كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

الحقيقيّ (١) وهو الّذي نزلت فيه وفي أصحابه الآيات في المائدة (٢) وهي قوله « ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى ) » الآيات فقال المنافقون : أتصلّي على علج نصرانيّ فنزلت ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ ) (٣) الآية واستدلّ الشافعي بذلك على جواز الصلاة على الميّت الغائب ومنعها أبو حنيفة وأصحابنا وحملوا ما ورد من الصلاة على الاستغفار على الميّت والدعاء له وعلى تقدير تسليمه نقل إنّ جنازته رفعت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى شاهده على سريره.

٥ ـ دلّ قوله تعالى « وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ » على مشروعيّة الوقوف على قبور الموتى من المؤمنين والترحّم عليهم وزيارة قبورهم والتردّد إليها وقد روي في ذلك أجر جزيل فما صحّ لنا روايته عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال « من أتى قبر أخيه المؤمن وقرء عنده ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سبع مرّات ودعا له أمن من الفزع الأكبر (٤) » قيل : الآمن الميّت وقيل القاري وقيل هما معا قاله بعض شيوخنا وهو الأصحّ وورد أيضا غير ذلك من الروايات (٥) وكانت زيارة القبور في أوّل الإسلام محرّمة ثمّ نسخ ذلك (٦).

السادسة ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ) (٧).

__________________

(١) سنن ابى داود ج ٢ ص ١٨٩ من حديث أبي هريرة.

(٢) راجع مجمع البيان ج ٢ ص ٥٦١ والآية في المائدة : ٨٥.

(٣) آل عمران : ١٩٩.

(٤) الوسائل ب ٥٧ من أبواب الدفن ح ١.

(٥) راجع الوسائل ب ٥٤ و ٥٥ و ٥٦ من أبواب الدفن.

(٦) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فان في زيارتها تذكرة. راجع سنن ابى داود ج ٢ ص ١٩٥.

(٧) النساء : ١٠٠.

١٨١

الضرب في الأرض هو السير فيها والجناح الإثم ونفي الجناح يستعمل في الواجب والندب والمباح وقصر الصلاة من القصور بمعنى النقص وهو قد يكون في كيفيّتها وفي كمّيّتها والفتنة قيل القتل والأصحّ أنّها التعرّض للمكروه.

إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :

١ ـ قصر الصلاة جائز إجماعا فقال الشافعيّ هو رخصة لقوله تعالى « فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ » (١) فهو من المخيّر عنده لكنّه قال القصر أفضل وقال المزنيّ من

__________________

(١) وليس من المسلم ان الآية بصدد بيان التقصير في الركعات بل لعل المراد القصر عن حدود الصلاة كما نقله في المجمع عن ابن عباس وطاوس ، قال وهو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف وأنها تصلى إيماء والسجود أخفض من الركوع فان لم يقدر على ذلك فالتسبيح المخصوص كاف.

ولم يثبت حقيقة شرعية للفظ القصر في قصر العدد وانا وان قوينا ثبوت الحقيقة الشرعية فيما اسلفناك من الحواشي لكنا قلنا أنها ثابتة في بعض الألفاظ كالصلاة والصوم لا في كلها ولم يثبت في مثل كلمة القنوت والقصر ، ولذلك يمكننا ان نقول في المسئلة أن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين ، وقيد ذلك بأمرين الضرب في الأرض والخوف فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة خوف مقصورا عددها وأركانها وان انتفى الأمران وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران وان وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده :

فان وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفى العدد وليس بغريب وقد نقل الشيخ في الخلاف ج ١ ص ٢٥٣ المسئلة الثانية من صلاة الخوف عن عدة من أصحابنا الإمامية وجميع فقهاء أهل السنة عدم قصر العدد في صلاة الخوف في الحضر ونقل في ج ١ ص ٢٥٧ المسئلة التاسعة قصر أركان الصلاة في شدة الخوف عن الفقهاء والإمامية مستدلا بالروايات ، فقصر الأركان واستيفاء العدد نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية.

وان وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفيت الأركان وهذا أيضا نوع قصر وليس بالقصر المطلق.

١٨٢

أصحابه الإتمام أفضل وقال مالك وأبو حنيفة [ وأحمد ] وأصحابنا أنّه عزيمة (١) وبه قال عليّ عليه‌السلام وأهل بيته عليهم‌السلام وابن عبّاس وجابر وابن عمر وغيرهم ونفي الجناح لا ينافي الوجوب فإنّه قد استعمل في الوجوب كما في قوله تعالى

__________________

(١) ومما يدل على كونه عزيمة شدة نكير الصحابة على عثمان معين أتم بمنى وبعرفة فانظر الكامل لابن الأثير ج ٣ حوادث سنة ٢٩ وغيره من كتب التاريخ والحديث والتفسير وتأولوا فعله بما ننقله من النووي في شرح صحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٥ بعين عبارته قال :

اختلف العلماء في تأويلهما ( يعنى عثمان وعائشة ) فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا القصر جائزا والإتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام ، وقيل لان عثمان امام المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما في منازلهما وأبطله المحققون بأن النبي كان اولى بذلك منهما وكذلك أبو بكر وعمر ، وقيل لان عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي سافر بأزواجه وقصر ، وقيل فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا لئلا يظنوا ان فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان بأكثر مما كان ، وقيل لان عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجرين فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه بان ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة انتهى.

