سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

علي موسى الكعبي

سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: ٢٤٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

قال الراوي : ثمّ ذهبت فتبعها رافع بن رفاعة الزرقي ، فقال لها : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن تكلّم في هذا الأمر ، وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ، ما عدلنا به أحداً. فقالت عليها‌السلام : « إليك عنّي ، فما جعل الله لاَحدٍ بعد غدير خمٍّ من حجّة ولا عذر ».

قال : فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم (١) ، وارتجّت المدينة ، وهاج الناس ، وارتفعت الأصوات (٢).

علىٰ أثر الخطبة :

كان لخطبة الزهراء عليها‌السلام أثر بالغ ومحرّك لنفوس الناس ، سيّما الأنصار منهم ، لما تحمله تلك الخطبة من الواقعية والصدق والاستناد إلىٰ أُسس متينة قوامها الكتاب الكريم والسُنّة النبوية المباركة ، في بيان مظلوميتها وفي إشادتها بفضل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وأحقيته في خلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا جعل الأنصار يهتفون باسم علي عليه‌السلام ، فاستشعر رجال السقيفة الخطر من هذه البادرة ، فنادىٰ أبوبكر الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فأرعد وأبرق.

روىٰ الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة بعدة طرق ، قال : لما سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر وقال : أيُّها الناس ، ما هذه

_______________________

وغريب الحديث / ابن قتيبة ٢ : ٢٦٧ / ٣٥٥ دار الكتب العلمية. والكافي ٨ : ٣٧٥ / ٥٦٤. والمناقب / ابن شهرآشوب ٢ : ٢٠٨. والبدء والتاريخ / المقدسي ٥ : ٦٨. والطرائف / ابن طاووس : ٢٦٥. ومنال الطالب / ابن الأثير : ٥٠٧.

١) بلاغات النساء : ٢٣. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٥٣.

٢) دلائل الإمامة : ١٢٢.

٢٢١

الرِّعة (١) إلىٰ كلِّ قالة ؟! ومع كلّ قالة أُمنية ، أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم ؟! ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنّما هو ثُعالة شهيده ذنبه ، مربّ لكلِّ فتنةٍ ، هو الذي يقول : كرّوهاً جذعةً بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء ، كأُمّ طِحال (٢) أحبّ أهلها إليها البغيّ !!!

ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لبحت ، وإنّي ساكت ما تُركِت.

ثم التفت إلىٰ الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، فو الله إنّ أحقّ الناس بلزوم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، وأنتم اليوم أحقُّ من لزم عهده ، ومع ذلك فاغدوا علىٰ أُعطياتكم ، فإنّي لست كاشفاً قناعاً ، ولا باسطاً ذراعاً ولا لساناً إلّا علىٰ من استحقّ ذلك والسلام ؛ ثم نزل فانصرفت فاطمة عليها‌السلام إلىٰ منزلها (٣).

قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الكلام علىٰ النقيب أبي يحيىٰ جعفر ابن يحيىٰ بن أبي زيد البصري ، وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال : بل يصرّح. قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام. قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ! قال : نعم ، إنّه الملك يا بني. قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر علي عليه‌السلام فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم (٤).

ثانياً : خطبة الزهراء عليها‌السلام بنساء المهاجرين والأنصار :

تظافرت الروايات عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام وعبدالله

_______________________

١) الرعة : الاستماع والإصغاء.

٢) أم طحال : أمرأة بغي في الجاهلية ، يقال في المثل : أزنىٰ من أمّ طِحال.

٣) دلائل الإمامة : ١٢٣. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٥.

٤) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٥.

٢٢٢

ابن عباس ، وسويد بن غفلة ، وعبدالله بن الحسن عن أُمّه فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام قالوا : لمّا مرضت فاطمة الزهراء عليها‌السلام المرضة التي توفيت فيها ، واشتدّت علّتها ، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها ، فسلّمن عليها ، وقلن : كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله ؟ فحمدت الله تعالىٰ وصلّت علىٰ أبيها المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قالت : « أصبحت والله عائفة لدنياكنّ ، قالية لرجالكنّ ، لفظتهم بعد أن عجمتهم (١) ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم (٢) ، فقبحاً لفلول الحدّ ، واللعب بعد الجدّ ، وقرع الصفاة ، وصدع القناة ، وخطل الآراء ، وزلل الأهواء ، و ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (٣) لا جرم والله ، لقد قلّدتهم ربقتها ، وحمّلتهم أوقتها (٤) ، وشننت عليهم غارتها ، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحهم أنّىٰ زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطَّبين (٥) بأمور الدنيا والدين ؟! ( أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )(٦).

وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا منه والله نكير سيفه ، وقلّة مبالاته بحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله عزَّ وجل.

_______________________

١) اختبرتهم وابتليتهم.

٢) اختبرتهم وامتحنتهم.

٣) سورة المائدة : ٥ / ٨٠.

٤) ثقلها.

٥) الفطن الحاذق.

٦) سورة الزمر : ٣٩ / ١٥.

٢٢٣

وتالله لو تكافّوا عن زمامٍ نبذه إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاعتقله (١) ثمّ لسار بهم سيراً سُجحاً (٢) ، لا يُكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنّق (٣) جانباه ، ولأصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يتحلّىٰ من الغنىٰ بطائل (٤) ، ولا يحظىٰ من الدنيا بنائل ، غير ريّ الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَٰؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ )(٥).

ألا هلم فاستمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فعجب قولهم. ليت شعري إلىٰ أيّ لَجأ لجأوا ، وإلى أيّ سناد استندوا ، وعلىٰ أي عماد اعتمدوا ، وبأيّ عروة تمسكوا ، وعلىٰ أيّ ذريّة قدّموا واحتنكوا (٦) ! ( لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (٧) وبئس للظالمين بدلاً.

استبدلوا والله الذنابىٰ بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قومٍ

_______________________

١) أمسكة.

٢) سهلاً ليناً.

٣) لا يتكدر.

٤) لم يستفد منه كثير فائدة.

٥) سورة الزمر : ٣٩ / ٥١.

٦) استولوا.

٧) سورة الحج : ٢٢ / ١٣.

٢٢٤

( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) (١) ، ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ) (٢) ويحهم ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) ؟!

أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القَعب دماً عبيطاً ، وذعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن دنياكم نفساً ، واطمئنّوا للفتنة جأشاً (٤) ، وابشروا بسيف صارم ، وسطوة معتدٍ غاشم ، وبهرج دائمٍ شاملٍ ، واستبدادٍ من الظالمين ، يدع فيأكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً. فيا حسرتىٰ لكم ، وأنّىٰ بكم وقد عميت عليكم ؟! ( أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) (٥) ».

قال سويد بن غفلة : فأعادت النساء قولها علىٰ رجالهنّ ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين ، وقالوا : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يُبرَم العهد ويُحكَم العقد ، لما عدلنا إلىٰ غيره.

فقالت عليها‌السلام : « إليكم عنّي ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم » (٦).

_______________________

١) سورة الكهف : ١٨ / ١٠٤.

٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢.

٣) سورة يونس : ١٠ / ٣٥.

٤) مروّعة للقلب والنفس.

٥) سورة هود : ١١ / ٢٨.

٦) روىٰ هذه الخطبة ابن أبي طيفور في بلاغات النساء : ١٩. والشيخ الصدوق في معاني الأخبار : ٣٥٤ / ١. والشيخ الطوسي في أماليه : ٣٧٤ / ٨٠٤. والطبري في الدلائل : ١٢٥ / ٣٧. والاربلي في كشف الغمة ١ : ٤٩٢. والطبرسي في الاحتجاج ١ : ١٠٨. وابن أبي الحديد في شرح النهج ١٦ : ٢٣٣. والعلّامة المجلسي في البحار ٤٣ : ١٥٨ ـ ١٥٩.

٢٢٥

المبحث الثالث : وفاتها عليها‌السلام ومدّة بقائها بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونال الزهراء عليها‌السلام ما نالها من القوم ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ومرضت مرضاً شديداً (١) ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلىٰ أن توفيت ( صلوات الله عليها ) (٢) وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه علىٰ ذلك أسماء بنت عميس (٣).

فلمّا نعيت إليها نفسها ، أوصت أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتزوج بابنة أُختها أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحبّها لأولادها ، وأن يتخذ لها نعشاً وصفته له ، وأن لا يدع أحداً يشهد جنازتها ممن ظلمها ، ولا يصلي عليها أحد منهم ، وأن يتولىٰ أمرها بنفسه ، ويدفنها في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار (٤).

وروي أنّ أسماء بنت عميس هي التي وصفت صورة النعش لفاطمة عليها‌السلام

_______________________

١) راجع الرويات في هذا المعنىٰ في الاحتجاج / الطبري : ٨٣ ودلائل الإمامة / الطبراني : ١٣٤. وكتاب سليم : ٤٠. ودعائم الإسلام ١ : ٢٣٢. ووصفت عليها‌السلام بالشهيدة في كثير من الروايات والزيارات. راجع الكافي ١ : ٤٥٨ / ٢. والمزار / المفيد : ١٥٦. والمقنعة / المفيدة : ٤٥٩. وتهذيب الأحكام / الطوسي ٦ : ١٠ / ١٩. والبلد الأمين / الكفعمي : ١٧٨.

