كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

شرعا ، خرج من ذلك ما لم يدّع وجوبه وما اجمع على ندبه فيبقى الباقي داخلا وهو المطلوب.

٣ ـ تخصيص الصّلاة الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مع أنّها داخلة في الصّلوات إذ اللّام فيها للاستغراق لاختصاصها بمزيد فضل يقتضي رفع شأنها وإفرادها بالذّكر كأفراد النّخل والرمّان عن الفاكهة وجبرئيل وميكائيل عن الملائكة.

واختلف فيها على أقوال (١) فقيل الصّبح لتوسّطها بين صلاتي النّهار وصلاتي

__________________

صلاة الخسوف ، صلاة سائر الايات ، الطّواف ، صلاة الأموات ، الصّلوات الملتزمة بنذر وشبهه ، وجعلها في اللّمعة سبعا بجعل الايات واحدة ويمكن أن نعدّ منها صلاة الاحتياط وصلاة القضاء ليكمل التّسع كما يمكن دخولها في اليوميّة لأنّ الأوّل مكمل لها لما يحتمل فواته ونقصانه منها والثّاني نفسها الّا أنّها تؤتى بها في غير وقتها.

(١) الأقوال فيها ترتقي إلى سبعة عشر قولا :

الأوّل أنّها الظّهر وعليه أكثر الإماميّة ان لم نقل كلّهم الّا السيّد المرتضى قدس‌سره وعليه أخبار كثيرة انظر البرهان ذيل الآية الشريفة ونسبه في نيل الأوطار ج ١ ص ٣٣٦ الى ابى سعيد الخدري وعائشة ونقله في البحر الزّاخر من الزيديّة عن الهادي والقاسم وابى العبّاس وابى طالب ونقل ذلك أيضا عن أبي حنيفة.

الثّاني انّها العصر وبه قال من الإماميّة علم الهدى قدس‌سره وادّعى عليه إجماع الطّائفة واليه ذهب جماعة منهم أبو حنيفة واحمد وداود بن المنذر وأبو ثور والحسن البصري والنّخعي وعليه أكثر اخبار أهل السّنة نعم يعارضها ما روى عن عائشة ـ رواه الجماعة إلّا البخاريّ وابن ماجة ـ وما عن حفصة ـ رواه مالك في الموطإ ـ حيث أمرتا بكتابة الآية : والصّلاة الوسطى وصلاة العصر والعطف يقتضي المغايرة انظر الموطإ بشرح الزّرقانى ج ١ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٥.

الثّالث انّها المغرب ذهب إليه قبيصة بن ذؤيب.

الرّابع أنّها العشاء نسبه ابن سيد الناس الى البعض من العلماء.

الخامس انها الصبح وهو مذهب الشافعي ونقله في نيل الأوطار عن جماعة منهم عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس.

السادس أنها الجمعة يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام حكاه القاضي عياض عن البعض.

السابع أنها احدى الخمس مبهمة رواه ابن سيد الناس عن زيد بن ثابت

٦١

اللّيل وبين الظّلام والضّياء ولأنّها لا يجتمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعتين ولأنّها يشهدها ملائكة اللّيل والنّهار فتكتب في العملين معا قال الشّافعيّ ولذلك عقّبها بذكر القنوت إذ القنوت عنده مشروع في الصّبح.

وقيل الظّهر وبه قال جماعة وروي ذلك عن الباقر والصّادق (١) عليهما‌السلام لأنّها وسط النّهار ووقت الحرّ فكانت أشقّ عليهم فكانت أفضل لقوله عليه‌السلام « أفضل العبادات أحمزها (٢) » ولأنّها أوّل صلاة فرضت ولأنّها في السّاعة الّتي يفتح الله فيها أبواب السّماء ولا تغلق حتّى يصلّى الظهر ويستجاب الدّعاء فيها.

__________________

والربيع بن خثيم وسعيد بن المسيّب ونافع وشريح واليه أشار المصنّف حيث قال : وقيل انّ الله أخفاها إلخ.

الثّامن انّها جميع الصّلوات الخمس حكاه النووي ورواه ابن سيد الناس عن البعض.

التاسع أنها صلاتان العشاء والصبح نسب ذلك الى أبى الدّرداء.

العاشر أنّها الصّبح والعصر نسب الى أبى بكر الأبهري.

الحادي عشر إنّها الجماعة حكى ذلك عن المادرى.

الثّاني عشر أنها صلاة الخسوف ذكره الدّمياطى.

الثّالث عشر أنّها الوتر نسب الى السخاوي المقري.

الرّابع عشر أنّها صلاة عيد الأضحى ذكره ابن سيد الناس.

الخامس عشر صلاة عيد الفطر حكاه الدّمياطى.

السّادس عشر أنّها الجمعة فقط ذكره النووي.

السّابع عشر أنّها صلاة الضّحى رواه الدّمياطى عن بعض شيوخه ثمّ تردّد في الرّواية وهذه الصّلاة أعني صلاة الضّحى بدعة عند الإماميّة نعم لا بأس بإتيان النّافلة المبتدئة عند الضّحى.

(١) الوسائل ب ٥ من أبواب أعداد الفرائض. العيّاشي ج ١ ص ١٢٧.

(٢) راجع النّهاية لابن الأثير مادّة « حمز » قال في حديث ابن عبّاس : سئل رسول الله اىّ الأعمال أفضل؟ فقال أحمزها ، أى أفواها وأشدّها اه وقيل لا أصل له وردّ بأنّ معناه صحيح لما في الصّحيحين عن عائشة : الأجر على قدر التّعب.

٦٢

وقيل العصر لأنّها بين صلاتي اللّيل والنّهار ولأنّها تقع حال اشتغال النّاس بمعاشهم فيكون الاشتغال بها أشقّ عليهم ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله » (١) وفي رواية « حبط عمله » ولما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله « قال يوم الأحزاب : « شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر » (٢) فان صحّ ذلك فهو صريح فيها.

