كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

الترتيب وإلّا لكان خلافه متعيّنا وهو باطل (١).

أخرى : إن كان الأمر للفور فالموالاة واجبة قطعا ، وإلّا فمستفادة

__________________

من قائل ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) إذ أطلق الأمر بالتّيمّم مع فقد الماء.

واحتجّ أبو حنيفة والثّوري ومن رأى رأيهما بما روى عن ابن مسعود من طريقين أوّلهما : عن ابن عبّاس عن ابن مسعود : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له ليلة الجن : معك ماء قال : لا الّا نبيذا في سطيحة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تمرة طيبة وماء طهور ، صب علىّ فصببت عليه فتوضّأ به ـ سنن ابن ماجه ج ١ ص ١٣٦ رقم ٣٨٥ ـ وصرّح محمّد فؤاد عبد الباقي بضعفه لأنّ في سنده ابن لهيعة. والطّريق الثّاني ينتهي الى ابى زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليلة الجن : عندك ماء قال : لا الّا نبيذا في اداوة قال : تمرة طيبة وماء طهور فتوضّأ. أخرجه ابن ماجه رقم ٣٨٤ ص ١٣٥ وصرّح بضعفه محمّد فؤاد عبد الباقي. والترمذي وأبو داود في سننه ـ ص ٢٠ ج ١ ـ وليس فيما رواه أبو داود فتوضّأ. صرّح بضعف الحديث محمّد فؤاد عبد الباقي في شرحه على ابن ماجه. وشرح احمد محمد الشاكي في المجلد الأول من سنن الترمذي ص ١٤٧ و ١٤٨ شرحا مبسوطا في ضعف الرواية بابن زيد. فكيف يمكن الاستناد بمثل هذا الحديث على الحكم بما يخالف الكتاب. سلمنا لكن ليلة الجن كانت في مكة قبل الهجرة وآية التيمم مدنية بلا خلاف.

(١) قد أجمع الإمامية على اشتراط الترتيب على نسق ما هو مرتب في الآية الكريمة وبه قال الشّافعية مستظهرا بإفادة الواو التّرتيب ، كما عليه الكوفيّون ومن البصريّين قطرب وغير واحد من النحاة. وبما فصّله الإمام الرازي في تفسيره ولا يهمّنا التّعرض له. والقول بإفادة الواو التّرتيب ، والاستدلال به على وجوب الترتيب في الوضوء معروف عن الشافعي ، وليس في الأم ذلك فراجع ص ٣٠ ج ١. نعم فيه الاستدلال بقوله صلّى ـ الله عليه وآله : ابدؤا بما بدأ الله ، وهو استدلال جيّد لأنّ الحديث وإن كان في مناسك الحجّ الّا انّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد.

والحنابلة أيضا على وجوب التّرتيب وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وقد تنبّه ابن قدامة في المغني بأنّ قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا وضوء لا يقبل الله الصّلوة إلّا به ـ الوسائل ب ٣١ من أبواب الوضوء حديث ١١ ـ مع تسلّم الترتيب في الوضوء البياني المحكي عن

٢١

من خارج (١) كقوله تعالى ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٢) ونحوه.

٧ ـ ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) الجنب جنس يصدق على الواحد والجمع

__________________

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دالّ على وجوب التّرتيب.

وذهب المالكيّة والحنفيّة وسفيان الثوري وداود على عدم اشتراطه وعدم وجوبه واعتبروه سنّة لا يبطل الوضوء بمخالفتها وقالوا بصحّة وضوء المتعرض إن ابتدأ بغسل رجله اليسرى ونهيا من الوضوء بغسل وجهه على عكس الآية في كل أفعاله. فراجع البداية ج ١ ص ١٦ والمغني لابن قدامة ص ١٣٦ ج ١.

والاخبار عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام على لزوم التّرتيب مستفيضة راجع الوسائل. وقد اجتمعت الأمّة على انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتوضّأ قطّ الّا مرتّبا ، ولو لا اشتراط التّرتيب وافتراضه في الوضوء ، لخالفه ولو مرّة واحدة ، أو صرح بجواز المخالفة.

على انّ الأصل العملي يوجب إحراز الشّي‌ء المشكوك في شرطيّته لكونه من باب الشّك في المحصّل واستصحاب الحدث جار مع عدم إحرازه.

(١) وجوب الموالاة إجماعيّ كما عن الخلاف والمنتهى والتذكرة والمفاتيح والمدارك وغيرها ، وفسّرها الاخبار بعدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة. بهذا المفاد اخبار :

منها : صحيح معاوية قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما توضّأت فنفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت على ، فيجفّ وضوئي ، فقال عليه‌السلام : أعد. الوسائل ب ٣٣ من أبواب الوضوء الحديث ٣ ـ وفي الباب ستة أحاديث.

وذهب الشافعيّة والحنفيّة : الى انّ الموالاة ليست بفرض ولا بشرط ولا بواجب وانّما هي سنّة ، فيكره عندهم التّفريق بين الأعضاء بغير عذر.

وذهب المالكيّة : الى انّ الموالاة فرض مع الذّكر ساقطة مع النسيان والعذر البداية ج ١ ص ١٧ ولم يرو عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التّراخي في أفعال الوضوء ولو لا اشتراطها لتركها ولو مرّة واحدة ، أو صرّح بجواز تركها بيانا للحكم الشرعيّ. واستصحاب الحدث جار مع عدم إحراز شرط الوضوء. وقد تنبّه ابن قدامة في المغني ص ١٣٨ بأنّ عدم وضوئه الّا متواليا مع بيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كيفيّته وتفسير مجمله بفعله ، وامره ـ حيث أمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء ـ دالّ على لزوم الموالاة.

(٢) آل عمران ١٣٣.

