السراج الوهّاج

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]

السراج الوهّاج

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني [ الفاضل القطيفي ]


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٢

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

نبذة من حياة الفاضل القطيفي (ره)

ذكره ـ أول من ذكره ـ الحر العاملي في القسم الثاني من كتابه « أمل الآمل » الذي سماه : « تذكرة المتبحرين في تراجم العلماء المتأخرين » فاكتفى فيه بقوله : إبراهيم ابن سليمان القطيفي ، فاضل عالم محدّث ، له كتب منها كتاب « الفرقة الناجية » حسن ، توفي بالغري ، من المتأخرين (١).

ثمّ ذكره صاحب « الحدائق » في « الكشكول » عن رسالة لبعض فضلاء تلامذة المجلسي ، والمقصود به صاحب « رياض العلماء » قال : الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي ، ثمّ الغروي ، ثمّ الحلي ، الإمام الفقيه الفاضل ، العالم الكامل ، المحقق المدقق ، المعاصر للشيخ علي الكركي. كان يسكن المشهد المقدس الغروي (٢).

مشايخه :

قال : والذي يظهر من اجازة الشيخ إبراهيم هذا للمولى شمس الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي أنّه يروي عن الشيخ علي بن هلال ( الجزائري ) بواسطة واحدة (٣) وقد كتب بخطه الشريف اجازة لتلميذه المير معزّ الدين محمّد بن تقي الدين

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٨.

(٢) كشكول الشيخ يوسف البحراني ١ : ٢٨٩ نقلا عن رياض العلماء للمولى عبد الله الأصفهاني.

(٣) رياض العلماء ١ : ١٥ عن كشكول البحراني.

٣

الحسيني الأصفهاني ، ويظهر من تلك الإجازة أنّ الشيخ علي بن هلال المذكور كان عمّ هذا الشيخ. وكان تاريخ الإجازة : سنة ثمان وعشرين وتسعمائة (١) وقال في الإجازة السابقة : إنّ عدة من الفضلاء أجازوه ، ولكن أوثقهم الشيخ إبراهيم بن الحسن بن علي بن هلال الجزائري المذكور (٢) وعليه فالواسطة واسطتان.

ومن مشايخه المحقق الثاني الكركي ، فقد انهى صاحب « الكشكول » إجازته إلى المترجم عن الكركي (٣).

تلامذة والراوون عنه :

قال : ويروي عنه أيضا جماعة من العلماء ، كما يظهر ذلك من إجازاته.

منهم : تلميذه السيّد معزّ الدين محمّد بن تقي الدين محمّد الحسيني الأصفهاني ، وله منه إجازة تاريخها سنة ثمان وعشرين وتسعمائة ، في المشهد المقدس الغروي ، وقد رأيتها بخطه الشريف على ظهر « الشرائع » التي كانت لتلميذه المذكور ، وخطه لا يخلو من رداءة.

ومنهم أيضا : السيّد شريف الدين الحسيني المرعشي التستري ، والد القاضي نور الله التستري صاحب « مجالس المؤمنين » على ما صرّح به القاضي نور الله في حواشي « المجالس » المذكور ( في ترجمة هشام بن سالم ).

ومنهم : السيّد الآميرزا نعمة الله الحلي (٤).

وقد سبق القول عن أجازته للمولى شمس الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي.

وأضاف صاحب « الحدائق » في سلسلة أجازته : الشيخ حسين بن عبد الحميد ، والمولى كريم الدين الشيرازي عن القطيفي (٥).

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ١٧ ، ١٨ عن الكشكول.

(٢) رياض العلماء : ١ : ١٥ عن الكشكول.

(٣) لؤلؤة البحرين : ١٥٩.

(٤) رياض العلماء ١ : ١٥ وترجم له في روضات الجنات.

(٥) لؤلؤة البحرين : ١٥٩.

٤

وأضاف صاحب « روضات الجنات » : المولى شمس الدين محمّد بن تركي وتاريخ أجازته له سنة خمس عشرة وتسعمائة ، بعد سنتين من وروده العراق (١).

ومنهم : شاه محمود الخليفة الشيرازي (٢).

مؤلفاته :

١ ـ أدعية سعة الرزق وقضاء الدين في مجموعة مختصرة ـ الذريعة ١ : ٣٩٨.

٢ ـ الأربعون حديثا ـ ينقل عنه العلامة المجلسي في البحار ـ الذريعة ١ : ٤١٠.

