رسالة قاعدة ضمان اليد

المؤلف:

الشيخ فضل الله النوري


المحقق: الشيخ قاسم شيرزاده
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦

الراجع إلى سبب الانصراف ـ كما عرفت ـ فهو في حكم التقييد المتصل ، إذ المدار فيه على عدم انعقاد الظهور مع وجوده. والحاصل ، أنه لا فرق في أسباب الانصراف بين الادراكات الظنية من العقل وغيره من غلبة الاستعمال والوجود في أنه إذا ترددت بين أميرين متباينين ، أو الاقل والاكثر لم يصح الاعتماد على المطلق كما لا يصح في المقيد المتصل المجمل ، نعم هنا كلام لا اختصاص له بالمقام وهو أنه كيف يتصور سريان الاجمال بمجرد وجود ما يصلح للصرف مع تردده واجماله ، لفظيا أو لبيا إذ الظهور ما لم يقم صارف كامل يصرفه ، معتبر ، ومجرد الصلوح والشأنية لا يكفي فيه ، وهذا إشكال ينبغي التصدي لجوابه في محله ، وحاصله : إمكان تصوير وجود قرينة صالحة للصرف ولاعتماد المتكلم عليها لكن لم نعلم اعتماده عليها ، إما لغفلته أو لامر آخر ، مثل الشهرة البالغة إلى حد يصح الاعتماد عليها ، فتارة يتكل المتكلم عليه في المحاورات فيريد الافراد الشائعة من دون نصب قرينة عليه ، وأخرى لا يتكل فيريد المهية من غير حاجة إلى نصب قرينة وحينئذ فيحتاج الاعتماد إلى قرينة أخرى ومع عدمه فلا يمكن الحكم بالعدم لما عرفت ، وتمام الكلام في محله ، هذا تمام الكلام في مقتضى القواعد على تقدير إجمال المقيد على طريقة شيخنا الاستاذ الاكبر ـ طاب ثراه ـ.

ولنا فيه تأمل وإشكال لا يليق المقام للبسط فيه ، ونشير إليه إجمالا ، وهو أن التفصيل بين المتصل والمنفصل في المجمل إنما يصح في باب العموم حيث إنه ظهور لفظي لا ينعقد مع وجود المخصص المتصل المجمل ، فيسري إليه الاجمال حينئذ بل ومع الانفصال مع تردده بين المتبائنين لحصول العلم إجمالا بعدم إرادة أحدهما ، وأما مع تردده بين الاقل والاكثر فينحل المشكوك إلى معلوم تفصيلي وشك بدوي ، فيرجع في الثاني إلى العموم وأصالة عدم الصارف.

٤١

وأما الاطلاق ، فحيث إنه على المختار تبعا للسلطان وجماعة من محققي الطبقة الثالثة (١) ظهور لبي حاصل من كون المتكلم في مقام البيان وعدم البيان ، وبعبارة أخرى من كونه في مقام البيان بهذه القضية الاطلاقية لا بها وبقضية أخرى فمع وجود أثر مجمل مردد بين أمرين سواء كانا متباينين ، أو الاقل والاكثر ، وسواء كان متصلا أو منفصلا ، وسواء كان لبيا ، أو لفظيا ، لم يبق ما يحكم به بالشيوع لانعدام المقتضي بوجود ذلك الامر المجمل ، إذ معه لا يصح الحكم بعدم البيان.

ودعوى أنه مع الانفصال وتردده بين الاقل والاكثر فالمقدار الثابت من البيان هو الاقل والزائد مشكوك ومدفوع بالشك كالشك في إجمال التقيد ، مدفوعة بأن الشك في كون هذا الامر بيانا ولا ينفع في ذلك أصالة عدم التقيد ، وتفصيل الكلام فيه وبيان الفرق بينه وبين المخصص خارج عن وضع الكلام في المقام ، فليطلب في محله ، أو من المراجعة إلى الوجدان بمساعدة منها عليه.

