علي موسى الكعبي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: ٢٤٩
قال الراوي : ثمّ ذهبت فتبعها رافع بن رفاعة الزرقي ، فقال لها : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن تكلّم في هذا الأمر ، وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ، ما عدلنا به أحداً. فقالت عليهاالسلام : « إليك عنّي ، فما جعل الله لاَحدٍ بعد غدير خمٍّ من حجّة ولا عذر ».
قال : فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم (١) ، وارتجّت المدينة ، وهاج الناس ، وارتفعت الأصوات (٢).
علىٰ أثر الخطبة :
كان لخطبة الزهراء عليهاالسلام أثر بالغ ومحرّك لنفوس الناس ، سيّما الأنصار منهم ، لما تحمله تلك الخطبة من الواقعية والصدق والاستناد إلىٰ أُسس متينة قوامها الكتاب الكريم والسُنّة النبوية المباركة ، في بيان مظلوميتها وفي إشادتها بفضل أمير المؤمنين علي عليهالسلام وأحقيته في خلافة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ممّا جعل الأنصار يهتفون باسم علي عليهالسلام ، فاستشعر رجال السقيفة الخطر من هذه البادرة ، فنادىٰ أبوبكر الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فأرعد وأبرق.
روىٰ الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة بعدة طرق ، قال : لما سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر وقال : أيُّها الناس ، ما هذه
_______________________
وغريب الحديث / ابن قتيبة ٢ : ٢٦٧ / ٣٥٥ دار الكتب العلمية. والكافي ٨ : ٣٧٥ / ٥٦٤. والمناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ٢٠٨. والبدء والتاريخ / المقدسي ٥ : ٦٨. والطرائف / ابن طاووس : ٢٦٥. ومنال الطالب / ابن الأثير : ٥٠٧.
١) بلاغات النساء : ٢٣. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٥٣.
٢) دلائل الإمامة : ١٢٢.
الرِّعة (١) إلىٰ كلِّ قالة ؟! ومع كلّ قالة أُمنية ، أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم ؟! ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنّما هو ثُعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكلِّ فتنةٍ ، هو الذي يقول : كرّوهاً جذعةً بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء ، كأُمّ طِحال (٢) أحبّ أهلها إليها البغيّ !!!
ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لبحت ، وإنّي ساكت ما تُركِت.
ثم التفت إلىٰ الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، فو الله إنّ أحقّ الناس بلزوم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، وأنتم اليوم أحقُّ من لزم عهده ، ومع ذلك فاغدوا علىٰ أُعطياتكم ، فإنّي لست كاشفاً قناعاً ، ولا باسطاً ذراعاً ولا لساناً إلّا علىٰ من استحقّ ذلك والسلام ؛ ثم نزل فانصرفت فاطمة عليهاالسلام إلىٰ منزلها (٣).
قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الكلام علىٰ النقيب أبي يحيىٰ جعفر ابن يحيىٰ بن أبي زيد البصري ، وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال : بل يصرّح. قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب عليهالسلام. قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ! قال : نعم ، إنّه الملك يا بني. قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر علي عليهالسلام فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم (٤).
ثانياً : خطبة الزهراء عليهاالسلام بنساء المهاجرين والأنصار :
تظافرت الروايات عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام وعبدالله
_______________________
١) الرعة : الاستماع والإصغاء.
٢) أم طحال : أمرأة بغي في الجاهلية ، يقال في المثل : أزنىٰ من أمّ طِحال.
٣) دلائل الإمامة : ١٢٣. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٥.
٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٥.
ابن عباس ، وسويد بن غفلة ، وعبدالله بن الحسن عن أُمّه فاطمة بنت الحسين عليهالسلام قالوا : لمّا مرضت فاطمة الزهراء عليهاالسلام المرضة التي توفيت فيها ، واشتدّت علّتها ، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها ، فسلّمن عليها ، وقلن : كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله ؟ فحمدت الله تعالىٰ وصلّت علىٰ أبيها المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قالت : « أصبحت والله عائفة لدنياكنّ ، قالية لرجالكنّ ، لفظتهم بعد أن عجمتهم (١) ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم (٢) ، فقبحاً لفلول الحدّ ، واللعب بعد الجدّ ، وقرع الصفاة ، وصدع القناة ، وخطل الآراء ، وزلل الأهواء ، و ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (٣) لا جرم والله ، لقد قلّدتهم ربقتها ، وحمّلتهم أوقتها (٤) ، وشننت عليهم غارتها ، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.
