كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

ألف ملك ثمّ لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل ببنيان البيت على القواعد » (١).

« مُبارَكاً » كثير الخير والبركة لما يحصل لمن حجّه وعكف عنده من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ولما يحصل لمن قصده من نفي الفقر وكثرة الرزق « وَهُدىً لِلْعالَمِينَ » لأنّه متعبّدهم « فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ » أي دلالات واضحات كإهلاك أصحاب الفيل وغيرهم واجتماع الظبي مع الكلب في حرمة فلا ينفر عنه مع نفرته في غيره وأنّ الطير لا تعلوه.

قوله تعالى « مَقامُ إِبْراهِيمَ » قيل هو عطف بيان لآيات ولذلك قرأ ابن عباس آية بيّنة والمشهور الجمع وعليه التواتر فعلى هذا كيف يصحّ بيان الجمع بالواحد أجيب إمّا بأن يكون بمنزلة الجمع نحو قوله ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ) (٢) وفيه نظر لأنّه مجاز أو بأنّ المقام يشتمل على آيات كأثر رجليه في الحجر وغوصهما فيه إلى الكعبين ولأنه بعض الصخرة دون بعض وحفظه من المشركين مع كثرة أعدائه وإبقائه [ إلى ] مدّة من السّنين فساغ البيان به وفيه أيضا نظر لأنّ المقام نفسه ليس بآية بل فيه الآيات فلا يجوز جعل ما فيه الآيات عطف بيان لنفس الآيات لوجوب توارد البيان والمبيّن على ذات واحدة ، أو يكون « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » آية ثانية ويكون الآيتان جمعا أو الآيات الباقية مطويّة كقول جرير :

كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم

من العبيد وثلث من مواليها(٣)

ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرّة عيني في الصلاة » (٤) وفيه أيضا نظر لأنّ الطيّ إنّما يكون إذا وجدت دلالة على المطويّ

__________________

(١) هكذا رواه في المجمع ج ٢ ص ٤٧٧ واما في الكافي ج ٤ ص ١٨٩ : ان الله أنزل الحجر لادم عليه‌السلام من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله عزوجل الى السماء الحديث.

(٢) النحل : ١٢٠.

(٣) البيت لجرير بن عطية من قصيدة له في ديوانه ٥٩٩ و ٦٠٠ وترى أشطرا منها في البيان والتبيين ج ٣ ص ٨٤ فراجع.

(٤) السراج المنير ج ٢ ص ٢٢٠.

٢٦١

كقول جرير فإنّه يعلم أنّ الثلث الباقي من الأوساط ليسوا من العبيد ولا الموالي ولا نسلّم أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطيّ.

والّذي يقوى في الظنّ أنّ « مَقامُ إِبْراهِيمَ » عطف بيان لخبر إنّ وهو « لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » فانّ الحرم كلّه مقام إبراهيم فضلا عن البيت وحده كما يقال مكّة مقام فلان فإنّه لا يشترط مساواته للمقيم كما يقال فلان في السوق وفي المسجد ولذلك قيل إنّ سبب نزول الآية الردّ على اليهود في تفضيلهم بيت المقدس على المسجد الحرام والكعبة فعبّر سبحانه عن ذلك بمقام إبراهيم (١) وعلى هذا يكون الآيات مطويّة غير مذكورة وقد ذكرنا طرفا منها.

قوله « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » ليس معطوفا على « مقام » ليكونا عطف بيان لما عرفت من ضعفه بل هو عطف على ما سبق من كونه هدى وفيه آيات بيّنات وشرف آخر له وهو كونه أمنا لمن دخله وحينئذ يحتمل أن يكون خبرا عن إجابة دعاء إبراهيم في قوله تعالى ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) (٢) فانّ الله تعالى ألان قلوب العرب لحصول هذا الغرض حتّى أنّ الرجل منهم لو جنى أيّ جناية [ في غير الحرم ] ثمّ التجأ إلى الحرم لم يطلب.

ويحتمل أن يكون أمرا أي من دخله فليكن آمنا وذلك أيضا لا يخرجه عن الشرف لأنّ هذا الأمر معلّل بشرف ذلك المكان ولذلك حكم أصحابنا بأنّ من وجب عليه حدّ أو تعزير أو قتل ثمّ التجأ إلى الحرم لم يتعرّض بل يضيّق عليه

__________________

(١) قال السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال بلغنا ان اليهود قالت بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة فقال المسلمون بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت ان أول بيت الآية الى قوله فيه آيات بينات ، مقام إبراهيم ، وليس ذلك في بيت المقدس ومن دخله كان آمنا وليس ذلك في بيت المقدس ولله على الناس حج البيت وليس ذلك لبيت المقدس. راجع ج ٢ ص ٥٢.

(٢) البقرة : ١٢٦.

٢٦٢

مطعما ومشربا حتّى يخرج وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعيّ وعن الباقر عليه‌السلام « من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم » (١).

قوله « ولله » أي هو حقّ له على المستطيع منهم. قوله « فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » لمّا ذكر أنّه حقّ له أوهم أنّ ذلك للحاجة إليه فأزال ذلك الوهم بذكر الاستغناء وهذا البحث بطوله وإن لم يكن من الفقه لكنّه نافع فيه.

البحث الثاني

قوله « وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » هنا مسائل :

١ ـ « عَلَى النّاسِ » عامّ أبدل منه « مَنِ اسْتَطاعَ » بدل البعض من الكلّ وهو عامّ للذكور والإناث والخناثى ، خصّ بمنفصل إمّا عقلا وهو اشتراط الفهم للخطاب لاستحالة تكليف غير الفاهم أو نقلا وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « رفع القلم عن ثلاثة عن الصبيّ حتّى يبلغ والمجنون حتّى يفيق والنائم حتّى ينتبه » (٢) فخرج حينئذ الصبيّ والمجنون عن الوجوب ولمّا كان العبد محجورا عليه لا قدرة له على التصرّف في نفسه لم يكن مستطيعا فخرج أيضا من العموم.

