السراج الوهّاج

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]

السراج الوهّاج

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٢

الأحاديث أمكن الاستدلال به على العموم فلا يليق ذكره دليلا على ما ادعاه لأنه لا يدل على شي‌ء منه. وقد يعتذر عنه انه أراد الاستدلال على كون الموات بالاحياء تملك في الجملة وهو عام فيدخل فيه ملكه في زمن الغيبة وغيره دل على عدم الملك في زمن الظهور ، وهذا لا يخلو من تكلف.

قوله : الثالثة : قال الشيخ في المبسوط (١) والنهاية (٢) : وكافة الأصحاب لا يجوز بيع هذه الأرض .. إلخ (٣).

أقول : قد ثبت أن الناقل يجب عليه تصحيح ما نقله ، وقد نقل عن كافة الأصحاب ذلك ، فعليه تصحيح نقله على أنا نقول : قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس : ولا يجوز التصرف في المفتوح عنوة إلا بإذن الإمام سواء بالوقف أو بالبيع أو غيرهما ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (٤). وهو يدل بظاهره على خلاف ما نقله عن الكافة ، وربما فهم المؤلف من كلام الشهيد هذا شيئا غير ما هو معناه ، وسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى ، على أن هذا كله بحث في المسألة من حيث هي ، وإلا فلا فائدة للمؤلف في ذلك ، نظرا الى ما هو مقصوده إذ لا يلزم من كون هذا حكم المفتوح عنوة حل القرية إلا مع دعاء ( ادعاء ـ خ ل ) وستسمع ع تقريب بطلانها.

قوله : وفي التذكرة (٥) رواه كذا قال : يود بالواو بدلا عن الراء من الأداء مجزوما بأنه أمر للغائب محذوف اللام وما ذكرناه أولى (٦).

أقول : الأولوية هنا لا معنى لها أصلا بل النظر يتعلق بتصحيح الرواية ولا بد

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ كتاب الجهاد ـ ص ٣٤.

(٢) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص ١٩٥ ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين.

(٣) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٠.

(٤) كتاب الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ كتاب الجهاد ـ ص ١٦٣ ـ الطبعة الحجرية.

(٥) تذكرة الفقهاء ـ ج ١ ـ ص ٤٢٨ ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.

(٦) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥١.

٦١

للمجتهد من أصل مصحح عليه يعتمد ، فإن كان فيه الواو وجب اتباعه ، وإن كان فيه الراء اتبع ، وليس للأولوية في نقل ألفاظ الأخبار مدخل.

قوله : فإن قلت : إذا جوزتم البيع ونحوه تبعا لآثار التصرف فكيف يجوز أولي الأمر أخذها من المشتري؟ وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه أعني تلك الآثار؟ قلت : لا ريب أن ولي الأمر له أن ينتزع أرض الخراج من متقبلها إذا انقضت مدة القبالة ، وإن كان له فيها شي‌ء من الآثار فانتزاعها من يد المشتري أولى بالجواز ، وحينئذ فله الرجوع برأس ماله لئلا يفوت الثمن والمثمن (١).

أقول : نفي الريب عن جواز الانتزاع من المتقبل مع انقضاء مدة القبالة مسلم لا غبار عليه ، أما كون انتزاعها من يد المشتري مساويا له فضلا عن كونه أولى بالجواز ممنوع أشد المنع بل في المبسوط (٢) ظاهر البطلان لأن يد المشتري يد معاوضة بذل فيها جزء من ماله ويد المتقبل ليس كذلك بل هي في معنى المزارعة والمساقاة يستحق جزء السبب بسبب عمله والآخر للمالك ، فأين هذا من ذاك؟ وهل يستجيز محصل أن يسطر في تصنيف تظفر به الأذكياء مثل هذا لولا قلة التأمل وعدم إمعان النظر؟ ومن العجائب والغرائب قوله : وكيف يسترد رأس ماله مع أنه قد أخذ عوضه ، أعني تلك الآثار أنه قبل الابتياع فليس من الأخذ في شي‌ء وإن أراد أن ملكها مع انتزاعها الامام باق له لم يزل ، فلا معنى لرد الثمن ، ولا لقوله لئلا يفوت الثمن والمثمن ، وإن أراد غير ذلك فهو غير معقول إلا أن يكون من مخترعات اجتهاده فلا بأس.

قوله : لكن الذي يرد الثمن يحتمل أن يكون هو الامام عليه‌السلام لانتزاعه ذلك ، يحتمل أن يكون البائع لما في الرد من الاشعار بسبق الأخذ (٣).

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٢.

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ ٣٥ ـ كتاب الجهاد.

(٣) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٢.

٦٢

أقول : لا يحتمل أن يكون المراد إلا الإمام عليه‌السلام لأن البائع باع ما هو جائز له شرعا بمعاوضة صحيحة ثبت جوازها بالنص ، فاستحق العوض ، فلا وجه لرده ، وكيف يحتمل أن يرده مع أن المنتزع الامام عليه‌السلام وهي في يده؟ ولو احتمل أن يرد البائع وجب الحكم بعود يده كما كانت ما لم يعاوضه الإمام لأن من آثار التصرف ما هو مملوك للبائع كالبناء والغرس وغيرهما. ومن العجب أن المؤلف ما فارق قوله الأول إلا بقليل ، ثم احتمل ما لا يجتمع معه وقوله الأول ، وإذا تصرف فيها أحد بالبناء والغرس صح وله بيعها على أنه يبيع ماله فيها من الآثار وخص الاختصاص التصرف ، ثم قال بعده بما سطر ، وهذا تصريح في جواز بيعه حقه أعني آثار التصرف ، قلت : فاذا كان ما باعه حقا له والامام عليه‌السلام له الانتزاع من حيث إن الأرض لم تنتقل كيف يحتمل أن يرد البائع ثمن ما هو حق له ، وقد عاوض عليه بعقد صحيح لازم ، ولعل هذا من مخترعات اجتهاد المؤلف في المسائل الفقهية ، وبعد هذا بأسطر قال : قلت : هذا واضح لا غبار عليه يدل عليه ما تقدم من قول الصادق عليه‌السلام « اشتر حقه منها » (١) ، وأنه أثر محترم مملوك لم يخرج عن ملك مالكه بشي‌ء من الأسباب الناقلة فيكون قابلاً لتعلق التصرفات ، فانظر أيها المتأمل إلى كلام هذا المؤلف سابقا ولا حقا ، وفي الوسط تظفر ببعض الغرائب فيه.

