كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

النوع الثالث

( في أشياء من أحكام الحج وتوابعه )

وفيه آيات :

الاولى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١).

هنا فوائد أربع :

١ ـ أنّه خاطب المؤمنين وإن كان التكليف عامّا لأنّهم القابلون لذلك المنتفعون به بأنّه يبلوهم أي يختبرهم ليتميّز مطيعهم من عاصيهم واللّام للابتداء أو التأكيد « بِشَيْ‌ءٍ مِنَ » جنس « الصَّيْدِ » ومن هنا للبيان كما ابتلي قوم موسى بتحريم صيد السمك يوم السبت ثمّ إنّه كان يجيئهم ذلك اليوم حتّى يدخل بيوتهم فإذا خرج السبت لم يبق منه شي‌ء وكما ابتلي قوم طالوت بالنهر.

٢ ـ أنّ ذلك الصيد المبتلى به ليس بعيدا عنهم ولا ما يصعب عليهم تناوله فانّ ذلك ممّا لا فائدة في الاختبار به كما لا يبتلي [ الله ] العنّين بالحسناء والأخشم (٢) بلذيذ الرائحة بل بما هو قريب منهم تناله أيديهم ورماحهم وكان قد كثر الصيد عندهم بالحديبية وهم محرمون بحيث يدخل في أمتعتهم حتّى كانوا يتمكّنون من قبضه بأيديهم وقيل المراد بما تناله أيديهم الصغار ورماحهم الكبار عن الصادق عليه‌السلام وابن عباس وقيل (٣) بل الأوّل صيد الحرم لأنسه بهم والثاني صيد الحلّ لنفوره عنهم.

٣ ـ أنّ ذلك الابتلاء ليس عبثا لصيانة أفعال الحكيم عن ذلك كما دلّ عليه

__________________

(١) المائدة : ٩٤.

(٢) الأخشم : من لا يكاد يشم شيئا لسدة في خياشيمه.

(٣) عنى بالأول ، خ ل.

٣٢١

الدليل بل لغاية مقصودة وهي تميّز (١) من يخافه بالغيب أي في القيامة ممّن لا يخافه وقيل الغيب حال انفراد المكلّف عن الناس إن قلت : إنّه تعالى عالم قبل الابتلاء فما فائدة الابتلاء قلت إنّه عالم بالكلّيّات أزلا وأبدا وأمّا الجزئيّات فلا يتعلّق علمه بها متميّزة إلّا بعد وجودها (٢) لأنّ التعلّق نسبة بين المتعلّق والمتعلّق به والنسبة متأخّرة عن المنتسبين أو يكون المراد ليتميّز فانّ العلم يقتضي التمييز فأطلق العلم وأراد لازمه.

٤ ـ « فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ » الابتلاء وخالف « فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ » أي مؤلم وفي تنكير العذاب وإبهامه تشديد لحال الصيد.

الثانية ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ ) (٣).

الصيد يجي‌ء مصدرا واسما للمصيد وهو المراد هنا والحرم جمع حرام وهو أيضا مصدر سمّي به المحرم مجازا لأنّ الحرام في الحقيقة يوصف به الفعل وقرأ أهل الكوفة « فَجَزاءٌ » منوّنا ورفع « مثل » تقديره فالواجب جزاء فيكون خبرا أو فعليه جزاء فيكون مبتدأ « ومثل » صفة على التقديرين والباقون بضمّ جزاء و

__________________

(١) وهو ليتميز له ، خ ل.

(٢) وذلك مبنى على قولهم ان علمه تعالى بالأشياء علم حضوري بمعنى حضور المدرك عند المدرك لكن الذي قدر الأشياء بقدرها وحدها بحدودها يعلمها قبل الإيجاد وبعده « وَإِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ».

(٣) المائدة : ٩٥.

٣٢٢

إضافته إلى مثل و « يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ » إمّا صفة جزاء أو حال من ضميره و « هَدْياً » منصوب على الحال من الهاء في به « و ( بالِغَ ) » صفة هديا ولمّا كانت إضافته لفظيّة لم يتعرّف بالإضافة وقرأ نافع وابن عامر « أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ » بالإضافة للتبيين كخاتم فضّة والباقون « كفّارة » بالتنوين و « طعام » عطف بيان أو بدل و « صياما » منصوب على التمييز من العدل والفاء في « فَيَنْتَقِمُ [ اللهُ مِنْهُ ] » جواب الشرط تقديره فهو ينتقم الله منه إذا تقرّر هذا فهنا أحكام :

١ ـ اختلف في الصيد المعنيّ بالنهي فقيل هو ما أكل لحمه وهو قول الشافعيّ محتجّا بأنّه الغالب عرفا قالوا ويؤيّده قوله عليه‌السلام : « خمس يقتلن في الحلّ والحرم الحدأة والغراب والعقرب والفارة والكلب العقور » (١) وفي رواية الحيّة بدل العقرب وفيه تنبيه على قتل كلّ موذ وقال أبو حنيفة كلّ وحشيّ أكل أولا ، وأمّا أصحابنا فقالوا : إنّ المحلّل حرام مطلقا وأمّا المحرّم فقالوا بتحريم الأسد والثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ لتظافر الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك (٢).

٢ ـ إنّما قال « لا تَقْتُلُوا » ولم يقل لا تذبحوا للتعميم (٣) واختلف في المذبوح المأكول منه هل هو لاحق بحكم الذبائح المنهيّ عنها كالّذي ذبحه الوثنيّ فيكون كالميتة أو يكون لاحقا بمحرّم التصرّف كالمغصوب إذا ذبحه الغاصب الحقّ عندنا الأول فهو عندنا حرام على المحلّ والمحرم وجلده جلد ميتة لا يطهر بالدبغ وبالجملة حكمه حكم سائر الميتات.