٣ ـ تحقيق الفرقة الناجية مرتب على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة ، أوله : يا من جعل عليا العلي الهادي ، إلى دين مختاره من الحاضر والبادي .. فهذه نفقة صدرت في تحصيل أنّ الفرقة الناجية عند الله هم الشيعة الإمامية. وقال في خاتمتها :

ولنختم رسالتنا هذه بثلاث فوائد. وبعد الفوائد قال : أجببت تتميم ما أسلفته بأحاديث حسنة لا يكاد يظفر بها مجتمعة إلا قليل من العلماء ، وهي مؤكدة لما تقدم من أنّ الحق انما هو كون الفرقة الناجية شيعة علي عليه‌السلام. ثم أورد ثمانية عشر حديثا وبها تتم النسخة ، كتبت في شعبان ١٠٠٦ ه‍ فرغ منه في ٥ صفر ٩٤٥ ه‍ ـ الذريعة ١٦ : ١٧٧.

٤ ـ تعليقات على الشرائع ـ الذريعة ٦ : ١٠٦ بعنوان حاشية على الشرائع.

٥ ـ الثمانية عشر حديثا ، وهي تتمة رسالته السابقة في تحقيق الفرقة الناجية كما مر ، وذكرها في الذريعة ٥ : ١١ بهذا العنوان وذكر لها نسختين إحداهما للمرحوم المساوي.

٦ ـ حاشية الألفية للشهيد ـ الذريعة ٦ : ٢٢ و١١ : ١٠٧ بعنوان شرح الألفية وقال : أو له : الحمد لله الذي تفرد بالكبرياء وتوحد بالجلال. فرغ منه نهار الأحد السادس عشر من محرم سنة ٩٣٩ وعناوينه : أقول .. رأيت نسخة منه في مكتبة المولى محمّد علي الخوانساري في النجف الأشرف. وعبّر عنه مؤلفه بالحاشية.

__________________

(١) روضات الجنات ١ : ٢٧.

(٢) روضات الجنات ١ : ٢٩.

٥

٧ ـ الرسالة الحائرية ، كما في الذريعة ٦ : ٤. وسيأتي الحديث عنها.

٨ ـ الرسالة الرضاعية ، في عموم قاعدة التنزيل ، ردّا على المحقق الكركي ، ذكرها في الذريعة ١١ : ١٨٨ وقال : طبعت منضمة إلى رضاعيات أخر بايران ، أو لها : يا من فطرنا بفطرته ..

٩ ـ رسالة في حرمة صلاة الجمعة في زمن الغيبة مطلقا ، ردّا على المحقق الكركي في قوله بوجوبها مع وجود المجتهد الجامع لشرائط الفتوى ، كما في رياض العلماء والذريعة ١٥ : ٦٢.

١٠ ـ رسالة في حرمة السجود على التربة المشوية ( المطبوخة ) وهي وان لم يذكرها الأفندي في « رياض العلماء » فلم ينقل عنه ولم يذكره البحراني لا في « الكشكول » ولا في « لؤلؤة البحرين » ولا العلامة الطهراني في « الذريعة » ولكنه ذكر ردّها من شيخه الشيخ الكركي وقال : ردّ فيها على معاصره الشيخ إبراهيم القطيفي المانع منه. فرغ منها ٩٣٣ ، ونقل ذلك عن « رياض العلماء » (١).

١١ ـ الرسالة الصومية ـ الذريعة ١١ : ٢٠٤ وقال : هي موجودة في المكتبة الرضوية. ونقل عنها بعض فتاواه الأردبيلي في « شرح الإرشاد ».

١٢ ـ رسالة في شرح عدد ( محرمات الذبيحة ) كما في الذريعة ٢٠ : ١٤٨.

مختصرة.

١٣ ـ السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ـ وهو هذا الكتاب وسيأتي الكلام عنه.

١٤ ـ شرح الأسماء الحسنى ـ الذريعة ١٣ : ٨٨ وقال : مبسوط طويل الذيل كثير الفوائد ، فرغ منه في سنة ٩٣٤ ه‍ ، كما في رياض العلماء.

١٥ ـ النجفية في سهو اليومية ـ مرتبة على مقدمة وبابين وخاتمة أو لها : « الحمد لله الذي اصطفى محمّدا على سائر الأنبياء .. اني لم أظفر على مؤلف لضبط

__________________

(١) الذريعة ١٢ : ١٤٨. وراجع هامش كتاب السرائر الحاوي لابن إدريس طبعة جماعة المدرّسين ١ : ٣٣.

٦

السهو في الصلاة على انفراد ، الا ما ألفه بعض الفضلاء المحقّقين في رسالة تسمى « السهوية » فتأملتها فإذا هي لا تخلو من اضطراب ، وسميتها : النجفية في سهو اليومية ، الذريعة ١١ : ٢٢٧. وقال : توجد عند المحدث القمي نسخة عصر المصنف كتبت في النجف الأشرف ثم قرئت عليه فكتب الإنهاء : في مجالس آخرها الرابع عشر من شهر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة وفي بعض إجازاته أذن في العمل بخلافياتها ما دام حيّا. والقمي ذكر نسخته في الفوائد الرضوية : ٦.