أقول : ويبطل ما جعله الصحيح أولا انه لم يعتذر بذلك نفسه عند ما عاب عليه المسلمون مخالفته للسنة المعروفة المستفيضة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الشيخين وعنه نفسه في صدر خلافته وقد أقبل عبد الرحمن بن عوف ( كما في الكامل والفتنة الكبرى ) وقال له : ألم تصل هنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتين؟ قال بلى قال ألم تصل مع ابى بكر وعمر ركعتين؟ قال بلى قال الم تصل أنت بالناس هنا ركعتين؟ قال بلى قال فما هذا الحدث الذي أحدثته؟ قال فإني بلغني أن الاعراب والجفاة من أهل اليمن يقولون ان صلاة المقيم اثنتان فأجابه عبد الرحمن بان خوفك على الاعراب والجفاة في غير محله إذ صلّى النبي ركعتين ولم يكن الإسلام قد فشا ، وقد ضرب الإسلام الان بجرانه فما ينبغي لك أن تخاف.

١٨٣

( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) إلى قوله ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (١) والطواف بهما واجب ، ولما روي عن يعلى بن أميّة وقد سأل عمر ما بالنا نقصر وقد أمنّا فقال عجبت ممّا عجبت منه فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « تلك صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته » (٢) والأمر للوجوب وغير ذلك من الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام وغيرهم (٣).

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) رواه في المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٣ ص ٢١٢. قال : رواه الجماعة إلا البخاري وتجده في سنن ابى داود ج ١ ص ٢٧٤. والعجب استدلال من قال بالرخصة بتيك الرواية مستظهرا من قوله « صدقة » أن القصر رخصة فقط والجواب أن الأمر بقبولها يدل على أنه لا محيص عنها.

(٣) فمن الروايات من طرق أهل السنة :

١ ـ رواية عائشة المتفق عليها بألفاظ منها : فرضت الصلاة ركعتين ( ركعتين ) فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر وفي المنتقى كما في نيل الأوطار ج ١ ص ٣٠٩ عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول ، رواه أحمد والبخاري وهي دليل ناهض على الوجوب فإن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر وتأويل البغوي لها بان المراد فرضت لمن أراد الاقتصار عليها تأويل مستعسف.

قالوا : انها معارضة بما روى من الإتمام ، قلت قد رد الروايتين ابن القيم الجوزية في زاد المعاد ج ١ ص ١٢٨ ، قال فيه : روى فيما روى عنها ان النبي كان يقصر ويتم ويفطر ويصوم ، سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هو كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال وفيما روى أنه كان يقصر وتتم بالتاء المثناة من فوق قال شيخنا ابن تيمية وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم. ثم بين رد التأولات فراجع.

٢ ـ ما رواه المنتقى عن ابن عباس كما في نيل الأوطار ج ٣ ص ٣٤٢ : فرض الله الصلاة على نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة ، رواه احمد ومسلم وأبو داود والنسائي. فهذا الصحابي الجليل حكى أن الله فرض صلاة السفر ركعتين وهو أتقى لله وأخشى من أن يحكى ذلك بلا برهان.

٣ ـ ما رواه المنتقى عن ابن عمر كما في نيل الأوطار ج ٣ ص ٢١٧ : انه قال ان

١٨٤

٢ ـ ظاهر الآية (١) تدلّ على أنّ القصر مشروط بالخوف وليس كذلك بل الخوف خرج مخرج الأغلب لما قلناه من حديث عمر وتحقيق الحال هنا أن نقول ليس السفر والخوف شرطين على الجمع للإجماع ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قصر سفرا مع زوال الخوف (٢) وإذا لم يكونا شرطين على الجمع فإمّا أن يكون أحدهما شرطا في الآخر دون العكس وهو باطل أمّا أوّلا فلاستلزام الترجيح بلا مرجّح ، وأمّا ثانيا فلأنّ اشتراط السفر بالخوف باطل للإجماع المذكور والنصّ وعكسه أعني اشتراط الخوف بالسفر باطل أيضا لكونه ينفى سببيّة الخوف مطلقا ولأنّ السبب التامّ يستحيل أن يكون شرطا في سببيّة آخر وإذا بطل ذلك فلم يبق إلّا أن يكون كلّ واحد منهما سببا تامّا في وجوب القصر ولما صحّ عن الباقر عليه‌السلام أنّه « سئل عن صلاة الخوف وصلاة السفر أنقصر ان جميعا فقال نعم وصلاة الخوف أحقّ أن تقصر من

__________________

رسول الله أتانا ونحن ضلال فعلمنا فكان فيما علمنا أن الله عزوجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر ، رواه النسائي ، وغير ذلك من الروايات التي رووها في كتبهم.

وأما من طرقنا الى أهل بيت الوحي الثقل الثاني الذي أمرنا بالتمسك به تجدها مبثوثة في الوسائل أبواب صلاة المسافر فراجع.

(١) قد عرفت إمكان جعل القصر في الآية القصر المطلق المترتب على السفر والخوف معا ويمكن أن يكون الحكم في صلاة الخوف في السفر ركعة كما تضمنه خبر حريز وزرارة وإبراهيم بن عمر ( الوسائل ب ١ من أبواب صلاة الخوف ح ٢ و ٣ و ٤ ) وقد قال به ابن الجنيد أيضا ونقله في المجمع عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وابن عباس وابى هريرة وكعب وابن عمر وسعيد بن جبير ، الا أنّه خلاف المشهور وتأولها في المدارك بأن كل طائفة انما تصلى مع الإمام ركعة فكان صلاتها ردت إليها.

