كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

كنز العرفان في فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
المطبعة: الحيدري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٥
الجزء ١ الجزء ٢

وأمّ سلمة (١) وغيرهما (٢).

__________________

دلالة فيه على ان التقسيم بحسب الألفاظ وعدد الايات بل الظاهر أنه بحسب المعنى والمراد أن أجزاء الصلاة بين ما يرجع الى الرب وما يرجع الى العبد مع انه لا دلالة على ان التقسيم بحسب عدد الايات فلعله باعتبار الكلمات فإنها مع احتساب البسملة يصير نصفين متساويين.

(١) ففي المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢١٣ : وروى ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : كان يقطع قراءته آية آية : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. رواه احمد وأبو داود.

(٢) ففي تيسير الوصول ج ١ ص ١٩٩ : وعن قتادة سألت أنسا رضى الله عنه عن قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : كان يمد مدا ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وفي أخرى عن عائشة قالت كان رسول الله يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين يرتل آية آية. وفي سنن ابى داود ج ١ ص ١٨١ عن المختار بن فلفل قال : سمعت انس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنزلت على آنفا سورة فقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) حتى ختمها ، الحديث وفي ص ١٨٢ منه عن ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم.

وليس بإزاء هذه الروايات التي قرأناها عليكم والتي لم نقرأها الا روايتان :

الاولى ـ عن قتادة عن انس بن مالك قال : صليت مع رسول الله وابى بكر وعثمان فلم أسمع أحدا يقرء بسم الله الرحمن الرحيم رواه احمد ومسلم على ما نقله نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٠٥ عن المنتقى. وهي مع معارضتها بالروايات المتواترة معنى ، بل لما استفيض عن انس بن مالك نفسه ، مخالف لما اشتهر بين المسلمين من قراءتها في الصلاة حتى ان معاوية لما تركها في صلاة في يوم من أيام خلافته قال له المسلمون أسرقت أم نسيت انظر الام ج ١ ص ١٠٨ وممن روى هذه القصة هو انس بن مالك نفسه كما في الأم.

وكيف كان لا يمكن التصديق بان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده لم يقرؤها وعدم سماع الراوي أعم من عدم القراءة.

قال الأمير في سبل السلام ج ١ ص ١٧٢ بعد بيان اضطراب حديث انس عن ابن

١٢١

__________________

عبد البر في الاستذكار أنه سئل أنس عن ذلك فقال : كبر سني ونسيت. ونظير ذلك ما في المنار ج ١ ص ٨٨.

وعندي أن الاضطراب والعلّة انّما هو من رواته لا من انس والدليل على ذلك أن أبا داود روى الحديث في سننه ج ١ ص ١٨٠ عن انس ولفظه : « أن النبي ( ص ) وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين » فإنما جعل أنس الحمد لله رب العالمين اسما للسورة على ما هو المعمول عندهم وأراد أنهم كانوا يفتتحون القراءة بفاتحة الكتاب لا بسورة أخرى فتوهم الراوي شهادته بأنهم كانوا يفتحون الفاتحة بالحمد لله رب العالمين بلا بسملة.

ومثله ما رواه أبو داود في سننه ج ١ ص ١٨٠ عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين الحديث.

وهذا الذي قلناه في تفسير الحديث من تسمية الفاتحة بالحمد لله رب العالمين هو الحق الذي لا ريب فيه حيث ان أسماء السور لم تكن معروفة عندهم على ما هو اليوم وكانوا يعبرون عن السورة بالاية الاولى منها ، يشهد على ذلك ما روى أبو داود في سننه ج ١ ص ١٨٧ عن ابى عثمان النهدي أنه صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ بقل هو الله أحد. وفيه عن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض في الركعتين كلتيهما وفيه ص ١٩١ عن عمران بن حصين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر فجاء رجل فقرأ خلفه بسبح اسم ربك الأعلى الحديث وفي لفظ آخر : فلما انفتل قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى. الحديث وفيه ص ٢٦٣ أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأضحى والفطر؟ قال كان يقرأ فيهما ق والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ، الى غير ذلك من الأحاديث.

ولذلك ترى شيخ الإسلام الحفنى في حاشيته على السراج المنير ج ٣ ص ١٧٩ يعلق على حديث أم سلمة : « كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع قراءته آية آية ( يقول ) ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ثم يقف ( ويقول ) ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثم يقف » بقوله : وهو بيان للتقطيع وهو سنة عندنا فيقف على البسملة وما بعدها وانما يطلب وصل البسملة بما بعدها خارج الصلاة.

الثانية ـ ما رواه ابن عبد الله بن مغفل قال سمعنى أبى وانا أقول بسم الله الرحمن الرحيم

١٢٢

حتّى قال ابن عبّاس : من تركها فقد ترك مائة وبضع عشر آية من كتاب الله (١) »

٥ ـ يجب عند أكثر أصحابنا قراءة سورة بعد الحمد في الأوليين وقال الأقلّ لا تجب (٢) وبه قال الشافعيّ وغيره من الجمهور ، لنا ما تواتر من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه

__________________

فقال اى بنى إياك ـ قال ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله كان أبغض إليه حدثا في الإسلام منه ـ فانى قد صليت مع رسول الله ومع ابى بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا يقولها فلا تقلها ، إذا أنت قرأت فقل الحمد لله رب العالمين. رواه الخمسة إلا أبا داود على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢١٢ نقلا عن المنتقى وغيره.

وهذه الرواية مع قطع النظر عن ضعف سندها بابن عبد الله وهو مجهول ـ وما يرد عليه مما ذكرنا في حديث انس ـ تتضمن ما يخالف ضرورة الإسلام فإنه لا يشك احد من المسلمين في استحباب التسمية قبل الحمد والسورة ولو بقصد التبرك لا لأن البسملة جزء فكيف ينهى عبد الله بن مغفل عنها بدعوى انها حدث في الإسلام ، قال الإمام الرازي ونحن وان شككنا في شي‌ء فلا نشك في أنه إذا وقع التعارض بين قول انس وابن مغفل وبين قول على بن أبى طالب عليه‌السلام الذي بقي عليه طول عمرة فإن الأخذ بقول على اولى ـ الى ان قال ـ ومن اتخذ عليا اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه ، انظر ج ١ ص ٢٠٦ و ٢٠٧ من تفسيره الكبير.

