كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

باشره غيره ليس من سعيه فلا يستحقّ عليه جزاء ولا يكون له أيضا أمّا حال العجز فقد جوّز الفقهاء أن يتولّى طهارته غيره ويتولّى هو النيّة وأمّا الصلاة فيأتي بها على القدر الممكن قائما مستندا أو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا وممّا يشعر بجواز الصلاة حال العجز كذلك قوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) (١) وأمّا الصوم فيسقط أداؤه حال العجز عنه ويجب القضاء حال التمكّن بنفسه ولا يجوز النيابة وأمّا الحجّ الواجب مع العجز فيسقط حينئذ وهل يجوز النيابة فيه خلاف والأصحّ جوازه مع سبق الوجوب على العجز عنه وأمّا الجهاد فمع التعيّن لا يجوز النيابة ومع عدمه يجوز النيابة وهل يجب؟ فيه خلاف أظهره الوجوب مع القدرة والاستحباب مع العجز واليسار وأمّا العبادات الماليّة فيجوز التوكيل في إخراجها حال الحياة كالزكاة والخمس والنذورات وشبهها وقضاء الديون والكفّارات وغيرها وكذا يجوز في ذبح الهدي الواجب وأمّا المندوب من العبادات فالماليّة يجوز التوكيل فيها قطعا وأمّا البدنيّة فالحجّ يجوز النيابة فيه بلا خلاف فقد ورد أنّ عليّ بن يقطين رحمه‌الله صاحب الكاظم عليه‌السلام احصي له خمسمائة وخمسون رجلا يحجّون عنه بالنيابة أقلّهم بسبعمائة دينار ، وأكثرهم بعشرة آلاف درهم (٢) وكذا يجوز النيابة في زيارات الأئمّة عليهم‌السلام.

وأمّا الصلاة والصيام فلم نظفر بدليل يدلّ على جواز النيابة فيهما فالأولى المنع لعموم الآيتين وأمّا بعد الموت فيجوز النيابة في الحجّ الواجب بلا خلاف وكذا في الصدقة بأنواعها الواجبة والمندوبة وأمّا الصوم والصلاة الواجبان فجوّزهما الأصحاب مجمعين على ذلك لتظافر رواياتهم عن أئمّتهم بذلك حتّى أنّه لم يرد حديث واحد بمنع ذلك وهو أقوى حجّة على الجواز إذ أكثر المسائل قد ورد فيها حديث يخالف مقتضاها إلّا هذه المسئلة.

فممّا ورد ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام « من عمل من المؤمنين عن

__________________

(١) آل عمران : ١٩١.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ١٤ عن الكشي وفيه : « سبعمائة درهم ».

١٦١

ميّت عملا صالحا أضعف الله له أجره ونفع الله به الميّت (١) » وروى أيضا عنه عليه‌السلام وقد سئل أيصلّى عن الميّت « فقال نعم حتّى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ثمّ يؤتى به فيقال له خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك » (٢) إلى غير ذلك تمام أربعين حديثا خالية عن معارض وأكثر الجمهور يمنعونهما محتجّين بقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلّا ما سَعى ) وبقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له » (٣) وعلى هذين اعتمد الثوري والجواب عن الآية والحديث أنّهما عامّان مخصوصان بما اتّفق على جوازه كالحجّ والصدقة فما أجيب به فهو جوابنا على أنّا نقول الأعمال الواقعة عنه بعد الموت نتيجة سعيه في تحصيل الإيمان المسوّغ للنيابة عنه وأيضا الخبر يدلّ على انقطاع عمله ومحلّ النزاع أنّه يصل إليه من عمل غيره هذا مع أنّ صاحب الحاوي حكى عن عطاء ابن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنّهما قالا : يجوز الصلاة عن الميّت وابن أبي عصرون اختار ذلك في كتابه الانتصاف وفي صحيح البخاري في باب من مات وعليه نذر : أنّ ابن عمر أمر امرأة ماتت أمّها وعليها صلاة أن تصلّي عنها (٤).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه وقع الاتّفاق على أنّه يصل إلى الميّت ثواب الصدقة والحجّ والدّعاء والاستغفار وكذا غيرها عندنا لقول الصادق عليه‌السلام « تدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبرّ والدعاء ويكتب أجره للّذي فعله وللميّت » (٥) وعنه عليه‌السلام أيضا « أنّ الميّت ليفرح بالترحّم عليه والاستغفار له كما يفرح الحيّ بالهديّة الّتي تهدى إليه » (٦) وغير ذلك من الأحاديث وقد حكى شارح

__________________

(١) الوسائل ب ٢٨ من أبواب الاحتضار ح ١.

(٢) الوسائل ب ٢٨ من أبواب الاحتضار ح ٤.

(٣) السراج المنير ج ١ ص ١٧٩ من حديث أبي هريرة.

(٤) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٥٩.

(٥) الوسائل ب ١٢ من أبواب قضاء الصلوات ح ١٠.

(٦) الوسائل ب ٢٨ من أبواب الاحتضار ح ٢ و ٣.

١٦٢

صحيح مسلم من الشافعيّة أنّه يصل إلى الميّت ثواب جميع العبادات.

الخامسة ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (١).

« خلفة » أي يخلف كلّ واحد منهما الآخر إذ لو دام أحدهما لاختلّ نظام الوجود ولم يكونا رحمة « لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ » أي يتذكّر بمقتضى العقل « أَوْ أَرادَ شُكُوراً » أي شكر من أنعم بهذه النعم وهو سبب غائيّ للجعل المذكور أي جعلت ذلك ليتذكّروا نعمتي ويشكروني عليها. وكلمة أو هنا ليست لمنع الجمع بل لمنع الخلوّ الّذي سمّاه النحاة بالإباحة ومثّلوه بقولهم جالس الحسن أو ابن سيرين أي لا تخل من مجالستهما ويجوز لك الجمع بينهما.