٢) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩١ / ٢٠.

٣) أمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١١ / ٤٠. وقيل : إنّ أسماء التي حضرت زواج الزهراء عليها‌السلام ووفاتها ، هي غير أسماء بنت عميس ، فلعلّها مصحفة عن سلمىٰ امرأة أبي رافع ، أو سلمىٰ بنت عميس امرأة حمزة ( رضي الله عنه ) ، أو أسماء بنت يزيد بن السكن.

٤) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٢. وأمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨١ و ١٩٢ و ٢١١ / ٤٠.

٢٢٦

قبل وفاتها ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : « أول نعش أُحدث في الإسلام نعش فاطمة عليها‌السلام ، إنّها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها ، وقالت لأسماء : إنّي نحلت وذهب لحمي ، ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ؟ قالت أسماء : إنّي كنت بأرض الحبشة ، فرأيتهم يصنعون شيئاً ، أفلا أصنع لك ، فإن أعجبك صنعت لك ؟ قالت : نعم. فدعت بسرير فأكبّته لوجهه ، ثمّ دعت بجرائد فشددتها علىٰ قوائمه ، ثم جلّلته ثوباً ، فقالت : هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت عليها‌السلام : اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار » (١).

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه : فقبضت فاطمة عليها‌السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة ، كادت المدينة تتزعزع من صراخهن ، وهن يقلن : يا سيدتاه ، يا بنت رسول الله ، وأقبل الناس إلىٰ علي عليه‌السلام مثل عرف الفرس وهو جالس ، والحسن والحسين عليهم‌السلام بين يديه يبكيان ، فبكىٰ الناس لبكائهما.

وخرجت أُمّ كلثوم عليها‌السلام وعليها برقعها تجرّ ذيلها ، متجلّلة برداء عليها تسحبه ، وهي تقول : يا أبتاه ، يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً (٣).

_______________________

١) تهذيب الأحكام / الطوسي ١ : ٤٦٩ / ١٨٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٣ / ٤٣. وراجع أيضاً كشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣ ـ ٥٠٤. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. وحلية الأولياء / أبو نعيم ٢ : ٤٣. والاستيعاب / ابن عبد البرّ ٤ : ٣٧٨. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨٢. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣ ـ ٩٠٥. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : ٥٤.

٢) كتاب سُليم : ٢١٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٩.

٣) روضة الواعظين / الفتال : ١٥١ ـ ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢.

٢٢٧

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وقع علىٰ وجهه وهو يقول : « بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزّىٰ ، ففيم العزاء من بعدك ؟ » (١).

واجتمع الناس وهم يرجون أن تخرج جنازة الزهراء عليها‌السلام فيصلّوا عليها ، فخرج أبو ذر رضي‌الله‌عنه وقال : انصرفوا ، فإنّ ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أُخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا (٢).

غُسلها عليها‌السلام :

لمّا توفيت فاطمة عليها‌السلام قام أمير المؤمنين عليه‌السلام بجميع ما أوصته ، فتولىٰ غسلها بنفسه (٣) ، وكفّنها في سبعة أثواب (٤). وقيل : أعانته علىٰ غسلها أسماء بنت عميس بوصية من الزهراء عليها‌السلام (٥) ، وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر الحسن والحسين عليهما‌السلام يدخلان الماء (٦) ، وكانت أسماء تصبّ عليه (٧).

_______________________

١) كشف الغمة ١ : ٥٠١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧.

٢) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢.

٣) راجع : الكافي / الكليني ١ : ٤٥٩ / ٤. وعلل الشرائع / الصدوق : ١٨٤ / ١ ـ باب (١٤٨). وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٢. وتهذيب الأحكام / الطوسي ١ : ٤٤٠ / ٦٧. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٨ ـ ضمن مجموعة نفيسة. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٧٩. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ ١٠٩. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٤ و ١٨٨ و ٢٠٦ / ٣٢ و٣٣ ، ٨١ : ٢٩٩ / ١٨.

٤) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٠١ / ٣٠ ، ٨١ : ٣٣٥ / ٣٦.

