كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

مستمرّا في جميع الملل تأكّد الانبعاث إلى القيام به أو تنبيه لنا على علّة مشروعيّته بوقوع التكليف به عامّا أو تطييب للنفس وتسهيل عليها.

الثانية ( أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١).

« أَيّاماً » منصوب على أنّه ظرف لفعل مقدّر يدلّ عليه الصيام أي صوموا أيّاما لا أنّه منصوب بالصّيام كما قال الزمخشريّ لأنّ المصدر إعماله مع اللام ضعيف والإضمار من محاسن الكلام « و ( مَعْدُوداتٍ ) » أي قلائل فإنّ الشي‌ء إذا كان قليلا يعدّ وإذا كان كثيرا يهال هيلا وفي قوله « أَيّامٍ أُخَرَ » وهي جمع اخرى تأنيث آخر سؤال فإنّ الأيّام جمع يوم وهو مذكّر وكان قياسه أواخر جمع آخر فلم قال أخر؟ أجيب عنه بأنّ كلّ صفة لموصوف مذكّر لا يعقل فأنت فيها بالخيار إن شئت عاملتها معاملة الجمع المذكّر وإن شئت [ عاملتها ] معاملة الجمع المؤنّث وإن شئت معاملة المفرد المؤنّث وعلى هذا جاز أن يقال أيّام أواخر وأخر واخرى لكون الأيّام لا تعقل بخلاف جائني رجال ورجال أخر لم يجز بل أواخر أو آخرون.

« وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ » أي يبلغونه أقصى طاقتهم والضمير للصوم وقرء نافع وابن عامر « فدية طعام مساكين » بإضافة فدية إلى طعام وجمع المساكين وقرأ الباقون « فدية » منوّنة « وطعام » بالرفع وإضافته إلى « مسكين » مفردا وقرأ حمزة يتطوع والباقون تطوّع : إذا تقرّر هذا ففي الآية مسائل :

١ ـ قال ابن عباس وجماعة « الأيّام المعدودات » هنا ثلاثة أيّام من كلّ شهر ويوم عاشوراء ثمّ نسخ بشهر رمضان وعنه أيضا أنّها شهر رمضان وبه قال الأكثر لأنّه مهما أمكن صيانة الحكم عن النسخ فهو أولى فيكون قد أوجب الصوم أوّلا فأجمله ثمّ بيّنه بأيّام معدودات ثمّ بيّنه بشهر رمضان وعلى القول الأوّل لا يلزم

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

٢٠١

عدم جواز صيام ثلاثة أيّام من الشهر فانّ رفع الوجوب لا يستلزم رفع الجواز.

٢ ـ قيل مطلق المرض مبيح للإفطار حتّى أنّ ابن سيرين أفطر فقيل له فاعتذر بوجع إصبعه وقال مالك وقد سئل : الرجل يصيبه الرّمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه فقال إنّه في سعة من الإفطار وقال الشافعيّ لا يفطر حتّى يجهد الجهد الغير المحتمل والأصحّ عندنا أنّه ما يخاف معه الزيادة أو عسر البرء وأمّا السفر فقد تقدّم حدّه وشرائطه وزاد أكثر أصحابنا شرطا زائدا على شرائط قصر الصلاة فقال الشيخ هو تبييت النيّة من اللّيل للسفر وقال المفيد هو الخروج قبل الزوال وهو الأقوى وقال فقهاء العامّة عدا أحمد متى تلبّس بالصوم أوّل النهار ثمّ سافر في أثنائه لم يجز له الإفطار وقال أحمد يجوز.

٣ ـ قوله « فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ » جواب للشرط أي ففرضه عدّة من أيّام أخر وفيه دلالة على وجوب الإفطار على المريض والمسافر لما ذكرناه ومن قدّر في الآية « فأفطر فعدّة » فقد خالف الظاهر ثمّ إنّ أكثر الصحابة (١) أوجبوا الإفطار سفرا وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « الصائم في السفر كالمفطر في الحضر » (٢) وروي ذلك عن الصادق عليه‌السلام (٣) وسمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة لم

__________________

(١) مثل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ، وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف وابى هريرة وعروة بن الزبير ، انظر الطبري في تفسير الآية والبحر والفتح ونيل الأوطار مسئلة الصوم في السفر وبه قال داود والزهري والنخعي وغيرهم.

(٢) ذكره بهذه العبارة في تفسير الطبري ج ٢ ص ١٥٢ عن عبد الرحمن بن عوف واللفظ في سنن ابن ماجة الرقم ١٦٦٦ والجامع الصغير الرقم ٤٩٧٤ عن النسائي عن ابن عوف « صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر » ووضع السيوطي عليه رمز الصحة وقال المناوى في شرحه فيض القدير ج ٤ ص ١٨٧ : وأخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجب الفطر.

(٣) مجمع البيان ج ٢ ص ٢٧٤ واللفظ : الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر.

٢٠٢

يفطروا عصاة فقال وقد قيل له عنهم : « أولئك العصاة أولئك العصاة » (١).

٤ ـ قوله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) قيل كان القادر على الصوم مخيّرا بينه وبين الفدية بكلّ يوم نصف صاع وقيل مدّ « فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً » أي زاد على الفدية « فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ » ولكن صوم هذا القادر خير له ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقيل إنّه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن والشيخ والشيخة فإنّه لمّا ذكر المرض المسقط للفرض وكان هناك أسباب أخر ليست بمرض عرفا لكن يشقّ معها الصوم ذكر حكمها فيكون تقديره وعلى الّذين يطيقونه ثمّ عرض لهم ما يمنع الطاقة

__________________

(١) فمن طريق الإمامية ما رواه في الوسائل ب ١ من أبواب من يصح منه الصوم وفيه تحت الرقم ٧ عن العيص بن القاسم عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر وقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة ، فلما انتهى الى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسماهم العصاة وانما يؤخذ بآخر أمر رسول الله.