وقيل المغرب لتوسّطها عددا بين ثنائيّ ورباعيّ ووقتا بين ليليّة ونهاريّة.

وقيل العشاء لتوسّطها بين ليليّة ونهاريّة وقيل إنّ الله تعالى أخفاها ليحافظ على جميعها كإخفاء ليلة القدر وإخفاء الاسم الأعظم والوليّ وساعة الإجابة وعن بعض أئمّة الزيديّة أنّها صلاة الجمعة يوم الجمعة والظّهر في سائر الأيّام (٣).

٤ ـ وجوب القيام في الصّلاة لصيغة الأمر.

٥ ـ شرعيّة القنوت في الصّلوات كلّها لذكره عقيب الأمر بالمحافظة على جملتها وعطف القيام حال القنوت على ذلك.

٦ ـ جواز الصّلاة حال الخوف مشيا وركوبا.

٧ ـ جوازها حال المسايفة كيف كان وبه قال الشافعيّ خلافا لأبي حنيفة فإنّه قال : لا يصلّى حالة المشي والمسايفة ما لم يتمكّن من الوقوف

الثّالثة ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ) (٤).

في هذه الآية الكريمة فوائد :

١ ـ أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأمر أهله بالصّلاة أي صلّ وأمرهم بها فيجب علينا أيضا أمر أهالينا بها لدلالة التأسّي به صلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤيّده قوله تعالى ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ

__________________

(١) سنن ابى داود ج ١ ص ٩٧.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ٩٨.

(٣) ونقله الطبرسي في المجمع عن علىّ عليه‌السلام راجع الوسائل ب ٥ من أبواب أعداد الفرائض ح ٤.

(٤) طه : ١٣٢.

٦٣

ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (١) قال الباقر عليه‌السلام : « أمره الله تعالى أن يخصّ أهله دون النّاس ليعلم النّاس أنّ لأهله عند الله منزلة ليست للنّاس فأمرهم مع الناس عامّة ثمّ أمرهم خاصّة » (٢).

٢ ـ اصطبر عليها أي احمل نفسك على الصّلاة ومشاقّها وإن نازعتك الطّبيعة إلى تركها طلبا للرّاحة فاقهرها واقصد الصّلاة مبالغا في الصّبر ليصير ذلك ملكة لك ولذلك عدل عن الصّبر إلى الاصطبار لأنّ الافتعال فيه زيادة معنى ليس في الثّلاثيّ وهو القصد والتّصرف ولذلك قال [ الله ] تعالى ( لَها ما كَسَبَتْ ) بأيّ نوع كان من الفعل ( وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) (٣) بالقصد والتّصرف والمبالغة رحمة منه تعالى بعباده وإذا وجب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله الاصطبار وجب أيضا علينا لما قلناه والقائم بذلك يحصّل أعلى المراتب إذا لم يكن متحرّجا منها ومستعظما لها كما قال الله تعالى ( وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَى الْخاشِعِينَ ) (٤).

٣ ـ لمّا كان قبل هذه الآية النّهي عن النّظر إلى زخارف الدّنيا (٥) وكان المقصود بالذّات من الأمر بالصّلاة الاشتغال بها عن النّظر إلى تلك الزّخارف الدنيويّة فلا ينبغي أن يكون بشي‌ء من ذلك مشتغلا عن الصّلاة بل إذا عرض في النّفس شي‌ء من الميل إليها ينبغي الإقبال على الصّلاة والاصطبار عليها ليكون ذلك صادّا للطبيعة عن الميل إلى خلافه ولذلك كان عروة بن الزّبير إذا رأى الزّخارف عند الملوك قرأ هذه الآية ثمّ نادى الصّلاة الصّلاة رحمكم الله.

٤ ـ لمّا كان النّهي عن النّظر إلى الزّخارف والأمر بالصّلاة يمكن أن يقال معه أنّ من جملة ذلك الرّزق الّذي لا بدّ منه أردف ذلك بقوله « لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً » إي طلب رزق بل اكتف برزق يأتيك ولا تكلّف نفسك بالطّلب فإنّه يشغلك عن الآخرة

__________________

(١) التّحريم : ٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ٣٧.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

(٤) البقرة : ٤٥.

(٥) وهي ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ).

٦٤

وأطلبها بالعبادة والهداية نحن نرزقك ، إذا قنعت بما يأتيك كفيناك مؤنة الطّلب.

إن قلت : إذا منع صلى‌الله‌عليه‌وآله من طلب الرّزق فنحن أيضا كذلك لدلالة التأسّي لكنّه ليس كذلك بالإجماع.

قلت : الطّلب على قدر المطلوب ولمّا كان مطلوبه صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى المطالب جاز تكليفه بما لم يكلّف به غيره فيكون ذلك من خواصّه الّتي لا يجب التأسّي به فيها.

٥ ـ أنّه لمّا كانت الزّخارف المنهيّ عن النّظر إليها قد تستعقب فائدة وعاقبة أردف ذلك بأنّ تلك ليست في الحقيقة فائدة ولا عاقبة بل هي عدم بالنّظر إلى عواقب العبادات اللّذيذة الدّائمة وإنّما العاقبة بالحقيقة أو العاقبة المحمودة لذوي التّقوى.

الرّابعة ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) (١).

في الآية دلالة على وجوب الصّلاة وبشرى فاعلها بالفلاح الّذي هو الفوز بأمانيّهم والظّفر بمطلوبهم من الخلاص من عذاب الله والبقاء على دوام رحمته لهم و « قد » مثبتة للمتوقّع كما أنّ « لمّا » تنفيه ولمّا كان المؤمنون متوقّعين ذلك صدّرت بها لبشارتهم وأصل الفلاح لغة الشقّ ومنه الفلاحة لشقّ الأرض بالزّراعة. قوله (فِي صَلاتِهِمْ ) أضافها إليهم لأنّهم المنتفعون بها وأمّا المصلّي له فغنيّ عنها والخشوع خشية القلب وعلامتها التزام كلّ جارحة بما أمر به في الصّلاة من النّظر والوضع.

