اشارة السبق

أبو الحسن علي بن الحسن الحلبي

اشارة السبق

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسن الحلبي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٢

أراد قضاءه عن يوم من شهر رمضان بعد الزوال ، فأما كفارة مفوت صلاة العتمة فاليوم الذي يلي ليلة فواتها ، وليس في تعمد فطرة إلا التوبة.

وكل صوم وجب متابعا حكمه في وجوب الاستئناف أو البناء ما أشرنا إليه.

أو ندب فجميع أيام السنة (١) عدا ما يحرم صومه منها. وتتفاضل بعضها على بعض في تأكيد الندبية وعظيم المثوبة ، فوجب كله ويتأكد أوله وثالثة وسابع عشرين منه.

وشعبان كله وأوله ويوم النصف منه أشد تأكيدا ، وتسع ذي الحجة وأوله وتاسعه لمن لم يضعفه عن الدعاء ، وثامن عشرة وخامس العشرين من ذي القعدة ، وعاشر المحرم للحزن والمصيبة. وسابع عشر ربيع الأول ، والثلاثة الأيام من كل شهر : أول خميس في عشرة الأول وأول أربعاء في عشرة الثاني ، وآخر خميس في عشرة الأخير ، والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الأيام البيض منه (٢).

والأيام الثلاثة المختصة بالاستسقاء أو بالحاجة والشكر.

أو أدب فإمساك من اتفق بلوغه أو طهر من حيض أو غيره أو قدومه من سفر أو إسلامه بعد كفره أو برؤه من سقمه في يوم من شهر رمضان (٣) بقيته وقضاء يوم بدله.

أو محظور وهو صوم العيدين ويوم الشك على أنه من رمضان ، وأيام التشريق بمنى ونذر المعصية والوصال بجعل العشاء سحورا أو الصمت بأن لا يتكلم فيه والدهر إذا لم يستثن فيه ما هو محرم.

__________________

(١) هكذا في « م » ولكن في « ا » : أو ندب الجميع أيام السنة ، وفي « ج » : أو ندب الجميع الأيام السنة.

(٢) في « م » : لأيام البيض منه.

(٣) في « أ » : في يوم شهر رمضان.

١٢١

أو مكروه وهو صوم الزوجة والعبد والضيف تطوعا إلا بإذن الزوج والسيد والمضيف.

فجملة أقسام الصوم على ما ذكرناه خمسة : واجب وندب وأدب ومحظور ومكروه ، فالواجب إما مضيق ، فصوم شهر رمضان والقضاء والنذر والعهد وصوم الاعتكاف. أو مرتب فصوم دم الهدي وكفارة حلق الرأس والظهار والقتل. أو مخير وهو ما عدا ما ذكرناه.

وينبغي للصائم تجنب المسموعات القبيحة والمشمومات الزكية ، وآكدها النرجس والتسوك بالرطب وبل الثوب على الجسد للتبرد والتمضمض والتنشق كذلك.

وقطر الدهن في الأذن وتنقيص الدم (١) ودخول حمام يضعفه دخولها وملاعبة النساء ومباشرتهن بشهوة ، والكحل بما فيه صبر (٢) أو ما أشبهه ، والحقنة بالجوامد مع المكنة ، والنظر إلى كل منهي عنه والخوض في الحديث (٣) في كل ما لا يحل ، فإن ذلك وإن لم يكن مفسدا للصوم إلا أن فيه ما يتأكد خطره ، وفيه ما يتأكد كراهيته ، لحرمة الصوم وينبغي قطع زمانه بالطاعات والقرابات دون غيرها.

__________________

(١) في « أ » : وتنفيض الدم. وفي « م » وتنفيض الدم.

(٢) الصبر : ـ بكسر الباء في الأشهر ، وسكونها للتخفيف لغة قليلة ـ : الدواء المر. المصباح.

(٣) في « ج » : والخوض بالحديث. وفي « أ » : والخوض في حديث.

١٢٢

[ كتاب الحج ]

وأما الكلام في ركن الحج :

فهو إما فرض : فمطلق وهو حجة الإسلام أو عن سبب فبالنذر والعهد والقضاء.

وإما سنة : وهو ما عدا ذلك ، فالمطلق منه لا يجب في العمر أكثر من مرة واحدة بشرط الحرية ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والاستطاعة له بالصحة ، وتخلية السرب ، وحصول الزاد ، والراحلة ، والقدرة على الكفاية التامة ذاهبا وجائيا مع العود إليها ، والتمكن منها لمن يخلفه ممن تجب عليه نفقته من زوجة وولد وغيرهما.

ويزاد عليها من شروط صحة أدائه الإسلام والوقت والنية والختنة.

والمسبب منه بحسب سببه إن كان مرة أو أكثر على أي وجه تعلق لزم باعتباره.

والسنة منه متى دخل فيه بها من لا يلزمه ذلك شاركت الفرض بعد الدخول في وجوب المضي فيه إلى آخره ، وفي لزوم ما يلزم بإفساده وإن كانت مفارقة له بأنه

١٢٣

لا يجب الابتداء به لها ولا يتداخل الفرضان فيه.