ومن طريق أهل السنة ففي تيسير الوصول الى جامع الأصول ج ٢ ص ٣١٢ والمنتقى كما في ج ٤ ص ٢٣٩ من نيل الأوطار عن جابر : خرج رسول الله عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب فقيل له ان بعض الناس قد صام فقال : « أولئك العصاة أولئك العصاة » وليس في المنتقى تكرار أولئك العصاة. نقله في الجامع عن مسلم والترمذي وفي المنتقى عنهما وعن النسائي.

وفي نيل الأوطار : وفي رواية له : ان الناس قد شق عليهم الصيام وانما ينظرون إليك فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر الحديث ، قال الشوكانى وأجاب عنه الجمهور بأنه انما نسبهم الى العصيان لانه عزم عليهم فخالفوا ، انتهى قلت ليس في الروايات إلا إفطاره صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستفاد أن تسميتهم العصاة من أجل بقائهم على الصوم كما هو ظاهر.

٢٠٣

فدية وهذا روي عن الصادق عليه‌السلام (١) وهو أولى لأنّ التخصيص خير من النسخ ويؤيّد هذا القول ما قرئ شاذّا عن ابن عبّاس « يطوّقونه » أي يتكلّفونه وعلى قول من قال إنّ الآية بجملتها منسوخة لا منافاة لما قلناه لأنّ رفع الوجوب كما قلنا من قبل لا يستلزم رفع الجواز كما تقرّر في الأصول.

فإن قلت : فعلى هذا ما معنى قوله تعالى ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) قلت جاز أن يكون كلاما مبتدءا لا تعلّق له بما قبله وتقديره إنّ صومكم خير عظيم لكم إن كنتم تعلمون فضائل الصوم وخواصّه الّتي تقدّم ذكرها فإنّكم إذا علمتم ذلك علمتم أنّه خير لكم بالنظر العقليّ وإن لم تعلموا ذلك كنتم عالمين به بالسّمع لا غير وذلك نقص بالنسبة إلى من جمع بين العلمين.

الثالثة ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٢).

سمّى الشهر شهرا لاشتهاره أي ظهوره برؤية الهلال وهو هنا من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ كيوم الجمعة من باب حركة نقلة وقيل إنّ شهر رمضان معا علم لهذا الشهر ك « ابن داية » (٣) ولهذا قال بعض أصحابنا نقلا عن أئمّتهم عليهم‌السلام « لا تقولوا رمضان بل [ قولوا ] شهر رمضان فإنّكم لا تدرون ما رمضان » (٤) وفيه نظر

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٧٨ و ٧٩.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) وهو اسم الغراب.

(٤) الوسائل ب ١٩ من أبواب أحكام شهر رمضان ح ١.

٢٠٤

لأنّ الأعلام لا تتصرّف فيها وقد جاء في الحديث « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه » (١) فان كان ولا بدّ فيحمل النهي على الكراهية لمخالفته لفظ القرآن وسمّي رمضان قيل لأنّ التسمية وافقت أيّام رمض الحرّ وقيل لارتماضهم في حرّ الجوع والأحسن ما قاله ابن السكّيت إنّه مأخوذ من رمضته أرمضه وأرمضه ورامضته إذا جعلته بين حجرين أملسين ثمّ دقّقته وذلك لأنّ الصائم يجعل طبيعته بين حجري الجوع والعطش لتليين الحواسّ للنفس كي لا تعارضها في مقتضاها والأجود في رفعه أنّه خبر مبتدا محذوف تقديره هي شهر رمضان أي الأيّام المعدودات وعلى القول بنسخها يكون مبتدأ خبره « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ » لأنّ فيه معنى الشرط أي إذا حضر فمن شهد منكم. وقيل خبره الّذي أنزل وقيل إنّه مرفوع بالبدل من الصيام في كتب عليكم وفيه نظر لأنّ الصّيام ليس هو الشهر. وإذا قلنا إنّ القرآن اسم جنس كالماء والتراب فمعنى إنزال القرآن فيه ظاهر لأنّ كلّ ما اتّفق نزوله فيه فهو قرآن وإن جعلناه علما فقيل لأنّه أنزل فيه جملة إلى السماء الدنيا ثمّ انزل نجوما إلى الأرض أو إنّه ابتداء إنزال فيه أو إنّه نزل في شأنه.

__________________

(١) أخرجه السيوطي بهذا اللفظ عن ابن عباس في الجامع الصغير ( راجع السراج المنير ج ٣ ص ٣٦٦ ) ولكن رواه في المستدرك عن دعائم الإسلام ج ١ ص ٥٧٠ وفيه « من صام شهر رمضان » ومثله في التهذيب عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شهر رمضان شهر فرض الله عليكم صيامه فمن صامه ايمانا الحديث راجع الوسائل ب ١ من أبواب أحكام شهر رمضان ح ١٤. أقول وأكثر الروايات انما تعبر بلفظ « شهر رمضان » وفيها ما يعبر بلفظ رمضان فقط من دون اضافة وكأنّها من تعبير الرواة حيث انهم غفلوا عن ذلك وأسقطوا لفظ الشهر على ما هو المعروف بين الناس. فلا دليل فيها.

