كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

أيتام وأبرزهم بالذكر وإن كانوا داخلين في القربى لشدّة الاعتناء بحالهم.

الثالث إقامة الصلاة الرابع إيتاء الزكاة واتّفق الكلّ [ على ] أنّ المراد بها الواجبة هنا وأمّا الإيتاء الأوّل فيشمل الواجب وغيره ولهذا قال ابن عباس في المال حقوق واجبة سوى الزكاة وقال الشعبيّ هي محمولة على حقوق واجبة غير الزكاة ممّا له سبب كالنفقة على من يجب نفقته وعلى الجائع المشرف بسدّ رمقه والنذور والكفّارات ويحتمل أن يكون المراد الزكاة المفروضة في الموضعين لكن الغرض من الأوّل بيان مصرفها ومن الثاني أداؤها والحثّ عليها وهذا عندي قويّ ليكون الآية مشتملة على الواجبات ولأنّه وقع بين الإيمان الواجب وإقامة الصلاة وهي واجبة أيضا.

الخامس : الوفاء بالعهد ويدخل فيه النذر وكلّما التزمه المكلّف من الأعمال مع الله تعالى ومع غيره وهو واجب أيضا.

السادس : الصبر وهو حبس النفس على المكروه امتثالا لأمر الله تعالى وهو من أفضل الأعمال حتّى قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « الايمان شطران شطر صبر وشطر شكر » (١) والبأساء ما يتعلّق بالمال كالفقر وغيره والضرّاء ما يتعلّق بالبدن كالمرض والعمى والزمانة وغيرها وحين البأس هو الحرب في الجهاد « أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا » أي في دعوى الإيمان « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » أي هم الجامعون لوظائف التقوى.

الثانية ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (٢).

هذه الآية الشريفة صريحة في وجوب الزكاة على الكافر للتوعّد على عدم إتيانها لكنّه لا يصحّ منه أداؤها حال كفره لعدم إخلاصه ولقوله تعالى ( وَما مَنَعَهُمْ

__________________

(١) أخرجه في الجامع الصغير عن انس كما في السراج المنير ج ٢ ص ١٣٧ ولفظه : « الايمان نصفان فنصف في الصبر ونصف في الشكر ».

(٢) حم السجدة : ٧.

٢٢١

أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ) (١) فإذا أسلم سقطت عنه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الإسلام يجب ما قبله » (٢) ولو تلفت حال كفره لم يضمنها.

قال المعاصر : ويمكن الاستدلال بها على أنّ مانع الزكاة مستحلّا مشرك وهو حقّ لأنّ من لا يعتقد وجوبها كافر قلت : في هذا الكلام خطأ لفظا ومعنى أمّا لفظا فقوله مشرك فانّ المشرك من يجعل مع الله شريكا ومعلوم أنّ ذلك غير لازم من منع الزكاة فلو قال كافر لكان أولى وأمّا معنى فلأنّ منطوقها أنّ المشرك لا يؤتى الزكاة ولا يلزم منه أنّ الّذي لا يؤتى الزكاة يكون مشركا لأنّ الموجبة الكلّيّة لا تنعكس كنفسها ولو انعكس جزئيّا فلا دلالة له على المطلوب بنفسه بل بدليل خارج وذلك كاف في المطلوب فلا يكون الآية هي الدالّة بل غيرها.

الثالثة ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (٣).

اعلم أنّ الآيات العامّة في وجوب الزكاة في المال خصّت بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقريره [ يأتي ] واتّفق أصحابنا أنّ الزكاة تجب في تسعة أشياء لا غير هي : الإبل والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضّة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب لروايات كثيرة من أهل البيت عليهم‌السلام منها رواية زرارة ومحمّد بن مسلم وغيرهما عن الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما قالا « أنزل الله الزكاة في كتابه فوضعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تسعة وعفى عمّا عدا ذلك » (٤) وأيضا أصالة البراءة وعموم قوله تعالى

__________________

(١) البراءة : ٥٥.

(٢) قد مر في ص ١٦٦ فراجع.

(٣) البراءة : ٣٦.

(٤) الوسائل ب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح ٤ وغيره.

٢٢٢

( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) (١) يعمّان كلّ مال ، خرج من ذلك ما وقع الإجماع عليه فيبقى الباقي على أصله.

إن قلت : قوله تعالى ( وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) (٢) والزرع يعمّ كلّ ما أنبتت الأرض والضمير في حقّه وحصاده يرجع إلى الجميع فيكون واجبا فيه وهو المطلوب. قلت : الجواب من وجهين الأوّل أنّها مكّيّة وآية وجوب الزكاة مدنيّة فهي ناسخة للمكّيّة والمنسوخ لا دلالة فيه الثاني سلّمنا عدم نسخها لكن نمنع أنّ المراد بالحقّ (٣) الزكاة أعني العشر ونصفه لجواز أن يراد ما يتصدّق به يوم الحصاد على المارّة وغيرهم من السؤال من إعطاء الضّغث والضغثين وهذا مرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام (٤) ويؤيّده قوله تعالى ( وَلا تُسْرِفُوا ) وهو قول الشافعيّ أيضا.

فأيده : أوجب الشافعيّ الزكاة في كلّ ما أنبته الآدميّون (٥) وكان مقتاتا حال ادّخاره بخلاف ما ينبت من نفسه كبزر قطونا أو أنبته الآدميّون ولا يقتات كالبطّيخ والقثّاء والخيار وغيرها من الخضراوات والبقول أو يقتات ولا ينبته الآدميّون كالبلّوط فانّ ذلك كلّه لا زكاة فيه وبه قال مالك وقال أبو حنيفة تجب في كلّ خارج قصد إنباته مقتاتا كان أو لا فيجب عنده في الخضراوات.