إذا عرفت هذا فنقول : استدلّ الفقهاء بها على مشروعيّة قضاء فائتة اللّيل نهارا وفائتة النهار ليلا أي اللّيل خليفة النهار في وقوع ما فات فيه وبالعكس والقضاء هو الإتيان بمثل الفائت في غير وقته فيقضي التمام تماما والقصر قصرا والفائت أوّلا يأتي به أوّلا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٢) ولا يحصل المماثلة إلّا بجميع وجوهها من الكيفيّة والكميّة والترتيب. مسئلتان :

__________________

(١) الفرقان : ٦٢.

(٢) الرواية مشهورة مضبوطة في كتب الفقهاء بعنوان النبوية المشهورة وصرح المحقق السبزواري بعدم صحتها ولم أعثر عليها في كتب أهل السنة بل ليست فيها فإنهم استدلوا على وجوب قضاء العامد للترك بفحوى الخطاب مما ورد في قضاء الناسي والنائم بأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ولو كان عندهم رواية بعبارة « من فاتته » العام للناسي والعامد لتمسكوا به واستراحوا عما يرد على فحوى الخطاب بالفرق فان القضاء كفارة للناسي والنائم على ما عليه النص والكفارة قد يكون للخطإ أيضا وحيث لا نص على كونه كفارة للعامد فلا يسقط الإثم عنه فلا فائدة في القضاء إذا لم يكن عليه نص.

١٦٣

١ ـ لم يشترط الشافعيّ الترتيب في الفائت فيجوز عنده العصر قبل الظهر والعشاء قبل المغرب قياسا على قضاء صوم رمضان ولأنّ وجوب الترتيب على خلاف الأصل فيكون منفيّا وقال أبو حنيفة يترتّب ما لم يدخل في التكرار وقال أصحابنا يترتّب وإن كثرت.

لنا ما تقدّم من الحديث المذكور آنفا (١) وما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا كان عليك قضاء صلوات فابدء بأولاهنّ فأذّن لها وأقم » (٢) وقياس الشافعيّ باطل لما تقدّم ولعدم الجامع ولوجود الفرق فانّ ترتّب الصلوات لمعنى فيها وترتّب أيّام رمضان لتحصيل أيّام الشهر لا لمعنى يختصّ بترتّب الأيّام وفرق أبي حنيفة تحكّم.

٢ ـ أجمع العلماء على قضاء صلاة الحضر تماما حضرا وسفرا أمّا صلاة السفر فعندنا تقضى قصرا حضرا وسفرا وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال أحمد : تقضى أربعا وهو أحد قولي الشافعيّ لأنّ القصر رخصة في السفر وقد زال محلّها.

لنا أنّ القصر عزيمة كما يجي‌ء فيقضي فائتته كذلك للحديث المتقدّم ولرواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام « قال يقضيها كما فاتته إن كانت صلاة سفر أدّاها في الحضر مثلها » (٣).

السادسة ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) (٤).

__________________

(١) قد عرفت حال النبوي مع أن التشبيه لا يقتضي المماثلة من جميع الجهات حتى ما لا يعتبر في مهية الصلاة وليس الترتيب معتبرا في مهية الصلاة فإنه لو صلى سهوا على غير الترتيب صحت الصلاة.

(٢) الوسائل ب ١ من أبواب قضاء الصلوات ح ٤.

(٣) الوسائل ب ٦ من أبواب القضاء ح ١.

(٤) التوبة : ٥.

١٦٤

استدلّ بهذه الآية على أنّ تارك الصلاة مستحلّا مرتدّ يجب قتله لأنّه علّق المنع من قتلهم على أمور هي التوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأنّهم إذا فعلوا ذلك يخلّى سبيلهم ولا شكّ أنّ تركهم للصلاة كان على وجه الاستحلال لعدم تحقّق اعتقاد وجوبها من المشرك والحكم المعلّق على مجموع لا يتحقّق إلّا مع تحقّق المجموع ويكفي في حصول نقيضه فوات واحد من المجموع وذلك هو إباحة قتلهم.

السابعة ( يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١).

هنا مسئلتان :

١ ـ أنّ الكافر عندنا وعند الشافعيّة مكلّف بفروع الإسلام لعموم الأدلّة المتناولة للمسلم والكافر كهذه الآية وغيرها فإنّ لفظ الناس عامّ ومنع أبو حنيفة من ذلك لأنّه لو كلّف بالفروع لكان فائدة التكليف الإتيان بها إمّا حال كفره وهو باطل إجماعا أو بعد إسلامه على وجه القضاء وهو أيضا باطل لقوله عليه الصلاة والسلام « الإسلام يجب ما قبله » (٢) والجواب المنع من الحصر لجواز أن يكون الفائدة العقاب على تركها لو مات على كفره ويؤيّده قوله تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ ) (٣) والكلام عن الكفّار. ثمّ الّذي يؤيّد ما قلناه قوله تعالى ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) (٤) والمراد الكفّار لقوله بعدها بلا فصل « إِلّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ».

__________________

(١) البقرة : ٢١.

(٢) السراج المنير : ج ٢ ص ١٣١.

(٣) المدثر : ٤٧ ـ ٣٨.

(٤) مريم : ٥٩.