(١) راجع مجمع البيان ج ١ ص ونقله في الكشاف واللفظ فيه : عن ابن عباس : من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله. وروى مثله الرازي عن عبد الله بن المبارك وفيه : فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية ، قال وروى مثله عن ابن عمر وابى هريرة.

(٢) وعليه الشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر والسبط الجليل للشهيد الثاني في المدارك والمحقق السبزواري في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح وهو المنقول عن الإسكافي وابن ابى عقيل والديلمي. وأنت إذا أمعنت النظر في الاخبار الواردة في المسئلة ( الوسائل ب ١ ـ ٦ وب ٣٥ و ٤٣ و ٦٩ من أبواب القراءة ) رأيت أنّ ما استدلوا به على الوجوب غير ناهض الدلالة لإثباته وما استدلوا به على الاستحباب واضح الدلالة ، الا أن ملاحظة مواظبة النبي والأئمة عليهم‌السلام على قراءتها كما نقل يوحشنا عن الفتيا على خلاف المشهور والاحتياط طريق النجاة.

١٢٣

كان يقرأ في الأوليين من الظهر بالفاتحة وسورتين (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٢) وروايات أهل البيت عليهم‌السلام بذلك متظافرة (٣) هذا في حال الاختيار أمّا حال الاضطرار فتركها جائز قطعا.

الخامسة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٤).

في الآية فوائد :

١ ـ الأمر بالركوع والسجود يفيد وجوبها والركوع لغة الانحناء قال الشاعر :

لا تهين الفقير علّك أن تركع

يوما والدهر قد رفعه (٥)

__________________

(١) راجع سنن ابى داود ج ١ ص ١٨٤.

(٢) واستشكل بان مفاده مجمل الدلالة في نفسه على الوجوب والاستحباب وغيرها ضرورة اشتمال صلوته على بعض المندوبات والمباحات والتمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا.

(٣) قد عرفت حال الاخبار وقد نقح البحث صاحب المدارك وأتمه العلامة آية الله الحكيم مد ظله في المستمسك ج ٦ ص ١٣٢ ـ ١٣٦ فراجعه فإنه مفيد جدا.

(٤) الحج : ٧٧.

(٥) البيت كما قاله البكري ونسبه اليمنى في سمط اللآلي ص ٣٢٦ للاضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم رهط الزبرقان بن بدر ، جاهلي قديم ذكره السجستاني في المعمرين ص ١١ ، وهو الذي أساء قومه مجاورته فانتقل منهم الى آخرين ففعلوا مثل ذلك فقال : أينما أوجه ألق سعدا. ترى المثل في مجمع الأمثال تحت الرقم ٢١٨. واستشهد بالبيت ابن الأنباري في كتابه الانصاف المسئلة ٢٦ من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ص ٢٢١ دليلا للبصريين حيث قالوا ان اللام في لعل زائدة الا أن نفسه اختار مذهب الكوفيين وهو أن اللام أصلية الا أن العرب تلعبت بهذه الكلمة فقالوا : لعل ولعلن ولعن ـ بالمهملة ـ ولغن ـ بالمعجمة ـ ورعن وعن وغن ولغل وغل. فلما كثرت هذه الكلمة في استعمالاتهم حذفوا اللام.

والضبط في أمالي القالي ج ١ ص ١٠٧ « لا تعاد الفقير » وكذا في الحماسة لابن

١٢٤

وشرعا هو الانحناء قدر أن يصل معه الكفّان الركبتين والسجود لغة الخضوع قال الشاعر (١) « ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر » (٢) وشرعا وضع شي‌ء مكشوف

__________________

الشجري ص ١٣٧ والمشهور « لا تهين الفقير » ولذلك استشهد به في الباب الخامس من المغني على حذف نون التأكيد الخفيفة تخلصا من التقاء الساكنين وكذا ضبطه في الحماسة لأبي تمام راجع ص ١١٥١ من شرح المرزوقي وضبطه في البيان والتبيين ج ٣ ص ٣٤١ « لا تحقرن الفقير » واستشهد بالبيت أيضا أبو الفتوح الرازي عند تفسير الآية ٤١ من سورة البقرة والضبط فيه : « لا نذل الفقير ».

(١) هو زيد الخيل ابن مهلهل بن منهب من طيئ كنيته أبو مكنف من أبطال الجاهلية لقب زيد الخيل لكثرة خيله أو لشجاعته وكان شاعرا حسنا وله مهاجاة مع كعب بن زهير ، أدرك الإسلام سنة ٩ ه‍ في وفد طيئ ، قال في الإصابة ج ١ ص ٥٥٥ وسماه النبي زيد الخير ، قال ابن النديم في ترجمة المفجع البصري ص ١٢٩ : ان له كتاب غريب شعر زيد الخيل ، وكذا في إرشاد الاريب ج ١٧ ص ١٩٤ ، واسم المفجع محمد بن احمد.

(٢) صدر البيت على ما في تفسير الطبري ج ١ ص ٣٦٥ عند تفسير قوله تعالى ( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) ( البقرة : ٧ ) : بجمع تضل البلق في حجراته. وكذا في المجمع ج ١ ص ١٤١ وضبطه في الكامل ص ٥٥١ : « بجيش تضل » قال المبرد في معنى الشعر : تضل البلق : يقول لكثرته لا يرى فيه الأبلق والأبلق مشهور المنظر ، وحجراته : نواحيه. ترى الاكم يقول لكثرة الجيش يطحن الاكم حتى يلصقها بالأرض ، قال في المجمع فجعل ما ظهر في الاكم من آثار الحوافر وقلة مدافعتها لها كما يدافع الحجر الصلد سجودا لها ولو كانت الاكم في صلابة الحديد حتى تمتنع على الحوافر لم يقل أنها تسجد للحوافر.

وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن ص ٣٢٢. ومن الأمثلة المبتذلة : أسجد للقرد في زمانه. يراد أخضع للسفلة واللئيم في دولته ، ولا يراد سجود الصلاة ثم انشد الشعر : بجمع تضل إلخ. وقال : يريد ان حوافر الخيل قد قلعت الاكم ووطئها حتى خشعت وانخفضت.

