ثلاث عشرة ، أو أربع عشرة ، ولم يروِ أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أكثر من ذلك (١).

وفي الاستيعاب : كان سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، وكان سنّ علي عليه‌السلام إحدى وعشرين سنة (٢).

وفي رواية أبي الفرج وابن سعد وابن حجر : أنّه كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة (٣).

ولا ريب أن ذلك سنها يوم وفاتها عليها‌السلام وفقاً للرواية التي رجّحناها في مولدها عليها‌السلام ، فإن كان ذلك مبنياً علىٰ أنّ ولادتها قبل البعثة بخمس سنين ، فينبغي أن يكون عمرها عند الزواج تسع عشرة سنة أو عشرين سنة أو إحدىٰ وعشرين ، علىٰ اختلاف الروايات في تزويجها بعد الهجرة بسنة أو بسنتين أو ثلاث ، والله العالم بحقيقة الحال.

الخطبة :

تعرّض خطبة الزهراء عليها‌السلام أكابر قريش ، وكلّما ذكرها أحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدّ عنه ، عن أنس بن مالك ، قال : جاء أبو بكر إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي ، قال : « وما ذلك ؟ » قال : تزوجني فاطمة ، فأعرض عنه. وأتىٰ عمر إلىٰ

_______________________

١) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٤٥ الطبعة الخامسة.

٢) الاستيعاب ٤ : ٣٧٤. وراجع : ذخائر العقبىٰ : ٢٦. والثغور الباسمة : ٦. وأعلام النساء ٣ : ١١٩٩.

٣) مقاتل الطالبيين : ٣٠. والإصابة ٤ : ٣٧٧. وطبقات ابن سعد ٨ : ٢٢.

٤٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له مثل ذلك فأعرض عنه (١) ، وخطبها عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه (٢) ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينتظر بها القضاء.

روىٰ ابن شاهين وغيره عن عبدالله بن بريدة ، قال : إنّ أبا بكر خطب إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ، فقال : « انتظر بها القضاء » ، ثم خطب إليه عمر ، فقال : « انتظر بها القضاء » ثمّ خطب إليه علي فزوجها منه (٣).

وعن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : « أُمرت بتزويجك من السماء » (٤).

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : سمعتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « إنّ الله أمرني أن أُزوج فاطمة من علي ، ففعلت » (٥).

وعن أنس ، قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغشيه الوحي ، فلمّا سُرّي عنه قال : « يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش ؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : إنّ الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من علي » (٦).

قال الحرّ العاملي رضي‌الله‌عنه في منظومته :

_______________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٦. والمناقب / ابن المغازلي : ٣٤٧ / ٣٩٩.

٢) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٤٥. وكشف الغمة ١ : ٣٦٨. وبحار الانوار ٤٣ : ١٠٨ و ١٤٠.

٣) فضائل فاطمة عليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٦ مؤسسة الوفاء ـ بيروت. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٨. مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤) فضائل فاطمة عليها‌السلام / ابن شاهين : ٥٠ / ٣٧.

٥) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٧ / ١٠٢٠. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٤. وكنز العمال ١١ : ٦٠٠ / ٣٢٨٩١. ودلائل النبوة / البيهقي : ١٤٢ / ٥٠. وترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق ١ : ٢٥٩ / ٣٠٢. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٧٦.

٦) كنز العمال ١١ : ٦٠٦ / ٣٢٩٢٩. وذخائر العقبىٰ : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥.

٤٥

لم يتولّ الله تزويج أحد

من الأنام إلّا ثلاثة فقد

زوّج آدم بحـوا أمتـه

وزينب من النبي خيرته

وفـاطم الزهـراء بـالإمام

خير الأنام كاسر الأصنام (١)

وقال آخر :

وكم خاطب قد رُدّ فيها ولم يُجَب

وكم طالبٍ صهراً وما كان بالأهلِ

ولولا علي ما استجيب لخاطبٍ

ولا كانت الزهرا تزفّ إلىٰ بعلِ (٢)

الكفاءة :

تبين أن إجابة أمير المؤمنين عليه‌السلام في الزواج من الزهراء عليها‌السلام وردّ سواه كانا بأمر الله سبحانه ، وفي ذلك دليل علىٰ فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام وكرامته ومنزلته عند الله تعالىٰ.

