تصحيح القراءة في نهج البلاغة

الشيخ خالد البغدادي

تصحيح القراءة في نهج البلاغة

المؤلف:

الشيخ خالد البغدادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-96-X
الصفحات: ٣٨٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فما راعني (١) إلاّ انثيال الناس علىٰ فلان ـ يعني أبا بكر ـ يبايعونه ، فأمسكت يدي حتّىٰ رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلىٰ محق دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرىٰ فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علَيّ أعظم من فوت ولايتكم الّتي إنّما هي متاع أيّام قلائل ، يزول منها ما كان ، كما يزول السراب ، أو كما يتقشّع السحاب ، فنهضت في تلك الأحداث حتّىٰ زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ الدين وتنهنه » (٢).

أقول :

فلو أنّ الإمام عليه‌السلام كان يرىٰ الخلافة شورىٰ لما صدرت عنه الأقوال السابقة ، ولسلّم ما سُلّمت إليه الأُمور حسب خلافة الشورىٰ الشرعية ـ كما هو مدّعىٰ الكاتب ـ وما كان ليعترض أو يرىٰ أنّ اختيارات الشورىٰ هذه : طخية عمياء ، أو الاستئثار عليه بغير حقّ ، أو أنّهم هجروا السبب الّذي أُمروا بمودّته ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه ... إلىٰ آخر كلماته عليه‌السلام الواردة في المقام.

كما أنّه لم يكن معنىٰ لكلامه عليه‌السلام : « ما كان يلقىٰ في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل بيته ، ولا أنّهم منحّوه عنّي من بعده ... » غير سبق النصّ عليه من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخلافة ، الأمر الّذي لم يكن متوقّعاً من بعض الأصحاب تجاهله أو

__________________

(١) راعني : أفزعني.

(٢) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٣ / ١١٩.

١٤١

الالتفاف عليه (١).

فلو كانت الخلافة شورىٰ ، وأنّ الناس قد أجمعت علىٰ اختيار أبي بكر إماماً ، لَما أفزع الإمام عليه‌السلام انثيالهم علىٰ أبي بكر ومبايعتهم له !! وما كان للإمام أن يمسك يده عن هذه البيعة !!

ومَن رجع إلىٰ كلامه عليه‌السلام الّذي مرّ ذكره سابقاً وجد أنّ الإمام لم يصالح أو يوادع الخلفاء إلاّ بعد أن رأىٰ راجعة الناس قد رجعت ، وخشي إن لم ينصر الإسلام وأهله أن يرىٰ فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليه أعظم من فوت حقّه في الولاية الّتي يقول عليه‌السلام عنها أنّها : متاع أيّام قلائل.

ويقول عنها في موضع آخر من النهج : « فإنّها كانت أثرة ، شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم الله ، والمعود إليه القيامة » (٢).

__________________

(١) وهذا الأمر في الواقع ، أي : مخالفة الأصحاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موضوع الخلافة ، من الأُمور الّتي تستوقف الكثيرين ، وتجعل المتعصبّين منهم يزبدون ويرعدون ..

وقديماً قيل : لو عُرف السبب بطل العجب ; فأنصح القارئ الكريم بالعودة إلىٰ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ نفسه ١٢ / ٨٣ ، أو العودة إلىٰ المراجعات : المراجعة (٨٤) ; فإنّه سيجد ما ينفعه في المقام إن شاء الله تعالىٰ.

وليقف علىٰ كيفية ترك الأصحاب للنصوص ، كـ : إسقاطهم سهم ذوي القربىٰ ، أو إسقاطهم سهم المؤلّفة قلوبهم ، وغيرها ؛ لما يرونه من اجتهاد قبال هذه النصوص ، ومَن شاء فليراجع مسألة « متعة الحجّ » ومخالفة الأصحاب فيها مع إنّها قضية عبادية لا تتعلّق بشؤون الإدارة أو الولايات ، وقد جاء الأمر بها في القرآن والسُنّة.

انظر ـ علىٰ سبيل المثال ـ : شبهات وردود ـ للسيد سامي البدري ـ ٢ / ١٢٣ ـ ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٣ / ٧١ ..