١٦ ـ نفحات الفوائد ومفردات الزوائد. قال فيه : دعاني حب الوحدانية وعزة الجبروتية ، وسطوة الإلهية وقدرة الفردانية ، مما لا تحيط به القوة الإمكانية إلا بما تلهمه الألطاف الرحمانية في قوله تعالى « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا » فإنه ممّا تحيرت فيه عقول اولي الألباب وكثر فيه القيل والقال بين حملة الكتاب ـ حاشا وارث العلم عن الحق الصواب ، فإنهم الراسخون فيه ، والعاملون بتأويل المتشابه وردّه الى المحكم من الخطاب ـ حتى أنّ بعض الأفاضل رجّح أنّ الدليل فيها اقناعي. وهو تهجّم عظيم على الحضرة الربوبية. وها أنا ذا أسطر ما سنح لي .. فرغ منه ١٣ شوال ستة ٩٤٥ وهي أجوبة لاسئلة افتراضية في الفسلفة الدينية ، عناوينها : إن سأل سائل كذا نقول كذا ..

١٧ ـ نوادر الأخبار الطريفة ـ الذريعة ٢٤ : ٣٤٤ والظاهر أنها هي الثمانية عشر حديثا المارّ الذكر.

١٨ ـ النية ـ الذريعة ٢٤ : ٤٣٩ وقال : موجودة في الرضوية وقف سنة ١١٤٥.

١٩ ـ الهادي إلى الرشاد في شرح الإرشاد للعلامة ـ الذريعة ٢٥ : ١٥ خرج منه الطهارة وقليل من الصلاة ، نسخة منه في الرضوية ، واخرى عند السيّد محمّد علي الروحاني بأصفهان. وذكره بعنوان حاشية الإرشاد للعلامة ـ الذريعة ٦ : ١١.

٢٠ ـ واجبات الصوم ، أوله : يا ولي العناية اجعلنا من أهل عنايتك ، منها نسخة في الرضوية كتبت في سنة ١٠٦٧ ه‍ كما في الذريعة ٢٥ : ٢. ولعلها هي الرسالة الصومية السابقة الذكر.

٧

الرسالة الحائرية :

نقل أكثر رسائله هذه المرحوم المولى عبد الله الأفندي في « رياض العلماء » ونقلها عنه صاحب « الحدائق » في « لؤلؤة البحرين » ثمّ قال : والعجب أنّه مع كونه يروي عن الشيخ علي الكركي المذكورة ، كانت له معه معارضات ومناقضات ، بل رأيت في كلامه في بعض كتبه ما يدل على القدح في فضل الشيخ علي المذكور ونسبته إلى الجهل ـ كما هو شأن جملة من المعاصرين ـ حتى أنّه ألف في جملة من المسائل في مقابلة رسائل الشيخ علي المذكور ردّا عليه ونقضا لما ذكره منها : مسألة حلّ الخراج .. ورسالة حرمة الجمعة زمان الغيبة .. ورسالة المنزلة في الرضاع .. وفي الجميع ما أصاب ولا وافق الصواب.

وقد وقعت بيدي رسالة من رسائله سمّاها ب « الرسالة الحائرية في تحقيق المسألة السفرية » ذكر في صدر الرسالة المذكورة ما اتفق له مع الشيخ علي في سفره معه للمشهد المقدس الرضوي من المسائل التي نسبه فيها الى الخطأ :

منها : أنّ العشرة القاطعة لكثرة السفر يشترط فها التتالي أم لا؟ فنسب الى نفسه الأول وإلى الشيخ علي الثاني ، وفي هذه المسألة صنّف الرسالة المشار إليها.

ومنها : أنّه نقل عنه : أن من لم يجد ساترا الا جلد الكلب وعليه في نزعه تقية سقط عنه فرض أداء الصلاة. قال : فبالغته في ذلك فأبى إلا الإصرار على ما قاله .. فأعرضت عنه وحملته على الغفلة وعدم المطالعة.

ومنها : أنه حكم باستحباب الوضوء المجدّد على من اغتسل غسل الجنابة ، وبالغته في ذلك وقلت له : ان المجدّد لا يستحب الا مع سبق وضوء قبله. فقال : وفي غسل الجنابة وضوء ضمنا.

