السراج الوهّاج

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]

السراج الوهّاج

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٢

سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله عزوجل ولمن يعمرها (١).

والجواب أنّه محمول على أرض الخراج أو على أنّ المحيي أحقّ ما دام يقوم بعمارتها وأداء حقّها من مالكها إذ أراد خرابها لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ـ الى أن قال ـ : وعن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة فيستخرجها ويكري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه؟ فيها الصدقة. قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : فليؤدّ إليه حقّه. (٢) الى هنا كلامه ، (٣) وهو كلام فقيه متمكّن في فقه عالم بأغواره فطن في دقائقه ، وذلك لأنه حيث علم أنّ كلام الشيخ رحمه‌الله مركب من دعويين : أحدهما جواز التصرّف وهو موافق لمذهب الشيخ ، وعدم دفع الطسق ، وظاهرهما أنها تخرج عن ملك المالك وهو مخالف لمذهب الشيخ ، وكلام ابن إدريس يقتضي المنع من التصرّف مطلقا وهو مخالف لمذهب الشيخ والتقي والقاضي وهو ـ أعني العلّامة ـ مختار مذهب الشيخ. استدلّ أولا على صحّة دعواه من جواز التصرّف وهو مشترك بينه وبين التقي والقاضي ردّا على ابن إدريس بقوله : إنّه أنفع للمسلمين وأعود عليهم فكان سائغا ، قال : وأيّ عقل يمنع من الانتفاع بأرض ترك أهلها عمارتها .. (٤) متعجّبا من قول ابن إدريس بالمنع ، وأردفه بقوله : وإيصال أربابها حقّ الأرض (٥) إذ لا عجب من

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ص ٢٧٩ ح ٢ ، التهذيب : ج ٧ ص ١٥٣ من باب ١١ من أحكام الأرضين ـ والحديث ٢١ ـ ٦٧٢ من المسلسل في ج ٧ وفيهما اختلاف.

(٢) تهذيب الأحكام : ج ٧ ص ١٤٨ من باب ١١ من أحكام الأرضين ـ حديث ٧ ـ ٦٥٨ ـ الاستبصار : ج ٣ ص ١١٠ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) مختلف الشيعة ـ ج ١ ـ ص ٣٣٢ ـ كتاب الجهاد ـ في حكم أرض أسلم صاحبها مع اختلاف يسير ـ وهذا آخر ما نقل عن المختلف في هذه المسألة هنا.

(٤) مختلف الشيعة ـ ج ١ ـ كتاب الجهاد ـ ص ٣٣٢.

(٥) مختلف الشيعة ـ ج ١ ـ كتاب الجهاد ـ ص ٣٣٢.

٤١

المنع إذا لم يصل المالك نفع لأنها ملكه ، ومجرّد ترك العمارة ليس من الأسباب الناقلة للملك عن مالكه قطعا ، بل الأعراض بقصد عدم للملك لا يخرج الملك عن المالك وإن كان الملك حيوانا يخرج الى الامتناع كالصيد ، وقد صرّح به الأصحاب في محلّه مستدلّين بعدم تحقّق سبب الإزالة شرعا فكيف بغيره ، ثم أكّد الاستدلال بتضافر الروايات ، وأورد منها روايتين. فبطل مذهب ابن إدريس فصار الحال مشتركا بين الشيخ والتقي والقاضي إلّا ما يفهم من إطلاق قوله في الرواية « وكان للمسلمين » والمراد ليس إلّا مال القبالة وأطلق اللفظ لذلك. وأيضا فدليل ابن إدريس لا غبار عليه لولا الشهرة التي عضدت خبر الواحد بجواز الانتفاع ، ولا تصريح في الروايات بخروج الملك عن المالك لإمكان حمل ما يحتمل منها ذلك على النماء والارتفاع ، فدليله بالنسبة إلى بقاء الملك لا معارض له أصلا ، ويؤيّده ما دلّ من الروايات على لزوم أنّه إن قال قائل : إذا كان الأمر في أموال الناس ما ذكرتم من لزوم الخمس فيها وكذا الغنائم وكان أحكام الأرضين ما بيّنتم من وجوب اختصاص التصرّف فيها بالأئمة عليهم‌السلام ، إما لاختصاصهم بها كالأنفال أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم مثل أرض الخراج فيجب أن لا يحلّ لكم منكح ولا تخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه. قيل له : إن الأمر وان كان كما ذكرت من اختصاص الأئمة عليهم‌السلام بالتصرّف في هذه الأشياء فإن لنا طريقا الى الخلاص ، ثم أورد الحديث التي وردت بالإذن للشيعة في حقوقهم عليهم‌السلام حال الغيبة ـ ثم قال : ـ إن قال قائل إن ما ذكرتموه إنما يدلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين ولا يدلّ على صحّة تملّكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتهما لا يصحّ ما يتفرّع عليهما. قيل له : قد قسمت الأرضين على ثلاثة أقسام : أرض يسلم أهلها عليها فهي ملك لهم يتصرّفون فيها ، وأرض تؤخذ عنوة وتصالح أهلها عليها وقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين وهذا