١٦٥

٢ ـ يجب على المرتدّ قضاء ما فات زمان ردّته ممّا كلّف به وبه قال الشافعيّ وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب وعن أحمد روايتان لنا عموم الأدلّة على وجوب قضاء ما فات عن كلّ مكلّف اجتمعت فيه شرائط الوجوب أداء إذا لم يفعل ، خرج الكافر الأصلي بالإجماع وبقوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (١) و « ما » للعموم فيبقى الباقي على عمومه ولأنّه وجب عليه أداؤها بعد اعتقاد وجوبها فيجب قضاؤها كغيره.

احتجّوا بعموم « الإسلام يجبّ ما قبله » (٢) قلنا مخصوص اتّفاقا لوجوب أداء حقوق الناس كالديون والغرامات والقصاص فلا يكون حجّة في الباب.

النوع الثامن

( فيما عدا اليومية من الصلوات وأحكام تلحق اليومية أيضا )

وفيه آيات :

الاولى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣).

المراد بالنداء هنا الأذان « مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ » من هنا للتبيين وكان في اللّغة القديمة يسمّى ذلك اليوم عروبة وأوّل من سمّاها جمعة كعب بن لؤي الاجتماع الناس فيه إليه. وقال ابن سيرين إنّ أهل المدينة جمعوا قبل أن يقدم إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل أن ينزل الجمعة وذلك أنّهم قالوا : لليهود يوم يجتمعون فيه وكذلك للنصارى

__________________

(١) الأنفال : ٣٩.

(٢) السراج المنير : ج ٢ ص ١٣١ ومثله في الدر المنثور ج ٣ ص ١٨٤ ولفظه « ان الإسلام يهدم ما كان قبله ».

(٣) الجمعة : ٩.

١٦٦

فلنجعل نحن [ لنا ] يوما نجتمع فيه بذكر الله تعالى فقالوا : لليهود السبت وللنصارى الأحد فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلّى بهم فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاتا فتغدّوا وتعشّوا من شاة واحدة لقلّتهم فأنزل الله في ذلك « إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ » الآية فهي أوّل جمعة جمعت في الإسلام وأمّا أوّل جمعة جمعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي أنّه لمّا قدم مهاجرا حتّى نزل قباء على بني عمرو بن عوف فأقام عندهم ثلاثا ثمّ خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فنزل وخطب وجمع بهم فهي أوّل جمعة جمعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الإسلام وفي الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « قال اعملوا أنّ الله تعالى قد افترض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي ولهم إمام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ألا ولا زكاة له ألا ولا حجّ له ألا ولا صوم له ألا ولا بركة له حتّى يتوب » (١).

إذا تقرّر هذا فهنا مسائل :

١ ـ الجمعة واجبة لا وجوبا مطلقا بل وجوبا مشروطا اتّفاقا من العلماء نعم اختلف في ذلك الشرط على أقوال مذكورة تفصيلا في كتب الخلاف ونحن نذكر المهمّ من ذلك فاعلم أنّه روى محمّد بن مسلم وأبو بصير عن الصادق عليه‌السلام « أنّ الله فرض في كلّ أسبوع خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة : المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبيّ » (٢) وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة : الصغير و

__________________

(١) رواه الشيخ في الوسائل ب ١ من أبواب صلاة الجمعة عن رسالة الشهيد في صلاة الجمعة ( ص ٦١ ) تحت رقم ٢٨ وأخرجه النوري في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٤٠٨ عن غوالي اللئالى ومجمع الزوائد ج ٢ ص ١٧٠ عن الطبراني في الأوسط.

(٢) الوسائل ب ١ من أبواب صلاة الجمعة ح ١٤.

١٦٧

الكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين » (١) وغير ذلك من الروايات.

٢ ـ السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوبها وهو إجماع علمائنا (٢) وقال أبو حنيفة يشترط وجود إمام وإن كان جائرا ولم يشترط الشافعي إماما ومعتمد أصحابنا فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه كان يعيّن لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء كما يعيّنون القضاة وروايات أهل البيت عليهم‌السلام متظافرة بذلك (٣) وأمّا اشتراط عدل الامام فلأنّ الاجتماع مظنّة النزاع ومثار الفتن فيجب أن يكون هناك حاكم عادل غير محتاج إلى مسدّد ، يرتدع بوجوده غيره ويكون وجوده حاسما لمادّة النزاع وقاطعا لمثار الفتن.

٣ ـ أجمع العلماء على اشتراط العدد في الجمعة فقال الشافعيّ وأحمد أقلّهم أربعون وقال أبو حنيفة أربعة الإمام أحدهم ولم ينقل أصحاب مالك عنه تقديرا وأما أصحابنا فلهم قولان أحدهما سبعة والآخر خمسة وهو قول الأكثر وعليه أكثر الروايات ولأنّ الاجتماع معتبر فيعتبر جمع لو وقع بين اثنين نزاع كان عندهما شاهدان فيكون أربعة والحاكم ، ويؤيّد ذلك قوله تعالى ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) فإنّ الأمر بالسعي إلى الجمعة بصيغة الجمع الّذي أقلّ مدلوله ثلاثة والإمام هو المسعيّ إليه لأنّه الذاكر لله حال خطبته فيكون خارجا عن الجمع والمؤذّن هو المنادي الّذي السعي مشروط بندائه فيكون المجموع خمسة.

٤ ـ اختلف في تفسير السعي مع الاتّفاق على كون الأمر به للوجوب فقيل هو الإسراع والأولى حمله على مطلق الذهاب إذ المستحبّ المضيّ على سكينة في البدن ووقار في النفس وقال الحسن : ليس السعي على الأقدام ولكن على النيّات وقرأ

__________________

(١) الوسائل ب ١ من أبواب صلاة الجمعة ح ١.