بل وفي بعض ألفاظ الحديث على ما في المستدرك ج ١ ص ٥٧٨ نقلا عن الجعفريات انه عليه‌السلام كان يقول : « لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان ومن قال فليتصدق وليصم كفارة لقوله ، ولكن قولوا كما قال الله ( شَهْرُ رَمَضانَ ) ».

٢٠٥

« هُدىً » حال من القرآن أي هاديا لِلنّاسِ « وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى » أي من جملة الهدى وذكر البيّنات بعد الهدى ذكر الأخصّ من الشي‌ء معه فانّ كلّ بيّنة هدى ولا ينعكس ( وَالْفُرْقانِ ) ما يفرّق بين الحقّ والباطل وهو عطف على الهدى « فَمَنْ شَهِدَ » أي حضر بلده من الشهود أي الحضور وهو عامّ مخصوص بمن حصل له شرطه : البلوغ والعقل والخلوّ من الحيض والنفاس وذلك لأدلّة منفصلة كقوله عليه‌السلام « رفع القلم عن ثلاثة » (١) وأدلّة اشتراط الطهارة في الصوم وغير ذلك.

والشهر منصوب على الظرف وكذا الهاء في يصمه وقيل مفعول لشهد أخذا من المشاهدة أي المعاينة وفيه نظر فإنّ المسافر والمريض يشاهدان ولا يصومان وأجيب بأنّهما خصّا بالذكر نعم يرد الحائض وشبهها ويجاب [ عنه ] بأنّه عام خصّ بمنفصل كما تقدّم. واللّام في الشهر للعهد والمعهود نوع الشهر لا شخصه وتكرار ذكر المرض والسفر دليل على تأكيد الأمر بالإفطار وأنّه عزيمة فرض (٢) لا يجوز

__________________

(١) السراج المنير ج ٢ ص ٣١٧ من حديث عائشة.

(٢) يستفاد وجوب الإفطار وكونه عزيمة من الآية من وجوه أربعة :

١ ـ الأمر بالصوم في الآية متوجه الى الحاضر كيف ولفظه « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ » أى حضر في الشهر فليصمه ، وإذا فالمسافر غير مأمور بالصوم فصومه إدخال في الدين ما ليس فيه.

٢ ـ المفهوم من قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) ان من لم يحضر الشهر لا يجب عليه الصوم ، ومفهوم الشرط حجة كما هو مقرر في الأصول.

٣ ـ قال عز من قائل « وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ » إذا قرأت برفع عدة تقديره : فعليه عدة من أيام أخر ، وان قرأتها بالنصب كان التقدير فليصم عدة من أيام أخر ، وحيث لا قائل بالجمع بين الصوم والقضاء وجب الإفطار ، كيف والجمع ينافي اليسر المدلول عليه بالاية ، وتقدير هم « فأفطر » خلاف الظاهر كما لا يخفى.

٤ ـ « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ » واليسر انما هو الإفطار هنا كما أن العسر هو الصوم ، فمعنى الآية : يريد الله منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم.

٢٠٦

تركه ويؤيّده مع ما تقدّم قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « ليس من البرّ الصيام في السفر » (١) وهو مذهب أصحابنا الإماميّة وقال الباقون إنّه رخصة واختلفوا فقيل الصوم أفضل وقيل الفطر أفضل واختلف في القضاء هل هو متتابع أم لا قال بعضهم بتتابعه ويروى عن عليّ عليه‌السلام والشعبيّ وعن ابن عمر يقضى كما فات متتابعا وقرأ أبيّ « أخر متتابعات » والأكثر على التخيير بين التفريق والمتابعة وهو الأصحّ لعدم

__________________

(١) رواه في الوسائل ب ١ من أبواب من يصح منه الصوم ح ١٠ و ١١. واما من طرق أهل السنة فتراه في الحديث الثالث من تيسير الوصول الى جامع الأصول في إباحة الفطر وأحكامه ج ٢ ص ٣١٢ عن جابر ، وفيه أخرجه الخمسة إلا الترمذي ، واللفظ فيه : أن تصوموا ، وفي لفظ : الصوم.

ورواه في المنتقى باب الفطر والصوم في السفر الحديث الثالث كما في نيل الأوطار ج ٤ ص ٢٣٥ عن جابر ، وقال انه متفق عليه.

ورواه أيضا في سنن ابن ماجة الرقم ١٦٦٤ عن كعب بن عاصم والرقم ١٦٦٥ عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ورواه في الجامع الصغير الرقم ٧٦٦٧ ( راجع ج ٥ ص ٣٨١ من الفيض القدير ) عن مسند احمد والبخاري ومسلم وابى داود والنسائي عن جابر وابن ماجة عن ابن عمر وجعل عليه رمز الصحة ، ونقل المناوى عن السيوطي القول بتواتر الحديث.

وذكره ابن هشام في المغني في الوجه الرابع من وجوه « أم » رواية النمر بن تولب : ليس من امبر امصيام في امسفر ، قال الشمنى في حاشيته أخرج هذا الحديث أحمد في مسنده والطبراني في الكبير من طريق كعب بن عاصم ورجاله رجال الصحيح ، قال الأزهري والوجه أن لا يثبت الألف في الكتاب لأنها ميم جعلت كالألف واللام.

