رسالتان في الخراج

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

رسالتان في الخراج

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩

للنافع : « وإنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه ـ ولهذا قال المصنف : (١) ما يأخذه باسم المقاسمة ـ فقيدة بالأخذ ».

ويفهم من الدروس أيضا ذلك ، بل أخص منه على ما نقله فيه ، إذ يفهم عدم الجواز عنده إلا في المعاوضة حيث قال فيه : « وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات كالهبة والصدقة والوقف ولا يحل تناولها بغير ذلك ».

ومنه يعلم أن جواز التناول مطلقا ليس بمجمع عليه أيضا ، بل فيه خلاف حيث يفهم عدمه عند الشهيد وعند السيد المذكور وفي النافع أيضا على ما فهمه.

وأما أدلتهم فهي بعض الأخبار ولا دلالة ظاهرة فيها وادعى النصوصية فيها الشيخ علي وهي خبر أبي بكر الحضرمي الذي رواه الشيخ عنه ، عن أبي عبد الله عليه السلام وموضع الدلالة منه قوله عليه السلام : « ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك ، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟ » (٢).

وقال الشيخ علي فيها : « قلت : هذا نص في هذا الباب إلى قوله : حيث إنه يستحق في بيت المال نصيبا ، وقد تقرر في الأصول تعدي الحكم بالعلة المنصوصة ».

قلت : الحديث غير معلوم الصحة وعدم ظهور الدلالة ، إذ غايتها جواز قبول الحضرمي في عطاء ابن أبي سماك لأن له في بيت المال نصيبا فهم بالقياس جواز الأخذ منه لمن كان مثل الحضرمي في الاستحقاق من بيت المال ، بأن يكون من المصالح ، فلم يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائر مؤمنا وغيره لكل أحد ، سواء كان ممن يستحق من بيت المال أو لا.

__________________

(١) أي المحقق الأول رحمه الله.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٥٧ باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ٦ وأيضا في التهذيب ج ٢ ، ح ١٠٢ ، وج ٦ ص ٣٣٦ ح ٥٤.

٢١

فالاستدلال بمثله في هذه المسألة لا يخلو عن إشكال وأشد منه تسميته بالنص.

نعم يمكن الاستدلال به في الجملة على جواز أخذ الجوائز من الجائر كما استدل به عليه العلامة في المنتهى (١) وليس بتام أيضا.

وأيضا صحيحة هشام الدالة على جواز شراء مال الصدقة من الجائر حتى يعرف أنه حرام (٢) ولا خفاء في عدم دلالتها على المدعى وهو ظاهر.

وأيضا ما روي أن الحسنين عليهما السلام قبلا جوائز معاوية (٣) وعدم الدلالة ظاهر.

وأيضا صحيحة عبد الرحمن ، حين قال له أبو الحسن عليه السلام : « مالك لا تدخل مع علي في شراء الطعام ، إني أظنك ضيقا قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسعت علي ، قال : اشتره » (٤) ومعلوم أن ليس فيه إلا الدلالة على جواز شراء طعام كان عبد الرحمن ضيقا من شرائه ، ولا يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكل أحد بكل وجه وهو المدعى.

وأيضا صحيحة جميل بن صالح قال : « أرادوا بيع تمر عين أبي زياد ، فأردت أن أشتريه ، فقلت : حتى أستأذن أبا عبد الله عليه السلام فأمرت مصادفا فسأله فقال : قل له فليشتره فإنه إن لم يشتره إشتراه غيره » (٥) وهي مثل ما قبلها في الدلالة بل أقل ، على أنه قد يكون صحتهما موقوفة على توثيق عبد الرحمن ومصادف.

ونقلهما الشيخ علي في الخراجية (٦) ، وقال : « وقد استدل بالأخير في المنتهى

__________________

(١) المنتهى / ج ٢ ، ص ١٠٢٦.

(٢) الوسائل ج ١٢ ، ص ١٦١ ح ٥ كتاب التجارة ، الكافي ج ٥ ص ٢٢٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٦ ص ٣٧٥ ح ٢١٥.