إذا تقرّر هذا فلنشرع في الآية فنقول : الآية صريحة في وجوب الزكاة في الذّهب والفضّة لكن بشرط كونهما مسكوكين بسكّة قد تعومل بها قديما أو حديثا وأن يكونا باقيين طول الحول أمّا ما تعومل به أو دير في البيع والشراء فلا

__________________

(١) القتال : ٣٦.

(٢) الانعام : ١٤١.

(٣) بها حق ، خ.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٧٧ رقم ٩٧ ـ ١١٤.

(٥) الأرضون خ ل.

٢٢٣

تجب لأصالة البراءة وأيضا روى زرارة في الصحيح قال كنت قاعدا عند الباقر عليه‌السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه‌السلام فقال « يا زرارة إنّ أبا ذرّ وعثمان تنازعا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عثمان : كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار ويعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول وقال أبو ذرّ أمّا ما اتّجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول فعليه الزكاة فاختصما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : القول ما قال أبو ذرّ » (١) وغير ذلك من الروايات.

واتّفق فقهاء العامّة على وجوب الزكاة فيهما مطلقا مسكوكا وغيره صحيحا ومكسورا تبرا ونقرة واختلفوا في جمع النصاب من النقدين فقال مالك وأبو حنيفة بالضمّ وخالف الشافعيّ وأحمد كما هو رأي أصحابنا ثمّ الأوّلون اختلفوا فقال مالك : الضمّ بالأجزاء وقال أبو حنيفة بالقيمة واتّفق العلماء كافّة على اشتراط الحول وأنّ النصاب الأوّل في الذهب عشرون مثقالا وفي الفضّة مائتا درهم ثمّ اتّفق العامّة على الوجوب في الزائد مطلقا إلّا أبا حنيفة فإنّه يقول بقولنا إنّه لا يجب حتّى يبلغ أربعة دنانير في الذهب وأربعين في الفضّة.

فائدة : أوجب أبو حنيفة لا غير الزكاة في الحليّ المباح واتّفقوا على وجوبها في الحرام وهنا فوائد :

١ ـ أنّ الكنز هو جمع المال تحت الأرض أو فوقها حفظا له وإنّما لم يقل ولا ينفقونهما إمّا لعود الضّمير إلى الكنوز وإن لم تكن مذكورة أو أنّه عائد إلى الفضّة والتقدير يكنزون الذهب ولا ينفقونه ويكنزون الفضّة ولا ينفقونها فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه كقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما عندك

راض والرأي مختلف (٢)

٢ ـ اعلم أنّ من يجمع المال للإنفاق على العيال أو بعد إخراج الحقوق

__________________

(١) الوسائل ب ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح ١.

(٢) قد مر فيما سبق راجع ص ١٣٠ و ١٣١.

٢٢٤

الماليّة خارج عن هذا الوعيد لأنه تعالى قيّد الكنز بعدم الإنفاق وإذا عدم القيد عدم الحكم ولما روي عنه عليه‌السلام أنه قال « ما أدّى زكوته فليس بكنز وإن كان باطنا وما بلغ أن يزكّى فلم يزكّ فهو كنز وإن كان ظاهرا » (١) وعن ابن عمر :كلّما أدّيت زكوته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين. وأمّا ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه « لمّا نزلت قال تبّا للذهب والفضّة قالها ثلاثا فقالوا أيّ مال يتّخذ فقال لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وزوجة تعين أحدكم على دينه » (٢) وقال أيضا « من ترك صفراء وبيضاء كوي بهما » (٣) فمحمول على مال لم يؤدّ حقّه أو على من ليس له أولاد ولا ورثة محتاجون وأمّا من له ورثة محتاجون فيجوز التبقية لهم جمعا بين قوله هذا وبين قوله لمن أوصى بماله في سبيل الله فنهاه [ عنه ] عليه‌السلام « فقال : النصف؟ فقال لا فقال الثلث؟ فقال عليه‌السلام : الثلث والثلث كثير ثمّ قال لأن تتركه لعيالك خير لك » (٤).

٣ ـ « يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها » منصوب على الظرف بعامل محذوف أي بعذاب أليم كائن يوم يحمى عليها وفائدة ذكر « عليها » المبالغة في الأحماء فانّ الجسم إذا سلّطت عليه النار حتّى تعمل فيه كان أشدّ حرارة من مروره بها.

٤ ـ قيل إنّما خصّ هذه الأعضاء بالكيّ لأنّ أصحاب الكنوز إذا سألهم الفقير تعبّسوا في وجهه وأمالوها عنه فعبّر عنها بالجباه وإذا دار الفقير أعطوه جنوبهم فإذا دار أعطوه ظهورهم وقيل : لا زورار وجوههم عند الطلب وجعلهم الفقير وراء ظهورهم وأخذهم عن المعروف جانبا وقيل : لأنّها أشرف الأعضاء لاشتمالها على

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ٣٥٨ ، السراج المنير ج ٣ ص ٢٦٣. ولفظ الحديث مختلف.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٢ مجمع البيان ج ٥ ص ٢٦. الجامع الصغير عن أبي هريرة كما في السراج المنير ج ٢ ص ١٥٤.

(٣) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٣ من حديث أبى ذر وأبى امامة ولفظه ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء إلا كوي بهما.

(٤) صحيح البخاري ج ٢ ص ١٢٥ ، سنن أبى داود ج ٢ ص ١٠١.

٢٢٥

الأعضاء الرئيسة الّتي هي الدماغ والقلب والكبد.

الرابعة ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (١).