ثمّ ذكر : « أني دخلت يوما الى ضريح الرضا عليه‌السلام فوجدته هناك فجلست معه ، فاتّفق حضور بغية العلماء الوارثين وزبدة الفضلاء الراسخين جمال الملة والدين. فابتدأ ـ بحضوره ـ معرضا عليّ : لم لم تقبل جائزة الحكام؟!

فقلت : لأن التعرض لها مكروه.

٨

فقال : بل واجب أو مستحب.

فطالبته بالدليل.

فاحتج بفعل الحسن عليه‌السلام مع معاوية وقال : ان التأسي إما واجب أو مندوب ، على اختلاف المذهبين.

فأجبته عن ذلك واستشهدت بقول الشهيد « رحمه‌الله تعالى » في « الدروس » : « ترك أخذ ذلك من الظالم أفضل ، ولا يعارض ذلك أخذ الحسن عليه‌السلام جوائز معاوية ؛ لأن ذلك من حقوقهم بالأصالة ».

فمنع ـ أولا ـ كون ذلك في « الدروس » ثمّ التزم بالمرجوحية. وعاهد الله تعالى هناك أن يقصر كلامه على قصد الاستفادة بالسؤال والإفادة بالجواب.

ثم فارقته قاصدا الى المشهد الغروي على أحسن الحال.

فلما وصلت تواترت الأخبار عنه من الثقات وغيرهم بما لا يليق بالذكر الى أن انتهى الأمر إلى دعواه العلم ونفيه عن غيره. فبذلت وسعي بجميع أنواع الملاطفة في رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة فأبى ».

وفي آخر الرسالة ذكر ما صورته : « وإذ فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته « الخراجية » وكشف لبس ما رتّبه فيها من المباحث الاقناعية » وهو مما يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى على الموفّق الأريب (١).

وقال قبله المولى عبد الله الأفندي في « رياض العلماء » : وتكثرت المعارضات بينه وبين الشيخ علي الكركي ، حتى أن أكثر الإيرادات التي أوردها الشيخ علي في بعض رسائله في الرضاع والخراج وغيرهما ردّ عليه (٢).

ثمّ قال : وقد سمعت من الأستاذ « المجلسي » أيده الله ـ مشافهة ـ ما يدل على القدح في فضله ، بل في تديّنه ، حيث انه نقل لي : أنّه رأى مجموعة بخط الشيخ

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٢) رياض العلماء ١ : ١٧ ولا يخفى أنّ هذا عكس ما مرّ عن صاحب لؤلؤة البحرين ، وهو وهم غريب أو سهو فلم ، فلا ريب أن رسائل القطيفي ردّ على الكركي لا بالعكس.

٩

إبراهيم هذا ، وقد ذكر افتراءات على الشيخ علي (١).

ونقل ذلك صاحب « لؤلؤة البحرين » وقال : ومن وقف على ما نقلناه عن الرسالة المتقدمة ، وما حذفناه مما هو من هذا القبيل وأشنع ، عرف صحة ما ذكره شيخنا المذكور. ولكن هذه طريقة قد جرى عليها جملة من العلماء من تخطئة بعضهم بعضا في المسائل ، وربما انجرّ الى التجهيل والطعن في العدالة (٢).

وعليه فصاحب « لؤلؤة البحرين » حمل المجموعة بخط الشيخ إبراهيم هذا التي كانت عند المجلسي على الرسالة الحائرية ، وقد مرّ فيما نقل البحراني عنها اعتراض الكركي على القطيفي في حرم الامام الرضا عليه‌السلام : أنّه لم لم يقبل جائزة الحكام؟! ولكن الأفندي نقل الاعتراض هذا هكذا :

« سمعنا من المشايخ أنّه كان رحمه‌الله بمشهد الحسين عليه‌السلام أو المشهد الغروي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام ، واتّفق ورود الشيخ علي المذكور هناك ، واجتمعنا خلف القبر المبارك في الرواق. وكان السلطان « الشاه طهماسب » قد أرسل في تلك الأوقات للشيخ إبراهيم المذكور جائزة ، وردّها الشيخ .. فقال له الشيخ علي : انك أخطأت في ذلك الرد وارتكبت اما محضورا أو مكروها. واستدل على ذلك القول بأن مولانا الحسن عليه‌السلام قد قبل جوائز معاوية ، ومتابعته والتأسي به إما واجبة أو مندوبة ، وتركها إما حرام أو مكروه كما تحقق في الأصول ، وهذا السلطان لم يكن انقض درجة من معاوية وأنت لم تكن أعلى رتبة من الحسن عليه‌السلام. وأجابه الشيخ بجواب (٣).