والزهراء عليها‌السلام سيدة نساء العالمين لابدّ أن يكون كفؤها سيد رجال الاُمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن هنا جاءت مقاييس الاختيار والترجيح علىٰ لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبين لابنته البتول عليها‌السلام فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ، وإنه لأول أصحابي إسلاماً ، وأكثرهم علماً

_______________________

١) تراجم أعلام النساء / الأعلمي ٢ : ٣١٣ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٢) مستدركات أعيان الشيعة ٢ : ٣٣١ دار التعارف ـ بيروت.

٤٦

وأعظمهم حلماً » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أما ترضين أن زوجتك أول المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وإنّك سيدة نساء أُمتي كما سادت مريم نساء قومها » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّي زوجتك أقدم أُمتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قد أصبت لك خير أهلي ، وأيم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سعيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين » (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا فاطمة ، إنّي زوجتك سيداً في الدنيا ، وإنّه في الآخرة من الصالحين » (٥).

قال العبدي :

صدّيقة خُلِقت لصدّ

يقٍ شريف في المناسب

اختاره واخـتارها

طهرين من دنس المعايب

كان الإله وليها

وأمينه جبريل خاطب (٦)

_______________________

١) الاستيعاب ٣ : ٣٦.

٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٧ / ١٠٣٠.

٣) مسند أحمد ٥ : ٢٦. والرياض النضرة ٣ : ١٦٠. وذخائر العقبىٰ : ٧٨. ومجمع الزوائد ٩ : ١٠١ و ١١٤.

٤) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١١ / ١٠٢٢. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٧. وحلية الأولياء ٢ : ٧٥.

٥) تاريخ بغداد ٤ : ١٢٨.

٦) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٢.

٤٧

وقال آخر :

هي الجديرة بالكفء الكريم لها

من بالمفاخر والعليا يحاكيها

فمن يليق ببنت المصطفىٰ حسباً

ومن من العرب العرباء كافيها

ومن يناسب طه كي يصاهره

وهي المصاهرة المسعود ملفيها

غير العلي ربيب المصطفىٰ وله

سبق الهداية مذ نادىٰ مناديها

فإنّه بعد طه خير من ولدت

قريش مذ برا الباري ذراريها

لذلك اختاره ربّ السماء لها

بعلاً وأمست به الدنيا تهنّيها (١)

فكفاءة الإمام علي لفاطمة عليهما‌السلام كفاءة تقوم علىٰ ضوء موازين الحكمة الالهية ، فالله تعالىٰ هو الذي اختار الكفء للزهراء عليها‌السلام فكان عليّاً عليه‌السلام دون غيره.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يُخلَق علي ما كان لفاطمة كفؤ » (٢).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « لولا أنّ الله تعالىٰ خلق أمير المؤمنين لم يكن

_______________________

١) الأبيات من القصيدة العلوية / الشاعر عبدالمسيح الانطاكي : ٩٧.

٢) الفردوس / الديلمي ٣ : ١٧٠. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٧٢.

٤٨

لفاطمة كفؤ علىٰ وجه الأرض ، آدم فمن دونه » (١).

فلم تكن بين أهل الكساء امرأة قط غير فاطمة عليها‌السلام ، ولم يطهّر الله امرأة من نساء العالمين من الرجس غير فاطمة عليها‌السلام ، ولم يخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمسلمة إلىٰ مباهلة وفد نصارىٰ نجران غير فاطمة عليها‌السلام ، ولم تكنىٰ بنت نبي بأُمّ أبيها غير فاطمة عليها‌السلام ، ولم يكن لامرأة اجتمعت فيها هذه الخصال من كفءٍ غير يعسوب المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهكذا حكمت السماء.