وضبط البيت في تفسير الرازي ج ٣ ص ١٣١ : بخيل تضل. وفي التبيان بجمع تظل ـ بالظاء ـ ويصح من جهة المعنى ولا ضرورة لجعله من غلط الناسخ فان أظل بمعنى ستر ، نص عليه ابن القطاع في كتاب الافعال ج ٢ ص ٣١٨ وقال ابن فارس في مقاييس اللغة :

١٢٥

من الجبهة أو ما قام مقامها على الأرض أو ما قام مقامها.

٢ ـ يجب في الركوع الذكر وسيأتي والطمأنينة بقدره ورفع الرأس والطمأنينة بعده بمسمّاها وفي السجود الذكر والطمأنينة قدره والسجود على ستّة أخرى وهي الكفّان والركبتان وإبهاما الرّجلين ورفع الرأس بعدها والجلوس مطمئنّا مسمّاها ثمّ السجود ثانيا كالأوّل ورفع الرأس ولا يجب الجلوس بعده بل يستحبّ خلافا لأبي حنيفة حيث منع شرعيّته وحمل ما ورد من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الضعف للكبر وهو خطأ.

٣ ـ الأمر بالعبادة وهي غاية الخضوع والتذلّل ومنه طريق معبّد أي مذلّل وثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة ولذلك لا يستعمل إلّا لله تعالى والمراد بالذلّة تذليل النفس الأمّارة واللّوّامة لتطيعا النفس المطمئنّة فيحصل الترقّي إلى الكمال ورضى ذي الجلال وإنّما قال « ربّكم » إشارة إلى أنّ الموجب للعبادة هو مقام الربوبية.

٤ ـ يمكن أن يكون هذه الآية دالّة على أربع عبادات : الصلاة وعبّر عنها بالركوع والسجود تسمية للشي‌ء باسم أعظم أجزائه ولم يقل صلّوا لئلّا يتوهّم إرادة الصلاة لغة وهو الدعاء « وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ » إشارة إلى الصوم والحجّ وإن كان نزولها بعد وجوبهما « وَافْعَلُوا الْخَيْرَ » إشارة إلى الزكاة ويكون قوله « وَجاهِدُوا » في الآية التالية لها إشارة إلى الجهاد.

٥ ـ استدلّ الشافعيّ بهذه الآية على استحباب سجود التلاوة عندها محتجّا بقول عقبة بن عامر قال قلت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال نعم إن لم تسجدهما فلا تقرأهما (١) ومنعه أبو حنيفة لأنّ قران الركوع بالسجود يدلّ

__________________

الظاء واللام : أصل واحد يدل على ستر شي‌ء بشي‌ء فيصير المعنى مع هذا الضبط نظير ما ذكره المبرد في ضبط تضل. وضبطه في الحماسة لابن الشجري ص ١٩ بجمع تلوح البلق.

(١) سنن ابى داود ج ١ ص ٣٢٤ وفيه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ».

١٢٦

على أنّ المراد سجود الصلاة وفيه قوّة وحكم أصحابنا بالسجود هنا ندبا بالدليل خارج.

٦ ـ قال ابن عبّاس إنّ فعل الخير إشارة إلى صلة الرحم ومكارم الأخلاق فيكون حثّا على سائر المندوبات والقربات.

السادسة ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (١).

روي أنّ المعتصم سأل أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم‌السلام عنها فقال هي الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها وبه قال سعيد بن جبير والزجّاج والفرّاء (٢) ويؤيّده قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « أمرت أن أسجد على سبعة آراب » (٣) أي أعضاء ومعنى « فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً » لا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها وقيل لا تراؤوا أحدا بصلاتكم وقيل المراد بها المساجد المعروفة فلا ينبغي أن يذكر فيها أحد غير الله وقيل [ المراد ] بقاع الأرض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « جعلت لي الأرض مسجدا [ وطهورا ] (٤) وقيل المسجد الحرام وقيل جمع مسجد والمسجد مصدر بالميم بمعنى السجود والأوّل أولى.

السابعة ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) (٥)

ومثلها ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٦)

باسم ربّك أي بذكر اسم ربّك أو الاسم الذكر أي سبّح بذكر ربّك « والعظيم » يحتمل كونه صفة للاسم أو للربّ و « سبّح اسم ربّك » أي نزّهه عمّا لا يجوز إطلاقه

__________________

(١) الجن : ١٨.

(٢) راجع مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٢.

(٣) سنن ابى داود ج ١ ص ٢٠٥ وآراب بالمد جمع ارب بالكسر والسكون هو العضو.

(٤) السراج المنير ج ٢ ص ٢١١. سنن ابى داود ج ١ ص ١١٤.

(٥) الواقعة : ٧٤ و ٩٦ ، الحاقة : ٥٢.

(٦) الأعلى : ١.

١٢٧

عليه أو نزّهه عن إطلاق اسمه على غيره أو نزّهه عن ذكره لا على وجه التعظيم والأعلى صفة الربّ ويحتمل الاسم. إذا عرفت هذا فهنا مسائل :

١ ـ روى عقبة بن عامر قال : لمّا نزل « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوها في ركوعكم. ولمّا نزل « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى » قال اجعلوها في سجودكم » (١) ومثله من طرقنا رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام « تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم وفي السجود سبحان ربّي الأعلى الفريضة واحدة والسنة ثلاث » (٢)

٢ ـ حكم بعض فقهائنا بوجوب الذكر المعيّن عينا والأولى الندب وإجزاء مطلق الذكر لما رواه الهشامان عن الصادق عليه‌السلام « أيجزئ أن يقول مكان التسبيح في الركوع والسجود لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر قال نعم كلّ هذا ذكر » (٣) وفيه معنى التعليل فلو لم يكن الذكر كافيا لما سمّاه بالذكر نعم لفظ التسبيح أولى للآية والحديث.

١ ـ وافق أحمد على وجوب الذكر وقال الشافعيّ وأبو حنيفة باستحباب الذكر المقدّم وقال مالك : ليس في الركوع والسجود شي‌ء محدود. وسمعت أنّ فيهما التسبيح. دليلنا ما تقدّم.