٣ ـ أنّ الصيد يحرم في كلّ إحرام بحجّ كان أو بعمرة واجبا كان الحجّ والعمرة أو نفلا لعموم اللّفظ.

__________________

(١) السراج المنير ج ٢ ص ٢٥٦. صحيح البخاري ج ١ ص ٣١٤.

(٢) راجع الوسائل ومستدركة أبواب كفارات الصيد.

(٣) بل لأن النهي كالنفى ترد على الإثبات فلو قال : لا تذبحوا ، أو لا تذكوا.

فعصى كان ذلك ذبحا وتذكية محرمة لا ميتة وأما إذا قال : لا تقتلوا. فعصى كان ذلك قتلا محرما لا تذكية وذبحا ، فيكون الصيد ميتة كالنطيحة فافهمه.

٣٢٣

٤ ـ أنّ الصيد يجب جزاؤه بجميع أنواع الإتلاف عمدا كان أو خطاء أو نسيانا ذاكرا لإحرامه حال العمد أولا وقال قوم إذا تعمّد القتل وهو ذاكر لإحرامه فلا كفّارة لعظم الذنب فلا يكفّره شي‌ء وليس قولهم بشي‌ء وإنّما قيّد القتل بالعمد في الآية لأنّ سبب نزولها فيمن تعمّد فقد روي أنّه عنّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فقيل إنّك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت (١) أو لأنّ الأصل فعل المتعمّد والحق به الخطاء للتغليظ ويدلّ عليه قوله تعالى ( لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) قال الزهريّ نزل الكتاب بالعمد ووردت السنّة بالخطاء وقال ابن جبير لا أرى في الخطاء شيئا أخذا باشتراط العمد في الآية وعن الحسن روايتان.

٥ ـ قال أبو حنيفة المراد بالمماثلة القيمة فعنده يقوّم الصيد فان بلغت قيمته ثمن هدي تخيّر بين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد وبين أن يشتري بقيمته طعاما فيعطي كلّ مسكين من البرّ نصف صاع ومن غيره صاعا وإن شاء صام عن إطعام كلّ مسكين يوما فان لم يبلغ ثمن هدي أو لم يبلغ إطعام مسكين صام يوما أو تصدّق به وقال مالك والشافعيّ وأكثر المفسّرين والفقهاء المثل في الخلقة والهيئة فيجب نظيره من النعم.

وأمّا أصحابنا فقسموا الصيد إلى ما له مثل من النعم كالنعامة مثلها البدنة والحمار الوحشيّ مثله البقرة والظبي مثله الشاة فهذا يجب فيه مماثله وإلى ما لا مثل له من النعم فمنه ما عيّن جزاؤه فيجب ذلك المعيّن ومنه ما لم يعيّن فيجب فيه القيمة.

٦ ـ على قولنا وقول الشافعيّ هل المماثلة شخصيّة فيفدي الصغير بصغير والكبير بكبير والذكر بذكر والأنثى بالأنثى أو نوعيّة فيجزئ الصغير عن الكبير والذكر عن الأنثى احتمالان والثاني أظهر في الفتوى لكنّ الأفضل الأوّل لتيقّن حصول البراءة نعم لا يجزي المعيب عن الصحيح ويجزي عن مثله بعينه فلا يجزي الأعرج عن الأعور وإذا كان المقتول حاملا فداه بحامل لا بحائل ومع التعذّر يقوّم الجزاء حاملا.

__________________

(١) رواه الزمخشري في الكشاف ذيل الآية ج ١ ص ٣٦٤.

٣٢٤

٧ ـ يجب أن يحكم في ذلك الجزاء بالمماثلة والتقويم « ذَوا عَدْلٍ » أي رجلان صالحان فقيهان عارفان بالصيد ومثله وقيمة مثله ولو كان أحدهما القاتل جاز إن كان القتل خطأ ولا كذا لو كان عمدا لأنّه فاسق وفي قراءة الباقر والصادق عليهما‌السلام « ذو عدل » وفسّر بالإمام (١) وقال ابن جنّي أراد من يعدل و « من » يكون للاثنين كما يكون للواحد كقول الشاعر « نكن مثل من يا ذئب يصطحبان » (٢) وقوله « منكم » أي من المسلمين.

وهنا سؤال تقريره أنّ العدالة تستلزم الإسلام وذكرها يغني عن ذكره فلم قال « منكم » والجواب أنّه زيادة في الإيضاح أو لئلّا يتوهّم جواز حكم العدل في دينه وإن لم يكن مسلما.

٨ ـ « هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ » قيل معناه يذبح [ الهدي ] في الحرم وأمّا الصدقة به ففي الحرم أيضا عند الشافعيّ وعند أبي حنيفة حيث يشاء وأمّا أصحابنا فقالوا إن كان في إحرام العمرة ذبح في الحرم بفناء الكعبة في الحزورة وتصدّق به هناك وإن كان في إحرام الحجّ ذبح بمنى وتصدّق به فيها.

٩ ـ قال أصحابنا : إذا قتل نعامة كان عليه بدنة فان عجز قوّم البدنة وفضّ ثمنها على البرّ وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع فلو لم يف بالستّين كفاه ولو زاد لم يلزمه الزائد وكان له فان عجز عن الإطعام صام عن كلّ مسكين يوما ولو قتل حمارا وحشيّا أو شبهه فعليه بقرة أهليّة ومع العجز يفضّ ثمنها على

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٤٤ ، فيه أربعة أحاديث أولها : عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله « يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ » قال : العدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام من بعده ، ثم قال : وهذا مما أخطأت به الكتاب. أقول : يعنى من خطأ الكتاب رسمهم الالف الزائدة بعد واو الجمع هناك فكتبوا « ذو عدل » « ذوا عدل » ولما لم يكن الواو معهودا هناك جعلها القراء ألف تثنية.