وعليه فالكفاءة هنا ليست نَسَبِيّة حيث إننا قد نجد كفوءاً نسبياً للزهراء عليها‌السلام كأمير المؤمنين عليه‌السلام من سائر أبناء أبي طالب ، وليس المراد الكفاءة بالمال والغنىٰ ، ففي رجالات العرب من هو أغنىٰ من أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي تقدم إلىٰ الزهراء عليها‌السلام وما كان يملك غير سيفه ودرعه وناضحه ، ولكن أنّىٰ لنا أن نجد كفوءاً لها يوازيها في الحكمة والهدىٰ والرحمة وميراث النبوة وافتراض الولاء والطاعة علىٰ الناس أجمعين غير علي عليه‌السلام ؟

هذا ، وقد يقال : ما تقول بزواج عثمان ببنتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قلنا : هذا قياس مع الفارق الكبير إذ لم تكن بضعة للنبي من بناته سوىٰ الزهراء عليها‌السلام ، ولم تختص واحدة من بناته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما اختصّت به البتول كما بيناه ، علىٰ أن زوجتي عثمان قد زوجهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كافرين قبله ، كما أن في زواج عثمان اختلافاً كثيراً كما يقول ابن شهرآشوب (٢).

_______________________

١) المناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ١٨١. والكافي ١ : ٤٦١ / ١٠. والتهذيب ٧ : ٤٧٠ / ٩٠. والفقيه ٣ : ٢٤٩ / ١١٨٣. وأمالي الصدوق : ٦٨٨ / ٩٤٥. وعلل الشرائع ١ : ١٧٨ / ٣. والخصال / الشيخ الصدوق : ٤١٤ / ٣ طبع جماعة المدرسين ـ قم.

٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٨٢.

٤٩

وقد حقّق جملة من الباحثين في الموضوع ، وخلصوا إلىٰ القول بأن زوجتي عثمان هما بنتا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبنّي ، وليس من صُلبه الشريف (١) ، وعلىٰ هذا يسقط الاعتراض من الأساس.

الاستئذان والمشاورة :

ودرس آخر نتعلّمه من زواج الزهراء عليها‌السلام هو الاستئذان من الفتاة البكر ومشاورتها واستئمارها لكسب رضاها قبل الزواج ، وهو من الحقوق المهمة التي أولاها الإسلام للمرأة إظهاراً لكرامتها ، وعلىٰ الرغم من أن زواج الزهراء عليها‌السلام كان بأمر الله تعالىٰ ، فقد عمل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة وتأديباً للاُمّة.

روىٰ الشيخ الطوسي بالاسناد عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت علي ابن أبي طالب يقول : « أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت له فاطمة. قال : فأتيته ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضحك ثم قال : ما جاء بك يا أبا الحسن ، وما حاجتك ؟ قال : فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي فقال : يا علي ، صدقت ، فأنت أفضل مما تذكر. فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تزوجنيها ؟ فقال : يا علي ، إنّه قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها ، فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن علىٰ رسلك حتىٰ أخرج إليك فدخل إليها ... فقال لها : يا فاطمة. فقالت : لبيك لبيك ، حاجتك يارسول الله ؟ قال : إنّ علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه ، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين ؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ، ولم ير فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كراهة ، فقام وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ،

_______________________

١) راجع كتاب بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم / السيد جعفر مرتضىٰ العاملي.

٥٠

زوّجها علي بن أبي طالب ، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها » (١).

وعن عطاء بن أبي رباح ، قال : لمّا خطب علي فاطمة عليهما‌السلام أتاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « إنّ عليّاً قد ذكرك » فسكتت ، فخرج فزوجها (٢).

وهذا لا يعارض ما تقدم من إيكال أمر زواجها بيد الله تعالىٰ بداهةً ، ما دام علم الله وقضاؤه وقدره قد أحاط بالاشياء قبل إيجادها.

خطبة العقد :

وهي من السنن المستفادة من زواج الزهراء عليها‌السلام فقد روىٰ ابن شهرآشوب عن ابن مردويه ، قال : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام : « تكلم خطيباً لنفسك » فقال : « الحمدُ لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنة من يتقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده علىٰ قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، ومسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، شهادة تبلغه وترضيه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، الىٰ أن قال : وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجني ابنته فاطمة علىٰ خمسمائة درهم وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا ».

فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وقد زوجتك ابنتي فاطمة علىٰ ما زوجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك فانك أحقّ بها مني ».

وفي خبر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضا الله رضاً » فخرّ علي عليه‌السلام ساجداً شكراً لله تعالىٰ

_______________________

١) أمالي الطوسي : ٣٩ / ٤٤. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٣ / ٤.

٢) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٥. والثغور الباسمة / السيوطي : ٣١. وذخائر العقبىٰ : ٢٩ و٣٣. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٠. وتذكرة الخواص : ٣٠٨.