٥) الذرية الطاهرة / الدولابي : ١٥٢ / ٢٠٢. والسنن الكبرىٰ / البيهقي ٣ : ٣٩٦. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٤. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٠. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٧٩. والإصابة / ابن حجر ٤ : ٣٧٨. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : ٥٣. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٤ و ١٩٥ و ١٨٩ ، ٨١ : ٣٠٠ / ١٨.

٦) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٠. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٦ ، ٨١ : ٣٠٠ / ١٨.

٧) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.

٢٢٨

ولم يحضرها إلّا الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأُمّ كلثوم ، وفضة جاريتها ، وأسماء بنت عميس (١).

وعن أُمّ سلمة ، وسلمىٰ امرأة أبي رافع ، وعبدالله بن محمد بن عقيل ، قالوا : إنّ الزهراء عليها‌السلام اغتسلت قبل مماتها كأحسن ما كانت تغتسل ، وتحنّطت ولبست ثيابها الجدد ، واستقبلت القبلة ، وقالت : « إنّي مقبوضة فلا أكشفن ، فاني قد اغتسلت » فتوفّيت عليها‌السلام وحملها علي عليه‌السلام بغُسلها (٢).

وهذا الخبر معارض بما تقدّم من وصيتها بالغُسل ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تولّىٰ غسلها ، كما أنّ الحكم علىٰ خلافه ، إذ لا يجوز الدفن إلّا بعد الغسل سوىٰ في مواضع ليس هذا منها.

وأوّل العلّامة المجلسي رحمه‌الله هذا الخبر بكونها عليها‌السلام لم تنه عن الغسل ، بل نهت عن كشف بدنها لغرض التنظيف (٣) ، فجمع بين الخبرين ، مستدلاً برواية ورقة بن عبدالله الأزدي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « والله لقد أخذت في أمرها ، وغسلتها في قميصها ، ولم أكشفه عنها ، فوالله لقد كانت ميمونة

_______________________

١) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١.

٢) الأمالي / الطوسي : ٤٠٠ / ٨٩٣. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٢ ـ ٩٠٣. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٨. ومسند أحمد ٦ : ٤٦١ ـ ٤٦٢. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨١. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٧. وأُسد الغابة ٥ : ٥٩٠. وذخائر العقبىٰ : ٥٣. ومجمع الزوائد ٩ : ٢١٠ ـ ٢١١. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٩. وكشف الغمة ١ : ٥٠١ ـ ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧٢ / ١٢ و ١٨٣ و ١٨٧.

٣) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٢ و ١٨٨.

٢٢٩

طاهرة مطهّرة ».

وقال سبط ابن الجوزي : قد تكون مخصوصة بذلك (٢) ، وبنحوه قال علي ابن عيسىٰ الاربلي (٣).

وقال السيوطي : هذا حديث غريب ، وإسناده جيد... فإن صحّت هذه القصة ، عُدّ ذلك في خصائصها (٤).

الصلاة عليها عليها‌السلام :

تولّىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام الصلاة علىٰ فاطمة عليها‌السلام وكبر خمساً (٥) ، وكان معه الحسن والحسين عليهما‌السلام (٦) ونفر من بني هاشم ومن خواصه عليه‌السلام ، منهم العباس عمه ، وعقيل ، والفضل بن العباس ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وحذيفة ، وعبدالله بن مسعود ، وعمّار ، والزبير ، وبريدة (٧).

وقد وضع البعض رواية شاذة نادرة ، مفادها أن أبا بكر صلّىٰ علىٰ فاطمة عليها‌السلام وكبّر أربعاً (٨). والهدف من وضع هذه الرواية واضح ، هو الدلالة

_______________________

١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٩.

٢) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.

٣) كشف الغمة ١ : ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨.

٤) الثغور الباسمة / السيوطي : ٥٠.

٥) كشف الغمة ١ : ٥٠٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨ ، ٨١ : ٣٩٠ / ٥٥.

٦) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١ / ١١.

٧) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. ورجال الكشي : ٧ / ١٣. والخصال / الصدوق : ٣٦٠ / ٥٠. والاختصاص / المفيد : ٥. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٨ ـ ٩٩. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٠ / ٣٩.

٨) الطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٩.

٢٣٠

علىٰ أن فاطمة عليها‌السلام ماتت وهي راضية عن الشيخين ، لكنها معارضة لما روي في الصحيح من أن الزهراء عليها‌السلام ماتت وهي ساخطة عليهما وأوصت أن لا يحضرا جنازتها ، ولا يصليا عليها ، ولمّا ماتت دفنها زوجها علي عليه‌السلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّىٰ عليها علي عليه‌السلام (١) ، وقد ردّ كثير من الأعلام هذه الرواية وكذّبوها (٢).