وحكم المرأة في وجوبه مع تكامل شروطه حكم الرجل ولا يحتاج فيه إلى وجود محرم. ويخرج حجة الإسلام من أصل تركة الميت أوصى بها أم لا ، ومن حج ببذل غيره له ما يحتاج إليه لكونه فاقد الاستطاعة صح حجه ولا يلزمه قضاؤه لو استطاع بعد ذلك.

ثم الحج إما تمتع بالعمرة بتقديمها واستيفاء مناسكها إحراما وطوافا وسعيا ، والإحلال منها تقصيرا ، والإتيان بعدها بمناسك الحج ، فهو فرض كل ناء عن مكة ممن ليس من أهلها (١) ولا حاضرين المسجد.

وأقل نأيه أن يكون بينه وبينها من كل جانب اثنا عشر ميلا فما فوقها جملتها من الجوانب الأربع ثمانية وأربعون ميلا ، فمن هذا حكمهم لا يجزيهم في حجة الإسلام إلا التمتع أو قران بإقران سياق الهدى إلى الإحرام ، واستيفاء مناسك الحج كلها والاعتماد بعدها ، أو إفراد بأفراد الحج من ذلك والإتيان بما يأتي القارن سواء عدا سياق الهدى فكل منهما فرض أهل مكة وحاضريها ممن بينه وبينها ما حددناه فما دونه.

ولا فرق بين مناسك الحج على الوجوه الثلاثة إلا بتقديم عمرة التمتع وإفرادها بعد الحج للقارن والمفرد وبوجوب الهدي على المتمتع ، وعلى القارن بعد التقليد أو الاشعار وسقوطه عن المفرد.

فأول المناسك الإحرام لأنه ركن يبطل الحج بتعمد تركه لا بنسيانه.

__________________

(١) في « س » : من مكة ليس من أهلها.

١٢٤

ومن شرط صحته الزمان : شوال وذو القعدة وثمان من ذي الحجة للمختار وتسع للمضطر (١) إلى أن يبقى من الوقت ما يدرك فيه عرفة ، إذ الإحرام للتمتع بالعمرة أو الحج (٢) في غير هذا الوقت لا ينعقد.

والمكان هو أحد المواقيت المشروعة إما بطن العقيق ويندرج فيه المسلخ وغيره ، وذات عرق ويختص بالعراقيين ومن حج على طريقهم. أو مسجد الشجرة وهو ذات الحليفة ويختص بأهل المدينة ومن سلك مسلكهم. أو الجحفة وهي المهيعة ويختص بالشاميين ومن إلى نهجهم. أو يلملم ويختص باليمنيين (٣) ومن نحا نحو هم. أو قرن المنازل وهي لمن حج على طريق الطائف ومن والاهم في طريقهم.

فتجاوز أحد هذه المواقيت بغير إحرام لا يجوز ويلزم معه الخروج إليه إن كان اختيارا على كل حال وإلا فلا حج له ، وعليه إعادته قابلاً وإن كان اضطرارا أو نسيانا وجب الرجوع إن أمكن وإلا مع تعذره يصح الإحرام في أي موضع ذكره وأمكنه.

ولا ينعقد قبل بلوغ الميقات وينعقد من محاذاته إذا منعت ضرورة خوف أو غيره من إتيانه.

__________________

(١) بمعنى التوسعة ، وهو لغة ، قال النابغة :

تسع البلاد إذا أتيتك زائرا

وإذا هجرتك ضاق عني مقعدي

المصباح.

وفي « س » : « وضع للاضطرار » بدل « وتسع للمضطر ».

(٢) في « س » : إذ الإحرام للمتمتع بالعمرة أو يحج.

(٣) في « م » : باليمانيين.

١٢٥

ولبس ثوبيه (١) بعد تجرده من المخيط يأتزر (٢) بأحد هما ويرتدي بالآخر ، وكل ما تصح الصلاة فيه معها يصح فيه الإحرام ، ومستحبها أو مكروهها فيها مستحبة أو مكروهة فيه ، ويعتبر طهارتهما وملكيتهما أو استباحتهما ، ومع الضرورة يجزي ثوب واحد.

ويجوز عند خوف البرد الاشتمال بما أمكن دفعه به ما لم يكن مخيطا من كساء وغيره والاتشاح (٣) على الظهر بالرداء المخيط كالقباء وشبهه مقلوبا ، وقيل إذا اضطر إلى لبس أجناس الثياب المخيط لضرر لا يمكن دفعه (٤) إلا بها جاز لبسها جملة واحدة لا متفرقة ، وأجزأت عنها كفارة واحدة.

وعقده بالنية والتلبيات الأربع الواجبة : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك (٥) لا شريك لك لبيك » لا ينعقد إلا بها أو بما حكمه حكمها من إيماء الأخرس. وتقليد القارن هديه وإشعاره.

ومن السنة في الإحرام النظافة بقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبطين وحلق العانة والغسل ، والصلاة كما قدمناه ، وعقده عقيب فريضة أفضلها الظهر والدعاء عقيب صلاته ، وذكر الوجه الذي يحج عليه في الدعاء ان كان التمتع أو غيره والاشتراط فيه ، وإضافة التلبيات المندوبة إلى الواجبة ورفع الصوت بها ، وذكر

__________________

(١) في « م » : ولبس ثوبه.