تنبيه : وحيث انجر كلامنا إلى التكلم في الشبهة المفهومية في المقام ، فالمناسب أن نتبعه بالتكلم في الشبهة المصداقية ، فنقول : حيث عرفت أن الاخذ على قسمين ، قسم يضمن وقسم ليس بمضمن ، فلو اشتبها في الخارج ولم يعلم أنه من الاول أو الثاني ، كما لو لم يعلم أنه على وجه الامانة ، أو لا ، فعلى ما نختاره ، من عدم جواز الرجوع إلى العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية ، لا وجه للرجوع إلى إطلاق دليل « اليد » في المقام ، فنحكم بالتضمين ، خلافا لجماعة من المتأخرين تبعا للعلامة ، حيث يظهر منهم الاعتماد عليه في كثير من جزئيات المقام ، كما يظهر للمتتبع.

__________________

١ ـ المراد منهم متأخري المتأخرين.

٤٢

قال في التذكرة : في مطاوي فروع ما لو اختلف المالك والمتصرف في المال ، فقال الاول : هو عارية ، وقال الثاني : بل هو اجارة ، والاصل فيما يقبضه الانسان من مال غيره الضمان لقوله صلى الله عليه وآله : على اليد ما أخذت حتى تؤديه. (١)

وقال في مسألة اختلافهما : فقال صاحب اليد وديعة عنده ، وادعى المالك الاقتراض ، قدم قول المالك مع اليمين ، لان المتشبث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير. (٢)

ويمكن أن يوجه بأنه وإن لم يجز التمسك بالاطلاق والعموم في الشبهات المصداقية على وجه الاطلاق ، لكن قررنا أنه يجوز التمسك فيها فيما إذا كان المخصص لبيا ، ولعل نظرهم أن المقام منه نظرا إلى ما قدمناه ، من الاستيناس الحكمي ، وأما الادلة اللفظية من الاخبار ومعاقد الاجماعات ، فهي ناظرة إلى ذلك الامر اللبي ، إذ مجرد وجوب اللفظ ما لم يفهم منه العنوان غير مثمر ، كما لا يخفى.

وفيه : أن مقايسة المقام بما ثبت فيه التخصيص باللب في جواز الرجوع إلى العموم في رفع شك المصداق ، بين الفساد ، لوضوح أن الحكم إنما هو فيما إذا كان اللب قضية مستقلة يخصص بها العموم ويقيد بها الاطلاق كما في المثال السائر ، وهو قول المولى « أكرم جيراني » مع حكم العقل بتا بعدم وجوب إكرام الجيران العدو ، وأما في مثل المقام الذي قد عرفت ، أن المقصود من حكم العقل فيها أنه يحكم بالانصراف بواسطة درك مناطه فلا وجه للرجوع إلى العموم لانه في حكم التخصص والتقيد وهذا بعد الشبيه واضح ، لا نطيل فيه الكلام ، مضافا إلى أن

__________________

١ ـ التذكرة ج ٢ ، كتاب العارية ، ص ٢١٧.

٢ ـ المصدر نفسه : كتاب الوديعة ، ص ٢٠٨.

٤٣

المقرر الرجوع في الشبهة المصداقية إلى العموم ، وأما الاطلاق فيأتي فيه التأمل السابق حتى في مثل القضية اللبية المستقلة ، فتدبر.

والاولى عدم احتياج كلمات المستدلين بالاطلاق في المقام إلى التوجيه ، إذ هو على أصلهم من جوازه مطلقا ، كما يظهر للمراجع إلى كتبهم في أبواب العقود.

ثم إنه قد يستدل على ذلك بعد تسليم عدم صحة الاعتماد على العموم والاطلاق بقاعدة « المقتضي والمانع » لان العموم والاطلاق يكشفان عن المقتضي كما أن المقيد والمخصص يكشفان عن المانع وحينئذ فيدعى أن بناء العقلاء بعد إحراز المقتضي على العمل به ما لم يثبت المانع وله وجه ، ولتمام الكلام محل آخر.

وقد يستدل على ذلك ، بما رواه اسحاق بن عمار ، عن الكاظم ـ عليه السلام ـ قال سألته عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعف فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : إنما كانت عليك قرضا ، قال : المال لازم له إلا أن يقيم بينة أنها كانت وديعة. (١)

وتقريب الاستدلال به أن الوجه في تقديم قول المالك والحكم بلزوم المال إنما هو لان الاصل أن يكون المال المقبوض مضمونا فعلى مدعي الامانة البينة عليها ، وفيه ما لا يخفى.