٢٢

مذكّرا ومؤنّثا كعدل ورضى ، وهو اسم جرى مجرى المصدر ـ أعني الإجناب وهو لغة بمعنى الإبعاد ، وشرعا هو من بعد عن أحكام الطّاهرين ، إمّا لجماع أو خروج منيّ يقظة أو نوما قيل : الجملة معطوفة على ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) أي إذا قمتم إلى الصّلوة فإن كنتم محدثين فتوضّأوا وإن كنتم جنبا فاغتسلوا ، فعلى هذا الغسل واجب لغيره ولا يفتقر إلى ضمّ الوضوء ، لأنّه جعله قسيما له والأولى أنّها جملة شرطية معطوفة على مثلها. أي : يا أيّها الّذين آمنوا إن كنتم جنبا فاطّهّروا ، أي اغتسلوا وحينئذ يكون الغسل واجبا لنفسه لا للصّلوة ، لعدم تقييد ( فَاطَّهَّرُوا ) بالقيام إلى الصّلوة ، ويجب حصول المسبّب وهو الطّهارة عند حصول السّبب وهو الجنابة (١) ويؤيّد هذا قول علي عليه‌السلام في قضيّة الأنصار : أتوجبون عليه الحدّ والمهر ولا توجبون عليه صاعا من الماء (٢) وقول الصّادق عليه‌السلام : إذا أدخله فقد وجب الغسل. (٣) وغير ذلك (٤) وإنّما قلنا المراد اغتسلوا لأنّه أمر بالتّطهير على الإطلاق بحيث لم يكن مخصوصا بعضو معيّن فكان أمرا بتطهير كلّ البدن ، ولأنّ الوضوء لمّا كان مخصوصا ببعض الأعضاء ذكرها على التّعيين ، وهنا لمّا لم يذكر عضوا معيّنا علم إرادة الإطلاق ، ولأنّ المراد ليس هو

__________________

(١) وهو مختار العلّامة في المنتهى والمختلف والتّحرير ووالده وولده والأردبيلي وغيرهم ، وقد أوضح العلّامة البحث في المختلف ص ٢٩ ج ١ والمنتهى بما لا مزيد عليه ، ولم يأت متأخّر والمتأخّرين القائلون بعدم الوجوب النّفسي بشي‌ء يركن اليه النّفس فالحقّ ما اختاره قدس‌سره.

(٢) الوسائل ب ٦ من أبواب الجنابة ح ٥.

(٣) الوسائل كتاب الطّهارة ب ٦ من أبواب الجنابة ح ١.

(٤) مثل قوله عليه‌السلام إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ـ الوسائل أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢ ـ وقوله عليه‌السلام : في جواب ـ متى يجب الغسل على الرّجل والمرأة ـ : إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرّجم. الوسائل ب ٦ من أبواب الجنابة ح ٦. وقوله عليه‌السلام : إذا التقى الختان على الختان وجب الغسل. الوسائل باب ٦ من أبواب الجنابة ح ٣.

٢٣

الوضوء بالإجماع ، ولا هو مع الغسل ، وإلّا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه وهو باطل لما تقرّر في الأصول ، فلم يبق إلّا الغسل ، وكذا في قوله فيما بعد : ليطهّركم.

٨ ـ ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ). ذكر أمورا يباح عندها التيمّم :

أحدها : المريض المتضرّر باستعمال الماء أو العاجز عن السّعي إليه.

وثانيها : المسافر الّذي لا يجد الماء في سفره ، وعلى هنا تفيد الحال : أي حال سفركم ، كقولهم : زرت فلانا على شدّته أي على حال كربته ، وتخصيص السّفر للأغلبيّة لا لاختصاصه بالإباحة ، بل يباح سفرا وحضرا مع عدم الماء ، وبه قال مالك ، وقال الشّافعيّ : الحاضر يتيمّم ويعيد الصّلوة مع الوجدان. وقال زفر (١) بمنع التيمّم بل يصبر حتّى يجد الماء. وعن أبي حنيفة القولان. والحقّ ما قلناه من العموم ، إذ المفهوم المخالف ليس بحجّة والنصوص عامّة.

وثالثها : المجي‌ء من الغائط ، أي الموضع المطمئنّ من الأرض ، كنى بذلك عن الحدث : أي الخارج من دبر الإنسان من العذرة ، وسمّي شرعا غائطا تسمية الحالّ باسم محلّه. ومن للتّبيين : أي جاء موضعا من الغائط ، وعند الأخفش هي زائدة لتجويزه الزّيادة في الإثبات فلا حاجة عنده إلى تقدير المفعول والمعنى : إن كنتم محدثين بأحد الأحداث أي البول والغائط والرّيح ، وأو ، هنا بمعنى الواو ، وأمّا الحدث بغير الثلاثة فيستفاد من غير الآية (٢).

__________________

(١) مضى ترجمته ص ٩.

(٢) قد أجمعت الأمّة على ناقضيّة الأحداث الثلاثة : الرّبح والبول والغائط ، للوضوء وان اختلفوا في بعض الشقوق ، ولا يهمّنا التّعرض له والنّاقض للوضوء غير الثّلاثة عند الإماميّة انّما هو النّوم والمسكر بل كل مزيل للعقل وموجب الغسل ، وسيأتي في كلام المصنّف في تفسير الآية الثّانية الإشارة بناقضيّة المسكر وموجب الغسل فالّذي يحقّ علينا شرح ناقضيّة النّوم ومباحثه فنقول : الإماميّة على ناقضيّة النّوم الغالب على السّمع والبصر دون الخفقة والخفقتين ، وبه الرّوايات الواردة عن الأئمّة عليهم‌السلام ـ الوسائل ب ٣ من أبواب نواقض الوضوء

٢٤

ورابعها « أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ » قرأ الكسائي لمستم كقوله « لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ». والباقون لامستم بالألف لأنّ فاعل قد جاء بمعنى فعل كعاقب بمعنى عقب ، واللّمس والملامسة كنايتان عن الجماع ، قاله ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة وإنّما كنى به عنه لأنّه به يتوصّل إليه ، واختاره أصحابنا الإماميّة وقال الشّافعيّ : تلاقي بشرتي ذكر وأنثى مطلقا في غير المحارم موجب للوضوء. وقال مالك : إن كان ذلك بشهوة انتقض الوضوء وإلّا فلا. وقال أبو حنيفة إن انتشر عضوه انتقض وإلّا فلا. والحقّ الأوّل لإجماع أصحابنا ولقول الباقر عليه‌السلام وقد سئل عن معنى الآية : ما يعني

__________________

وربما نسب الى الصّدوق عدم النقض بالنّوم قاعدا مع عدم الانفراج ونسبته إليه أيضا في التزام ، ولعلّه لرواية رواه في الفقيه ، الّا انّ شهادة غير واحد من الأساطين بعدوله عمّا ذكر في صدر كتابه من انّه لا يذكر فيه الّا ما يعتمد عليه ويكون حجّة بينه وبين ربّه يريبنا في تلك النسبة فلا تغفل.

والأقوال الأخر يرتقي إلى ثمانية أقوال :

الأوّل : انّه ينقض الوضوء على اىّ حال. وهو محكيّ عن ابى موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وابى مجلز وحميد الأعرج.