قالوا ان مورده انه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى رجلا قد ظلل عليه فقال ما به؟ قالوا صائم فقال ذلك ، فهو في حق من شق عليه ، قلنا لو سلم فالعبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب كما اعترف به ابن دقيق العبد ، قالوا : نفى البر لا يستلزم نفى صحة الصوم قلنا :

إذا لم يكن برا لم يتعلق به أمر فيفسد ، وتأويلهم باباء الرخصة كما فعله الشافعي أو كون

٢٠٧

دلالة اللّفظ عليه والقراءة المذكورة شاذّة وهذا الحكم وهو وجوب القضاء مخصوص عند أكثر أصحابنا بمن لم يستمرّ مرضه إلى رمضان آخر أمّا من استمرّ فإنّه يسقط عنه القضاء ويكفّر عن الأوّل عن كلّ يوم بمدّ كما دلّت عليه الروايات.

قوله « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ » إلى آخره جواب سؤال تقديره إنّ المريض والمسافر حيث سقط عنهما الفرض فلم يقضيان؟ أجاب بأنّه أراد بكم اليسر في البدن فأمركم بالفطر وأراد بكم القيام بالصوم لتفوزوا بالثواب فأوجب عليكم القضاء ولمّا

__________________

المراد الكامل الذي هو أعلى مراتب الصوم كما فعله غيره تعسف ظاهر لا احتياج عليه.

ثم ان في المسئلة حديثا آخر ذكره في المنتقى كما في ج ٤ ص ٢٣٦ من نيل الأوطار ، وقد قال انه متفق عليه : عن ابن عباس ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمانين ونصف من مقدمه المدينة فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى إذا بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا ، وانما يؤخذ من أمر رسول الله بالاخر فالآخر ، وهذا الحديث حجة عليهم لما استندوا اليه من أخبارهم على جواز الصوم فإنها لو صحت فإنما كان قبل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من البر الصيام في السفر ، وقيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصائمين في السفر أولئك العصاة أولئك العصاة وحسبنا حجة لوجوب الإفطار في السفر كتاب الله وقد تقدم وجوه الاستدلال بالاية.

أقول : وفي مجمع الزوائد ج ٣ ص ١٥٩ ـ ١٦١ روايات ننقل بعضها لمزيد الفائدة قال : وعن بشر بن حرب قال سألت ابن عمر ما تقول في الصوم في السفر قال تأخذ إن حدثتك؟ قلت نعم ، قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج من هذه المدينة قصر الصلاة ولم يصم حتى يرجع ، رواه احمد وبشر فيه كلام وقد وثق.

أقول : الظاهر من الحديث أنه كان هناك مانع من الأخذ بقوله اما من الحكام واما من العامة ولذا قال : « تأخذ إن حدثتك؟ » وفيه طعن على أحاديث تتضمن صوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما لا يخفى.

قال : وعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من البر

٢٠٨

كان امتثال الأمر فرعا على تكبير الآمر وتعظيمه وأراد منكم امتثال أمره استلزم ذلك إرادة تعظيمه ولمّا كان من هذا وصفه منعما وجب شكره فأراد لكم الفوز بهذه الفضيلة فأمركم بشكره فلذلك عطف بعضها على بعض. وفي الآية إيماء إلى أنّ التكاليف تقع شكرا لله على نعمه كما هو مذهب بعض المتكلّمين.

__________________

الصيام في السفر. رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وفيه رجل لم يسم. وعن كعب بن مالك الأشعري وكان من أهل السقيفة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ليس من أم بر أم صيام فم سفر ، قلت رواه النسائي وابن ماجه من حديثه أيضا الا انه قال ليس من البر الصيام في السفر ، رواه أحمد والطبراني في الكبير ، ورجال أحمد رجال الصحيح.

وعن ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ليس من البر الصيام في السفر رواه البزار والطبراني في الكبير ورجال البزار رجال الصحيح ، وعن عبد الله بن عمر وقال : سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل بأصحابه وإذا ناس قد جعلوا عريشا على صاحبهم وهو صائم فمر بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ما شأن صاحبكم أوجع؟ قالوا لا يا رسول الله ولكنه صائم وذلك في يوم حرور فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بر أن يصام في سفر ، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ، وعن عمار بن ياسر قال أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غزوة فسرنا في يوم شديد الحر فنزلنا في بعض الطريق فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة فإذا أصحابه يلوذون به وهو مضطجع كهيئة الوجع فلما رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما بال صاحبكم؟ قالوا صائم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من البر أن تصوموا في السفر عليكم بالرخصة التي أرخص الله لكم فاقبلوها. رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

قال : وعن أم الدرداء ـ قال عبد الواحد لا أعلمه إلا عن أبى الدرداء ـ قال قال رسول الله : ليس من البر الصيام في السفر ، ورجاله رجال الصحيح. وعن معاوية أنه قال ليس من السنة الصوم في السفر ، وفيه من لم أعرفه.

قال : وعن أبى الفيض قال خطبنا مسلمة بن عبد الملك فقال لا تصوموا رمضان في السفر فمن صام فليقضه ، قال أبو الفيض فلقيت أبا قرصافة واثلة بن الأسقع فسألته فقال لوما

٢٠٩

تتمة : قال بعضهم معنى « وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ » أنّ شهر رمضان لا ينقص أبدا وهو باطل فانّ الواقع خلافه بل ولتكملوا عدّة الشهر تامّا كان أو ناقصا.

الرّابعة ( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١)

هذه الآية ليس لها تعلّق بالصّوم وإنّما ذكرناها لما تضمّنت من ذكر الدعاء

__________________

صمت ثم صمت ما قضيته ، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وعن أبي طعمة قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إني أقوى على الصيام في السفر فقال ابن عمر انى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول من لم يقبل رخصة الله عزوجل كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة. رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن ، وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يقبل رخصة الله عزوجل كان عليه من الذنوب مثل جبال عرفة ، رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه رزيق الثقفي ولم أجد من وثقه ولا جرحه وبقية رجاله ثقات.