٢ ـ لم نسمع خلافا في أنّ تخلية السرب واتّساع الزمان والسلامة من المرض المانع من السفر شروط في الاستطاعة فلا يجب على فاقد واحد منها لعدم استطاعته.

٣ ـ ورد في الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه فسّر الاستطاعة بالزاد والراحلة

__________________

(١) أرسل مضمونه في المجمع ج ٢ ص ٤٧٨ والروايات بمضمونها في تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٠.

(٢) السراج المنير ج ٢ ص ٣١٧ من حديث عائشة وعمر ، وأخرجه في الوسائل عن الخصال ب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ح ١١ وفي مستدركة عن دعائم الإسلام ج ١ ص ٧.

٢٦٣

ولذلك قال الشافعيّ أنّها بالمال فأوجب الاستنابة على الزمن المقعد إذا وجد اجرة من ينوبه وقال مالك إنّها بالبدن فيجب عنده على من قدر على المشي والتكسّب في الطريق وقال أبو حنيفة إنّها بمجموع الأمرين فلم يوجب إلّا على من قدر على الزاد والراحلة ونفقة الذهاب والإياب فاضلا عن حوائجه الأصليّة ونفقة عياله إلى حين عوده وبذلك قال أصحابنا الإماميّة غير أنّ بعضهم يشترط مع ذلك الرجوع إلى كفاية من مال أو صناعة أو حرفة ويحتجّ على ذلك بما رواه أبو الربيع الشاميّ (١) « عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل ما الاستطاعة؟ فقال ما يقول هؤلاء؟ فقيل يقولون الزاد والراحلة فقال عليه‌السلام قد قيل ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقال هلك الناس إذن إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما ممّا يمون به عياله ويستغني عن الناس يجب عليه الحجّ ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه فقد هلك إذن ، فقيل له ما السبيل عندك يا ابن رسول الله فقال : السعة في المال وهو أن يكون له ما يحجّ ببعضه ويبقى بعضه يمون به عياله ثمّ قال أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعل إلّا على من ملك مائتي درهم ».

__________________

(١) رواه المشايخ الثلاثة تراه في الوسائل ب ٩ من أبواب وجوب الحج ، ح ١ وأبو الربيع الشامي هو خالد بن أوفى أو خليد بن أوفى قال العلامة البهبهاني قدس‌سره في حواشيه الرجالية على منهج المقال ص ١٢٨ عند ترجمة خالد بن أوفى : الظاهر أنه خليد مصغر خالد فإنهم ربّما كانوا يصغرون كما في عثمان وسالم وعباس ونظائرها ويقولون عثيم وسليم وعبيس الى غير ذلك ، وربما كان في بعض المواد تصغيرهم أكثر وأشهر ، ولعل ما نحن فيه منه ، ثم قال وقال جدي بعد حكمه بالاتحاد : وكان يسمى بهما أو كان الاسم خالد فاشتهر بخليد نبزا في الألقاب وهو كثير في العرب.

ثم ذكر قدس‌سره في حاشيته عند ترجمة ابى الربيع في الكنى ص ٣٨٩ من منهج المقال : وحكم خالي بحسنه وفي باب حب الرئاسة حديث يدل على تشيعه ويستفاد ذم بالنسبة إليه انتهى ما أفاده البهبهاني قدس‌سره والراوي عن ابى الربيع هو خالد ابن جرير ، ويستفاد من الكشي حسنه انظر ص ٢٩٥ طبعة النجف وان استشكل عليه الشهيد الثاني قدس‌سره ، الا أن الراوي عنه هذه الرواية الحسن بن محبوب وهو من أصحاب الإجماع.

٢٦٤

والجواب بالمنع من صحّة السند (١) وبتقدير صحّته نحملها على أن يبقى له ما يمون به عياله لذهابه وإيابه والأقوى الأوّل لظاهر الآية ولروايات كثيرة عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ولمراعاة جانب الاحتياط.

فائدة : لا يشترط عندنا ملك الزاد والراحلة بل التمكّن من الانتفاع بهما فلو بذل له باذل وجب عليه لصدق الاستطاعة (٢) في حقّه وقال أبو حنيفة وأحمد و

__________________

(١) قلت : لا إشكال في السند مع اعتماد القوم به وقد رواه المشايخ الثلاثة الا أن مفاده ليس إلا نفقة العيال حال السفر مع أن منصرف الحديث صورة العجز على نحو يؤدى الى الهلاك.

وفي المسئلة حديث آخر أخرجه في الوسائل ب ٩ من أبواب وجوب الحج ح ٤ عن الخصال رواه عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام في تفسير السبيل بأنه هو الزاد والراحلة وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع اليه من بعد حجه. ولا يخفى عليك انه مع قطع النظر عن السند ( وان كان السند عندي لا يخلو من قوة ) مجمل من حيث المدة وانها سنة أو أقل أو أكثر ، ومن حيث الكم وأنه قليل أو كثير ، وحمله على ما لا بد منه عند الرجوع بقرينة دليل نفى الحرج رجوع الى الدليل المذكور.

وفي مجمع البيان أيضا أن المروي عن أئمتنا أنه الزاد والراحلة ونفقة من تلزمه نفقته والرجوع الى الكفاية اما من مال أو ضياع أو حرفة. ذكره في الوسائل ب ٩ من أبواب وجوب الحج الرقم ٥ ، ولا يخفى عليك أن عده من قسم الخبر لا يخلو عن اشكال لظهوره في كونه من باب بيان المضمون بحسب فهم الناقل فهو أشبه بالفتوى من الخبر ولا سيما مع تفرده في نقل ذلك دون غيره من ائمة الحديث.