حقّ معلوم أي يقدّرونه في أموالهم ويلزمون أنفسهم بإخراجه وليس المراد به ما أوجبه الشارع وإلّا لقال يؤدّون ما أوجبنا عليهم أو ندبنا إليه. والسائل المستجدي والمحروم الّذي يظنّ غنيّا لتعفّفه فيحرم وقيل : لا ينمي له مال. وقيل : الّذي لا كسب له.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه استدلّ بعضهم على وجوب زكاة التجارة بهذه الآية وليس بشي‌ء لعدم دلالتها على محلّ النزاع لا نصّا ولا ظاهرا بل إنّما خرجت مخرج المدح لهم في سياق مدحهم بالقيام للعبادة ليلا والاستغفار الّذي هو من المندوبات الّتي ألزموا أنفسهم بها وتسمية ما التزموا إخراجه حقّا لا تدلّ على وجوبه لأنّ الحقّ قد يطلق على الوظيفة المقدّرة وإن لم تكن واجبة على أنّا لو سلّمنا أنّه يدلّ على الوجوب لكان دلالته على الزكاة العينيّة أولى.

القسم الثاني

( في قبض الزكاة وإعطائها المستحق )

وفيه آيات :

الاولى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢).

روي أنّ جماعة تخلّفوا عن تبوك ولم يخرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم أبو لبابة وهم الّذين شدّوا أنفسهم بالسّواري توبة وندما على فعلهم وكان سبب

__________________

(١) المعارج : ٢٤ ومثلها في الذاريات : ١٩.

(٢) البراءة : ١٠٤.

٢٢٦

تأخّرهم اشتغالهم بإصلاح أموالهم فلمّا قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من تبوك دخل المسجد فصلّى ركعتين وكان ذلك دأبه إذا رجع من سفره فرأى الموثّقين بالسواري فسأل عنهم فقيل له إنّهم حلفوا أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى يحلّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّي لا أحلّهم حتّى أومر به فلمّا نزلت الآية وهي ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) (١) إلى آخرها أطلقهم وعذرهم (٢).

ثمّ إنّه لمّا حلّهم قالوا يا رسول الله هذه أموالنا الّتي تخلّفنا لإصلاحها خذها وتصدّق بها وطهّرتا من الذنوب فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزلت فأخذ منهم الزكاة المقرّرة شرعا وعلى ذلك إجماع الأمّة.

__________________

(١) البراءة : ١١٩.

(٢) قال أبو عمر في الاستيعاب ترجمة أبي لبابة بن عبد المنذر : اختلف في الحال التي أوجبت فعل أبي لبابة هذا بنفسه ( يعنى ربطه بالسارية ) وأحسن ما قيل في ذلك ما رواه معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك فربط نفسه. القصة راجع الاستيعاب بذيل الإصابة ج ٤ ص ١٩٧ لكنه خلاف ما عليه المفسرون وأهل السير فإنهم زعموا أن الآية « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » الآية نزلت فيمن تخلف عن تبوك وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن ربعي ( الربيع ) فلما رجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاؤا اليه يعتذرون فلم يكلمهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقدم الى المسلمين ان لا يكلمهم احد فهجرهم الناس حتى الصبيان ونساؤهم فضاقت عليهم المدينة وخرجوا الى رؤس الجبال القصة راجع مجمع البيان ج ٥ ص ٧٩ ، الدر المنثور ج ٣ ص ٢٨٦ ، سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٥٣١.

وأما قصة أبي لبابة وربطه نفسه بالسارية فإنما هو في غزوة بني قريظة ونصحه ليهود بني قريظة خلافا لرسول الله والمسلمين : أن لا ينزلوا على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنهم إن نزلوا على حكمه فإنه الذبح اشارة بيده. فنزلت قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ) الآية ( الأنفال : ٢٧ ) عن الكلبي والزهري والعجب اختلاف الزهري في نقله القصة تارة كما مر عن الاستيعاب وتارة هكذا راجع سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٦ ، مجمع البيان ج ٤ ص ٥٣٧ ، الدر المنثور ج ٣ ص ١٧٨.

٢٢٧

و « من » للتبعيض أي بعض أموالهم و « تُطَهِّرُهُمْ » صفة للصدقة أي صدقة مطهّرة ويجوز كون التاء للخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي تطهّرهم أنت « وَتُزَكِّيهِمْ » أي تنمي في أموالهم وقيل بمعنى تطهّرهم ليكون تأكيدا وقد عرفت أنّ التأسيس أولى وإنّما لم يجزم الفعلين ليكون جوابا للأمر لأنّ في جعلهما صفتين فائدة زائدة وهي أنّ المأمور به أخذ صدقة مطهّرة وهي الّتي تكون عن طيب نفس وانشراح صدر بنيّة خالصة لا مطلق الصدقة ومع الجزم لا يفيد إلّا مطلق الصدقة فعلى هذا لا يكون التاء للخطاب. والسكن ما يسكن إليه والمراد أنّهم تسكن نفوسهم بصلاته عليهم وتطيب قلوبهم بقبول صدقتهم « وَاللهُ سَمِيعٌ » لدعائك لهم « عَلِيمٌ » بنيّاتهم فإنّها صدرت عن إخلاصهم من غير رياء ولا سمعة إذا عرفت هذا فهنا أحكام :

١ ـ أنّها تدلّ على اشتراط الملك للنصاب بقوله « أموالهم » والإضافة حقيقيّة للام الملك.

٢ ـ فيها دلالة على وجوب أخذ الإمام الصدقة لصيغة الأمر وهل يجب حملها إليه ابتداء قيل نعم لأنّ الإيجاب عليه يستلزم الإيجاب عليهم والمشهور أنّه يجوز تولّي المالك إخراجها لكن حملها ابتداء مستحبّ لكونه أبصر بمواقعها ومع طلب الإمام يجب حملها إليه ولو فرّق حينئذ فالأقوى عدم إجزائها وقال الشافعيّ يجوز إخراج زكاة الأموال الباطنة قولا واحدا وأمّا الظاهرة فله قولان قال في الجديد يجوز أيضا وقال في القديم لا يجوز وبه قال مالك وأبو حنيفة.