(٢) من أبيات لفرزدق واسمه همام بن غالب التميمي يخاطب ذئبا أوله : تعال ( تعش خ ل ) فان عاهدتنى لا تخوننى.

٣٢٥

ثلاثين والحكم كما تقدّم وإن قتل ظبيا فعليه شاة ومع العجز يفضّ ثمنها على عشرة والحكم أيضا كما تقدّم والعبرة بقيمة هذه النعم في منى إن كان في حجّ وفي مكّة إن كان في عمرة.

قالوا وأمّا غير هذه الثلاثة فما قدّر فيه جزاء فقيمة الجزاء مع التعذّر وقت الإخراج وما لم يقدّر فيه جزاء فقيمة الصيد وقت إتلافه.

١٠ ـ هل الإبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير لظاهر الآية لمكان « أو » أو على الترتيب حتّى لا ينتقل إلى الإطعام إلّا مع العجز عن البدنة وشبهها ولا ينتقل إلى الصوم إلّا مع العجز عن الإطعام؟ قولان : قال أبو حنيفة والشافعيّ وبعض المفسّرين بالأوّل وقال ابن عباس في إحدى الروايتين وجماعة بالثاني وكلا القولين رواه أصحابنا فقال المفيد وابن إدريس بالتخيير والشيخ وابن بابويه بالترتيب والعمل به أحوط لحصول تيقّن البراءة وعلى القول الأوّل قيل التخيير للقاتل وهو الأقوى وقيل للحكمين.

١١ ـ قد حكينا عن أصحابنا أنّ التقويم إنّما هو للنعم وبه قال عطا وجماعة وقال قتادة يقوّم الصيد المقتول حيّا ويجعل ثمنه طعاما وكذا اختلف في الصيام فقال الشافعيّ يصوم عن كلّ مدّ يوما وبه قال عطا وقال أصحابنا عن كلّ مدّين يوما وبه قال أبو حنيفة وجماعة.

قوله « أَوْ عَدْلُ ذلِكَ » أي عدل الإطعام وقرئ شادّا عدل بكسر العين ويستعمل الكسر في المساوي مقدارا والفتح في المساوي حكما وإن لم يكن من جنسه.

قوله « لِيَذُوقَ [ وَبالَ أَمْرِهِ ] » متعلّق بقوله « فجزاؤ » أي فعليه كذا ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام والوبال المكروه والضرر في العاقبة ومنه قوله ( فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً ) (١) والطعام الوبيل ما يثقل على المعدة.

قوله « عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ » أي سلف قبل نزول [ هذه ] الآية وقيل قبل مراجعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله وقيل قبل الإسلام ويمكن أن يفهم من قوله « لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ »

__________________

(١) المزمل : ١٦.

٣٢٦

أنّ الكفّارة تقع عقوبة لا مكفّرة وهذا ظاهر من التعليل.

١٢ ـ « وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ » أي ومن عاد إلى قتل الصيد بعد هذا النهي فهو ممّن ينتقم الله منه وهل ذلك مانع من وجوب الكفّارة عليه أم لا قال ابن عباس نعم وبه قال أكثر أصحابنا وقال الحسن وابن جبير وعامّة الفقهاء لا بل تجب وبه قال بعض أصحابنا وهو الحق.

وتحقيق الكلام في هذا الباب أن نقول : إذا تكرّر في عامين في إحرامين لا كلام في لزوم الكفّارة أمّا في العام الواحد في إحرامين فيحتمل أن يكون كالأوّل أعني لزوم الكفّارة لتحقّق الإحلال بينهما وهو الظاهر وأن لا يكون فيقع فيه الخلاف. ثمّ التكرار أقسام : الأوّل : خطأ أو سهو عقيب عمد. الثاني : خطأ أو سهو عقيب مثلهما ، ولا كلام ولا خلاف في لزوم الكفّارة فيهما ، الثالث : عمد عقيب خطأ أو سهو. الرابع : عمد عقيب عمد وفيهما الخلاف فقال المرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس والشيخ في الخلاف والمبسوط بلزوم الكفّارة لعموم « وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً » وهو عامّ بحسب الأشخاص وقوله « وَمَنْ عادَ » غير صالح للتخصيص إذ لا منافاة بينهما الّتي هي شرط في التخصيص لما قرّرناه من قبل أنّ الكفّارة عقوبة فلا يكون منافية للانتقام ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ابن أبي عمير « عليه كلّما عاد كفّارة » (١) وهي عامّة بحسب الزمان وقوله عليه‌السلام أيضا في حسنة معاوية ابن عمّار « عليه الكفّارة في كلّ ما أصاب » (٢) وهي عامّة بحسب الأحوال إن كانت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٩٥ والمنقول صدر الحديث وتمام لفظه : قال ابن أبي عمير عن بعض أصحابه : إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة وإذا أصابه متعمدا فان عليه الكفارة ، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه الكفارة ، وهو ممن قال الله عزوجل « وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ » ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أصاب المحرم الصيد خطا فعليه كفارة فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن

٣٢٧

ما مصدريّة وبحسب أشخاص المصيد إن كانت موصولة أو موصوفة.