ويحهم أنّىٰ زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطَّبين (٥) بأمور الدنيا والدين ؟! ( أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )(٦).
وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا منه والله نكير سيفه ، وقلّة مبالاته بحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزَّ وجل.
_______________________
١) اختبرتهم وابتليتهم.
٢) اختبرتهم وامتحنتهم.
٣) سورة المائدة : ٥ / ٨٠.
٤) ثقلها.
٥) الفطن الحاذق.
٦) سورة الزمر : ٣٩ / ١٥.
وتالله لو تكافّوا عن زمامٍ نبذه إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لاعتقله (١) ثمّ لسار بهم سيراً سُجحاً (٢) ، لا يُكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنّق (٣) جانباه ، ولأصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يتحلّىٰ من الغنىٰ بطائل (٤) ، ولا يحظىٰ من الدنيا بنائل ، غير ريّ الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَٰؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ )(٥).
ألا هلم فاستمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فعجب قولهم. ليت شعري إلىٰ أيّ لَجأ لجأوا ، وإلى أيّ سناد استندوا ، وعلىٰ أي عماد اعتمدوا ، وبأيّ عروة تمسكوا ، وعلىٰ أيّ ذريّة قدّموا واحتنكوا (٦) ! ( لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (٧) وبئس للظالمين بدلاً.
استبدلوا والله الذنابىٰ بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قومٍ
_______________________
١) أمسكة.
٢) سهلاً ليناً.
٣) لا يتكدر.
٤) لم يستفد منه كثير فائدة.
٥) سورة الزمر : ٣٩ / ٥١.
٦) استولوا.
٧) سورة الحج : ٢٢ / ١٣.
( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) (١) ، ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ) (٢) ويحهم ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) ؟!
أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القَعب دماً عبيطاً ، وذعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن دنياكم نفساً ، واطمئنّوا للفتنة جأشاً (٤) ، وابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتدٍ غاشم ، وبهرج دائمٍ شاملٍ ، واستبدادٍ من الظالمين ، يدع فيأكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً. فيا حسرتىٰ لكم ، وأنّىٰ بكم وقد عميت عليكم ؟! ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) (٥) ».
قال سويد بن غفلة : فأعادت النساء قولها علىٰ رجالهنّ ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين ، وقالوا : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يُبرَم العهد ويُحكَم العقد ، لما عدلنا إلىٰ غيره.
فقالت عليهاالسلام : « إليكم عنّي ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم » (٦).
_______________________
١) سورة الكهف : ١٨ / ١٠٤.
٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢.
٣) سورة يونس : ١٠ / ٣٥.
٤) مروّعة للقلب والنفس.
٥) سورة هود : ١١ / ٢٨.
٦) روىٰ هذه الخطبة ابن أبي طيفور في بلاغات النساء : ١٩. والشيخ الصدوق في معاني الأخبار : ٣٥٤ / ١. والشيخ الطوسي في أماليه : ٣٧٤ / ٨٠٤. والطبري في الدلائل : ١٢٥ / ٣٧. والاربلي في كشف الغمة ١ : ٤٩٢. والطبرسي في الاحتجاج ١ : ١٠٨. وابن أبي الحديد في شرح النهج ١٦ : ٢٣٣. والعلّامة المجلسي في البحار ٤٣ : ١٥٨ ـ ١٥٩.
المبحث الثالث : وفاتها عليهاالسلام ومدّة بقائها بعد أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم :
لمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونال الزهراء عليهاالسلام ما نالها من القوم ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ومرضت مرضاً شديداً (١) ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلىٰ أن توفيت ( صلوات الله عليها ) (٢) وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يمرضها بنفسه ، وتعينه علىٰ ذلك أسماء بنت عميس (٣).
فلمّا نعيت إليها نفسها ، أوصت أمير المؤمنين عليهالسلام أن يتزوج بابنة أُختها أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحبّها لأولادها ، وأن يتخذ لها نعشاً وصفته له ، وأن لا يدع أحداً يشهد جنازتها ممن ظلمها ، ولا يصلي عليها أحد منهم ، وأن يتولىٰ أمرها بنفسه ، ويدفنها في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار (٤).