أما أولا : فلان المفروض فيه دوران المال بين أن يكون ملكا لصاحب اليد ، أو أمانة عنده فلا يمكن أن يكون الوجه فيه أصالة الضمان في ملك الغير ، إذ هي فرع ثبوت ملك الغير كما لا يخفى.

__________________

١ ـ الوسائل : ج ١٣ ، الباب ٧ من أبواب أحكام الوديعة ، الحديث : ١.

٤٤

وأما ثانيا : فلان الظاهر أن الوجه في التقديم أن صاحب المال أولى في ماله بأنحاء تقليباته وتحرياته ، ويشهد له الاستدلال بها في مسألة الاختلاف في الرهن والوديعة فادعى المالك الاولى ، وصاحب اليد الثاني كما في الجواهر ، بالتقريب المتقدم أي من حيث دلالتها على تقدم قول المالك في المال وإن احتمل الوجه الاول لكنه أعرض عنه (١) ، فراجع.

ويشهد لذلك أيضا ، ما رواه في الوسائل : عن إسحاق بن عمار في مفروض المسألة إلا أنه قال الصادق ـ عليه السلام ـ في الجواب : « القول قول صاحب المال مع يمينه » (٢) فإن التعبير بصاحب المال ربما يشير إلى أنه الوجه في التقديم مع امكان دعوى اتحاد الروايتين.

وأما ثالثا : فلانا لو لم نجزم بما قدمناه فلا أقل من الاحتمال المسقط للاستدلال ، مع أنه ليس في الرواية ما يدل على القاعدة الكلية إلا بعد معلومية المناط وتنقيحه ، قطعا ودعواه مجازفة ، فحصل من جميع ما ذكرنا أنه لو تم الرجوع إلى المقتضي بعد كشف العموم عنه في أمثال المقام صح الحكم بأن الاصل في اليد هو الضمان وإلا فلا وجاهة للادلة المتقدمة فلابد من الرجوع إلى الاصل العملي أي البراءة عن وجوب رد المثل والقيمة ، هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالاستيمان المالكي.

الثاني : من الامور المتعلقة بالاخذ ، أنه قد اشتهر أنه لا ضمان في الاخذ إذا كان على وجه الامانة الشرعية ، والكلام فيها من حيث إنها تحصل بمطلق الاذن

__________________

١ ـ الجواهر : ٢٥ / ٢٦٢.

٢ ـ الوسائل : ج ١٣ ، الباب ١٨ من أبواب أحكام الرهن ، الحديث : ١.

٤٥

الشرعي إلا أن يشترط الضمان ، أو يعتبر فيها تسليط وبعث لانه من مطلق الاذن كالكلام في الامانة المالكية التي تقدمت ، وإنما الغرض فيها بيان المدرك خرج به عن عموم حديث « اليد » وأنهم كيف يضمنون مصدق مجهول المالك مع أنه مأذون فيها وكيف يضمنون المأذون في أكل المال عند المخمصة وكذا غيرهما من الفروع التي يقف عليها المتتبع مع منافاته لما يدعونه من قاعدة الامانات المشروعية.

فنقول : قد يقال إن الوجه فيها ما دل على نفي السبيل على المحسن بعد دعوى أن الاستيمان عبارة عن إذن الشارع لا المالك في قبض المال أو التصرف لمصلحة المالك لا لمصلحة القابض نفسه ولا للمركب منهما.

قال في التذكرة (١) : « اللقطة أمانة في يد الملقط ما لم ينو التملك أو يفرط فيها أو يتعدى فإذا أخذها بقصد الحفظ لصاحبها دائما فهي أمانة في يده وإن بقيت أحوالا ـ إلى أن قال ـ : لانه بذلك محسن في حق المالك بحفظ ماله وحراسته فلا يتعلق به ضمان لقوله تعالى : ( وما على المحسنين من سبيل ) (٢) انتهى.