وقال الشيخ في النهاية وابن البرّاج لا يلزم العائد كفّارة لقوله « وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ » والتفصيل قاطع للشركة فكما لا انتقام في الأوّل فلا جزاء في الثاني والجواب قد بيّنّا أنّه لا منافاة بينهما وأنّ الكفّارة عقوبة لقوله تعالى « لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ » ولأنّ التكرار في الخطاء لازم قطعا فيكون في العمد أولى من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

قوله « وَاللهُ عَزِيزٌ » أي ليس ممّن يعصى ويغلب بل هو الغالب على من سواه « ذُو انْتِقامٍ » أي ليس ممّن يجهل السياسة ويهمل تأديب من يحتاج إلى التأديب بل ينتقم منه بقدر الاستحقاق.

الثالثة ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (١).

حيوان البحر (٢) ما لا يمكن أن يعيش إلّا في الماء فقيل كلّه حلال لقوله عليه‌السلام « هو الطهور ماؤه والحلّ ميتته » (٣) وهو مذهب الشافعيّ ومالك وقيل يحلّ السّمك وماله مثل في البرّ يؤكل وقال أبو حنيفة لا يحلّ إلّا السّمك وعندنا لا يحلّ إلّا سمك له فلس لا غير والمراد بطعامه قيل هو ما قذفه البحر ميّتا وهو باطل عندنا وعن ابن عبّاس أنّه المملوح وهو الموافق لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام وإنّما سمّي طعاما لأنّه يدّخر ليطعم فيصير كالمقتات من الأغذية فعلى هذا الصيد ما كان

__________________

ينتقم الله منه والنقمة في الآخرة ، ولم يكن عليه الكفارة. ( راجع الوسائل ب ٤٨ ح ٣ من أبواب كفارات الصيد ) فكما ترى الحديث نص في المقام يفصل بين العود خطا وبين العود عمدا فهو المحكم.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٣٩٥ والمنقول صدر الحديث وتمام لفظه : قال ابن أبي عمير عن بعض أصحابه : إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة وإذا أصابه متعمدا فان عليه الكفارة ، فإن عاد فأصاب ثانيا متعمدا فليس عليه الكفارة ، وهو ممن قال الله عزوجل « وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ » ورواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أصاب المحرم الصيد خطا فعليه كفارة فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه والنقمة في الآخرة ، ولم يكن عليه الكفارة. ( راجع الوسائل ب ٤٨ ح ٣ من أبواب كفارات الصيد ) فكما ترى الحديث نص في المقام يفصل بين العود خطا وبين العود عمدا فهو المحكم.

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) صيد البحر حيوان لا يمكن ، خ.

(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٣٣١ ، وقد مر في كتاب الطهارة ص ٣٨.

٣٢٨

طريّا والطعام ما كان مملوحا.

قوله « مَتاعاً » بمعنى تمتيعا كالسراح بمعنى التسريح والسلام بمعنى التسليم وهو مفعول له أي أحلّ لكم تمتيعا أي لأجل تمتيعكم وانتفاعكم والسيّارة المسافرون يتزوّدون من السّمك طريّا وقديدا وصيد البرّ ما يبيض ويفرخ في البرّ وإن كان يعيش في بعض الأوقات في الماء.

ثمّ اعلم أنّه لا خلاف [ في ] أنّ ما صاده المحرم فهو حرام عليه وعلى غيره من محرم آخر وأمّا ما صاده المحلّ فعندنا يحرم أيضا على المحرم وبه قال ابن عمر وابن عبّاس وقال عطا ومجاهد وابن جبير : لا يحرم إلّا أن يدلّ عليه أو يشير إليه وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وعند مالك والشافعيّ وأحمد : لا يباح له ما صيد لأجله وكذا الخلاف فيما صاده المحرم قبل إحرامه وما قلناه في المسئلتين دليله ظاهر فانّ المراد بالصيد هنا المصيد لا الاصطياد وإلّا لزم أن لا يحرم ما صاده المحرم لكنّه يحرم بلا خلاف وقد تقدّم هذا.

واعلم أنّ مذهب أصحابنا أنّه يحرم على المحرم مطلقا مصيد البرّ اصطيادا وأكلا وذبحا وإشارة ودلالة [ عليه ] وإغلاقا وبيعا وشراء وتملّكا وإمساكا وإغراء للحيوان به ويمكن أن يستدلّ على ذلك كلّه بقوله « وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً » وعلى هذا يظهر أنّه لا تكرار لتحريم الصيد على المحرم بل المذكور ثانيا أعمّ.

فائدة : الحرم يحرّم أيضا ما حرّمه الإحرام من المصيد إلّا أكل ما صيد خارج الحرم فإنّه مباح للمحلّ في الحرم ويمكن أن يستدلّ على الحكم الأوّل بالآية الاولى وهي قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ » لعموم حالتي الإحرام ودخول الحرم وغيرهما فيخرج الثالث بالإجماع فيبقى الأوّلان داخلين تحت العموم ومنهم من استدلّ بقوله « وَأَنْتُمْ حُرُمٌ » وبقوله « ما دُمْتُمْ حُرُماً » فانّ الحرم جمع حرام ويقال رجل حرام ومحرم ، وأحرم إذا أهلّ بالحجّ أو العمرة

٣٢٩

وأحرم إذا دخل الحرم وأحرم [ إذا ] دخل في الشهر الحرام وفيه ضعف.

وللصيد أحكام وتفاصيل مستفادة من البيان النبويّ مذكورة في كتب الفقه فليطلب هناك.

الرابعة ( جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ ) (١).

قد تقدّم شي‌ء من بحث هذه الآية في الصلاة (٢) بقي هنا فوائد :

١ ـ قيل معنى قوله « قِياماً لِلنّاسِ » أي في معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح عنده التجّار ويكثر مكاسبهم ، الحاصل ذلك من الاجتماع عندها من سائر أطراف الأرض. وقيل معناه لو تركوه عاما واحدا لا يحجّونه لهلكوا رواه علي بن إبراهيم عنهم عليهم‌السلام « قال ما دامت الكعبة يحجّ الناس إليها لم يهلكوا فإذا هدمت أو تركوا الحجّ هلكوا » (٣).