(٢) وذلك لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سافر إلى ذي خشب وهو مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا فقصر وأفطر فصار سنة. أخرجه الشيخ الحر العاملي عن الفقيه والتهذيب في الوسائل ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ٥ و ١٢.

١٨٥

صلاة السفر الّذي ليس فيه خوف بانفراده » (١) جعل عليه‌السلام الخوف سببا أقوى من السفر الخالي عنه فيكون كلّ واحد منهما سببا تامّا منفردا وهذا تقرير لوجوب القصر فيهما معا.

٣ ـ لم نسمع خلافا في أنّ القصر في السفر معلّق بالمسافة إلّا أنّ داود قال : أحكام السفر تتعلّق بالطويل والقصير وأطلق ثمّ المقدّرون اختلفوا (٢) فقال الشافعيّ

__________________

(١) الوسائل ب ١ من أبواب صلاة الخوف ح ١

(٢) قال ابن رشد في البداية ص ١٦٢ ج ١ ما حاصله : السبب في اختلافهم معارضة المعنى المعقول من التقصير والإفطار في السفر للفظ المنقول في هذا الباب وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر والإفطار أنه لمكان المشقة فيه وإذا كان الأمر على ذلك فإنما يكونان حيث تكون المشقة ، وعند أبي حنيفة لا تكون المشقة إلا بقطع ثلاث مراحل ، وعند الشافعي وأحمد ومالك تكون بقطع ستة عشر فرسخا. قال : وأما من لا يراعى في ذلك الا اللفظ فقط فقد قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة فكل من أطلق عليه اسم المسافر جاز له القصر والفطر ، وأيدوا ذلك بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقصر في نحو السبعة عشر ميلا انتهى ما أردنا نقله.

وأنت خبير بأن أئمة المذاهب الأربعة على هذا لم يستندوا فيما حدوده من المسافة إلى دليل من أقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفعاله وانما استندوا الى فلسفة أطلقوا عليها المعنى المعقول ، وذلك مما لا يطمئن إليه الإمامية في استنباط الأحكام الشرعية وكفاهم ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وقد ذكر المصنف منها رواية وتجد الباقي منها في الوسائل أبواب صلاة المسافر.

ولسيد علمائنا الأعلام بحر العلوم طاب ثراه في مسئلة صلاة المسافر رسالة أدرجها في مفتاح الكرامة من ص ٥٠١ الى ص ٥٤٢ من المجلد الثاني من كتاب الصلاة يحق لأهل العلم المراجعة إليها وسرح الطرف في رياضها وارواء القلب من حياضها قد نثر فيها من الفرائد ما يرصع به تيجان القوائد ، أنشأت من بحر مواج تلألأت عليه السراج الوهاج.

١٨٦

مرحلتان ستّة عشر فرسخا وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة وأصحابه ثلاث مراحل أربعة وعشرون فرسخا وقال أصحابنا مرحلة ثمانية فراسخ أو مسير يوم متوسّط السير وبه قال الأوزاعيّ دليلنا بعد الإجماع منّا إطلاق الآية خرج ما دون الثمانية بالإجماع فيبقى ما عداه ولرواية عيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام « قال التقصير حدّه أربعة وعشرون ميلا يكون ثمانية فراسخ » (١).

٤ ـ حيث بيّنّا أنّ التقصير نقص من الصلاة كمّا أو كيفا فالنقص في الكمّ في الرباعيّات بتنصيفها وجعلها اثنتين وكذلك في حال الخوف غير الشديد وأمّا في حال الخوف المنتهى إلى الشدّة فإنّ النقص هناك في الكمّ والكيف معا أمّا الكمّ فكما قلنا وأمّا الكيف فبحسب الإمكان قائما وقاعدا ومؤميا بل ويقوم مقام الركعة تسبيحة واحدة وتفصيل ذلك في كتب الفقه.

٥ ـ القصر المشار إليه سفرا وخوفا إنّما يكون فيما ساغ من السفر والأحوال واجبا كان أو مندوبا أو مباحا لا في غير السائغ وذلك لأنّه تخفيف وترفيه للمشقّة الّتي مظنّتها السفر فلا يحسن جعله للعاصي بسفره خصوصا على قولنا بحكمة الشارع وامتناع القبيح عليه نعم لا يشترط انتفاء المعصية في السفر بل كون السفر نفسه غير معصية أو غايته غير المعصية.

٦ ـ وجوب القصر وإن كان عامّا لظاهر الآية لكنّه عندنا مخصوص بما عدا المواضع الأربعة مسجد مكّة والمدينة وجامع الكوفة والحائر الشريف على ساكنه الصلاة والسلام وعليه إجماع أكثر الأصحاب فإنّ الإتمام فيها أفضل لكونها مواضع شريفة تناسب التكثير من العبادة فيها.

السابعة ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ

__________________

(١) الوسائل ب ١ من أبواب صلاة المسافر ح ١٤.

١٨٧

يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ) (١).

الطائفة أقلّها واحد والسلاح اسم لما يدفع به الإنسان عن نفسه والجمع أسلحة كخمار وأخمرة وأخذ الحذر كناية عن شدّة الاحتراز عن العدوّ بالاستعداد له واللام في « فَلْتَقُمْ » و « لْيَأْخُذُوا » للأمر وهي ساكنة باتّفاق القرّاء وأصلها الكسر فسكنت استثقالا و « أَنْ تَضَعُوا » موضعه إمّا نصب بنزع الخافض إي لا إثم عليكم في أن تضعوا فسقطت في بعمل ما قبلها ، أو جرّ بإضمار حرف الجرّ وقال « طائِفَةٌ أُخْرى » ولم يقل آخرون وقال « لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا » ولم يقل لم تصلّ فلتصلّ حملا للكلام تارة على اللّفظ واخرى على المعنى كقوله « وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا » (٢) ولم يقل اقتتلا.