فترى ما فيه من المفارقات عن واقع اعتراض الكركي وجواب القطيفي عالم يذكره. وعذره في ذلك نقله ذلك بواسطة « المشايخ » ولعله سمعه من شيخه المجلسي نقلا بالمعنى عن الرسالة الحائرية للقطيفي نفسه. والطريف أن البحراني ابتدأ فنقل ما نقله الأفندي ثمّ نقل ما في الرسالة الحائرية ولم يلتفت الى وحدة القضية

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ١٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٦٣.

(٣) رياض العلماء ١ : ١٥ ، ١٦.

١٠

واختلاف النقل ورجحان النقل المباشر على النقل بالواسطة. ثم انبرى المولى الأفندي لتفنيد اعتراض المحقق الثاني فقال :

« لكن أقول : إنّ كلام المحقق الثاني تتراءا منه آثار المغالطة :

أما أولا ـ فلأن أخذ الحسن جوائز معاوية كان استيفاء لبعض حقوقه عليه‌السلام ، فان الدنيا بما فيها لهم عليهم‌السلام ، فكيف بما في يد ذلك الطاغي الباغي ، فلا تصح المقايسة ، ويبطل حديث التأسي لأنه يجب أو يستحب فيما لم يعلم فيه جهة اختصاص ، وهو ظاهر.

وأما ثانيا ـ فلأن باب التقية والضرورة في شأنه عليه‌السلام واضح مفتوح في أخذه تلك الجوائز ، لأنه كان قد صالح ظاهرا مع ذلك الملحد تقية لشيعته وحقنا لدم زمرة تبعته ، فلو لم يقبل الجوائز منه لتخيّل ذلك الشقي أنّه لم يقر على عهده وصلحه ، ولعله يخطر بباله أنّه يريد الخروج عليه ثانيا. وعلى هذا أيضا فلا وجه للاستدلال بفعله من جهة التأسي.

وأما ثالثا ـ فلأن الله تعالى يقول « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ » (١) وأخذ تلك الجوائز من السلطان الجائر مستلزم له البتة ، فهو ـ حينئذ ـ ممنوع ، من باب أن مقدمة المحظور محظورة أيضا إذا كانت مستلزمة له ، إذ قل ما ينفك الركون مع الإحسان كما قيل « الإنسان عبد الإحسان » خرج عنه ما خرج من وقت الضرورة ونحوها فيبقى الباقي تحت المنع. ومن المعلوم أنّ ذلك الاحتمال ـ أعني الضرورة ـ عن هذا الشيخ مرتفع ، على ما صرّح به هو نفسه ، فلا وجه لتجويزه له » (٢).

وقبل أن يحاكم بينهما اعتذر يقول : وأنا أقول : إن كليهما طودا الحلم وعلما العلم ولا يليق بمثلي أن يحاكم بينهما (٣).

يقول هذا وهو بعد ذلك يقول : وقد سمعت عن الأستاذ ( المجلسي ) أيده الله :

__________________

(١) سورة هود : ١١٣.

(٢) رياض العلماء ١ : ١٦ ، ١٧.

(٣) رياض العلماء ١ : ١٦.

١١

أنّه ( القطيفي ) لم يكن ذا فضل كثير ، فليست له مرتبة المعارضة مع الشيخ علي الكركي إذ أين فضله عن فضل الشيخ علي وعلمه وتبحره (١) فلما ذا عدّهما علما العلم وطودا الحلم؟ لعله لقوله :

« رأيت بخط بعض العلماء أنّه حكى عن بعض أهل البحرين في حق الشيخ إبراهيم هذا ، « قدس الله سره » : أن هذا الشيخ قد دخل عليه الإمام الحجة عليه‌السلام في صورة رجل يعرفه الشيخ ، وسأله : أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم؟ فقال الشيخ : قوله سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ، أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ؟ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ؟! اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » (٢) فقال : صدقت يا شيخ. ثم خرج عنه. فسأل بعض أهل البيت : أخرج فلان؟ قالوا : ما رأينا أحدا داخلا ولا خارجا (٣) على أنّ المجلسي قد ذكر كتاب الأربعين في عداد مصادر بحاره وتوثيق أصابها فقال :

« والشيخ إبراهيم القطيفي « رحمه‌الله » كان في غاية الفضل ، وكان معاصرا للشيخ نور الدين المروّج « الكركي » وكانت بينهما مناظرات ومباحثات كثيرة » (٤). فلا محيص عن التعارض بين القولين ، ولا يدرى السابق عن اللاحق.

هذا الكتاب :

قال الأفندي : وقد ألف في كل موضع ألف فيه الشيخ علي الكركي للردّ عليه. ومن جملة ذلك : الرسالة الخراجية المسماة ب « السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج » وقد وضعها في حرمة الخراج ردّا على الشيخ علي في رسالته « قاطعة اللجاج » التي صنّفها في حلّ الخراج (٥).