قوله : في التنبيه الأول ردا على العلامة : ثم نعود الى كلامه في المختلف ، فإنه قال فيه في آخر المسألة في كتاب البيع : ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات. قلت : هذا مشكل لأن المحياة هي التي تتعلق بها هذه الأحكام المذكورة. وأما الموات فإنها في حال الغيبة مملوكة للمحيي ، ومع وجود الامام لا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، مع أن الحمل لا يلاقي ما قربه من مختار ابن إدريس

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٦ ـ حديث : ٢٨ ـ ٤٠٦ و ـ ج ٧ ـ ص ١٥٥ حديث : ٣٥ ـ ٦٨٦.

٦٣

لأن مراده بأرض العراق المعمورة المحياة التي يقال فيها لا يجوز بيعها ولا هبتها لأنها أرض الخراج ، الى هنا كلامه (١).

وقبل التعرض له نذكر كلام العلامة في المختلف قال : مسألة الأرض المفتوحة عنوة ، قال في المبسوط : لا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي تتبع الملك ، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل ، وقال ابن إدريس : فإن قيل : نراكم تبيعون وتشرون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة ، قلنا : إنما نبيع ونقف تصرفنا وتحجيرنا وبناءنا ، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك. وهو يشعر بجواز البناء والتصرف وهو أقرب ، ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات (٢) الى هنا.

أقول : لا يخفى على الناظر أن الشيخ أطلق المنع من غير تقييد بالمحياة ولا الموات ، وأن ابن إدريس أطلق الجواز من غير تقييد (٣). وأن العلامة قد جمع بين القولين بحمل كلام الشيخ على المحياة دون الموات ، وقرب كلام ابن إدريس مع الحمل المذكور وهو عين جعله مخصوصا بالموات ، ولا يرد أن ابن إدريس منع من جواز البيع في الأرض ، فإذا حمل كلام العلامة على الموات لا وجه للمنع لأنا نجيب أن العلامة لم يتعرض إلا لتقريب جواز البناء والتصرف لا غير كما لا يخفى ، فاستشكال المؤلف سببه قلة التدبر في كلام الفضلاء وسرعة التهجم عليهم بالطعن كما هو دأبه كثيرا. وليت شعري كيف لم يتفطن في كلام هذا الفاضل حتى قال : لا يلاقي ما قربه ، فإنه لم يقرب إلا الجواز المقابل للمنع المطلق ، وحمل كلام الشيخ على المحياة فعلم تفصيل مذهبه ، نعم لم يتعرض لكلام ابن إدريس

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٣.

(٢) مختلف الشيعة ـ كتاب الجهاد ـ ص ٣٣٣.

(٣) السرائر ـ ص ١١١ ـ باب حكم الأرضين ـ الطبعة الحجرية.

٦٤

في منع بيع نفس الأرض لعدم تعلق غرضه به في المسألة التي ساقها. وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث أخره القدر كان أنسب بمقامه.

قوله : نعم يحمل كلام الشيخ (ره) على حال وجود الامام وظهوره لا مطلقا (١).

أقول : هذا من غرائبه وعجائبه ، فإن كلام الشيخ عنده مخصوص بالمحياة وقت الفتح فاذا حمل المنع على حال ظهوره عليه‌السلام لا مطلقا جاز ذلك في غيبته ، وإذا جاز بيع الأرض ونحوه في الغيبة كان ذلك منافيا لما سبق منه مما نقله عن الكافة ، ولمطلوبه الذي هو بصدده ، ولأجله ألف رسالته ، فإن التزمه فيا حبذا ، لكنه لا يلزمه بل هو لغفلته لا يدري بتنافي كلامه ، ويمكن أن سبب حمل توهمه أن كلام الشيخ مخصوص بالمنع من البيع تبعا لآثار التصرف وهو بمعزل عن كلام الشيخ لأن صريح كلامه المنع من بيع نفس الأرض حيث قال : لا يجوز بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا أن تبنى .. إلخ (٢) مع انا سنبين أن بيع الآثار لا يختص بزمن الغيبة ، فانظر أيها المتأمل الى رده لكلام العلامة وحمله.

أقول : ومن مختلطات رسالته قوله : الثانية : نفوذ هذه التصرفات .. إلخ ، فلنورده بعينه بلفظه ثم نتكلم عليه.

قال : الثاني نفوذ هذه التصرفات التي ذكرناها هو في غيبة الإمام ، أما في حال ظهوره فلا ، لأنه إنما يجوز التصرف فيها مطلقا بإذنه ، وعلى هذا فلا ينفذ شي‌ء من التصرفات المتصرف فيها استقلالا ، وقد أرشد الى هذا الحكم كلام الشيخ في التهذيب فإنه أورد على نفسه سؤالا وجوابا محصلهما مع رعاية ألفاظه

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٣.