٣ ـ هل الصلاة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله على المالك واجبة أو مستحبّة قال أكثر أصحابنا بالأوّل لقوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) وصيغة افعل للوجوب هذا مع عطفه على الواجب وتعليله بلفظه إنّ في لطفيّته للمكلّف واللّطف واجب فالموصل إليه كذلك وقال الآخرون بالثاني وهو قول عامّة الفقهاء للأصل ويضعّف بقيام الدليل على وجوبه.

٤ ـ إذا قلنا بالوجوب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الاستحباب فهو كذلك على

٢٢٨

الإمام القائم مقامه بل والساعي والفقيه أيضا لوجوب التأسّي به ولحصول معنى اللطفيّة في الجميع.

٥ ـ دلّت الآية الكريمة دلالة صريحة على لفظ الصلاة وفعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أبي أوفى لمّا أتاه بصدقته « فقال اللهمّ صلّ على أبي أوفى وعلى آل أبي أوفى » (١) كما نقل العامّة في الصحيحين فيكون جائزا نعم يجوز الدعاء بلفظ آخر غير الصلاة للترادف ولعدم القائل بالمنع ومنع أكثر العامّة من لفظ الصلاة بل يقول آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت ونحوه.

٦ ـ قد تقرّر في أصول الفقه أنّ خصوص السبب لا يخصّص وقد نقلنا إنّ الآية نزلت في شأن من تخلّف عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يظنّ ظانّ قصرها عليهم بل هي على العموم في كلّ متصدّق وهو المطلوب.

٧ ـ في قوله « مِنْ أَمْوالِهِمْ » دلالة على أنّ الزكاة في العين لا في الذمّة كما قال بعض الفقهاء من العامّة ويتفرّع أنّه لو مضى على النصاب الواحد حولان من غير إخراج زكّى لسنة واحدة على الأوّل ولكلّ حول زكاة على الثاني.

الثانية ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ ) (٢).

الاستفهام ههنا يحتمل معنيين : أحدهما التقرير والتنبيه على وجوب علمهم بأنّ الله هو يقبل التوبة وهو الّذي يأخذ الصدقة وهو مجاز عن الرضا بها والجزاء

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦١ ولفظ الحديث : عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى ، ونقله في المجمع ج ٥ ص ٦٨ ، الدر المنثور ج ٣ ص ٢٧٥ ، وقد مر سابقا راجع ص ١٣٩.

(٢) البراءة : ١٠٥.

٢٢٩

عليها وإليه الإشارة في الحديث « إنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى يد السائل » (١) وإنّما وجب العلم بذلك ليكون داعيا ومقرّبا إلى وقوع التوبة وإعطاء الصدقة وثانيهما الإنكار لعدم علمهم وذلك أنّهم لمّا سألوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذ أموالهم ويقبل توبتهم كما تقدّم ذكره ولم يعلموا أنّه لا يقبل التوبة غير الله ، ولا يأخذ الصدقة إلّا هو ، أنكر ذلك عليهم وفايدة لفظ هو حصر أي لا يقبل إلّا هو وفي الآية من المبالغة في وجوب العلم بقبول التوبة وأخذ الصدقة وأنّه توّاب أي كثير القبول للتوبة ورحيم بعباده ما يظهر لمن تدبّر [ في ] تركيبها بإيراد الاستفهام بالمعنيين المذكورين وإردافه بالعلم ثمّ الإتيان بالجملة المؤكّدة بأنّ وأداة الحصر وذلك غاية في رأفته بعباده ورحمته لهم.

الثالثة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (٢).

هنا مسائل :

١ ـ يحتمل أن يراد بالطيّب هنا الحلال ولذلك « روي عن الصادق عليه‌السلام أنّها نزلت في قوم لهم مال من رباء الجاهليّة وكانوا يتصدّقون منه فنهاهم الله تعالى عن ذلك وأمرهم بالصدقة بالحلال » (٣) كما ورد في الحديث « إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا الطيّب » (٤) ولما في الحرام من القبح الحاصل من التصرّف في ملك الغير الّذي هو

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ١٠٧ ، الدر المنثور ج ٣ ص ٢٧٥. وفي لفظ قبل أن تقع.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٨ ، الرقم ١٠ تفسير العياشي ج ١ ص ١٤٩.

(٤) المستدرك عن درر اللآلي ج ١ ص ٥٤٥. ولفظه : « ان الله يقبل الصدقات ولا يقبل منها الا الطيب » صحيح البخاري ج ١ ص ٢٤٥ في حديث « ولا يقبل الله الا الطيّب ».

٢٣٠

قبيح عقلا وشرعا. إن قلت : عندكم أنّ الحلال المختلط بالحرام ولا يتميّز مالكه ولا قدره يخرج منه الخمس وذلك من المجتمع من المالين فيكون إنفاقا وتصرّفا من الحرام وفيه وهو مناف لمنطوق الآية. قلت : نمنع أنّ ذلك تصرّف في الحرام لأنّا إنّما حكمنا بإخراج الخمس لمكان الضرورة الماسّة إلى التصرّف في الحلال لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الناس مسلّطون على أموالهم » (١) ولمّا جهل المالك وتعذّر رضاه أذن الشارع لا مطلقا بل بإخراج ما يمكن أن يكون عوضا للمالك يوم القيامة كما يأذن الحاكم في المعاوضة على مال الغائب والمحجور عليه وذلك لا يكون إنفاقا وتصرّفا من الحرام ولا فيه هذا ويحتمل أن يراد بالطيّب الجيّد من المال والمستحسن منه ولذلك قيل إنّها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف ويدخلونه في تمر الصدقة (٢) روي ذلك عن علي عليه‌السلام (٣) ويؤيّد ذلك قوله تعالى ( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ ) (٤) فعلى هذا قيل إنّ المراد الصدقة الواجبة وهي الزكاة وقيل المندوبة والأصحّ العموم للقسمين بل سائر الإنفاق في سبيل الخير وأعمال البرّ.