ومن أجل الوقوف علىٰ العلّة الحقيقية لامتناع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من الاحتجاج علىٰ معارضيه أصحاب السقيفة يومها برفع السيف ضدّهم ، أنصح القارئ بالرجوع إلىٰ كلامه عليه‌السلام السابق في كتابه إلىٰ أهل مصر والتمعّن فيه.

١٤٢

ومَن يطّلع علىٰ أقوال المعارضين لبيعة أبي بكر من الصحابة كالعبّاس بن عبد المطّلب ، والفضل بن العبّاس ، وخالد بن سعيد الأُموي ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفاري ، وعتبة ابن أبي لهب ، سيدرك بأنّ مسألة إجماع المهاجرين والأنصار علىٰ خلافة أبي بكر لا وجود لها ، وإنّما الخلافة هي حقّ ثابت لأمير المؤمنين عليه‌السلام لا ينبغي لأحد أن ينازعه فيها (١) !

وفي ختام كلامي هنا ، أودّ أن أُجيب الكاتب عن السؤال الّذي صدّر به حديثه السابق ، وهو : هل تثبت الخلافة بالشورىٰ أو بالنصّ الإلٰهي ؟

فأقول :

إنّ الله سبحانه لم يجعل الخلافة شورىٰ ، ولم يترك للمسلمين اختيار مَن يحكمهم ، بل اختار لهم الأصلح في دينهم ودنياهم ; ويدلّ علىٰ ذلك أُمور :

١ ـ إنّ الشورىٰ تسبّب الاختلاف والتنازع ؛ وهذا ما وقع في سقيفة بني ساعدة (٢) ، واستمرّ الخلاف بسبب ذلك إلىٰ يومنا هذا ، مع أنّ غايات الشارع المقدّس إغلاق كلّ باب يؤدّي إلىٰ النزاع ، وسدّ كلّ ثغرة تؤدّي إلىٰ الخلاف.

__________________

(١) راجع أقوالهم ومصادرها في كتاب : الخلافة المغتصبة .. أزمة تاريخ أم أزمة مؤرّخ ؟ لمؤلّفه : الكاتب المغربي الأُستاذ إدريس الحسيني : ٨٤ ـ ٨٦.

(٢) راجع : كتب التاريخ التي تعرّضت لأحداث ووقائع السقيفة وما جرىٰ فيها بين الصحابة من لغط وسباب وتهديد بالقتل ، ومنها : الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٤٥ ، الإمامة والسياسة ـ لابن قتيبة ـ : ١٢ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٢١ ، وغيرها.

١٤٣

وعليه ، فلا يمكن أن يفتح الله للمسلمين باباً يؤدّي إلىٰ الفرقة مع إمكان النصّ علىٰ الخليفة الّذي تجتمع عليه الأُمّة وتتّحد به الكلمة ، ولعلّه لذلك قال الشيخ أبو عليّ ابن سينا : والاستخلاف بالنصّ أصوب ؛ فإنّ ذلك ـ أي الشورىٰ ـ يؤدّي إلىٰ التشعّب والتشاغب والاختلاف (١).

٢ ـ إنّ منصب الخلافة الكبرىٰ والإمامة العظمىٰ من أهمّ المناصب الدينية الّتي تترتّب عليها أعظم المصالح وأشدّ المفاسد ، فلا يصحّ إيكالها إلىٰ الناس الّذين لا يعلمون بخفايا النفوس وخبايا القلوب ؛ إذ لا يؤمن حينئذ من اختيار أهل الشقاق والنفاق خلفاء علىٰ المسلمين وأئمّة للمؤمنين ، فيحرّفون الكتاب ، ويبدلّون السُنّة ، ويحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام ، ويتّخذون عباد الله خولاً ومال المسلمين دولاً.

٣ ـ إنّ الشورىٰ مبنية علىٰ اختيار الأكثر ، والله سبحانه لم يجعل ذلك علامة علىٰ الحقّ ، بل ذمّ الكثرة في آيات كثيرة من كتابه العزيز ; فقال جلّ شأنه : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) (٢) ..