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ كتاب الجهاد ـ ص ٣٤.

٦٥

بحسب الإمكان ـ الى أن قال : ـ ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (١). [ وما رواه حسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام .. وله رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام الحديث (٢). احتج ابن إدريس بأن الأصل إباحة ذلك للمسلم وعدم تخصيص الامام عليه‌السلام فلا يعدل عنه بمثل هذه الأخبار الضعيفة (٣) ، والجواب المنع من أصالة الإباحة ، بل الإمام أولى لأنه قائم مقام الرسول عليه وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وبالجملة ففي المسألة نظر (٤) الى هنا كلام العلامة رحمه‌الله ] (٥).

أقول : لا يخفى أن جوابه الذي أجاب به عن حجة ابن إدريس غير ناهض لأنه لا يلزم من كونه قائماً مقام الرسول عليه‌السلام وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم أن لا يكون الأصل الإباحة للمسلمين ، وأن ما في يد المسلم إذا أسلم عليه لا يكون له ويختص به عليه‌السلام بل يستحب البحث في الرسول عليه‌السلام بالنسبة الى ذلك ، قال المحقق في المعتبر (٦) : قال الشيخان : رءوس الجبال والآجام من الأنفال ، وقيل : المراد به ما كان من الأرض المختصة به ، وظاهر كلامهما الإطلاق ، ولعل مستند ذلك رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول قال : وله رءوس من الجبال وبطون الأودية والآجام (٧) ، والراوي ضعيف.

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٣ ـ ٥٦.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٣٠ ضمن الحديث الثاني عن باب قسمة ـ الغنائم ـ وأول الرواية في ص ١٢٨ ـ حديث ٢ ـ ٣٦٦ ـ باب ٣٧ في قسمة الغنائم.

(٣) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ باب أحكام الأرضين ـ ص ١١٠ ـ الطبعة الحجرية.

(٤) مختلف الشيعة ـ ج ١ ـ ص ٢٠٧ ـ المقصد السادس من كتاب الزكاة في الخمس الفصل الثالث في الأنفال ـ ط الحجرية.

(٥) ما بين المعقوفتين لم توجد في كلام المحقق الثاني : « قدس‌سره ».

(٦) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص ٢٩٦ ـ الطبعة الحجرية.

(٧) تهذيب الأحكام : ج ٤ ص ١٣٠ وفيه « رءوس الجبال » حديث : ٢ ـ ٣٦٦ ـ « وأول الحديث في ص ١٢٨ » ـ باب ٣٧ في قسمة الغنائم.

٦٦

قوله : وفي مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان الخمس للإمام. ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب مع كونها مرسلة وجهالة بعض رجال أسنادها وعدم إمكان التمسك بظاهرها ، إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمته كلها للإمام عليه‌السلام (١).

أقول : هذا الكلام من المؤلف عجيب غريب ، لأنه إن أراد بما ذكر من الإرسال وغير بيان صورة الحال مع كونها حجة فلا مزيد فيه.

وان أراد الطعن في العمل بالرواية فهو ساقط بالكلية لا يحتاج الى جواب طائل بعد كونها في الاشتهار بين الأصحاب بالغة حدا لا يذكرون الإشارة إلى خلاف عند الفتوى بمضمونها ، ولم أسمع لها رادا من الأصحاب ، وما هذا حاله في الاشتهار حجة بلا اشكال ، وقد سلم نحو ذلك فيما مضى بقوله : وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول ولم نجد له رادا وقد عملوا بمضمونه. واحتج به على ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة في المنتهى ، (٢) وما هذا شأنه فهو حجة بين الأصحاب ، وأن ما فيه من الضعف ينجبر بهذا القدر من الشهرة. انتهى كلامه ، ولا شك أن شهرة هذا الخبر كاد أن لا يلحقه شهرة شي‌ء من المراسيل بل صرح بعض الأصحاب بنقل الإجماع على مضمونها.

قوله « وعدم إمكان التمسك بظاهرها إذ من غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمة كلها للإمام » أعجب من الأول لوجهين.

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٦.

(٢) منتهى المطلب ـ ج ١ ـ ص ٥٥٤ ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.

٦٧

( أحدهما ) ما هو مقرر مذكور مشهور متواتر بين الأصحاب يعرفه كل من خالط الاستدلال بالحديث ، وهو أن الخبر إذا اشتمل على ما هو معمول به إما لاشتهاره أو لعدم المعارض له جاز الفتوى به ، وإن كان مشتملا على شي‌ء له معارض أو شاذ لا يصح الفتوى به ولا يقدح في جواز العمل بما ليس فيه ذلك ، ولو لا خوف الإطالة أوردت من ذلك جملة ، وكأن المؤلف لم يلاحظ ما ورد في ذلك في منزوحات البئر (١) وغيره من الأحكام الشرعية ولا وصيته المعتبر في ذلك. والدليل العقلي يساعد على ذلك فإن المعارضة والتخصيص قد يختص ببعض ما دل عليه الخبر فيكون الباقي سليما من المعارض فيكون راجح الدلالة فيجب العمل به.