إن قلت : لو كان النصاب النعمي كلّه مراضا لم يكلّف شراء صحيحه وكذا لو كان تمره محشفا لم يكلّف شراء غيره بل يخرج منهما فيكون إنفاقا من الرديّ وهو خلاف المأمور به. قلت : إن حمل الأمر على المندوب فذلك على الأفضل فخلافه غير ممنوع وإن حمل على الواجب فإنّما لم يكلّف شراء الصحيح والجيّد لئلّا يلزم الظلم في حقّ المالك لأنّ الزكاة تعلّقت بعين المال فلا تتناول غيره هذا ، مع أنّ الأفضل له إخراج الجيّد وفي الآية دلالة على أنّ إخراج الصدقة من كسب الإنسان أفضل من

__________________

(١) أخرجه في البحار ج ٢ ص ٢٧٢ من طبعة دار الكتب عن غوالي اللئالي.

(٢) عن عوف بن مالك قال : دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسجد وبيده عصا وقد علق رجلا قنا حشفا فطعن بالعصا في ذلك القنو وقال : لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها وقال ان رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة. راجع سنن ابى داود ج ١ ص ٣٧٢.

(٣) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٨٠.

(٤) آل عمران : ١٩٢.

٢٣١

غيره خصوصا ما كان بالجارحة فإنّه أشقّ تحصيلا فيكون أفضل.

ويمكن الاستدلال بها على استحباب زكاة التجارة بقرينة التكسّب ومن قال بوجوبها من العامّة يدفعه أصالة البراءة وما حكيناه من رواية أبي ذرّ.

ثمّ إنّ بعضهم قال : إنّ مال التجارة ما دام عروضا لا زكاة فيه ولو بقي أحوالا فإذا بيع زكّوه لسنة واحدة وهو قول مالك والشافعيّ في القديم وقال في الجديد وأبو حنيفة : بل كلّ حول يقوّم ويخرج عنه.

٢ ـ « وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ » أي ومن طيّبات ما أخرجناوحذف المضاف لدلالة ما قبله عليه وإنّما أعاد الجارّ ولم يكتف بالعطف « على ما كسبتم » لزيادة الاعتناء بالإنفاق من الغلّات والثمار قيل والمعادن أيضا فإنّها تخرج من الأرض فعلى هذا يستدلّ بها على استحباب الزكاة في كلّ ما يخرج من الأرض خرج الخضر وما لا يكال ولا يوزن للإجماع فيبقى الباقي وكذا على وجوب إخراج الخمس من جميع أنواع الزرع ممّا يفضل عن مؤنة السنّة والمعدن كما يقوله أصحابنا إذا بلغ بعد المؤن ما قيمته عشرون دينارا وكلّ هذه مجملات يعلم تفاصيلها من بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبيان الأئمّة عليهم‌السلام.

٣ ـ « وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ » أي لا تتعمّدوا ، والخبيث هنا مقابل الطيّب فيكون هنا إمّا الحرام أو الرديّ ويؤيّد الثاني قوله « وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ » أي تتساهلوا [ فيه ] من أغمض بصره إذا غضّه.

وفي قوله « وَلا تَيَمَّمُوا » إشارة إلى أنّ المنهيّ عنه إنّما هو تعمّد إخراج الرديّ وأمّا ما كان لا عن تعمّد فلا حرج فيه ، وفيه أيضا دلالة على عدم وجوب شراء الجيّد لأنّه لم يتعمّد الرديّ فأخرج منه بل اتّفق ذلك عنده وعلى الأوّل يمكن أن يكون قوله « وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ » أي لستم بحال يجوز لكم أخذه والتصرّف فيه إلّا أن تتساهلوا في دينكم بعدم القيام بنواهيه فتغمضوا في أمر الحرام فتأخذونه وهذا وجه لا يدفعه اللّفظ ولا المعنى.

واستدلّ بعضهم بها على أنّه لا يجوز عتق الكافر وردّه المعاصر بأنّ العتق

٢٣٢

ليس إنفاقا لأنّه قسيم له في [ نحو ] الكفّارات وقسيم الشي‌ء مغاير له. وفيه نظر أمّا أوّلا فللمنع من عدم كون العتق إنفاقا فانّ الأوامر الواردة بالإنفاق عامّة يصدق عليه فانّ الإنفاق هو بذل المال تقرّبا إلى الله تعالى وأمّا ثانيا فلأنّ وقوعه قسيما لانفاق خاصّ لا يستلزم عدم كونه قسما من الإنفاق العامّ نعم كون العبد الكافر خبيثا بأحد المعنيين المذكورين ممنوع فإنّه ليس حراما وإلّا لحرم بيعه وتملّكه ولا رديّا عرفا ولهذا جاز رفعه إلى الفقير صدقة لكونه مالا قابلا للتملّك والنقل « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ » عن صدقاتكم حقيق بالحمد منكم على إنعاماته الجليلة.

الرابعة ( وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١).

لمّا أخبر سبحانه « أنّ ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (٢) وفي موضع آخر ( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) (٣) أخبر هنا أنّ الّذين يؤتون الزكاة مخلصة لوجه الله هم الّذين يضعفون حسناتهم أي يجعلونها مضاعفة والاضعاف [ في ] زيادة الأجر والثواب إن قلت كيف الجمع بين هذه الاضعافات وبين قوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلّا ما سَعى ) (٤) قلت المراد ليس له إلّا ما سعى من باب العدل وأمّا الاضعاف فمن قسم التفضّل وفي الآية دلالة على وجوب النيّة في الزكاة وإيقاعها على سبيل الإخلاص لله تعالى.