وقال : ( لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٣) ..

وقال : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٤) ..

وقال : ( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (٥).

__________________

(١) راجع : إلهيات الشفاء : ٥٦٤.

(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٦.

(٣) سورة الزخرف : الآية ٧٨.

(٤) سورة يوسف : الآية ١٠٣.

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٨٧.

١٤٤

وأمّا قوله تعالىٰ : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (١) ، وقوله : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (٢) الّذي يستدلّ بهما أهل السُنّة في المقام فلا يراد بهما الشورىٰ في الخلافة ، وإلاّ لكان علىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشاور أصحابه في اختيار الخليفة من بعده ، مع أنّه لم يفعل ذلك بالاتّفاق ، وإنّما كان يشاور أصحابه في ما يتعلّق بمصالح الحروب وغيرها ..

قال ابن كثير : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها (٣).

وقال الفخر الرازي : قال الكلبي وكثير من العلماء : هذا الأمر ـ أي في ( وَشَاوِرْهُمْ ) ـ مخصوص بالمشاورة في الحروب (٤).

وقال القرطبي : وقد كان يشاور أصحابه في الآراء المتعلّقة بمصالح الحروب (٥).

٤ ـ إنّ اختيار الخلفاء بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتمّ بالشورىٰ بمعناها المعروف ; إذ أنّ اختيار أبي بكر حدث في سقيفة بني ساعدة ، وعامّة المهاجرين لم يكونوا حاضرين فيها ، ولهذا قال عمر : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقىٰ شرّها (٦). أي : تمّت بلا تدبّر ولا تروٍّ.

كما أنّ أهل السُنّة قد صحّحوا خلافة عمر مع أنّها لم تكن بمشورة

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٩.

(٢) سورة الشورىٰ : الآية ٣٨.

(٣) تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٩ ، ٤ / ١٢٧.

(٤) التفسير الكبير ٩ / ٦٧.

(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٣٧.

(٦) راجع : صحيح البخاري ٨ / ٢٦ كتاب المحاربين من أهل الردّة والكفر ، باب : رجم الحبلىٰ من الزنا إذا أُحصنت.

١٤٥

المسلمين ، وإنّما كانت بنصّ من أبي بكر.

وأمّا عثمان فقد كان اختياره حاصلاً من اثنين من ستّة نفر حصر عمر الشورىٰ فيهم ، مع أنّ الشورىٰ الّتي نحن بصددها للمسلمين عامّة ، لا لهؤلاء النفر خاصّة !

والنتيجة : إنّ مسألة الشورىٰ لا دليل صحيح يدلّ علىٰ أنّها من شرائع الإسلام ! ولو كانت كذلك لبُيّنت أحكامها وحدودها ; فإنّ أهم أُسسها ـ وهو : مَن يدخل في الشورىٰ ومَن لا يدخل ـ اختلف علماء أهل السُنّة فيه علىٰ أقوال كثيرة (١) ، فكيف بسائر أحكامها ؟!

وهذا دليل واضح علىٰ أنّ مسألة الشورىٰ في اختيار الخلفاء إنّما وضعها الناس من عند أنفسهم ; ولهذا قال القرطبي : وقد جعل عمر رضي‌الله‌عنه الخلافة ـ وهي أعظم النوازل ـ شورىٰ (٢) (٣).

وممّن وافق الشيعة علىٰ أنّ الإمامة بالنصّ والتعيين من أهل السُنّة جماعة من المعتزلة ، منهم : النظّام ، الّذي قال : لا إمامة إلاّ بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً. وقد نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ عليّ رضي‌الله‌عنه في مواضع ، وأظهره إظهاراً لم يشتبه علىٰ الجماعة ، إلاّ أنّ عمر كتم ذلك ، وهو الّذي تولّىٰ بيعة أبي بكر يوم السقيفة (٤).

__________________

(١) قيل : لا يدخل في الشورىٰ إلاّ أهل المدينة ، وقيل : خصوص الصحابة ، وقيل : أهل الحلّ والعقد ، وقيل : جميع المسلمين ، وقيل غير ذلك.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٢٥١.