( وثانيهما ) أن استناد الخمس إليه عليه‌السلام لأنه القابض له والمتصرف فيه والحاكم فيه بما شاء كيف لا والإضافة تصدق بأدنى ملابسة على أن قائلاً لو قال : الخمس كله له للرواية لم يكن رد كلامه إلا بثبوت الدليل على عدم الاختصاص ، فلا بد من الجمع ، ولا جمع إلا بأن إسناده إليه بكونه له من حيث إنه يرفع إليه أو يأخذ ما يصطفيه ويقسمه فيأخذ نصفه ويقسم النصف على الأصناف ، وما يفضل عن كفايتهم في السنة فهو له وما يعوز فهو عليه ، فكأنه له وكأنهم واجبوا النفقة عليه. ليت شعري كيف كان مثل هذا الذي يفهم تطبيقه بأدنى تأمل يقتضي عدم إمكان التمسك بظاهرها حتى يكون قدحا فيها؟ وهل مثل هذا يصدر من فقيه تكلف الجمع بين الأخبار المختلفة والنظر في دقائق معانيها ولاورد ما يحقق شهرة العمل بالرواية ويدفع احتمال الرد عليها بالإرسال ونحوه فيما ذكرناه من الحكم؟.

قال الشيخ في المبسوط (٢) الأنفال هي كل أرض خربة باد أهلها ـ الى أن

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٤ الى ٢٤ من أبواب الماء المطلق في ج ١ ص ١٢٥ الى ص ١٤٤.

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ١ ـ ص ٢٦٣ ـ كتاب الزكاة.

٦٨

قال : ـ قال قوتل قوم من أهل حرب بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام خاصة دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة وهي لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر ، فلا يجوز التصرف في شي‌ء من ذلك إلا بإذنه .. إلخ ، ولم يذكر فيه لا قولا ولا خلافا.

وقال في النهاية (١) : وإذا غزا قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة دون غيره ، وليس لأحد أن يتصرف في شي‌ء مما يستحقه الامام من الأنفال والأخماس إلا بإذنه .. إلخ.

وقال في الخلاف (٢) : مسألة : إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (٣).

وقال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال ومستحقها : ولو قاتل قوم من أهل الحرب بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة خاصة للإمام دون غيره ، فجميع ما ذكرناه كان للنبي عليه‌السلام خاصة وهو لمن قام مقامه من الأئمة في كل عصر لأجل المقام لا ورائه .. (٤) إلخ.

قلت : ومن مذهب ابن إدريس عدم جواز العمل بخبر الواحد وإن صح مستنده مطلقا فضلا عن الضعيف ، فضلا عن كونه مخصصا لعموم الكتاب ، وأفتى بمضمون الرواية فلو لا أنها عنده من المشاهير التي يجب العمل بها لم يفت بمضمونها ، بل الظاهر أنه لا خلاف عنده في مضمونها لأن مجرد الشهرة مع ضعف المستند لا يقوم حجة عنده خصوصا في تخصيص الكتاب العزيز ، وكلام المحقق الآتي

__________________

(١) النهاية : ص ٢٠٠ ، وفيه اختلاف يسير.

(٢) الخلاف ـ ج ٢ ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم ـ ص ٣٣٢ ـ مسألة ١٦.

(٣) إلى هنا كلام الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف.

(٤) السرائر ـ كتاب الخمس ـ ص ١١٦ ـ الطبعة الحجرية.

٦٩

ذكره صريح في أنه انما اعتمد على الإجماع على مضمونها ، وقد سبق نقل الشيخ في الخلاف (١) الإجماع عليه. وقال العلامة في المنتهى وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ، ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى رحمهم‌الله وأتباعهم. وقال الشافعي .. إلخ ـ ثم قال : ـ احتج الأصحاب بما رواه العباس الوراق عن رجل سماه .. (٢). إلخ.

قلت : ظاهره أن مضمونها متفق عليه حيث لم يذكر الخلاف إلا عن المخالفين ، وقال « احتج الأصحاب » والجمع المحلى للعموم ، وقد يمكن أن يقال الألف واللام للعهد فلا يرجع إلا الى الثلاثة وأتباعهم لكنه لا يقدح إلا في الدلالة على الإجماع ولا يخلو من مشاحة لا حاجة الى الإطالة بها. وقال في التحرير في الفصل الثالث في الأنفال : وإذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة للإمام عليه‌السلام خاصة (٣) ولم يشر الى قوم ولا خلاف ولا احتمال الى غير ذلك من تصانيفه كالقواعد (٤) والإرشاد (٥) وغيرهما وعبارات سائر الأصحاب مما يخرج تعداده الى الإطناب ، لا يقال قد قال المحقق رحمه‌الله في النافع ، وقيل : إذا غزا قوم بغير إذنه فغنمتم له ، والرواية مقطوعة فحكاه قولا وأشار الى ضعفه بكون الرواية مقطوعة (٦).

وقال في المعتبر : الثانية : قال الثالثة : إذا قاتل قوم من غير إذن الامام فغنموا فالغنيمة للإمام. وقال الشافعي .. إلخ ـ ثم قال : ـ وما ذكره الأصحاب ربما عولوا. فيه على روية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) الخلاف ـ ج ٢ ـ ص ٣٣٢ ـ مسألة ١٦ ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم.

(٢) منتهى المطلب ـ ج ١ ـ ص ٥٥٣ ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.

(٣) تحرير الأحكام ـ ج ١ ـ ص ٧٥ ـ كتاب الخمس ـ الطبعة الحجرية.

(٤) قواعد الأحكام ـ ج ١ ـ ص ٦٢ ـ كتاب الزكاة ـ الطبعة الحجرية.

(٥) إرشاد الأذهان ـ ج ١ كتاب الزكاة ـ النظر الثالث في الخمس ص ٢٩٣.

(٦) المختصر النافع في فقه الإمامية ـ ص ٦٤ ـ كتاب الخمس.