قال : وعن ابن عمران النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ان الله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ، رواه احمد ورجاله رجال الصحيح ، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن ، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ، رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني.

أقول : الإفطار في السفر ، وصوم أيام أخر بعدد أيام السفر عزيمة على ما يدل عليه لفظ القرآن لا رخصة فمن أتى به في السفر خالف القرآن وأتى بما لم يؤمر به ولو قلنا بأنه رخصة وأتى به لم يتقبل منه ولم يثب عليه لان الله يحب أن تؤتى رخصة فإذا أحب أن تؤتى رخصه وكان هو الإفطار لم يكن ليحب ضده وهو الصوم. فلا يكون مستحبا.

(١) البقرة : ١٨٦.

٢١٠

وإجابته وجاء في الحديث « دعوة الصائم لا تردّ » (١) فصار [ ت ] من وظائف الصائم [ الدعاء ] بل من أعظم وظائفه خصوصا في شهر رمضان فإنّه ورد فيه من الأدعية والأعمال شي‌ء كثير ذكره أصحابنا في كتب تختصّ به روي أنّ سائلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت الآية (٢).

وقيل إنّ يهود المدينة قالوا : يا محمّد كيف يسمع ربّنا دعاءنا وأنت تزعم أنّ بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام وأنّ غلظ كلّ سماء مثل ذلك فنزلت وقيل وجه ذكر هاهنا أنّه لمّا أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدّة وحثّهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقّبه بهذه الآية الدالّة على أنّه خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم فقال إنّي قريب وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم كحال من قرب مكانه منهم.

والتحقيق أنّه لمّا ثبت تجرّده عن الموادّ الجسمانيّة كانت نسبته إلى الموجودات نسبة واحدة فكان محيطا بكلّ ذرّة من ذرّات الموجودات علما.

وقد اختلف المفسّرون في هذا المقام فقيل : الدعاء هو الطاعة والإجابة هو الثواب وكذا في قوله ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٣) وقيل الإجابة هي المتعارفة فورد هنا سؤال وهو أنّه كثيرا ما يقع الدعاء ولم تحصل الإجابة فقيل في الجواب أنّ تقديره إن شئت فيكون الإجابة مخصوصة بالمشيّة مثل قوله ( فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ

__________________

(١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو يصير الى العرش ، الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ، والصائم حتى يفطر ، راجع أصول الكافي ج ٢ ص ٥١٠ وعن ابن عمرو عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد. راجع السراج المنير ج ٢ ص ١٠.

(٢) راجع مجمع البيان ج ٢ ص ٢٧٨ ، الدر المنثور ج ١ ص ١٩٤.

(٣) المؤمن : ٦٠.

٢١١

إِلَيْهِ إِنْ شاءَ ) (١) وقيل مشروطة بكونها خيرا وقيل أراد بالإجابة لازمها وهو السماع فإنّه من لوازم الإجابة فإنّه يجيب دعوة المؤمن في الحال ويؤخّر إعطاءه ليدعوه كثيرا ويسمع صوته فإنّه يحبّه وقيل إنّ للإجابة أسبابا وشرائط إن حصلت حصلت الإجابة وإلّا فلا ومعنى « فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي » أي إنّي أدعوهم إلى طاعتي فليطيعوني ( وَلْيُؤْمِنُوا بِي ) وبرسولي « لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » أي لكي يهتدوا بإصابة الحقّ.

الخامسة ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (٢).

قرئ شاذّا أحلّ على البناء للفاعل ونصب الرفث والقراءة الصحيحة أحلّ على البناء للمفعول ورفع الرفث فقيل هو الفحش من القول عند الجماع والأصحّ أنّه الجماع لقوله تعالى ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٣) وهو المراد هنا وعدّاه بإلى لأنّه ضمّنه معنى الإفضاء وتسمية كلّ من الزوجين لباسا استعارة لما بينهما من الشبه فإنّ اللباس ما يواري البدن والعورة وكلّ من الزوجين يواري بدنه وعورته بصاحبه عند غيره فإنّه لولاه لانكشف عورته عند غيره.

وقال الزمخشريّ : لأنّ كلّ واحد يشتمل على صاحبه اشتمال اللّباس وفيه

__________________

(١) الانعام : ٤١.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) البقرة : ١٩٧.

٢١٢

نظر لأنّ الاشتمال فيه ممنوع والالتزاق لا يكفي فيه. وإنّما لم يعطفه لأنّه علّة للحكم وعلّة الشي‌ء لا تعطف عليه. والفرق بين خان واختان أنّ اختان يدلّ على الفعل مع القصد إليه بخلاف خان مثل كسب واكتسب ومعنى اختيان النفس هو نقصها من حظّها من الخير وباقي الألفاظ ظاهرة وهنا فوائد :

١ ـ كان في مبدء الإسلام يباح للصائم الأكل والجماع ليلا ما لم ينم فإذا نام حرم ذلك إلى القابلة وقيل الجماع كان محرّما ليلا ونهارا وروي عن الصادق عليه‌السلام « أنّ رجلا من أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له مطعم بن جبير وكان شيخا ضعيفا وكان صائما فأبطأت امرأته عليه بالطعام فنام قبل أن يفطر فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرم عليّ الأكل في هذه اللّيلة فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق له (١). وروي أنّ القصّة مع قيس بن صرمة كان يعمل في أرض له وهو صائم فلمّا أصبح لاقى جهدا فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢). وكان شبّان من المسلمين ينكحون ليلا لغلبة شهوتهم وروي أنّ عمر أراد أن يواقع امرأته ليلا فقالت إنّي نمت فظنّ أنّها تعتلّ عليه فلم يقبل ثمّ أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت الآية » (٣).