(٢) في « م » : يتزر.

(٣) اتشح بثوبه وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه إلى منكبه الأيسر ، كما يفعله المحرم. المصباح.

(٤) في « ا » : « رفعه » بدل « دفعه ».

(٥) في « م » : « لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لبيك » وفي كيفية التلبيات الأربع بين الأصحاب اختلاف ، لاحظ الحدائق ١٥ ـ ٥٤.

١٢٦

جهة الحج فيها إن كانت متعة أو غيرها ، وكذا إن كان نيابة ذكر المحجوج عنه فيها وتكرارها أعقاب الصلوات ، وعند الانتباه من النوم وبالأسحار ، وكلما علا نجدا أو هبط غورا أو رأى راكبا أو أشرف على منزل.

وكون الملبي على طهارة من تمام فضلها ولا يقطعها المتمتع حتى يشاهد بيوت مكة والقارن والمفرد حتى تزول الشمس من يوم عرفة.

وإذا انعقد الإحرام وجب على المحرم اجتناب الصيد أكلا وإطعاما وبيعا وشراء وإمساكا وأخذا وذبحا وطبخا ورميا وحذفا وإشارة ودلالة ، والنساء وما يتعلق بهن من جماع واستمناء وتقبيل وملامسة ونظر بشهوة وعقد نكاح على الإطلاق لنفسه أو لغيره وشهادة به ، والأطياب الخمسة : المسك والعنبر والعود والزعفران والكافور استعمالا وادهانا (١) وما يتبعهما ، ولبس المخيط وتغطية الرأس وتظليل المحمل وستر ظاهر القدم إلا لضرورة ، وستر المرأة وجهها ولبسها القفازين (٢) والمشي تحت الظلال سائرا لا الجلوس تحته نازلا ، وتختم الزينة ، وإزالة ما يرجع إلى الرأس والبدن من شعر أو دم أو لحم أو جلد أو ظفر أو قمل أو غيره ، وحك الجسد حتى يدمي وشد الأنف من رائحة كريهة ، وحمل السلاح وإشهاره لا لحاجة إليه ، وقيل لا مدافعة (٣) والارتماس في الماء وقطع ما ليس في ملكه من شجر الحرم ، وجز ما عدا الإذخر (٤) من حشيشه ، وقتل شي‌ء من الزنابير والجراد

__________________

(١) في « ا » : استعمالها وادهانا.

(٢) القفاز : مثل التفاح : شي‌ء تتخذه نساء الأعراب ، ويحشى بقطن يغطي كفي المرأة وأصابعها. المصباح.

(٣) هكذا في « ج » و « س » ولكن في « م » : وقتل الأسد للمدافعة وفي « أ » : وقتل الأسد لا مدافعة.

(٤) الإذخر ـ بكسر الهمزة والخاء ـ : نبات معروف زكي الريح. المصباح.

١٢٧

اختيارا ، أو إخراج شي‌ء من حمام الحرم منه وغلق باب على شي‌ء منه حتى يهلك ، والجدال وهو قول : لا والله ، وبلى والله ، صادقا وكاذبا ، والفسوق وهو الكذب على الله تعالى أو على أحد حججه ـ عليهم‌السلام ـ.

وما يلزم على ذلك من الكفارات منه ما يستوي فيه العامد والناسي وهو العبد فالحر البالغ العاقل المحرم إذا قتل ما له مثل من الصيد أو ذبحه فعليه فداؤه بمثله من النعم إذا كان في الحل ، وفي الحرم عليه الفداء مضاعفا أو القيمة معه ، والعبد كفارته على سيده ، وكذا من ليس بكامل العقل كفارته على وليه المدخل له في الإحرام ، فإن كرر ذلك ناسيا تكررت الكفارة عليه. وقيل : هذا حكمه إن كرر متعمدا. وقيل : إن تعمد التكرار يكون ممن ينتقم الله منه (١).

ففي النعامة بدنة إن وجدها وإلا فقيمتها ، وفي الحمار الوحشي بقرة وكذا في البقرة الوحشية مع الوجدان وإلا فالقيمة. وفي الظبي وما في حكمه من الصيود شاة لمن وجدها وإلا فقيمتها أو عدلها صياما ، وقد بيناه ، وكذا في الثعلب والأرنب وفي الضب وشبهه حمل (٢) ، وكذا في اليربوع والقنفذ. والأرش في كسر أحد قرني الغزال ، ربع قيمته ، وفي كسر هما معا نصفها ، وفي إتلاف إحدى عينيه نصف قيمته ، وفيهما جميعا جميعها وكذا حكم يديه ، ومثله حكم رجليه ، وفي تنفير كل حمامة من حمام الحرم فلا ترجع أو إخراجها أو ذبحها ، شاة ، وفي فرخها حمل ، وفي كل بيضة لها درهم ، وفي حمامة الحل درهم ونصفه في فرخها وربعه في كل بيضة من بيضها ، وفي كل بيضة نعامة فقيل إن كان الفرخ فيها متحركا وإن لم يكن كذلك (٣)

__________________

(١) في « أ » : يكون ممن ينتقم منه.