(٢) وللشهيد الثاني قدس‌سره رسالة مفردة في صلاة الجمعة طبعت بالطبع الحجري في ١٣١٣ بتهران مع رسائل أخرى له وحري بالمحقّقين المراجعة إليها.

(٣) راجع الوسائل ب ٢ من أبواب صلاة الجمعة ومستدركة ج ١ ص ٤٠٨.

١٦٨

ابن مسعود : « فامضوا إلى ذكر الله » وروي ذلك عن علي عليه‌السلام والباقر والصادق عليهما‌السلام قال ابن مسعود : لو علمت الإسراع لأسرعت حتّى يقع ردائي عن كتفي ونقل مثله عن عمر (١).

٥ ـ قيل ذكر الله هو الصلاة هنا وقيل الخطبة والأولى حمله عليهما معا لاشتمالهما على ذكر الله فإنّ الخطبة يجب فيها حمد الله والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والوعظ وقراءة سورة من القرآن.

٦ ـ لمّا أمروا بالسعي إلى ذكر الله استلزم ذلك وجوب ترك كلّ ما يشغل عنه ولمّا كان الأهمّ في عقل المعاش هو البيع خصّه بالذّكر وأوجب تركه ولأنّهم كانوا ينفضون (٢) في ذلك اليوم من قراهم وبواديهم إلى البيع والشرى.

( فرعان )

ألف ـ هل يجب ترك ما عداه من العقود كالإجارة والمزارعة وغيرهما من المعاملات أم لا أكثر أصحابنا بل لم ينقل خلاف بين المتقدّمين منهم أنّ البيع هو المختصّ بالنهي وقال بعض المتأخّرين بتعديته إلى كلّ معاملة وليس قياسا بل من باب اتّحاد طريق المسئلتين وهو الشغل عن ذكر الله وبه قال جماعة من الجمهور وليس بعيدا من الصواب.

ب ـ هل يقتضي النهي عن البيع فساده أم لا؟ قال مالك وأحمد نعم وبه قال الشيخ في المبسوط لمكان النهي وقال أكثر الجمهور والشيخ في الخلاف بعدم فساده وهو الحقّ لما تقرّر في الأصول أنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد إذ لا مانع من أن يقول : حرّمت عليك البيع ولو بعت انعقد. ويكون المقصود بالنهي إيقاع الفعل لا ذاته بخلاف النهي عن العبادة فإنّه إذا تعلّق النهي بها أو بجزء منها أو بلازم من لوازمها فإنّها تفسد.

__________________

(١) الأقوال مبسوطة في مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٨٨ ومثلها في الدر المنثور ج ٦ ص ٢١٩.

(٢) يفيضون خ ل ينصبون خ ل.

١٦٩

٧ ـ في الآية إشارة إلى أنّ الخطاب مختصّ بالأحرار دون العبيد لأنّ العبد محجور عليه ممنوع من التصرّف.

٨ ـ فيها أيضا دلالة على اختصاص الجمعة بمكان خاصّ يجب السعي إليه وهو قولنا أنّه لا يجمع جمعتان في فرسخ.

٩ ـ « ذلِكُمْ » أي السعي إلى ذكر الله وترك البيع « خَيْرٌ لَكُمْ » فانّ نفع الآخرة خير وأبقى « إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » حقيقة الخير والشرّ أو تعلمون حقيقة السعي إلى ذكر الله.

الثانية ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١).

المراد هنا بقضاء الصلاة أداؤها فإنّ القضاء يقال على معان ثلاثة الأوّل بمعنى الفعل والإتيان بالشي‌ء وهو المراد هنا الثاني فعل العبادة ذات الوقت المحدود المعيّن بالشخص خارجا عنه الثالث فعل العبادة استدراكا لما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيها وقد يسمّى هذا إعادة والمراد بالانتشارفي الأرض التفرّق في جهاتها والابتغاء الطلب وهنا فوائد :

١ ـ اللّام في الصلاة للعهد أي الصلاة الّتي تقدّم ذكرها وهي الّتي وجب السعي إليها.

٢ ـ اختلف الأصوليّون في الأمر الوارد عقيب النهي هل هو للوجوب أو للإباحة الرافعة للحظر؟ واحتجّ أصحاب القول الثاني بهذه الآية وهي « فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ » فإنّه أطلق لهم ما حرّمه من المعاملة ، والانتشار ليس بواجب اتّفاقا وكذا قوله ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٢).

٣ ـ في الأمر بالانتشار إشارة إلى كون الساعي الّذي وجبت عليه الجمعة

__________________

(١) الجمعة : ١٠.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

١٧٠

ممّن له القدرة على التصرّف في المعاش والاضطراب في طلب الرزق وكذا إذا فسرنا السعي بالإسراع في المشي ولمّا لم يكن الهمّ أي الشيخ الكبير والأعرج والمريض والأعمى كذلك دلّ على عدم الوجوب عليهم وكونهم غير مخاطبين بها.

٤ ـ الابتغاء من فضل الله هو طلب الرّزق وعن الصادق والباقر عليهما‌السلام « الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت » (١) وقيل المراد طلب العلم عن سعيد بن جبير والحسن وروى أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « ليس هو بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله » (٢).