إذا تقرّر هذا فلنورد كيفيّة صلاة الخوف على ما قاله الفقهاء ثمّ نذكر ما في الآية من الفوائد فنقول : الخوف إذا انتهى إلى حال لا يمكن معها الاستقرار وإيقاع الأفعال بل إلى المسايفة والمعانقة صلّى الناس فرادى بحسب إمكانهم كما تقدّم وإذا لم ينته إلى ذلك فقد ذكروا ثلاثة أنواع (٣) :

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) الحجرات : ٩.

(٣) وذكر في التذكرة صورا أربع : هذه الثلاثة وأضاف إليها صلاة شدة الخوف. وفي شرح النووي على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٦ : وروى أبو داود وغيره وجوها أخر في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها ( أقول تجدها في ج ١ من سنن أبى داود ص ٢٨١ الى ص ٢٨٧ وذكر ابن العربي في أحكام القرآن ص ٤٩١ أنها تبلغ أربعا وعشرين صفة ذكر نفسه ثمان صفات.

١٨٨

الأوّل صلاة بطن النخل (١) وهي أن يكون العدوّ في جهة القبلة ويفرّق الامام أصحابه فرقتين فيصلّي بإحداهما ركعتين ويسلّم بهم والثانية تحرسهم ثمّ يصلّي بالثانية ركعتين نافلة له وهي فريضة لهم وهذه تصحّ أيضا مع الأمن.

الثاني صلاة عسفان (٢) وهي أن يكون العدوّ في جهة القبلة أيضا فيرتّبهم صفّين ويحرّم بهما جميعا ويركع بهم ويسجد بالأوّل خاصّة ويقوم الثاني للحراسة فإذا قام الإمام بالأوّل سجد الثاني ثمّ ينتقل كلّ من الصفّين إلى مكان صاحبه فيركع الإمام بهما ثمّ يسجد بالّذي يليه ويقوم الثاني الّذي كان أوّلا لحراستهم فإذا جلس بهم سجدوا وسلّم بهم جميعا.

الثالث صلاة ذات الرقاع (٣) وشروطها كون العدوّ في خلاف جهة القبلة أو

__________________

(١) قال ياقوت : بطن نخل جمع نخلة قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة بينهما الطرف على الطريق وهو بعد أبرق العزاف للقاصد إلى مكة. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ونخل بفتح النون وإسكان الخاء المعجمة وهو مكان من نجد من أرض غطفان.

(٢) قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : عسفان بعين مضمومة ثم سين ساكنة مهملتين قرية جامعة بها بئر وهي بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال وأما قول صاحب المطالع ان بينهما ست وثلاثون ميلا فليس بمنقول.

(٣) بكسر الراء وآخره عين مهملة ، قيل هي اسم شجرة في موضع الغزوة سميت بها وقيل لأن أقدامهم نقبت من المشي فلفوا عليها الخرق هكذا فسره مسلم بن الحجاج وقيل بل سميت برقاع كانت في ألويتهم قاله ابن إسحاق وقيل ذات الرقاع جبل فيه سواد وبياض وحمرة فكأنها رقاع في الجبل قال ياقوت : الأصح أنها موضع لقول دعثور المحاربي « حتى إذا كنا بذات الرقاع » وكانت هذه الغزوة سنة أربع للهجرة. وقال الواقدي ذات الرقاع قريبة من النخيل بين السعد والشقرة وبئر أرما على ثلاثة أيام ( أميال ظ ) من المدينة وهي بئر جاهلية.

وانما سموا هذه الثلاث بهذه الأسامي لما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم في هذه الأمكنة كذلك.

١٨٩

كونه في جهتها لكن بينه وبين المسلمين حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوّة العدوّ بحيث يخاف هجومه وكثرة المسلمين بحيث يمكن افتراقهم فرقتين يقاوم كلّ فرقة العدوّ وعدم الاحتياج إلى زيادة التفريق : فينحاز الإمام بطائفة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدوّ فيصلّي بهم ركعة فإذا قام إلى الثانية انفردوا واجبا وأنمّوا والأخرى تحرسهم ثمّ تأخذ الأولى مكان الثانية وتنحاز الثانية إلى الامام وهو ينتظرهم فيقتدون به في الركعة الثانية فإذا جلس في الثانية للتشهّد قاموا وأنمّوا ولحقوا به ويسلّم بهم ويطوّل الامام القراءة في انتظار الثانية والتشهّد في انتظار فراغها وفي المغرب يصلّي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة أو بالعكس.

فالآية الكريمة ، لم يقل أحد بحملها على صلاة عسفان بل إمّا على صلاة بطن النخل وهو قول الحسن البصري أو على صلاة ذات الرقاع وفيها قولان أحدهما قول أصحابنا والشافعيّة وهو أنّ الطائفة الأولى بعد فراغها من السجود تصلّي ركعة أخرى كما حكيناه وثانيهما أنّ الطائفة الأولى إذا فرغوا من الركعة يمضون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الأخرى ويصلّي بهم الركعة الثانية ويسلّم الإمام خاصّة ويعودون إلى وجه العدوّ ويأتي الاولى فيقضون ركعة بغير قراءة لأنّهم لاحقون ويسلّمون ويرجعون إلى وجه العدوّ وتأتي الطائفة الثانية ويقضون ركعة بقراءة لأنّهم مسبوقون وهو مذهب أبي حنيفة ومنقول عن عبد الله بن مسعود وفي الفرق بين الطائفتين بترك القراءة نوع تحكّم لا يصلح ما ذكروه لعلّته.