(٢) في « ا » : جمل. والصحيح ما في المتن. والحمل بفتحتين : ولد الضائنة في السنة الأولى. المصباح.

(٣) في « ا » : فإن لم يكن كذلك.

١٢٨

فإرسال الفحول من الإبل على إناثها بعدد البيض ويكون نتاجها هديا إن كان لمن لزمه ذلك إبل وإلا فعن كل بيضة شاة وإلا فالصيام المذكور.

وفي بيض الدجاج أو الحجل (١) إرسال فحولة الغنم (٢) في إناثها على العدد فما نتج كان هديا.

وفيما لا مثل له كالعصفور وشبهه إما قيمته أو عدلها صياما ، وفي قتل الأسد ابتداء كبش ، وفي الزنبور أو الجرادة كف من طعام وفيما زاد على ذلك مد وفي كثيره دم شاة.

وإذا رمى المحرم صيدا فأصابه وفاته بغيبته عنه لزمه فداؤه فإن شاهده بعد ذلك كسيرا لزمه ما بين قيمته في حالي صحته وكسره ، والمشارك في ذلك كالمستبد به والدال كالقاتل إذا قتل ما دل عليه ، ولا بأس بصيد البحر ولا بالدجاج الحبشي.

ومنه ما لا يلزم فيه كفارة إلا مع العمد دون السهو وهو إما مفسد للحج فالجماع في الفرج في إحرام العمرة وكذا في إحرام الحج قبل الوقوف بعرفة وكذا بعد وقوفها قبل الوقوف بالمشعر ويلزم إفساد الحج وإن كان فاسدا أو إعادته قابلاً وكفارة بدنة وهي كفارة الوطئ في الدبر ، وإتيان العبد أو البهيمة (٣) وهل يفسد ذلك ويوجب الإعادة إذا كان قبل الموقفين أو أحدهما أم لا؟ فيه تردد.

وإما غير مفسد فالبدنة أيضا كفارة من أمنى بتقبيل الزوجة أو مباشرتها

__________________

(١) الحجل : طائر في حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين. المنجد.

(٢) في « ا » : إرساله فحولة الغنم. وفي « م » : وإرسال فحول الغنم.

(٣) في « س » : وإتيان العبد والبهيمة.

١٢٩

بشهوة أو بالنظر إلى غير أهله مع قدرته وإيساره ومع إعساره بقرة فإن عجز عنها فشاة ، فإن لم يجدها فصيام ثلاثة أيام ، وهي أيضا كفارة الوطء بعد وقوف المشعر قبل الإحلال وكفارة عاقد النكاح لغيره إذا كانا محرمين ودخول المعقود له بالمعقود عليها وتحرم عليه أبدا (١) ويفرق بين الرجل وزوجته أو أمته إذا جنى جناية تفسد الحج من موضعها ولا يجتمع بها إلا وبينهما ثالث إلى أن يحجا من قابل ويبلغ الهدي محله ، وكلما تكرر تعمد الوطء تكررت كفارته إن تقدم التكفير عن الأول أولا أو كان (٢) إيقاعه متفرقا أو في مجلس واحد.

والشاة كفارة استعمال شي‌ء من أجناس الطيب المحرم بشم أو أكل أو غير هما أو أكل شي‌ء من الصيد أو بيضة أو تظليل (٣) المحمل أو تغطية رأس الرجل أو وجه المرأة لا عن عذر (٤) عن كل يوم دم ومع العذر الضروري عن جميع الأيام دم ، وهي كفارة لبس المخيط مجموعا جملة لا متفرقا ، فأما إن فرق فعن كل صنف منه دم ، ولا ينزعه إذا اختار ذلك من جهة رأسه بل من قبل رجليه ، وهكذا تقليم أظفار اليدين والرجلين جميعا فإن تفرق تقليمهما في مجلسين ففيهما دمان وفي قص الظفر الواحد مد من طعام وكذا إلى أن يأتي على الجميع فيلزم ما بيناه ، وجدال الصادق ثلاثا فيه ذلك وهو أيضا في جداله مرة كاذبا ، وبقرة في المرتين ، وبدنة في الثلاث فصاعدا وهي كفارة حلق الرأس أو إطعام ستة مساكين أو الصيام ، وكفارة قص الشارب أو نتف الإبطين أو حلق العانة وفي أحد الإبطين

__________________

(١) في « س » : ودخل المعقود له بالمعقود عليها ومحرم عليه أبدا.

(٢) في « ج » و « س » : وكان.

(٣) هكذا في « س » ولكن في غيرها : « التضليل » وهو تصحيف.

(٤) في « م » : إلا عن عذر.

١٣٠

ثلاثة مساكين وكف من طعام لإسقاط ما يمر من شعر الرأس أو اللحية (١) في غير طهارة ، ونتف ريشة طائر ولقتل القمل أو إزالته (٢) أو إدماء الجسد بحكه مد من الطعام.