فالأقوى ما اختاره المصنف وفاقا لابن إدريس والمحقق والعلامة نعم ان كان مراد القائلين باعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة ( كالشيخين والحليين وابني حمزة وسعيد وعدة من العلماء ) المعنى الذي يقتضيه دليل نفى الحرج فهو في محله وان كان مرادهم المعنى الذي يظهر من نفس الكلام فلا دليل عليه بل إطلاق أدلة الوجوب ينفيه.

(٢) ويشهد له جملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم المرادي في كتاب التوحيد : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ

٢٦٥

مالك لا يجب وللشافعيّ قولان.

٤ ـ أنّ الوجوب المذكور على الفور تضيّقا لا يجوز معه التأخير وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعيّ إنّه واجب موسّع محتجّا بأنّ آية الحجّ نزلت ولم يحجّ عليه‌السلام إلّا في حجّة الوداع أجيب بأنّه أخّر لعدم الاستطاعة لأنّه كان قد هادن أهل مكّة أن لا يأتي إليهم فلمّا نزلت آية الحجّ سار إلى أن وصل الحديبية فصدّوه فحلق وأحلّ (١).

ثمّ الّذي يدلّ على أنّها على الفور عموم قوله تعالى ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٢) أي ما هو سبب المغفرة والحجّ كذلك ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « من وجب عليه الحجّ فلم يحجّ فليمت يهوديّا أو نصرانيّا » (٣) أتى بفاء التعقيب ورتّب الوعيد وهو صريح في الفوريّة.

٥ ـ أنّه يجب في العمر مرّة واحدة لأنّ اللّفظ المطلق يحمل على أقلّ مراتبه لأصالة البراءة من الزائد ولأنّ الأمر لا يقتضي التكرار ولما رواه ابن عباس « قال لمّا خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحجّ قام إليه الأقرع بن حابس فقال أفي كلّ عام فقال عليه‌السلام لا ولو قلت نعم لوجب ولو وجب عليكم لم تعملوا بها ، الحجّ في العمر مرّة [ واحدة ] فمن زاد فتطوّع فنزلت ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ ) (٤) الآية.

__________________

إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : يكون له ما يحج به ، قلت فمن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال : هو ممن يستطيع ، انظر الوسائل ب ١٠ من أبواب وجوب الحج.

(١) لكنه لا يصح فيما بعد عام الفتح فإنه فتح مكة في رمضان سنة ثمان من الهجرة ولم يحج رسول الله لا في تلك السنة ولا في السنة التي بعدها وهي سنة تسع وقد حج في السنة التاسعة أمير المؤمنين على عليه‌السلام والمسلمون وقد أدى عنه آيات أول براءة ونبذ الى المشركين عهدهم اللهم الا ان يكون التأخير لأجل دوران النسي‌ء.

(٢) آل عمران : ١٣٣.

(٣) رواه في الدر المنثور ج ٢ ص ٥٨ بألفاظ مختلفة وطرق متعددة.

(٤) المائدة : ١٠٤. والحديث رواه أبو داود في سننه ج ١ ص ٤٠٠ ومثله في الدر المنثور ج ٢ ص ٣٣٥.

٢٦٦

٦ ـ أنّه تعالى ذكر في الآية [ أمورا ] من التوكيد لأمر الحجّ ما لم يذكره في غيرها من وجوه الأوّل إيراده بصيغة الخبر الثاني إيراده في صورة الاسميّة الثالث إيراده على وجه يفيد أنّه حقّ لله في رقاب الناس الرابع تعميم الحكم أوّلا ثمّ تخصيصه وهو كايضاح بعد إبهام وتثنية وتكرار للمراد فهو أبلغ من ذكره مرّة واحدة الخامس تسمية ترك الحجّ كفرا من حيث إنّه فعل الكفرة وأنّ تركه من أعظم الكبائر ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله « فليمت » الخبر ، السادس ذكر الاستغناء فإنّه في هذا الموضع يدلّ على شدّة المقت والخذلان وعظم السخط السابع قوله « عَنِ الْعالَمِينَ » ولم يقل عنه لما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان لأنّه إذا استغنى عن العالمين فقد استغنى عنه لا محالة ولأنّه يدلّ على الاستغناء الكامل فكان أدلّ على السخط.

٧ ـ روى محمّد بن الفضيل « عن الكاظم عليه‌السلام في قوله ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) (١) أنّهم الّذين يتمادون بحجّ الإسلام ويسوّفونه (٢) وروى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) المراد من تحتّم عليه الحجّ ولم يحجّ [ أعمى أي ] أعمى عن طريق الخير » (٣) وقيل في قوله تعالى ( فَفِرُّوا إِلَى اللهِ ) (٤) أنّه أمر بالحجّ أي حجّوا إلى بيت الله وفيه دليل على أنّ الحجّ كفّارة للذنوب أي ففرّوا إلى الله من ذنوبكم.

__________________

(١) الكهف : ١٠٤.

(٢) لم نعثر عليه. نعم روى محمد بن الفضل قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ( الاسراء : ٧٢ ) فقال : نزلت فيمن سوف الحج حجة الإسلام وعنده ما يحج به ، فقال : العام أحج ، العام أحج ، حتى يموت قبل أن يحج. ( راجع الوسائل ب ٦ من أبواب وجوب الحج ح ٨ تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٠٥ ).

(٣) الوسائل ب ٦ من أبواب وجوب الحج ح ٢ والآية في طه : ١٢٤.

(٤) الذاريات : ٥٠.

٢٦٧

الثانية ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١).