الثّاني : انّه ينقض قليله وكثيره وهو مذهب الحسن البصري والمزني والقاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه. وهو قول غريب للشّافعي.

الثّالث : انّ كثير النوم ينقض وقليله لا ينقض ، وهذا مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك واحدى الرّوايتين عن احمد ، وهو مختار ابن قدامة في المغني.

الرّابع : إذا نام على هيئة من هيئات المصلّى كالرّاكع والسّاجد والقائم لا ينقض وان نام مضطجعا أو مستلقيا انتقض الوضوء ، وهو مذهب أبي حنيفة وداود وقول غريب للشّافعي.

الخامس : انّه لا ينقض الا نوم الرّاكع والسّاجد ونسب ذلك إلى أحمد وكذالك الى صاحب سبل السّلام ، والّذي في سبل السلام ص ٦٣ ج ١ اختيار نقض النّوم المستغرق.

السّادس : لا ينقض الّا نوم السّاجد روى ذلك أيضا عن احمد.

السّابع : انّه لا ينقض النّوم في الصّلوة وينقض النّوم خارج الصّلوة ، نسب ذلك الى

٢٥

إلّا المواقعة في الفرج (١) [ دون اللّمس ]. ووجه التّقسيم المذكور أنّ المرخّص له في التيمّم إمّا محدث أو جنب والحال المقتضية له في الغالب إمّا مرض أو سفر ، فكان المعنى إن كنتم جنبا أو محدثين أو كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء.

٩ ـ « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ » الفاء هنا ليست جوابا للشّرط بل عاطفة على كنتم ، لأنّ لم تقلب المضارع ماضيا وتنفيه ، بل الجواب فتيمّموا ، والمعنى : فلم تتمكّنوا من استعمال الماء ـ لأنّ الممنوع من الشي‌ء كالفاقد له ـ فتيمّموا أي فتعمّدوا واقصدوا صعيدا أي شيئا من وجه الأرض كقوله ( صَعِيداً زَلَقاً ) (٢) طيّبا أي طاهرا ولذلك قال أصحابنا : لو ضرب المتيمّم يده على حجر صلب ومسح أجزأه. وبه قال الحنفيّة. وقالت الشّافعيّة

__________________

زيد بن على وابى حنيفة.

الثّامن : انّه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينقض ، سواء قلّ أو كثر ، كان في الصّلوة أو خارجا عنها ، قاله النّووي وهذا مذهب الشّافعي. فراجع نيل الأوطار ج ١ ص ٢١٠ وشرح النّووي على صحيح مسلم ج ٤ ص ٧١ الى ٧٤.

ثمّ انّ نقض المزيل للعقل لعلّه مما اتّفقت عليه الأمّة حيث نقل الإجماع عليه غير واحد من الإماميّة ومن أهل السنّة قال النّووي في شرحه على صحيح مسلم ج ٤ ص ٤ : واتّفقوا على انّ زوال العقل بالجنون والإغماء والسّكر والخمر والنّبيذ أو البنج أو الدّواء ينقض الوضوء ، سواء قلّ أو كثر ، وسواء كان ممكن المقعدة أو غير ممكنها ، وفي اخبار الإماميّة أيضا ما يدلّ عليه.

واعلم انّ النّووي نقل من خصائص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لا ينقض وضوؤه بالنّوم مضطجعا ، لما عن ابن عبّاس قال : نام رسول الله حتّى سمعت غطيطه ثم صلّى ولم يتوضّأ. وخصائص النّبي الّتي ذكروها ممّا لم يثبت كلّها ، ولا يهمّنا البحث عنها وقد شرح العلّامة في تذكرته في كتاب النّكاح عدّة ممّا ادّعوه في خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(١) الوسائل ب ٩ من أبواب نواقض الوضوء ح ٤. والعيّاشي ج ١ ص ٢٤٣.

(٢) الكهف ٤١.

٢٦

لا بدّ أن يعلّق باليد شي‌ء لقوله « فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ». وفيه نظر لجواز أن يكون من هنا ابتدائيّة. (١) والوجه المراد به بعضه وهو الجبهة عند أكثر أصحابنا إمّا لكون الباء للتّبعيض أو للنّصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام فيمسح الجبهة إلى طرف أنفه الأعلى. وكذا المراد باليدين ظهر الكفّ من الزّند إلى أطراف الأصابع.

١٠ ـ ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

ختم الآية بثلاثة أحكام تشتمل على ذكر ألطاف عظيمة :

١ ـ : ما يريد بالأمر بالوضوء والغسل ثمّ التيمّم بدلهما إلّا التّوسعة عليكم والتّخفيف لا الحرج وهو التّضييق ، ومن ههنا مبيّنة ، وكذا اللّام في ليطهّركم لبيان المراد.

٢ – ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ). واختلف في هذا. فقال الحنفيّة : إنّ المحدث نجس نجاسة حكميّة فالتّطهير إزالة تلك النّجاسة ، ومنع الشّافعيّة من ذلك وقالوا لو كان نجسا حكما ، لكان مع كون أعضائه رطبة يتنجّس الملاقي بإصابتها ، ولكان إذا حمله إنسان وصلّى بطلت صلوته ، بل المراد طهارة القلب عن صفة التمرّد عن طاعة الله لأنّ الأمر بتطهير الطاهر يجعل العبد في مظنّة التمرّد ، لأنّه غير

__________________

(١) بل الحقّ ما عليه الشافعيّة من لزوم علوق شي‌ء من التّراب باليدين. وقد خالف صاحب الكشّاف الحنفيّ المذهب أبا حنيفة في تلك المسئلة وقال بلزوم العلوق ، وقال : لا يفهم العرب من قول القائل : مسحت برأسي من الدّهن الّا التّبعيض المستفاد من الآية ، وصحيحة زرارة في الوسائل باب ١٣ من أبواب التّيمّم ح ١ دالّة على لزوم العلوق ، وهو مختار شيخنا البهائي ووالده والمحدّث الكاشاني وصاحب الحدائق وابن الجنيد. ولا ينافيه استحباب نفض اليدين كما نطقت به الاخبار ، إذ ليس في الاخبار لزوم المبالغة في النفض ، والاجزاء الصغار لا تتخلّص بمجرّد حصول المسمّى ، ولا كفاية الضّربة الواحدة ، والحكم بجواز التّيمّم بالحجر مع وجود التّراب خلاف الاحتياط.