٢ ـ الحلّ هنا مقابل التحريم وليس للوجوب إجماعا وقيل للندب ولذلك

__________________

(١) رواه على بن إبراهيم في تفسيره ص ٥٦ ، وأخرجه الطبرسي في ج ٢ ص ٢٨٠ وفيه « مطعم بن جبير الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم احد » وروى مثله في رسالة المحكم والمتشابه ص ١٣ وأخرجهما الحر العاملي في الوسائل ب ٤٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح ٤ و ٥ وفيه مطعم بن جبير أيضا وهو تصحيف بل هو خوات بن جبير أخو عبد الله بن جبير كما في نسخة الكافي ج ٤ ص ٩٨ والعياشي ج ١ ص ٨٣ وهكذا في نسخة التهذيب والفقيه فراجع وليس في الأصحاب من يسمى مطعم بن جبير اللهم الا ان يكون جبير بن مطعم.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٢٨.

(٣) هذا من تتمة الحديث المذكور قبلا راجع المصادر المذكورة ومثله في الدر المنثور ج ١ ص ١٩٧.

٢١٣

روي (١) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام كراهية الجماع أوّل ليلة من كلّ شهر واستحبابه أوّل ليلة من شهر رمضان لتنكسر شهوة الجماع نهارا. والظاهر أنّه لمطلق الحلّ الشامل للندب وغيره والمراد بليلة الصيام كلّ ليلة يصبح فيها صائما.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر اللّفظ يدلّ على إباحة الجماع في أيّ وقت [ كان ] من اللّيل ولو قبل الفجر لكن لمّا اشترط أصحابنا الطهارة في الصوم من الجنابة وجب بقاء جزء من اللّيل ليقع فيه الغسل فكانت الإباحة مخصوصة بما عداه فلو خالف عالما فسد صومه وكان عليه القضاء والكفّارة ولو لم يعلم وظنّ بقاء الوقت من غير مراعاة فاتّفق خلافه كان عليه القضاء خاصّة ولو راعى لم يكن عليه شي‌ء وعلى التقديرين الأخيرين لو طلع عليه الفجر مجامعا وجب عليه النزع وصحّ صومه في الأخير خاصّة.

وقال الشافعيّ : إذا وافاه الفجر مجامعا فوقع النزع والطلوع معا لم يفسد صومه ولا قضاء ولا كفّارة وبه قال أبو حنيفة وقال المزنيّ : يفسد وعليه القضاء خاصّة وأمّا إذا وافاه مجامعا فلم ينزع وتمكّث فيه فهو بمنزلة من وافاه [ النهار ] فابتدأ بالإيلاج فإن كان جاهلا بالفجر فعليه القضاء خاصّة وإن كان عالما به فعليه لقضاء والكفّارة وقال أبو حنيفة بلا كفّارة وعلّله أصحابه بأنّه ما انعقد فالجماع لم يفسد صوما منعقدا فلا كفّارة ونحن نقول إنّه انعقد بالنيّة المتقدّمة فكان جماعه واردا على صوم منعقد وهو المطلوب.

٣ ـ « عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ ». بيان لنعمته وإحسانه ورفعه الحرج في المستقبل.

٤ ـ « فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ » قيل المراد بها الجماع وقيل هو ومقدّماته من القبلة وغيرها وأصل المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة ثمّ كنى به عن الجماع تارة وعنه وعن مقدّماته تارة وهو نسخ للسنّة بالكتاب ونسخ الشي‌ء بما هو أسهل منه.

٥ ـ قوله تعالى ( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ) قيل اطلبوا الولد فإنّه الغرض

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٢٨٠.

٢١٤

الأهمّ في نظر الشارع وقيل ابتغوا ما أحلّ الله لكم لا ما حرّم وهما محتملان.

٦ ـ « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا » إلخ هذا من باب ما خصّ بمتّصل وهو هنا الغاية أعني « حَتّى يَتَبَيَّنَ » وهل هي راجعة إلى جميع الجمل المتقدّمة أو إلى الأخيرة قال الشافعيّ بالأوّل وأبو حنيفة والمحقّقون منّا بالثاني وقال المرتضى صالحة للكلّ وللبعض ويتفرّع إباحة الجماع إلى الفجر فالغسل بعده على قول الشافعيّ فالطهارة غير شرط. قالوا ويدلّ أيضا على جواز النيّة نهارا لأنّه لمّا أباح المباشرة والأكل إلى الفجر كان ابتداء الصوم بعده والصوم ليس بمجرّد الإمساك بل مع النيّة فيكون الأمر بإيقاع النيّة بعد الفجر وفيه نظر لأنّه لو كان كذلك لوجبت بعد الفجر وليس كذلك إجماعا على أنّ نيّة الصوم معناها القصد إليه وقصد الشي‌ء متقدّم عليه وابتداؤه من الفجر فالنيّة قبله ، هذا مع أنّه يلزم وقوع جزء فيه بلا نيّة وهو باطل وعلى قولنا يرجع إلى « كُلُوا وَاشْرَبُوا » ويبقى حكم المباشرة يخصّ بمنفصل.