وروي أنّ أسماء بنت عميس هي التي وصفت صورة النعش لفاطمة عليهاالسلام
_______________________
١) راجع الرويات في هذا المعنىٰ في الاحتجاج / الطبري : ٨٣ ودلائل الإمامة / الطبراني : ١٣٤. وكتاب سليم : ٤٠. ودعائم الإسلام ١ : ٢٣٢. ووصفت عليهاالسلام بالشهيدة في كثير من الروايات والزيارات. راجع الكافي ١ : ٤٥٨ / ٢. والمزار / المفيد : ١٥٦. والمقنعة / المفيدة : ٤٥٩. وتهذيب الأحكام / الطوسي ٦ : ١٠ / ١٩. والبلد الأمين / الكفعمي : ١٧٨.
٢) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩١ / ٢٠.
٣) أمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١١ / ٤٠. وقيل : إنّ أسماء التي حضرت زواج الزهراء عليهاالسلام ووفاتها ، هي غير أسماء بنت عميس ، فلعلّها مصحفة عن سلمىٰ امرأة أبي رافع ، أو سلمىٰ بنت عميس امرأة حمزة ( رضي الله عنه ) ، أو أسماء بنت يزيد بن السكن.
٤) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٢. وأمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨١ و ١٩٢ و ٢١١ / ٤٠.
قبل وفاتها ، فقد روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال : « أول نعش أُحدث في الإسلام نعش فاطمة عليهاالسلام ، إنّها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها ، وقالت لأسماء : إنّي نحلت وذهب لحمي ، ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ؟ قالت أسماء : إنّي كنت بأرض الحبشة ، فرأيتهم يصنعون شيئاً ، أفلا أصنع لك ، فإن أعجبك صنعت لك ؟ قالت : نعم. فدعت بسرير فأكبّته لوجهه ، ثمّ دعت بجرائد فشددتها علىٰ قوائمه ، ثم جلّلته ثوباً ، فقالت : هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت عليهاالسلام : اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار » (١).
قال ابن عباس رضياللهعنه : فقبضت فاطمة عليهاالسلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة ، كادت المدينة تتزعزع من صراخهن ، وهن يقلن : يا سيدتاه ، يا بنت رسول الله ، وأقبل الناس إلىٰ علي عليهالسلام مثل عرف الفرس وهو جالس ، والحسن والحسين عليهمالسلام بين يديه يبكيان ، فبكىٰ الناس لبكائهما.
وخرجت أُمّ كلثوم عليهاالسلام وعليها برقعها تجرّ ذيلها ، متجلّلة برداء عليها تسحبه ، وهي تقول : يا أبتاه ، يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً (٣).
_______________________
١) تهذيب الأحكام / الطوسي ١ : ٤٦٩ / ١٨٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٣ / ٤٣. وراجع أيضاً كشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣ ـ ٥٠٤. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. وحلية الأولياء / أبو نعيم ٢ : ٤٣. والاستيعاب / ابن عبد البرّ ٤ : ٣٧٨. ومقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي ١ : ٨٢. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣ ـ ٩٠٥. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : ٥٤.
٢) كتاب سُليم : ٢١٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٩.
٣) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١ ـ ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢.
وروي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام وقع علىٰ وجهه وهو يقول : « بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزّىٰ ، ففيم العزاء من بعدك ؟ » (١).
واجتمع الناس وهم يرجون أن تخرج جنازة الزهراء عليهاالسلام فيصلّوا عليها ، فخرج أبو ذر رضياللهعنه وقال : انصرفوا ، فإنّ ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أُخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا (٢).
غُسلها عليهاالسلام :
لمّا توفيت فاطمة عليهاالسلام قام أمير المؤمنين عليهالسلام بجميع ما أوصته ، فتولىٰ غسلها بنفسه (٣) ، وكفّنها في سبعة أثواب (٤). وقيل : أعانته علىٰ غسلها أسماء بنت عميس بوصية من الزهراء عليهاالسلام (٥) ، وروي أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام أمر الحسن والحسين عليهماالسلام يدخلان الماء (٦) ، وكانت أسماء تصبّ عليه (٧).
_______________________
١) كشف الغمة ١ : ٥٠١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧.
٢) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢.
٣) راجع : الكافي / الكليني ١ : ٤٥٩ / ٤. وعلل الشرائع / الصدوق : ١٨٤ / ١ ـ باب (١٤٨). وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٢. وتهذيب الأحكام / الطوسي ١ : ٤٤٠ / ٦٧. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٨ ـ ضمن مجموعة نفيسة. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٧٩. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ ١٠٩. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٤ و ١٨٨ و ٢٠٦ / ٣٢ و٣٣ ، ٨١ : ٢٩٩ / ١٨.
٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠١ / ٣٠ ، ٨١ : ٣٣٥ / ٣٦.
٥) الذرية الطاهرة / الدولابي : ١٥٢ / ٢٠٢. والسنن الكبرىٰ / البيهقي ٣ : ٣٩٦. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٤. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٠. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٧٩. والإصابة / ابن حجر ٤ : ٣٧٨. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : ٥٣. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٤ و ١٩٥ و ١٨٩ ، ٨١ : ٣٠٠ / ١٨.
٦) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٠. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٦ ، ٨١ : ٣٠٠ / ١٨.
٧) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.
ولم يحضرها إلّا الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأُمّ كلثوم ، وفضة جاريتها ، وأسماء بنت عميس (١).
وعن أُمّ سلمة ، وسلمىٰ امرأة أبي رافع ، وعبدالله بن محمد بن عقيل ، قالوا : إنّ الزهراء عليهاالسلام اغتسلت قبل مماتها كأحسن ما كانت تغتسل ، وتحنّطت ولبست ثيابها الجدد ، واستقبلت القبلة ، وقالت : « إنّي مقبوضة فلا أكشفن ، فاني قد اغتسلت » فتوفّيت عليهاالسلام وحملها علي عليهالسلام بغُسلها (٢).
وهذا الخبر معارض بما تقدّم من وصيتها بالغُسل ، وأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام تولّىٰ غسلها ، كما أنّ الحكم علىٰ خلافه ، إذ لا يجوز الدفن إلّا بعد الغسل سوىٰ في مواضع ليس هذا منها.
وأوّل العلّامة المجلسي رحمهالله هذا الخبر بكونها عليهاالسلام لم تنه عن الغسل ، بل نهت عن كشف بدنها لغرض التنظيف (٣) ، فجمع بين الخبرين ، مستدلاً برواية ورقة بن عبدالله الأزدي ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « والله لقد أخذت في أمرها ، وغسلتها في قميصها ، ولم أكشفه عنها ، فوالله لقد كانت ميمونة
_______________________
١) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١.
٢) الأمالي / الطوسي : ٤٠٠ / ٨٩٣. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٢ ـ ٩٠٣. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٨. ومسند أحمد ٦ : ٤٦١ ـ ٤٦٢. ومقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي ١ : ٨١. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٧. وأُسد الغابة ٥ : ٥٩٠. وذخائر العقبىٰ : ٥٣. ومجمع الزوائد ٩ : ٢١٠ ـ ٢١١. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٩. وكشف الغمة ١ : ٥٠١ ـ ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧٢ / ١٢ و ١٨٣ و ١٨٧.
٣) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٢ و ١٨٨.
طاهرة مطهّرة ».
وقال سبط ابن الجوزي : قد تكون مخصوصة بذلك (٢) ، وبنحوه قال علي ابن عيسىٰ الاربلي (٣).
وقال السيوطي : هذا حديث غريب ، وإسناده جيد... فإن صحّت هذه القصة ، عُدّ ذلك في خصائصها (٤).
الصلاة عليها عليهاالسلام :
تولّىٰ أمير المؤمنين عليهالسلام الصلاة علىٰ فاطمة عليهاالسلام وكبر خمساً (٥) ، وكان معه الحسن والحسين عليهماالسلام (٦) ونفر من بني هاشم ومن خواصه عليهالسلام ، منهم العباس عمه ، وعقيل ، والفضل بن العباس ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وحذيفة ، وعبدالله بن مسعود ، وعمّار ، والزبير ، وبريدة (٧).
وقد وضع البعض رواية شاذة نادرة ، مفادها أن أبا بكر صلّىٰ علىٰ فاطمة عليهاالسلام وكبّر أربعاً (٨). والهدف من وضع هذه الرواية واضح ، هو الدلالة
_______________________
١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٩.
٢) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.
٣) كشف الغمة ١ : ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨.
٤) الثغور الباسمة / السيوطي : ٥٠.
٥) كشف الغمة ١ : ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨ ، ٨١ : ٣٩٠ / ٥٥.
٦) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١ / ١١.
٧) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. ورجال الكشي : ٧ / ١٣. والخصال / الصدوق : ٣٦٠ / ٥٠. والاختصاص / المفيد : ٥. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٨ ـ ٩٩. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٠ / ٣٩.
٨) الطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٩.