٧٠

إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإن غزوا بأمره كان للإمام الخمس (١) وبعض المتأخرين يستكشف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج بدعوى إجماع الإمامية ، وذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول : إن الإجماع أنما يكون حجة إذا علم أن الامام في الجملة ، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لا يعلم (٢). الى هنا كلامه ، ويظهر منه إنكار الفتوى.

فنقول : كلامه في النافع (٣) لا يظهر منه غير أنه حكاه قولا وأشار الى ضعف مستنده وغاية ما يلزم منه عدم قطعه به على أن المعلوم من قاعدته في النافع أن ما يقول فيه وقيل هو ما إذا لم يكن مستنده مقطوعا به عنده وهو لا يدل على اختياره فلأنه مع أنه صرح في شرائعه بالفتوى من غير إشارة إلى خلاف ولا ضعف حيث قال في آخر المقصد الأول من الأنفال : وما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له عليه‌السلام (٤) فلو كان مخالفا في النافع صريحا لم يقدح خلافه في الاتفاق لسبق دخوله مع الجماعة وكلامه في المعتبر (٥) لم يرد على ما ذكره في النافع (٦) إلا بتعيين الثلاثة وبإنكاره الإجماع لا على طريق نقل الخلاف بل على طريق عدم ثبوته عنده ، وهو مرتكب لا يخلو من نظر لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عنده ، وابن إدريس من أجلاء الأصحاب ولو قدح فيه فلا قدح في الشيخ وقد نقله في الخلاف (٧) وهو رئيس الطائفة وإمامهم ومعتمدهم في الأقوال والروايات. على أنا نقول من العجب تردد المحقق أو عدم جزمه بالفتوى ، وقد اعتمد في غير ذلك على ما هو أقل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٣٥ ـ حديث : ١٢ ـ ٣٧٨ ـ باب ٣٨ في الأنفال ـ وفيه اختلاف يسير.

(٢) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص ٢٩٦ ـ الطبعة الحجرية.

(٣) المختصر النافع ـ ص ٦٤ ـ كتاب الخمس.

(٤) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ـ القسم الأول ـ ص ١٣٧ من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.

(٥) المعتبر في شرح المختصر ـ كتاب الخمس ـ ص ٢٩٦.

(٦) مختصر النافع ـ كتاب الخمس ـ ص ٦٤.

(٧) الخلاف ـ ج ٢ ـ ص ٣٣٢ ـ مسألة ١٦ ـ كتاب الفي‌ء وقسمة الغنائم.

٧١

شهرة مع ضعف مستنده حيث يقول : رواية يجبر ضعفها الشهرة وهذه أشد شهرة ، وأيضا فقد جزم بالفتوى في شرائعه (١) ولا مستند له إلا هذه الرواية فلو لا انجبارها بالشهرة أو الاتفاق لم يجز له الفتوى بحال ، وعلى كل حال فلا محيص ولا مناص عن الشهرة التي يتحقق معها صحة الاستدلال بالخبر وإن كان مرسلا.

قال الفاضل المقداد في تنقيحه في شرح قول المحقق في النافع : وقيل إذا غزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له والرواية مقطوعة والقائل الثلاثة وأتباعهم ، والرواية رواها عباس الوراق عن الصادق عليه‌السلام وهي مشهورة بين الأصحاب وعليها عملهم (٢).

وقال الفاضل ابن فهد في مهذبه في شرح كلامه في الرواية إشارة الى ما رواه العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ( طاب ثراه ) :

إذا غزا قوم إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، وإن غزوا بأمره كان الخمس للإمام (٣). وعليها عمل الأصحاب ، ويؤيدها أن ذلك معصية فلا يكون وسيلة إلى الفائدة ولأنه ربما كان نوع مفسدة فالمنع أو عزلهم الى تركه فيكون لطفا فضعفها بإرسالها تؤيد بعمل الأصحاب وبما وجهناه (٤).

قلت : وفي كلاهما (٥) ما يدل على الاتفاق ، وفي هذا القدر كفاية شافية ووقاية رافية والله الفتاح.

قوله : وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الأرض المعدودة من الأنفال إما أن تكون محياة أو موات ، وعلى التقديرين فإما أن يكون الواقع يده عليها من الشيعة أو لا ، فهذه أقسام أربعة وحكمها أن كلما كان بيد الشيعة من ذلك فهو حلال عليهم مع

__________________

(١) شرائع الإسلام ، في مسائل الحرام والحرام ـ القسم الأول ـ ص ١٣٧ ـ من كتاب الخمس ـ في مسائل قسمة الخمس.

(٢) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ـ ج ١ ـ كتاب الخمس ـ ص ٣٤٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ج ٤ ـ ص ١٣٥ حديث : ١٢ ـ ٣٧٨ ـ باب ٣٨ في الأنفال وفيه اختلاف يسير.

(٤) المهذب البارع في شرح المختصر النافع ـ ج ١ ـ كتاب الخمس ـ ص ٥٦٧.

(٥) كذا ، والصواب « كليهما ».

٧٢

اختصاص كل من المحياة والموات بحكمه لأن الأئمة عليهم‌السلام أحلوا ذلك لشيعتهم حال الغيبة وأما غيرهم فإنه عليهم حرام (١).