٥ ـ « وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً » على إحسانه إليكم بالتوفيق وقيل المراد بالذكر الفكر كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « فكرة ساعة خير من عبادة سنة » (٣) وقيل اذكروا الله في تجارتكم وليس بعيدا من الصواب أن يكون المراد : وابتغوا من فضل الله واذكروا أوامر الله ونواهيه في طلب الرزق فلا تأخذوا إلّا ما حلّ لكم أخذه لا ما حرّم [ لكم ] أو يكون المراد الذكر حال العقد فإنّه يستحبّ التكبير عنده والشهادتان والله أعلم.

الثالثة ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ ) (٤).

قال المقاتلان : ابن سليمان وابن قتادة (٥) بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب يوم

__________________

(١) الوسائل ب ٥٢ من أبواب صلاة الجمعة ح ٢.

(٢) أخرجه ابن جرير على ما في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢٠.

(٣) السراج المنير : ج ٣ ص ٢٦.

(٤) الجمعة : ١١.

(٥) كذا في النسخة المطبوعة وفي النسخ المخطوطة التي عندنا : « ابن سليمان وابن قياما » وفيه تصحيف والظاهر : مقاتل ابن سليمان ومقاتل بن حيان ، والمصنف انّما نقل القصة عن مجمع البيان ( ج ١٠ ص ٢٨٧ ) وفيه « وقال المقاتلان بينا رسول الله » من دون تفصيل ، نعم أخرج القصة في الدر المنثور ( ج ٦ ص ١ و ٢ ) عن مقاتل ابن حيان مفصلا وعن قتادة وغيره ملخصا فراجع.

١٧١

الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبيّ من الشأم بتجارة وكان إذا قدم لم يبق في المدينة عاتق إلّا أتته وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيرهما فينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم على المنبر يخطب فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلّا اثنى عشر رجلا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « لولا هؤلاء لسوّمت لهم الحجارة من السماء » وأنزل الله هذه الآية. وفي رواية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله « قال والّذي نفسي بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا » (١) وعن ابن عباس : لم يبق إلّا ثمانية وعن ابن كيسان : أحد عشر.

فعلى هذا « اللهو » هو الطبل وفي الأصل اللهو كلّ ما ألهى عن ذكر الله و « انْفَضُّوا » أي تفرّقوا والضمير في « إِلَيْها » للتجارة وإنّما عاد إليها لا غير لأنّها هي المقصودة بالذات من الخروج وقيل التقدير إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوا انفضّوا إليه ، واكتفى بخبر أحدهما والترديد بأو للدلالة على أنّ منهم من خرج للتجارة ومنهم من خرج للهو وقدّم التجارة أوّلا للترقّي إذ التقدير أنّهم انفضّوا إلى التجارة مع حاجتهم إليها وذلك مذموم بل أبلغ من ذلك أنّهم انفضّوا إلى ما لا فائدة لهم فيه وأخّرها ثانيا لأنّ تقديره أنّ ما عند الله خير من اللهو بل أبلغ من ذلك أنّه خير من التجارة المنتفع بها.

إذا تقرّر هذا فنقول : قيل المراد بقوله « وَتَرَكُوكَ قائِماً » أي تخطب وقيل قائما في الصلاة ، فعلى الأوّل يكون فيه دلالة على اشتراط القيام في الخطبة وأنّه لا يجوز فيها القعود اختيارا وبذلك قال الشافعيّ ولم يوجبه أبو حنيفة والحقّ الأوّل للآية ولرواية جابر بن سمرة قال « ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب إلّا وهو قائم فمن

__________________

(١) أخرجه عبد بن حميد عن الحسن كما في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢١.

١٧٢

حدّثك أنّه خطب وهو جالس فكذّبه (١) » وسئل ابن مسعود « أكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب قائما قال أما تقرأ « ( وَتَرَكُوكَ قائِماً ) (٢) » وروى معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام « أوّل من خطب وهو جالس معاوية استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه ثمّ قال عليه‌السلام : الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة ثمّ لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصلا بين الخطبتين » (٣).

وعلى الثاني يمكن أن يستدلّ به على أنّ الجماعة في الجمعة شرط في الابتداء لا الاستدامة بمعنى أنّه لو انقضت الجماعة بعد عقد النيّة والتحريم لم تبطل صلاة الإمام وأتمّها جمعة ، وهو أحد قولي الشافعيّ ، وقال أبو حنيفة : إن كان بعد أن صلّى ركعة أتمّها جمعة وإن كان قبل ذلك أتمّها ظهرا والحقّ الأوّل لانعقاد الصلاة فوجب إتمامها لتحقّق شرط الوجوب واشتراط الاستدامة منفيّ. هذا مع أنّ جعلها ظهرا إبطال لها وهو منفيّ بقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٤).

الرابعة ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٥).

قد ذكرنا هذه الآية وذكرنا ما فيها من الأقوال وتركنا قولا واحدا إلى هنا وهو أنّ المراد بالنحر نحر البدن للتضحية والمراد بالصلاة صلاة العيد ، وأجمع

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٨٩ ، الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢١ وفيه أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن كعب بن عجرة انه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا فقال : انظروا الى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقد قال الله ( وَتَرَكُوكَ قائِماً ).

(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٢٨٩ ، الدر المنثور ج ٦ ص ٢٢١ وفيه أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن كعب بن عجرة انه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا فقال : انظروا الى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقد قال الله ( وَتَرَكُوكَ قائِماً ).

(٣) الوسائل ب ١٦ من أبواب صلاة الجمعة ح ١. وروى عن موسى بن طلحة قال شهدت عثمان يخطب على المنبر قائما وشهدت معاوية يخطب قاعدا فقال اما انى لم أجهل السنة ولكني كبرت سني ورق عظمى وكثرت حوائجكم فأردت أن أقضي بعض حوائجكم قاعدا ثم أقوم فآخذ نصيبي من السنة راجع مجمع الزوائد ج ٢ ص ١٨٧.