٤ ـ يجوز إضافة « وبحمده » في الذكرين استحبابا عندنا وأنكرها الشافعيّ وأبو حنيفة لأنّها زيادة لم تحفظ ، وتوقّف أحمد ، لنا رواية حذيفة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قاله (٤) ومن طرقنا رواية زرارة وغيره عن الباقر عليه‌السلام (٥).

الثامنة ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (٦).

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ٢٠١.

(٢) الوسائل ب ٤ من أبواب الركوع ح ١.

(٣) الوسائل ب ٧ من أبواب الركوع ح ١ و ٢.

(٤) السراج المنير ج ٣ ص ١٣٩. سنن أبى داود ج ١ ص ٢٠١ عن عقبة بن عامر

(٥) الوسائل أبواب الركوع ب ١ ح ١ وب ٤ ح ٥.

(٦) أسرى : ١١٠.

١٢٨

يحتمل وجوها الأول ولا تجهر بكلّ صلوتك ولا تخافت بكلّها بل اجهر بصلاة اللّيل والفجر وخافت بالظهرين.

الثاني عن ابن عباس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي بمكّة فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن جاء به فنزلت (١) أي فلا تجهر فيسبّوك ولا تخافت فلا يسمعك أصحابك بل حالة وسطى.

الثالث أن يكون خطابا لكلّ واحد من المكلّفين أو من باب « إيّاك أعني واسمعي يا جارة » (٢) أي لا تجهر بصلوتك أي لا تعلنها إعلانا يوهم الرّياء ولا تخافت بها أي لا تسرّ بها بحيث يظنّ تركها والتهاون بها.

الرابع أن يكون المراد بالصّلاة الدعاء.

الخامس أنّها منسوخة بقوله ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) (٣) والأولى الأوّل لقربه من ظاهر لفظ الآية وحينئذ يكون الآية من المجملات واستفيد بيانها من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمنقول تواترا أنّه فعل كما هو المشهور وحيث إنّ الأمر للوجوب فالواقع في بيانه واجب والسبيل المأمور به هو ذلك وهنا فوائد :

١ ـ المراد بالجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع وبالإخفات

__________________

(١) تفسير الطبري ج ١٥ ص ١٨٤ ـ ١٨٦ ومثله في البرهان ج ٢ ص ٤٥٣.

(٢) مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئا غيره ، ذكره الميداني في مجمع الأمثال تحت الرقم ١٨٧ ، وأول من تكلم به سهل بن مالك الفزاري عند ما وقع في نفسه من أخت حارثة بن لام شي‌ء وكان ضيفها فجلس بفناء الخباء يوما وأنشد :

يا أخت خير البدو والحضارة

كيف ترين في فتى فزارة

أصبح يهوى حرة معطارة

إياك أعني واسمعي يا جارة

فاجابتها بالنظم :

انى أقول يا فتى فزارة

لا أبتغي الزوج ولا الدعارة

ولا فراق أهل هذى الجارة

فارحل إلى أهلك باستخارة

فاستحيى الفتى وارتحل.

(٣) الأعراف : ١٥٤.

١٢٩

أن يسمع نفسه ، ولا يكفي تخيّل الحروف عن السماع.

٢ ـ أطبق الجمهور على استحباب الجهر والإخفات في مواضعهما وبه قال شاذّ منّا والحقّ الوجوب لما قلناه ومفصّله أنّه يجب على الرجل الجهر بالصبح وأوليي المغرب وأوليي العشاء والإخفات في البواقي أمّا المرأة ففرضها الإخفات في الكلّ ولو أمنت سماع الأجنبيّ صوتها هل يجوز لها الجهر في موضعه أم لا احتمالان أحوطهما العدم وأمّا الخنثى المشكل فالأولى مع أمن سماع الأجنبيّ أن يكون كالرّجل ومع عدمه كالمرأة

٣ ـ أطبق أصحابنا على استحباب الجهر بالبسملة فيما فيه الإخفات وأكثر الجمهور على خلافه.

٤ ـ الأذكار غير القراءة لا جهر فيها موظّف ولا إخفات لكنّ الأولى للإمام الجهر وللمأموم الإخفات. وللمنفرد التخيير.

٥ ـ الصلوات غير اليوميّة أمّا واجبات أو مندوبات فالأولى المصلّي فيها بالخيار لأصالة عدم وجوب شي‌ء من الوصفين والثانية نوافل النهار إخفات واللّيل جهر.

التاسعة ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١).

قرئ برفع « ملائكته » فقال الكوفيّون بعطفها على أصل إنّ واسمها وقال البصريّون مرفوعة بالابتداء وخبر إنّ محذوف أي إنّ الله يصلّي وملائكته يصلّون فحذف للقرينة ونظائره كثيرة كقول الشاعر (٢) :

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

(٢) هو قيس بن الخطيم بن عدا الأوسي شاعر الأوس وأحد صناديدها في الجاهلية وله في يوم بعاث الذي كان بين الأوس والخزرج قبل الهجرة أشعار كثيرة ، انظر أيام العرب في الجاهلية من ص ٧٩ الى ٨٢. أدرك الإسلام وتريث في قبوله كما

١٣٠

نحن بما عندنا وأنت بما عندك

راض والأمر مختلف

(١) أي نحن راضون.

والصلاة وإن كانت من الله الرحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء (٢) بإظهار شرفه ورفع شأنه ومن هنا قال بعضهم تشريف الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله « إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ » أبلغ من تشريف آدم بالسّجود له.

والتسليم قيل المراد به التسليم بمعنى الانقياد له كما في قوله ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ

__________________

في الإصابة ج ٣ ص ٢٦٦ فمات قبل أن يدخل فيه ، شعره جيد وفي الأدباء من يفضله على شعر حسان والخطيم بالخاء المعجمة سمى به لجراحة أصابته على أنفه ذكره ابن شهاب الدين في شواهد المطول وكذا ضبطه في المشتبه للذهبى ص ٢٦٧ والمؤتلف والمختلف للامدى ص ١٥٩ ونسب البيت في الإنصاف الى درهم بن زيد وفي جامع الشواهد احتمال نسبته الى عمرو بن امرئ القيس.