٢٧

معقول المعنى ، فإذا انقاد وتعبّد به زال عن قلبه آثار التمرّد ، وفيه نظر لأنّه جهل بحقيقة النّجاسة الحكميّة فإنّ الّذي ذكروه حكم النّجاسة العينيّة وأيضا الطّهارة الشّرعيّة حقيقة في إزالة النّجاسة الحكميّة لا غير ذلك ، فإذن الأولى ما قال الحنفيّة ، ويمكن أيضا أن يكون الثّاني مرادا.

٣ – ( وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) بشرعه لكم كيفيّة (١) أحكامه بتطهير أبدانكم وقلوبكم وما هو تكفير لذنوبكم. ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). لعلّة [ الغاية ] أنّكم تقومون بالشّكر على تلك النّعمة ، وفي ذلك إيماء إلى كون العبادات تقع شكرا ، وهو قول البلخي وتحقيقه في الكلام.

الثّانية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ) (٢).

الواو في وأنتم للحال وكذلك نصب جنبا بالعطف عليه ، وقرئ سكرى جمعا كهلكى ، والسّكر [ من السّكر ] بمعنى السدّ ، قيل : المراد : لا تقربوها ( وَأَنْتُمْ سُكارى ) من خمر أو غيره حتّى تعلموا ما تقولون ، والنّهي متوجّه إلى الثّمل أي الّذي لم يزل عقله بعد ، وقيل : المراد النّاعس ، وقيل : المراد النّهي عن السّكر نفسه أي : لا تسكروا وأنتم مخاطبون بالصّلوة ، وهما ضعيفان ، أمّا الأوّل : فلأنّه خروج عن الحقيقة ، وأمّا الثّاني : فلأنّ أكثر المفسّرين قالوا : نزلت قبل تحريم الخمر عندهم ، وأيضا النّهي هنا صريح عن قرب الصّلوة لا السّكر.

وقيل : المراد : لا تقربوا مواضع الصّلوة وهي المساجد وهو المرويّ عن

__________________

(١) في نسخة مخطوطة : ليفيد.

(٢) النّساء ٤٢.

٢٨

الباقر عليه‌السلام (١) وهو الحقّ ، ويؤيّده قوله تعالى ( إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ ). إذ العبور حقيقة في الجواز المكانيّ.

فعلى الأوّل يكون قوله « وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ » أي مسافرين سفرا يقع فيه التيمّم فتصلّون كذلك. وعلى الثّاني : إلّا مجتازين في المساجد من غير استقرار ، وهو مذهبنا ومذهب الشّافعيّة ، خلافا لأبي حنيفة فإنّه منع من الجواز إلّا إذا كان فيه الماء أو الطّريق ، وفيه دلالة على عدم جواز الاستقرار في المساجد وهو استثناء من قوله « لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ». أي لا تقربوا المساجد للصّلوة وغيرها إلّا عابري سبيل لكون الطّريق في المسجد ، وهذا العامّ مخصوص عندنا بما عدا المسجدين وأمّا هما فلا يجوز عبورهما ، وقد تقدّم في الآية الأولى تفسير باقي الأحكام.

واعلم أنّ عندنا أنّه إذا فقد الماء وجب طلبه في الحزنة غلوة سهم ، وفي السّهلة غلوة سهمين من أربع جوانب ليتحقّق عدم الوجدان ، ويجب ضربة واحدة للوضوء واثنتان للغسل. وقال أبو حنيفة والشّافعيّ : ضربتان فيهما للوجه ضربة ولليدين اخرى ، وكذا ، قال الشّافعيّ : إنّ المراد بالوجه كلّه ، وباليدين من رؤس الأصابع إلى المرفقين قياسا على الوضوء. ولما روي : أنّه عليه‌السلام تيمّم ومسح يديه إلى مرفقيه (٢). وروايات أهل البيت (٣) عليهم‌السلام تدفع ذلك.

وقوله تعالى ( إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً ). أي لم يؤاخذكم بذنوبكم فيشدّد

__________________

(١) الوسائل ب ١٥ من أبواب الجنابة ح ٢٠ والعيّاشي ج ١ ص ٢٤٣ رقم ١٣٨.

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ٧٩ والتّيسير ج ٣ ص ٨٧.

(٣) الوسائل ب ١١ و ١٢ و ١٣ من أبواب التّيمّم. وكفاك عطف الأيدي في الآية الشّريفة على الوجه المراد منه البعض بقرينة الباء كافي صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام ـ الوسائل أبواب التّيمّم ب ١٣ ح ١ ـ وإجماع الأمّة على قطع يد السّارق من فوق الرسغ الّا أنّ في صحيحة محمّد بن مسلم وصحيحة ليث ب ١٢ وموثّقة سماعة ب ١٣ ذكر الذّراع فما اختاره المحقّق قدس‌سره من جواز مسح الذّراع هو الاولى ، بل الحكم بالاستحباب لا يخلو عن قوّة ، وعلى كلّ حال الاقتصار في مسح اليدين على الكفّين مسلّم عند الإماميّة. نعم نسب الى علىّ بن بابويه وجوب مسح الذّراعين الى الذّراع احتياطا.

٢٩

عليكم التّكاليف كما شدّدها على اليهود من قبلكم ، بل يسرّها عليكم ورخّصها لكم.

وفي الآية أحكام كثيرة.

١ ـ : تحريم السّكر لكونه منافيا للواجب (١) ٢ ـ : نقضه الوضوء.

٣ ـ : إبطاله الصّلوة.

٤ ـ : وجوب قضاء صلاة وقعت حالة السّكر.

__________________

وذهب عطاء ومكحول وسالم بن عبد الله وسفيان الثّوري ومالك وأبو حنيفة الى انّ الواجب المسح الى المرفقين. ونسبه في البحر الزّاخر الى الهادي انظر ج ١ ص ١٢٧. وذهب الزهري إلى انّه يجب المسح إلى الإبطين. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ما ملخّصه : انّ الأحاديث الواردة في صفة التّيمّم لم يصحّ سوى حديث أبى جهم وحديث عمّار ، امّا حديث أبى الجهم ففيه ذكر اليدين مطلقا. وأما حديث عمّار في الصحيحين ففيه ذكر الكفّين ، قال : وأمّا رواية المرفقين ونصف الذّراع ففيه مقال.

وأمّا رواية الآباط فقال الشّافعي وغيره انّه ان كان بأمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّ تيمّم صحّ عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ناسخ له ، وإن كان بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ويقوى رواية عمار بما في الصّحيحين : من كون عمّار يفتي به بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وراوي الحديث اعرف بالمراد من غيره ولا سيّما الصّحابى المجتهد. وكذا صرّح في البحر الزّاخر بضعف احاديث الذّراعين انتهى ما في الفتح ملخّصا.