قيل الخطاب لإبراهيم عليه‌السلام قال ابن عبّاس قام في المقام ـ وعنه أنّه قام على جبل أبي قبيس ـ ووضع إصبعيه في اذنيه وقال يا أيّها الناس أجيبوا ربّكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وقال الحسن والجبائيّ الخطاب لرسول الله (٢) وكذلك روي عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه أن يؤذّن في الناس بالحجّ فاجتمع بالمدينة خلق كثير من الأعراب وغيرهم وأكثر أهل الأموال (٣) من أهل المدينة وخرج لأربع بقين من ذي القعدة فلمّا انتهى إلى مسجد الشجرة وكان وقت الزوال اغتسل ونوى حجّ القرآن بعد أن صلّى الظهرين » (٤) وسيأتي تمام الحديث. ثمّ هنا أحكام :

١ ـ « يَأْتُوكَ رِجالاً » مجزوم على جواب الأمرورجال جمع راجل كقيام جمع قائم أي يأتوك مشاة « وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ » أي كلّ جمل أو ناقة ضامر أي من شأنه أن يهزل من طول السّري (٥) أي ركبانا على كلّ ضامر فهو حال معطوف على حال « ويأتين » صفة « لضامر » وقرئ شاذّا يأتون صفة لرجال وركبان.

__________________

(١) الحج : ٢٧.

(٢) الدر المنثور ج ٤ ص ٣٥٤.

(٣) كذا في النسخ ولفظ الحديث « أهل العوالي » وهو الصحيح.

(٤) الوسائل ب ٢ من أبواب أقسام الحج ح ٤.

(٥) السير خ ل والسري : السير بالليل.

٢٦٨

والفجّ الطريق والعميق البعيد الأطراف أي من المفازات ومنه بئر عميق أي بعيد القعر وفيها دلالة على راجحيّة المشي في الحجّ من حيث ابتدء بذكره وهو يدلّ على الاهتمام به وأيضا أتى بلفظ يدلّ عليه صريحا ولكونه أشقّ فيكون أفضل ومنهم من فضّل الركوب لاشتماله على استخدام المال والبدن والحقّ أنّ المشي إذا لم يضعّف عن العبادة فهو أفضل لما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « للحاجّ الراكب بكلّ خطوة يخطوها راحلته سبعون حسنة وللحاجّ الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ألف » (١) وكان الحسن بن عليّ عليه‌السلام يمشي في الحجّ والبدن تساق بين يديه (٢).

٢ ـ « لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ » قيل هي التجارات وهي ترغيب فيها لكون مكّة واديا غير ذي زرع ولولا الترغيب لتضرّر سكّانها ولذلك قال إبراهيم عليه‌السلام ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (٣) وقيل منافع الآخرة وهي الأجر والعفو والمغفرة وهو مرويّ عن [ الصادق و ] الباقر عليه‌السلام (٤) ولو حمل على منفعتي الدنيا والآخرة لما كان بعيدا من الصواب ولذلك نكّر المنافع الدالّ ذلك على تكثيرها.

__________________

(١) الدر المنثور ج ٤ ص ٣٥٥. المحاسن ص ٧٠.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦.

(٣) إبراهيم : ٣٧. قال الشريف الرضى في تلخيص البيان ص ٩٨ : وهذه من أحسن الاستعارات ، وحقيقة الهوى : من علو الى انخفاض كالهبوط ، والمراد هنا البلاغة في صفة الأفئدة بالنزوع الى المقيمين بذلك المكان ولو قال سبحانه « تحن إليهم » لم تكن فيه من الفائدة ما في قوله « تَهْوِي إِلَيْهِمْ » لأن الحنين قد يوصف به من هو مقيم في مكانه والهوى يفيد انزعاج الهاوي من مستقرة.

(٤) في نسخة من النسخ المخطوطة كما أثبتناه في الصلب : عن الصادق والباقر عليهما‌السلام وفي سائر النسخ المطبوعة والمخطوطة عن الباقر [ الصادق خ ل ] وكيف كان أرسله في المجمع ج ٧ ص ٨١ عن الباقر عليه‌السلام ورواه في البرهان ج ٣ ص ٨٧ عن الصادق عليه‌السلام.

٢٦٩

٣ ـ « وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ » قال الحسن هي عشر ذي الحجّة وسمّيت معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحجّ وبه قال أبو حنيفة وقيل هي أيّام التشريق يوم النحر وثلاثة بعده وكذا الخلاف في المعدودات قيل هي العشرة وقيل هي الثلاثة وهو أقوى لقوله ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) والتعجيل لا يتصوّر في العشرة ويؤيّد القول الثاني في المعلومات أنّ الذكر على البهيمة هو التسمية على ما يذبح أو ينحر وذلك يقع فيها وعن الصادق عليه‌السلام أنّ الذكر هنا هو التكبير عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر العيد (٢) وهو أيضا مؤيّد للقول الثاني وهو المرويّ عن الباقر عليه‌السلام (٣) هذا ويجب على الفقيه معرفة هذه من هذه ليفتي بها لو نذر شخص الصدقة أو الصلاة أو غيرهما في أحد الأيّامين.

٤ ـ « بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ » هي الإبل والبقر والغنم من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ كحركة نقلة وأصل البهيمة من الإبهام وهو عدم الإيضاح والذكر عليها هو التسمية والنيّة للتضحية والأمر بالأكل هنا للإباحة أو الندب والأمر في الإطعام للندب لا للوجوب هذا إن كان الذّبح لغير الهدي والتضحية وإلّا فالأمران في الهدي للوجوب وفي الأضحيّة للندب والبائس ذو ضرر من الفقر.

« ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ » عن ابن عباس ليقضوا مناسك الحجّ كلّها وعن الحسن ليزيلوا قشف الإحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل رأس واستعمال طيب وفي الأوّل نظر لأنّه ذكره بعد الذّبح بكلمة « ثمّ » الدالّة على الترتيب والتراخي ولم يقع جميع المناسك [ للطواف ] بعد الذبح بالإجماع فيحمل على ما يفعل بعد الذبح من الحلق والرمي وغيرهما من المناسك ويكون عطف الطواف من باب « [ مَلائِكَتِهِ ] وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ » (٤). و ( فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ) (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٠٣.