والشاة لقطع الصغيرة من شجر الحرم المعين ذكره. جثة (٣) من أصلها ، وللكبيرة بقرة ، ولجز الحشيش الموصوف منه أو قم بعض الشجرة صدقة ، أعلاها شاة وأدناها مد من طعام وما عدا ما ذكرناه فيه الإثم ، ويستمر المحرم على ما هو عليه حتى يصل مكة فيدخلها من أعلاها مغتسلا ذاكرا وحينئذ يجب عليه الطواف لأنه ركن تعمد تركه مبطل الحج ، وموجب إعادته ، ومع الاضطرار أو النسيان يقضي بعد الفراغ من المناسك ويمتد للمتمتع من حين دخول مكة إلى زوال الشمس من يوم التروية ويتضيق إلى أن يبقى من التاسع ما يدرك فيه عرفة آخر وقتها ، وللقارن والمفرد من حين دخولهما إلى بعد الموقفين فتقديمه عليهما وتأخيره عنهما جائز لهما.

ومن مقدمات سننه : الغسل والدعاء على باب بني شيبة والدخول منه بوقار وذكر الدعاء عند معاينة الكعبة وعند الحجر وتقبيله واستلامه. ومن فروضه الطهارة من الأحداث والأنجاس وستر العورة.

وابتداؤه بالنية على شروطها قبالة الحجر وجعلها على يسار الطائف والمقام على يمينه طائفا بينهما خارج الحجر يجوز عدده سبعة أشواط ، فإن زاد عامدا أو نقص بطل طوافه ، وناسيا يسقط الزائد ، ويتم الناقص ، ويبطل بشكه في جملته

__________________

(١) في « ج » : واللحية.

(٢) في « س » : وإزالته.

(٣) الجث : القطع.

١٣١

لا يحرز منه شيئا (١) وفي شكه بين ستة أو سبعة ، ويبني على الأقل إذا شك فيما دون ذلك وقطعه مختارا لا لصلاة فريضة حاضرة يبطله ، وكذا قطعه لضرورة ولم يكن أتى على أكثره ، ولا يلزم استئنافه بالشك بين سبعة وثمانية ، ولو ذكر في أثناء الثامن لقطعه ولم يلزمه شي‌ء فإن لم يذكر حتى أتمه صلى للأول ركعتين وأضاف إلى الشوط الزائد ستة ليصير له طواف آخر.

ومن سننه المقارنة له ، تقبيل الحجر واستلامه في كل شوط واستلام الأركان وتقبيلها وخاصة الركن اليماني ، والدعاء عند كل ركن وعند الباب والميزاب (٢) وقراءة ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) والتزام الملتزم ووضع الجبين والصدر والذراعين وتمريغ الخدين على المستجار (٣) في سابع شوط ، والتضرع وطلب التوبة وذكر ما ورد من الدعاء في كل موضع يختص به ، والتعلق بالأستار والخشية ، والاستغفار.

وإذا فرغ منه صلى عند مقام إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ ركعتين يقرأ سورة الإخلاص في الأولى منهما وفي الثانية سورة الجحد بعد الحمد وكذا لكل طواف يطوفه فرضا أو سنة وبعد صلاته يأتي زمزم استحبابا يغتسل بشي‌ء من مائها أو يصيب على بعض جسده ويشرب منه راعيا بماء ندب مستقيما من الدلو المقابل للحجر خارج بعد ذلك إلى السعي من الباب المقابل له.

والسعي بعد فراغه من الطواف ركن يبطل بتعمد تركه الحج وحكم الاضطرار والنسيان فيه حكمه في الطواف ، وأول وقته بعد الفراغ منه ويمتد بإمداد

__________________

(١) في « س » : لا يجز منه شيئا.

(٢) في « س » : عند الباب في الميزاب.

(٣) المستجار من البيت الحرام هو الحائط المقابل للباب دون الركن اليماني بقليل. مجمع البحرين.

١٣٢

وقته ، وحكم كل منهما في الزيادة والنقصان والسهو والشك ، حكم الآخر سواء.

ومن سننه الطهارة ، وصعود أعلا الصفا والذكر المأثور والدعاء المرسوم مستقبلا به الكعبة ماشيا لا راكبا في جميعه وفروضه ابتداؤه بنيته من أسفل الدرج مبتدئ بالصفا مختتما بالمروة ساعيا بينهما سبعة أشواط محرزا عددها.

وسننه المقارنة المشي من الصفا بدعاء وخشوع إلى حد الميل والهرولة منه بتقديس (١) ودعاء إلى الميل الآخر ثم المشي إلى المروة على ما وصفناه من الدعاء هكذا في كل شوط.

ويتحرى في كل موضع ما يخصه من الدعاء ويقرأ ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) ولو وقف من إعياء أو جلس لا بين الصفا والمروة بل على كل واحد منهما لم يكن به بأس وكذا لو سعى راكبا ، فإن كان متمتعا وجب عليه عند فراغه منه التقصير ، وخير مواضعه المروة يقص بنيته شيئا من أظفاره أو أطراف شعر رأسه أو لحيته داعيا ذاكرا وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم ، والأفضل التشبه بالمحرمين إلى أن يحرم بالحج ولو لبى به قبل أن يقصر متعمدا لبطلت متعته وصارت حجته مفردة ، ولو فعل ذلك ناسيا لم تبطل بل يلزمه دم شاة.