قال سلامة الموصلي :

لمّا قضت فاطم الزهراء غسّلها

عن أمرها بعلها الهادي وسبطاها

وقام حتىٰ أتىٰ بطن البقيع بها

ليـلاً فصلّىٰ عليها ثمّ واراها

ولم يصلِّ عليها منهمُ أحدٌ

حاشا لها من صلاة القوم حاشاها (٣)

دفنها :

لمّا جنّ الليل ومضىٰ شطره ونامت العيون ، أخرجها أمير المؤمنين

_______________________

١) راجع : صحيح البخاري ٥ : ٢٨٨ / ٢٥٦ ـ كتاب المغازي. وصحيح مسلم ٣ : ١٣٨٠ / ١٧٥٩ ـ كتاب الجهاد والسير. وسنن أبي داود ٣ : ١٤٢ / ٢٩٦٨ ـ باب صفايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والمستدرك / الحاكم ٣ : ١٦٢. وتاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١١٠. والسيرة الحلبية ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢. والكافي / الكليني ١ : ٤٥٨. وعلل الشرائع / الصدوق : ١٨٥ و١٨٨ و١٨٩ ، ومضت في المبحث الأول المزيد من تخريجاته.

٢) راجع : شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠. والشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٣.

٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣.

٢٣١

والحسن والحسين عليهم‌السلام ومعهم نفر من بني هاشم وبعض من خواصّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ودفنوها في جوف الليل ، وغيّبوا قبرها ، وسوّىٰ علي عليه‌السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتىٰ لا يعرف قبرها ، وسوّىٰ قبرها مع الأرض ليخفىٰ موضعه (١) ، وروي أنّه عليه‌السلام رشّ أربعين قبراً حتىٰ لا يبين قبرها من غيره من القبور فيصلّوا عليها (٢).

وسُئل ابن عباس : متىٰ دفنتم فاطمة عليها‌السلام ؟ فقال : دفناها بليلٍ بعد هدأة. قيل : فمن صلّىٰ عليها ؟ قال : علي عليه‌السلام (٣).

قال الشيخ كاظم الاُزري رحمه‌الله : :

ولأيّ الاُمور تـدفن سراً

بضعة المصطفىٰ ويعفىٰ ثراها

فمضت وهي أعظم الناس وجداً

في فم الدهر غصّة من جواها

وثوت لا يرىٰ لها الناس مثوىٰ

أيّ قدس يضمّه مثواها (٤)

وعن الأصبغ بن نباته ، أنه سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن علّة دفنه لفاطمة

_______________________

١) روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٣.

٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. والشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٥. وتلخيص الشافي ٣ : ١٣٠. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٣.

٣) الشافي / المرتضىٰ ٤ : ١١٣. وتلخيص الشافي / الطوسي ٣ : ١٣٠. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٣٠.

٤) الاُزرية : ١٤١ ـ دار الأضواء.

٢٣٢

بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلاً. فقال عليه‌السلام : « إنّها كانت ساخطة علىٰ قومٍ كرهت حضورهم جنازتها » (١).

وعن علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام لأيّ علّة دُفِنت فاطمة بالليل ، ولم تدفن بالنهار ؟ فقال عليه‌السلام : « لأنّها أوصت أن لا يصلي عليها رجال » (٢).

وهكذا يغيّب قبر أحبّ الناس إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعزّهم عليه في مجتمع لم يبل فيه قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحُرِمت الاُمّة من قدس الزهراء عليها‌السلام وثواب زيارة بقعتها حتىٰ قيام الساعة.

لقد عبّرت الزهراء عليها‌السلام في وصيتها بتغييب قبرها عن مظلوميتها واغتصاب حقوقها ، فجعلت ذلك موضع تساؤل عبر الأجيال يحكي قصة ظلامة الزهراء عليها‌السلام وهضم حقوقها والاعتداء عليها ، وقد بانت آثار ذلك منذ صبيحة الليلة التي دفنت فيها.

روىٰ محمد بن همام باسناده عن رجاله ، قال : إنّ المسلمين لما علموا وفاة فاطمة عليها‌السلام جاءوا إلىٰ البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبراً ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لم يخلف نبيكم إلّا بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ، ولا تعرفوا قبرها ؟! (٣).

_______________________

١) الأمالي / الصدوق : ٧٥٥ / ١٠١٨. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٣. و٢٠٩ / ٣٧.

٢) علل الشرائع / الصدوق ١ : ١٨٥ باب (١٤٩).

٣) دلائل الإمامة : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢ / ٤١.