أقول : أما دعوى انحصار الاستيمان في ما يرجع المصلحة إلى المالك فقط فمع عدم شاهد عليها ، فمدفوعة ، بما لا يخفى فإن حقيقة الاستيمان لا دخل له برجوع المصلحة وعدمه أصلا ، نعم يكون كذلك في بعض المقامات ولذا أطبقت على قسيميه مثل العارية والاجارة والمضاربة وغيرها عقودا استيمانية مع أن مصلحة القبض في غالبها يرجع إلى القابض فقط ، أو إليه وإلى المالك.

__________________

١ ـ الذكرة : ج ٢ ، كتاب اللقطة ، ص ٢٥٦.

٢ ـ التوبة / ٩٢.

٤٦

وأما الاستدلال عليه ، بنفي السبيل ففيه ـ بعد عرفت ـ أخص من المدعي وكذا ما استدل به المستدل المذكور ، من أن تضمين الامناء يوجب سد باب الاستيمانات فيلزم التعطيل والحرج إذ فيه ، أن الاغراض والدواعي كثيرة فكثيرا ما يقدمون العقلاء على ضررهم للاغراض لهم راجحة على جهة المال ية ، ألا ترى أن الغصب مع تضمنه عندهم وعند الشارع يقدمون عليه فمجرد التضمين لا يوجب الانسداد والحرج ، وكذا استدلاله بأن التضمين إضرار على القابض بلا سبب ، إذ فيه أن السبب هو الاخذ الذي وقع باختياره ، وقاعدة نفي الضرر لا يضر بتأثير الاسباب. فتدبر.

وبالجملة : فقد أطال القائل المذكور في تطبيق الفروع على ما ادعاه في حقيقة الاستيمان وفي الاستدلال ولم يأت بشئ أمكنت إليه النفس ، فالحق ما عرفت من مطاوي كلامنا المتقدمة ، من أن الاستيمان إنما يحصل بدفع المال على وجه الوثوق في الحفظ ولو لان ينتفع المدفوع إليه وهذا يستلزم التسليط من المستأمن ـ بالكسر ـ وأما مجرد الاذن في القبض مثل الاباحة الشرعية فليس استيمانا ومنه يظهر ، أن مثل الاذن في الاكل في المخمصة ليس استيمانا ، بل ومثل الاذن في الالتقاط إذ هو إباحة محضة ، نعم مادام الملتقط يقصد الحفظ لا ضمان عليه لامن جهة الاستيمان بل من جهة الاحسان فإذا قصد التملك أو تعدى أو فرط فقد خرج عن الاحسان ولزمه الضمان ، وكذا مثل الاذن في تأخير أداء الزكاة فإنه لا يقتضي أزيد من إباحته للتأخير.

وأما الوجه في عدم الضمان في الاستيمانات الشرعية ، فلان تسليط الشرع كتسليط المالك يستلزم عرفا رفع اليد عن ماليته عند تلفه غير المستند إلى قابضه ، فتدبر وتأمل ، فإن المسالة في كمال الغموض والاشكال ، فإني لم أجد ما يدل على أن

٤٧

استيمان الشارع كاستيمان المالك إلا أن مذاق الشرع يقضي بذلك.

ثم إن حال الامانة الشرعية حال الامانة المالكية في الشبهات المفهومية والمصداقية حسب ما مرت إليه الاشارة.

الثالث : لا فرق في ما ذكرنا من اقتضاء الاخذ للضمان بين أن لا يسبق الاخذ به آخذ آخر أو يسبقه ، للاطلاق ، ومن ذلك باب تعاقب الايدي ، نعم هنا إشكال في تصوير ضمان أشخاص عديدة لشخص واحد ، إذ كيف يتصور ثبوت مال واحد في العهدات المتعددة وكيف يتصور مالكية المالك للذمم ، وهل يملك الجميع أو واحدا بنفسه أو لا بعينه وأنه بعد استقرار الضمان على من وقع في يده التلف ، كيف حال رجوع بعضهم إلى بعض وكيف يملكون ذمائمهم.

لكنا لما ذكرناه ودفعه ، في محل آخر ، أغنانا عن التعرض في هذا المقام.