أما المؤلف الفاضل القطيفي فقد قال عنها : وإنّ بعض إخواننا في الدين ( يعني المحقق الكركي ) قد ألف رسالة في حلّ الخراج وسمّاها « قاطعة اللجاج » وأولى باسمها

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ١٩.

(٢) سورة فصلت : ٤٠.

(٣) رياض العلماء ١ : ١٨.

(٤) بحار الأنوار ١ : ٤٦.

(٥) رياض العلماء : ١ : ١٧.

١٢

أن يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج! ولم أكن ظفرت بها منذ ألفها إلا مرة واحدة في بلد « سمنان » وما تأملتها إلّا كجلسة العجلان. وأشار اليّ من يجب طاعته بنقضها ليتخلّق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر الآن. وما بلغت منها حقيقة تعريضية ـ بل تصريحية ـ بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك.

فلما تأمّلته الآن مع علمي بأن ما فيها أوهى من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض ـ بل التصريح ـ بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عائر ..

فاستخرت الله تعالى على نقضها وابانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك.

فألفت هذه الرسالة وجعلتها واضحة الدلالة وسميّتها « السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج » ومن الله تقدس اسمه اسأل العصمة في المقاصد والمصادر والموارد (١).

والمقصود من حلّ الخراج ما قاله المحقق الكركي في مقدمة كتابه : وفي حال غيبته عليه‌السلام قد أذن أئمتنا عليهم‌السلام لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور ، كما سنذكره مفصّلا (٢).

والظاهر أنّ مقصوده من ذلك هو ما قاله بشأنه صاحب « رياض العلماء » :

« ويلوح من بعض التواريخ الفارسية : أنّ الشيخ علي الكركي هذا قد دخل بلاد العجم في زمن سلطنة السلطان الشاه إسماعيل ، وأنّ الشيخ علي المذكور دخل الى « هراة » بعد دخول السلطان الشاه إسماعيل المذكور إليها في سنة غلبة السلطان المذكور على ملك الاوزبك : شاه بيگ خان » (٣).

__________________

(١) مقدمة الكتاب.

(٢) مقدمة الكتاب.

(٣) رياض العلماء : ٣ : ٤٤١.

١٣

وقال : « واتصل بصحبة السلطان ( الشاه طهماسب الصفوي ثاني سلاطين الصفوية ) فكان معظما مبجلا في الغاية عند ذلك السلطان وقد عيّن له وظائف وادارات كثيرة ، حتى أنّه قرر له سبعمائة تومانا في كل سنة بعنوان « السيورغال » في بلاد عراق العرب ، وكتب في ذلك حكما وذكر فيه اسمه في نهاية الإجلال والإعظام » (١).

وقال : وقد كان هذا الشيخ معظما عند السلطان الشاه الطهماسب في الغاية ، وأعطاه وظائف « وسيور غالات » وادارات ببلاد عراق العرب ، وقد نصبه حاكما في الأمور الشرعية بجميع بلاد إيران ، وأعطاه في ذلك الباب حكما وكتابا يقضي منه العجب ، لغاية مراعاة ذلك السلطان لأدبه في ذلك الكتاب ، ولما كان ذلك المكتوب مشتملا على مطالب جليلة دعاني ذلك الى إيراد صورة ذلك الحكم والكتاب في هذا الموضع من هذا الكتاب ، وكان صدره هكذا : بسم الله الرحمن الرحيم (٢) يا محمّد يا عليّ .. (٣).

فكأن اقطا السلطان الصفوي هذه الخراجات لهذا الشيخ هو الذي أثار الضجة ، فكتب الشيخ ردّا عليهم « قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج » فردّه القطيفي بكتابه : « السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ».

وقد مرّ في ترجمة شيخه الكركي ، أنّ العلامة الطهراني يؤرخ فراغ الكركي من تأليفه رسالة الخراجية بسنة ٩١٦ (٤) ويؤرخ فراغ الفاضل القطيفي من رسالته الردّية : « السراج الوهاج » بسنة ٩٢٤ (٥) فالفاضل بينهما ثمان سنين ، وكجواب عن هذه الفترة الفاصلة قال القطيفي في مقدمته :

« ولم أكن ظفرت بها منذ ألفها إلا مرة واحدة في بلد « سمنان » وما تأمّلتها إلا كجلسة العجلان ، أشار إليّ من يجب طاعته بنقضها ليتخلّق من رآها من

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٤١.

(٢) رياض العلماء ٣ : ٤٥٠.