(٣) وردت هذه الأجوبة في كتاب : كشف الحقائق ـ للشيخ علي آل محسن ـ : ٢٥٣ ـ ٢٥٦ ، مع بعض الإضافات منّا.

(٤) راجع : الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٥٧.

أقول : ولعلّ مراد النظّام من : « أنّ عمر كتم ذلك » هو : ما ذكره المؤرّخون من

١٤٦

ووافقه الإسواري في جميع ما ذهب إليه ، وكذلك أبو جعفر الإسكافي وأصحابه من المعتزلة ، والجعفريان : جعفر بن مبشّر ، وجعفر بن حرب ، وكذلك محمّد بن شبيب ، وأبو شمر ، وموسى بن عمران من أصحاب النظّام ، وكذلك الخابطية أصحاب أحمد بن خابط ، والحديثية ، أصحاب الفضل الحديثي (١).

وعوداً علىٰ بدء ، لنعقّب علىٰ بعض ما استنتجه الكاتب من أُمور من

__________________

موقف عمر بن الخطّاب وصدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن توكيد ولاية عليّ عليه‌السلام علىٰ المسلمين من بعده كتابةً ، بعد أن أعلنها لهم شفاهاً ، تكراراً ومراراً ، وفي مواقف متعدّدة ، مرّ ذكر بعضها في هذا الكتاب.

وقد اعترف عمر لابن عبّاس بموقفه هذا من عليّ عليه‌السلام في حوار دار بينهما ; فقد قال له عمر في بعض ذلك الحوار : « كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره ذروٌ من قول لا يُثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه ، فمنعتُ من ذلك ; إشفاقاً وحيطة علىٰ الإسلام !

لا وربّ هذه البنية ! لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها ».

راجع : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٠ ، ٢١ ، ٨٠ ، ٨١.

وممّا يرد علىٰ قول عمر : أتراه أعرف بما يصلح الأُمّة من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو أنّه علم ما لم يعلمه الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من انتقاض العرب علىٰ عليّ عليه‌السلام ومحاربتها له ، فلم يمنعهما ذلك من التنصيص بالخلافة عليه ورآه هو مانعاً من اختياره عليه‌السلام خلافاً لهما ؟!!

انظر : منع عمر بن الخطّاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة كتابه المشار إليه في الحديث المتقدّم في رزية يوم الخميس ـ كما كان يسمّيها ابن عبّاس ـ في صحيح البخاري ٥ / ١٣٨ باب : مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاته ، وج ٧ / ٩ كتاب المرضىٰ في باب : قول المريض : قوموا عنّي ، وصحيح مسلم ٥ / ٧٦ في آخر كتاب الوصايا ، وفي مواضع أُخرىٰ منهما.

(١) انظر : الملل والنحل ١ / ٥٩ ـ ٦٠ ، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ـ لمحمّد عليّ أبو ريان ـ : ١٧٨ ، المعقول واللامعقول في التراث العربي : ١٤٥.

١٤٧

خلال كتاب الإمام عليه‌السلام الّذي بعثه إلىٰ معاوية ..

فنقول :

١ ـ في المورد التاسع زعم أنّ الخارج علىٰ مَن تمّ اختياره من قبل الأُمّة يجب قتله ، وبهذا ألزم الكاتب نفسه بأنّه يجب قتل طلحة والزبير وعائشة ومعاوية ، وقتل كلّ مَن يدعو إليهم أو يواليهم ; لأنّهم خوارج ، كما التزم الدليمي بذلك ، وهذا كلّه يناقض ما ذهب إليه من عدالة جميع الصحابة ، فهؤلاء صحابة يجب قتلهم !!

٢ ـ تعتبر خلافة الأُمويّين والعبّاسيّين كلّها باطلة ; لأنّها لم تتمّ بالشورىٰ بل بالملكية ، ويحرم تسمية أُولئك الحكام خلفاء للمسلمين أو أُمراء للمؤمنين بل يطلق عليهم ملوك وحكّام.