وقيل إنّ الطائفة الأولى تصلّي ركعة وتسلّم وتنصرف وكذا الثانية وهو قول جابر ومجاهد فعلى هذا يكون صلاة الخوف ركعة واحدة (١) فالسّجود في قوله « فَإِذا سَجَدُوا » على ظاهره عند أبي حنيفة وعلى قول أصحابنا وقول الشافعيّ بمعنى الصلاة ويعضده قوله تعالى ( وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ )

__________________

(١) قد مر ما ورد فيه من طرق الإمامية وطرق أهل السنة وما به يتأول الروايات في حواشينا السالفة فراجع ص ١٨٥.

١٩٠

ولا خلاف في أنّ الطائفة الّتي تقابل العدوّ غير المصلّية تأخذ السلاح وأمّا المصلّية فقيل لا تأخذه وبه قال ابن عبّاس وقيل تأخذه وهو الصحيح لعود الضمير إليهم ظاهرا وهنا فوائد

١ ـ قيل (١) إنّ الصلاة على هذا الوجه تختصّ بحضرته صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ ) وليس بشي‌ء (٢) لأنّ سائر الشرعيّات هو مقرّرها بأقواله وأفعاله مع عموم التكليف بها لوجوب التأسّي به مع أنّ مفهوم المخالفة ليس بحجّة عندنا.

٢ ـ أخذ السلاح واجب لصيغة الأمر وقد تقرّر أنّه للوجوب.

٣ ـ يجوز ترك أخذ السلاح مع المرض أو حصول الأذى به وكذا إذا منع أحد واجبات الصلاة لقوله « ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر ».

٤ ـ في الآية دلالة على أرجحيّة صلاة الجماعة للأمر حالة الخوف بالمحافظة عليها.

٥ ـ في قوله « وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ » إشارة

__________________

(١) القائل على ما في شرح النووي على صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٦ أبو يوسف والمزني ونقل الشيخ في الخلاف المسألة ١ من كتاب صلاة الخوف ج ١ ص ٢٥٣ رجوع أبى يوسف فالمزنى منفرد في هذا القول.

(٢) واستدل الشيخ في الخلاف المسئلة الاولى من كتاب صلاة الخوف ج ١ ص ٢٥٣ بما روى من صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذات الرقاع وبطن نخل وعسفان ، وبما روى من صلاة أمير المؤمنين على عليه‌السلام صلاة الخوف ليلة الهرير ، وما روى من صلاة أبي موسى وصلاة أبي هريرة وكذا ما روى من أن الحسين بن على عليهما‌السلام صلّى عند مصابه صلاة الخوف بأصحابه ثم قال وكان سعيد بن العاص واليا على الجيش بطبرستان فأمر حذيفة فصلى بالناس صلاة الخوف فمن ادعى نسخ القرآن والإجماع والسنة فعليه الدلالة ولقد أجاد فيما أفاد قدس الله سره.

١٩١

إلى علّة وجوب أخذ السلاح والحذر وهو أنّه إذا لم تفعلوا يميلون عليكم ميلة واحدة أي يشدّون عليكم شدّة واحدة.

٦ ـ في الآية ونزولها معجزة له صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك أنّها نزلت والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان والمشركون بضجنان فتواقفوا فصلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود فهمّ المشركون أن يغيروا عليهم فقال بعضهم إنّ لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من هذه يعنون [ بها ] صلاة العصر فأنزل الله الآية المذكورة فصلّى بهم صلاة العصر صلاة الخوف (١).

٧ ـ لمّا أمرهم بأخذ الحذر أو همهم أنّ العدوّ يوقع بهم ضررا لقوّة العدوّ [ أ ] وخداعه فأزال هذا الوهم بأنّ الله يهيمهم بسيف الإسلام فإنّه تعالى كثيرا ما يفعل الأشياء بأسبابها فقال « إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ».

( نكتة )

إن قلت : تعليق الأخذ بالحذر مجاز وبالأسلحة حقيقة فإن أراد أحدهما لم يجز الآخر وإن أرادهما فباطل لأنّهم منعوا من استعمال اللّفظ في الحقيقة والمجاز معا قلت إنّما منعوه على وجه الحقيقة لا مطلقا فجاز إرادتهما معا مجازا أو يكون أحدهما منصوبا بالملفوظ والآخر بمقدّر على طريقة « علّفتها تبنا وماء باردا (٢) أراد وسقيتها.

__________________

(١) راجع مجمع البيان ج ٣ ص ١٠٣ ، سنن أبى داود ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) قد مر ذكر البيت في ص ١٤ وما قيل فيه وأن آخره حتى شتت همالة عيناها.

وقال ابن عصفور : انهم ذهبوا الى أن الاسم الذي بعد الواو معطوف على الاسم الذي قبلها ويكون العامل في الاسم الذي قبل الواو قد ضمن في ذلك معنى يتسلط على الاسمين فيضمن علفتها معنى أطعمتها ، لأنه إذا علفها فقد أطعمها فكأنه قال أطعمتها تبنا وماء. وقد يقال أطعمت ماء ، قال الله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ).

وقائل البيت لم يعرف ونسبه بعضهم إلى ذي الرمة وليس في ديوانه واستشهد

١٩٢

الثامنة ( فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) (١).