٢٣٣

ندبة علي عليه‌السلام عند دفن الزهراء عليها‌السلام :

وعبّر أمير المؤمنين عليه‌السلام عن تلك المظلومية حينما فرغ من دفن الزهراء عليها‌السلام ، حيث هاج به الحزن ، فأرسل دموعه علىٰ خديه ، وحوّل وجهه إلىٰ قبر أخيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « السلام عليك يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والبائنة في الثرىٰ ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.

إلىٰ أن قال : وإلىٰ الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتضافر أُمتك علىٰ هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليلٍ معتلجٍ بصدرها لم تجد إلىٰ بثّه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

إلى أن قال : واهاً واهاً ! والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث عندك لزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلىٰ علىٰ جليل الرزية ، فبعين الله تُدفَن ابنتك سرّاً ، ويُهضَم حقّها قهراً ، ويُمنَع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فإلىٰ الله يا رسول الله المشتكىٰ ، وفيك يا رسول الله أجمل العزاء ، صلّىٰ الله عليك وعليها‌السلام والرضوان (١).

وقام عليه‌السلام علىٰ شفير القبر فقال :

لكلِّ اجتماعٍ من خليلين فرقة

وكلّ الذي دون الفراق قليلُ

_______________________

١) أمالي المفيد : ٢٨١ / ٧. وأمالي الطوسي : ١٠٩ / ١٦٦. والكافي / الكليني ١ : ٤٥٨ / ٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٣ / ٢١ و ٢١٠ / ٤٠. وراجع : نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٣١٩ الخطبة ٢٠٢. وشرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٦٥ / ١٩٥. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩ ـ ٣٢٠. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥.

٢٣٤

وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ

دليلٌ علىٰ أن لا يدوم خليلُ (١)

ثم قال عليه‌السلام : اللهمَّ إني راضٍ عن ابنة نبيك ، اللهمَّ إنّها قد أُوحشت فآنسها ، اللهمَّ إنّها قد هُجرت فصِلها ، اللهمَّ إنّها قد ظُلمت فاحكم لها ، وأنت خير الحاكمين » (٢).

موضع قبرها عليها‌السلام :

قال الشيخ الصدوق رحمه‌الله : اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، فمنهم من روىٰ أنّها دفنت في البقيع ، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت بين القبر والمنبر ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة » لأنّ قبرها عليها‌السلام بين القبر والمنبر ، ومنهم من روىٰ أنّها دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد ، صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي (٣).

ومستند الشيخ الصدوق رحمه‌الله في تصحيحه ما رواه عن أبيه بالاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن علي بن موسىٰ

_______________________

١) الكامل / المبرد ٤ : ٣٠. وشرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٢٨٨. والموفقيات / ابن بكار : ١٩٤ / ١٠٦. ومروج الذهب / المسعودي ٢ : ٢٩١. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٣. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩.

٢) الخصال / الصدوق : ٥٨٨.

٣) الفقيه / الصدوق ٢ : ٣٤١ / ١٥٧٣ ـ ١٥٧٥. وراجع الأقوال في هذه المسألة في روضة الواعظين / الفتال : ١٥٢. وإعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠١. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة ١ : ٥٠١. ومعاني الأخبار / الصدوق : ٢٦٧ ـ ٢٦٨. وتاريخ المدينة / ابن شبّة ١ : ١٠٨. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٧ و ٩١٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧.

٢٣٥

الرضا عليه‌السلام عن قبر فاطمة صلوات الله عليها ، فقال : « دفنت في بيتها ، فلمّا زادت بنو أُمية في المسجد صارت في المسجد » (١) وروي نحو ذلك عن الإمام الصادق عليه‌السلام (٢).

وذكر الشيخ الطوسي رحمه‌الله والعلّامة الطبرسي الأقوال الثلاثة التي ذكرها الشيخ الصدوق رحمه‌الله واستبعدا الأول منها ، واستصوبا القولين الأخيرين.

قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله : الأصوب أنها مدفونة في دارها ، أو في الروضة (٣) ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين ، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعاً ، فإنّه لا يضرّه ذلك ، ويحوز به أجراً عظيماً ، وأمّا من قال إنّها دفنت بالبقيع ، فبعيد عن الصواب (٤).

وقال العلّامة الطبرسي رحمه‌الله : القول الأول بعيد ـ أي كونها عليها‌السلام مدفونة بالبقيع ـ والقولان الآخران أشبه وأقرب إلىٰ الصواب ، فمن استعمل الاحتياط في زيارتها ، زارها في المواضع الثلاثة (٥).