وحيث انتهى الكلام إلى رواية عمّار بما في الصّحيحين فلا بأس بذكر الرّواية لما فيه من الفوائد : انّ رجلا أتى عمر فقال أجنبت فلم أجد الماء فقال لا تصلّ ، فقال عمّار : أما تذكّر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سريّة فاجنبنا فلم نجد الماء فأمّا أنت فلم تصلّ ، وأمّا انا فتمعكت في التّراب فصلّيت فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّما كان يكفيك ان تضرب بيديك ثم تنفخ فيهما ، ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك؟ فقال عمر : اتّق الله يا عمّار ، فقال : ان شئت لم أحدّث به ، وفي بعض الرّوايات انّه قال عمر : نولّيك ما تولّيت. انظر البداية ص ٦٢ ج ١.

(١) حرمة السكر وشرب كل مسكر ممّا عليه ضرورة الدّين الّا انّ استفادته من الآية مشكل جدّا.

٣٠

٥ ـ : كون عدم التعقّل مبطلا للطهارة فيدخل فيه النّوم والإغماء والجنون

٦ ـ : كون ذلك مبطلا للصّلوة.

٧ ـ : كون الجنابة ناقضة للوضوء.

٨ ـ : كونها مبطلة للصّلوة.

٩ ـ : كونها موجبة للغسل.

١٠ ـ : كون التيمّم لا يرفع حدث الجنابة ، بل يبيح معها الصّلوة.

١١ ـ : احترام المساجد.

١٢ ـ : منع السّكران وشبهه من دخولها.

١٣ ـ : منع الجنب من الاستقرار فيها.

١٤ ـ : تسويغ الجواز فيها.

١٥ ـ : كون الغسل رافعا لحكم الجنابة.

١٦ ـ : عدم افتقار الغسل إلى الوضوء لقوله تعالى ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ). وإلّا لكان بعض الغاية غاية وهو باطل

١٧ ـ : تسويغ التيمّم.

١٨ ـ : كونه بحيث يقع بدلا من كلّ واحد من الوضوء والغسل.

١٩ ـ : إباحته حال المرض المتضرّر باستعمال الماء.

٢٠ ـ : كونه مباحا إمّا للعجز عن الماء بالضّرر من استعماله أو لعدمه

٢١ ـ : كون وجود الماء ناقضا للتيمّم.

٢٢ ـ : كون الغائط ناقضا للوضوء موجبا له.

٢٣ ـ : كون الجنابة تقع بمجرّد الوطي من غير إنزال.

٢٤ ـ : وجوب كون التيمّم بالتّراب.

٢٥ ـ : جوازه بالحجر الصّلب لصدق اسم الصعيد عليه.

٢٦ ـ : وجوب كون الصّعيد طاهرا.

٢٧ ـ : وجوب كونه مباحا.

٣١

٢٨ ـ : وجوب مسح الوجه واليدين.

٢٩ ـ : كون الوجه يراد به بعضه لمكان الباء عند القائل بذلك وكذا اليد لعطفها على الوجه.

٣٠ ـ : وجوب الابتداء بمسح الوجه لفاء التعقيب.

٣١ ـ : وجوب الموالاة إن قلنا : الأمر للفور.

الثالثة ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(١).

دلّت على وجوب النيّة في كلّ عبادة ، فيدخل الطّهارات الثّلاث المتقدّمة ، ومعنى الإخلاص هو المراد بالقربة الّتي يذكرها أصحابنا في نيّاتهم ، وهو إيقاع الطّاعة خالصة لله تعالى وحده ، ويؤيّده قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث القدسيّ : من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكه (٢). فقيل : معنى كونه له تعالى : أن يفعله خوفا من عقابه ورجاء لثوابه. وقيل : يفعله حياء منه أو حبّا له ، وقيل :تعظيما له ومهابة وانقيادا ولا يخطر بباله غرض آخر سواه ، ويقرب من هذا قول عليّ عليه‌السلام : ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنّتك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك (٣). وهو الأقوى لأنّ ما عدا ذلك شرك مناف للإخلاص ، فعلى هذا لا يجوز في النيّة ضمّ الرياء ولا ضمّ التبرّد أو التسخّن بالماء أو إزالة الكسل أو الوسخ ، لأنّ منطوق الآية يدلّ على أنّ الأمر منحصر في العبادة المخلصة ، والأمر بالشي‌ء نهي أو مستلزم للنّهي عن الضدّ فيكون كلّ ما ليس بمخلص [ منها ] منهيّا عنه فيكون فاسدا

__________________

(١) البيّنة ٥.

(٢) بهذا المضمون أخبار كثيرة راجع الوسائل ب ٧ و ٨ من أبواب النّية وفي ب ١٢ في حديث لهشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يقول الله عزوجل أنا خير شريك فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري.

(٣) هذه العبارة مشهورة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في بحار الأنوار ج ٤١ ص ١٤ وما نقله في نهج البلاغة فهو بهذه العبارة : انّ قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التّجار ، وانّ قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وانّ قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار. نهج البلاغة لفيض الإسلام جزء ٦ ص ١١٨٢.

٣٢

لما تقرّر في الأصول.

واعلم أنّ الشافعيّ وأحمد ومالكا وافقونا في اشتراط النيّة في الطّهارات وإن خالفونا في الكيفيّة وأبو حنيفة خصّ الشّرط بالترابيّة لا غير (١) لقوله تعالى :

__________________

(١) وكذا قال في الوضوء بالنّبيذ وسؤر الحمار والبغل قال : لأنّ طهوريّة النّبيذ والسّؤرين تعبديّة كالصّعيد وقالوا في الوضوء والغسل بالماء المطلق : وجوبها ليس الّا توصّليا إلى الطّهارة الّتي تحصل بمجرّد سيلانه على الأعضاء ، سواء كان عن نيّة أو لم يكن عن نيّة بل ولا عن اختيار ، ولا ادرى من اين علموا انّ غرض الشّارع من الوضوء والغسل ليس إلا الطهارة المحسوسة الّتي توجد بسيلان الماء بمجرّد صبّه ، وقد علم كلّ مسلم ومسلمة ان الوضوء والغسل ، انّما هو لرفع اثر الحدث استباحة لما هو مشروط برفعه ، وهذا غير محسوس ولا مفهوم لو لا التّقيد بالأوامر المقدّسة الصّادرة من لدن حكيم مطلق ، ومجرّد حصول النّظافة والغسل لا يجعلهما توصّليّين ، كما انّ انعاش مستحقّ الزّكاة بأدائها السّهم من الزّكاة لا يخرجها عن العبادة.