٢ ـ « الشَّهْرَ الْحَرامَ » اللّام فيه للجنس وهو أربع ثلاثة سرد [ وهو ] ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم وواحد فرد وهو رجب وهي الأشهر الحرم المشار إليها في قوله « مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ » (٤) وسمّيت بذلك لتحريمهم القتال فيها وكانوا ينصلون أسنّتهم ويتفرّغون لمعايشهم وصلاح أحوالهم.

٣ ـ « وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ » أي وجعل الهدي والقلائد مشروعين لانتفاع

__________________

(١) المائدة : ٩٧.

(٢) راجع ص : ٩٢.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ٢٤٧.

(٤) براءة : ٣٣.

٣٣٠

المحاويج والمساكين ، والقلائد البدن وشبهها الّتي علّق عليها النعل لتتميّز عن غيرها ويعلم أنّها صدقة.

٤ ـ « ذلِكَ لِتَعْلَمُوا » أي جعل ذلك لتعلموا بمعنى أنّكم إذا اطّلعتم على الحكمة في جعل الكعبة قياما للنّاس وما في معنى الحجّ إليها وحكمة مناسك الحجّ وكيفيّتها علمتم أنّ الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض من الجواهر والأجسام والأعراض كلّيّاتها وجزئيّاتها لاستحالة صدور تلك الحكم عمّن يجهل الأشياء وتلك الحكم وإن لم تعلم تفصيلا فهي معلومة إجمالا من كون الأحكام إنّما شرّعت لدفع المضارّ وجلب المنافع أو لكونها ألطافا في العقليّات أو في غيرها من الشرعيّات.

قوله « وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ » تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد إطلاق وهو من أحسن الانتقالات في الكلام.

الخامسة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا ) (١).

قيل نزلت في رجل يقال له الحطم بن هند البكريّ حين أتى النبيّ وخلّف خيله خارج المدينة فقال له : إلى ما تدعو [ الناس ] قال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال حسن فأنظرني لعلّي أسلم ولي من أشاوره وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال لأصحابه : يدخل عليكم اليوم من يتكلّم بلسان شيطان فلمّا خرج قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد دخل بوجه كافر وخرج بعزم غادر فمرّ بسرح من سروح المدينة فساقه وانطلق به وهو يرتجز [ شعرا ] :

قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

__________________

(١) المائدة : ٢.

٣٣١

ولا بجزّار على ظهر وضم

باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم

خدلّج الساقين ممسوح القدم

ثمّ أقبل من عام قابل حاجّا قد قلّد هديا فأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبعث إليه فنزلت : ولا آمّين [ البيت ] ». (١)

وقيل : إنّه لم ينسخ من هذه السورة أعني المائدة غير هذه وعن الحسن ليس في المائدة منسوخ وقد تقدّم ذكر الشهر الحرام والقلائد ، وقيل الشعائر هنا جميع معالم الحلال والحرام والمراد بإحلالها عدم العمل بمقتضاها وإبطالها وقيل المراد مناسك الحجّ وقيل الحرم وقيل معالمه وإحلال الشهر الحرام هو إباحة القتال فيه وإحلال الهدي والقلائد عدم صرفها في جهاتها أو منع أهلها من ذلك بالصدّ أو الغصب أو السرقة وعطف القلائد على الهدي وهي من جملته لأنّها أشرف أقسامه.

« وَلَا آمِّينَ » أي قاصدين البيت وهو أعمّ من أن يكونوا مسلمين أو كفّارا فإنّ الكفّار كانوا يحجّون في الجاهليّة ثمّ نسخ ذلك ب ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٢) وبقوله ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (٣).

قوله « يَبْتَغُونَ » إلى آخره جملة وقعت صفة لآمّين أي يطلبون « فَضْلاً » هو الربح في التجارة « وَرِضْواناً » أي رضا منه تعالى بنسكهم ، وصفهم الله بما كانوا يظنّونه في أنفسهم من أنّهم على سداد في الدّين وأنّ حجّهم يقرّبهم إلى الله وقيل لم ينسخ من هذه الآية شي‌ء لأنّه لا يجوز أن يبدأ المشركون بالقتال في الأشهر الحرم إلّا إذا قاتلوا قاله ابن جريج وهو المرويّ عن الباقر عليه‌السلام (٤) وهو أيضا موافق لما ورد « أنّ المائدة

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٤ ، مجمع البيان ج ٣ ص ١٥٣ عن تفسير السدى.

(٢) براءة : ٥.

(٣) براءة : ٢٨.

(٤) مجمع البيان ج ٣ ص ١٥٥.

٣٣٢

آخر ما نزلت » (١) وقال عليه‌السلام « أحلّوا حلالها وحرّموا حرامها » (٢) وأيضا أنّ التخصيص خير من النسخ.

قوله تعالى ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) أمر إباحة بعد أن كان الصيد حراما في حال الإحرام قوله « وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ » أي لا يحملنكم على الجرم ومن قرأ يجرمنّكم بضمّ الياء جعله متعدّيا لأنّ جرم مثل كسب يتعدّى إلى مفعول واحد فإذا أريد تعديته ادخل عليه الهمزة يقال أجرمته أي حملته على الجريمة ومراده لا يحملنكم بغض قوم لأنّهم صدّوكم عن المسجد الحرام على أنّكم تعتدون وتتجاوزون حكم الله. وباقي مقصد الآية ظاهر.

السادسة ( ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٣).