وأما ما يرجع إلى المأخوذ ، فأمور :

الاولى : أنه لا ريب في شمول الموصول للاعيان وهل يشمل المنافع؟ فيحكم بضمانها مطلقا ، أو يفصل بين المستوفاة منها وغيرها أو لا يحكم به مطلقا وجوه ، بل وأقوال ، فعن السرائر في باب المقبوض بالبيع الفاسد « أنه يجري مجرى الغصب في الضمان » (١)

وعن موضع منه « نسبته إلى أصحابنا » وهذا مع ما هو المحكي عنه في آخر باب الاجارة « من دعوى الاتفاق على ضمان منافع المغصوب حتى الفائتة منها » (٢) يدل على دعوى الاجماع على ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد التي هي من

__________________

١ ـ لم نجد من مظانه.

٢ ـ السرائر : آخر كتاب الاجارة ، ص ٢٧٥ ، الطبعة السابقة.

٤٨

أفراد قاعدة اليد ، والظاهر أن مدركه نفس القاعدة ، إذ لا مدرك له غيرها إلا ما دل على احترام مال المسلمم وهو لا يقضي إلا عدم حل التصرف لا ضمان المنافع خصوصا غير المستوفاة.

فقال في التذكرة في كتاب « الغصب » : « منافع الاموال من العبيد والثياب والعقار وغيرها ، مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية عند علمائنا أجمع لان المنافع مضمونة بالعقد الفاسد فتضمن بالغصب كالاعيان ولانها متقومة فإن المال يبذل لتحصيلها ، لو استأجر عينا لمنفعة فاستعملها في غيرها ضمنها فأشبهت الاعيان ولان كل مضمون بالاتلاف في العقد جاز أن يضمنه بمجرد التلف كالاعيان ، انتهى ملخصا ». (١)

وقال في مسألة البضع : « إنها لا تضمن بالفوات تحت اليد ، بل بالاتلاف بالوطي » ثم فرق بينها وبين سائر المنافع « بأن اليد لا تثبت على منافع البضع » واستشهد عليه بشواهد :

منها : انه لو تداعى اثنان نكاح امرأة يدعيان عليها ولا يدعي أحدهما على الآخر وإن كانت عنده ولو أقرت لاحدهما حكم بأنها منكوحته فإنه يدل على أن اليد لها لا له ، انتهى ملخصا. (٢)

وقال في منافع الحر مستدلا لما اختاره ، من أن منافعه غير المستوفاة غير مضمونة : « بأن منافعه في يده لان الحر لايدخل تحت اليد ، فمنافعه تفوت تحت يده فلم يجب ضمانها بخلاف الاموال. انتهى ملخصا ». (٣)

__________________

١ ـ التذكرة ج ٢ ، كتاب الغصب ، ص ٣٨١.

٢ ـ المصدر نفسه : ص ٣٨٢. ٣ ـ المصدر نفسه.

٤٩

ولا يخفى على المتأمل في عبائره يقطع ببنائهم على كون المنافع مضمونة لدخولها تحت اليد فيشملها ما يدل على ضمان اليد.

وقد استشكل فيه شيخنا الاستاذ الاكبر ـ وإن اختار إضرار الضمان من جهة إجماعي السرائر والتذكرة ـ « قال لا إشكال في عدم شمول الموصول للمنافع وحصولها بقبض العين لا يوجب صدق الاخذ ودعوى ـ أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الاعيان ـ مشكلة ، انتهى.

أقول : إن أراد عدم صدق الاخذ مستقلا فهو واضح ، إذ ليس حال المنافع مع العين مثل الاعيان المنضمة بعضها مع بعض المأخوذ بأخذ واحد لتحليلها إلى أخذ متعدد إلا أنه لا حاجة إليه ، إذ الخبر الشريف يدل على أن ما يستند إليه الاخذ فيكون مأخوذا ولو بالواسطة في عهدة الآخذ ، ولا إشكال في أن المنافع كما أنها مقبوضة بقبض العين فهي مأخوذة بأخذها ، فهو أخذ واحد يستند إلى العين بالاصالة وإلى المنافع بالتبع ولا يضر في عدم تعدد الاخذ بعد صدق الاخذ إلا أن يدعي عدم ظهوره في كونه مأخوذا بلا واسطة وهي ممنوعة جدا.