٤٢

القسم أيضا يصحّ الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ، وأمّا الأنفال وما يجري مجراها فليس يصحّ تملّكها بالشراء وانما أبيح لنا التصرّف حسب (١). ثم استدلّ على حكم أراضي الخراج برواية أبي بردة بن رجا السابقة (٢) الدالّة على جواز بيع آثار التصرّفات دون رقبة الأرض ، وهذا كلام واضح السبيل وجهه من حيث المعنى أن التصرّف في المفتوحة عنوة إنما يكون بإذن الامام ، وقد حصل منهم الاذن لشيعتهم حال الغيبة ، فيكون آثار تصرّفهم محترمة بحيث يمكن ترتّب البيع ونحوه عليها ، وعبارة شيخنا في الدروس (٣) أيضا يرشد الى ذلك حيث قال : ولا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام عليه‌السلام سواء كان بالوقف أو غيرها ، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك. وأطلق في المبسوط (٤) أنّ التصرف فيها لا ينفذ أي لا يقيّد بحال ظهور الامام ولا عدمه ، ـ ثم قال ـ وقال ابن إدريس (٥) إنما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرّفنا لا نفس الأرض ، ومراده بذلك أنّ ابن إدريس أيضا أطلق جواز التصرّف في مقابل إطلاق الشيخ عدم جوازه ، والصواب التقييد بحال الغيبة لينفذ ، وعدمه بعدمه ، وهذا ظاهر بحمد الله. الى هنا كلامه.

يقول الفقير الى الله المنّان إبراهيم بن سليمان : إن هذا التنبيه الثاني من كرامات القرن العاشر حيث أظهر أنّ من يسعى بالعلم ويوصف به ويجلس منتصبا للفتوى يبسط مثل هذا في مصنف ، وليس أعجب من ذلك إلّا سماع أهل القرن لهذا التأليف من غير أن ينكره منكر منهم إنكارا يروع مثل هذا المؤلّف أن يؤلّف مثله ، ولا أعرف جوابا من هذين إلّا ما قاله عليه‌السلام : إن

__________________

(١) نقل قول الشيخ بالمعنى ، راجع التهذيب ج ٤ ص ١٤٥ و١٤٦ ـ من باب ٣٨ ـ في الزيادات.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٤ ـ ص ١٤٦ ـ حديث ٢٨ ـ ٤٠٦ باب ٣٩ في الزيادات.

(٣) الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية ـ ص ١٦٣ ـ كتاب الجهاد ـ في آخر « درس في اللواحق » ـ ط افست ـ قم.

(٤) المبسوط في فقه الإمامية ج ٢ ـ ص ٢٨ ـ كتاب الجهاد ـ في حكم ما يغنم وما لا يغنم ـ ط الحيدرية ـ طهران.

(٥) السرائر ـ كتاب الزكاة ـ ص ١١٠ ـ ط الحجرية ـ طهران.

٤٣

الله لا يفيض العلم انتزاعا (١) .. إلخ. وها أنا ذا انفة على الدين ورعاية للحجج والبراهين أبيّن ما فيه على وجه يظهر لكلّ متأمّل.

قوله : نفوذ هذه التصرّفات التي ذكرناها إنما هو في غيبة الإمام عليه‌السلام أما في حال ظهوره فلا ، لأنه إنما يجوز التصرّف فيها مطلقا بإذنه ، وعلى هذا فلا ينفذ شي‌ء من تصرفات المتصرّف فيها استقلالا (٢).

أقول : لا خفي أنه أراد بالتصرفات التي أشار إليها البناء والغرس ونحو ذلك ، ولا شبهة في أن نفوذه على معنى كون البيع مثلا يصح فيه لا يتعلق بظهور الامام ولا غيبته لأن علّة النفوذ كون الآثار المذكورة مملوكة للمتصرف وهي أعيان لا يخرج عن ملكه الا بسبب شرعي ، وهذا لا يختلف الأمر فيه بين غيبة الامام وظهوره ، وهذا المؤلف قد سلم ذلك حيث علل في التنبيه الأول الجواز بقوله « قلت : هذا واضح لا غبار عليه يدل عليه ما تقدم من قول الصادق عليه‌السلام : اشتر حقه فيها (٣) وأنه محرم لم يخرج عن ملك مالكه شي‌ء من الأسباب الناقلة فيكون قابلاً لتعلق التصرفات ». فانظر أيها المتأمل الى تناقض كلام هذا الرجل وخبطه وعدم ضبطه ثم لا يرضى أن يتأخر حيث أخره القدر ، بل لا يزال يدعي الفضل والعلو فيه ، لكن هذا من ذاك كما في المثل السائر : السفينة في الدجلة كالملاح ، وقوله في التعليل « لأنه إنما يجوز التصرف فيها بإذنه مطلقا فلا ينفذ شي‌ء من تصرفات المتصرف فيها استقلالا » كلام غير مربوط لأن عدم جواز التصرف لا يقتضي عدم جواز آثار التصرف ، فإن الغاصب لو غرس أو بنى جاز مع غرسه وبنائه ولا يزيد مرتبة ، هذا عن كون غاصبا. ثم إن كلامه هذا يبطله

__________________

(١) بحار الأنوار ـ ج ٢ ـ ص ٨٣ ـ كتاب العلم حديث ٨ من الباب ١٤ ـ نقلا عن تفسير العسكري ( عليه‌السلام ) وفي المصدر لا يقبض ، بدل : لا يفيض.

(٢) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٦ ضمن حديث من باب ٣٩ في الزيادات ـ حديث ٢٨ ـ ٤٠٦ وفيه اختلاف يسير.

٤٤

ما صرح به العلامة في المنتهى (١) وغيره من الأصحاب من إطلاق جواز بيعها تبعا لآثار التصرف من غير تعيين لكون التصرف وقع مباحا أم لا ، والروايات صريحة بذلك أيضا ، وفي بعضها عن علي (٢) عليه‌السلام هكذا : رفع اليه رجل اشترى أرضا من أرض الخراج .. إلخ فكيف [ تكون ] مخصوصة بحال الغيبة؟ والدليل الشرعي الذي قدمناه وسلمه هو يؤيد ذلك ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

قوله : وقد أرشد الى هذا الحكم كلام الشيخ في التهذيب (٣) .. إلخ (٤).