٥١

وهو يقول : ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) (١). فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « آمين » فلمّا رفع رأسه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدكما ، وجمع بينكما ، وأخرج منكما الكثير الطيب » ثم أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطبق بُسرٍ وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء ، وأمر بضرب الدف (٢).

وفي حديث علي عليه‌السلام وأُمّ سلمة وسلمان ( رضي الله عنهما ) قالوا : فقال المسلمون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زوجته يا رسول الله ؟ فقال : « نعم » فقالوا : بارك الله لهما وعليهما ، وجمع شملهما ، وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ أزواجه ، فأمرهن أن يدففن لفاطمة عليها‌السلام ، فضربن بالدفوف (٣).

المهر :

كان مهر الزهراء عليها‌السلام خمسمائة درهم ، وهو الذي جرت به السُنّة ، وقد تقدّم ذكر ذلك في خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدمة ، وقيل : أربعمائة مثقال فضة ، وهو المروي عن أنس بن مالك ، في خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين العقد ، قال أنس : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي : « يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش ؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : « أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وطلحة والزبير ، وبعددهم من الأنصار ».

قال : فانطلقت فدعوتهم له ، فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول

_______________________

١) سورة النمل : ٢٧ / ١٩.

٢) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١١١.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٨.

٥٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأورد خطبته ـ إلىٰ أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثم إني أُشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي علىٰ أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك عليّ » وكان علي عليه‌السلام غائباً ، قد بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حاجة ، ثم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطبق فيه بُسر فوضع بين أيدينا ، ثم قال : « انتهبوا » فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل علي عليه‌السلام فتبسم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : « يا علي ، إنّ الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، وقد زوجتكها علىٰ أربعمائة مثقال فضة ، أرضيت ؟ ». قال : « رضيت يا رسول الله » ثم قام علي عليه‌السلام فخرّ لله ساجداً ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جعل الله فيكما الخير الكثير الطيب ، وبارك فيكما ».

قال أنس : والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب (١).

والمشهور في مقدار المهر هو الأول ، وقال ابن شهرآشوب : وهو الأصح (٢) ، ولعلّ الأربعمائة مثقال فضة كانت تعادل خمسمائة درهم في عصرهم ، وقد ورد في جملةٍ من الروايات أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد باع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً وكانت هي مهر الزهراء عليها‌السلام.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ـ في حديث تزويج فاطمة عليها‌السلام ـ قال : « ثم إنّ عليّاً اغتسل ولبس كساءً قطرياً وصلّىٰ ركعتين ، ثم أتىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله زوّجني فاطمة. قال : إذا زوجتكها فما تصدقها ؟ قال : أصدقها سيفي وفرسي ودرعي وناضحي ، قال : أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنىٰ بك عنها ، تقاتل المشركين ، وأما درعك فشأنك بها.

فانطلق علي عليه‌السلام وباع درعه بأربعمائة وثمانين درهماً قطرية ، فصبّها بين

_______________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٤٩. وذخائر العقبىٰ : ٣٠. والرياض النضرة ٣ : ١٤٥. وكفاية الطالب / الكنجي : ٣٠٢ الطبعة الثالثة ـ طهران.

٢) المناقب ٣ : ٣٥١.

٥٣

يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يسأله عن عددها ، ولا هو أخبره عنها ... » (١).

وعن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : « زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليّاً علىٰ أربعمائة وثمانين درهماً » (٢).

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « كان صداق فاطمة عليها‌السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية ، وكان فراشها إهاب كبش » (٣).

قيل : إنّ الاربعمائة وثمانين درهماً ، كانت ثمن الدرع لاتمام المهر ، كما يدل عليه بعض الأخبار ، وان الدرع والبرد لم يكونا مهراً ، بل بيعا ، لذلك فثمن الدرع أربعمائة وثمانون ، وثمن البرد عشرون ، والله أعلم (٤).

درس توجيهي :

لقد كانت عادة الأشراف من قريش إذا تزوج أحدهم أن يبذلوا المهور العالية ، وأن يكون الزواج مفعماً بمظاهر التكلف والاسراف ، وفي زواج الزهراء عليها‌السلام قدّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درساً عملياً للزواج النموذجي في الإسلام مغيراً معايير الجاهلية غير عابىء بلائمة قريش وعذلهم.