الأحسن في « ذلك » أن يكون فصل خطاب كقوله أيضا ( وَإِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ) (٤) قوله ( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ ) ابتداء كلام وحرمات الله ما حرّمه الله من ترك الواجبات وفعل المحرّمات ومثله قوله ( ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٥) وتعظيم الحرمات والشعائر هو اعتقاد الحكمة فيها وأنّها واقعة على الوجه الحقّ المطابق ولذلك نسبها إلى القلوب ويلزم من ذلك الاعتقاد شدّة التحرّز من الوقوع فيها وجعلها كالشي‌ء المحتمى عنه كالمرعى الوبيل وإلى هذا المعنى أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث : « ألا وإنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه (٦) وقيل حرمات الله خمس البيت الحرام

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ وقد مر ص ٨ فراجع.

(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ وقد مر ص ٨ فراجع.

(٣) الحج : ٣٠.

(٤) ص : ٥٥.

(٥) الحج : ٣٢.

(٦) صحيح البخاري ج ١ ص ١٩.

٣٣٣

والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والحرم وهنا فوائد :

١ ـ قوله « وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ » أي حال إحرامكم وليس حكمها حكم الصيد « إِلّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » أي إلّا ما حرّمه الله في المائدة من الميتة والدّم وسيجي‌ء ذكرها مفصّلة.

٢ ـ « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ » لمّا كان الرجس أعمّ من الأوثان أتى بمن المبيّنة وهو إشارة إلى الشرك بالله وقيل « قَوْلَ الزُّورِ » هو الشرك بالله أيضا عطفه عليه لمغايرتهما بالاعتبار فإنّ المشرك قائل بالزور لأنّه يكذّب على الله وقيل هو أعمّ من ذلك وهو شهادة الزور وقيل هو أعمّ من ذلك وهو الكذب مطلقا والبهتان وقيل هو قول الجاهليّة :

« لبّيك لا شريك لك. إلّا شريك هو لك. تملكه وما ملك »

٣ ـ قيل قوله « فَهُوَ خَيْرٌ » ليس هو للتفضيل بل هو اسم نكرة وتنكيره للتعظيم وقيل بل هو أفعل التفضيل لأنّه حقيقة فيه وهو الأجود.

السابعة ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) (١).

عطف المضارع على الماضي لأنّ المراد من شأنهم الصدّ وقيل كفروا في الماضي وهم الآن يصدّون إشارة إلى صدّهم له عليه‌السلام عام الحديبية والإلحاد الميل عن القصد ومنه اللحد لأنّه مائل عن سمت القبر وهنا مسائل :

١ ـ قيل المسجد الحرام هو المسجد نفسه وبه قال الشافعيّ وبعض أصحابنا وقيل بل مكّة كلّها لقوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

__________________

(١) الحج : ٢٥.

٣٣٤

[ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ] ) (١) وكان الإسراء من مكّة لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بيت خديجة وقيل في الشعب أو في بيت أمّ هانئ وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحابنا ويتفرّع على هذا جواز بيع بيوت مكّة وجواز سكنى الحاجّ فيها وإن لم يرض أهلها فعلى الأوّل يجوز (٢) لعدم تناول النصّ لها وعلى الثاني لا يجوز لقوله « سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » والعاكف المقيم والبادي الطاري ويضعّف الثاني بأنّه على تقدير صحّة النقل فالتسمية مجاز والأصل في الكلام الحقيقة فلذلك نقل عن بعض الصحابة أنّه اشترى فيها دارا وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « ما ترك لنا عقيل من دار ».

٢ ـ قوله « وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ » مفعول يرد محذوف و « بِإِلْحادٍ » و « بِظُلْمٍ » صفتان له اقيما مقامه أي من يرد فيه أمرا بإلحاد وبظلم فقيل الإلحاد هو الميل عن قانون الأدب كالبزاق وعمل الصنائع وغيرهما والظلم ما يتجاوز فيه قواعد الشرع والحاصل من هذا القول أنّ الإلحاد فعل المكروهات والظلم فعل المحرّمات وقيل هو قول لا والله وبلى والله وقيل هو الاحتكار وهو بناء على أنّ المراد بالمسجد مكّة وقيل هو دخولها بغير إحرام.

٣ ـ يمكن أن يستفاد من الآية أنّ من أحدث في الحرم ما يوجب حدّا أو تعزيرا يعاقب زيادة على ذلك لقوله « نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ».

الثامنة ( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (٣).

« بَلَداً آمِناً » تسمية المحلّ باسم الحالّ فيه فإنّ الا من في الحقيقة هو أهل البلد فهو كقولهم فلان ليله قائم ونهاره صائم ويحتمل أن يكون تقديره ذا أمن

__________________

(١) اسرى : ١.

(٢) يعنى يجوز بيع بيوت مكة ويتفرع عليه عدم جواز سكنى الحاج فيها من دون رضايتهم ، وكلامه رحمه‌الله لا يخلو من تخليط.

(٣) البقرة : ١٢٦.

٣٣٥

كقولهم لابن وتأمر أي ذو لبن وذو تمر « وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ » دعاء لهم بالرفاهية وطيب العيش لأنّه أسكنهم بواد غير ذي زرع قوله « مَنْ آمَنَ » بدل من « أهله » بدل البعض من الكلّ وفيه تصريح بأنّه خصّ دعاءه بالمؤمنين فقال الله سبحانه في جوابه ( وَمَنْ كَفَرَ [ فَأُمَتِّعُهُ ] ) » أي وأرزق من كفر أيضا على وجه الاستدراج لأنّي خلقتهم والتزمت برزقهم فيكون « مَنْ كَفَرَ » في موضع النصب ويجوز أن يكون « من » للشرط ولذلك دخل الفاء على خبره وعلى الأوّل الفاء للاستيناف قوله « ثُمَّ أَضْطَرُّهُ » إنّما أتى بكلمة التراخي إشعارا بأنّ زمان تمتيعه ليس قليلا لا تقوم فيه الحجّة بل هو طويل والاضطرار يقع بعد مهلة وقال « أَضْطَرُّهُ » لأنّه تعالى إذا علم عدم انتفاعهم بالآيات ودلائل العقل والألطاف والزواجر تركهم في يد الطبيعة حتّى تجرّهم إلى أسفل سافلين ولا ريب أنّ الشي‌ء يجب وجوده عند سببه التامّ وهو معنى الاضطرار والسبب هو دواعي الطبيعة وعدم مواقع الألطاف الإلهيّة.