٧ ـ الخيط الأبيض هو الفجر الثاني المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتدّ معه من الغبش تشبيها بخيطين أبيض وأسود وليسا بمستعارين لقوله « مِنَ الْفَجْرِ » لأنّ من شرط الاستعارة أن يجعل المستعار منه نسيا منسيّا. روى سهل الساعدي أنّها نزلت ولم يكن قوله « مِنَ الْفَجْرِ » فكان رجال إذا صاموا يشدّون في أرجلهم خيوطا بيضا وسودا فلم يزالوا يأكلون ويشربون حتّى يتبيّن لهم ثمّ نزل لهم البيان في قوله « مِنَ الْفَجْرِ » (١) فان صحّ هذا النقل ففيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب وهو مذهب الأشاعرة ومنعه أبو الحسين محتجّا بأنّ الخطاب بما لا يفهم منه المراد عبث وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم وفيه نظر لجواز أن يكون المراد بالخطاب هو استعداد الامتثال والعزم على فعل المأمور به بعد البيان فيثاب على العزم فلا يكون عبثا لكن ينبغي أن يكون هذا قبل دخول

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٢٨.

٢١٥

رمضان وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو باطل إجماعا.

٨ ـ قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) حدّ للصوم وبيان لآخر وقته ليعلم منه تحريم صوم اللّيل ويتبعه تحريم صوم الوصال لأنّه جعل اللّيل غاية الصوم وغاية الشي‌ء منفصلة فيكون الإفطار بعده وفيه نظر لأنّه غاية وجوب الصوم وأمّا أنّه لا يجوز فلا دلالة في الآية عليه.

إن قلت : لا يتحقّق مضيّ النهار حتّى يبدو اللّيل فيلزم صوم جزء منه. قلت : ذلك ليس بالأصل بل من باب مقدّمة الواجب والمراد باللّيل عندنا على القول الأقوى هو ذهاب الحمرة المشرقيّة وقال بعض أصحابنا وجملة فقهاء العامّة هو غيبوبة الشمس. ثمّ إنّ الأمر بإتمام الصوم يستلزم كون كلّ جزء من أجزاء النهار شرطا في الآخر فيجب الإتيان بجملتها.

ويتفرّع على ذلك فرعان :

ألف ـ لو نوى الإفطار في جزء من النهار بطل ذلك الصوم ولو عاد إلى النيّة.

ب ـ أنّه يجب إتمام الصوم الفاسد للأمر المذكور والإفساد غير مانع ثمّ إنّ الإفساد سبب لصوم آخر فيجب القضاء.

٩ ـ « وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ » تقدّم معنى المباشرة فيحرم الجماع ومقدّماته على المعتكف وههنا أحكام :

ألف ـ تحريم المباشرة والقبلة وغيرها من مقدّمات الجماع.

ب ـ عموم اللّيل والنهار بالتحريم المذكور لأنّه معلّق بحال الاعتكاف.

ج ـ اشتراط الاعتكاف بالكون في المساجد وظاهر المساجد العموم لأنّه جمع معرّف باللّام وبه قال جملة الفقهاء وبعض أصحابنا ومنّا من قال كلّ مسجد جامع وفسّر بأنّه الأعظم وأكثر أصحابنا قالوا ما جمع فيه نبيّ أو وصيّ للمسلمين جمعة وقيل أو جماعة وهذا القول أحوط لحصول البراءة معه بيقين وفسّر ذلك بمسجد مكّة والمدينة وجامع الكوفة والبصرة فعلى هذا يكون الآية مخصوصة بخبر الواحد إن لم يكن الأخبار به متواترة.

٢١٦

د ـ أنّ الاعتكاف يبطل مع المباشرة المذكورة أمّا أوّلا فلأنّ النهي في العبادة مبطل كما تقرّر في الأصول وأمّا ثانيا فلأنّها تبطل الصوم والصوم عندنا شرط في الاعتكاف وبطلان الشرط مستلزم لبطلان المشروط وهنا مسئلتان :

ألف ـ أنّ الشافعي لا يشترط الصوم وأبو حنيفة يشترطه كقولنا.

ب ـ لم يحدّ الشافعيّ للاعتكاف حدّا فعنده يجوز وأو ساعة واحدة وأبو حنيفة حدّه بيوم [ واحد ] ومالك لا يجوّز أقلّ من عشرة أيّام وقال أصحابنا : لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام لرواياتهم الصحيحة عن أئمّتهم عليهم‌السلام (١).

١٠ ـ « تِلْكَ حُدُودُ اللهِ » إشارة إلى ما تقدّم من أحكام الصوم والاعتكاف « فَلا تَقْرَبُوها » وهو أبلغ من قوله فلا تفعلوها إذ النهي عن قرب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل لئلّا يداني الباطل أبلغ من النهي عن فعله و « روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه » (٢).

« كَذلِكَ » أي مثل ذلك البيان « يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ » مخالفة الأوامر والنواهي.

( فائدتان )

١ ـ قوله تعالى ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (٣) قيل : المراد بالصبر الصوم ومنه سمّي شهر رمضان شهر الصبر أي استعينوا بهما على أهوال الدنيا والآخرة ثمّ إنّ الصوم له أقسام يدلّ عليها آيات تذكر في أماكنها إنشاء الله تعالى.

٢ ـ قوله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (٤) سأله صلى‌الله‌عليه‌وآله معاذ بن جبل ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ

__________________

(١) راجع الوسائل ب ٤ من كتاب الاعتكاف.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ١٩. سنن أبى داود ج ٢ ص ٢١٨.

(٣) البقرة : ٤٥ و ١٥٣.

(٤) البقرة : ١٨٩.