الخامسة ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٥).

__________________

(١) الروم : ٣٩.

(٢) الانعام : ١٦٠.

(٣) البقرة : ٢٦١.

(٤) النجم : ٣٩.

(٥) البراءة : ٦١.

٢٣٣

لمّا عاب المنافقون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قسمة الصدقات بأنّه يعطي من أحبّ ونزل فيهم ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) (١) أي يعيبك ـ يقال لمزه يلمزه بكسر العين في المضارع وضمّها إذا عابه على وجه المساترة ـ أنزل الله هذه الآية قاطعة لأطماعهم وأتى بإنّما الّتي للحصر للدلالة على أنّه لا يستحقّها سوى هؤلاء المذكورين.

واختلف في اللّام في « لِلْفُقَراءِ » هل هي للتمليك أو لبيان المصرف؟ فقال الشافعيّ بالأوّل فيجب البسط على الأصناف ويعطي من كلّ صنف ثلاثة لا أقلّ منهم وقال مالك وأبو حنيفة بالثاني فلا يجب البسط بل لو أعطى زكوته واحدا من أيّ صنف كان جاز لكن أبو حنيفة لا يعطي ما يؤدّي إلى الغني فلو خالف فعل مكروها وملكه المعطى وبرئت الذمّة ومالك يجوّز ذلك إذا أمل غناءه وقال أصحابنا بجواز أيّ صنف كان ولو واحدا منهم لكنّ البسط أفضل وبذلك قال ابن عبّاس وحذيفة وغيرهما من الصحابة لأنّ كون اللّام للتمليك لا وجه له فانّ المستحقّ لا يملك قبل الأخذ ولأنّ حملها على بيان المصرف موافق لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي عابه المنافقون فيكون أولى.

إذا عرفت هذا فلنذكر الأقسام مفصّلة والخلاف فيها فنقول :

الأوّل الفقراء ، الثاني المساكين قيل إنّهما قسم واحد وإنّما أتى باللّفظين لا لتغاير المعنى بل لتأكيد أحدهما بالآخر كعطشان بطشان وقيل بالتغاير وبه قال الشافعيّ وأبو حنيفة فقيل الفقير متعفّف لا يسأل والمسكين بخلافه وقيل بالعكس ويؤيّد الأوّل قوله تعالى ( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً ) (٢) ويؤيّد الثاني قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة و

__________________

(١) البراءة : ٥٩.

(٢) البقرة : ٢٧٣.

٢٣٤

الأكلتان والتمرة والتمرتان ولكنّ المسكين الّذي لا يجد غنى فيغنيه ولا يسئل الناس شيئا ولا يفطن به فيتصدّق عليه (١) » وقيل الفقير الزمن المحتاج والمسكين الصحيح المحتاج قاله قتادة والتحقيق أنّهما يشتركان في معنى عدميّ وهو عدم ملك مؤنة السنّة له ولعياله الواجبي النفقة ولو كان غنيّا وهل أحدهما أسوء حالا من الآخر بمعنى أنّه لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته والآخر أجود حالا [ من ] له مال أو كسب يقع موقعا من حاجته لكن لا يكفيه للسنة؟ الأكثر على ذلك فقيل الفقير هو أسوء حالا للابتداء بذكره الدالّ على الاهتمام بحاله ولأنّه مشتق من فقار الظهر فكأنّ الحاجة قد كسرت فقار ظهره ولاستعاذة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفقر [ وسؤاله المسكنة ] فقال « اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر وأسئلك المسكنة » (٢) حتّى قال « كاد الفقر أن يكون كفرا » (٣) وبهذا قال الشافعيّ وقيل المسكين هو الأسوء للتأكيد به ولأنّه من السكون كأنّ العجز أسكنه ولقوله تعالى ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وبهذا قال أبو حنيفة ويرجّح الأوّل قوله تعالى ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (٥) وأجيب بأنّها لم يكن لهم ملكا بل كانوا اجراء فيها ويرجّح الثاني قول ابن السكّيت : الفقير الّذي له بلغة من العيش والمسكين لا شي‌ء له وأنشد قول ابن الراعي :

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٢٥٨. من حديث أبي هريرة.

(٢) روى صدره أبو داود في سننه ج ١ ص ٣٥٤ والنسائي كما في مشكاة المصابيح ص ٢١٧ والسيوطي كما في السراج المنير ج ١ ص ٣٢٥ ولفظه : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر. وروى ذيله أيضا كما في ص ٢٩٨ ولفظه : اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين.

(٣) السراج المنير ج ٣ ص ٧٤ من حديث انس. وهو ضعيف.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) الكهف : ٨٠.

٢٣٥

أمّا الفقير الّذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد (١)

والأقوى عندي هو الثاني لقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي بصير « الفقير الّذي لا يسئل والمسكين أجهد منه والبائس أجهد منهما » (٢) وهو نصّ في الباب ولأنّه قول أئمّة اللّغة كابن السكّيت وابن دريد وأبي عبيدة وأبي زيد وقال يونس قيل لأعرابيّ أفقير أنت فقال لا والله بل مسكين ثمّ إنّ فائدة الخلاف لا تظهر في باب الزكاة لاجزاء إعطاء كلّ منهما بل في أفضليّة العطاء وفي الكفّارات والنذر والوقف والوصيّة وذكر أحدهما بلفظه بخلاف ما لو قال المحاويج فإنّه شامل للقسمين.

الثالث العاملون [ عليها ] وهم السعاة لجبايتها قولا واحدا.