إذا تقرّر هذا فنقول هنا فوائد :

١ ـ قيل المراد بالأمن هنا هو أنّه لا يصاد صيده ولا يقطع شجره ولا يختلا خلاه وإلى هذا أشار الصادق عليه‌السلام « من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يوذى حتّى يخرج من الحرم » (١) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الفتح « إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النهار » (٢) وقيل : المراد الأمن من الجدب والقحط لأنّه أسكنهم بواد غير ذي زرع.

٢ ـ في الآية دلالة على جواز سؤال الله تعالى الرزق وتوسعته بل سؤال الرفاهية في المعيشة وحسن الحال وطيب المآكل لقوله « مِنَ الثَّمَراتِ » إذ لو كان المراد القوت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٢٦ الرقم ١.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ٣١٥. وروى من طرقنا في الكافي ج ٤ ص ٢٢٥ ٣.

٣٣٦

وهو ما يسدّ الخلّة لما أحوج إلى ذكر الثمرات وعن الصادق عليه‌السلام : هو ثمرات القلوب أي حبّبهم إلى الناس ليثوبوا إليهم وعن الباقر عليه‌السلام أنّ المراد أنّ الثمرات تحمل إليهم من الآفاق وقد استجاب الله له حتّى لا يوجد في بلاد الشرق والغرب ثمرة إلّا وتوجد فيها حتّى حكى أنّه يوجد فيها في يوم واحد فواكه ربيعيّة وصيفيّة وخريفيّة وشتائيّة.

٣ ـ الوصف لمكّة بالأمن وللبيت أيضا والدعاء لأهلها بكثرة الرزق وغير ذلك من النعم أمور مشعرة بأفضليّتها وأفضليّة المجاورة فيها وحينئذ يرد سؤال وهو أنّه لم كانت المجاورة فيها مكروهة فيجاب بأنّه ذكر للكراهية أسباب الأوّل خوف عدم احترامها وسقوط محلّها من القلوب الثاني حذر مقارفة الذنب فيها فإنّه عظيم موجب لتضاعف العقاب الثالث أنّ المداومة على صحبتها يورث الملالة ومفارقتها تبعث على الشوق إليها والحصول بها.

٤ ـ قيل إنّ مكّة كانت آمنة قبل دعوة إبراهيم عليه‌السلام من لدن آدم عليه‌السلام من الخسف والزلازل والطوفان وغيرها من أنواع المهلكات وإنّما تأكّد ذلك بدعائه عليه‌السلام وقيل بل كانت قبل دعوته عليه‌السلام كسائر البلاد واستدلّ على ذلك بقول نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنّ إبراهيم عليه‌السلام حرّم مكّة وإنّي حرّمت المدينة » (١).

التاسعة ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٢).

« يرفع » فعل مضارع وقع حكاية حال [ الماضي ] وقيل إنّه خبر يراد به الأمر وليس بشي‌ء لأنّه مجاز والأصل عدمه و « القواعد » جمع قاعدة وهي السافات ولذلك

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٤ ، مجمع الزوائد ج ٣ ص ٣٠١ و ٣٠٣. واللفظ في مجمع البيان ج ١ ص ٢٠٦.

(٢) البقرة : ١٢٧.

٣٣٧

جمعها فإنّ كلّ ساف قاعدة بالإضافة إلى ما فوقه وبناء بالإضافة إلى ما تحته ومعنى يرفع أي يثبت ويبني فإنّ كلّ ساف إذا فرغ منه يتّصف بالثبوت ورفع البناء أمر لازم لثبوته فأطلق اللازم وأراد ملزومه وهو أفصح من قولنا يبني على القواعد ولم يقل قواعد البيت لأنّ البيان بعد الإبهام أفصح من البيان ابتداء لأنّ الإبهام يوجب ألما والبيان يوجب لذّة واللذّة بعد الألم أقوى « وإسماعيل » مرفوع بالابتداء وخبره محذوف تقديره وإسماعيل يناوله والواو للحال وحذف الخبر للعلم به فانّ بناء البيت يحتاج إلى من يناول ما يبنى به « ربّنا » أي قائلين ربّنا وكذلك قرأ عبد الله ابن مسعود (١) « إنّك أنت السميع » أي لدعائنا « العليم » بضمائرنا ونيّاتنا.

وهنا فوائد :

١ ـ قال مجاهد إنّ أوّل من بناه إبراهيم عليه‌السلام ولذلك قال الحسن إنّ أوّل من حجّ البيت إبراهيم والقولان ضعيفان والحقّ أنّ البيت كان قبل إبراهيم عليه‌السلام فقد روي « أنّ الله أنزله ياقوتة من يواقيت الجنّة له بابان [ من زمرّد ] شرقا وغربا وقال الله لآدم عليه‌السلام قد أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي فتوجّه آدم عليه‌السلام من الهند يمشي إلى مكّة فتلقّته الملائكة فقالوا برّ حجّك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام » وقيل حجّ آدم عليه‌السلام أربعين حجّة على رجليه من الهند وفي رواياتنا عن الباقر عليه‌السلام « أتى آدم هذا البيت ألف أتية على قدميه منها سبعمائة حجّة وثلاثمائة عمرة وكان يأتيه من ناحية الشام وكان يحجّ على ثور » (٢).