(٣) رياض العلماء ٣ : ٤٥٥ ـ ٤٦٠.

(٤) الذريعة ١٧ : ٧ عن نسخة رآها في مكتبة المجلس بطهران.

(٥) الذريعة ١٢ : ١٦٤ بلا مصدر.

١٤

الناس برفضها ، فاعتذرت .. وما بلغت ( حينئذ ) منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ، فلما تأمّلته الآن مع علمي بأنّ ما فيها أوهى من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادّها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح .. فاستخرت الله على نقضها وابانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحق فيتبعوه ، والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك ، فامتثلت .. » (١).

أما قبل هذا فقد كان الفاضل القطيفي من تلامذته والمستجيزين منه الحديث كما مرّ عن صاحب « الحدائق » (٢) ولذلك قال فيه : « والعجب أنه مع كونه يروي عن الشيخ الكركي كانت له معه معارضات ومناقضات .. وقد وقعت بيدي رسالة من رسائله سمّاها ب « الرسالة الحائرية في تحقيق المسألة السفرية » ذكر في صدر الرسالة المذكورة ما اتفق له مع الشيخ علي في سفره معه للمشهد المقدس الرضوي من المسائل التي نسبه فيها الى الخطأ .. الى أنّ قال : ثم فارقته قاصدا المشهد الغروي على أحسن الحال. فلما وصلت تواترت الأخبار عنه من الثقات وغيرهم بما لا يليق بالذكر ، الى أن انتهى الأمر إلى دعواه العلم ونفيه عن غيره. فبذلت وسعي ـ بجميع أنواع الملاطفة ـ في ( طلب ) رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة ، فأبى .. ».

وذكر في آخر الرسالة ما صورته : « وإذ فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته « الخراجية » وكشف لبس ما رتّبه فيها من المباحث الاقناعية » وهو مما يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى ذلك على الموفق الأريب » (٣).

تحدّيه شيخه بمناظرته :

أما قوله : « فبذلت وسعى ـ بجميع أنواع الملاطفة ـ في ( طلب ) رضاه بالاجتماع

__________________

(١) مقدمة الكتاب للقطيفي.

(٢) لؤلؤة البحرين : ١٥٩.

(٣) لؤلؤة البحرين : ١٦١ ـ ١٦٣.

١٥

للبحث والمذاكرة ، فأبى .. ».

فقد نقله المولى عبد الله الأصفهاني في « رياض العلماء » عن حسن بيگ روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي هذا في تاريخه بالفارسية « أحسن التواريخ » ما معناه :

ان الشيخ إبراهيم القطيفي لما خاصم الشيخ علي الكركي رجع الأمير نعمة الله الحلي ـ الذي كان من تلامذة الشيخ علي الكركي ـ رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي مع جماعة من العلماء في ذلك العصر : كالمولى حسين الأردبيلي والمولى حسين القاضي مسافر ـ المولى حسين ـ وغيرهم ممن كان بينهم وبين الشيخ علي كدورة ، ودفع الأمير نعمة الله الحلي مع الجماعة من العلماء دفعوا الشيخ إبراهيم القطيفي على أن يباحث مع الشيخ علي الكركي في مجلس السلطان الشاه طهماسب في مسألة صلاة الجمعة ، ووعده ذلك الجمع من العلماء أن يعاونوه في البحث في المجلس ، وكان يعاونهم في ذلك جماعة من الأمراء أيضا ، عداوة للشيخ علي (!) ولكن لم يتّفق هذا المقصود ولم ينعقد ذلك أصلا (١).

وعلق السيد الأمين العاملي على هذه المواقف للفاضل القطيفي في مواجهة شيخه المحقق الكركي يقول : ان العالم إذا تورّع عن جوائز الملوك وتنزه عنها وتجنب الانحياز إليهم تورّعا ، فلا لوم عليه ولا يقدح ذلك فيه ، بل هو طريق السلامة. ولكن اللوم على القطيفي في قدحه في الشيخ وإطالته لسانه عليه مع جلالة قدره وعظم محله في العلم ، وكون القطيفي ليس من رجاله ، فان من تورّع عن جوائز الملوك لا يجوز له القدح فيمن يأخذها ، لوجوب حمل فعله على الصحة ، لا سيما إذا كان من أجلاء العلماء كالمحقق الكركي (٢).

ولا شبهة في تقدم الشيخ علي عليه في العلم والتحقيق والتبحّر ، كما لا شك في أنّ الشيخ علي أبعد غورا وأصحّ رأيا وأقوى سياسة في قبوله جائزة الشاه طهماسب ومخالطته لملوك الصفوية ، وانّ في ردّ القطيفي لجائزة الشاه لنوع جمود (٣).