فالانصاف ، أن المنافع مضمونة بقاعدة اليد ، سواء كانت مستوفاة أو غير مستوفاة وسواء كانت لمالك العين أو لغيره كما لو أخذ العين المستأجرة فيضمن العين للمالك والمنفعة للمستأجر لصدق أنه مما أخذت اليد ، ويشهد له تسالم الاصحاب بالضمان مع عدم مدرك لهم خصوصا في غير المستوفاة إلا قاعدة اليد ، إذ قد عرفت أن دليل الاحترام لا ينفع في المقام.

ثم إن قوله ـ رحمه الله ـ ودعوى إلى قوله « مشكلة » لم نتحصل مراده إذ قد عرفت فيما تقدم أن الاخذ كناية عن الاستيلاء الفعلي وهو حاصل في المنافع أيضا

٥٠

بتبع العين فلا حاجة إلى دعوى أنه كناية عن مطلق الاستيلاء حتى يستشكل فيه ، فتدبر.

الثاني : بعد ما عرفت من دخول المنافع في قاعدة الضمان فهل تدخل فيها الحقوق المالية فيحكم بضمان الحقوق في الايادي الضمانية كما لو أخذ العين المرهونة فيضمن العين لمالكه والحق لصاحبه بقاعدة اليد ، أم لا ، لم أجد للاصحاب نصا في ذلك والظاهر هو الاول لان الحقوق المالية من مراتب الاموال فكما يصح استناد التفويت والاتلاف إليه فكذا يصح استناد الاخذ والقبض إليه على التقريب المتقدم في المنافع ، والحاصل : أن الحقوق كالمنافع اعتباران عقلائيان لا عيان الاموال مأخوذان بأخذها ومدفوعان بدفعها ، ولو سلمنا انصراف الاخذ والدفع إلى الاعيان فهو انصراف بدوي لا اعتداد بها ، وربما يشهد لذلك ما يذكرونه الاصحاب في مطاوي ما لو أتلف الرهن متلف كلا أو بعضا ألزم قيمته ويكون رهنا ، فراجع.

الثالث : يعتبر في المأخوذ ، أن يكون ملكا للمأخوذ منه فلو كان خمرا للمسلم فلا ضمان فيه ولو أخذه الذمي ، ولا يعتبر أن يكون قابلا لتملك الآخذ فلو تلف في يد المسلم خمر الذمي متستر به ضمنه دون ما إذا لم يكن مستترا.

والحاصل ، أن الآخذ والمأخوذ منه لمثل الخمر والخنزير إما أن يكونا مسلمين أو ذميين أو مختلفين فعلى الاول لا ضمان إلا أن يكون خمرة محترمة اتخذها للتخليل ، وعلى الثاني ، يأتي الضمان على شرط الاستتار ، وعلى الثالث فإن أخذ المسلم من الذمي ضمن على الشرط ، وإن انعكس فلا ضمان ، وفي موارد الضمان يحكم بضمان القيمة وإن كانت الخمر مثليا.

٥١

ثم إن الوجه فيما ذكرناه من التفصيل ظاهر وشمول دليل اليد لموارد الضمان مما لا إشكال فيه ، والميزان فيه تلف عين لشخص محكومة بانها ملكه ، فتدبر.

تتميم : يظهر من جماعة من الاصحاب تضمين الاولياء فيما ثبتت عليه يد المولى عليه وتلفت بالآفة السماوية إن علموا به معللين ذلك بأنه يجب على الولي حفظها بانتزاعها من يد من لا أمانة له.