٢ ـ لمّا كان الطوفان رفع البيت إلى السماء الرابعة وهو البيت المعمور ثمّ أمر الله إبراهيم عليه‌السلام فبناه وعرّفه جبرئيل مكانه وقيل بعث الله سبحانه سحابة أظلّته ونودي أن ابن على ظلّها لا تزد ولا تنقص وروي أنّه بناه من خمسة أجبل طور سينا وطور زيتا ولبنان والجوديّ وأسّه من حراء ثمّ جاءه جبرئيل عليه‌السلام بالحجر الأسود من السماء وقيل تمخّض أبو قبيس فانشقّ عنه وكان مخبّئا فيه أيّام الطوفان

__________________

(١) فإنه قرأ : « ويقولان ربنا » الآية.

(٢) الوسائل ب ٤٥ من أبواب وجوب الحج ح ١٨ و ٣٤.

٣٣٨

وكان ياقوتة بيضاء ثمّ اسودّ بملامسة الحيّض له في الجاهلية (١).

٣ ـ في قوله « ربّنا تقبّل منّا » دلالة على أنّهما بنياه للعبادة لا للسكنى فانّ سؤال التقبّل لا يتصوّر إلّا فيما وقع عبادة واستدلّ بعض حشويّة العامّة بهذه الآية على أنّ الإجزاء قد ينفكّ عن القبول فانّ المجزئ ما وقع على الوجه المأمور به شرعا وبه يخرج عن العهدة والقبول ما يترتّب عليه الثواب فإنّهما عليهما‌السلام سألا التقبّل مع أنّهما لا يفعلان إلّا فعلا صحيحا مجزئا فكان ذلك السؤال لحصول استحقاق الثواب وهذا نظر فاسد فإنّ السؤال قد يكون بالواقع كما في قوله « ربّ احكم بالحقّ » أو يكون على وجه الانقطاع إليه تعالى.

العاشرة ( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ ) (٢).

هذا السؤال أيضا انقطاع إلى الله سبحانه ومرادهما اجعلنا منقادين لأوامرك ونواهيك وثبّتنا على الإسلام في المستقبل والتحقيق أنّ هذا الكلام يقع إمّا في حال السلوك فمعناه زدنا إذعانا وإخلاصا أو بعد الوصول فمعناه ثبّتنا و « من » هنا يحتمل التبيين والتبعيض وعلى التقديرين إنّما خصّا الذرّيّة لأنّهم أحقّ بالشفقة والنصيحة كما قال ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (٣) قيل أراد أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الصادق عليه‌السلام أراد بني هاشم خاصّة و « أرنا مناسكنا » أي عرّفنا مواضع عبادتنا في الحجّ فأجاب الله دعاءهما وبعث جبرئيل عليه‌السلام وأراهما المناسك من أوّلها إلى يوم عرفة فلمّا بلغ عرفات قال يا إبراهيم عرفت؟ قال نعم فسمّي الوقت عرفة والموضع عرفات « وتب علينا » من ترك ما هو الأولى بنا فعله كترك المندوبات والاشتغال بالمباحات لأنّ عصمتهما مانعة من الإقدام على معصيته.

__________________

(١) ترى روايات الباب في الدر المنثور ج ١ ص ١٢٥ ـ ١٣٦.

(٢) البقرة : ١٢٨.

(٣) التحريم : ٦.

٣٣٩

فائدة :قيل قوله ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (١) يريد بالحجّ يوم عرفة لأنّ موقف عرفة يسمّى الحجّ ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الحجّ يوم عرفة » (٢) وروي ذلك عن عليّ عليه‌السلام وقال عطا الحجّ الأكبر ما فيه الوقوف والحجّ الأصغر ما ليس فيه وقوف وهو العمرة وقيل يوم النحر عن عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس وروي عن الصادق عليه‌السلام (٣) وقيل جميع أيّام الحجّ وعن الحسن هو يوم اتّفق فيه ثلاثة أعياد عيد المسلمين وعيد اليهود وعيد النصارى روي أنّه لم يتّفق ذلك فيما مضى ولا يتّفق بعده إلى يوم القيامة.

كتاب الجهاد

وهو لغة فعال من الجهد وهو المشقّة البالغة والجهاد بكسر الجيم مصدر جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة وبفتح الجيم الأرض الصلبة والجهد بفتح الجيم وضمّها الطاقة ومنه قوله تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلّا جُهْدَهُمْ ) (٤) قرئ بهما وشرعا إن أخذ من الأوّل فهو بلوغ المشقّة في النفس والمال وإن أخذ من الثاني فهو بذل الطاقة من النفس والمال وعلى التقديرين فهو بذل النفس والمال لإعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان فيدخل في الأوّل قتال الكفّار وفي الثاني قتال البغاة وهو من أعظم أركان الإسلام قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه برّ » (٥) وقال عليّ عليه‌السلام « ألا وإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لأوليائه » (٦) هذا وهو من فروض الكفايات لم نسمع وجوبه

__________________

(١) براءة : ٣.

(٢) أخرجه في المستدرك ج ٢ ص ١٦٦ عن غوالي اللئالى ولفظه الحج عرفة وقد مر ص ٣٠٣ وأنه رواه مجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٥١ عن ابن عباس ولفظه الحج عرفات.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٧٦.

(٤) براءة : ٨٠.

(٥) الوسائل ب ١ من أبواب جهاد العدو ح ٢١.

(٦) نهج البلاغة الخطبة ٢٧.

٣٤٠