(١) استشهد بالبيت في تفسير الطبري ج ١ ص ١٢٢ عند تفسير الآية ٣٤ من سورة التوبة وج ٢٢ ص ١٠٠ عند تفسير الآية ٣٧ من سورة سبأ وفي مجمع البيان عند تفسير الآية ٣٧ من سورة البقرة ، وسيبويه في الكتاب ج ١ ص ٣٨ باب الفاعلين والمفعولين وابن الأنباري في الإنصاف ص ٩٥ في المسئلة ١٣ من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين من أن أى العاملين في التنازع أولى بالعمل ، وابن هشام في المغني فيما إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا من الباب الخامس وهكذا الخطيب القزويني في تلخيص المفتاح.

(٢) قال الزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والنسفي عند تفسير « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ » ان أصل الصلاة التعطف وذلك أن المصلى يتعطف في ركوعه وسجوده كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ، فاستعير لمن يتعطف على غيره حنوا وترؤفا ، وبينه قاضى‌زاده في شرحه على تفسير البيضاوي بأن أصله عطف صلو به : وهما عرقان في منتهى الفخذ ينعطفان من المنحني ومنه المصلى في خيول الحلبة لان رأسه محاذ لصلا ما يقدمه ثم تجوز بها عن الانعطاف الصوري الى الانعطاف المعنوي وهو الترحم والرأفة.

١٣١

وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) وقيل هو قولهم السلام عليك أيّها النبي [ ورحمة الله وبركاته ] قاله الزمخشريّ والقاضي في تفسيريهما وذكره الشيخ في تبيانه وهو الحقّ لقضيّة العطف ولأنّه المتبادر إلى الذهن عرفا ولرواية كعب الآتية وغيرها.

إذا تقرّر هذا فهنا فوائد :

١ ـ ذهب أصحابنا والشافعيّ وأحمد إلى وجوب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة خلافا لأبي حنيفة ومالك فإنّهما لم يوجباها ولم يجعلاها شرطا في الصلاة واستدلّ بعض الفقهاء بما تقريره : شي‌ء من الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ولا شي‌ء من ذلك في غير الصلاة بواجب ينتج أنّها في الصّلاة واجبة أمّا الصغرى فلقوله « صَلُّوا » والأمر حقيقة في الوجوب وأمّا الكبرى فظاهرة وفيه نظر لمنع الكبرى كما يجي‌ء وحينئذ فالأولى الاستدلال على الوجوب بدليل خارج أمّا من طرقهم فما رووه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول « لا تقبل صلاة إلّا بطهور وبالصلاة عليّ » (٢) وكذا عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « قال إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد الله ثمّ ليصلّ عليّ » (٣) ومن طرقنا ما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليه‌السلام : « قال من صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتركه عمدا فلا صلاة له » (٤) حتّى أنّ الشيخ جعلها ركنا

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٦ نقلا عن البيهقي والدارقطنى.

(٣) لم أر هذا الحديث من طريق أنس في كتاب إلا في المعتبر وانما هو عن فضالة بن عبيد كما في المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٩ نقلا عن الترمذي وكذا فيض القدير ج ١ ص ٣٨٩ الرقم ٧١٧ نقلا عن الترمذي وابى داود ( أقول راجع ج ١ ص ٣٤١ ) وابن حبان والحاكم والبيهقي وجعل عليه رمز الصحة ، وفي المنتهى أيضا نقل الحديث عن فضالة وأظن ان لفظ أنس في الكتاب وفي المعتبر سهو من الناسخ.

قال ابن حجر كما في فيض القدير : وهذا أقوى شي‌ء يحتج به للشافعي على وجوب الصلاة عليه في التشهد.

(٤) الوسائل ب ١٠ من أبواب التشهد ج ١ و ٢.

١٣٢

في الصلاة فإن عنى الوجوب والبطلان بتركها عمدا فهو صحيح وإن عنى تفسير الركن بأنّه ما يبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا فلا.

٢ ـ قال علماؤنا أجمع : إنّ الصلاة على النبيّ واجب في التشهّدين معا وبه قال أحمد وقال الشافعيّ مستحبّ في الأوّل وواجب في الأخير وقال مالك وأبو ـ حنيفة هي مستحبّة فيهما دليل أصحابنا روايات كثيرة عن أئمّتهم عليهم‌السلام.

٣ ـ هل يجب الصلاة على النبيّ في غير الصلاة أم لا؟ ذهب الكرخيّ إلى وجوبها في العمر مرّة وقال الطحاويّ كلّما ذكر واختاره الزمخشريّ ونقل عن ابن بابويه من أصحابنا وقال بعضهم في كلّ مجلس مرّة والمختار الوجوب كلّما ذكر لدلالة ذلك على التنويه بذكر شأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما ولأنّه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهيّ عنه في آية النور [ وهي قوله ( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ ) » (١) الآية ] ولما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده الله » (٢) والوعيد إمارة الوجوب وروي أنّه قيل له يا رسول الله أرأيت قول الله « إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ » فقال عليه الصلاة والسلام « هذا من العلم المكنون ولو لا أنّكم سألتموني عنه لما أخبرتكم به إنّ الله وكل بي ملكين فلا اذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلّا قال له ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته آمين ولا اذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلّا قال له الملكان لا غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته آمين » (٣) وأمّا عند عدم ذكره فيستحبّ استحبابا مؤكّدا لتظافر الروايات على أنّ الصلاة عليه وعلى آله تهدم الذنوب وتوجب إجابة الدعاء المقرون بها (٤).

٤ ـ روى كعب بن عجرة قال « لمّا نزلت الآية قلنا يا رسول الله هذا السلام

__________________

(١) النور : ٦٣.

(٢) الوسائل ب ١٠ من أبواب التشهد ح ٣ ومثله في السراج المنير ج ٣ ص ٣٥٧.

(٣) الدر المنثور ج ٥ ص ٢١٨ من حديث الحسن بن على عليهما‌السلام.

(٤) الوسائل ب ٣٦ من أبواب الدعاء وب ٣٤ و ٤٢ من أبواب الذكر.