أقول : ليت شعري كيف أرشد كلام الشيخ في التهذيب الى ما ذكره ، ثم ليت شعري ثانيا وثالثا كيف وكلام الشيخ الأول إنما وقع لفائدة جواز نفي التصرف على معنى عدم تحقق الإثم فيه وليس من البيع والشراء ونحوهما في شي‌ء ، وقد صرح به عند استيفاء الاستدلال على إباحة غير الأرضين بقوله : وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فأنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام مستترا ، فاذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه ، فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين (٥). فانظر كيف ساوي في الأمر أرض الخراج وبالأنفال؟ فلو لا أن المراد بالتصرف هو نفس الانتفاع لافترقا لافتراقهما في الأحكام بالنسبة إلى البيع ونحوه كما لا يخفى ، وسيأتي من المؤلف ما يدل عليه ومما يؤيد ما ذكرناه ويزيده بيانا أن الشيخ لما استوفى غرضه من بيان جواز التصرف بالانتفاع قال « فإن قال قائل : إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين ولم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فاذا لم يصح الشراء

__________________

(١) منتهى المطلب ـ ج ٢ ـ ص ٩٣٦ ـ كتاب الجهاد ـ ط الحجرية.

(٢) وسائل الشيعة ـ ج ١١ ـ ص ١١٩ ـ حديث ٦ ـ باب ٧١ ـ كتاب الجهاد.

(٣) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٧.

(٤) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٤.

(٥) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٣ ـ ٢٤ ـ ٤٠٢ ـ باب ٣٩ في الزيادات.

٤٥

والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك (١). قلت : وهذا صريح في أن ما تقدم ليس إلا في إباحة نفس التصرف ولهذا بقوله « إنما » الدالة على الحصر ، ثم لم يجب بأن البيع ونحوه يجوز في زمن الغيبة بل أجاب بما نقله عن المؤلف ، وحاصله جواز البيع والشراء في الأرض التي أسلم عليها طوعا ، وجواز بيع أرض العنوة والصلح لان المبايع (٢) فيها سهما لأنها أراضي المسلمين فيجوز بيعه وشراؤه على هذا الوجه وعدم جواز بيع أراضي الأنفال بل يجوز التصرف فيها حسب ، ولا يخفى على من له تأمل ومسكة من عقل النظر أن ما ذكره الشيخ لا يدل على مدعى هذا المؤلف بأحد الدلالات ولا ينطبق عليه لأن الشيخ علل أو لا إباحة التصرف بالجواز حال الغيبة وليس من المدعى المراد في شي‌ء ، وعلل جواز البيع والشراء بقرار الملك فيما أسلم أهله عليه وبالشركة في أرض المفتوحة عنوة ، فلا مدخل لظهور الامام ولا غيبته بوجه من الوجوه ، ولا أعرف من أين تخيل لهذا المؤلف كون كلام الشيخ يرشد الى ما ذكره!! وقول المؤلف « ثم استدل على حكم الخراج برواية أبي بردة » كلام لا يرتبط بالمقصود أصلا لأن رواية أبي بردة عامة بالنسبة إلى الظهور والغياب والى كون التصرف فيها جائزا وغير جائز ، وكون المتصرف شيعيا وغير شيعي ، فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى كلام هذا الرجل تجد العجب العجاب. وقد أجببت أن أورد كلام الشيخ في التهذيب من أوله الى آخره تبركا وتيمنا وتعريفا يخرج من الإجمال إلى التفصيل وينتبه الناظر على سواء السبيل. قال رحمه‌الله (٣) « فان قال قائل : إذا كان الأمر في أموال الناس ما ذكرتم من لزوم الخمس فيها وكان أحكام الأرضين ما بينتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة عليهم‌السلام إما لأنها مما يختصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأراضي التي ينجلي

__________________

(١) إلى هنا كلام الشيخ في التهذيب ج ٤ ، ص ١٤٥.

(٢) والصحيح للبائع.

(٣) راجع التهذيب : ج ٤ من ص ١٤٢ الى ص ١٤٧.

٤٦

أهلها عنها ، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم مثل أرض الخراج وما يجري مجراها ، فيحب أن لا يحل لكم منكح ولا يتخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه وسبب من الأسباب قيل له : إن الأمر وإن كان على ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة عليهم‌السلام بالتصرف في هذه الأشياء فإن لنا طريقا الى الخلاص مما ألزمتمونا. أما الغنائم والمتاجر والمناكح وما يجري مجراها مما يجب للإمام فيها الخمس فإنهم عليهم‌السلام قد أباحوا ذلك لنا وسوغوا التصرف فيه وقد قدمنا فيما مضى ذلك ، ويؤكده أيضا ما رواه سعد ابن عبد الله عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عمارة عن الحارث بن مغيرة البصري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم؟!! وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيدينا فليبلغ الشاهد الغائب (١). وعنه عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل (٢). وما رواه محمد ابن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي الوشاء عن القاسم بن يزيد عن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم ، قال : قلت : جعلت فداك ما أول النعم؟ قال : طيب الولادة ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلي نصيبك من ألفي لآباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا (٣). وما رواه محمد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٣ باب ٣٩ الزيادات حديث : ٢١ ـ ٣٩٩.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٣ باب ٣٩ الزيادات حديث : ٢٢ ـ ٤٠٠ ، الفقيه : ج ٢ ص ٤٤ ح ١٦٦٠ ، وفيهما اختلاف.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٣ باب ٣٩ في الزيادات حديث : ٢٣ ـ ٤٠١.