(٢) مجمع البيان ج ٧ ص ٨١.

(٣) مجمع البيان ج ٧ ص ٨١.

(٤) البقرة : ٩٨.

(٥) الرحمن : ٦٨.

٢٧٠

٦ ـ « وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ » أي ما نذروه من الحجّ أو غيره من الطاعات في تلك الأيّام فيضاعف لهم الثواب ، وفيه دلالة على وجوب إيفاء النذر مطلقا مع حصول شرائطه.

٧ ـ « وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » صريح في الأمر بالطواف بالبيت الدالّ على الوجوب اتّفاقا لكنّه مجمل علم بيانه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « خذوا عنّي مناسككم » (١) فيكون شاملا لطواف الزيارة والنساء وغيرهما من طواف العمرة فلا وجه [ حينئذ ] لحمله على طواف الزيارة لا غير أو النساء لا غير.

وسمّي البيت عتيقا لأنّ الله أعتقه من الغرق في الطوفان أو أعتقه من أيدي الجبابرة وحفظه منهم كما فعل بأبرهة لمّا قصده بالسوء فأهلكه ولا ينتقض بالحجّاج لعنه الله قيل لأنّه لم يقصد البيت وإنّما قصد أخذ ابن الزبير ولهذا لمّا قبضه بناه وليس بشي‌ء لأنّ إقدامه على تلك الفعلة قبيح ومخالف لقوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٢) بل الأولى في الجواب أنّه إنّما لم يهلكه لبركة سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانّ هذه الأمّة معصومة من عذاب الاستيصال في الدنيا وقيل سمّي عتيقا لقدم عهده فإنّه بناه آدم عليه‌السلام ثمّ إبراهيم عليه‌السلام وقيل لأنّه بيت كريم [ بناه كريم ] كما يقال عتاق الخيل [ والطير ] للكريم منهما.

__________________

(١) سنن ابى داود ج ١ ص ٤٥٦. ولفظه : لتأخذوا مناسككم فانى لا أدرى لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.

(٢) آل عمران : ٩٧.

٢٧١

النوع الثاني

( في أفعاله وأنواعه وشي‌ء من احكامه )

وفيه آيات :

الاولى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١).

في الآية أبحاث

البحث الأول

تمام الحجّ والعمرة قيل هو أن يحرم بهما من دويرة أهله وقيل أن يفرد لكلّ واحد منهما سفرا وقيل أن يكون النفقة حلالا وقيل إخلاصهما للعبادة لا للمعاش والحقّ أنّ المراد أن يؤتى بجميع أجزائهما وكيفيّات تلك الأجزاء لكن [ ل ] كون كلّ واحد منهما مركّبا من أجزاء مختلفة ربّما يوهم أنّ من أتى ببعض تلك الأجزاء وأخلّ بالباقي عمدا يصحّ منه ذلك المأتيّ به ويجب عليه قضاء الباقي كمن صام بعض رمضان وترك الباقي وذلك وهم باطل فانّ كلّ واحد من تلك الأجزاء

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

٢٧٢

شرط في صحّة الباقي كأجزاء الصلاة فإذا لم يأت الحاجّ أو المصلّي بكلّ الأجزاء بطل حجّه وصلوته بخلاف الصوم فانّ كلّ يوم من [ أيّام ] رمضان عبادة مستقلّة لا ارتباط لها بيوم آخر ولا شرطيّة لأحدهما بالآخر ولذلك قال المحقّقون من أصحابنا : إنّ كلّ يوم من أيّام رمضان يفتقر إلى نيّة مستقلّة.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّه يلزم من ذلك أحكام :

١ ـ ما قاله أصحابنا أنّ من أفسد حجّه وجب عليه إتمامه والحجّ من قابل لوجوب إتمام الحجّ والإفساد غير مانع منه. ثمّ إنّ الإفساد عندنا سبب مستقلّ لوجوب الحجّ كغيره من الأسباب كالنذر والاستيجار فيجب حجّ آخر غير الأوّل ولو كان مندوبا وكذا نقول فيمن أفسد صومه الواجب المعين أنّه يجب إتمامه وقضاؤه.

٢ ـ استدلّ أصحابنا بالآية أيضا على وجوب إتمام الحجّ والعمرة المندوبين وتقريره يعلم ممّا تقدّم

٣ ـ أنّ الأمر باتمامهما قد يستدلّ به (١) على وجوب كلّ واحد منهما لأنّ

__________________

(١) إتمامهما لله دليل على انهما عبادتان يعتبر فيهما الإتيان بهما لله تقربا اليه والظاهر من سبك اللفظ ان قوله تعالى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) أمر وإيجاب لإيجادهما تامين بإجزائهما وشرائطهما المشروعة كقوله تعالى ( إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) ( الكهف : ٣٠ ) أي أوجده حسنا ، وكقولهم : ضيق فم الركي ، وأطل جلفة قلمك وافرج بين سطورك ، وكثير من ذلك فمن مدلول الآية إيجاب العمرة كما في صحيح ابن أذينة عن أبى عبد الله عليه‌السلام ( رواه المشايخ الثلاثة راجع الوافي ج ٥ ص ٤٧ ) وفيه في قوله « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ » يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقى المحرم فيهما. وصحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ( رواه الكافي ج ٤ ص ٢٦٥ ) قال : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لان الله عزوجل يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) وصحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام المروي في تفسير العياشي ج ١ ص ٧٨ وفيه قال ان العمرة واجبة بمنزلة الحج لان الله تعالى يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) هي واجبة مثل الحج وغيرها من الروايات تجدها في ب ١ من أبواب وجوب الحج وسائر الأبواب من كتاب حج الوسائل.