عن جابر بن عبدالله قال : لمّا زوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً من فاطمة عليها‌السلام أتت قريش فقالوا : يا رسول الله ، زوجت فاطمة بمهر خسيس ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

_______________________

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٨. وكفاية الطالب : ٣٠٢. ونحوه عن أنس بن مالك. ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٩ / ١٠٢١. وابن المغازلي في المناقب : ٣٤٧ / ٣٩٩. والمحب الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٤٢. وابن حجر الهيثمي في المجمع ٩ : ٢٠٥ وغيرهم. ونحوه عن ابن عباس. ورواه البيهقي في السنن ٧ : ٢٣٤. وأحمد في المسند ١ : ٨٠. والمناوي في إتحاف السائل : ٣٥ و ٤٦.

٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥١.

٣) الكافي ٥ : ٣٧٧ / ٥. ونحوه عن الإمام الصادق عليه‌السلام في الكافي ٥ : ٣٧٧ / ١.

٤) المجالس السنية / السيد محسن الأمين ٥ : ٧٧.

٥٤

« ما زوجت فاطمة من علي ، ولكن الله زوجها » (١) فليس هو إلّا حكم الله ، وقد شاء تحكمته أن تكون مهور النساء متواضعة ، وأجرىٰ ذلك علىٰ لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً وأقلهنّ مهراً » (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابنته في صبيحة اليوم الرابع ، وقال لها : كيف أنت يا بنية ، وكيف رأيت زوجك ؟ فقالت له : يا أبه ، خير زوج ، إلّا أنه دخل عليَّ نساء من قريش ، وقلن لي : زوجك رسول الله من فقير لا مال له ، فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بنية ، ما ألوتك نصحاً أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً. يا بنية ، إنّ الله عزَّ وجلَّ اطلع إلىٰ الأرض إطلاعة فاختار منها رجلين ، فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك. يا بنية ، نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمراً. ثم صاح بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، فقلت : لبيك يا رسول الله. فقال : ادخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها ، فان فاطمة بضعة مني ، يؤلمني ما يؤلمها ، ويسرني ما يسرها ، استودعكما الله واستخلفه عليكما » (٣).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام عن آبائه : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا زوج فاطمة عليها‌السلام ، دخل النساء عليها ، فقلن : يا بنت رسول الله ، خطبك فلان وفلان ، فردّهم عنك ، وزوّجك فقيراً لا مال له ، فلمّا دخل عليها أبوها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأىٰ ذلك في وجهها ، فسألها فذكرت له ذلك ، فقال : يا فاطمة ، إنّ الله أمرني فانكحتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وما زوجتك إلّا بأمرٍ من

_______________________

١) المناقب / ابن المغازلي : ٣٤٣ / ٣٩٥. وأمالي الطوسي : ٢٦٦ / ٤٦٤. والفقيه ٣ : ٢٥٣ / ١٢٠٢.

٢) الكافي ٥ : ٣٢٤ / ٤.

٣) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٣.

٥٥

السماء ، أما علمت أنه أخي في الدنيا والآخرة » (١).

وعن ابن عباس ، قال : لما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً عليه‌السلام من فاطمة عليها‌السلام تحدثت نساء قريش وغيرهن وعيّرنها وقلن : زوجك رسول الله من عائل لا مال له ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا فاطمة ، أما ترضين إنّ الله تبارك وتعالىٰ اطلع اطلاعة إلىٰ الأرض ، فاختار منها رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك » (٢).

فمعيار التفاضل لابدّ أن يكون قائماً علىٰ أساس التقوىٰ والدين والخلق القويم ، لا علىٰ أساس الثروة والمال والحطام الزائل ، وعلىٰ الرغم من تواضع مهر الزهراء عليها‌السلام وبساطة المراسيم فقد وصف عرسها : بأنّه أحسن عرس وأطيبه.

عن جابر ، قال : حضرنا عرس علي وفاطمة عليهما‌السلام فما رأينا عرساً كان أطيب منه ، حشونا الفراش الليف ، وأُوتينا بتمرٍ وزبيب فأكلنا ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش (٣).

وروىٰ ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : ما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة (٤).