٤٧

ابن الحسن الصفار عن الحسن بن الحسن ومحمد بن علي وحسن بن علي بن يوسف جميعا عن محمد بن سنان عن حماد بن طلحة صاحب السابري عن معاذ كثير بياع الأكسية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف ، فاذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به. فاما الأرضون فكل أرض تعين لنا أنها مما قد أسلم أهلها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم والمعاوضة وما يجري مجراها ، وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام مستترا ، فاذا ظهر يرى وفي ذلك رأيه فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين (١) وقد قدمنا ما يدل على ذلك ، والذي يدل عليه أيضا ما رواه سعيد بن عبد الله عن أبي جعفر عن الحسن بن محبوب عن عون بن يزيد قال : رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل الى أبى عبد الله عليه‌السلام مالا في تلك السنة فرده عليه ، فقلت له : لم رد عليك أبو عبد الله عليه‌السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال : إني قلت حين حملت إليه المال أني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أحبس عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعلها الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : وما لنا من الأرض لها وما أخرج الله منها إلا الخمس ، يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ، قال : قلت له : أنا أحمل إليك المال كله ، فقال لي : يا أبا سيار الأرض قد طيبناه لك فضم إليك مالك ، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ، محلل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة (٢) وما رواه محمد

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٣ ـ ١٤٤ باب ٣٩ الزيادات وفيه اختلاف ومسلسل الحديث ٢٤ ـ ٤٠٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ج ٤ ص ١٤٤ باب ٣٩ الزيادات حديث ٢٥ ـ ٤٠٣ وفيه اختلاف يسير قال معلق كتاب التهذيب : في

٤٨

ابن علي محبوب عن محمد بن الحسين بن محبوب عن عمر بن يزيد قال : سمعت رجلا من أهل الجبال يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها وأكرى نهرها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤديه الى الامام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه (١). وما رواه علي بن الحسن بن فضال عن جعفر بن محمد بن حكيم عن عبد الكريم بن عمر الخثعمي عن الحارث البصري قال : دخلت على أبي جعفر فجلست عنده فأذن نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال : يا نجية : سلني فلا تسألني اليوم إلا أخبرتك به ، فقال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان فقال : يا نجية لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال ، هما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا ودمائنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، وان الناس يتقلبون في حرام الى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، فقال نجية : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ثلاث مرات ، هلكنا ورب الكعبة ، فرفع فخذه عن الوسادة واستقبل القبلة ودعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعنا في آخر دعائه يقول : اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا ، قال : ثم أقبل إلينا بوجهه وقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا. فان قال قائل : إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين ولم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فاذا لم

__________________

الكافي هكذا « طسق ما كان في أيديهم ، وأما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم .. إلخ » ولعله سقط من قلم الناسخ في التهذيب وإلا فهو أنسب في المقام ، انتهى كلام معلق التهذيب.

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٥ باب ٣٩ الزيادات حديث : ٢٦ ـ ٤٠٤ وفيه اختلاف يسير.

٤٩

يصح الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك ، قيل : قد قسمنا الأرض فيما مضى على ثلاثة أقسام : أرض يسلم أهلها عليها فهي تترك في أيديهم وهي ملك لهم ، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها وبيعها ، وأما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين ، فهذا القسم مما يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ، وأما الأنفال وما يجري مجراها فليس تصح تملكها بالشراء وإنما أبيح لنا التصرف حسب. والذي يدل على القسم الثاني ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى قال : حدثني أبو بردة بن رجا قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف تراني شراء أرض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك في أرض المسلمين؟ قال : قلت يبيعها الذي في يديه ، قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال : لا بأس اشتر حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليه وأمين بخراجهم منه (١). وروى علي بن الحسين بن فضال عن إبراهيم بن هشام عن حماد بن عيسى عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى قال : ليس به بأس ، قد ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل خيبر فخارجهم على أن تترك الأرض بأيديهم يعملونها ويعمرونها فلا أدى به بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا ، وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم (٢). وعنه عن علي بن حماد عن حريز عن محمد ابن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن ذلك فقال : لا بأس بشرائها ، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم يؤدى عنها كما يؤدي

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٦ ـ باب ٣٩ في الزيادات ـ حديث : ٢ ـ ٤٠٦ ، وفيه اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه ـ ج ٣ ـ كتاب المعيشة ـ باب احياء الموات والأرضين ـ ص ٢٣٩ ـ حديث : ٣٨٧٦ ، وتهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٦ ـ باب ٣٩ في الزيادات حديث : ٢٩ ـ ٤٠٧ ، وفيها اختلاف يسير.

٥٠

عنها (١). وعنه عن علي بن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن أبي زياد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض الجزية قال : فقال : اشترها فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك (٢). وبهذا الاسناد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كان كذلك كنتم الى أن تزادوا أقرب منكم الى أن تنقصوا (٣). وبهذا الاسناد عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : رفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا وعليه ما علينا مسلما كان أو كافرا له ما لأهل الله وعليه ما عليهم (٤).