المراد بالقضاء هنا فعل الشي‌ء والإتيان به أي إذا أتيتم بالصلاة كقوله تعالى ( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) (٢) فعلى هذا يكون المراد الأمر بالمداومة على الذكر في جميع الأحوال كما جاء في الحديث القدسيّ « يا موسى اذكرني فإنّ ذكري حسن على كلّ حال » (٣) أو المراد التعقيب بالأدعية بعد الصلاة كما هو مذكور في مظانّه ويمكن أن يكون المراد التسبيح عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر » كما رواه أصحابنا فإنّه ذكر ذلك عقيب كلّ صلاة القصر (٤)

وقيل : في الكلام إضمار أي إذا أردتم الإتيان بالصلاة فأتوا بها على حسب

__________________

بالبيت في المغني كما مر ، والطبري ج ١ ص ١١٤ عند تفسير الآية ٧ من سورة البقرة وابن قتيبة في مشكل القرآن ص ١٦٥ باب الحذف والاختصاص وابن الأنباري في الإنصاف في المسئلة ٨٤ من الخلاف بين البصريين والكوفيين في عامل الجزم في جواب الشرط ( ص ٦١٣ ) وابن قيم الجوزية في جلاء الافهام ص ٣٣٠ والضبط فيه حتى غدت همالة ، والسيد المرتضى في المجلس ٧٦ ، ونقل الشنقيطى في تذييله عليه انه روى البيت أيضا هكذا :

حططت الرحل عنها واردا

علفتها تبنا وماء باردا

وروى أيضا : مشت همالة ، وروى أيضا بدت والمعنى واحد قاله الدسوقى في حاشيته على المغني. وهمالة صيغة مبالغة من هملت عين فلان إذا أرسلت دمعها.

(١) النساء : ١٠٣.

(٢) البقرة : ٢٠٠.

(٣) أصول الكافي ج ٢ ص ٤٩٧ الرقم ٨.

(٤) الوسائل ب ٢٤ من أبواب صلاة المسافر ح ٢.

١٩٣

أحوالكم في الإمكان بحسب ضعف الخوف وشدّته « قِياماً » أي مسايفين ومقارعين « وَقُعُوداً » أي مرامين « وَعَلى جُنُوبِكُمْ » أي مثخنين بالجراح ووجه هذا أنّها في معرض ذكر صلاة الخوف.

قوله « فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ » أي سكنتم وأقمتم في مدنكم « فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » تقدّم معنى إقامة الصلاة أي أدّوها كاملة في كمّيّتها وكيفيّتها بأن تأتوا بها تماما لا قصرا وعلى إيفاء الكيفيّات حقّها لا كما هو حال الشدّة وباقي الآية تقدّم تفسيره في أوّل كتاب الصلاة (١)

التاسعة ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ )(٢).

لمّا تقرّر في أصول الفقه أنّ التأسيس أولى من التأكيد لاشتماله على مزيد فائدة لم يجز حمل قوله « وَارْكَعُوا » على الصلاة أي صلّوا مع المصلّين تسمية للصلاة باسم بعض أجزائها لكونه أوّل فعل يظهر منها كما قيل في ذلك سواء كان الخطاب لليهود لعدم الركوع في صلوتهم أو لغيرهم فإنّ الأمر بإقامة الصلاة يستلزم الأمر بأجزائها لأنّ الأمر بالكلّ أمر بكلّ واحد من أجزائه ضرورة وحينئذ فالأولى حمل الآية على الأمر بصلاة الجماعة فيكون راجحة إمّا وجوبا كما في الجمعة والعيدين أو استحبابا كما في باقي الصلوات الواجبة وهو قول أكثر المسلمين وقال أحمد بوجوبها على الكفاية.

وأمّا الجماعة في النوافل فأجمع علماء أهل البيت عليهم‌السلام على تحريمها إلّا في نفل أصله فرض كالإعادة والعيدين والاستسقاء لما فيها من غرض الاجتماع لإجابة الدعاء واحتجاج أحمد على وجوبها بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله توعّد جماعة تركوها بإحراق بيوتهم (٣)

__________________

(١) راجع ص ٥٨.

(٢) البقرة : ٤٣.

(٣) روى أبو داود في سننه ج ١ ص ١٢٩ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم انطلق معى برجال معهم حزم من حطب الى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار.

١٩٤

لا يدلّ على مطلوبه لاحتمال اعتقادهم عدم المشروعيّة أو إصرارهم على ترك السنن أو على شدّة الاستحباب الّذي لا نزاع فيه فانّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفدّ بخمس وعشرين صلاة كما ورد في الحديث النبويّ (١) وهو دليل على استحباب الجماعة معتضدا بأصالة البراءة من الوجوب وأمّا مبالغة داود في جعلها واجبة عينا فأظهر في المنع.

العاشرة ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )(٢).

لم أجد أحدا من المفسّرين فرّق بين الاستماع والإنصات والّذي يظهر لي أنّ استمع بمعنى سمع والإنصات توطين النفس على الاستماع مع السكوت فظاهر الآية يدلّ على راجحيّته إذا قرئ القرآن إمّا وجوبا أو استحبابا واختلف في سبب نزولها (٣) فقال ابن عبّاس وجماعة أخرى إنّهم كانوا يتكلّمون في صلوتهم أوّل فرضها فكان الرجل يجي‌ء وهم في الصلاة فيقول كم صلّيتم فيقولون كذا وكذا وقال الزهريّ كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرء فيعارضه فتى من الأنصار فيقرء معه فنزلت وقيل كان أصحابه كلّما قرأ قرؤا معه رافعين أصواتهم فيخلطون عليه وقال ابن جبير نزلت في الإنصات والإمام يخطب في الجمعة وقيل هو أمر بالاستماع نظرا في المعجزة النبويّة وهو قويّ وقال الصادق عليه‌السلام المراد استحباب الاستماع في الصلاة وغيرها (٤) وهو المختار لإطلاق اللّفظ وأصالة البراءة من الوجوب وهنا فوائد :

 ـ استدلّ أصحابنا والحنفيّة على سقوط القراءة عن المأموم بالآية فإنّ الإنصات لا يتمّ إلّا بالسّكوت وخالفت الشافعيّة في ذلك حيث استحبّوا له قراءة

__________________

(١) راجع مجمع الزوائد ج ٢ ص ٣٨.