علىٰ أن فاطمة عليهاالسلام ماتت وهي راضية عن الشيخين ، لكنها معارضة لما روي في الصحيح من أن الزهراء عليهاالسلام ماتت وهي ساخطة عليهما وأوصت أن لا يحضرا جنازتها ، ولا يصليا عليها ، ولمّا ماتت دفنها زوجها علي عليهالسلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّىٰ عليها علي عليهالسلام (١) ، وقد ردّ كثير من الأعلام هذه الرواية وكذّبوها (٢).
قال سلامة الموصلي :
لمّا قضت فاطم الزهراء غسّلها |
|
|
|
عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها |
|
وقام حتىٰ أتىٰ بطن البقيع بها |
|
|
|
ليـلاً فصلّىٰ عليها ثمّ واراها |
|
ولم يصلِّ عليها منهمُ أحدٌ |
|
|
|
حاشا لها من صلاة القوم حاشاها (٣) |
|
دفنها :
لمّا جنّ الليل ومضىٰ شطره ونامت العيون ، أخرجها أمير المؤمنين
_______________________
١) راجع : صحيح البخاري ٥ : ٢٨٨ / ٢٥٦ ـ كتاب المغازي. وصحيح مسلم ٣ : ١٣٨٠ / ١٧٥٩ ـ كتاب الجهاد والسير. وسنن أبي داود ٣ : ١٤٢ / ٢٩٦٨ ـ باب صفايا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والمستدرك / الحاكم ٣ : ١٦٢. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١١٠. والسيرة الحلبية ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢. والكافي / الكليني ١ : ٤٥٨. وعلل الشرائع / الصدوق : ١٨٥ و١٨٨ و١٨٩ ، ومضت في المبحث الأول المزيد من تخريجاته.
٢) راجع : شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠. والشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٣.
٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣.
والحسن والحسين عليهمالسلام ومعهم نفر من بني هاشم وبعض من خواصّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، ودفنوها في جوف الليل ، وغيّبوا قبرها ، وسوّىٰ علي عليهالسلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتىٰ لا يعرف قبرها ، وسوّىٰ قبرها مع الأرض ليخفىٰ موضعه (١) ، وروي أنّه عليهالسلام رشّ أربعين قبراً حتىٰ لا يبين قبرها من غيره من القبور فيصلّوا عليها (٢).
وسُئل ابن عباس : متىٰ دفنتم فاطمة عليهاالسلام ؟ فقال : دفناها بليلٍ بعد هدأة. قيل : فمن صلّىٰ عليها ؟ قال : علي عليهالسلام (٣).
قال الشيخ كاظم الاُزري رحمهالله : :
ولأيّ الاُمور تـدفن سراً |
|
|
|
بضعة المصطفىٰ ويعفىٰ ثراها |
|
فمضت وهي أعظم الناس وجداً |
|
|
|
في فم الدهر غصّة من جواها |
|
وثوت لا يرىٰ لها الناس مثوىٰ |
|
|
|
أيّ قدس يضمّه مثواها (٤) |
|
وعن الأصبغ بن نباته ، أنه سأل أمير المؤمنين عليهالسلام عن علّة دفنه لفاطمة
_______________________
١) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٣.
٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. والشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٥. وتلخيص الشافي ٣ : ١٣٠. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٣.
٣) الشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٣. وتلخيص الشافي / الطوسي ٣ : ١٣٠. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٣٠.
٤) الاُزرية : ١٤١ ـ دار الأضواء.
بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلاً. فقال عليهالسلام : « إنّها كانت ساخطة علىٰ قومٍ كرهت حضورهم جنازتها » (١).
وعن علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام لأيّ علّة دُفِنت فاطمة بالليل ، ولم تدفن بالنهار ؟ فقال عليهالسلام : « لأنّها أوصت أن لا يصلي عليها رجال » (٢).
وهكذا يغيّب قبر أحبّ الناس إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعزّهم عليه في مجتمع لم يبل فيه قميص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحُرِمت الاُمّة من قدس الزهراء عليهاالسلام وثواب زيارة بقعتها حتىٰ قيام الساعة.
لقد عبّرت الزهراء عليهاالسلام في وصيتها بتغييب قبرها عن مظلوميتها واغتصاب حقوقها ، فجعلت ذلك موضع تساؤل عبر الأجيال يحكي قصة ظلامة الزهراء عليهاالسلام وهضم حقوقها والاعتداء عليها ، وقد بانت آثار ذلك منذ صبيحة الليلة التي دفنت فيها.