أقول : في هذه نوع قصور ، والأنسب أن يقال : إما أن يكون محياة أو موات وحكمها أن كل ما بيد الشيعة .. إلخ ، والأمر سهل في هذا ، لكن قوله « وأما غيرهم فإنه عليهم حرام وباطل » فإن ظاهر المذهب أن الموات من الأنفال يصح إحياؤه لجميع المسلمين ولا تحرم على أحد منهم في زمن الغيبة ، فيد كل مسلم عليه يد إباحة ، وهو مدلول إطلاق الروايات وفتاوى الأصحاب ، حيث حكموا بجواز إحياء الموات من غير تقييد لها بكونها من غير الأنفال ، بل في الحقيقة عند التأمل أكثر موات الأرضين من الأنفال ، ويدل عليه أيضا إطلاق إحياء ما ترك عمارته غائبا كان المالك أو حاضرا. نعم الكلام في الكسب فإنه لا يحل على الإطلاق على معنى عدم وجوب شي‌ء على المكتسب إلا للشيعة في وجه حسن ، وبين ذلك وبين حريم وضع اليد على الأرض بون بعيد ، والمؤلف لم يلتفت الى ذلك لأنه من المجازفين ، ولهذا استدل على مدعاه بقول أبي عبد الله في رواية عمر بن يزيد : وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون يحل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيحسبهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فإن كسبهم من الأرض حرام حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم (٢). ولم يتفطن لعدم دلالة الحديث على تحريم وضع اليد واختصاصه بالتكسب ، وبخبر نجية ، ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم ، والتحقيق أن مفهوم خبر نجية (٣) لا دلالة فيه أصلا لأنه عليه‌السلام قال :

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٧.

(٢) التهذيب : ج ٤ ص ١٤٤ حديث : ٢٥ ـ ٤٠٣ ـ باب ٣٩ في الزيادات ، وفيه اختلاف يسير وفي هامشه : « في الكافي هكذا : طسق ما كان في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم .. إلخ. ولعله سقط من قلم الناسخ في التهذيب وإلا فهو أنسب بالمقام ».

(٣) تهذيب الأحكام : ج ٤ ص ١٤٥ ـ حديث : ٢٧ ـ ٤٠٥ باب ٣٩ الزيادات.

٧٣

لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال ـ ثم قال : ـ اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا ومفهومه أنهم لم يحلوا ذلك لغير شيعتهم. وذلك إشارة الى ما هو حقهم من الأمور المذكورة ، ولا يلزم من عدم إحلالهم الجميع عدم إحلالهم البعض ، ولو سلمت الدلالة فهي محمولة على الكسب بالنسبة إلى الأرضي جمعا بين الأخبار ، ويمكن أن يحمل أيضا الحل للشيعة على الحل الخاص. أعني ما يختلف الحال فيه بين الحضرة والغيبة ، بحيث لا يرفع أيديهم عنه بعد الظهور كما دل عليه بعض الأخبار وكلام الأصحاب كالعلامة في المنتهى (١) وغيره.

أقول : لا يشتبه على من ينظر بعين البصيرة الشافية عن شوب كدر طلب غير الحق أنه لا يكاد يحقق شيئا ولا ورد ما يزيل الشبهة عما ذكرته من الأخبار ومن كلام الأصحاب الدال على الإباحة في الأرضين بإطلاقه ، وقبل ذلك أقدم سؤالا وجوابه ، أما السؤال فهو أن الامام عليه‌السلام أطلق تحريم الكسب من الأرض ، وحملهم بعض الأخبار على ذلك لا يتمشى على أصول قواعد الشريعة من أن الزرع لزارعه ولو في الأرض وغيره وكذا الغرس لغارسه وانما يلزمه الأجرة في الذمة والجواب أن إطلاق التحريم على الكسب باعتبار لزوم الحق للغير به مع عدم إيقائه إياه من باب إطلاق المسبب على السبب ، أو نقول أن حق الامام عليه‌السلام متعين في العين لإطلاق الطسق وهو الرقبة من خراج الأرض ولا يكون ذلك كسائر الحقوق التي يكون المدين فيها بالخيار في جهات القضاء ولنرجع الى ما قلناه فنقول : أما الدلالة من الأخبار فمنه ما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من غرس شجرا أو حفر واديا بديا (٢) لم يسبقه

__________________

(١) منتهى المطلب ـ ج ١ ـ ص ٥٥٣ ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.

(٢) البدي : البئر التي حفرت في الإسلام وليست بعادية. ( من هامش التهذيب ).

٧٤

إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من الله عزوجل ورسوله (١). وعنه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم (٢). وعن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخر بها ثم جاء بعد فطلبها فإن الأرض لله عزوجل ولمن عمرها (٣). وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وفضيل وبكير وحمران وعبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا أرضا مواتا فهي له (٤). وعن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام وله ما أكل منها وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحوبها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ج ٧ ـ ص ١٥١ ـ حديث ١٩ ـ ٦٧٠ من الباب ١١ في أحكام الأرضين.

(٢) تهذيب الأحكام : ج ٧ ص ١٥٢ وفيه اختلاف يسير حديث : ٢٠ ـ ٦٧١ باب ١١ في أحكام الأرضين.

(٣) تهذيب الأحكام : ج ٧ ص ١٥٢. حديث : ٢١ ـ ٦٧٢ ـ باب ١١ في أحكام الأرضين.

(٤) تهذيب الأحكام : ج ٧ ص ١٥٢ حديث : ٢٢ ـ ٦٧٣ ـ باب ١١ في أحكام الأرضين.

(٥) تهذيب الأحكام : ج ٧ ـ ص ١٥٢ ـ حديث : ٢٣ ـ ٦٧٤ ـ باب ١١ في أحكام الأرضين.