(٤) القتال : ٣٣.

(٥) الكوثر : ٢.

١٧٣

علماؤنا على أنّها فرض عين محتجّين بعد إجماعهم بالآية فإنّ الأمر للوجوب ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعلها مواظبا عليها وقال « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (١) ولتظافر روايات الأصحاب بوجوبها (٢) وقال أحمد بوجوبها على الكفاية وقال الشافعيّ ومالك هي سنّة وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما أنّها سنّة والأخرى أنّها واجبة وليست فرضا.

واعلم أنّ شرائط وجوبها عندنا شرائط وجوب الجمعة ويقع الفرق بينهما بأمور : الأوّل أنّ هذه مع عدم الشرائط تكون مستحبّة بخلاف الجمعة الثاني أنّ هذه يسقط وجوبها بالترك لها عمدا أو نسيانا حتّى يخرج وقتها بخلاف الجمعة فإنّها تقضى ظهرا الثالث أنّ الخطبتين فيها مستحبّتان وفي الجمعة واجبتان ويجب استماعهما على خلاف. وأمّا هنا فيستحبّ استماعهما بلا خلاف الرابع أنّ الخطبتين هنا بعد الصلاة وتقديمهما بدعة وفي الجمعة قبلها الخامس أنّ صلاة العيد يجب فيها تكبيرات زائدة مع أدعية معها على أقوى القولين لنا وهي خمس في الأولى وأربع في الثانية غير تكبيرة الإحرام وتكبيرتي الركوع وقال الشافعيّ سبع في الاولى وخمس في الثانية عدا تكبيرة الافتتاح والركوعين وجعل أحمد تكبيرة الافتتاح من السبع وقال أبو حنيفة الزائد ثلاث في كلّ ركعة.

ومحلّ التكبير عندنا بعد القراءة وقبل الركوع في الموضعين وقال الشافعيّ وأحمد قبل القراءة فيهما وقال أبو حنيفة قبل القراءة في الاولى وبعدها في الثانية ومستند الكلّ روايات أوردوها لا تقوم لها عندنا حجّة (٣) واستناد أصحابنا تظافر الروايات عن أئمّتهم عليهم‌السلام (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري : باب الأذان للمسافر ج ١ ص ١١٧ ، وقد مر ص ١٢٤ بيان فيه فراجع.

(٢) الوسائل ب ١ من أبواب صلاة العيد.

(٣) راجع مجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٠٤ ، سنن ابى داود ج ١ ص ٢٦٢.

(٤) الوسائل ب ١٠ من أبواب صلاة العيد.

١٧٤

فرع

إذا نسي هذه التكبيرات أو بعضها حتّى ركع مضى في صلوته ولا قضاء عليه وبه قال الشافعيّ وقال أبو حنيفة يأتي بها في الركوع.

فائدة : يستحبّ التكبير (١) بعد صلاة ظهر الأضحى وما بعدها من الصلوات إلى تمام خمس عشرة صلاة لمن كان بمنى وإلى تمام عشرة لمن كان بغيرها لقوله تعالى ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (٢) والمراد بها أيّام التشريق وليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير ، وعرفة ليس منها وبه قال مالك وهو المشهور عن الشافعيّ وقال أبو حنيفة يكبّر يوم عرفة والنحر إلى بعد عصره لقوله تعالى ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ ) (٣) وهي عشر ذي الحجّة ولا تكبير قبل عرفة بالإجماع فيكون في عرفة والنحر وفي قوله نظر لاحتمال إرادة ذكر الله على الهدي والأضحيّة يوم النحر ويوم عرفة بالدعاء.

وفي عيد الفطر يستحبّ ليلة العيد عقيب المغرب والعشاء والفجر وصلاة العيد لقوله تعالى ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٤) وهو مذهب أصحابنا ولم نسمع للعامّة في ذلك قولا.

الخامسة ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ ) (٥).

مات وقع صفة للنكرة وهو أحد وأتى بصيغة الماضي وإن كان متعلّق النهي

__________________

(١) وصورته : « الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. الله أكبر على ما هدانا » هذا في عيد الفطر ويزيد في الأضحى : « الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام » وروى غير ذلك.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) الحج : ٢٨.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) التوبة : ٨٥.

١٧٥

مستقبلا نظرا إلى وقت إيقاع الصلاة فإنّه بعد الموت فيكون الموت ماضيا بالنسبة إليه وإنّما قال أبدا وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بأبديّ لأنّ المراد لا تصلّ أنت ولا أمّتك أبدا أو يكون المراد أنّهم لا يستحقّون الصلاة أبدا لكفرهم والأولى أنّه قيّده بالتأبيد قطعا لأطماعهم في ذلك أو قطعا لتجويز النسخ « وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ » أي لأجل الدعاء وسؤال الرحمة لهم وقوله « إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ » تعليل من حيث المعنى للنهي عن الصلاة عليهم وفائدة قوله « وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ » أنّهم ثبتوا على الكفر إلى الموت لأنّ « كفروا » يدلّ على الحدوث لا على الثبوت إلى الموت والواو في « وماتوا » للحال أي على حال فسقهم والفسق هنا الكفر لأنّه أعمّ منه ويجوز إطلاق العامّ على الخاصّ.

إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :

١ ـ نقل أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي على المنافقين ويقوم على قبورهم ويدعو لهم تألّفا للأحياء منهم وترغيبا في تحقّق إسلامهم فلمّا مرض عبد الله بن أبيّ ابن سلول بعث إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليأتيه فلمّا دخل عليه قال له أهلكك حبّ اليهود فقال يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتوبخني وسأله أن يكفّنه في ثوبه الّذي لاقى جسده ويصلّي عليه فلمّا مات دعاه ابنه حباب إلى الجنازة فسأله عن اسمه فقال حباب فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حباب اسم شيطان وأنا سمّيتك عبد الله بن عبد الله فلمّا همّ بالصلاة عليه نزلت الآية وجذبه جبرئيل عليه‌السلام عن الجنازة.

وروي أنّه كان قد أنفذ إليه قميصه فقيل له في ذلك فقال إنّ قميصي لا يغني عنه من الله شيئا وإنّي أؤمّل من الله أن يدخل بهذا السّبب في الإسلام خلق كثير فروي أنّه أسلم من الخزرج يومئذ ألف رجل.

وقيل إنّما فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله بعبد الله ذلك مكافأة له على حسناه في الحديبيّة فإنّه لمّا قال المشركون لا نأذن لمحمّد ولكن نأذن لعبد الله فقال : لا ، لي أسوة برسول الله وأيضا لمّا أسر العبّاس يوم بدر ولم يجدوا له قميصا على طوله وكان طويلا كساه عبد الله هذا قميصا.

١٧٦

وقيل : فعل ذلك إكراما لولده فإنّه قال أسألك أن تكفّنه في بعض قمصانك وتنزل إلى قبره ولا تشمت بي الأعداء وفي بعض الروايات أنّه صلّى عليه فقال له عمر : أتصلّي على عدوّ الله؟ فقال له وما يدريك ما قلت فانّي قلت : اللهمّ احش قبره نارا وسلّط عليه الحيّات والعقارب (١).

__________________

(١) ترى الروايات في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٦ ، مجمع البيان ج ٥ ص ٥٧ وفي الاستيعاب والإصابة ترجمة عبد الله ابنه ج ٢ ص ٣٢٧. ومن ذلك ما في الدر المنثور قال : اخرج ابن ابى حاتم عن الشعبي أن عمر بن الخطاب قال : لقد أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يصلّى على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه فقلت : والله ما أمرك الله بهذا. لقد قال الله « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خيرنى ربي فقال « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ». فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على شفير القبر فجعل الناس يقولون لابنه : يا حباب افعل كذا يا حباب افعل كذا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحباب اسم شيطان أنت عبد الله.

وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس ان عبد الله ابن أبى قال له أبوه : اطلب لي ثوبا من ثياب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكفني فيه ومره أن يصلى على قال فأتاه فقال : يا رسول الله قد عرفت شرف عبد الله وهو يطلب إليك ثوبا من ثيابك نكفنه فيه وتصلى عليه فقال عمر يا رسول الله قد عرفت عبد الله ونفاقه أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلى عليه؟. فقال واين؟ فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. قال فانى سأزيد على سبعين فانزل الله : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) الآية قال فأرسل الى عمر فأخبره بذلك وانزل الله : ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ).

وهاهنا كلام للعلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان ج ٩ ذيل الآية الشريفة ننقلها لمزيد الفائدة :

قال مد ظله بعد سرد الروايات في ذلك : وهذه الروايات على ما فيها من بعض التناقض والتدافع واشتمالها على التعارض فيما بينها ، يدفعها الايات الكريمة دفعا بينا لا مرية فيه : أما أولا فلظهور قوله تعالى ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ). ظهورا بينا في ان المراد بالاية بيان لغوية الاستغفار للمنافقين

١٧٧

٢ ـ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات بعد الاولى الشهادتان وبعد الثانية

__________________

دون التخيير ، وأن العدد جي‌ء به لمبالغة الكثرة لا لخصوصية في السبعين بحيث ترجى المغفرة مع الزائد على السبعين. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أجل من أن يجهل هذه الدلالة فيحمل الآية على التخيير ثم يقول سأزيد على سبعين ثم يذكره غيره بمعنى الآية فيصر على جهله حتى ينهاه الله عن الصلاة وغيرها بآية أخرى ينزلها عليه.

على أن جميع هذه الايات المتعرضة للاستغفار للمنافقين والصلاة عليهم كقوله : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وقوله : ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وقوله : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ). تعلل النهي واللغوية بكفرهم وفسقهم حتى قوله تعالى في النهي عن الاستغفار للمشركين ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) ( الآية ١١٣ من السورة ) ينهى عن الاستغفار معللا ذلك بالكفر وخلود النار وكيف يتصور مع ذلك جواز الاستغفار لهم والصلاة عليهم؟.

وثانيا أن سياق الايات التي منها قوله « وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً » الآية صريح في أن هذه الآية انما نزلت والنبي في سفره الى تبوك ولما يرجع الى المدينة وذاك في سنة ثمان وقد وقع موت عبد الله بن أبي بالمدينة سنة تسع من الهجرة كل ذلك مسلم من طريق النقل. فما معنى قوله في هذه الروايات ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على عبد الله وقام على قبره ثم أنزل الله عليه ولا تصل على احد منهم مات أبدا ، الآية؟.

وأعجب منه ما في الرواية الأخيرة من نزول قوله ( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) » والآية من سورة المنافقون وقد نزلت بعد غزاة بني المصطلق وكانت في سنة خمس وعبد الله بن أبي حي عندئذ وقد حكى في السورة قوله ( لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ).