ففي مهر الزهراء عليها‌السلام درس توجيهي لنا ، فقد زوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب الخلق إليه بمهر متواضع كي يفهّم الاُمّة عمليّاً أن المهور العالية ليست في صالحها لما تسببه من تعكير لصفو المحبة والعلاقة بين الزوجين وزلزلة

_______________________

١) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٧.

٢) اليقين / السيد ابن طاووس : ١٥٨ ـ النجف الأشرف. وبحار الأنوار ٤٠ : ١٨ / ٣٦.

٣) مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٩. والثغور الباسمة : ٣٣. واتحاف السائل : ٤٢. وذخائر العقبىٰ : ٣٤. والرياض النضرة ٣ : ١٤٤.

٤) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١ كتاب النكاح ، باب الوليمة ، دار الفكر ـ بيروت.

٥٦

الوضع الاقتصادي للعائلة ، فضلاً عن أنها تؤدي إلىٰ عزوف الشباب عن الزواج وما يعقبه من مفاسد اجتماعية وأمراض روحية.

الجهاز وأثاث البيت :

إنّ جهاز الزهراء عليها‌السلام وأثاث بيتها يعكس مظاهر الزهد والتواضع وسمو المبادىء وعظمة القيم الإسلامية العليا علىٰ مظاهر البذخ والترف الزائلة.

روىٰ الشيخ الطوسي مسنداً عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض من ثمن الدرع قبضةً ودعا بلالاً فأعطاه ، وقال : ابتع لفاطمة طيباً ، ثم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر ، وقال : ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق...

فكان مما اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، قطيفة سوداء خيبرية ، وسرير مزمّل بشريط ، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر ، وستر من صوف ، وحصير هجري ، ورحىٰ لليد ، ومخضب من نحاس ، وسقاء من أدم ، وقعب للبن ، وشنّ للماء ، ومطهرة مزفّتة ، وجرّة خضراء ، وكيزان خزف.

فلما عرض المتاع علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل يقلّبه بيده ويقول : بارك الله لأهل البيت » (١).

واقتصرت كثير من الروايات علىٰ بعض ما جاء في هذه الرواية من الجهاز (٢).

_______________________

١) أمالي الطوسي : ٤٠ / ٤٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩٤ / ٥.

٢) راجع : مستدرك الحاكم ٢ : ١٨٥. ومسند أحمد ١ : ٨٤. و٣ : ١٠٤ و ١٠٨. والطبقات الكبرىٰ ٨ :

٥٧

وروي عن أُمّ سلمة وسلمان الفارسي وعلي عليه‌السلام أنهم قالوا : وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبضةً من الدراهم ، ودعا بأبي بكر فدفعها إليه ، وقال : « يا أبا بكر ، اشترِ بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها » وبعث معه سلمان وبلالاً ليعيناه علىٰ حمل ما يشتريه ، قال أبو بكر : وكانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهماً ، فانطلقت واشتريت فراشاً من خيش مصر محشوّاً بالصوف ، ونطعاً من أدم ، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل وعباءة خيبرية ، وقربة للماء ، وكيزاناً ، وجراراً ، ومطهرة للماء ، وستر صوف رقيقاً ، وحملناه جميعاً حتىٰ وضعناه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا نظر إليه بكىٰ وجرت دموعه ، ثمّ رفع رأسه إلىٰ السماء وقال : « اللهمَّ بارك لقومٍ جلّ آنيتهم الخزف » (١).

وأخرج أبو يعلى عن علي عليه‌السلام ، قال : « أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعل ثلثين في الطيب ، وثلثاً في الثياب » (٢).

وروىٰ ابن شهرآشوب عن الصادق عليه‌السلام قال : « أعطىٰ منها قبضة كانت ثلاث وستين أو ستة وستين إلىٰ أُمّ أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلىٰ أسماء للطيب ، وقبضة إلىٰ أُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع مايصلحها » (٣).

أما بيت علي عليه‌السلام الذي زفّت إليه الزهراء عليها‌السلام فكان بمنتهىٰ البساطة والتواضع ، روىٰ ابن شهرآشوب عن وهب بن وهب القرشي ، قال : وكان

_______________________

٢٠ ـ ٢١. والثغور الباسمة : ٣٥. واتحاف السائل : ٥١.

١) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٥٩. ومناقب الخوارزمي : ٢٥٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٣٠.

٢) اتحاف السائل : ٤٤.