يقول الفقير الى الله المنان إبراهيم بن سليمان : الى هنا كلام الشيخ في التهذيب (٥) ولا يخفى على ناظرة أنه قد اشتمل على أمرين : ( الأول ) إباحة التصرف للشيعة في الخمس والأراضي الى يقوم قائم آل محمد عليهم‌السلام. ( الثاني ) إباحة البيع والشراء للأراضي من غير تقييد بزمن الغيبة ولا يكون البائع شيعيا بل ولا مسلما ولا بكون البيع يختص بآثار التصرف ، نعم ربما فهم منهما سواء له الاختصاص لكن بتوجه ( بتوجيه ظ ) لأن الجواز مطلقا يقتضي الجواز للشيعة في جملة من يجوز لهم. والدليل دل على الجواز مطلقا فلا شبهة ، وها هو قد تجلى لناظره ، فليطالعه بعين البصيرة ، وقد اشتمل على أحكام وأنظار لولا الخروج عن المقصود لأشرنا إليها.

قوله : ووجه من حيث المعنى أن التصرف في المفتوحة عنوة انما يكون بإذن الامام ، وقد حصل منهم الإذن لشيعتهم حال الغيبة فتكون آثار تصرفهم محترمة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ـ ج ٤ ـ ص ١٤٧ ـ باب ٣٩ في الزيادات ـ حديث : ٣٠ ـ ٤٠٨ وفيه اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٧ باب ٣٩ الزيادات حديث : ٣١ ـ ٤٠٩ وفيه اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٤ باب ٣٩ الزيادات حديث : ٣٢ ـ ٤١٠ وفيه اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٧ باب ٣٩ في الزيادات حديث : ٣٢ ـ ٤١٠ وفيه اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ج ٤ من ص ١٤٢ الى ص ١٤٧.

٥١

بحيث يمكن ترتب البيع ونحوه (١).

أقول : هذا كلام في نهاية الركاكة والسقوط عن درجة الاعتبار لا يخرج من لحيي متأمل ، وذلك أن مطلوب المؤلف كما هو ظاهر منه صريح أن التصرف بالبيع ونحوه تبعا للآثار إنما يصح زمان الغيبة ، فلا يصح إثباته إلا بأمرين : الصحة مع الغيبة ، وعدم الصحة لا معها ، وكلامه هنا دلالته على الصحة زمن الغيبة فلا يصح دليلا على المدعى ، على أن المقصود بالذات تخصيص الصحة بزمن الغيبة لأن الصحة قد ثبتت على جهة العموم بما مضى من الأدلة ، وأشار إليه أيضا من الأحاديث ، ولا دلالة فيما ذكره عليه أصلا ، هذا والصحة لا تتوقف على إباحة الإذن كما قررناه سابقا ونبهنا على أنه أشار إليه فيما سبق أيضا فلا مدخل لتوسط قوله : إن التصرف انما يكون بإذن الإمام (٢) فهذا الكلام عند التأمل لا حقيقة له ، ويحسن التمثيل فيه بقوله تعالى « وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى » (٣).

قوله : وكلام شيخنا في الدروس أيضا يرشد الى ذلك. (٤).

أقول : ظاهر كلامه في الدروس (٥) غير مقيد بآثار التصرف وحمله عليه تكلف غير حسن ، وقد أشرنا إليه سابقا ، وفي خلال كلام الشيخ في التهذيب ما يدل عليه.

قوله : وأطلق في المبسوط (٦) أن التصرف لا ينفذ أي لا يقيد بحال الظهور ولا عدمه (٧).

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

(٢) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

(٣) طه : ٦٩ :

(٤) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

(٥) الدروس : كتاب احياء الموات ص ٢٩٢ ـ ط الحجرية ـ قم.

(٦) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ ص ٢٩ ـ كتاب الجهاد.

(٧) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

٥٢

أقول : مسلم أنه أطلق ، لكن مراده بالإطلاق عدم النفوذ على الاستقرار لا عدم نفوذ البيع تبعا لآثار التصرف لأن ذلك جائز لا يختلف فيه أحد من الأصحاب فيما علمته.

قوله : ثم قال : وقال ابن إدريس (١) : « إنما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرفنا لا نفس الأرض » ، ومراده بذلك أيضا أن ابن إدريس أطلق جواز التصرف في مقابل إطلاق الشيخ ( رحمه‌الله ) عدم جوازه (٢).

أقول : أسند إلى نفسه بصيغة الجمع والى أهل زمنه ظاهر أو هو زمن الغيبة فلا إطلاق بالنسبة إليها ولو شوحح في ذلك مع فساد المشاحة كما لا يخفى ، قلنا : ظاهر كلامه فيما سوى الأرض وظاهر الشهيد الإطلاق وإلا لم يكن لا يراده قول ابن إدريس « لا نفس الأرض » فائدة ، وكلام الشهيد يقتضي نفوذ التصرف مطلقا في الغيبة ، وكلام الشيخ يقتضي المنع ، وكلام ابن إدريس يقتضي تخصيص الجواز بما سوى نفس الأرض ، فمن أين علم أن كلام الشهيد يرشد الى كون البيع لآثار التصرف مخصوص بالغيبة مع أنه خلاف ظاهره كما حررناه وأزلنا اللبس عنه والحمد لله.

قوله : في المقدمة الثالثة في بيان أرض الأنفال والآجام وبطون الأدوية ورءوس الجبال (٣).

أقول : لا نقض يتعلق بهذا إلا أن فيه نكتة أحببت الإشارة إليها حيث أهملها ، إما لاختياره الإطلاق كغيره أو لغير ذلك ، وهي أن المراد بما ذكر كل ما كان كذلك أو ما كان في ملكه أعني ما ليس في يد مسلم من الأرض التي أسلم

__________________

(١) السرائر ـ كتاب الزكاة ص ١١٠ ـ الطبعة الحجرية في طهران.