قيل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي رافعا بصره إلى السّماء فلمّا نزلت التزم بنظره إلى موضع سجوده (٢) ونظر صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رجل يصلّي ويعبث بلحيته فقال : لو خشع قلبه لخشعت جوارحه (٣).

__________________

(١) المؤمنون : ١ و ٢.

(٢) فتح القدير ج ٣ ص ٤٦٠.

(٣) راجع سبل السّلام ج ١ ص ١٤٧ فيض القدير ج ٥ ص ٣١٩ تحت رقم ٧٤٤٧.

٦٥

النوع الثّاني

( في دلائل الصّلوات الخمس وأوقاتها )

وفيه آيات :

الاولى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (١).

إقامة الصّلاة هو تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في أفعالها ، من أقام العود إذا قوّمه وقيل المواظبة عليها ، مأخوذة من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها إذا جعلتها نافقة ، قال الشّاعر :

أقامت غزالة سوق الضّراب

لأهل العراقين حولا قميطا (٢)

فإنّه إذا حوفظ عليها كانت كالنّافق الّذي يرغب فيه وإذا ضيّعت كانت كالكاسد المرغوب عنه وقيل التشمّر لأدائها من غير فتور ولا توان من قولهم قام بالأمر وأقامه إذا جدّ فيه وتجلّد وضدّه قعد وتقاعد وقيل أداؤها ، عبّر عنه بالإقامة لاشتمالها على القيام كما عبّر عنها بالرّكوع والسّجود والقنوت والكلّ هنا محتمل وأمّا في قوله « يُقِيمُونَ الصَّلاةَ » في معرض المدح فالأولى أن يراد به الأوّل لأنّه أقرب إلى الحقيقة وأفيد لتضمّنه التّنبيه على أنّ المستحقّ للمدح هو من حاله كذا.

__________________

(١) أسرى : ٧٨ و ٧٩.

(٢) البيت مما استشهد به في الكشّاف ومجمع البيان عند تفسير الآية الثّانية من سورة البقرة قال محبّ الدّين افندى في شرح شواهد الكشّاف : غزالة اسم امرءة شبيب الخارجي قتله الحجّاج فحاربته سنة وفي ذلك قال الشّاعر في هجو حجّاج : اسد على وفي الحروب نعامة. البيت.

٦٦

والدّلوك الزّوال نصّ عليه الجوهريّ من الدّلك لأنّ النّاظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها وقيل الغروب وتمسّك بقول الشاعر :

هذا مقام قدمي رباح

دبّب حتّى دلكت براح (١)

وبراح علم للشّمس كقطام وحذام لمرأتين والحقّ أنّه لا دلالة فيه على المدّعى لاحتمال إرادة زوالها وكذا على الرّواية الأخرى « غدوة حتّى دلكت براح » وعلى تقدير الدّلالة لا ينافي كونه بمعنى الزوال لاحتمال الاشتراك.

والغسق أوّل ظلمة اللّيل وذلك حين يغيب الشّفق ولذلك قال الجوهريّ :الغاسق اللّيل إذا غاب الشّفق وقيل غسق اللّيل شدّة ظلمته وذلك إنّما يكون في نصف اللّيل والتهجّد تكلّف السّهر للصّلاة والتهجّد والهجود من أسماء الأضداد لأنّهما يأتيان بمعنى النّوم والسّهر وفي الآية أحكام (٢) :

١ ـ إذا حمل الدّلوك على الغروب خرج الظّهران والأولى حمله على الزّوال

__________________

(١) هذا البيت للرّاجز يصف رجلا استقى للإبل الى أن غابت الشّمس واستشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن والطّبري والشّيخ الطّوسي قدس‌سره في التّبيان والضبط « غدوة حتى دلكت » وكذا في الجمهرة ج ١ ص ٢١٨ وفي الصّحاح واللّسان « برح » والمنقول عن الفرّاء في فتح القدير للشّوكانى وأحكام القرآن لابن العربي في تفسير الآية « ذبب حتى دلكت » وفي مجمع البيان « للشّمس حتى دلكت » وفي تفسير الإمام الرّازي « وقفت حتى دلكت » وذبب بمعنى دفع وعليه فالمتناسب قراءة براح بكسر الباء كما قال العجاج :

والشّمس قد كادت تكون دلفا

أدفعها بالرّاح كي تزحلفا

فأخبر أنّه يدفع شعاعها لينظر الى مغيبها بالرّاحة. ومن قرأ براح بفتح الباء فالمراد به الشّمس سمّيت بذلك لانتشارها وعلى هذه الرّواية يكون « ذبب » بمعنى طرد النّاس.

(٢) وقد استدلّ بالاية لجواز الجمع بين الصّلاتين ولم يذكره المصنّف في أحكام الآية الّا اشعارا من حيث اتّساع الوقت الّذي لازمه جواز الجمع وتنقيح البحث :

انّه قد أجمع أهل القبلة على جواز الجمع للحجّاج بين الظهر والعصر بعرفة ويسمّونه جمع تقديم وبين المغرب والعشاء بمزدلفة ويسمّونه جمع تأخير وانّه من السّنن

٦٧

__________________

النّبويّة واختلفوا في جواز الجمع في ما عدا هذين بأدائهما معا في وقت إحداهما تقديما أو تأخيرا.

وقد صدع الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ احد الثّقلين اللّذين أمرنا بالتّمسك بهما ـ بجوازه مطلقا فراجع الوسائل ب ٣١ و ٣٢ من أبواب المواقيت فتبعهم في هذا شيعتهم في كل عصر ومصر يجمعون غالبا بين الظّهرين والعشائين لعذر أو لغير عذر سفرا وحضرا وجمع التّقديم والتأخير عندهم سواء.

أما الحنفيّة فمنعوا الجمع فيما عدا جمعي عرفة والمزدلفة بقول مطلق مع توفر الصّحاح الصّريحة بجواز الجمع ولا سيما في السّفر لكنّهم تأوّلوها مع صراحتها على الجمع الصوري بأداء الظّهر آخر وقتها وتعجيل العصر أوّل وقتها وكذلك المغرب والعشاء.