(٢) الأعراف : ٢٠٣.

(٣) راجع الأقوال في سبب نزولها في الدر المنثور ج ٣ ص ١٥٣ و ١٥٤ ، مجمع البيان ج ٤ ص ٥١٥.

(٤) تفسير العياشي ج ٢ ص ١٤٤ الرقم ١٣١.

١٩٥

الفاتحة مطلقا وربّما فصّل أصحابنا بأنّ في الجهريّة الأولى ترك القراءة لما قلناه من الإنصات وأمّا الإخفاتيّة والجهريّة إذا لم يسمع ولا همهمة فيستحبّ قراءة الفاتحة وقيل بل يستحبّ الذكر في النفس تسبيحا أو تحميدا أو تهليلا أو تكبيرا وهو الأولى ويؤيده رواية زرارة عن أحدهما عليه‌السلام « إذا كنت خلف إمامه تأتمّ به فأنصت وسبّح في نفسك » (١) يعني فيما [ لا ] يجهر به وإليه أشار في الآية التالية لهذه بقوله ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) (٢).

٢ ـ ينبغي لكلّ واحد من قارئ القرآن ومستمعه تخلية سرّه وتحزين قلبه والاستشفاء به من داء جهله وتفريطه وأن يجعل نفسه هي المخاطبة بجملة أوامره ونواهيه وأنّها المؤاخذة بوعيده والمرغّبة بوعده.

٣ ـ ينبغي ترك الكلام حينئذ واستشعار الذلّة والخضوع وتصوّر عظمة المتكلّم به وهو الله تعالى وقراءته قائما وجالسا متأدّبا كالحاصل بين يدي ملك عظيم لا يشغل عنه شاغل وتحرّي الخلوة بقرائته فإنّها نعم العون على ذلك كلّه.

الحادية عشرة ( إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) (٣).

حكم أصحابنا بوجوب السجود عند قراءة هذه الآية واستماعها وفي سماعها خلاف أحوطه الوجوب وكذا في حم عند قوله ( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٤) وآخر اقرأ : ( وَاسْجُدْ

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٤٤ الرقم ١٣٤.

(٢) الأعراف : ٢٠٥.

(٣) الم السجدة : ١٥.

(٤) فصلت : ٣٧.

١٩٦

وَاقْتَرِبْ ) (١) وعند آخر النجم ( فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا ) (٢) وسمّوها بسور العزائم الأربع مستدلّين بعد إجماع الفرقة بقول عليّ عليه‌السلام « عزائم السجود أربع » (٣) وقول الصادق عليه‌السلام « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلّي وسائر القرآن أنت فيه بالخيار » (٤) ولأنّها واردة بصيغة الأمر الدالّ على الوجوب.

إن قلت : نمنع كون كلّها بصيغة الأمر فإنّها هنا في الآية المذكورة ليست بصيغة الأمر مع أنّه يلزمكم وجوب السجود في آخر الحجّ لكونه بصيغة الأمر وأنتم لا تقولون به قلت الجواب أمّا عن الأولى فلأنّها إن لم يكن بصيغة الأمر لكنّها علامة على كمال الإيمان المشعر ذلك بوجوبها وأمّا عن الثانية فلأنّها سجود الصلاة بدليل اقترانها بالركوع فهي واجبة في الصلاة والنزاع في سجود ليس في الصلاة هذا مع أنّه مختلف في مشروعيّتها كما يجي‌ء.

وما عدا هذه الأربع من السجود مندوب لأصالة البراءة من الوجوب ولما ذكرنا من قول الصادق عليه‌السلام ، وهي إحدى عشرة : في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحجّ في موضعين والفرقان والنمل وص وإذا السماء انشقّت.

وقال الشافعيّ إنّها كلّها مسنونة وأسقط ص وقال أبو حنيفة كلّها واجبة وأسقط ثانية الحجّ فهي عندهما أربعة عشرة.

فائدة : يجب في السجدات المذكورة وضع الجبهة والسجود على الأعضاء السبعة ولا يجب فيها طهارة ولا ذكر ولا تشهّد ولا تسليم ولا استقبال على الأصحّ

__________________

(١) العلق : ١٩.

(٢) النجم : ٦٢.

(٣) رواه الطبراني في الأوسط عن على عليه‌السلام قال : عزائم السجود أربع الم تنزيل السجدة وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك. راجع مجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٨٥.

(٤) الوسائل ب ٤٢ من أبواب قراءة القرآن ح ٢.

١٩٧

نعم الذكر فيها مندوب صورته على ما رواه ابن بابويه في أماليه « لا إله إلّا الله حقّا حقّا لا إله إلّا الله تعبّدا ورقّا لا إله إلّا الله إيمانا وصدقا سجدت لك يا رب تعبّدا ورقّا لا مستنكفا ولا مستكبرا (١) [ ولا متعظّما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير ].