(٢) راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

(٣) إلا أنه ( قده ) ذكر هذا الأمر في المقدمة الثالثة راجع خراجيته (ره) ، ص ٥٥.

٥٣

أهلها عليها طوعا وجهان في قوة التعادل. قال العلامة في المختلف لما نقل القولين : والأقرب الإطلاق. لنا ما رواه محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول : الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من أرض خراب أو بطون أو دية فهذا من الفي‌ء ، والأنفال لله وللرسول ، فكما كان لله فهو للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يضعه حيث يجب (١). وما رواه محمد بن مسلم أيضا بسند آخر عن الباقر عليه‌السلام وفي حديث سماعة بن مهران وقد سأله عن الأنفال ـ الى أن قال ـ الطسق للمالك والشهرة عليه (٢) (٣). فيتعين الحمل على ما ذكرناه فتم الاستدلال والرد ، ثم احتج لهما بما هو دليلهما ولا إشكال ولا شك في دلالته على مطلوبهما والتئامه مع مقالتهما لأن الرواية دلت على أن من عمر أرضا خربة لها مالك يكون له وليس للمالك إذا طلبها أن ينزعها منه ، فدلت بعمومها على أرض من أسلم أهلها عليها طوعا مع خرابها لدخولها تحت اسم الأرض الخربة ونظائرها على خروجها عن ملكه ، ولهذا احتاج العلامة إلى حملها على ما ذكره ، ولو لا ظهور دلالتها على الدعوى لم يحتج الى الحمل ، فإن الحمل لا يكون إلا ممن يريد خلاف ظاهر المحمول ، وهذا واضح ثم أورد سندا على حمله ما هو بعينه صالح للاستدلال على شق كلام الشيخ الثاني الذي هو الفتوى المشهور بين أصحابنا ، فتم مطلوبه ودليله ، ولم يقصر عن مدعاه ولا أورد إلا ما هو دليل منتج للمدعي. فانظر أيها المنصف كيف اجترأ هذا الرجل على إمام المجتهدين وعماد الدين حتى قال : ثم احتج لهما برواية لا تدل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٣٣ حديث : ٤ ـ ٣٧٠ من باب ٣٨ في الأنفال وص ١٤٩ حديث : ٣٨ ـ ٤١٦ ـ من باب ٣٩ في الزيادات.

(٢) وسائل الشيعة ـ ج ١٣ و ـ ص ٢٢ ـ حديث ٨ ـ باب ١١ من أبواب بيع الثمار الا انها تغاير ما في الكتاب بتفاوت يسير ولعله نقل بالمعنى.

(٣) مختلف الشيعة ـ ج ١ ـ ص ٢٠٦ ـ المقصد السادس من كتاب الزكاة في الخمس ـ الفصل الثالث في الأنفال ـ مع تفاوت

٥٤

على مطلوبهما بل ولا تلتئم مع مقالتهما (١). فاذا كان هذا قوله في هذا الرجل الذي هو علم التحقيق والتدقيق فكيف لا يشنع على غيره ووجب أن يتمثل بهما بقول الشاعر :

وكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

وأي شناعة على العالم أكبر من أنه لا يفهم عدم انطباق الدليل على المدعى حتى يستدل بما يدل ولا يلتئم مع المداول. وليت شعري كيف توهم أن الدليل لا يدل ولا يلتئم ، فإن كان سببه ذكر الغياب في الرواية فلا يخفى قصوره لأنه قال وتركها وأخربها. فالعلة هي الترك والخراب ولو شوحح بأن الرواية دلت على أن العلة المجموع ، والتقي والقاضي زعما أن العلة الخراب مطلقا ، أجبنا بوجهين ( أحدهما ) أنه لا قائل بمدخلية الغياب مع الخراب ، فاعتباره خارج عن الأقوال ، فخصوصية قيد الغياب ملغى بلا خلاف ، وحينئذ فذكره في السؤال وقع للتنبيه على سبب الخراب نظرا الى الغالب لا أنه شرط. ومثل هذا كثير في الروايات يعلمه من طالعها. ( وثانيهما ) أن الغيبة هنا محمولة على عدم ملاحظته ومراعاته ، فان مثل ذلك يسمى غيبة ، فإن من توجه إلى شي‌ء ببدنه ولم يكن متوجها إليه بقلبه يقال أنه غائب القلب عنه. أقول : وبنحو هذا الخيال الواهي تحيري على مثل هذا الفاضل بأنه يستدل على ما يدل على المطلوب ولا يلتئم مع المقالة ، وليس لقائل أن يقل إن العلامة حاك ، فالقصور في استدلال التقي والقاضي لأنه سلم الدلالة وأجاب عنها بالحمل ، ولو لم يكن الدليل دالا كان سوء الفهم منسوبا إليه ، وحاشاه بل حاشاهما أيضا منه ، فانظر أيها الناظر سمت الحق متجنبا لغيره « وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ » (٢).

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ص ٤٣.

(٢) ص : ٢٦.

٥٥

قوله : في خلال كلامه وكلام شيخنا الشهيد في الدروس قريب من كلامهما فإنه قال يقبلهما الامام بما يراه ويصرفه في مصالح المسلمين وابن إدريس منع من ذلك كله ، وقال إنها باقية على ملك الأول ولا يجوز التصرف فيها إلا باذنه وهو متروك (١).