٣) المناقب ٣ : ٣٥٢.

٥٨

من تجهيز علي عليه‌السلام داره انتشار رمل لين ، ونصب خشبة من حائط إلىٰ حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف (١).

وأخرج ابن ماجة عن عائشة وأُمّ سلمة ، قالتا : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نجهز فاطمة عليها‌السلام حتىٰ ندخلها علىٰ علي عليه‌السلام فعمدنا إلىٰ البيت ، ففرشناه تراباً ليناً من أعراض البطحاء ، ثم حشونا مرفقتين ليفاً ، فنفشناه بأيدينا... وعمدنا إلىٰ عود فعرضناه في جانب البيت ليلقىٰ عليه الثوب ويعلّق عليه السقاء (٢).

وروىٰ أحمد بالاسناد عن عكرمة وأبي يزيد المديني ، قال : لمّا أُهديت فاطمة إلىٰ علي عليه‌السلام لم تجد عنده إلّا رملاً مبسوطاً ووسادة وجرة وكوزاً (٣).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : « كان فراش علي وفاطمة عليها‌السلام حين دخلت عليه إهاب كبش ، إذا أرادا أن يناما عليه ، قلباه فناما علىٰ صوفه ، وكانت وسادتها أدماً حشوها ليف ، وكان صداقها درعاً من حديد » (٤).

وأخرج ابن سعد عن علي عليه‌السلام قال : « تزوجت فاطمة عليها‌السلام ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، ومالي ولها خادم غيرها » (٥).

وأخرج أحمد بن حنبل ، عن علي عليه‌السلام قال : « ما كان لنا إلّا إهاب كبش ،

_______________________

١) المناقب ٣ : ٣٥٣.

٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦١٦ / ١٩١١.

٣) فضائل أحمد ٢ : ٥٦٧ / ٩٥٦ مؤسسة الرسالة. وتذكرة الخواص : ٣٠٧. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٩ عن أسماء بنت عميس.

٤) قرب الاسناد / الحميري : ٥٣ مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام ـ قم. والطبقات الكبرىٰ ٨ : ٢٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٠٤ / ١٤.

٥) الطبقات الكبرىٰ ٨ : ٢٢. وذخائر العقبىٰ : ٣٥. والثغور الباسمة : ٣٣. وتذكرة الخواص : ٣٠٧.

٥٩

ننام علىٰ ناحيته ، وتعجن فاطمة علىٰ ناحيته » (١).

قال الشاعر :

رفرف السعدُ فوق كوخٍ صغيرٍ

لم يُدنّس بقسوة الأغنياء

إن تكن قسمةُ الغنيّ متـاعاً

فالإله الرحمن للاأتقياء (٢)

بيت الزهراء عليها‌السلام:

هذا هو ما ورد في وصف بيت الزهراء عليها‌السلام بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع ، فلتتعلم منه الاُمّة درس التضحية والإيثار ومظاهر العزّ والعظمة ، فإنّه الحلّ الحاسم لكثير من المشكلات الاجتماعية التي كانت ولا زالت تهدد المجتمعات الإنسانية ويضجّ العالم تحت وطأتها.

فلو زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة من بعض رجالات العرب الذين تقدموا لخطبتها وحاشاه أن يفعل ، لكانت ترفل بحلل الحرير والديباج ، وتزدهي بقلائد الذهب والفضة ، ولسكنت القصور والعلالي ، ولكان لها الخدم والحشم ، بدل القربة التي استقت بها فأنهكتها ، والرحىٰ التي طحنت بها حتىٰ مجلت يدها ، والمكنسة التي قمّت بها حتىٰ اغبرت ثيابها ، لكن السعادة والسكينة والرحمة ليس في القصور الضخمة ، ولا في اقتناء الذهب والفضة ، بل حيث يكون ابن عمها الكفء ، أمير المؤمنين وإمام المتقين وأبو الأئمة الميامين ، أول الناس إسلاماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً.

( في هذا المكان ، وهذا البيت المتواضع الذي كان جُلّ أثاثه من الخزف ،

_______________________

١) الثغور الباسمة : ٣٥. وإتحاف السائل : ٥١.

٢) البيتان لبولس سلامة من قصيدة عيد الغدير : ٨٠ الطبعة الرابعة ـ طهران.

٦٠