الرابع المؤلّفة قلوبهم وهم كفّار أشراف في قومهم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعطيهم سهما من الزكاة يتألّفهم به على الإسلام ويستعين بهم على قتال العدوّ ، قال الشيخ ولا نعرف مؤلّفة غيرهم وقال المفيد بل ويكونون أيضا من المسلمين إمّا سادات لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام وإمّا سادات مطاعون يرجى بعطائهم قوّة أيمانهم ومساعدة قومهم في الجهاد وإمّا مسلمون في الأطراف منعوا الكفّار من الدخول وإمّا مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها.

وهل هذا السهم ثابت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟ قال الشافعيّ نعم وهو مرويّ عن الباقر عليه‌السلام إلّا أنّه « قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألّفهم على ذلك » (٣) وقال أبو حنيفة هو مختصّ بزمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله وفتوى أصحابنا حال الغيبة على الثاني.

__________________

(١) نقله الشيخ في التبيان وفيه : أنا الفقير. ونقله في المجمع ج ٥ ص ٤٢ كما في المتن وقال بعض المحشين : قائله الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ، ويشكو اليه سعاته ، والحلوبة الناقة التي تحلب ويقال : حلوبة فلان وفق عياله ، أى لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه والسبد كناية عن القليل.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠.

(٣) رواه في مجمع البيان ج ٥ ص ٤٢ مرسلا وفي تفسير العياشي ج ٢ ص ٩١ عن

٢٣٦

الخامس الرقاب وهم المكاتبون وأضاف أصحابنا العبد المؤمن يكون في شدّة عند سيّده يشترى ويعتق وبه قال ابن عباس والحسن ومالك وأحمد وكذا جوّز أصحابنا مع عدم المستحقّ شراء العبد من الزكاة وعتقه.

السادس الغارمون وهم الّذين ركبتهم الديون في غير معصية بل إمّا في نفقة واجبة أو مندوبة أو معاش مباح ثمّ إنّ أبا حنيفة ومالك وأحمد قالوا لا يدفع إلى الغارم شي‌ء إلّا مع فقره وفصّل الشافعيّ فقال : إن كان لتحمّل دية عن الغير لإطفاء النائرة يعطي مطلقا وإن كان لا لذلك لا يعطى مع الغنى وما كان لمصلحة نفسه له قولان في القديم يعطى وفي الجديد لا [ يعطى ] وعندنا متى قصرت أمواله عن أداء ديونه اعطي أمّا لو استدان لإصلاح ذات البين فإنّه يعطى مطلقا وإن كان غنيّا.

السابع في سبيل الله قال الشيخ يختصّ بالجهاد وبه قال الشافعيّ ومالك وأبو حنيفة وقال أحمد والحجّ أيضا لكن خصّه أبو حنيفة بالفقير من الغزاة وقال الأوّلان وأحمد والغنيّ أيضا وقال أكثر أصحابنا وهو الحقّ أنّه يعمّ كلّ مصلحة للمسلمين كالحجّ وبناء القناطر وغيرهما وبه قال البلخي وعطا وابن عمر عملا بعموم اللّفظ فانّ السبيل لغة الطريق وهو هنا كذلك مجازا في كلّ ما يقرّب إلى الله سبحانه.

الثامن ابن السبيل وهو المنقطع به في الغربة وإن كان غنيّا في بلده وهل يعطى منشئ السفر من بلده؟ قال ابن الجنيد منّا والشافعيّ وأبو حنيفة نعم وهو ممنوع مع كونه غنيّا حينئذ نعم لو كان مضطرّا إلى السفر وهو فقير جاز لكن ذلك ليس من الباب وأمّا الضيف فقيل داخل في ابن السبيل والحقّ عندي أنّه إن كان

__________________

زرارة عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال قلت أرأيت قوله : انما الصدقات الآية كل هؤلاء يعطى ان كان لا يعرف؟ قال : ان الامام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون له بالطاعة. الحديث وروى مثله في المستدرك ج ٢ ص ٥٢١ عن دعائم الإسلام قال : وعن ابى جعفر عليه‌السلام انه قال في قول الله عزوجل ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) قال هم قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل كان رسول الله يعطيهم ليتألفهم ويكون ذلك في كل زمان إذا احتاج الى ذلك الامام فعله.

٢٣٧

منقطعا به في غير بلده فهو داخل في المنقطع به ولا حاجة إلى ذكره وإلّا فنحن من وراء المنع من استحقاقه.

( فروع )

١ ـ لا فرق في السفر بين الواجب والمندوب والمباح ومنع ابن الجنيد المباح وليس بشي‌ء.

٢ ـ لو نوى إقامة عشرة فصاعدا قال الشيخ يمنع لخروجه عن اسم السفر ولذلك لم يقصّر وقال ابن إدريس واختاره العلّامة إنّه لا يمنع وهو الحقّ لصدق الاسم.

٣ ـ لو فضل مع ابن السبيل شي‌ء عند وصوله بلده استعيد لانتفاء علّة الاستحقاق.

٤ ـ يقبل قوله في عدم المال وكذا يقبل قول الفقير في فقره وكذا لو قال كان لي مال فتلف وقال الشيخ يكلّف هنا البيّنة وليس بشي‌ء لأداء ذلك إلى ضرره إذ قد يخفى التلف وكذا لا يفتقر [ ان ] إلى اليمين وأمّا الغارم والمكاتب فالمشهور قبول قولهما إلّا مع تكذيب الغريم والسيّد وفي الآية فوائد :

١ ـ قيل إنّ الصدقات هنا للعموم فيشمل الواجبة والمندوبة ويشكل ذلك مع الحصر فإنّ المندوبة لا تنحصر في الفقراء والمساكين بل تجوز للغنيّ وحينئذ لا بدّ مع الحصر من الإضمار.