وإحرام الحج ركن مفروض يبطل بتعمد تركه الحج لا بنسيانه (٢) أو السهو عنه وخير وقته بعد الزوال من يوم التروية ، وأشرف مواضعه في المسجد عند المقام أو تحت الميزاب ، وإن كان عقده في أي موضع كان من مكة جائزا ، ويتقدمه من التنظيف والغسل والصلاة والدعاء المختص بذكره وتعيينه وعقده عقيب فريضة

__________________

(١) في « س » : بنقل يسير.

(٢) في « ج » : إلا بنسيانه.

١٣٣

ما يتقدم إحرام العمرة ، ويجب فيه من لبس ثوبيه وتعيين نيته لعقده بها (١) وبالتلبيات الأربع المذكورة ومن مقارنة النية واستدامة حكمها ما يجب في ذلك وكذا في كل ما يجب اجتنابه من المحرمات المذكورة عليه ، ولا يرفع فيه صوته بالتلبية إلى أن يخرج من مكة مشرفا على الأبطح فحينئذ يرفع صوته بها (٢) جامعا بين الواجبة والمندوبة منها حتى يأتي منى فيدعو بما يخصها ، ويبيت بها ليلة عرفة ويفيض منها بعد صلاة الفجر إلى عرفات ، وإن كان إماما فبعد طلوع الشمس ويدعو عند إفاضته منها بدعائها ويلبي ويقرأ ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) حتى يأتي عرفات فيضرب خباه (٣) بنمرة وهي بطن عرفة ، ويجب الوقوف بها لأنه ركن حكمه حكم باقي الأركان ، ويزيد عليها بأن فواته اضطرارا ولا يحصل الوقوف بالمشعر اختيارا يبطل معه الحج ، وأول وقته من بعد زوال الشمس في اليوم التاسع وآخره للمختار وللمضطر ساعة من ليل العاشر.

والمعتبر في وجوبه أن لا يكون في الجبل مع الاختيار ولا في نمرة ولا ثوية ولا ذي المجاز ولا تحت الأراك وأفضل محالة في ميسرة الجبل ويتأكد الغسل له ، فإذا زالت الشمس قطع التلبية وأتى موضع الوقوف وعقد بنية الواجبة بمعتبراتها مستديما حكمها إلى الغروب ولو أفاض قبل ذلك مع العمد والعلم بأنه لا يجوز وجب عليه بدنة. ومن أكيد السنن قطع مدة الوقوف بالتكبير والتحميد والتهليل والتسبيح والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعاء الموظف كذلك بحيث لا يشتغل وقته ولا يقطعه بغير ذلك.

__________________

(١) في « ا » : لعقده بهما.

(٢) في « أ » و « م » : يرفع بها صوته.

(٣) الخباء : ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسكن. المنجد.

١٣٤

وينبغي أن يكون مشتري (١) الهدي من عرفات ليساق إلى منى ويدعو عند الغروب بدعاء الوداع ويفيض إلى المشعر ذاكرا بحيث لا يصلي العشائين إلا به جامعا بينهما بأذان وإقامتين وكذا في صلاة الظهرين يوم عرفة ويبيت به متهجدا داعيا إلى ابتداء طلوع الفجر فإن ذلك أول وقت الوقوف به.

وحكمه في الوجوب والركنية حكم الوقوف بعرفة ، ويمتد للمختار إلى ابتداء طلوع الشمس وللمضطر الليل كله ، ففواته اختيارا لا حج معه واضطرارا إذا لم يكن حصل وقوف عرفة اختيارا كذلك.

ومن شرط صحته نيته بما يتبعها من مقارنة واستدامة والذكر بأقل ما يسمى المرء ذاكرا.

وأن لا يكون مع الاختيار في الجبل ، ومن أكيد سننه ما أمكن مما ذكرناه (٢) أنه يستحب يوم عرفة من الأذكار والدعاء الموظف له وقطع زمان الوقوف بذلك ، فإذا ابتدأ طلوع الشمس وجب الإفاضة منه إلى منى ، وينبغي قطع وادي محسر (٣) بالهرولة للراجل وتحريك دابة الراكب به ، فإذا أتى منى يوم العيد لزمه فيها ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات وأفضل الحصى ما التقط من المشعر على قدر رأس الأنملة ويجوز من جميع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، والحصى الذي يرمى به يكره مكسرة وسودة ، وأجوده البيض والحمر والبرش وجملته

__________________

(١) في « م » : يشتري.

(٢) في « ج » و « س » و « أ » : ممن ذكرنا.

(٣) وهو بين منى ومزدلفة ، سمي بذلك لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فخسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات ، المصباح.

١٣٥

سبعون حصاة ، فإذا أراد الرمي أتى الجمرة القصوى (١) وهي العقبة واستقبلها من أسفل مستدبر الكعبة (٢) ونوى مقارنا بآخر نيته الرمي حذفا واحدة بعد أخرى وكبر مع كل حصاة داعيا بما ينبغي هناك.