وأمّا الشّافعيّة والمالكيّة والحنبليّة فأجازوه في السّفر على خلاف بينهم فيما عداه من الاعذار كالمطر والطّين والمرض والخوف ، وعلى تنازع في السّفر المبيح له والتّفصيل في كتبهم الفقهيّة.

حجّتنا الآية المباركة المفسّرة على تقدير إجمالها عن أئمّتنا ، فقد روى الشّيخ في التّهذيب عن عبيد بن زرارة عن أبى عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس الى غروب الشّمس الّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشّمس الى انتصاف اللّيل الّا أنّ هذه قبل هذه.

والاخبار المصرّحة بجواز الجمع مستفيضة ان لم تكن متواترة وهي مع ذلك موافقة لكتاب الله العزيز وقد أمرنا بالأخذ بما وافق الكتاب من اخبارهم.

وقد اعترف بذلك الإمام الرّازي في تفسير الآية الشّريفة حيث قال بعد ما شرح معنى الدّلوك والغسق : « فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظّهر والعصر والمغرب والعشاء مطلقا الّا انّه دلّ الدّليل على انّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز فوجب أن يكون الجمع جائزا لعذر السّفر وعذر المطر وغير ذلك. »

قلت : ما أكثر الصّحاح من طرقهم الّتي يظهر منها جواز الجمع مطلقا ونكتفي الان بذكر ما رواه ابن تيميّة في المنتقى على ما في ص ٢٢٩ ج ٣ من نيل الأوطار :

عن ابن عبّاس انّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة سبعا وثمانيا الظّهر والعصر

٦٨

__________________

والمغرب والعشاء ( متّفق عليه ) وفي لفظ للجماعة الّا البخاري وابن ماجه : جمع بين الظّهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قيل لابن عبّاس ما أراد بذلك قال : أراد أن لا يحرج أمّته ، وقال العلّامة في المنتقى لما رواه احمد مع البخاري ومسلم متّفق عليه وما رواه السّبعة : البخاري ومسلم وأحمد والتّرمذي والنّسائي وأبو داود وابن ماجة الجماعة فلا تغفل وفي الصّحاح أخبار أخر لا نطيل الكلام بذكرها.

قال الترمذي في آخر كتابه ( كتاب العلل ج ٢ ص ٢٣٥ المطبوع بدهلى ) : جميع ما في هذا الكتاب فهو معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عبّاس انّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظّهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر. وحديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال إذا شرب الخمر فاجلدوه فان عاد في الرابعة فاقتلوه وقد بيّنا علة الحديثين جميعا في الكتاب.

لكنّه لم يذكر في كتاب الصّلاة علّة لحديث ابن عبّاس بل ذكر حديثا يعارضه من طريق حنش وضعفه من أجله ، وأنت إذا راجعت أى شرح على أىّ كتاب من كتب السّنن يشتمل على حديث ابن عبّاس رأيت أنهم صحّحوه بكل طرقه.

وقد ردّ النووي على الترمذي في شرح صحيح مسلم ج ٥ ص ٢١٨ وقال : امّا حديث ابن عبّاس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال منهم من تأوّله على انّه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدّمين وهو ضعيف بالرّواية الأخرى « من غير خوف ولا مطر ».

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم فصلّى الظّهر ثم انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر قد دخل فصلّاها ، وهذا أيضا باطل لانّه وان كان فيه ادنى احتمال في الظّهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الأوّل إلى آخر وقتها فصلّاها فيه فلمّا فرغ منها دخلت الثّانية فصارت صلاته صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لانّه مخالف للظّاهر مخالفة لا تحتمل وفعل ابن عبّاس الّذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في ردّ هذا التأويل.

ومنهم من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ممّا في معناه من الاعذار وهذا قول احمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي

٦٩

__________________

والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عبّاس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقّة فيه أشدّ من المطر.

وذهب جماعة من الأئمّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتّخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عبّاس : « أراد أن لا يحرج أمته » فلم يعلّله بمرض ولا غيره انتهى ما في شرح النووي.

ونزيدك بيانا لتضعيف التأوّل بالجمع الصوري بما تنبّه به ابن عبد البرّ والخطابي وغيرهما من أنّ الجمع رخصة فلو كان صوريّا لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأنّ أوائل الأوقات وأواخرها ممّا لا يدركه أكثر الخاصّة فضلا عن العامّة وقد قال ابن عبّاس : أراد أن لا يحرج أمّته. وقالوا أيضا : المتبادر الى الفهم من إطلاق لفظ الجمع في السّنن كلّها انّما هو أدائهما في وقت إحداهما. ثمّ نضعّف ما اختاره الخطابي نفسه من الجمع بعذر المرض بأنّه لو كان كذلك لما صلّى معه الّا من به المرض والظّاهر انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بأصحابه.

وقال شاة ولي الله الدهلوي في رسالة شرح تراجم أبواب صحيح البخاري المطبوع بكراچى ص ١٢ : وليعلم انّ ما وقع في الحديث من قوله : « صلّى بالمدينة » وهم من الرّاوي بل كان ذلك في سفر. قلت قد أطبق أهل السير وأرباب الحديث على انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتمّ في السّفر ولم يزد على ركعتين انظر زاد المعاد لابن قيّم الجوزيّة ج ١ ص ١٢٨ ونيل الأوطار ج ٣ ص ٢١٢ فكيف يصح قوله صلّى سبعا وثمانيا لو كان ذلك في السفر.