روىٰ محمد بن همام باسناده عن رجاله ، قال : إنّ المسلمين لما علموا وفاة فاطمة عليهاالسلام جاءوا إلىٰ البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبراً ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لم يخلف نبيكم إلّا بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ، ولا تعرفوا قبرها ؟! (٣).
_______________________
١) الأمالي / الصدوق : ٧٥٥ / ١٠١٨. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٣. و٢٠٩ / ٣٧.
٢) علل الشرائع / الصدوق ١ : ١٨٥ باب (١٤٩).
٣) دلائل الإمامة : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢ / ٤١.
ندبة علي عليهالسلام عند دفن الزهراء عليهاالسلام :
وعبّر أمير المؤمنين عليهالسلام عن تلك المظلومية حينما فرغ من دفن الزهراء عليهاالسلام ، حيث هاج به الحزن ، فأرسل دموعه علىٰ خديه ، وحوّل وجهه إلىٰ قبر أخيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « السلام عليك يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والبائنة في الثرىٰ ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.
إلىٰ أن قال : وإلىٰ الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتضافر أُمتك علىٰ هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليلٍ معتلجٍ بصدرها لم تجد إلىٰ بثّه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
إلى أن قال : واهاً واهاً ! والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث عندك لزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلىٰ علىٰ جليل الرزية ، فبعين الله تُدفَن ابنتك سرّاً ، ويُهضَم حقّها قهراً ، ويُمنَع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فإلىٰ الله يا رسول الله المشتكىٰ ، وفيك يا رسول الله أجمل العزاء ، صلّىٰ الله عليك وعليهاالسلام والرضوان (١).
وقام عليهالسلام علىٰ شفير القبر فقال :
لكلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقة |
|
|
|
وكلّ الذي دون الفراق قليلُ |
|
_______________________
١) أمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. والكافي / الكليني ١ : ٤٥٨ / ٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٣ / ٢١ و ٢١٠ / ٤٠. وراجع : نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣١٩ الخطبة ٢٠٢. وشرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٦٥ / ١٩٥. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩ ـ ٣٢٠. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥.
وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ |
|
|
|
دليلٌ علىٰ أن لا يدوم خليلُ (١) |
|
ثم قال عليهالسلام : اللهمَّ إني راضٍ عن ابنة نبيك ، اللهمَّ إنّها قد أُوحشت فآنسها ، اللهمَّ إنّها قد هُجرت فصِلها ، اللهمَّ إنّها قد ظُلمت فاحكم لها ، وأنت خير الحاكمين » (٢).
موضع قبرها عليهاالسلام :
قال الشيخ الصدوق رحمهالله : اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليهاالسلام ، فمنهم من روىٰ أنّها دفنت في البقيع ، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت بين القبر والمنبر ، وأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة » لأنّ قبرها عليهاالسلام بين القبر والمنبر ، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد ، صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي (٣).
ومستند الشيخ الصدوق رحمهالله في تصحيحه ما رواه عن أبيه بالاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن علي بن موسىٰ
_______________________
١) الكامل / المبرد ٤ : ٣٠. وشرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٨٨. والموفقيات / ابن بكار : ١٩٤ / ١٠٦. ومروج الذهب / المسعودي ٢ : ٢٩١. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٣. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.
٢) الخصال / الصدوق : ٥٨٨.
٣) الفقيه / الصدوق ٢ : ٣٤١ / ١٥٧٣ ـ ١٥٧٥. وراجع الأقوال في هذه المسألة في روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وإعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة ١ : ٥٠١. ومعاني الأخبار / الصدوق : ٢٦٧ ـ ٢٦٨. وتاريخ المدينة / ابن شبّة ١ : ١٠٨. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٧ و ٩١٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧.
الرضا عليهالسلام عن قبر فاطمة صلوات الله عليها ، فقال : « دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد » (١) وروي نحو ذلك عن الإمام الصادق عليهالسلام (٢).
وذكر الشيخ الطوسي رحمهالله والعلّامة الطبرسي الأقوال الثلاثة التي ذكرها الشيخ الصدوق رحمهالله واستبعدا الأول منها ، واستصوبا القولين الأخيرين.
قال الشيخ الطوسي رحمهالله : الأصوب أنها مدفونة في دارها ، أو في الروضة (٣) ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين ، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعاً ، فإنّه لا يضرّه ذلك ، ويحوز به أجراً عظيماً ، وأمّا من قال إنّها دفنت بالبقيع ، فبعيد عن الصواب (٤).