٢٧٣

الأمر للوجوب ووجوب كلّ واحد من الأجزاء يستلزم وجوب الماهيّة المركّبة من

__________________

ومن طرق أهل السنة قال في الدر المنثور ج ١ ص ٢٠٩ : أخرج ابن عيينة والشافعي في الأم والبيهقي عن ابن عباس قال : والله انها لقرينتها في كتاب الله « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ » وقال أخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ان الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت » وفيه أخبار أخر تدلّ على وجوب العمرة لا نطيل الكلام بذكرها.

وقال الزمخشري في الكشاف ج ١ ص ٢٦١ في تفسير الآية عن عمر أن رجلا قال له انى وجدت الحج والعمرة مكتوبين على أهللت بهما جميعا فقال هديت؟؟؟ نبيك. وقد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة مثال الحج.

والعجب من صاحب الكشاف حيث قال في تفسير « أَتِمُّوا » أى ائتوا بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله ثم بعد ذلك حملهما على محض الأمر باتمامهما بعد الشروع فيهما ، واختار كون العمرة غير واجبة وأغرب في تأوله لحديث ابن عباس وعمر وقال ان الأمر بالإتمام للوجوب والندب كما تقول : صم شهر رمضان وستة من شوال ، تأمر بفرض وتطوع ، وقد قال في سورة المائدة في آية الوضوء ج ١ ص ٤٤٨ ما معناه : لا يجوز ان يكون الأمر للوجوب والندب لان تناول الكلمتين لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية. وقد نبه بهذا التدافع والغرابة في كلام صاحب الكشاف بما يعجب منه الناظر المحقق الأردبيلي قدس‌سره في زبدة البيان ص ١٢٨ وفيها مطالب مفيدة اخرى فراجع ،

وأيد الإمام الرازي في تفسيره الكبير ج ٥ ص ١٥٣ كون المراد بالإتمام الإتيان على نعت الكمال بلزوم كون الأمر على فرض كون المراد الإتمام بعد الشروع مشروطا وأنها أول آية نزلت في الحج وقال : حمل الأمر فيهما على إيجاب الحج أولى من حملهما على الإتمام بعد الشروع فيه.

واستدل أيضا على وجوب العمرة بقوله تعالى ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) حيث يدل على على وجوب حج أصغر على ما عليه حقيقة أفعل وما ذاك إلا العمرة بالاتفاق وإذا ثبت أن العمرة حج وجب أن تكون واجبة لقوله تعالى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ ) ولقوله ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ).

٢٧٤

تلك الأجزاء ضرورة فتكون العمرة واجبة خلافا لأبي حنيفة فإنّه جعلها سنّة وكذا قال مالك وأوّلا الآية بأنّ المراد إذا شرعتم فيهما ، فانّ الشروع في الندب يوجب إتمامه عندهم أيضا.

٤ ـ قوله تعالى « لِلّهِ » يدلّ صريحا على وجوب إيقاعهما خالصين لله تعالى لا للرّياء والسمعة ولا لقصد المعاش خاصّة وعلى وجوب النيّة في كلّ فعل من الأفعال وعلى عدم صحّة وقوعهما من الكافر لعدم الإخلاص منه وإن كانا واجبين عليه خلافا للشافعيّ فإنّه جعل الإسلام شرطا في وجوب الحجّ مع قوله إنّ الكافر مكلّف بالفروع.

٥ ـ الحجّ والعمرة من المجملات المفتقرة إلى بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلنذكر بيانهما على مذهب أصحابنا الناقلين ذلك عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام فنقول :

أفعال الحجّ الواجبة على سبيل الإجمال : الإحرام ، ووقوف عرفة ، ووقوف المشعر ، ثمّ مناسك منى الّتي هي الرمي ، والذّبح ، والحلق أو التقصير ، وطواف البيت ، وركعتاه والسعي بين الصفا والمروة ، وطواف النساء ، وركعتاه ، ثمّ المبيت بمنى ليالي التشريق الثلاث ، ورمي الجمار الثلاث في كلّ يوم.

وأفعال العمرة الواجبة : الإحرام ، والطواف ، [ وركعتاه ] والسعي ، والتقصير ويزيد في المفردة طواف النساء ، وركعتاه.

ثمّ إنّ الحجّ ينقسم ثلاثة أقسام (١) تمتّع وقران وإفراد فالتمتّع هو الّذي

__________________

(١) قال في المدارك : ووجه التسمية اما في الافراد فلانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها وأما القران فلاقتران الإحرام بسياق الهدى وأما التمتع فهو لغة التلذذ والانتفاع وانما سمى هذا النوع بذلك لما يتحلل بين حجه وعمرته من التحلل المقتضى لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرمه الإحرام قبله ، مع الارتباط بينهما وكونهما كالشي‌ء الواحد فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه حاصل في أثناء الحج أو لأنه يربح ميقاتا لانه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج الى أن يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة وإذا تمتع استغنى عن الخروج لانه يحرم بالحج من جوف مكة انتهى.

٢٧٥

تكون العمرة فيه مقدّمة على الحجّ بخلاف أخويه والقران هو أن يقرن بإحرامه سياق هدي (١) يعقد إحرامه بإشعاره أو تقليده وإن شاء بالتلبية والمفرد يقتصر على عقد إحرامه بالتلبية لا غير ثمّ يقع الفرق بين التمتّع وأخويه تفصيلا بوجوه :

الأوّل أنّ وجوب الهدي يختصّ بالمتمتّع بخلافهما الثاني أنّه لا يجب في عمرة التمتّع طواف النساء. الثالث أنّ ميقات (٢) عمرة التمتّع.

__________________

(١) والقران عند أهل السنة هو أن يحرم بالحج والعمرة جميعا ولا يجوز عند الإمامية الجمع بين النسكين بنية واحدة فيبطل عند الأكثر ، وقال الشيخ في الخلاف ج ١ ص ٤٢٠ ينعقد إحرامه بالحج ، ونقل عن ابن عقيل جواز الجمع وجعله تفسيرا للقران مع سياق الهدى ، ولقد أتقن البيان في المسئلة المحقق قدس‌سره في المعتبر ص ٣٣٨ فراجع.