(٣) الوسائل ج ١٢ ، ص ١٥٧ كتاب التجارة باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ، وص ١٥٩ ح ١٣ ، قرب الاسناد ص ٤٥ ، التهذيب ج ٦ ، ص ٣٣٧ ح ٥٦.

(٤) الوسائل ج ١٢ ، ص ١٦١ كتاب التجارة باب ٥٢ من أبواب ما يكتسب به ح ١ التهذيب ج ٦ ص ٣٣٦ ح ٥٣.

(٥) الوسائل ج ١٢ ، ص ١٦٢ كتاب التجارة باب ٥٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ، الكافي ج ٥ ص ٢٢٩ ح ٥ ، التهذيب ج ٦ ص ٣٧٥ ، ح ٢١٣.

(٦) رسائل المحقق الكركي / المجموعة الأولى ص ٢٧٢.

٢٢

على هذه الدعوى ثم اعترض الشيخ علي على نفسه بأن جواز الشراء لا يدل على غيره ، وأجاب أن حل الشراء يستلزم حل جميع أسباب النقل » وأنت تعلم أنه غير واضح ، إذ قد يكون جواز الشراء لحصول العوض وغير ذلك ، إلا ترى أن المكاتب يجوز له الشراء ولا يجوز له الهبة ، وأيضا أجاب عن عدم لزوم جواز الأخذ بأمر الجائر من جواز أخذ ما قبضه على تقدير تسليمه بنحو ذلك ، وهو غير ظاهر.

وبالجملة هذه المسألة في الغاية من الاشكال ، حيث إنهم حكموا بها بهذه الأدلة وقالوا : لا يجوز الأخذ إلا بإذن الجائر.

بل نقل الشيخ علي عن البعض « أنه لا يجوز السرقة والكتمان للزارع » مع قولهم بعدم جواز الأخذ للجائر وأنه ظالم ، فلا يجوز البيع منه حينئذ بل لا يمكن تحقق البيع وكيف يجوز بيع مال المسلمين الذي الناظر فيه الإمام عليه السلام ومصرفه بعض المصالح أخذه الظالم ظلما أن يشترى منه أو يتهب ، إلا أن يقال هذا استنقاذ لابيع حقيقة ولا صدقة ولكن حينئذ شرط الاذن أو القبض غير ظاهر. وكيف لا يجوز لمن في ذمته السرقة والكتمان؟ بل ينبغي ، بل يجب عدم جواز الاعطاء له إن أمكن ، لأنه لا تبرأ ذمته على تقدير قدرته على المنع ولا يتعين ما أخذ منه مالا للخراج والزكاة.

لكن ما جزم بهذا النقل ، بل قال : أظن سماعا عن علي بن هلال. وما نقلوا دليلا على عدم الجواز إلا بإذن الجائر والجواز به سوى ما مر. فلولا خوف خلاف الاجماع لأمكن القول بعدم جواز البيع أيضا إذ ليس في الأخبار جواز بيع مال الخراج المبحوث عنه.

نعم قد يوجد في بعض الأخبار جواز شراء الزكاة فيحتمل زكاة من المشتري على طريق الاستنقاذ ، وأن يكون المراد ممن عنده الزكاة لا عين الزكاة ، وأن يكون العامل مأذونا من الإمام عليه السلام وما كان معلوما ظاهرا للتقية ، أو

٢٣

يكون للتقية ، أو قضية في واقعة فلا يتعدى وأمثالها كثيرة ، وأن يكون لطفا من الله تعالى تسهيلا للشريعة ونفيا للحرج على تقدير عدم ثبوت براءة الذمة والضرورة واستحقاق الزكاة فيؤول كلام الأصحاب على بعض تلك الوجوه على تقدير صحته مثل كون الآخذ من المصالح والمصرف أو الذي يقدر أن يأخذه ويصرفه في مصرفه وغير ذلك وقد احتمل الشيخ إبراهيم في النقض كون الجائر مخالفا بظن إمامته وكذا المعطي ويفهم من شرح الشرائع أيضا.

تمت الرسالة الخراجية لمولانا أحمد الأردبيلي رحمه الله في رابع شهر رجب الأصب سنة ١٣١٣.