قال في التذكرة ، في التقاط الصبي والمجنون والسفيه ، بعد الحكم بصحة التقاطهم في غير الحرم لانهم من أهل الاكتساب ، ويصح منهم الاحتشاش والاصطياد والاحتطاب إن لم يعرف الولي بالتقاطه وأتلفه الصبي ضمن ، وإن تلف في يده بغير تفريط منه لم يضمن لانه أخذ ماله أخذه فلا يكون عليه ضمان ، كما لو أودع مالا فتلف عنده وإن علم الولي لزم أخذها منه لانه ليس من أهل الحفظ والامانة فإن تركها في يد الصبي ضمنها الولي لانه يجب عليه حفظ ما يتعلق بالصبي من أمواله وتعلقاته وحقوقه وهذا قد تعلق به حقه فإذا تركها في يده صار مضيعا لها فضمنها ، انتهى ». (١)

وقال في جامع المقاصد : « يجب على الولي انتزاع اللقطة من يد الصبي والمجنون لانهما ليسا من أهل الامانة ولا من أهل حفظ ملكها واللقطة في معنى المملوك فكما يجب على المولى أخذ ما لهما من أيديهما ويحرم تمكينهما منه خوف إتلافه فكذا يجب انتزاع اللقطة ، ومع التقصير والتلف يضمن كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ، انتهى ». (٢)

وقال فيما بعد عند قول الماتن : ولو قصر الولي فلم ينتزعه حتى أتلفه الصبي

__________________

١ ـ التذكرة : ج ٢ ، كتاب اللقطة ، ص ٢٥٥.

٢ ـ جامع المقاصد : ج ٢ ، كتاب اللقطة.

٥٢

أو تلف ، فالاقرب تضمين الولي ، وجه القرب ، إن حفظ أموال الصبي واجب على الولي فإذا تركها في يده فقد عرضها للتلف فيكون مفرطا ، وكلما تلف من الامانة في حال تفريط الامين في حفظها فهو مضمون عليه ، لا محالة ، ويحتمل ضعيفا العدم لانه لم يدخل في يده وهو ليس بشئ ، انتهى. (١)

أقول : ظاهر كلامهم بل صريحه ، أن الولي يضمن بمجرد التقصير في الانتزاع وإن لم يصدق أن المال تحت يده وتستفاد منهم قاعدة كلية ، وهي أن كل من كان مأمورا بحفظ مال وإن لم يكن تحت يده يضمن إذ فرط في الحفظ ، والظاهر ارسالهم هنا إرسال المسلمات مع فقد المدرك الواضح لها فالشأن في بيان مدركها ، فإن تحقق فهي قاعدة كقاعدة « اليد » وإلا فهي على خلافها لا يصار إليها إلا في مورد وقع الاجماع منهم عليه.

فنقول : يمكن أن يستدل عليها بما رواه ابن هاشم في حسنته ، قال : قلت لابي عبد الله ـ عليه السلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ قال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لانها قد خرجت عن يده وكذا الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه وإن لم يجد فليس عليه ضمان. (٢)

وتقريب الاستدلال ، أن ذكره ـ عليه السلام ـ الوصي مع عدم وقوع السؤال عنه ، يشهد بأن حكم صاحب الزكاة ليس مخصوصا به ، بل ويأتي في كل من كان وليا

__________________

١ ـ جامع المقاصد : ج ٢ ، كتاب اللقطة.

٢ ـ الوسائل : ج ١٣ ، الباب ٣٦ من أبواب احكام الوصايا ، الحديث : ١.

٥٣

على أمر ففرط فيه يضمن ومنهم الوصي.

لكن فيه ، أنه لا دلالة لها على ضمان الوصي ولو لم يكن المال تحت يده ، بل وظاهر قوله ـ عليه السلام ـ : « ضامنا لما دفع إليه » أنه وضع يده عليه فيكون منطبقا على قاعدة اليد مع خيانة الامين ، ودعوى ـ أن المراد بالدفع إليه دفع أمره إليه ـ غير ممنوعة ، إذ هي دعوى لخلاف الظاهر ، بلا شاهد عليها.