وأنت إذا أمعنت النّظر في شرح النّووي على صحيح مسلم وشرح القسطلاني على البخاري وشرح الزّرقانى على موطإ مالك رأيتهم مائلين بجواز الجمع وكأنّهم لم يجترؤا على مبادهة العامّة ولذلك لم يصرّحوا بالفتوى ، ولقد أنصف أحمد محمد شاكر في ج ١ ص ٣٥٨ من تعليقاته على جامع الترمذي حيث قال بعد نقل ما حكى عن ابن سيرين :

وهذا هو الصّحيح الّذي يؤخذ من الحديث وأمّا التأوّل بالمرض أو العذر أو غيره فإنّه تكلّف لا دليل عليه ، وفي الأخذ بها رفع كثير من الحرج على أناس قد تضطرّهم أعمالهم أو ظروف قاهرة الى الجمع بين الصّلاتين ويتأثّمون من ذلك ففي هذا ترفيه لهم واعانة على الطّاعة ما لم يتّخذه عادة كما قال ابن سيرين.

٧٠

إذ أصل التركيب للانتقال (١) ومنه الدّلك (٢) لأنّ الدّالك لا تستقرّ يده وكذا كلّما يتركّب من الدّال واللّام وما يتبعهما من الحروف كدلج ودلع (٣) وبه قال ابن عبّاس وروي ذلك عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام (٤) ويؤيّده قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتاني جبرئيل لدلوك الشّمس حين الزّوال فصلّى بي الظّهر (٥) » فعلى هذا يكون الأربع الصّلوات : الظّهر والعصر والمغرب والعشاء ، داخلة في الآية واللّام في « لِدُلُوكِ » للتّوقيت مثلها في لثلاث خلون.

٢ ـ في الآية دلالة على امتداد وقت الأربع من الزّوال إلى الغسق فيكون أوقاتها موسّعة لأنّ اللّام قد قلنا أنّه للوقت وإلى لانتهاء الغاية فيكون الوقت ممتدّا من الزّوال إلى نصف اللّيل أو ذهاب الشّفق على الخلاف ومن المعلوم أنّ الصلوات الأربع يسعها بعض ذلك للأداء فلم يبق إلّا أن يكون المراد اتّساع وقتها بمعنى أنّ كلّ جزء منه صالح للأداء على سبيل الوجوب.

وخالف أبو حنيفة في ذلك حيث قال : الوجوب مختصّ بآخر الوقت لأنّ المكلّف مخيّر قبل ذلك والتّخيير ينافي الوجوب وجوابه لا نسلّم أنّ التّخيير ينافي الوجوب وإنّما ينافيه الوجوب المضيّق وأمّا الموسّع فلا ، ويكون معنى التّخيير إمّا العزم على الإتيان به كما قاله السيّد أو كون جزئيّات الوقت يتعلّق الوجوب

__________________

(١) قال ابن فارس في مقاييس اللّغة : الدّال واللّام والكاف أصل واحد يدلّ على زوال شي‌ء وعن شي‌ء ولا يكون الّا برفق ، يقال دلكت الشّمس زالت ويقال دلكت غابت والدّلك وقت دلوك الشّمس.

(٢) الدّلاك خ ل.

(٣) وزاد البيضاوي دلج ودلف ودله وزاد قاضى‌زاده في شرحه دلق. دلج بالدّلو إذا مشى بها من رأس البئر للصبّ ، ودلح بالمهلة إذا مشى مشيا متثاقلا ودلف إذا مشى مشى المقيّد ودلق إذا خرج المائع من مقرّه ودلع إذا أخرج لسانه ، ودله إذا ذهب عقله ، ففيه انتقال معنوي.

(٤) تفسير العيّاشي ج ٢ ص ٣٠٨. الوسائل ب ١٠ من أبواب المواقيت.

(٥) سنن ابى داود ج ١ ص ٩٣. سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٤٥.

٧١

فيها بالإيقاع على سبيل التّخيير كما في الواجبات المخيّرة.

٣ ـ في الآية دلالة على أنّ الظّهر هي الصّلاة الأولى لأنّ الانتهاء يستدعي ابتداء هو الدّلوك.

٤ ـ أنّ آخر وقت العشاء نصف اللّيل على أحد التفسيرين للغسق وهو الأولى وهو مرويّ عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام (١).

٥ ـ « قُرْآنَ الْفَجْرِ » إشارة إلى صلاة الصبح تسمية للكلّ باسم جزئه وقال بعض الحنفيّة فيه دلالة على ركنيّة القراءة كما دلّ تسميتها ركوعا وسجودا على كونهما ركنين وليس بشي‌ء لأنّ التسمية لغويّة وكونها ركنا أو غيره شرعيّة فإنّ القراءة جزء سواء كانت ركنا أو غيره فالركنيّة مستفادة من دليل خارج.

وكان قرآنها مشهودا لأنّ الملائكة الليليّة والنهاريّة مجتمعون فيه فيكتب في الدّيوانين معا.

٦ ـ كون نافلة اللّيل من خواصّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أي وجوبها زائدا على فرائضك مختص بك ، من النفل وهو الزّيادة ومنه الأنفال بمعنى أنّها تجب له صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلّا فالنّدبيّة ثابتة في حقّ كلّ الأمّة وإنّما عبّر عنها بالنّافلة لكونها تسمّى كذلك بالنّسبة إلى كلّ الأمّة.

٧ ـ أنّه ضمّن « يَبْعَثَكَ » معنى يقيمك « مَقاماً مَحْمُوداً » وهو مقام الشّفاعة لأمّته وكان محمودا لأنّه يحمده كلّ من عرفه.

الثّانية ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ ) (٢).

قال ابن عبّاس والحسن والجبائيّ : أنّ « طَرَفَيِ النَّهارِ » وقت صلاة الفجر والمغرب

__________________

(١) الوسائل ب ٢١ من أبواب المواقيت ح ٢.

(٢) هود : ١١٥.

٧٢

وقال مجاهد : وقت صلاة الغداة والظّهر والعصر ، بناء على أنّ ما بعد الزّوال يعدّ من العشاء و « زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ » العشاءان ويحتمل قولا ثالثا بناء على أنّ النهار اسم لما بين الصّبح الثّاني وذهاب الشّفق المغربيّ وأنّ المراد ب « طَرَفَيِ النَّهارِ » نصف النّهار وصلاة الفجر في النّصف الأوّل وباقي الصّلوات الفرائض في النّصف الثّاني.

« وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ » أي قربا منه أي طاعات يتقرّب بها في بعض اللّيل فيكون المراد نوافل اللّيل فيكون زلفا عطفا على الصّلاة لا على طرفي النّهار وعلى الأوّلين يكون عطفا على طرفي النّهار ، والزّلف جمع زلفة كظلم جمع ظلمة والزّلفى بمعنى الزلفة من أزلفه إذا قرّبه فيكون المعنى ساعات متقاربة من اللّيل ويكون من هنا للتّبيين فيكون المعنى ساعات المغرب والعشاء القريبة من النّهار. واعلم أنّ دلالة الآية على اتّساع الوقت ظاهرة.

قوله « إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ » الأكثر على أنّ المراد بالحسنات هي الصّلوات الخمس وفي معنى إذهابها للسيّئات قولان الأوّل أنّها لطف في ترك السيّئات كما قال سبحانه وتعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (١) الثّاني أنّها تكفّر الخطيئات الحاصلة من العبد بمعنى عدم مؤاخذته بها وعدم العقاب عليها وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة أحسنها ما رواه أبو حمزة الثماليّ عن أحدهما عليهما‌السلام في حديث طويل (٢) عن عليّ عليه‌السلام :

« قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أرجى آية في كتاب الله « أَقِمِ

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) صدر الرّواية هكذا : عن أبي حمزة الثّمالي قال سمعت أحدهما عليهما‌السلام يقول انّ عليا عليه‌السلام اقبل على النّاس فقال أىّ آية في كتاب الله أرجى عندكم فقال بعضهم انّ الله لا يغفر ان يشرك به إلخ فقال حسنة وليست ايّاها وقال بعضهم ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه إلخ قال حسنة وليست ايّاها وقال بعضهم قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلخ قال حسنة وليست ايّاها وقال بعضهم والّذين إذا فعلوا فاحشة إلخ قال حسنة وليست ايّاها قال ثمّ أحجم النّاس فقال ما لكم يا معشر المسلمين فقالوا لا والله ما عندنا شي‌ء قال سمعت حبيبي إلخ راجع تفسير العيّاشي ج ٢ ص ١٦١.

٧٣

الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ » إلى آخرها والّذي بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا إنّ أحدكم ليقوم في وضوئه فيتساقط عن جوارحه الذّنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شي‌ء كما ولدته أمّه فإن أصاب شيئا بين الصّلوتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصّلوات الخمس ثمّ قال : يا عليّ إنّما منزلة الصّلوات الخمس لأمّتي كنهر جار على باب أحدكم فما يظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصّلوات الخمس لأمّتي ».

قوله « ذلِكَ » إشارة إلى ما ذكره من إقامة الصّلاة فإنّ ذلك سبب لذكر الله وذكر الله سبب لدوام فيض الرّحمة على العباد المستعدّين لها كما قال الله تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (١).

قوله « ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ » أي عظة للمتّعظين حيث علموا أنّ ذكرهم لله سبب لذكر الله إيّاهم.

الثّالثة ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) (٢).

أخبار في معنى الأمر بالتّنزيه لله تعالى والثّناء عليه في هذه الأوقات فيكون سبحان مصدرا بمعنى الأمر أي سبّحوا سئل ابن عبّاس هل تجد الصّلوات الخمس في القرآن قال نعم وقرأ هذه الآية ، تمسون صلاة المغرب والعشاء ، وتصبحون صلاة الفجر ، وعشيّا صلاة العصر ، وتظهرون صلاة الظّهر.

ووجه تسمية الصّلاة بالتسبيح أنّ التسبيح تنزيه [ ا ] لله تعالى عن صفات المخلوقين لأنّ المخلوق لا يستحقّ العبادة وكما أنّه منزّه عن صفات المخلوقين كذلك هو متّصف بصفات الكمال الّتي لا يتّصف بها المخلوقون ومن كان كذلك استحقّ مطلق

__________________

(١) البقرة : ١٥٢.

(٢) الرّوم : ١٧.

٧٤

الحمد والثّناء ولذلك قرن الحمد بالتّسبيح وقال « وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ».

وقوله « وَعَشِيًّا » يجوز نصبه على الظّرف عطفا على معنى « فِي السَّماواتِ » لأنّه أقرب ويجوز عطفه على « حِينَ تُمْسُونَ » فيكون « وَلَهُ الْحَمْدُ » اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه فعلى الأوّل يكون تسمية صلاة النّهار حمدا لأنّ الإنسان يتقلّب [ في النهار ] ظ في أحوال توجب الحمد وفي اللّيل على أحوال توجب تنزيه الله تعالى عنها كالنّوم وتوابعه.

قال الحسن : إنّ هذه السورة أعني الروم مكيّة إلّا هذه الآية فإنّها مدنيّة وذلك لأنّ الصلوات الخمس إنّما فرضت بالمدينة وكان الواجب في مكّة ركعتين ركعتين فلمّا هاجر أقرّت صلاة السفر وزيدت في الحضر الزيادات المشهورة وأكثر الأقوال على خلافه وأنّ الصلوات كلّها فرضت بمكّة.

واعلم أنّه يقال أمسى إذا دخل في المساء وكذا أصبح وكذا الباقي فعلى هذا يمكن أن يحتجّ بها من يجعل الوجوب مختصّا بأوّل الوقت على التضيّق لتقييد الوجوب بالحينيّة المختصّة بحال الدّخول في المساء والصباح وليس بشي‌ء لأنّ ذلك إشارة إلى أوّل الوقت فانّ لكلّ صلاة وقتين أوّل للفضيلة وآخر للإجزاء.