أقول : كان الخطأ والسهو لازم هذا الرجل فلا ينفك عنه حتى أنه لو نقل عبارة لم ينقلها صحيحا لا أدري لأي شي‌ء ، فان كان يقول : لأن الرواية تجوز بالمعنى ، قلنا : فلا بد من مراعاة عدم الاختلاف وهذه عبارة الدروس ، فليتأمل هل هي مخالفة لما نقله أو موافقة ، قال : ولو تركوا عمارتها فالمشهور في الرواية أن الامام يقبلها بما يراه ويصرفه في مصالح المسلمين. وفي النهاية يدفع من حاصله طسقها لأربابها والباقي للمسلمين (٢) وابن إدريس منع من التصرف بغير إذن أربابها وهو متروك (٣) ولا شك أن الشهيد في هذه العبارة اقتصر على كون المشهور في الرواية ما ذكره وحكى الطسق عنه النهاية وهي كتاب خبر حذفت أسانيده ، وكأنه أشار الى مقتضى رواية الحلبي السابقة (٤) وذكر قول ابن إدريس وهو المنع من التصرف بغير إذن أربابها وأنه متروك ، وما حكاه المؤلف يفهم منه بغير ارتياب لو كان هو عبارة الدروس أنه مفت بتقبيلها وصرف الحاصل في المصالح من غير إشارة الى غير ذلك إلا قول ابن إدريس ، وقد ذكر أنه متروك ، فأين عبارته مما حكاه؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار وإن أردت زيادة الإيضاح فبين ما نقله ، وبين عبارة الدروس فرق من وجود : ( الأول ) أن عبارته تدل على الفتوى وعبارة الدروس لا تدل عليه بل على أن المشهور في الرواية ذلك. ( الثاني ) أن عبارته لا

__________________

(١) راجع خراجيته (ره) ص ٤٢.

(٢) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ـ كتاب الزكاة ـ ص ١٩٤.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٤٨ ، ومسلسل الحديث : ٧ ـ ٦٥٨ من هذا الجزء ـ باب ١١ ـ في أحكام الأرضين.

(٤) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص ١٦٣ ـ كتاب الجهاد الطبعة الحجرية.

٥٦

إشعار فيها بالإشارة إلى الرواية وهو يدل على عدم قول ما حكاه عن ابن إدريس ، فإذا كان متروكا تعين الحمل به وعبارة الدروس (١) تدل على نقل الخلاف بل الرواية لأن النهاية كتاب خبر في الحقيقة. ( الثالث ) أن عبارته تدل صريحا على نقل بقاء الملك الأول ويفهم منه أن ما سبق يدل على عدمه ، وليس في عبارة الشهيد ما يدل على عدم الملك أصلا ، بل ربما كان في نقله بكلام ابن إدريس إشعار بأنها باقية على الملك على القولين حيث اقتصر على نقل اشتراط الاذن من أربابها. ( الرابع ) أن عبارته تقيد كون البقاء على الملك متروكا لأنه قول ابن إدريس المتروك ، وعبارة الشهيد لا احتمال فيها لذلك ، وكيف يكون البقاء على الملك متروكا وهو فتوى الأكثرين من أصحابنا؟ نعم اشتراط الاذن ـ كما قاله الشهيد ـ متروك ، فهذا كلام من لا يحقق شيئا ، اللهم إلا أن يكون نقل كلام الدروس من حضورها عنده لظنه أنه متوهم لم ينظر هو ولا غيره بعد في ذلك. ومثل هذا التصنيف يجري مجرى التلاعب بالعلوم ونقل أقوال الفقهاء بالخيال الموهوم نعوذ بالله من ذلك.

قوله : المقدمة الثانية في حكم المفتوحة عنوة .. إلخ (٢).

أقول : لا نزاع لنا ولا ورد على حكم المفتوحة عنوة ، فإن حكمها مشهور متداول بين الأصحاب ، وقد ذكر المؤلف عبارة بعضهم بعينها ، نعم لنا في هذا الباب الذي ذكره نكت : ( الاولى ) لم يذكر من حكم المفتوحة عنوة إخراج الخمس منها أو من حاصلها ، بل ظاهره عدم ذلك حيث أطلق الحكم بتقبيلها وإخراج حاصلها فيما ذكر ، ولا وجه حسنا له فإن الله تعالى يقول « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ » (٣) الآية ، وهي عامة ، والشيخ قال في صدر كلامه الذي

__________________

(١) الدروس الشرعية في فقه الإمامية ـ ص ١٦٣ ـ كتاب الجهاد ـ الطبعة الحجرية.

(٢) راجع خراجيته (ره) ص ٤٦.

(٣) الأنفال : ٤١.

٥٧

نقله : والذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة للغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء ويكون للإمام .. (١) إلى آخر ما ذكره عنه. وقال الفاضل ابن إدريس في سرائره : والضرب الثاني من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف ـ بفتح العين ـ وهو ما أخذ عن خضوع وتذلل قال الله تعالى « وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ » (٢) أي خضعت وذلت ، فإن هذه الأرض تكون للمسلمين بأجمعهم المقاتلة وغير المقاتلة ، وكان على الامام أن يقبلها لمن يقوم بعمارها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك ، وكان على المتقبل إخراج ما قبل به من حق الرقبة يأخذه الامام فيخرج منه الخمس فيقسمه على مستحقه والباقي منه يجعل في بيت مال المسلمين يصرف في بيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم من سد الثغور وتجهيز الجيوش (٣) ، وربما أهمل ذلك بعض الأصحاب إنكالا على ما سبق منهم قبل ، فالمنفرد للبحث لا بد وأن يتعرض لذلك لئلا يتوهم عموم الحكم في المفتوحة عنوة بل هو الظاهر خصوصا عند غير العالم بالأحكام الثانية.