٢ ـ هنا سؤال تقريره : لم قال في الأصناف الأربعة الأول باللّام وفي الباقية بفي ثمّ إنّه كرّرها فقال « وَفِي سَبِيلِ اللهِ »؟ الجواب ذكروا وجوها :

الأوّل إنّما عدل إلى في عن اللّام المفيدة للاختصاص إيذانا بأنّهم أرسخ في الاستحقاق حيث جعلوا مظنّة وموضعا لها لأجل فكّ الرقاب وفكّ الغارمين من الغرم ولجمع الغازي بين الفقر والعبادة عند من يشترط فقره والمسافر بين الفقر والغربة وإنّما كرّر في الأخيرين لفضل ترجيح لهما.

الثاني أنّ الفرق من حيث إنّ ظاهر اللّام شمول التملّك للأشخاص وظاهر في عدم شموله كما إذا قيل المال لبني تميم فإنّه يفيد اشتراكهم فيه فإذا قيل في بني

٢٣٨

تميم يفيد أنّ فيهم من يستحقّه ولذلك لم يسمع أنّ أحدا قال يجب البسط في الأربعة الأخيرة.

الثالث اعلم أنّ المستحقّ [ ين ] قسمان قسم يقبض لنفسه وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلّفة وهؤلاء يصرفونه في أيّ جهة شاؤوا فهم مختصّون به فناسب ذلك [ ذكر ] اللّام وقسم يقبض لأجل جهة معيّنة يصرفه فيها ولا يجوز صرفه في غيرها وهم الرّقاب والغارمون وابن السبيل وأمّا سبيل الله فان كان لمعونة المجاهدين فإنّه يتعيّن صرف ما يقبضه في مصالح الجهاد خاصّة وكذا الحاجّ والزائرين وإن كان لغير ذلك فإنّه يتعيّن صرفه في تلك الجهة فناسب ذلك ذكر في لأنّه يعيّن صرفه في جهات معيّنة.

٣ ـ فريضة منصوب على المصدر المؤكّد لما دلّت عليه [ هذه ] الآية نحو ( هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً ) (١) وقرئ شاذّا بالرفع أي هذه فريضة.

السادسة ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (٢).

[ فنعمّا هي ] ظ : أي فنعم شيئا هي دلّت الآية على أنّ إظهار الصدقة حسن في نفسه وأنّ إخفائها أفضل لأنّه لا معنى للخيريّة إلّا الأفضليّة عند الله تعالى فقيل على العموم لكلّ صدقة لأنّه جمع معرّف باللّام وهو للعموم بلا خلاف ولذلك جاء في الحديث « صدقة السرّ تطفئ غضب الرب [ وتدفع الخطيئة ] كما يطفئ الماء النار وتدفع سبعين بابا من البلاء (٣) » وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « سبعة يظلّلهم الله بظلّه يوم لا ظلّ إلّا

__________________

(١) البقرة : ٩١.

(٢) البقرة : ٢٧١ وقد قرأ عاصم وابن عامر « يكفر ».

(٣) رواه الطبرسي في المجمع ج ٢ ص ٣٨٥ وهكذا الشيخ الرازي أبو الفتوح في تفسيره ج ٢ ص ٣٨١ مرسلا ولم أره في المسانيد بهذا اللفظ وكأنه جمع بين مضامين الأحاديث راجع السراج المنير ج ٢ ص ٣٨٣ ، أصول الكافي ج ٤ ص ٧ ، الوسائل ب ١٣ من أبواب الصدقة ومستدركة ج ١ ص ٥٣٤.

٢٣٩

ظلّه إمام عادل وشابّ نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلّق بالمسجد حتّى يعود إليه ورجلان تحابّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرّقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله ورجل تصدّق بصدقة وأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه » (١).

وقال ابن عبّاس ورواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه‌السلام « إنّ الإخفاء تختصّ بالمندوبة وأمّا المفروضة فإظهارها أفضل لئلّا يتّهم بالمنع ولما فيه من الاقتداء به فانّ كثيرا من الناس تنبعث دواعيهم إذا رأوا من يفعل الطاعة ولأنّ الرياء لا يتطرّق إليها كتطرّقه إلى المندوبة » (٢) والأوّل أشبه بمنطوق الآية ويؤيّد الثاني استحباب حمل الواجبة إلى الامام ابتداء ووجوبه عند الطلب مع أنّ تخصيص الكتاب بالسنّة جائز وقد ورد عن ابن عباس « صدقة السرّ في التطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفا » (٣) وعلّته ما ذكرناه.

وفي الآية دلالة على جواز تولّي المالك مباشرة إخراج الصدقة لقوله تعالى « وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ » قال العلّامة : إنّ لفظ أفعل [ التفضيل ] قد يرد للمساواة كما يرد للأفضليّة ولأنّ استحباب الحمل إلى الامام لا ينافي استحباب الإخفاء لإمكان الجمع بينهما بأن يدفع من غير إشعار أحد وفيه نظر أمّا أوّلا فلأنّ أفعل للأفضليّة حقيقة ولغيره مجازا فلا يعدل إليه إلّا لضرورة مع أنّ التخصيص خير من المجاز وأمّا ثانيا فلمنع عدم المنافاة فإنّ الإخفاء لا يصدق حينئذ ولأنّ موضوع الخيريّة مركّب من الإخفاء وإيتاء الفقراء والمركّب يعدم بعدم أحد أجزائه ، هذا وقوله

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٢٤٨. السراج المنير ج ٢ ص ٣٣٧ ، قال العزيزي في شرحه : ذكر السبع لا مفهوم له فقد روى الاظلال لذوي خصال أخر وتتبعها بعضهم فبلغت سبعين فمنها من أنظر معسرا أو وضع عنه إلخ.

(٢) أخرجه بغير هذا اللفظ في مجمع البيان ج ٢ ص ٣٨٤.

(٣) راجع مستدرك الوسائل ج ١ ص ٥٣٤.

٢٤٠