٢٤

[ الرسالة الثانية ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

فائدة

الذي أظن تحريم ما يأخذون في هذا الزمان بغير إذن الإمام عليه السلام مثل العشر الحاصل من القرايا ، فإن حله في الأصل واستحقاق المسلمين له على ما يفهم من كلامهم رحمهم الله تعالى موقوف على كون تلك القرايا فتحت عنوة بإذن الإمام عليه السلام ، ومعمورة حينئذ ، أو فتحت على أن الأرض للمسلمين ، وعلى عدم وقفيتها ، وعدم دعوى من في يده ملكيتها ، والحال أنهم يأخذون من الوقف وممن يدعي الملكية ، وعلى ثبوت المعاملة كالمزارعة من الإمام عليه السلام أو نائبه مع من يؤخذ منه الخراج.

أما التوقف على الفتح عنوة بإذن والمعمورية حين الفتح فلأن كل ذلك مصرح به في محله.

وأما على عدم دعوى ملكيتها فلأنهم صرحوا بأن كل من يدعي ملكية شئ وهو تحت يده ولم يعلم فساده ، يقبل قوله في أنه ملكه ، بل مجرد اليد دليل الملكية مع عدم العلم بالفساد. ولا شك في أنه يمكن صحة تملكه ، مع أنه صرح بذلك

٢٥

الشهيد الثاني في شرح الشرائع (١) وذكر لاحتمال صحة تملكه وجهين.

وأما على ثبوت المعاملة ، فإن حاصل القرية لزارعها إذا كان البذر له ولا يجوز أخذ مال الغير إلا على وجه شرعي وليس بالفرض هناك ما يمكن إلا مثل ذلك.

وأنت تعلم أن إثبات كل ذلك في زماننا هذا دونه خرط القتاد كيف؟! وأسهله إثبات الفتح عنوة في العراق. مع أنه قال الشيخ في المبسوط : « وعلى الرواية التي رواها أصحابنا إن كل عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام عليه السلام فغنمت تكون الغنيمة للامام عليه السلام خاصة (٢) ـ تكون هذه الارضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، إلا ما فتحت في أيام أمير المؤمنين عليه السلام ، إن صح شئ من ذلك ، للامام خاصة لا يشترك فيها غيره عليه السلام » (٣) ، وقال الشيخ إبراهيم رحمه الله ـ في نقض الخراجية : « قال السيد عميد الدين في شرح النافع وظاهره أنه حكاه عن شيخه فخر الدين : وأما العراق فقيل إنه فتح عنوة فهو للمسلمين لا يباع ولا يوقف ولا يوهب ولا يملك ، لأن الحسن والحسين عليهم السلام كانا مع الجيش ، وفتح بإذن علي عليه السلام وقيل لم يفتح عنوة لأن الفتح عنوة هو الذي يكون بحضور الإمام أو نائب الإمام أو إذن الإمام ، وليس هنا شئ من ذلك ، وكذلك قولهم إن الحسن والحسين عليهما السلام كانا مع الجيش أيضا غير معلوم فلا يكون مفتوحا عنوة فيكون للامام عليه السلام ، وهو المفتي به وكذا قال والده قدس الله سرهما ، انتهى ».

فلا يسمع دعوى الشهرة بل الاجماع في كون العراق فتحت عنوة.

__________________

(١) مسالك الافهام / ص ١٥٥ ج ١.

(٢) الوسائل ج ٦ ص ٣٦٩ ح ١٦ التهذيب ج ٤ ص ١٣٥ ح ١٢.

(٣) المبسوط / ج ٢ ص ٣٤.

٢٦

والذي يوجد في كلام بعض الأصحاب من جواز أخذ ما أخذ الجائر باسم الخراج ، لا يدل على الاجماع ، ويمكن أن يكون مع حصول الشرائط من الجائر المخالف مع كون الآخذ مصرفا للخراج وأخذ ما يحتاج إليه ، فلا يسمع دعوى الاجماع في جواز أخذه مطلقا.