ثمّ الذي يدلّ على التوسعة ما تقدّم في قوله « إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ » ورواية ابن عبّاس « عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جبرئيل عليه‌السلام صلّى به في اليوم الأوّل حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله وفي اليوم الثّاني حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه وقال ما بينهما وقت » (١) ورواية محمّد بن مسلم « قال ربّما دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وقد صلّيت الظّهر والعصر فيقول : صلّيت الظّهر؟ فأقول نعم والعصر أيضا فيقول : ما صلّيت الظّهر ، فيقوم مسترسلا غير مستعجل فيغتسل أو يتوضّأ ثمّ يصلّي الظّهر ثمّ [ يصلّي ] العصر » (٢).

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ٩٣.

(٢) وبعده : وربما دخلت عليه ولم أصلّ الظهر فيقول : صلّيت الظّهر؟ فأقول : لا. فيقول : قد صلّيت الظّهر والعصر. الوسائل ب ٧ من أبواب المواقيت ح ١٠.

٧٥

الرّابعة ( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى ) (١).

أي فاصبر على ما يقولون من أنّك ساحر أو شاعر فإنّه لا يضرّك وأقبل على ما ينفعك فعله ويضرّك تركه وهو ذكر الله من التّسبيح وغيره ، والباء بمعنى مع أي سبّح مع حمد ربّك على هدايته وتوفيقه ، إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :

١ ـ قال المفسّرون : المراد من هذه الآية إقامة الصّلوات الخمس في هذه الأوقات فقبل طلوع الشّمس إشارة إلى الفجر وقبل غروبها إشارة إلى الظّهرين لكونهما في النّصف الأخير من النّهار ومن آناء اللّيل إشارة إلى العشائين وآناء اللّيل ساعاته جمع إنى بالكسر والقصر وآناء بالفتح والمدّ.

٢ ـ أنّ « من » في « وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ » للابتداء وفيه تنبيه على أنّ ابتداء وقت العشائين من أوّل اللّيل وإنّما قدّم الزمان هنا لاختصاصه بمزيد الفضل فانّ القلب فيه أجمع لتفرّغه عن هموم المعاش أو لأنّ النّفس أميل إلى طلب الاستراحة من تعب الكدّ في النّهار فكان العبادة فيه أحمز ، ولذلك قال الله تعالى ( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (٢) وقال ابن عبّاس : إنّ المراد من آناء اللّيل صلاة اللّيل كلّه.

٣ ـ اختلف في أطراف النّهار فقيل الفجر والمغرب وفيه نظر لأنّ طرفي الشي‌ء منه لا خارج عنه ، وصلاة المغرب تقع في اللّيل فكيف يكون في النّهار اللهمّ إلّا على الاحتمال المتقدّم. وقيل الظّهر لأنّ وقته عند الزّوال وهو طرف النّصف الأوّل نهاية وطرف الثّاني بداية ، وقيل العصر أعادها لأنّها الوسطى كما تقدّم وإنّما قال أطراف النّهار لأنّ أوقات العصر تقع في النّصف الأخير من النهار فيصدق على كلّ ساعة منه أنّها طرف أو أنّه جمعه للأمن من الالتباس نحو قوله تعالى ( صَغَتْ قُلُوبُكُما ) (٣).

__________________

(١) طه : ١٣٠.

(٢) المزّمّل : ٦.

(٣) التّحريم : ٤.

٧٦

وقول الشّاعر : ظهراهما مثل ظهور الترسين.

٤ ـ أنّ في الآية نصّا صريحا بسعة الوقت للصّبح والظّهرين لأنّه ذكر أواخر أوقاتها إذ ليس مرادنا بالتّوسعة إلّا أنّ الصّبح يمتدّ إلى طلوع الشّمس وأنّ الظّهرين يمتدّ وقتهما إلى غروبها وأمّا العشاءان فإنّ جعل اللّيل طرفا لهما صريح باتّساع وقتهما.

سؤال : ما ذكرتم من اتّساع الوقت هنا وفيما تقدّم صريح في مذهب ابن بابويه بأنّ الوقت مشترك بين الفرضين من ابتدائه إلى انتهائه إلّا أنّ هذه قبل هذه وأنتم لا تقولون بذلك بل تقولون إنّ الوقت يختصّ من أوّله بالظّهر قدر أدائها ومن آخره بالعصر قدر أدائها وكذا المغرب والعشاء؟.

جواب : لا ريب أنّ ظاهر هذا الكلام بل وظاهر أكثر روايات أهل البيت عليهم‌السلام يقتضي الاشتراك والدّليل والبحث والإجماع يقتضي الاختصاص وحينئذ يجب الجمع والتوفيق بوجوه : الأوّل أن يراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص وقبله.

الثّاني أنه لمّا لم يكن للظّهر وقت مقدّر بل أيّ وقت أدّيت فيه فهو مختصّ بها فإنّها لو كانت تسبيحة كصلاة الشدّة كانت العصر بعدها وأيضا لو ظنّ دخول الوقت وصلّى ولم يكن دخل حين ابتدائه ثمّ دخل فيه قبل إكمالها بلحظة فإنّ أكثر الأصحاب يفتون بالصحّة وحينئذ يصلّي العصر في أوّل الوقت إلّا ذلك القدر فلقلّة الوقت وعدم ضبطه عبّر عنه في الآيات والرّوايات بالاشتراك.

الثّالث أنّ ذلك مطلق قابل للتقييد فيقيّد بما رواه داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن الصّادق عليه‌السلام « قال إذا زالت الشّمس دخل وقت الظّهر فإذا مضى قدر أربع ركعات دخل وقت الظّهر والعصر حتّى يبقى عن مغرب الشّمس قدر أربع فيخرج وقت الظّهر ويبقى العصر حتّى تغرب الشّمس » (١) ويمكن أيضا أن يكون قوله في الآية السّابقة ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) إلى آخرها إشارة إلى الوقت المختصّ لأنّ الإمساء حال الدّخول في المساء وكذا الإصباح والإظهار

__________________

(١) الوسائل ب ٤ من أبواب المواقيت ح ٧.

٧٧

فيقيّد به إطلاق غيرها من الآيات.

الخامسة ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) (١).

وتقرب منها الآية في الطّور ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) (٢).