والذبح وهو بعد الرمي وهو إما فرض فهدي النذر أو لكفارة أو التمتع أو القران بعد التقليد أو الإشعار ، أو سنة وهو الأضحية وهدي القارن قبل أن يقلد أو يشعر فتقليده تعليق نعل أو فراد عليه.

وإشعاره شق سنامه من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل دمه (٣) وهو سنة لكل سائق هدي فهدي النذر مضمون وهو بحسب ما نذر إن كان معينا بصفة مخصوصة لم يجز غيره ، وإن لم يعين بل كان مطلقا فمن الإبل أو البقر أو الغنم خاصة وهدي الكفارات بحسبها ويساق ما وجب (٤) منها بجناية عن قتل صيد من حيث حصلت إلى أن يبلغ محله ولا يلزم ذلك في غير الصيد.

وينحر أو يذبح ما وجب منها في إحرام المتعة أو العمرة المفردة بمكة قبالة الكعبة بالحزورة وما وجب في إحرام الحج بمنى وهدي التمتع (٥) أعلاه بدنة وأدناه شاة ومحل نحره أو ذبحه بمنى.

ويؤكل منه ومن هدي القران دون النذر والكفارات ، فإن كان من الإبل فلا يجزي إلا الثني وهو الداخل في سادس سنة ، وكذا من البقر والمعز إلا أنه منهما ما

__________________

(١) في « ج » و « أ » : الجمرة القصيا.

(٢) في « ج » و « س » : مستدبر القبلة.

(٣) في « س » : دم.

(٤) في « س » : وشأن ما وجب. وفي « أ » : ولشاق ما وجب.

(٥) في « س » : وهدي المتمتع.

١٣٦

استكمل سنة ودخل في الثانية ، ومن الضأن يجزي الجذع وهو ما لم يدخل في السنة الثانية ، وشرطه أن يكون تام الخلقة سالما من جميع العيوب سمينا ، وأفضل ما تولاه مهدية بنفسه ، فإن لم يتمكن نوى ويده في يد الجزار (١) ولا يعطيه شيئا من لحمه أو جلاله (٢) أجرة فيجوز صدقة ويسمي عند ذلك ، ويتوجه بآية إبراهيم ويدعو ويقسم اللحم أثلاثا لأكله وهديته وصدقته ، وأيام النحر بمنى أربعة : النحر والثلاثة التي تليه وفي باقي الأمصار ثلاثة ، فإن لم يجد الهدي خلف ثمنه عند ثقة يذبحه عنه قابلاً ، فإن تعذر عليه ذلك لفقر أو إعسار صام عنه ما قدمناه والاشتراك في الهدي الواجب اختيارا لا يجوز ، بل اضطرارا ، وفي الأضاحي يجوز على كل حال.

والحلق بعد الذبح وهو نسك فإذا أراده استقبل الكعبة ونوى بعد أمر الحلاق بالبداية من جانب الناصية الأيمن ويدعو بما ورد لذلك ويجمع شعره ، فيدفنه بمنى موضع رجله ، وقيل : يجزي التقصير بدلا عن الحلق ، ويجب عليه دخول مكة من يومه للطواف والسعي ويمتد وقت ذلك إلى آخر أيام التشريق وقيل : إلى آخر ذي الحجة. ويعتمد عند دخولها من الغسل وغيره ما اعتمده أولا ويطوف طواف الحج ويصلي ركعتيه (٣) ويسعى بين الصفا والمروة سعيه كطوافه ، وسعيه أولا ولا امتياز إلا بالنية ، فإنه يعين كل ركن (٤) أو غيره بنيته.

وطواف الزيارة وسعيها وهما ما أشرنا إليه كل منهما ركن يفسد الحج

__________________

(١) جزرت الجزور : نحرتها ، والفاعل جزار.

(٢) جل الدابة كثوب الإنسان يلبسه يقيه البرد ، والجمع جلال وإجلال. المصباح.

(٣) في « س » : ركعتين.

(٤) في « م » : « كل ركعة » بدل « كل ركن ».

١٣٧

بالإخلال به ، ويطوف بعد السعي طواف النساء للتحلة وليس بركن وحكم النساء والخصي في وجوبه حكم الرجال ، ويصلي بعده ركعتيه ، وقد أحل من كل ما أحرم منه ولا يبيت ليالي أيام التشريق إلا بمنى ، فإن بات بغيرها لا للطواف ولا لضرورة محوجة من مرض أو خوف حادث يحدث بالنساء من حيض وغيره ، ليلة لزمه دم وليلتان دمان ، وثالث ليلة لا يلزمه شي‌ء إن نفر في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو النفر الأول ولم يقم بمنى إلى غروب الشمس ، فإن أقام وجب عليه مبيتها فإن لم يبت مختارا وجب عليه دم ثالث.