كتاب الصوم

وهو لغة قيل قيام بلا عمل قاله الخليل وقال الجوهريّ الصوم الإمساك وشرعا قيل هو الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص ممّن هو على صفات مخصوصة ونقض بأنّ الإمساك عدميّ مع إبهام الأشياء المخصوصة وإطلاقها وقيل هو الكفّ عن المفطرات مع النيّة وفيه نظر إذ الكفّ يشمل اللّيل وذلك ليس بصوم مع أنّ التناول سهوا ليس بمناف فلا بدّ من قيد العمد فاذن هو ليس بمانع لدخول الأوّل ولا جامع لخروج الثاني. هذا مع أنّ كفّ الكافر والمسافر والحائض والجنب عن المفطرات مع النيّة ليس بصوم فلا بدّ من قيد يخرج أمثال ذلك ، وربّما زيد التوطين فقيل توطين النفس على الكفّ إلى آخره وهو أيضا غير سديد ويرد عليه ما قلناه أيضا.

فالأولى أن يقال هو كفّ شرعيّ عن تعمّد تناول كلّ مزدرد والجماع وما في حكمها يوما أو حكمه مع النيّة ، وفيه أجر جزيل بل هو من أفضل الأعمال ففي الحديث القدسيّ « كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به » (٢) وفي توجيه هذا الحديث أقوال ذكرناها في النّضد من أرادها وقف عليها (٣).

__________________

(١) كتاب الأمالي ص ٣٨٢ المجلس ٩٣ ورواه في الفقيه ج ١ ص ٨٣.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٢٦ ، الوسائل ب ١ من أبواب الصوم المندوب ح ٢٧.

(٣) قال قدس‌سره : قاعدة : كل الأعمال الصالحة لله فلم جاء في الخبر « كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به » مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أفضل أعمالكم الصلاة »؟.

١٩٨

وهنا آيات :

الاولى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١).

__________________

وأجيب بوجوه :

١ ـ انه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن ، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف وأجيب بالمعارضة بالجهاد فان فيه ترك الحياة فضلا عن الشهوات وبالحج إذ فيه الإحرام ومتروكاته كثيرة.

٢ ـ انه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه فلذلك شرف بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما أجيب بأن الايمان والإخلاص وأفعال القلب والخشية خفية مع تناول الحديث إياها.

٣ ـ ان عدم إملاء الجوف تشبه بصفة الصمدية ، أجيب بأن طلب العلم فيه تشبه بأجل ( صفات ) الربوبية وهو العلم الذاتي وكذلك الإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين ، كل ذلك فيه التخلق تشبها بصفات الله تعالى.

٤ ـ ان جميع العبادات وقع التقرب بها الى غير الله تعالى الا الصوم فإنه لم يتقرب به الا الى الله وحده ، أجيب بأن الصوم يفعله أصحاب استخدام الكواكب.

٥ ـ ان الصوم توجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع ولذلك قال عليه الصلاة والسلام « لا يدخل الحكمة جوفا ملي‌ء طعاما » وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية.

أجيب بأن سائر العبادات إذا واظب عليها أورثت ذلك خصوصا الجهاد قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) وقال تعالى ( اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) قال بعضهم لم أر فيه فرقا تقربه العين وتسكن اليه القلب.

ولقائل أن يقول هب أن كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر فلم لا يكون مجموعها هو الفارق فإنه لا يجتمع هذه الأمور المذكورة لغير الصوم. وهذا واضح.

(١) البقرة : ١٨٣.

١٩٩

كتب أي فرض عليكم والّذين من قبلنا هم الأنبياء وأممهم من لدن آدم عليه‌السلام إلى عهدنا « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » أي تتّقون المعاصي فإنّ الصوم يكسر الشهوة كما جاء في الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « من لم يستطع الباه فليصم فإنّ الصوم له وجاء » (١) أو لعلّكم تنتظمون في زمرة المتّقين فانّ الصوم شعارهم وهنا فوائد :

١ ـ في قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » تنبيه على عدم الوجوب على الصبيّ والمجنون والمغمى عليه إذ الإيمان هو التصديق والإذعان بعد تصوّر الأطراف وذلك لا يحصل إلّا من عاقل.

٢ ـ حيث إنّ الصوم تشبّه بالملائكة وحسم لمادّة الشيطان وكسر للقوّة الشهوية الحيوانيّة ونصر للقوّة العاقلة الملكيّة كتب علينا كما كتب على الّذين من قبلنا من الأنبياء والأمم الماضين.

٣ ـ قيل إنّ النصارى كتب عليهم شهر رمضان فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده فصار صومهم خمسين يوما وقيل كان وقوعه في الحرّ الشديد أو البرد الشديد فشقّ عليهم في أسفارهم ومعايشهم فحوّلوه إلى الربيع وزادوا فيه عشرين يوما كفّارة للتحويل وعن الباقر عليه‌السلام « إنّ شهر رمضان كان واجبا على كلّ نبيّ دون أمّته وإنّما وجب على امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله محبّة لهم » (٢).

٤ ـ في قوله « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » إشارة إلى أنّ التكاليف السمعيّة ألطاف مقرّبة إلى طاعات أخر وإلى اجتناب كثير من المعاصي كما قال ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٣).

٥ ـ فائدة إعلامنا بتكليف من قبلنا بالصوم إمّا تأكيد للحكم فإنّه إذا كان

__________________

(١) من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. راجع صحيح البخاري ج ١ ص ٣٢٦.

(٢) الوسائل ب ١ من أبواب أحكام شهر رمضان ح ٣.

(٣) العنكبوت : ٤٥.

٢٠٠