ولو كان الغرض من الوضوء والغسل مجرّد الطّهارة المحسوسة لما وجبا على المحدث إذا كان في غاية النّظافة والنقاء ، وهذا خرق لإجماع المسلمين ومخالف لما عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ ». انظر ص ٤٥٢ فيض القدير وقد نصّ السّيوطى بصحّة الحديث في الجامع الصّغير رقم ٩٩٧٩ « ولا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » انظر نيل الأوطار ج ١ ص ٢٢٤ رواه الجماعة إلّا البخاري.

وممّا تفرّد به أبو حنيفة بطلان الوضوء بالقهقهة في الصلاة. ولا ادرى أيّ كثافة ونجاسة ظاهرية تحصل للبدن بالقهقهة يجب رفعها بسيلان الماء المنقّى ظاهرا ، وهل هنا على مبناه وبطلان الوضوء بالقهقهة إلّا الحدث الغير المحسوس الواجب رفعه بالطّهارة التعبّديّة.

واستدلّ ابن العربي في أحكام القرآن ص ٤٤٠ على وجوب النّية بما ملخّصه انّ الوضوء عبادة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الوضوء شطر الايمان. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الوضوء على الوضوء نور على نور. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا توضّأ العبد خرجت خطاياه وهو استدلال حسن وامّا الاستدلال بآية البيّنة. « وَما أُمِرُوا

٣٣

( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) أي اقصدوا ، والحقّ الأوّل لقوله عليه‌السلام « إنّما الأعمال بالنيّات » (١) والجمع المعرّف للعموم ولقوله عليه‌السلام « وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » (٢) ومن طريق الأصحاب ما ورد من قول الرّضا عليه‌السلام : « لا قول إلّا بالعمل ولا عمل إلّا بالنيّة ولا قول ولا عمل إلّا بإصابة السنّة (٣).

ثمّ اعلم أنّ شرعيّة النيّة لغرض تميّز الفعل عن غيره فيجب أن يتصوّر فيها تصوّرا قلبيّا حقيقة الفعل المنويّ من كونه وضوءا أو صلاة أو صوما أو غير ذلك ونوعه ليمتاز عن نوع آخر كالإباحة للوضوء والظهر للصلاة ورمضان للصوم والماليّة أو الفطرة للزّكوة والتمتّع أو غيره للحجّ ووصفه الفارق بين أفراد نوعه كالوجوب للواجب والنّدب للمندوب ووقته المحدود له بالشّخص إن كان موقّتا فينوي الأداء إن فعله فيه والقضاء إن فعله خارجا عنه ثمّ الرّكن الأعظم الّذي هو الإخلاص وقد مرّ معناه.

الرابعة ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )(٤)

كريم أي حسن مرضيّ في جنسه وقيل : كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمّة في المعاش والمعاد. ( فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ) أي مصون مستور عن الخلق في لوحه المحفوظ.

وقيل : المصحف الّذي بيد الناس والضمير في « لا يَمَسُّهُ » يعود إلى الكتاب لأنّه أقرب ، فعلى القول الأوّل : لا يمسّه إلّا الملائكة المطهّرون من الذّنوب وعلى

__________________

إِلّا » ورواية إنّما الأعمال بالنيّات فلا يخفى عليك ما فيها للاستدلال على المقصود فانّ الآية ظاهرة في التّوحيد ، ويشهد له عطف الصّلوة والزّكاة وسياق نظائرها من الايات ، والنّبوي يجب حمله على نفى الجزاء حتى لا يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن.

(١) الوسائل ب ٥ من أبواب النيّة ح ٤ و ٢. وصحيح البخاري كتاب الايمان ص ٢٣.

(٢) الوسائل ب ٥ من أبواب النيّة ح ٤ و ٢. وصحيح البخاري كتاب الايمان ص ٢٣.

(٣) الوسائل ب ٥ من أبواب النيّة ح ٤ و ٢. وصحيح البخاري كتاب الايمان ص ٢٣.

(٤) سورة الواقعة : ٧٦.

٣٤

الثّاني : لا يمسّه إلّا المطهّرون من الأحداث والخباثات وهو مرويّ عن الباقر عليه‌السلام (١) وجماعة من المفسّرين ومذهب مالك والشافعيّ وأبي حنيفة وزاد الشافعيّ حتّى الحاشية ويكون المراد النّهي عن مسّه (٢) لا نفي المسّ الّذي هو خبر وإلّا لزم الكذب لأنّا نعلم ضرورة أنّه يمسّه من ليس بمطهّر.

ويؤيّده الرواية عن الصادق عليه‌السلام وقد قال لولده إسماعيل : « اقرأ المصحف قال : لست على وضوء فقال لا تمسّ الكتابة ومسّ الورق (٣) » وإذا لم يجز لغير المتوضّي مسّه فللجنب أولى ، وهل يمنع الجنب والحائض من قرائته؟ فقال أصحابنا بمنع سور العزائم الأربع لا غير وجواز السّبع بغير كراهيّة وما فوقها على كراهيّة وتشتدّ بزيادة القراءة وتضعف بقلّتها لعموم قوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) (٤) خرج العزائم من العموم وبقي ما عداها على الجواز وقال الشافعيّ : لا يجوز مطلقا وكذا أحمد وجوّز أبو حنيفة دون الآية وما لك للجنب الآية والآيتين على سبيل التعوّذ وللحائض أن تقرأ ما شاءت وكذا قال داود للجنب ويحتجّ عليهم في الجواز بكتاب النبيّ (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هرقل عظيم الرّوم المتضمّن لقوله تعالى ( يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ) (٦) الآية وهو كافر مجنب فيقرء الكتاب ضرورة وإلّا لانتفت فائدة بعثته.

الخامسة ( فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) (٧)

__________________

(١) الوسائل ب ١٢ من أبواب الوضوء ح ٥ وفيه من الأحداث والجنابات.

(٢) فانّ الظّاهر منه كونه حكاية وصف خارجيّ لا إنشاء حكم تشريعيّ لا سيّما مع ظهور المطهّر بالفتح في المعصوم عليه‌السلام لا ما يعم المتطهّر فالمستند الأقوى للحكم الرّوايات ، ثم الحكم للجنب بطريق اولى والإجماع المدّعى في كلمات القوم.

(٣) الوسائل ب ١٢ من أبواب الوضوء ح ٢.

(٤) المزّمّل : ٢٠.

(٥) راجع مكاتيب الرّسول ج ١ ص ١٠٥.