(٢) الميقات أصله موقات بالواو فانقلبت ياء لانكسار ما قبلها ويكون للزمان والمكان فميقات الصلاة يراد به الزمان وميقات الحج يراد به المكان ، ولا ينعقد الإحرام قبل الميقات عند الإمامية بالإجماع والاخبار على المنع متظافرة بل أظنها متواترة راجع الوسائل أبواب أقسام الحج وأبواب المواقيت ب ١ و ٩ و ١٠ و ١١ وغيرها ، وفي صحيحة الحلبي ح ٣ ب ١ من أبواب المواقيت قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها الى آخر الحديث ، وفيه : ولا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول الله. وفي ح ٣ ب ١١ ترى تمثيل الامام الباقر عليه‌السلام له بمن صلّى الظهر في السفر أربع ركعات ومثله ح ٥ عن ابى عبد الله عليه‌السلام وفي ح ٦ تمثيله بمن صلى العصر ست ركعات ، وغيرها من الروايات.

والأكثر على صحة نذره قبل الميقات والأقرب عندي عدم الصحة كيف والإحرام عبادة شرعية يقف فعله على أمر الشارع به ، ولا ينعقد نذر عبادة غير مشروعة وما استندوا اليه لجواز النذر من حديث سماعة وعلى بن أبي حمزة تراهما في ب ١٣ من أبواب المواقيت ح ٢ و ٣ مردود بضعف السند وقد كشف القناع عن وجه الضعف المحقق في المعتبر ص ٣٤٣ والعلامة في المختلف ص ٩٣ من الجزء الثاني فلا نطيل الكلام فيه.

واما الحديث الأول مما في ب ١٣ من أبواب المواقيت : محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن ( على ) الحلبي قال سألت أبا عبد الله عن رجل جعل لله عليه شكرا أن

٢٧٦

لأهل العراق (١).

__________________

يحرم من الكوفة قال فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال. فهو وان حكم بصحته في المنتهى وغيره لكن المحكي عن أكثر نسخ التهذيب أن الإسناد فيه هكذا : عن الحسين بن سعيد عن حماد عن على والظاهر انه ابن أبي حمزة ( راوي الحديث الثاني من باب ١٣ وقد عرفت ضعفه ) بل قيل ان نسخ التهذيب متفقة على ذلك وانما الحلبي بدله مذكور في نسخ الاستبصار ، مع أن السند فيه هكذا : الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي ، والمعروف في الحلبي مطلقا عبيد الله وأخوه محمد وحماد ان كان ابن عيسى فتبعد روايته عن عبيد الله بلا واسطة وان كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين بن سعيد عنه بلا واسطة وتبعد ارادة عمران من الحلبي ولذلك حكم بضعف هذا الحديث أيضا في كشف اللثام فراجع ، هذا ومع ذلك فهذه الأخبار مخالفة لما ورد النقل متواترا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه وقت المواقيت المعينة ، وقد عرفت إباء سياق الاخبار عن التخصيص.

ولعلك تورد علينا النقض بنذر الصوم في السفر ، ونجيبك بأنه ان ثبت إجماع في نذر الصوم كما يتراءى من كلمات القوم وذكرهم نفى الخلاف فهو المتبع والا فلا نقول به بمجرد رواية ابن مهزيار مع اضطرابها : سندا لجهالة بندار مولى إدريس وإضمار الرواية ، ومتنا لاشتمالها على كون كفارة النذر صيام سبعة وجواز الصوم حال المرض ومعارضتها بما هو أقوى منها سندا وعددا ، وكون سياق أخبار الناهية عن الصيام في السفر آبيا عن قبول التخصيص ، وعلى كل فليس في مسئلة نذر الإحرام قبل الميقات إجماع كيف وقد خالف فيه أساطين القوم كالعلامة في المختلف والمحقق في المعتبر وابن إدريس وغيرهم.

ثم ان الحكم بعدم جواز الإحرام قبل الميقات مما انفرد به الإمامية وأهل السنة قائلون بالجواز بل قد قال أبو حنيفة بأن الإحرام قبل الميقات أفضل ، وقد غضب عمر لما سمع ان عمران بن الحصين أحرم من مصره ، ولام عثمان عبد الله بن عامر حيث أحرم من خراسان انظر المغني لابن قدامة ج ٣ ص ٢٦٤ و ٢٦٥.

(١) لم يختلف أحد من أهل القبلة في المواقيت الأربعة الانية وأنه وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وان اختلفوا في جهات ستتضح لك ) واختلفوا في ميقات أهل

٢٧٧

__________________

العراق من جهتين الاولى هل وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو ثبت بالقياس ، والثانية في حده الذي يجوز الإحرام منه.

اما الجهة الأولى فنقول : الإمامية على أنه وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبه الروايات عن الأئمة عليهم‌السلام فعن أبى عبد الله : وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل العراق العقيق أوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ( الوسائل ب ١ من أبواب المواقيت ح ١٠ ) وعنه أيضا : وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل المشرق العقيق ( الحديث ح ٧ ب ١ من أبواب المواقيت ) وغيرها من الاخبار تجدها منبثة في أبواب المواقيت وأبواب أشهر الحج وغيرها ، وفي بعضها التصريح بأنه مما وقته رسول الله بعد السؤال عنهم هل هو وقت أقته رسول الله أو شي‌ء صنعه الناس؟.

وقال طائفة من أهل السنة بمثل ما قلناه من انه أقته رسول الله وبه عدة من رواياتهم فمنها ما عن ابن عباس قال : وقت رسول الله لأهل المشرق العقيق تراه في سنن ابى داود ج ٢ ص ١٩٦ الرقم ١٧٤٠ وذيله عبد الحميد بأنه في المسند الرقم ٣٣٠٥ وفي سنن الترمذي ج ٣ ص ١٩٤ الرقم ٨٣٢ عن محمد بن على عن ابن عباس ان النبي وقت لأهل المشرق العقيق قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومحمد بن على هو أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب.