١٣٣

عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك فقال : قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » (١) وعلى هذا الحديث سؤال مشهور بين

__________________

(١) الرواية كما في المتن رواها في الوسائل ب ٣٥ من أبواب الذكر ح ٢ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٦٩. عن ابن ابى ليلى عن كعب بن عجرة ، ومن طرق أهل السنة بهذه الكيفية من طريق ابن الهاد على ما في تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠٧ أخرجه النسائي ( انظر ج ٣ ص ٤٧ ) وابن ماجة ، وأما عن كعب بن عجرة فبغير ما في المتن روى المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٨ عن كعب بن عجرة قال قلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم رواه الجماعة الا أن الترمذي قال فيه على إبراهيم في الموضعين ( أقول ومثله أبو داود في سننه ج ١ ص ٢٢٤ في لفظ ) وقال الشوكانى في رواية : وآل محمد بحذف على ونظير هذه الرواية في التيسير ج ٢ ص ٨٥ ، وللخمسة عن كعب بن عجرة ، ونظير تلك الرواية أيضا ما رواها في المنتقى ( نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٤ ) عن ابى مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. والسّلام كما قد علمتم ، رواه احمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ولأحمد في لفظ آخر نحوه أيضا وأبو داود ( انظر ج ١ ص ٢٢٥ ) وابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي وصححه.

وقد استحسن كثير من أهل السنة الاستدلال بحديث ابى مسعود على وجوب الصلاة حيث يستظهر منه أن وجوب الصلاة كان مفروغا عنه في الصلاة وسأل بشير بن سعد عن الكيفية على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى والحاكم وأبو حاتم واحمد في رواية من زاد « إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا » ( انظر سراج المنير ج ٣ ص ٦٨ ) ومن أراد شرح الاستدلال فليراجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠٨.

واستدل به في سبل السلام ج ١ ص ١٩٣ على وجوب ذكر الآل أيضا بأنه حيث

١٣٤

العلماء ذكرناه في نضد القواعد وذكرنا ما قيل في أجوبته من أراده وقف عليها هناك ففيه فوائد كثيرة (١).

__________________

أجاب عن السؤال عنها أنها الصلاة عليه وعلى آله ، فمن لم يأت بالآل فما صلى عليه بالكيفية التي أمر بها ، فلا يكون ممتثلا للأمر ، فلا يكون مصليا عليه ، وفيه أيضا : أنه قد صح عند أهل الحديث بلا ريب كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم رواتها وكأنهم حذفوها خطأ تقية لما كان في الدولة الأموية من يكره ذكره ، ثم استمر عليه عمل الناس متابعة من الأخر للاول.

(١) قال قدس‌سره في ذاك الكتاب : قاعدة لا يتعلق الأمر والنهي والدعاء والإباحة والشرط والجزاء والوعد والوعيد والترجي والتمني الا بمستقبل فمتى وقع تشبيه بين لفظي دعاء أو أمر أو نهى أو واحد مع الأخر فإنما يقع في مستقبل وعلى هذا خرج بعضهم الجواب عن السؤال المشهور في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وفي رواية كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.

بأن التشبيه يعتمد على كون المشبه به أقوى في وجه الشبه أو مساويا والصلاة هنا الثناء أو العطاء أو المنحة التي هي من آثار الرحمة والرضوان فيستدعي أن يكون عطاء إبراهيم أو الثناء عليه فوق الثناء على محمد أو مساويا له ، وليس كذلك ، والا لكان أفضل منه ، والواقع خلافه

 ـ فان الدعاء انما يتعلق بالمستقبل ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان الواقع قبل هذا الدعاء انه أفضل من إبراهيم وهذا الدعاء يطلب فيه زيادة على هذا الفضل مساوية لصلاته على إبراهيم فهما وان تساويا في الزيادة إلا أن الأصل المحفوظ خال عن معارضة الزيادة.

وهو جواب احمد بن إدريس المالكي وفيه نظر لان ذلك بناء على أن الزيادة أمر يحصل بدعائنا وقد قال علماء الكلام في باب الدعاء حيث قسموه إلى أقسامه أن هذا القسم من أقسام الدعاء تعبد ونفعه عائد إلى الداعي لأن الله تعالى قد أعطى نبيه من علو القدر وارتفاع المنزلة ما لا يؤثر فيه دعاء داع ، فحينئذ يصير هذا كالاخبار عما أعطى الله نبيه كما يشهد به القرآن العزيز القويم والاخبار لا توقع فيه وأجيب بوجوه أخر :

١ ـ أن المشبه به المجموع المركب من الصلاة على إبراهيم وآله ومعظم الأنبياء

١٣٥

__________________

هم آل إبراهيم والمشبه الصلاة على نبينا وآله ، وآل محمد ليسوا بأنبياء فكانت الصلاة على آل إبراهيم أبلغ من الصلاة على آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون الفاضل من الصلاة على آل إبراهيم لمحمد ويزيد على آل إبراهيم. وهو جواب عز الدين عبد السلام وفيه نظر أيضا لأنه يشكل بأن ظاهر اللفظ تشبيه الصلاة على محمد بالصلاة على إبراهيم والصلاة على آله بالصلاة على آله ( حقيقة ) لا يراد كل منهما وآله فلا يقع المقابلة بالمجموع بل انما هي مقابلة الافراد ، مع ان في هذا الجواب هضما لآل محمد وقد قام الدليل على أفضلية على عليه‌السلام على خلق من الأنبياء وهو واحد من آل محمد فيكون السؤال عند الإمامية على حاله.

٢ ـ انه تشبيه أصل الصلاة بالصلاة لا كميتها بكميتها ولا صفة من صفاتها بصفتها كما في قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) أن المراد تشبيه أصل الصوم بأصل الصوم لا الوقت والعدد ، وفيه نظر لان الكاف في كما للتشبيه فهو اسم بمعنى مثل منصوب صفة لمصدر محذوف اى صلاة مماثلة للصلاة على إبراهيم ، والمصدر إذا وقع موصوفا استحال أن يشاربه إلى الماهية من حيث هي لأن الماهية من حيث هي لا يكون مقيدة بقيد والوصف قيد.

٣ ـ ان المساواة في التشبيه وان كانت حاصلة فهي في الافراد بالنسبة الى كل مصل وصلاة على حدة فإذا جمع جميع المصلين في جميع الصلوات زاد ذلك أضعافا مضاعفة وهو جواب ابى الفتح القشيري ويشكل هذا بان التشبيه واقع في كل صلاة تذكر في حال كونها صلاة واحدة ، سلمنا لكن كان ينبغي مع توالى الصلوات في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يزيد المشبه على المشبه به كيف وهو متوال في جميع الأعصار إلى حين انقطاع التكليف.