الكلام في الآيتين متقارب وبحثه يعلم ممّا تقدّم فلا وجه لإعادته.

بقي ههنا فوائد نوردها مختصرة :

١ ـ المراد بأدبار السجود التعقيب بعد الصّلوات بالتّسبيح والدّعاء عن ابن عبّاس ، وعن عليّ عليه‌السلام الركعتان بعد المغرب وعن الصّادق عليه‌السلام أنّه الوتر آخر اللّيل (٣) وعن الجبائيّ النوافل بعد المفروضات وعندي أنّ حمله على العموم أولى والأدبار جمع دبر وقرأ حمزة بكسر الهمزة مصدرا مضافا والكلّ من أدبرت الصّلاة أي انقضت نحو أتيتك خفوق النّجم والمراد هنا وقت انقضاء الصّلاة.

٢ ـ « حين تقوم » قيل : المراد تقوم من مجلسك بأنّه يقول : « سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلّا أنت اغفر لي كلّ ذنب وتب عليّ » عن سعيد بن جبير ، ولذلك ورد مرفوعا أنّه كفّارة المجلس (٤) وعن عليّ عليه‌السلام : « من أحبّ أن يكتال حسناته بالمكيال الأوفى فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (٥).

وقيل : تقوم في اللّيل من النّوم ، في الحديث عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوم من اللّيل ثلاث مرّات فينظر في آفاق السّماء ويقرأ الخمس من آخر

__________________

(١) ق : ٣٩ و ٤٠.

(٢) الطّور : ٤٩ و ٥٠.

(٣) مجمع البيان ذيل الآية الشّريفة.

(٤) مجمع البيان ذيل الآية الشّريفة.

(٥) الوسائل ب ٢٤ من أبواب التّعقيب ح ١١.

٧٨

آل عمران إلى قوله « إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ » ثمّ يفتتح صلاة اللّيل (١) وقيل تقوم إلى الصّلاة فعلى هذا يمكن أن يحتجّ به على التوجّه إلى الصّلاة بالأذكار المشهورة.

٣ ـ « إِدْبارَ النُّجُومِ » أي أعقاب النّجوم والمراد حين يسترها ضوء الصّبح ، فقيل المراد صلاة الفجر وعن الباقر والصّادق عليهما‌السلام الركعتان قبل صلاة الفجر (٢) وبه قال ابن عبّاس وقيل المراد لا تغفل عن ذكر ربّك صباحا ومساء وعلى كلّ حال.

النوع الثّالث

( في القبلة )

وفيه آيات :

الاولى ( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٣).

أتى بفعل الاستقبال إخبارا عمّا يجي‌ء أعدادا للجواب إذ قبل الرّمي يراش السّهم أو لتوطين النّفس على المكروه لأنّ المفاجأة به شديدة والسّفهاء خفاف العقول الّذين ألفوا التّقليد وأعرضوا عن النّظر ، والقبلة مثل الجلسة للحال الّتي يقابل الشّي‌ء غيره عليها كما أنّ الجلسة للحال الّتي يجلس عليها وكان يقال هو لي قبلة وأنا له قبلة ثمّ صار علما للجهة الّتي تستقبل في الصّلاة « ولّاهم » أي صرفهم.

روى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الصّادق عليه‌السلام : حوّلت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ثلاث عشر سنة إلى البيت المقدّس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إليه أيضا بستّة أشهر ـ وقيل تسعة وقيل عشرة وقيل ثلاثة عشر

__________________

(١) الوسائل ب ٥٣ من أبواب المواقيت ح ١ ـ ٤.

(٢) نقله عن مجمع البيان راجع الوسائل ب ١٧ من أبواب أعداد الفرائض ح ٧.

(٣) البقرة : ١٤٢.

٧٩

شهرا وقيل تسعة عشر ـ قال ثمّ وجّهه الله إلى الكعبة وذلك أنّ اليهود عيّروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه تابع لهم ويصلّي إلى قبلتهم فاغتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك غمّا شديدا وخرج في جوف اللّيل ينظر إلى آفاق السّماء ينتظر من الله في ذلك أمرا فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظّهر وكان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظّهر ركعتين فنزل جبرئيل عليه‌السلام فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة وأنزل عليه « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ » فلنولّينّك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام » وكان قد صلّى ركعتين إلى البيت المقدّس وركعتين إلى الكعبة. فقالت اليهود « ما وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ » إنكارا منهم للنسخ (١).

وقيل القائل منافقوا المدينة حرصا منهم على الطّعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل مشركو مكّة فقالوا إنّه اشتاق إلى مولده وقبلة آبائه وسيرجع إلى دينهم فنزل.

« قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ » أي مالك لهما ولسائر الأمكنة يشرّف ما شاء منهما بالتّوجه إليه بحسب ما يراه من المصلحة أو أنّه تعالى ليس في جهة حتّى إذا انحرف المصلّي عنها انحرف عن الله تعالى بل نسبته إلى أمكنة الشّرق والغرب على السّواء وهي نسبة التملّك وإنّما الاعتبار بتوجّه قلب المصلّي إلى الله سبحانه ، وتوجّه وجه المصلّي إلى جهة عنوان لتوجّه قلبه ، وحيث إنّ الجهات كلّها متساوية في ذلك فالمرجّح هو الأمر لا خصوصيّة الجهة والمراد بالمشرق والمغرب ما ينقسم من الأرض إليهما ولا واسطة بينهما.

وقال الزمخشريّ المراد بلاد المشرق والمغرب ، فيلزمه أن لا يكون البراري والخربان منهما وليس كذلك.

قوله تعالى ( يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) أي الطّريق المستقيم بحسب ما يقتضيه المصلحة والحكمة تارة إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ، ووجه كون التوجّه إلى الكعبة صراطا مستقيما أنّه غير مائل إلى قبلة اليهود وهو بيت المقدس

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٢٢٢. تفسير القمي ص ٥٣ مع تقديم وتأخير وأخرجه في البرهان ج ١ ص ١٥٨.

٨٠