وقال العلّامة الطبرسي رحمهالله : القول الأول بعيد ـ أي كونها عليهاالسلام مدفونة بالبقيع ـ والقولان الآخران أشبه وأقرب إلىٰ الصواب ، فمن استعمل الاحتياط في زيارتها ، زارها في المواضع الثلاثة (٥).
ورجّح السيد ابن طاووس كونها عليهاالسلام مدفونة في بيتها (٦) ، وكذلك عبدالعزيز بن عمران ، وقال : إنها دفنت في بيتها ، وصنع بها ما صنع برسول
_______________________
١) معاني الأخبار : ٢٦٨. والفقيه / الصدوق ١ : ١٤٨ / ٦٨٤. والكافي / الكليني ١ : ٤٦١ / ٩. وقرب الاسناد / الحميري : ٣٦٧ / ١٣١٤. وتهذيب الأحكام / الطوسي ٣ : ٢٥٥ / ٢٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ / ١٧.
٢) تاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٢.
٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ / ١٧.
٤) تهذيب الأحكام / الطوسي ٦ : ٩ / ١٧.
٥) إعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠١. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٩ ـ ضمن مجموعة نفيسة.
٦) إقبال الأعمال / ابن طاووس : ٦٢٤.
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّها دفنت في موضع فراشها ، واحتجّ علىٰ ذلك بكونها دفنت ليلاً ، ولم يعلم بها كثير من الناس (١).
وقيل أيضاً : إنّها عليهاالسلام دفنت بالمسجد المنسوب إليها في البقيع ، وهو المعروف ببيت الحزن ، أو بيت الأحزان ، الذي آوت إليه والتزمت الحزن فيه عند وفاة أبيها المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ، والله العالم بحقيقة الحال.
قال الشاعر :
بأبي التي ماتت وما |
|
ماتت مكارمها السنيهْ |
بأبي التي دفنت وعفّي |
|
قبرها السامي تقيهْ (٣) |
وقال ديك الجنّ :
يا قبر فاطمة الذي ما مثله |
|
قبرٌ بطيبةَ طاب فيه مبيتا |
||
إذ فيك حلّت زهرة الدنيا التي |
|
بحلىٰ محاسن وجهها حلّيتا |
||
فسقىٰ ثراك الغيث ما بقيت به |
|
|||
|
نور القبور بطيبةٍ وبقيتا (٤) |
|||
تاريخ وفاتها عليهاالسلام :
المشهور أن وفاتها عليهاالسلام كانت في الثالث من جمادى الآخرة (٥) ، يوم
_______________________
١) تاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٨.
٢) وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٧ و ٩١٨.
٣) المجالس السنية / السيد الأمين ٥ : ٦٨.
٤) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٦.
٥)
إقبال الأعمال / ابن طاووس : ٦٢٣. ومصباح المتهجد / الطوسي : ٧٩٣. ومصباح الكفعمي
:
الثلاثاء ، سنة إحدىٰ عشرة من الهجرة ، وهو المروي عن الإمام الصادق عليهالسلام (١).
وفي رواية : لعشر بقين من جمادىٰ الآخرة (٢) ، وقيل : لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر ليلة الأحد (٣).
وعن ابن عياش : في الحادي والعشرين من رجب (٤).
وقال المدائني والواقدي وابن عبدالبرّ : إنّها توفّيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان (٥).
مقدار عمرها عليهاالسلام :
يختلف مقدار عمر الزهراء عليهاالسلام بحسب اختلاف الرواية في تاريخ ولادتها عليهاالسلام ، وقد قدّمنا ذلك في الفصل الأول ، فعلىٰ ما روي بأنّها عليهاالسلام ولدت بعد المبعث بخمس سنين ، يكون عمرها عليهاالسلام لمّا توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثماني عشرة سنة ، وهو المشهور (٦).
_______________________
٥١١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٩ / ٢٦ ، ٢١٥ / ٤٦ و ١٠٠ : ١٩٨ / ١٧.
١) دلائل الإمامة / الطبري : ٧٩ / ١٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩ / ١٦ و ١٧٠ / ١١.
٢) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١.
٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٠ / ١٦.
٤) مصباح المتهجد : ٨١٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥ / ٤٧ و ١٠٠ / ١٢٠٢.
٥) تاريخ الطبري ٣ : ٢٤٠. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٨. ومقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي ١ : ٨٣. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٩ ، ٢١٤.
٦)
الكافي / الكليني ١ : ٤٥٨. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٢١ عن الإمام الصادق
عليهالسلام.