وقد اشتمل بعض هذه الروايات وتعلق به بعض من انتصر لها على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما استغفر وصلّى على عبد الله ليستميل قلوب رجال منافقين من الخزرج إلى الإسلام وكيف يستقيم ذلك؟ وكيف يصح ان يخالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النص الصريح من الايات استمالة لقلوب المنافقين ومداهنة معهم؟ وقد هدده الله على ذلك بأبلغ التهديد في مثل قوله ( إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ) الآية. ( أسرى ـ ٧٥ ) فالوجه أن هذه الروايات موضوعة يجب طرحها لمخالفة الكتاب.

١٧٨

الصلاة على النبيّ وآله وبعد الثالثة الدعاء للمؤمنين وبعد الرابعة الدعاء للميّت إن كان مؤمنا والدعاء عليه إن كان منافقا وبدعاء المستضعفين إن كان مستضعفا. دلّ على ذلك روايات أهل البيت عليهم‌السلام وإجماعهم ولا يشترط عندنا فيها قراءة الفاتحة ولا التسليم ولا الطهارة لأنّها صلاة بحسب المجاز فلا ينصب عليها دليل « لا صلاة إلّا بطهور. ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » (١).

وأجمع الفقهاء الأربعة على عدم وجوب التكبيرة الخامسة (٢) ومن

__________________

(١) السراج المنير ج ٣ ص ٤٧١.

(٢) ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء في اوّليّات عمر نقلا عن العسكري ص ١٣٧ ان عمر كان أول من جمع الناس في صلاة الجنائز ، وذكر ابن الشحنة في حوادث سنة ٢٣ من تاريخه روضة المناظر المطبوع بهامش الكامل لابن الأثير ص ١٢٢ من ج ١١ وكذا أبو الفداء في حوادث سنة ٢٣ ص ١٤١ من ج ١ والكامل في سيرة عمر ج ٣ ان عمر كان أول من جمع الناس على أربع تكبيرات بعد أن كانوا يكبرون أربعا وخمسا وستا.

والآثار في كتب أهل السنة أيضا تنبئ عن زيادة التكبير على الأربع.

ففي المنتقى كما في نيل الأوطار ج ٤ ص ٦٢ عن عبد الرحمن بن ابى ليلى قال كان زيد بن أرقم يكبر على جنازة أربعا وانه كبر خمسا على جنازة فسألته فقال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبرها. رواه الجماعة إلّا البخاري. و ( في ص ٦٤ ) عن حذيفة انه صلّى على جنازة فكبر خمسا ثم التفت فقال ما نسيت ولا وهمت ولكن كبّرت كما كبّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على جنازة فكبر خمسا رواه احمد. وعن على عليه‌السلام انه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال انه شهد بدرا ، رواه البخاري. وعن الحكم بن عتيبة انه قال كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا ، رواه سعيد في سننه. ولابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ١ ص ١٤١ بيان مبسوط يفيدك المراجعة اليه وفيه ذكر صحة الآثار بزيادة التكبير على أربع ثم قال ان الذي رووه ( من حديث ابن عباس ) ان آخر جنازة صلى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كبر أربعا. قال سئل الإمام أحمد عن حديث ابى المليح عن ميمون عن ابن عباس فقال أحمد هذا كذب ليس له أصل إنما رواه محمد بن زيادة الطحان وكان يضع الحديث.

والمروي عن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام : الصلاة بالأربع للمتهم في دينه

١٧٩

الشافعيّة من جوّزها وقال لا تبطل بالخامسة ثمّ إنّهم أجمعوا على التسليم فيها كتسليم الصلاة وعلى اشتراط الطهارة ثمّ إنّ الشافعيّ عين الفاتحة عقيب الاولى وجعل الشهادتين والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عقيب الثانية وأبو حنيفة قال يحمد الله في الأولى.

٣ ـ قد ظهر أنّ الصلاة على الميّت مجموع مركّب من التكبير والأذكار المذكورة والنهي في الآية يتعلّق بالمجموع من حيث هو مجموع لا بكلّ واحد من الأجزاء إلّا الدعاء للميّت الكافر فإنّ الكافر غير مغفور له فالدعاء له عبث وتسميتها صلاة تسمية الشي‌ء باسم بعض أجزائه والفرق بين الأمر بالمجموع وبين النهي عنه أنّ الأمر بالمجموع يستلزم الأمر بكلّ واحد من أجزائه بخلاف النهي. إن قلت : يجوز أن يكون المراد ب « لا تصلّ » لا تدع على أصل اللّغة كقوله ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (١) قلت المتبادر إلى الفهم من الصلاة على الميّت ما قلناه فيحمل عليه.

٤ ـ في تعليل النهي بالكفر إشارة إلى وجوب الصلاة على كلّ مسلم ولذلك نقل أنّه لمّا مات النجاشي بالحبشة صلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لموضع إسلامه

__________________

لانه لم يكن يدعو له فسقطت التكبيرة التي تتعقب الدعاء للميت. يبين ذلك ما رواه هشام ابن سالم وحماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبر على قوم خمسا وعلى آخرين أربعا فإذا كبر أربعا اتهم ـ يعنى الميت ـ ( انظر الوسائل ب ٥ من أبواب صلاة الجنازة ح ١. ) وعن إسماعيل بن همام عن ابى الحسن عليه‌السلام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام صلّى رسول الله على جنازة فكبر خمسا وصلّى على اخرى فكبر أربعا فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ودعا في الثانية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ودعا في الرابعة للميت وانصرف في الخامسة واما الذي كبر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف في الرابعة ولم يدع له لانه كان منافقا. انظر الوسائل ب ٢ من أبواب صلاة الجنازة ح ٩.

(١) البراءة : ١٠٤.

١٨٠