ووقت الرمي في جميع أيام أول النهار ويمتد إلى قبل غروب الشمس (١) فإن أغربت ولم يرم ، قضاه في صدر اليوم المستقبل وإذا فاته جملة الرمي قضاه قابلاً أو استناب من يقضيه عنه. والترتيب واجب فيه البداءة بالعظمى ثم الوسطى ثم العقبة ومخالفته توجب استئنافه ويرمي كل يوم من الأيام الثلاثة الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة منها سبع والنية معتبرة فيه ، ومن فضله رميه حذفا والتكبير مع كل حصاة ، والذكر المخصوص به واستقبال الكعبة في رمي العظمى والوسطى والوقوف بعد الرمي عند كل واحدة منهما (٢) قليلا دون الثالثة ، ومن أصحابنا من ذهب إلى أنه سنة لا فرض (٣) والنفر في الآخر أفضل منه في الأول (٤) ولا ينبغي لمن أصاب النساء أو تعدى بصيد أو غير هما مما يوجب الكفارة

__________________

(١) في « س » و « أ » : إلى قبيل غروب الشمس.

(٢) في « أ » و « م » : منها.

(٣) قال العلامة في المختلف ١ ـ ١٣٢ : « ذهب الشيخ في الجمل إلى أن الرمي مسنون وكذا قال ابن البراج والمشهور الوجوب ».

(٤) في « س » : والنفر الآخر أفضل منه في الأولى.

١٣٨

أن ينفر إلا في الأخير ولا لمن أراد النفر أولا أن ينفر إلا بعد الزوال فأما إذا نفر أخيرا فلا بأس به في صدر النهار متى أراد. وإذا نفر في الأول دفن حصى اليوم الثالث بمنى ، ومن تمام الفضيلة إتيان مسجد الخيف وزيارته والصلاة عند المنارة التي في ، وسطه والذكر والدعاء فيه ، وتوديع منى والالتفات إليها عند النفر منها ، والسؤال أن لا يكون آخر العهد بها ، ودخول مسجد الحصباء والصلاة فيه والدعاء والاستلقاء للاستراحة على الظهر ، فإذا رجع إلى مكة فليكثر من الطواف المندوب فإنه ثوابه عظيم.

ويزور الكعبة على غسل إن كان صرورة (١) ويصلي في زواياها وعلى الرخامة (٢) الحمراء ويجتهد فيها بالدعاء ويودع البيت بالطواف ويدعو بعده بدعاء الوداع ، ويصلي عند المقام ويشرب من ماء زمزم ويصب على بعض أعضائه ويمشي إذا خرج من المسجد بعد وداعه القهقرى مستقبلا بوجهه الكعبة داعيا طالبا أن لا يجعل آخر العهد.

والقارن أو المفرد بعد إحلاله يقضي جميع المناسك يبرز إلى أحد المساجد المعدة للعمرة فيحرم بعمرة مفردة ويأتي مكة يطوف طواف العمرة المفردة (٣) ويسعى سعيها ويطوف بها طواف النساء ويقصر وقد أحل.

والعمرة المبتولة سنة وأفضل أوقاتها رجب ، ويجوز في كل شهر وأحكامها ذكرناها في المفردة ولا يحتاج إلى نقلها لتمتعه بها أولا ، وإنما هي مستحبة له بعد

__________________

(١) الصرورة ـ بالفتح ـ : الذي لم يحج : سمي بذلك لصره على نفقته لأنه لم يخرجها في الحج. المصباح.

(٢) الرخام : حجر معروف ، الواحدة رخامة. المصباح.

(٣) في « س » : يطوف لطواف العمرة المفردة.

١٣٩

استيفائه مناسك عمرته وحجه.

والمصدود بعدو يبعث هديه إن تمكن وإلا ذبحه عند بلوغ محله وفرقه إن وجد مستحقا وإلا تركه مكتوبا عليه وأحل من كل ما أحرم منه ، وأعاد من قابل إن كان حجة فرضا ، والمحصور بمرض يرسل أيضا هديه إلى أن يبلغ محله وهو يوم النحر يحل من كل ما أحرم منه إلا النساء حتى يطوف طوافهن قابلاً أو يطاف عنه فإن لم يقدر كل واحد منهما على إنفاذ هديه وعجز عن ثمنه بقي على إحرامه إلى قابل حتى يحج أو يحج عنه.

والمحرم إذا فاته الحج بقي على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق فيطوف ويسعى ويجعل حجته مفردة ويتحلل مما (١) أحرم منه.

فجملة أركان الحج تسعة : النية في كل واجب ركنا كان أو غير ركن ، وإحراما العمرة والحج وطوافهما وسعياهما ، والموقفان عرفة والمشعر وما عداها من الواجبات ليست بأركان ، وجميع المناسك الواجبة والمندوبة (٢) تصح بغير طهارة إلا الطواف خاصة وكلها تستقبل بها الكعبة إما واجبا كالصلاة وما في حكمها ، أو ندبا كباقيها إلا رمي جمرة العقبة كما أومأنا إليه.

وكل طواف واجب له سعي إلا طواف النساء ، فإنه لا سعي له وتصح جميع المناسك من الحائض والنفساء إلا الطواف فإنها متى طهرت تقضيه ، وقيل : يقضى عنها نيابة ، وقيل : تجعل حجتها مفردة ، وتعتمر بعدها (٣).

__________________

(١) في « أ » و « م » : ويتحلل ما.

(٢) في « س » : وجميع المناسك واجبة.

(٣) لاحظ الحدائق الناضرة ١٤ ـ ٣٤٠.

١٤٠