وعلىٰ القول بأنها عليهاالسلام ولدت قبل المبعث بخمس سنين ، يكون عمرها عليهاالسلام عند وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثماني وعشرين أو تسعاً وعشرين سنة ، وهو قول أكثر العامّة (١) ، وهناك أقوال اُخرىٰ كثيرة مختلفة في تقدير عمر الزهراء عليهاالسلام يوم وفاتها ، سببها الاختلاف في تاريخ ولادتها ومدّة بقائها بعد أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد قيل : إنّ عمرها الشريف يوم وفاتها عليهاالسلام كان اثنتين وعشرين سنة ، وقيل : ثلاث وعشرون ، وأربع وعشرون ، وستّ وعشرون ، وسبع وعشرون ، وتسع وعشرون ، وثلاثون ، وثلاث وثلاثون ، وخمس وثلاثون (٢).
مدة بقائها عليهاالسلام بعد أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم :
اختلفت الروايات وتضاربت الأقوال في تحديد المدة التي مكثتها الزهراء عليهاالسلام فقيل أنّه كان : خمسة عشر يوماً ، أربعين يوماً ، خمسة وأربعين ، شهرين ، ستين يوماً ، سبعين ، اثنتين وسبعين ، خمسة وسبعين ، خمسة وثمانين ، ثلاثة أشهر ، تسعين يوماً ، خمسة وتسعين ، مائة يوم ، أربعة أشهر ، ستة أشهر ، ستة أشهر إلّا ليلتين ، ثمانية أشهر ، فلم يقل أحد بأقل من خمسة
_______________________
وعيون المعجزات : ٥٥. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٤٩. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١ / ١١.
١) المعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٩ / ٩٩٨. وتذكرة الخواص : ٣٢٠ ـ ٣٢١. وتاريخ الطبري ٣ : ٢٤٠. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. وأُسد الغابة ٥ : ٥٢٤. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٨. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٨٠.
٢) راجع : مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٣. والمعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٩ / ٩٩٧. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٢١. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٨٠. وأُسد الغابة ٥ : ٥٢٤. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٣ ـ ٢١٤.
عشر يوماً ، ولا بأكثر من ثمانية أشهر (١).
وتدلّ أكثر الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهمالسلام أنها مكثت بعد أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم خمسة وسبعين يوماً (٢) ، وعلىٰ المشهور عند الإمامية من أنّ وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانت في الثامن والعشرين من صفر ، تكون وفاتها عليهاالسلام في نحو الثالث عشر من جمادىٰ الاُولىٰ ، لا في الثالث من جمادىٰ الآخرة وكما هو المشهور في وفاتها عليهاالسلام ، وعلىٰ المشهور عند العامّة من أن وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الثاني عشر من ربيع الأول ، تكون وفاتها في أواخر جمادىٰ الاُولىٰ.
والذي يقتضيه الجمع بين ماهو مشهور من وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الثامن والعشرين من صفر ، ووفاتها عليهاالسلام في الثالث من جمادىٰ الآخرة ، هو ما روي عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام من أن فاطمة عليهاالسلام بقيت بعد وفاة أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم خمسة وتسعين يوماً (٣) ، فيرتفع بذلك التنافي.
ورجّح ذلك أبو الفرج الأصفهاني حيث قال : كانت وفاة فاطمة عليهاالسلام
_______________________
١) راجع : المعارف / ابن قتيبة : ٦٢. والمعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢ ـ ١٦٣. ودلائل النبوة / البيهقي ٦ : ٣٦٥. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٤. والإصابة / ابن حجر ٤ : ٣٧٩. والذرية الطاهرة / الدولابي : ١٥١ / ١٩٥. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. ومقاتل الطالبيين / أبو الفرج : ٣١. المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة ١ : ٤٤٩ و ٥٠٢ و٥٠٣. وإعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠٠. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١ ـ ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٧ ـ ٩ و١٨٠ / ١٦ و١٨٨ / ١٩ و ٢٠٠ / ٣٠ و ٢١٢ / ٤١ و ٢١٣ / ٤٤ و ٢١٥ / ٤٥ و ٢١٧ / ٤٩.
٢) الكافي / الكليني ١ : ٢٤١ / ٥ و ٤٥٨ / ١ ، ٤ : ٥٦١ / ٤. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٤٩. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩ / ١٦ و ١٩٥ / ٢٢ و ٢١٢ / ٤١.
٣) دلائل الإمامة / الطبري : ٧٩ / ١٨. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٩ / ١٩.