٧٥

أقول : قطع تفصيل هذه الرواية النزاع وفصح عن المراد وفيها وفيما سبق جملة كافية من الأخبار. وأما الدلالة من كلام الأصحاب فأكثر من أن تحصى ، فمنه ما ذكره العلامة في المنتهى وهذه عبارته : وأما الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصة لا يجوز لأحد إحياؤه إلا بإذنه إن كان موجودا ولو تصرف فيها بغير إذنه كان على المتصرف طسقها ويملكها المحيي عند غيبته من غير إذن ـ الى أن قال : ـ ويدل على أن المحيي للموات في غيبته عليه‌السلام يملكها بالإحياء ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه الى الإمام فهي في حالة الهدنة ، فإذا ظهر القائم عليه‌السلام فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه. (١) (٢)

قلت : والمراد بالمؤمنين في الخبر المسلمون لأن الشيعة مأذون لهم اتفاقا فجعل الفاضل الخبر دليلا على الملك من غير إذن يدل على أنه فهم ما ذكرناه من أن المراد المسلمون ، والغرض الاستشهاد بكلام الأصحاب فلا مشاحة في دلالة الخبر وعدم حجية فهم العلامة إذ الدليل قد تقدم في الأخبار.

وقال في التحرير في كتاب إحياء الموات : ولو كان الإمام غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق ، فإذا ظهر الامام كان له رفع يده عنها (٣) وقد سمعت ما ذكره في باب قسمة الأراضي عند ذكر الأنفال في صدر الرسالة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ج ٤ ص ١٤٥ حديث : ٢٦ ـ ٤٠٤ ـ باب ٣٩ في الزيادات.

(٢) منتهى المطلب ـ ج ٢ ـ ص ٩٣٦ ـ كتاب الجهاد ـ البحث الثالث في أحكام الأرضين ـ الطبعة الحجرية.

(٣) تحرير الأحكام ـ ج ٢ ـ ص ١٣٠ ـ كتاب احياء الموات ـ بيان أقسام الأرضين ـ الرابع. الطبعة الحجرية.

٧٦

وقال في الإرشاد : ويجوز إحياء الموات بإذن الامام وبدون إذنه مع غيبته ولا يملكه الكافر (١).

وقال في القواعد : وكل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له وبعده لورثته ، فإن لم يكن لها مالك معين فهي للإمام ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم يملكها ، فإن كان غائبا كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده (٢).

وقال الشهيد رحمه‌الله في دروسه : ونعني بالموات ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلائه عليه أو لاستيجابه مع خلوة من الاختصاص ، ويشترط في تملكه بالإحياء أمور تسعة : ( أحدها ) إذن الامام على الأظهر سواء كان قريبا من العمران أم لا ، وفي غيبة الإمام يكون المحيي أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فزالت آثاره زالت يده .. ( وثانيها ) أن يكون المحيي مسلما .. (٣) إلخ. وعبارات الأصحاب في هذا كثيرة لا يخلو منها سطور ، واشتركت معنى في أن إحياء الموات في حال الغيبة لسائر المسلمين جائز ويقتضي ثبوت اليد وكون المحيي أحق بالأرض ، وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة لديه ولا غبار عليه. وفي هذا القدر كفاية وتقنع والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

قوله : المقدمة الرابعة : في تعيين ما فتح عنوة من الأرضين .. إلخ (٤).

أقول : لا بحث لنا منوطا بهذه المقدمة إلا في العراق.

__________________

(١) إرشاد الأذهان ـ ج ١ كتاب الجهاد ـ المطلب الثالث ـ سياقة ـ ص ٣٤٨.

(٢) قواعد الأحكام ـ ج ١ ـ كتاب احياء الموات ـ ص ٢٢٠ ـ السبب الأول في الاختصاص الطبعة الحجرية.

(٣) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص ٢٩٢ ـ كتاب احياء الموات ـ الطبعة الحجرية وفيه اختلاف يسير.

(٤) راجع خراجيته (ره) ، ص ٦١.

٧٧

والمؤلف قال : وأما أرض العراق التي تسمى بأرض السواد وهي المفتوحة من الفرس التي فتحت في أيام الثاني فلا خلاف في أنها فتحت عنوة (١).

أقول : إن أراد بقوله « لا خلاف في أنها فتحت عنوة » أنه لا خلاف في كونها فتحت بالسيف في الجملة على معنى أن فتحها لم يكن بالصلح ولا بهرب أهلها وتسليمها ولا بإسلامهم طوعا بل بالمحاربة فهو حق اليقين لأنه من المتواترات (٢) لكن لا يجديه في مطلوبه نفعا ، وإن أراد أنها بحكم المفتوحة عنوة على معنى أن عامرها للمسلمين وغامرها للإمام على ما سبق من تفصيل الأحكام فهو معلوم البطلان إذ الخلاف متحقق ، بل لو شئت أن أقول : لا خلاف في كونها من الأنفال لأنها غنيمة الغازي بغير إذنه فيكون منها ، لقلت : وما يوجد من بعض الروايات فهو محمول على التقية ، وعبارات الأصحاب لا يخلو عن شي‌ء يمكن تطبيقه على ما ينافي الاتفاق ، والآن فلسنا بصدد دعوى ذلك لنحققه بل بصدد بيان بطلان قوله « لا خلاف » ومن أنه لم يأت بدليل على الإجماع أكثر من إيراد عبارتين أو ثلاثة لبعض أصحابنا ورواية أو روايتين من الحديث وليس من الدلالة على الإجماع في شي‌ء ، بل لو كانت دعواه ترجيح أحد المذهبين لم يقم ما ذكره دليلا على مدعاه لأن قول رجلين أو ثلاثة في أصحابنا ليس بدليل ، وخبر الواحد بمجرده قد يمنع دلالته ومع تسليمها فمع الخلو عن المعارض ، والمعارض وهو ما علم من أنها فتحت في زمن الثاني وقد سلمه ـ معلوم وإذن علي عليه‌السلام (٣) غير معلوم ، وليس حمل الخبر على ما يقتضي الإذن أولى من حمله على التقية للجزم بأنها فتحت في غير زمن الامام الظاهر اليد ، وكلام الشيخ يدل على أن عدم الاذن محقق وسيأتي.