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٥٢.

(٢) أعيان الشيعة ٢ : ١٤٣.

(٣) أعيان الشيعة ٢ : ١٤٢.

١٦

وقال في أحواله : قدم من القطيف الى العراق وسكن النجف ، وتوفي فيه ، ولم أقف على تاريخ وفاته ، لكنّه كان حيا سنة ٩٤٤ (١) وهي تاريخ أجازته الكبيرة للسيد شريف الدين الحسيني المرعشي الشوشتري والد القاضي نور الله الشوشتري صاحب « مجالس المؤمنين » (٢).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٢ : ١٤١.

(٢) أعيان الشيعة ٢ : ١٤٣.

١٧
١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يسر معرفة اليقين فظهرت للعارفين حقائقه ، وأوضح لطلّابه أعلامه وبانت للمساكين طرائقه ، الذي يقذف ( بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) (١) ، والصلاة على المختار للهداية فهو قائد الخير وسائقه ، محمّد المصطفى الذي صفت جميع صفاته وخلائقه ، وعلى أخيه الذي جعل سيفا لنبوّته فهو مؤازره وموافقة ، ذلك أمير المؤمنين حقّا المميّز به صادق عهد الله ومدافعة ، صلّى الله عليهما وعلى آلهما الذين هم سوابق الفضل ولواحقه.

وبعد ، فيقول الفقير الى الله المنّان إبراهيم بن سليمان : إنّ الزمان وإن تفاقمت (٢) ضلالته وبعدت هدايته ، ورجع القهقرى على عقبه وأقعى (٣) إقعاء الكلب على ذنبه ، وكلح (٤) منه لأهل الفضل نابا وفتح لهم من مضلّات الفتن بابا ، ونادى بخدّامه في الشهوات الذين ارتكبتهم الغفلة والهفوات : هلمّوا إلى بقية الله للدين وحفظة الحجج والبراهين ، فلا يبقوا لهم من الناس دارا ولا في عمران الأرض آثارا ، فإن وليّ النعم ودافع النقم ممد لأوليائه بالارقاد وهو القاهر

__________________

(١) اقتباس من آية ١٨ ـ سورة الأنبياء ـ أوّلها بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ ..

(٢) فقم الأمر : عظم ولم يجر على استواء

(٣) أقعى الكلب : جلس على استه. (*)

(٤) كلح : هو من الكلوح وهو الذي قصرت شفتاه عن أسنانه ..

__________________

(*) الإقعاء : أن يضع الرجل اليتيه على عقبيه في تشهديه. ( معاني الأخبار باب معنى الإقعاء ص ٣٠٠ ).

١٩

بقدرته في سمائه وأرضه فوق العباد ، وقد صرّح عنه بكلامه فصيح المنادي ، فأسمع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من الحاضر والبادي « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » (١) و « إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » (٢).

هذا وأنّ بعض إخواننا في الدين قد ألّف رسالة في حلّ الخراج وسمّاها « قاطعة اللجاج » وأولى باسمها أنّ يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ، ولم أكن ظفرت بها منذ ألّفها إلّا مرّة واحدة في بلد سمنان ، وما تأمّلتها إلّا كجلسة العجلان ، فأشار إليّ من يجب طاعته بنقضها ليتخلّق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر (٣) الآن ، وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك ، فلمّا تأمّلته الآن مع علمي بأن ما فيها أو هي من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادّها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عاثر ، لكن المرء المؤمن يسلّي نفسه بالخبر المنقول عن أهل المآثر عليهم‌السلام : لا يخلو المؤمن من خمس ـ الى أن قال ـ : وهو مؤمن يؤذيه ، فقيل : مؤمن يؤذيه! قال : نعم وهو شرّهم عليه لأنّه يقول فيه فيصدّق (٤) وفي قوله تعالى « وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٥)

__________________

(١) الفجر : ٦ ـ ١٤.

(٢) غافر : ٥١.

(٣) الصحيح « لا نذكرها ».

(٤) مشكاة الأنوار ـ ص ٢٨٥ ـ الفصل الخامس ـ في ذكر ما جاء في المؤمن وما يلقى من أذى الناس وبغضهم إيّاه وفيه لا ينفك المؤمن من خصال اربع : من جار يؤذيه وشيطان يغويه ومنافق يقفو أثره ومؤمن يحسده قال سماعة : قلت جعلت فداك مؤمن يحسده قال يا سماعة اما انه أشدهم عليه قلت وكيف ذلك؟ قال لأنه يقول فيه فيصدق عليه.

(٥) آل عمران : ١٨٦.

٢٠