(٦) آل عمران : ٥٧.

(٧) التوبة : ١٠٩.

٣٥

قال الحسن البصري : المراد الطّهارة من الذّنوب والأكثر : أنّها الطّهارة من النّجاسات فقيل : نزلت في أهل قباء ، روي ذلك عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام (١) ( يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) بالماء عن الغائط. روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لهم : « ماذا تفعلون في طهركم فإنّ الله قد أحسن عليكم الثّناء؟ فقالوا نغسل أثر الغائط بالماء (٢) ».

واعلم أنّ الغائط إن تعدّى المخرج تحتّم الماء لإزالته وإن لم يتعدّ فللمكلّف الخيار بين استعمال ثلاثة أحجار وشبهها طاهرة مزيلة للعين وبين الماء والجمع بينهما أفضل لاجتماع إزالة العين والأثر وفي قولهم : نغسل أثر الغائط. إشارة إلى هذا لدلالته على زوال العين قبل تغيّر الماء وإزالة الأثر بالماء وكذا ورد في رواية أخرى أنّهم قالوا : نتبع الغائط بالأحجار ثمّ نتبع الأحجار بالماء (٣) وأمّا البول فلا يجزي فيه إلّا الماء خاصّة تعدّى أو لم يتعدّ.

وقال الشافعيّ : الاستنجاء منهما واجب بالماء أو الأحجار وأوجب إعادة الصلاة على من لم يستنج وبه قال مالك وقال أبو حنيفة هو مستحبّ غير واجب.

قوله ( يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) المحبّة تأكيد الإرادة ولذلك لم يقل يريدون لشدّة إرادتهم وقابل سبحانه محبّتهم بمحبّته بالمعنى المذكور فقال ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ).

ثمّ اعلم أنّه يمكن عندي أن يستدلّ بهذه الآية على استحباب الكون على

__________________

(١) تفسير العيّاشي ج ٢ ص ١١١ و ١١٢.

(٢) راجع مجمع البيان ذيل الآية الشّريفة والوسائل ج ١ ب ٣٤ من أبواب أحكام الخلوة ح ١.

(٣) قال البيضاوي قيل لمّا نزلت مشى رسول الله ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال أمؤمنون أنتم فسكتوا فأعادها فقال عمر انّهم مؤمنون وانّا معهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أترضون بالقضاء قالوا نعم قال أتصبرون على البلاء قالوا نعم قال أتشكرون في الرّخاء قالوا نعم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مؤمنون وربّ الكعبة فجلس ثم قال يا معشر الأنصار انّ الله عزوجل قد اثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء

٣٦

الطّهارة لأنّ الطهارة شرعا حقيقة في رافع الحدث ، والثّناء والمحبّة وتأكيد الإرادة والإتيان بلفظ المبالغة مشعر بالتكرّر ودوام حصول المعنى وكلّ ذلك دليل على ما قلناه والله أعلم.

السّادسة ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (١).

هنا فوائد.

١ ـ لا ريب أنّ الطّهور لغة ورد لأمور :

أحدها : مبالغة في الطّاهر فيكون صفة للماء وسبب الوصف أن يعلم أنّ الطّهارة صفة ذاتيّة له.

وثانيها : اسم لما يتطهّر به كالبخور لما يتبخّر به والوقود لما يتوقّد به.

وثالثها : بمعنى الطّهارة كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلّا بطهور » (٢).

إذا تقرّر هذا فقال بعض الحنفيّة أنّه في الآية والاستعمال بالمعنى الأوّل لا غير لأنّ فعولا يفيد المبالغة في فاعل كما يقال ضروب وأكول لزيادة الضّرب والأكل ولا يفيد شيئا مغايرا له فعلى هذا لا يكون بمعنى المطهّر عنده لأنّ كونه مطهّرا مغاير لمعنى الطّاهر فلا يتناوله المبالغة ولأنّه قد يستعمل فيما لا يفيد التّطهير كقوله تعالى ( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (٣) وقول الشّاعر : « عذاب الثّنايا ريقهنّ طهورا ».

وقالت الشافعيّة وأصحابنا أنّه بمعنى المطهّر فيكون مأخوذا من الوضع الثّاني واستدلّوا بالنّقل والاستعمال :

أمّا الأوّل فلما ذكره اليزيديّ حيث قال : الطّهور بالفتح من الأسماء المتعدّية وهو المطهّر غيره وأمّا الثاني فلأنّه مراد فيه فيكون حقيقة إمّا إرادته فلقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الفرقان : ٥٠.

(٢) الوسائل ب ١ من أبواب الوضوء ح ١.

(٣) الدّهر : ٢١.

٣٧

« جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا (١) » ولو أراد الطّاهر لم يكن له مزيّة ولقوله عليه‌السلام أيضا وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » (٢) ولو لم يرد كونه مطهّرا لم يصلح جوابا ولأنّ فعولا للمبالغة ولا يتحقّق إلّا مع إفادة التطهير ولأنّهم يقولون ماء طهور ولا يقولون ثوب طهور فلا بدّ من فائدة تختصّ بالماء ولا يظهر الفائدة إلّا مع إفادة التطهير لغيره.

والحقّ أنّه بالنظر إلى القياس اللّفظيّ كما قال الحنفيّ لأنّ التعدّي في الحقيقة لمطهّر وألحقوا طهورا به توقيفا لا قياسا وليس الطهور من مطهّر بمنزلة ضروب من ضارب لأنّك تقول هذا ضارب زيدا كما تقول ضروب زيدا وتقول الماء مطهّر من الحدث ولا تقول طهور من الحدث وأمّا بالنظر إلى الاستعمال فكما قال أصحابنا والشافعيّة فإن منع ذلك الحنفيّ فهو مكابرة.

٢ ـ ما يزيل عنه الطّهارة والطهوريّة ، فعند أبي حنيفة مخالطة النجاسة يقينا أو ظنّا وإن لم يتغيّر وجوّز استعمال ما لا يتحرّك بحركة الأجزاء المتنجّس وقدّره بعشرة أذرع في مثلها وعند مالك التغيير في أحد أوصافه قليلا أو كثيرا وعند الشّافعيّ في الكثير التغيّر وفي القليل الملاقاة وعند أصحابنا كذلك (٣) إلّا أنّ الكثير عنده

__________________

(١) الوسائل ب ٧ من أبواب التّيمم ح ١ ـ ٤. سنن أبي داود ج ١ ص ١١٤.

(٢) الوسائل ب ٢ من أبواب الماء المطلق ح ٢. سنن أبي داود ج ١ ص ١٩.