ورجّح السيد ابن طاووس كونها عليها‌السلام مدفونة في بيتها (٦) ، وكذلك عبدالعزيز بن عمران ، وقال : إنها دفنت في بيتها ، وصنع بها ما صنع برسول

_______________________

١) معاني الأخبار : ٢٦٨. والفقيه / الصدوق ١ : ١٤٨ / ٦٨٤. والكافي / الكليني ١ : ٤٦١ / ٩. وقرب الاسناد / الحميري : ٣٦٧ / ١٣١٤. وتهذيب الأحكام / الطوسي ٣ : ٢٥٥ / ٢٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ / ١٧.

٢) تاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨. وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٢.

٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٥. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ / ١٧.

٤) تهذيب الأحكام / الطوسي ٦ : ٩ / ١٧.

٥) إعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠١. وتاج المواليد / الطبرسي : ٩٩ ـ ضمن مجموعة نفيسة.

٦) إقبال الأعمال / ابن طاووس : ٦٢٤.

٢٣٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّها دفنت في موضع فراشها ، واحتجّ علىٰ ذلك بكونها دفنت ليلاً ، ولم يعلم بها كثير من الناس (١).

وقيل أيضاً : إنّها عليها‌السلام دفنت بالمسجد المنسوب إليها في البقيع ، وهو المعروف ببيت الحزن ، أو بيت الأحزان ، الذي آوت إليه والتزمت الحزن فيه عند وفاة أبيها المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، والله العالم بحقيقة الحال.

قال الشاعر :

بأبي التي ماتت وما

ماتت مكارمها السنيهْ

بأبي التي دفنت وعفّي

قبرها السامي تقيهْ (٣)

وقال ديك الجنّ :

يا قبر فاطمة الذي ما مثله

قبرٌ بطيبةَ طاب فيه مبيتا

إذ فيك حلّت زهرة الدنيا التي

بحلىٰ محاسن وجهها حلّيتا

فسقىٰ ثراك الغيث ما بقيت به

نور القبور بطيبةٍ وبقيتا (٤)

تاريخ وفاتها عليها‌السلام :

المشهور أن وفاتها عليها‌السلام كانت في الثالث من جمادى الآخرة (٥) ، يوم

_______________________

١) تاريخ المدينة / ابن شبة ١ : ١٠٨.

٢) وفاء الوفا / السمهودي ٣ : ٩٠٧ و ٩١٨.

٣) المجالس السنية / السيد الأمين ٥ : ٦٨.

٤) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٦.

٥) إقبال الأعمال / ابن طاووس : ٦٢٣. ومصباح المتهجد / الطوسي : ٧٩٣. ومصباح الكفعمي :

٢٣٧

الثلاثاء ، سنة إحدىٰ عشرة من الهجرة ، وهو المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام (١).

وفي رواية : لعشر بقين من جمادىٰ الآخرة (٢) ، وقيل : لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر ليلة الأحد (٣).

وعن ابن عياش : في الحادي والعشرين من رجب (٤).

وقال المدائني والواقدي وابن عبدالبرّ : إنّها توفّيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان (٥).

مقدار عمرها عليها‌السلام :

يختلف مقدار عمر الزهراء عليها‌السلام بحسب اختلاف الرواية في تاريخ ولادتها عليها‌السلام ، وقد قدّمنا ذلك في الفصل الأول ، فعلىٰ ما روي بأنّها عليها‌السلام ولدت بعد المبعث بخمس سنين ، يكون عمرها عليها‌السلام لمّا توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثماني عشرة سنة ، وهو المشهور (٦).

_______________________

٥١١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٩ / ٢٦ ، ٢١٥ / ٤٦ و ١٠٠ : ١٩٨ / ١٧.

١) دلائل الإمامة / الطبري : ٧٩ / ١٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩ / ١٦ و ١٧٠ / ١١.

٢) دلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١.

٣) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٠ / ١٦.

٤) مصباح المتهجد : ٨١٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥ / ٤٧ و ١٠٠ / ١٢٠٢.

٥) تاريخ الطبري ٣ : ٢٤٠. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٨. ومقتل الحسين عليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٨٣. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٩ ، ٢١٤.