كيف؟! وتوقف مدعي الاجماع المحقق الثاني في جواز أخذه لغير من يكون مصرفا للخراج مثل الغزاة والقضاة ، والمدعي الآخر الشهيد الثاني تردد في شرح الشرائع في جواز أخذه من الجائر الموافق (١).

ثم إن أغمضنا عن ذلك كله ، كيف يجوز لواحد منا سواء كان مصرفا للخراج أم لا أن يأخذ مالا كثيرا فوق ما يحتاج إليه هو لجميع المسلمين ، بمعنى أنه مال لمصالحهم العامة مثل المسجد والقنطرة ، يصرفه وليهم فيها وهو الإمام عليه السلام أو نائبه ، بغير إذنهم وإذن وكيلهم ووليهم ويتصرف فيه كيف شاء.

وبالجملة معلوم عدم جواز التصرف في مال الناس إلا على الوجه الشرعي المعلوم شرعيته عقلا ونقلا كتابا وسنة وإجماعا ، وما رأيت دليلا منها يدل على جواز أخذ واحد منا شيئا مما يأخذ الجائر باسم الخراج ولم نعلم هل لكل أحد من المسلمين أو للفقراء المستحقين له أو للصالح في الجملة ، بقدر الحاجة وفوقها وهل الجائر هو المخالف أو الأعم وإن كان ظاهر ذلك العموم. ولهذا تردد في بعض أفراده بعض المجتهدين المدعي للاجماع كما أشرنا إليه وذلك ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ولا برهان عقلي حتى يكون حجة بالنسبة إلى من يدعي الاستدلال وكذا بالنسبة إلى مقلديه ، كما عرفت.

__________________

(١) مسالك الافهام / ص ١٥٥ ، ج ١ حيث قال .. لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر وتوقف التصرف على إذنه وبين مفوض الأمر إلى الإمام العادل. المعلق.

٢٧

مع أنه فرع جواز تقليده وهو ظاهر ، مع أنهم يدعون الاجماع على بطلان تقليد الموتى ، ومعلوم أن حله ليس مما يحتاج إلى الدليل ولا التقليد وهو ظاهر.

والعجب أن الآخذين الآن وإن كانوا غنيين عن هذا وفوق حاجتهم ، مستندهم كلام المحقق الثاني مع أنه يفهم من كلامه رحمه الله في مواضع ، التردد في جوازه لكل أحد مثل الغني وغير المصالح وأنه مع دعواه البرهان عليه ما اكتفى بذلك في أخذه بل شارك أهل القرية في البذر واشترى بعض الأشجار منهم صرح به في الخراجية.

وأعجب منه عدم جواز الأخذ إلا بإذن الجائر مع عدم جواز الأخذ له ، وعدم جواز التصرف في الحاصل إلا بعد القسمة وإخراج الحق الذي يطلبه ظلما. فما علم جواز أخذ الخراج على الإطلاق ولا لزومه على الزارع. نعم يلزم أجرة من تصرف في أرض الخراجية إن ثبت فيكون دينا في ذمته يأخذه الوالي أو وكيله يصرفه في مصالح المسلمين. والله أعلم بالصواب.

تمت هذه الرسالة الخراجية أيضا من تأليفات المولى الفاضل العالم المرحوم المغفور الورع التقي مولانا أحمد الأردبيلي أسكنه ألله تعالى في جنانه.

٢٨

فهرس رسالتي المقدّس الأردبيلي

نبذة من حياة المولى المقدس الأردبيلي............................................ ٣

الرسالة الأولى

بما ذا يثبت كون الأرض خراجية؟............................................. ١٨

ما أفاده الشهيد الثاني في المقام................................................. ١٩

أدلة القائلين بجواز أخذ ما قبضه الجائر من الاخبار.............................. ٢١

الرسالة الثانية

فائدة في حرمة الاخذ بغير إذن الامام من مثل العشر الحاصل من القرايا............ ٢٥

نقل قول الشهيد الثاني في إثبات صحة ذلك.................................... ٢٥

الرد على الشهيد الثاني والاستشهاد عليه بقول الشيخ في المبسوط................. ٢٦

تأويل كلام الأصحاب في جواز أخذ ما أخذ الجائر باسم الخراج.................. ٢٧

٢٩