٢١٧

لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ فنزلت (١) « هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ » أي يوقّتون الناس بها أمورهم ، ومعالم للعبادات الموقّتة كالصّيام والزكاة خصوصا الحجّ فانّ الوقت مراعى فيه أداء وقضاء وكون المبتدأ والخبر معرفتين من دلائل الحصر فلا يحصل التأقيت بدون الأهلّة فيكون علامة شهر رمضان رؤية الهلال لا غيره ممّا قيل [ من حساب التنجيم وغيره ].

كتاب الزكاة

وفيه مقدّمة وآيات :

( أما المقدمة )

فالزكاة لغة تقال لمعنيين أحدهما الطهارة ومنه ( أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً ) (٢). أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها وثانيهما النماء ومنه قوله تعالى ( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) (٣) أي أنمى لكم وإلّا لكان تأكيدا والتأسيس خير منه وشرعا قيل اسم لحقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب ونقض في طرده بالخمس وفي عكسه بالمندوبة فبدّل يجب بيثبت فقيل حقّ يثبت في المال بشرائط يأتي ذكرها ويشكل بأنّه غير واضح والحدّ للإيضاح.

وقيل : صدقه راجحة مقدّرة بأصل الشرع ابتداء فالصدقة يخرج الخمس والراجحة يشمل المندوبة والمقدّرة يخرج بها برّ الاخوان ونحوه وبالأصالة تخرج المنذورة وشبهها والابتداء يخرج الكفّارة وفيه نظر أمّا أوّلا فلاشتماله على زيادة فإنّ الراجحة يغني عنها صدقة فإنّها لا تكون إلّا راجحة وأمّا ثانيا فلانّ من المندوبة ما هو مقدّر كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « تصدّقوا ولو بصاع أو بعضه ولو بقبضة أو بعضها ولو بتمرة

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٢٨٣ ، الدر المنثور ج ١ ص ٢٠٣.

(٢) الكهف : ٧٥.

(٣) البقرة : ٢٣٢.

٢١٨

ولو بشقّ تمرة » (١) وذلك ليس بزكاة اصطلاحا.

فالأولى أن يقال : صدقة متعلّقة بنصاب بالأصالة. فالصدقة تشمل الواجبة والمندوبة والفطرة والماليّة وبالتعلّق بالنصاب يخرج المنذور والتطوّعات المطلقة وبالأصالة يخرج ما نذر إخراجه من نصاب واستعمال لفظها إمّا للنقل أو للمجاز تسمية للسبب باسم المسبّب فإنّها سبب للطهارة والنماء في المال.

إن قلت : الطهارة من أيّ شي‌ء وكذا النماء في أيّ شي‌ء؟ قلت : أمّا الطهارة فمن إثم المنع أو نقول إذا لم يخرج الزكاة يبقى حقّ الفقراء في المال فإذا حمله شحّه على منعه فقد ارتكب التصرّف في الحرام والاتّصاف برذيلة البخل فإذا أخرجها فقد طهّر ما له من الحرام ونفسه من رذيلة البخل وأمّا النماء ففي البركة والثواب.

ثمّ البحث هنا ينقسم أقساما بحسب ما ورد من الآيات.

[ القسم ] الأول

( في الوجوب ومحله )

وفيه آيات :

الاولى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤ تحت الرقم ١١.

(٢) البقرة : ١٧٧.

٢١٩

قرأ حمزة وحفص عن عاصم « لَيْسَ الْبِرَّ » بالنصب على أنّه خبر ليس مقدّم على اسمها وهو ضعيف لجعل الاسم جملة وقرء الباقون بالرفع على الأصل وقرء نافع « وَلكِنَّ الْبِرَّ » بالتخفيف والرفع بجعلها عاطفة والباقون بالتشديد والنصب بجعلها من أخوات إنّ ورفع « الموفون » عطف على « من آمن » ونصب « الصابرين » على المدح.

والبرّ كلّ فعل مرضيّ قلبيّا كان أو لسانيّا أو جوارحيّا أو ماليّا والخطاب لأهل الكتاب فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت وادّعى كلّ فريق أنّ البرّ التوجّه إلى قبلته فردّ عليهم بأنّه ليس البرّ التوجّه إلى المشرق قبلة النصارى أو المغرب قبلة اليهود وقيل هو عامّ للمسلمين وغيرهم أي ليس البرّ مقصورا على أمر القبلة.

« وَلكِنَّ الْبِرَّ » إمّا بمعنى البارّ فإنّ المصدر يقام مقام الفاعل كزيد عدل أي عادل أو بحذف المضاف من الخبر أي برّ من آمن فاللّام في الكتاب للجنس أي كلّ كتبه وباقي مقاصد الآية ظاهر لكن نذكر ما تضمّنته من الأوامر وهي أقسام :

الأوّل : الايمان بالله وبكلّ ما جاءت به كتبه وصحّة نبوّة أنبيائه وتصديقهم في كلّ ما أخبروا به.

الثاني : إخراج المال على حبّة أي حبّ الله وقيل حبّ الإيتاء أو حبّ المال والكلّ محتمل والأوّل أوجه لتضمّنه الكلّ ولدلالته على القربة والإخلاص والجهات المذكورة سيأتي تفسير أكثرها وأمّا ذوي القرابة (١) فقيل قرابة المعطي فيكون حثّا على صلة الأرحام ويدخل في ذلك النفقات الواجبة والمندوبة وغيرهما من الصلات وقيل قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) وهو مرويّ عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٣) واليتيم صغير لا أب له والجمع يتامى و

__________________

(١) ذوي القربى خ ل.

(٢) الشورى : ٢٣.

(٣) مجمع البيان ج ١ ص ٢٦٣.

٢٢٠