قوله : وهذا الحديث وإن كان من المراسيل إلا أن الأصحاب تلقوه بالقبول ولم نجد له رادا وقد عملوا بمضمونه.

واحتج به على ما تضمن من مسائل هذا الباب العلامة في المنتهى (٤) وما هذا شأنه فهو حجة بين الأصحاب (٥).

أقول : ما ذكره لا غبار عليه ، إلا أنه سنورد ما هو أبلع شهرة منه مع أنه رده

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ـ ج ٢ ـ ص ٢٨ ـ كتاب الجهاد ـ فصل في حكم ما يغنم وما لا يغنم ـ مع تفاوت يسير.

(٢) طه : ١١١.

(٣) السرائر ـ ص ١١٠ ـ باب حكم الأرضين ـ الطبعة الحجرية.

(٤) منتهى المطلب ـ ج ١ ـ كتاب الخمس ـ البحث الرابع في الأنفال ـ ص ٥٥٣ ـ المسألة الأولى ـ الطبعة الحجرية.

(٥) راجع خراجيته (ره) ص ٤٨.

٥٨

برد ليس بشي‌ء ومنه أنه مرسل ، فكلامه هنا يكون حجة عليه هناك ، فذكرنا هذا للتنبيه على اختلاف قوليه وعدم ضبطه للقانون وعدم وقوفه بحسب مقتضى الدليل ( الثالثة ) قال في آخر كلامه : بقي هنا شي‌ء وهو أنه ـ يعني الخبر المرسل الذي استدل به ـ تضمن وجوب الزكاة قبل حق الأرض وبعد ذلك يؤخذ أهل الأرض ، والمشهور بين الأصحاب أن الزكاة بعد المؤن ، نعم هو قول الشيخ رحمه‌الله.

وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (١) عليه‌السلام قال : وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بما يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون لا يصح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد ، وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر.

وفي معناه ما رواه أيضا مقطوعا عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر (٢).

أقول : ظاهر إيراده للخبر وما في معناه الاستدلال على كون الزكاة بعد المؤن ولا دلالة في ذلك بوجه من الوجوه إلا بالمفهوم على وجه بعيد كما لا يخفى ولا حجة فيه ، فالاستدلال ساقط والمعتمد في الاستدلال على عدم وجوب الزكاة في مجموع الحاصل كما تضمنه الخبر أن شرط الزكاة ملك النصاب لمالك واحد ، ولا كلام أن ارتفاع الأرض للمسلمين فلا يبلغ نصيب كل واحد منهم قطعا فلا يجب فيه الزكاة لاختلال شرط الوجوب وهو ملك النصاب لمالك متفرد. وبهذا يتم الاستدلال وإن قلنا أن الزكاة تقدم على المؤن ، وما دل على الوجوب في الخبر لا يصح

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١١٩ حديث : ٢ ـ ٣٤٢ ـ من باب ٣٤ ـ باب الخراج وعمارة الأرضين وفيها اختلاف.

(٢) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١١٩. حديث : ١ ـ ٣٤١ ـ باب ٣٤ في الخراج وعمارة الأرضين.

٥٩

الاعتماد عليه إلا بسبب الاعتضاد بالشهرة ، ولا شهرة هنا ، فسقط الاستدلال به على هذا الحكم.

قوله : الثانية : موات هذه الأرض أعني المفتوحة عنوة وهو ما كان وقت الفتح مواتا للإمام ـ عليه‌السلام ـ خاصة لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه إن كان ظاهرا ، ولو تصرف فيها متصرف بغير إذنه كان عليها طسقها ، وحال الغيبة يملكها المحيي من غير إذن ، ويرشد الى بعض هذه الأحكام ما أوردناه في الحديث السابق عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام. وأدل منه ما رواه .. إلخ. وروى الشيخ أيضا عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض اليهود والنصارى فقال : ليس به بأس ـ الى أن قال ـ أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعملوها فهم أحق بها وهي لهم (١) (٢).

أقول : لا نزاع لنا في أن موات المفتوح عنوة من الأنفال يختص به الامام عليه‌السلام ، لكن لنا في كلام المؤلف نكتتان :

( الاولى ) أنه سلم أن المحيي يملكها إذا كان الامام غير ظاهر من غير إذن ولا غبار عليه ، إلا أنه يقول عن قريب في رسالته : إن ما في يد غير الشيعة من ذلك حرام ، وهو خلاف ما سلمه هنا وخلاف ما أقام الدليل عليه هنا من العموم ، وسنشير الى الدليل هناك أيضا بما يظهر به خطاؤه ولولاه لأمكن أن يجاب عنه بأنه أراد الخاص بقرينة ما يأتي من كلامه.

( الثانية ) أنه استدل بخبر محمد بن مسلم (٣) الذي ذكرناه عنه ولا دلالة فيه بل هو دال على ملك المحيي من غير تفصيل ، ولولا خصوص ما دل من

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٤ ص ١٤٦ حديث ٢٩ ـ ٤٠٧ ـ باب ٣٩ في الزيادات ، والفقيه ج ٣ ص ٢٤٠ وفيهما اختلاف يسير.

(٢) راجع خراجيته (ره) ص ٤٩ ـ ٥٠.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٤ ـ ص ١٤٦ ـ حديث : ٢٩ ـ ٤٠٧ ـ باب ٣٩ في الزيادات : والفقيه ـ ج ٣ ـ ص ٢٤٠ حديث ٣٨٧٦ مع اختلاف يسير في الرواية والراوي عما في التهذيب.

٦٠