ويمكن الاستدلال لها بما رواه أبان ، عن رجل ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجل أوصى إلى رجل ، أن عليه دينا ، فقال : يقضي الرجل ما عليه من دينه ويقسم ما بقي بين الورثة ، وقلت : فسرق ما أوصى به من الدين ممن يؤخذ الدين أمن الورثة أم من الوصي؟ قال : لا يؤخذ من الورثة ولكن الوصي ضامن لها. (١)

وهذه الرواية أحسن من الاولى من وجه لعدم تقييدها بكون التركة تحت يد الورثة فهي باطلاقها تدل على الضمان بعد تقييدها بالتفريط إذ لا ضمان بدونه ضرورة إلا أن الانصاف ظهورها في دخول المال تحت يد الوصي إذ الظاهر أن فرض السرقة بعد التقسيم غير المنفك غالبا عن التصرف فيكون سبيل هذه كسبيل سائر الروايات الواردة في هذا الباب ، مثل ما رواه الحلبي عن الصادق ـ عليه السلام ـ إنه قال : في رجل توفي فأوصى إلى رجل وعلى الرجل المستوفى دين فعمد الذي أوصى إليه فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته وقسم الذي بقي بين الورثة فسرق الذي للغرماء من الليل ممن يؤخذ؟ قال : هو ضامن حين عزله في بيته تؤدى من ماله. (٢)

__________________

١ ـ الوسائل : ج ١٣ ، الباب ٣٦ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٤.

٢ ـ المصدر نفسه : الحديث : ٢.

٥٤

هذا كله ، مع أنها لا دلالة لها إلا على ضمان الوصي وأين هذا من كلية ضمان الاولياء والمأمورين بالحفظ.

وربما يستأنس لها بما ورد في عدم ضمان الحمامي ، مثل ما رواه في قرب الاسناد بإسناده إلى علي ـ عليه السلام ـ إنه كان لا يضمن صاحب الحمام وقال إنما يأخذ أجرا على الدخول إلى الحمام. (١)

وما رواه اسحاق بن عمار ، عن جعفر عن آبائه ، عن علي ـ عليه السلام ـ كان يقول لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب لانه إنما أخذ الجعل على الحمام ولم يأخذه على الثياب. (٢)

وجه الاستيناس ، أنها تشير إلى أن صاحب الحمام لو يأخذ الجعل على حفظ الثياب يضمنه بالتفريط فيه لكن الموضوع عند الحمامي أي في محل معد للوضع فيه يصدق عليه أنه تحت يده فيكون الضمان على القاعدة إلا إذا ثبتت امانته كما يشهد به التعليل في رواية لعدم ضمانه « بأنه أمين » فتأمل.

وبالجملة : فالاعتماد في أمر مخالف للقواعد المقررة على هذه الظواهر والاستيناسات في كمال الاشكال ، والاغماض عما أرسله مثل العلامة والمحقق الثاني إرسال المسلمات أشكل.

فلنختم الكلام فيما أردناه من التكلم في قاعدة « اليد » وأرجو من الله تعالى أن ينتفع به الناظر الخبير ببركة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ خصوصا من جور مرقدهم ومشهدهم بسامراء ـ عليهم السلام ـ ما دامت الارض والسماء.

والحمد لله أولا وآخرا

__________________

١ ـ الوسائل : ج ١٣ ، الباب ٢٨ من أبواب أحكام الاجارة ، الحديث : ٢.

٢ ـ المصدر نفسه : الحديث : ٣.

٥٥

فهرس

رسالة «قاعدة ضمان اليد»

تقديم : في حياة المؤلف........................................................... ٣

قاعدة ضمان اليد ودلالتها...................................................... ٢١

اختصاص الاستيلاء بالأخذ العدواني وعدمه....................................... ٢٥

كفاية الاستيلاء حدوثا.......................................................... ٢٧

في عدم عموم الدليل للمأذون................................................... ٢٩

ما ورد حول الاستيمان......................................................... ٣١

خروج مطلق الأيدي المأذونة وعدمه.............................................. ٣٣

عدم ضمان الأمين.............................................................. ٣٧

الشبهة المفهومية في المخصص ( الأمين ).......................................... ٤١

الكلام في الشبهة المصداقية للمخصص ( الأمين ).................................. ٤٣

الأخذ على وجه الأمانة الشرعية................................................. ٤٥

تضمين الأمناء يوجب سد باب الاستيمان........................................ ٤٧

فيما يرجع إلى المأخوذ.......................................................... ٤٩

في ضمان الحقوق المالية......................................................... ٥١

في ضمان الأولياء لما في أيديهم................................................... ٥٣

ما دل على تضمين الأولياء...................................................... ٥٥

٥٦