٦) الكافي / الكليني ١ : ٤٥٨. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٢١ عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

٢٣٨

وعلىٰ القول بأنها عليها‌السلام ولدت قبل المبعث بخمس سنين ، يكون عمرها عليها‌السلام عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثماني وعشرين أو تسعاً وعشرين سنة ، وهو قول أكثر العامّة (١) ، وهناك أقوال اُخرىٰ كثيرة مختلفة في تقدير عمر الزهراء عليها‌السلام يوم وفاتها ، سببها الاختلاف في تاريخ ولادتها ومدّة بقائها بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد قيل : إنّ عمرها الشريف يوم وفاتها عليها‌السلام كان اثنتين وعشرين سنة ، وقيل : ثلاث وعشرون ، وأربع وعشرون ، وستّ وعشرون ، وسبع وعشرون ، وتسع وعشرون ، وثلاثون ، وثلاث وثلاثون ، وخمس وثلاثون (٢).

مدة بقائها عليها‌السلام بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اختلفت الروايات وتضاربت الأقوال في تحديد المدة التي مكثتها الزهراء عليها‌السلام فقيل أنّه كان : خمسة عشر يوماً ، أربعين يوماً ، خمسة وأربعين ، شهرين ، ستين يوماً ، سبعين ، اثنتين وسبعين ، خمسة وسبعين ، خمسة وثمانين ، ثلاثة أشهر ، تسعين يوماً ، خمسة وتسعين ، مائة يوم ، أربعة أشهر ، ستة أشهر ، ستة أشهر إلّا ليلتين ، ثمانية أشهر ، فلم يقل أحد بأقل من خمسة

_______________________

وعيون المعجزات : ٥٥. ودلائل الإمامة / الطبري : ١٣٦. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٤٩. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٧١ / ١١.

١) المعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٩ / ٩٩٨. وتذكرة الخواص : ٣٢٠ ـ ٣٢١. وتاريخ الطبري ٣ : ٢٤٠. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢. وأُسد الغابة ٥ : ٥٢٤. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد ٨ : ٢٨. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٨٠.

٢) راجع : مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٣. والمعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٩ / ٩٩٧. وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٢١. والاستيعاب / ابن عبدالبر ٤ : ٣٨٠. وأُسد الغابة ٥ : ٥٢٤. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

٢٣٩

عشر يوماً ، ولا بأكثر من ثمانية أشهر (١).

وتدلّ أكثر الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام أنها مكثت بعد أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وسبعين يوماً (٢) ، وعلىٰ المشهور عند الإمامية من أنّ وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في الثامن والعشرين من صفر ، تكون وفاتها عليها‌السلام في نحو الثالث عشر من جمادىٰ الاُولىٰ ، لا في الثالث من جمادىٰ الآخرة وكما هو المشهور في وفاتها عليها‌السلام ، وعلىٰ المشهور عند العامّة من أن وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول ، تكون وفاتها في أواخر جمادىٰ الاُولىٰ.

والذي يقتضيه الجمع بين ماهو مشهور من وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثامن والعشرين من صفر ، ووفاتها عليها‌السلام في الثالث من جمادىٰ الآخرة ، هو ما روي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام من أن فاطمة عليها‌السلام بقيت بعد وفاة أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة وتسعين يوماً (٣) ، فيرتفع بذلك التنافي.

ورجّح ذلك أبو الفرج الأصفهاني حيث قال : كانت وفاة فاطمة عليها‌السلام

_______________________

١) راجع : المعارف / ابن قتيبة : ٦٢. والمعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٢ ـ ١٦٣. ودلائل النبوة / البيهقي ٦ : ٣٦٥. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٤. والإصابة / ابن حجر ٤ : ٣٧٩. والذرية الطاهرة / الدولابي : ١٥١ / ١٩٥. والثغور الباسمة / السيوطي : ٤٨. ومقاتل الطالبيين / أبو الفرج : ٣١. المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. وكشف الغمة ١ : ٤٤٩ و ٥٠٢ و٥٠٣. وإعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٣٠٠. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١ ـ ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ٧ ـ ٩ و١٨٠ / ١٦ و١٨٨ / ١٩ و ٢٠٠ / ٣٠ و ٢١٢ / ٤١ و ٢١٣ / ٤٤ و ٢١٥ / ٤٥ و ٢١٧ / ٤٩.

٢) الكافي / الكليني ١ : ٢٤١ / ٥ و ٤٥٨ / ١ ، ٤ : ٥٦١ / ٤. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٤٤٩. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤١. وبحار الأنوار ٤٣ : ٩ / ١٦ و ١٩٥ / ٢٢ و ٢١٢ / ٤١.

٣) دلائل الإمامة / الطبري : ٧٩ / ١٨. وكشف الغمة / الاربلي ١ : ٥٠٣. والتتمة / تاج الدين العاملي : ٤٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨٩ / ١٩.

٢٤٠