ومنها ما تدل على أنه ذات عرق ففي سنن ابى داود ج ٢ ص ١٩٥ الرقم ١٧٣٩ عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل العراق ذات عرق ومثله في سنن النسائي ج ٥ ص ١٢٣ و ١٢٥ وفي صحيح مسلم ج ٨ ص ٨٤ بشرح النووي عن ابى الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعته أحسبه رفع الى النبي فقال مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الأخر الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم وفي الرقم ١٩١٥ ص ٩٧٢ سنن ابن ماجة عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أن قال : ومهل أهل المشرق من ذات عرق وذكر الشيخ قدس‌سره الروايتين في الخلاف عنهم ج ١ ص ٤٢٩.

٢٧٨

__________________

وقال طائفة منهم أقته عمر بن الخطاب ففي صحيح البخاري ج ١ ص ٢٠٧ طبع كراچى عن عبد الله بن عمر : لما فتح المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين ان رسول الله حد لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وان أردنا أن نأتي قرن شق علينا قال :فانظروا حذوها عن طريقكم فحد لهم ذات عرق ورواه ابن تيمية أيضا في المنتقى عن البخاري كما في ص ٣١٢ ج ٣ من نيل الأوطار ، فلو صح الحديث يحمل على انه لم يبلغ عمر توقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال طائفة من أهل السنة انه ثبت قياسا قالوا لأن أهل العراق كانوا مشركين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال العلامة قدس‌سره في التذكرة ولا حجة فيه لعلمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنهم يسلمون أو يمر على هذا الميقات مسلم كما عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله لا تجاوزها وأنت محرم فإنه وقت لأهل العراق ولم يكن يومئذ عراق بطن العقيق الحديث ( الوسائل ب ١ من أبواب المواقيت ح ٣ ) وفيه تصريح بأنه وقت العقيق لأهل العراق ولم يكونوا يومئذ مسلمين ، ولا إشكال في ذلك كما بينه العلامة فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح وما أكثر الروايات من طرق الإمامية وأهل السنة من ذكر توقيته لأهل الشام الجحفة ومعلوم أن الشام لم يكن فتح يومئذ وقد ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بفتح الشام واليمن والعراق وأخبر بأنه زويت له مشارق الأرض ومغاربها وانهم سيفتحون مصر وغير ذلك مما يطول ذكره.

والجهة الثانية التي اختلف فيها محل الإحرام فالامامية على أن الإحرام من أول العقيق وهو المسلخ أفضل كما ذكره المصنف ثم غمرة ثم ذات عرق والمشهور عندهم جواز الإحرام مختارا من ذات عرق ، قال العلامة في المختلف : ان كلام الشيخ على بن بابويه يشعر بأنه لا يجوز التأخير إلى ذات عرق الا لعليل أو تقية ، قلت وكذا كلام الشيخ في النهاية أيضا يشعر بذلك والروايات المانعة عن التأخير من المسلخ أو غمرة إلى ذات عرق قوية السند والدلالة الا أنه حيث لم يعمل الأصحاب بمضمونها بل أعرضوا عنها

٢٧٩

__________________

وأهملوها تسقط عن الحجية بل كاد أن تكون خلافا للاتفاق.

وفي بعض الروايات : ان أول العقيق بريد البعث ففي الوسائل ب ٢ من أبواب المواقيت ح ٢ عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال أول العقيق بريد البعث وهو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراق وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا بريدان. قال العلامة المجلسي في ج ٣ مرآت العقول ص ٢٨٥ ان في بعض النسخ البغث بالغين المعجمة وهو غير مذكور في كتب اللغة وصحح بعض الأفاضل البعث بالعين المهملة بمعنى الجيش ، قال لعله كان موضع بعث الجيوش وقرأ المسلح بالحاء المهملة أي الموضع الذي يترتب فيه السلاح. انتهى كلامه.

قلت : البغث بالغين المعجمة مذكور في كتب المعاجم كمراصد الاطلاع ومعجم البلدان الا انه لا ينطبق على العقيق فإنه وبغيث مصغرا اسم واد في ظهر خيبر والابغث المكان الذي فيه رمل ، وقال في مجمع البحرين ويحكى ضبطه عن العلامة بريد النغب بالنون قبل الغين المعجمة والباء الموحدة أخيرا وهو خلاف ما اشتهر من الرواية.

ثم البريد على ما في النهاية لابن الأثير كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل وأصلها « بريدة دم » أى محذوف الذنب لان بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة فأعربت وخففت ثم سمى الرسول الذي يركبه بريدا والمسافة التي بين السكتين بريدا والسكّة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أوقبه أو رباط وكان يرتب في كل سكة بغال وبعد ما بين السكتين فرسخان وقيل أربعة فراسخ انتهى ما في النهاية وعلى كل فالظاهر ان الإحرام منه قبل العقيق خلاف الاحتياط.

وفي رواية آخر العقيق أوطاس ( راجع الوسائل ب ٢ من أبواب المواقيت ح ١ ) وأوطاس جمع وطس كاجبال جمع جبل من قولهم وطست الشي‌ء أوطسه إذا وطئته وطئا شديدا سمى المكان بذلك لأنه موطإ ملين وهو كما في معجم البلدان اسم واد في بلاد هوازن كانت فيه وقعة حنين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببني هوازن ، وقال ابن شبيب الغورى من ذات عرق إلى أوطاس وأوطاس على نفس الطريق ونجد من حد أوطاس الى القريتين وعلى كل فلعل التأخير إلى أوطاس مخالف للإجماع وورد أيضا انه ليس من العقيق

٢٨٠