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٦٣.

(٢) الصحيح المتواترات.

(٣) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٥ ـ حديث : ٢٦ ـ ٤٠٤ ـ باب ٣٩ في الزيادات.

٧٨

وأعجب من ذلك أن العلامة في المنتهى (١) والتحرير (٢) نقل عن الشيخ ما يدل على أنها من الأنفال فأسقطه حتى أورد الكلامين ، وأورد هو قول الشيخ في المبسوط (٣) وجعل آخره إيرادا ثم أجاب عنه بكلام رث ركيك لا يفوه به متأمل وحيث كانت هذه المسألة من المهمات علما وعملا ونقضا وجب إيضاحها على وجه لا يبقى معه اشتباه ، فنقول وبالله التوفيق : ثبت بما لا غبار عليه أن الثاني بعث عسكرا فتح العراق وولي الأمر عندنا وهو علي عليه‌السلام حينئذ مقهور اليد عامل بالتقية متابع خوفا على نفسه للثاني لا يشك فيها أحد من علمائنا ، ومن المعلوم أن عليه‌السلام عند الثاني في ظاهره وعند من يدين بإمامته من الرعية ، لا حكم له من حيث الإمامة ولا أمر ولا إذن ولا غير ذلك وهذا مقطوع به أيضا ، فالغنيمة التي غنمها العسكر غنيمة عسكر ليس من قبل إمام عادل عندنا فهي من الأنفال على الرواية المشهورة بين الأصحاب ، (٤) وقد أسلفناها وما يدل على شهرتها ونقل الإجماع عليها ، فالعراق حينئذ من الأنفال ولا يحتمل أن يكون بحكم المفتوحة عنوة إلا على أحد أمرين.

( الأول ) كون العسكر أتى بإذن ولي الأمر وهو غير معلوم والأصل عدمه ، بل لو قيل إنه ثابت العدم أمكن لأنه إعانة على اشتهار إمامته وعموم رئاسته وهو إغراء بالقبيح لا يليق من المعصوم إلا على وجه لا يخلو من نظر هو أن ذلك أخف ضررا مع اشتهار اسم الإسلام من البقاء على الكفر ، ولا يخفى على المتأمل ما فيه ، ومما يؤيد عدم تحقق الاذن ويؤكده أمور ستسمعها إن شاء الله تعالى ، ولنورد منها هنا شيئا واحدا هو أن السيد الفاضل الكامل العالم العامل علي بن

__________________

(١) منتهى المطلب ـ ج ١ ـ ص ٥٥٣ ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ الطبعة الحجرية.

(٢) تحرير الأحكام ـ ج ١ ـ ص ١٤٣ ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.

(٣) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ ص ٣٤ ـ كتاب الجهاد.

(٤) تهذيب الأحكام ـ ج ٧ ـ ص ١٥٢ ـ حديث ٢٣ ـ ٦٧٤ ـ من باب ١١ في أحكام الأرضين.

٧٩

عبد الحميد الحسيني قدس الله سره قال في شرحه الذي بلغ فيه الغاية وتجاوز فيه النهاية للنافع وظاهره أنه حكاية عن شيخه فخر الدين رحمه‌الله ما هذا لفظه : وأما العراق فقيل فتح عنوة فهو للمسلمين كافة لا يباع ولا يوقف ولا يوهب ولا يملك لأن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا مع الجيش وفتح بإذن علي عليه‌السلام ، وقيل لم يفتح عنوة لأن الفتح عنوة هو الذي يكون بحضور الإمام أو نائب الإمام أو إذن الامام وليس شي‌ء من ذلك معلوما ، وكذا قولهم أن الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا مع الجيش أيضا غير معلوم فلا يكون مفتوحا عنوة فيكون للإمام عليه‌السلام وهو المفتي به ، وكذا قال والده (١). الى هنا كلامه رحمه‌الله.

أقول : ولم أقف على حديث أعتمد عليه ولو خبر واحد في أنه عليه‌السلام أذن في ذلك ، والأصل والظاهر متطابقان على عدمه ، فيكون منفيا وعلى كل تقدير فائدة الإجماع الذي ادعاه مع التصريح بالخلاف كما سمعته.

( الثاني ) الشك في مقتضى الرواية وليس بمتوجه لما قررنا سابقا ، ولا ورد عبارات بعض الأصحاب في هذا الباب.

قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : وأما أرض السواد فهي الأرض المفتوحة من الفرس الذي فتحها عمر وهي سواد العراق فلما فتحت بعث عمر عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال وعثمان بن حنيف ماسحا ، فمسح عثمان الأرض. واختلفوا في مبلغها ، فقال الساجي اثنان وثلاثون ألف ألف جريب ، وقال أبو عبيدة ستة وثلاثون ألف جريب وهي ما بين عبادان والموصل طولا وبين القادسية وحلوان عرضا ، ثم ضرب على كل جريب نخل ثمانية دراهم والرطبة ستة والشجر كذلك والحنطة أربعة والشعير درهمين وكتب الى عمر فأمضاه. وروي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم

__________________

(١) لم يتوفر لدينا شرح الحسيني على المختصر.

٨٠