(٣) وادّعى الإجماع على انفعال الماء القليل بملاقاة النّجاسة. الّا انّه حكى عن ابن ابى عقيل القول بعدم الانفعال وأصرّ المحدّث الكاشاني في الوافي والمفاتيح على عدم الانفعال ، وأتمّ البيان بما لا مزيد عليه. والقواعد المؤسسة في الأصول لو روعيت في الفقه لاقتضت عدم النجاسة ، إذ بعد تعارض الأخبار الدّالة على الانفعال مع ما دلّ على عدم الانفعال ، يكون المرجع عند الإماميّة التّخيير ومقتضاه عدم لزوم الحكم بالانفعال هذا إذا لم يمكن الجمع بين الاخبار بحمل الظّاهر على الأظهر وحمل الأخبار الدّالة على الانفعال على التّنزيه. ولكنّ الإجماعات المنقولة والاخبار الّتي ادّعى بعض انّها تبلغ مأتين ، وادّعى بعضهم انّها تبلغ ثلاثمائة توحّشنا في الحكم بما حقّقه المحقّق الكاشاني وتبعه غير واحد الّا انّ للمحقّق الخراساني صاحب الكفاية هنا بيانا تاما دقيقا حقيقا بالتّلقي بالقبول

٣٨

قلّتان : نحو خمسمائة رطل وعندنا كرّ وهو ألف ومائتا رطل بالعراقي الّذي هو أحد وتسعون مثقالا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن بئر بضاعة فقال : الماء طهور لا ينجّسه إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه (١) وروى الشّيخ مرسلا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا (٢) وعن الصّادق عليه‌السلام : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء » (٣) قالوا : الحديث الأوّل مكّيّ فيكون إطلاقه منسوخا فيقيّد بالكثير.

هذا كلّه في الماء الرّاكد أمّا الجاري فلا ينجس إلّا بالتغيّر والأولى اشتراط بلوغه كرا إلّا أن يكون جاريا عن مادّة فلا يشترط وقال الشافعي : الماء الّذي قبل النجاسة طاهر وما بعدها إن لم يصل النجاسة إليه طاهر وما يجاوره ويخالطه النجاسة

__________________

فراجع ص ١٢ من كتابه اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة ننقله بعين عبارته : ثمّ انّ وجه تخصيص الحكم بأنّه ينجس بملاقاة عين النجاسة انّه لا إجماع على الانفعال بملاقاة المتنجس ولا خبر دل عليه خصوصا أو عموما منطوقا أو مفهوما ، لاختصاص الأخبار الخاصّة بعين النجاسة وانسباقها من الشي‌ء في الاخبار العامّة كما ادّعى في خبر « خلق الله الماء ». فلا يوجب تغيّره بالمتنجّس نجاسته ، ولا أقل انّه القدر المتيقّن منه ، ولو سلّم شمول المنطوق له فلا عموم في المفهوم ، فانّ الظاهر ان يكون مثل إذا بلغ الماء ، لتعليق العموم لا لتعليق كلّ فرد من افراد العام فيكون مفهومه إيجابا جزئيّا ، ونجاسته بشي‌ء والمتيقّن منه عين النجاسة ، لا إيجابا كلّيا ونجاسته بكل نجس أو متنجّس ، ولو سلّم عدم ظهوره في تعليق العموم فلا ظهور له في تعليق افراد العام ، فلا يكون دليلا على الانفعال الّا بعين النجاسة ، فيكون عموم « خلق الله » مرجعا ودليلا على الطّهارة مضافا الى استصحابها وقاعدتها كما لا يخفى. انتهى كلامه. وهو تحقيق سنيّ لا غبار عليه ، نقىّ تامّ لا مزيد عليه حقيق بالقبول.

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ١٦.

(٢) راجع نيل الأوطار ص ٤١ ح ٢ وفيه إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجة ورواية لأحمد : لم ينجّسه شي‌ء.

(٣) الوسائل ب ٩ من أبواب الماء المطلق ح ٦ ـ ١.

٣٩

إن كان أكثر من قلّتين فطاهر وإن كان أقلّ فنجس.

٣ ـ إذا زالت عنه الطهوريّة فعندنا يطهر بإلقاء كرّ عليه دفعة يزيل تغيّره إن كان متغيّرا فان لم يزل فكرّ آخر وهكذا حتّى يزول التغيّر وغير المتغيّر يكفي إلقاء الكرّ المذكور أو اتّصاله بالكرّ أو وقوع الغيث السّاكب عليه. وقال الشافعي : تزول النجاسة بأمور الأوّل : ورود ماء طاهر يزيل التغيّر ولم يقدّره الثّاني : زوال التغيّر من نفسه ، الثّالث : أن ينبع من تحته ما يزيل تغيّره ، الرّابع : أن يستقى منه ما يزيل تغيّره ، الخامس : ما ذكر بعض أصحابه وهو وقوع تراب يزيل تغيّره وكلّ هذه تحكّمات لا دليل عليها فيجب الاعراض عنها.

السابعة : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (١).

هنا مسئلتان :

١ ـ إنّ غير الماء من المائعات لا يطهّر لا من الحدث ولا من الخبث (٢) أمّا

__________________

(١) الأنفال : ١١.

(٢) والدليل عليه هذه الآية والآية التي تذكر بعدتيك وآية التيمم ، ورواية أبي بصير وعبد الله بن المغيرة المرويتين في الوسائل ب ١ و ٢ من أبواب الماء المضاف ، وفي اولى الروايتين : انما هو الماء والتراب. وفي الثانية : انما هو الماء والتيمم. وجوز ابن ابى ليلى والأصم الوضوء بالمياه المعتصرة. وأجاز الصدوق الوضوء والغسل بماء الورد استنادا الى ما رواه يونس عن ابى الحسن عليه‌السلام ـ ب ٣ من أبواب الماء المضاف من الوسائل ـ : قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة ، قال عليه‌السلام : لا بأس بذالك.

وأيده المحدث الكاشاني بأن اضافة الماء الى الورد ليست الا لمجرد اللفظ كماء السماء ، وبصدق الماء على ماء الورد ، وعلى ما حققه الكاشاني فالنزاع في الحقيقة لفظية. ويمكن ان يقال بأن ابن ابى عقيل والصدوق أيضا موافقان في عدم جواز رفع الحدث بالمضاف ، ويرون ماء الورد ماء مطلقا ، ولا مانع من القول به مع ورود الرواية وضمان الصدوق صحة ما رواه في الفقيه

٤٠