٤ ـ ان قوله اللهم صل على محمد وآل محمد في قوة جملتين والتشبيه انما وقع في الثانية أعني الصلاة على الآل وهذا فيه بحث نحوي وهو ان العامل في المعطوف هل هو العامل في المعطوف عليه ، وهو القول بالانسحاب ، أولا ، ويدفعه سياق الكلام فان ذكر إبراهيم مقابل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالتشبيه واقع في الجملتين مع ان في هذا أيضا هضما لآل محمد وفيه ما فيه.

٥ ـ ان مطلوب كل مصل المساواة لإبراهيم في الصلاة وكل منهم طالب صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم وإذا اجتمعت هذه الصلوات كانت زائدة على الصلاة على آل إبراهيم ، وهذا أيضا بناء على ان صلوتنا عليه تفيد زيادة في رفع الدرجة ومزيد الثواب وقد أنكر هذا جماعة من المتكلمين خصوصا الأصحاب ، وقد تقدم بيانه ، بل فائدة هذا الامتثال

١٣٦

٥ ـ دلّ حديث كعب المذكور على مشروعية الصلاة على الآل تبعا له صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

تعود الى المكلف نفسه فيستفيد به ثوابا كما جاء في الحديث « من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا ».

فقد ظهر ضعف هذه الأجوبة لكن الاولى منها جواب تشبيه الأصل بالأصل ويلزم المساواة في الصلاتين ولكن تلك أمور موهبة فجاز تساويهما فيها وان التفاوت في الأمور الكسبية المقتضية للزيادة فإن الجزاء على الاعمال هو الذي تتفاضل فيه العمال لا المواهب التي يجوز نسبتها الى كل واحد تفضلا خصوصا على قواعد العدلية وهب ان الجزاء كله تفضل كما يقوله الأشعرية الا أن هنا موهبة محضة ليس باعتبار الجزاء ، والذي يسمى جزاء عند العمل وان لم يكن مسببا عن العمل هو الذي يتفاضلان فيه وهذا واضح. انتهى كلامه قدس‌سره نقلناه عن نسخة مخطوطة تفضل بإرسالها الأستاذ مرتضى المدرسى الچاردهى دام ظله.

وفي حاشية الكتاب في الطبع الحجري نقلا عن كتاب مشكلات العلوم أنه سؤال : ان قيل : قد وقع الإجماع على ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من إبراهيم وآله وقد ورد في الأدعية السؤال من الله سبحانه ان تصلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآله فكأنه سأل الحطيطة عن منزلتهم.

والجواب انه ليس المراد أن يكون صلوته على محمد وآل محمد كصلوته على إبراهيم وآله بل المراد السؤال عنه سبحانه أن يفعل بمحمد وآله المستحق لهم من التعظيم والإجلال كما فعل بإبراهيم وآله ما استحقوه من ذلك. فالسؤال يقتضي التنجيز المستحق لهم منه تعالى وان كان أفضل مما استحقه إبراهيم وآله. ولهذا نظير من الكلام في المتعارف وهو أن يقول القائل لمن كسا عبده فيما مضى من الدهر وأحسن اليه : « اكس ولدك الان كما كسوت عبدك وأحسن إليه كما أحسنت إلى عبدك من « قبل » فإنه لا يريد مسئلة إلحاق الولد برتبة العبد في الإكرام والتسوية بينهما فيما به الكسوة والإحسان ومماثلتهما في القدر بل يريد به الجمع بينهما في الفعلية والوجود.

ولو أن رجلا استأجر إنسانا بدرهم أعطاه إياه عند فراغه من عمله ثم عمل له أجير من بعد عملا يساوى أجرته عشرة دراهم يصح ان يقال له عند فراغ الإنسان من العمل : « أعط هذا الإنسان أجره كما أعطيت فلانا أجره » ويقول الأجير نفسه : « أوف أجرتي كما أوفيت أجيرك بالأمس أجره » ولا يقصد بذلك التمثيل بين الأجرتين في قدرهما ولا السؤال في إلحاق الثاني برتبة الأول على وجه الحط له عن منزلته والنقص له من حقه. فهكذا القول في مسئلتنا الله سبحانه الصلاة على محمد وآله كما صلى على إبراهيم وآله. انتهى

١٣٧

وعليه إجماع المسلمين (١) وهل يجوز الصلاة عليهم لا تبعا له بل إفرادا كقولنا اللهمّ صلّ على آل محمّد بل الواحد منهم لا غير أم لا؟ قال أصحابنا بجواز ذلك وقال الجمهور (٢) بكراهته لأنّ الصلاة على النبيّ صارت شعارا له فلا تطلق على غيره ولإيهامه الرفض (٣)

__________________

(١) وأوجبه الشافعي في أحد قوليه كما في الصواعق المحرقة ص ١٤٦ وينسب اليه :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر انكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

(٢) وليس بمتفق عليه عندهم ، وحيث ان الآل يدخل فيه المضاف اليه كما سنبينه قال ابن القيم : يجوز الصلاة بلفظ آل منفردا بالاتفاق بأن يقال : اللهم صل على آل محمد فإن الافراد فيه في اللفظ لا في المعنى ، واختلافهم انما هو فيما أفرد أحد بالذكر.

وقد نقل الجواز ابن الفراء كما في جلاء الافهام ص ٣٢٢ عن الحسن البصري وخصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان واحمد على رواية وإسحاق بن راهويه وابى ثور ومحمد بن جرير الطبري.

ثم ان أهل السنة اختلفوا أيضا في السلام ، هل هو في معنى الصلاة؟ فكرهه طائفة منهم أبو محمد الجويني ومنع أن يقال : « على عليه‌السلام » وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا السلام بشرى في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب فإنك تقول بلغ فلانا السلام وهو تحية أهل الإسلام ولهذا يقول المصلى : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

(٣) ففي الكشاف بعد ذكر أدلة جواز الصلاة على غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ج ٢ ص ٥٤٩ في تفسير الآية قال : وأما إذا أفرد أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه لان ذلك صار شعارا لذكر رسول الله ولانه يؤدى الى الاتهام بالرفض وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يقفن مواقف التهم.

قلت : ما أحوج المسلمين في هذا العصر الى توحيد الكلمة وتماسك جماعتهم وأن يقفوا صفا واحدا يصدون التهجمات عن أنفسهم كي لا يجد عدو الدين منفذا لاستقلالهم والسيطرة عليهم وان يقفوا من كل ما فيه شائبة الشتات والتفرقة موقف الحذر الفطن فحرى على إخواننا المسلمين أن يذكروا الآل عند ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة كيف وليس ذكر الآل مختلفا فيه مع ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند أحد من المسلمين كما قد عرفته بل أوجبه الشافعي في التشهد على رواية عنه. مالهم لا يصلون على محمد وآله معا في كتبهم المطبوعة؟ وانما يقولون صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٣٨

والحقّ ما قاله الأصحاب لوجوه (١) :

الأوّل قوله تعالى مخاطبا للمؤمنين كافة ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (٢) وهو نصّ في الباب.

الثاني قوله ( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) (٣) ولا ريب أنّ أهل البيت عليهم‌السلام أصيبوا بأعظم المصائب الّذي من جملتها اغتصابهم مقام إمامتهم.

الثالث أنّه لمّا أتى أبو أوفى بزكوته قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « اللهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى (٤) » فيجوز على أهل البيت عليهم‌السلام بطريق أولى.

__________________

(١) ونزيدك عليها من الايات الآية ١٠٣ من سورة التوبة ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ). فكما أن أخذ الزكاة ليس مختصا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكذلك الصلاة فلا يصح ما قيل انه من خصائص النبي وانه لا يجوز أو يكره الصلاة على غير النبي لغير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ومن الاخبار ما في الجامع الصغير الرقم ١٨١٣ ـ ١٨١٧ والرقم ٥٠٧٧ مشتملة على ان الله وملائكته يصلون على أصناف من العباد كالمصلين في الصف الأول أومئا من الصفوف وغيرهم وما في سنن ابن ماجة تحت الرقم ١٥٠٠ عن عوف بن مالك قال شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على رجل من الأنصار فسمعته يقول : اللهم صل عليه واغفر له وارحمه وما في كتاب جلاء الافهام لابن قيم الجوزية ص ٣٢٣ عن جابر بن عبد الله ان امرأة قالت يا رسول الله صل على وعلى زوجي صلى الله عليك وسلم فقال صلى الله عليك وعلى زوجك قال رواه احمد وأبو داود ( انظر ج ١ ص ٣٥١ ) وفي تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٧ ـ ٥ مثل ذلك

(٢) الأحزاب : ٤٣.

(٣) البقرة : ١٥٧.

(٤) ففي سنن ابى داود ج ١ ص ٣٦٨ والمنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٣ ص ١٦٣ عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله إذا أتاه قومه بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفى. متفق عليه وأما بلفظ « اللهم صل على أبى أوفى وآل أبي أوفى » فلم أره في الكتب وقد نقله هكذا في كتاب الزكاة. وأظنه من سهو الناسخ كيف وقد استدلوا بهذا الحديث على شمول الآل للشخص نفسه وجعلوه من الفروق

١٣٩

الرابع أنّ الصلاة من الله بمعنى الرحمة ويجوز الرحمة عليهم إجماعا ويجوز مرادفها لما تقرّر في الأصول أنّه يجوز إقامة أحد المترادفين مقام الآخر.

الخامس قولهم أنه صار شعارا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا مصادرة على المطلوب لأنّها كما دلّت على الاعتناء برفع شأنه كذلك تدلّ على الاعتناء برفع شأن أهله القائمين مقامه ويكون الفرق بينهم وبينه وجوبها في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكر كما اخترناه إن قلت عادة السلف قصره على الأنبياء قلت العادة لا تخصّص كما تقرّر في الأصول هذا مع أنّ من أعظم السلف الباقر والصادق عليهما‌السلام ولم يقولا بذلك.

السادس أنّ قولهم : إنّ ذلك يوهم الرفض تعصّب محض وعناد ظاهر نظير قولهم من السنّة تسطيح القبور لكن لمّا اتّخذته الرافضة شعارا لقبورهم عدلنا عنه إلى التسنيم فعلى هذا كان يجب عليهم أن كلّ مسئلة قال بها الإماميّة أن يفتوا بخلافها وذلك هو محض التعصّب والعناد نعوذ بالله من الأهواء المضلّة والآراء الفاسدة.

__________________

بين الأهل والآل وقالوا : الآل إذا أفرد دخل فيه المضاف اليه بخلاف الأهل. وحيث انجرّ الكلام الى ذكر الآل فلا بأس بصرف العنان الى اشتقاق الآل فنقول :

اختلفوا في اشتقاق الآل فقيل من الأهل بدليل تصغيره على اهيل ولا يعجبني هذا القول كيف وفي اللسان عن الفراء عن الكسائي مجي‌ء اويل تصغير آل وكذا في المطول فأهيل تصغير أهل ولو فرض عدم مجي‌ء اويل أيضا لم يلزم كون اهيل تصغير آل لجواز كون مصغر الآل مرفوضا.

فالحق أن أصل الآل أول وان المادة موضوعة لأصل الشي‌ء وحقيقته ولذا سمى حقيقة الشي‌ء تأويله لأنها حقيقته التي ترجع إليها كما قال تعالى ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ) ( الأعراف ٥٢ ) فتأويل ما أخبرته الرسل مجي‌ء حقيقته وتأويل الرؤيا حقيقته ومنه التأويل بمعنى العاقبة كما قال تعالى ( ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ( النساء : ٦٩ ) فان عواقب الأمور حقيقتها ومنه التأويل بمعنى التفسير لان التفسير بيان حقيقته. ومنه الأول لأنه أصل العدد ومنه الآل بمعنى الشخص فآل الرجل هم الذين يسوسهم ويوليهم فيكون أولهم اليه ونفسه أحق بذلك من غيره فهو أحق بالدخول في الآل فإذا أفرد دخل هو فيه قال تعالى ( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) ( الزمر : ٤٦ ) وعليه رواية اللهم صل على آل أبي أوفى.

١٤٠