٣ ـ خلافة عمر بن الخطّاب باطلة ; لأنّها تمّت بنصّ من أبي بكر لا بالشورىٰ ، فيجري عليه ما جرىٰ علىٰ الأُمويين والعبّاسيّين.

٤ ـ تخطئة أبي بكر ; لأنّه لم يترك الأمر شورىٰ بل نصّ علىٰ مَن يريد !

٥ ـ خلافة عثمان باطلة ; لأنّ الشورىٰ لم تتمّ ببيعة الأُمّة له ، ولا حتّىٰ بيعة كلّ أهل الحلّ والعقد ، بل إنّ عبد الرحمٰن بن عوف هو الّذي اختاره ولم يوافق عليّ عليه‌السلام ولا سعد ولا الزبير عليه ، وهو تنصيب ; لأنّ طلحة وعبد الرحمٰن أراداه ، فأين الأُمّة من الاثنين ؟!

قال الدليمي :

« من خطبة له عليه‌السلام : ( أيّها الناس! إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم

١٤٨

عليه ، وأعلمهم بأمر الله فيه ، فإن شغب شاغب استعتب ، فإن أبىٰ قوتل ، ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّىٰ يحضرها عامّة الناس فما إلىٰ ذلك من سبيل ، ولكن أهلها يحكمون علىٰ من غاب عنها ، ثمّ لم يكن للشاهد أن يرجع وللغائب أن يختار ). ج ٢ ص ٨٦.

ـ ثمّ قال : ـ فتأمّل كيف جعل الإمامة تنعقد بالشورىٰ من أهلها وليس بالنصّ ؛ إذ لو كانت بالنصّ لَما صحّ أن يقول ما قال » (١).

أقول :

إنّ هذا النصّ ، الّذي جاء به الكاتب من نهج البلاغة هنا ، يدحض تماماً دعواه بأنّ الامامة تنعقد بالشورىٰ ، وهو عليه لا له ; لأنّه لا يخفىٰ أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ، وأعلمهم بأمر الله فيه » ، أي : سواء اختاره الناس أم لا ؛ لأنّ الناس لو اختاروا غيره يكون هو ـ حسب هذا النصّ ـ أحقّ ممّن اختاروه ، وهذا دليل واضح علىٰ بطلان الشورىٰ ..

ولا ريب ولا شكّ أنّ أقوى الناس علىٰ أمر الخلافة وأعلمهم بأمر الله فيها هو أمير المؤمنين عليه‌السلام دون غيره ؛ فإنّ الخلفاء الثلاثة احتاجوا إليه وهو لم يحتج إلىٰ أحد ، كما دلّت عليه الحوادث الكثيرة.

وقوله عليه‌السلام : « ولكن أهلها يحكمون علىٰ من غاب عنها » دليل واضح علىٰ بطلان الاختيار ; فهو يبيّن أنّ للخلافة أهلاً هم الحاكمون بأمرها وليس كلّ أحد ، وأهل الخلافة : الله جلّ وعلا ، ونبيّه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا حكما ونصّا علىٰ الخليفة ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا

__________________

(١) ص.

١٤٩

أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) (١).

والّذي ينقض دعوىٰ الدليمي بهذا النصّ نفسه أيضاً ، أنّ الشورىٰ المزعوم حصولها في سقيفة بني ساعدة لم يتمخّض عنها اختيار مَن هو أقوىٰ الناس علىٰ هذا الأمر ، وأعلمهم بأمر الله فيه ، بل الّذي حصل هو العكس من ذلك (٢) ..

فها هو أبو بكر يقف معترفاً بعجزه عن هذا الأمر ويقول : أقيلوني فلست بخيركم (٣).

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٦.

(٢) الواقع لم تكن هناك شورىٰ في السقيفة بالمعنىٰ المتعارف عليه ، بل جرىٰ استئثار المهاجرين علىٰ الأنصار بحقّ التصويت بالخلافة بعد سباب وشتم وتهديد بالقتل ..

قال عمر : مَن ينازعنا سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكة.

ولمّا تكلّم الحبّاب بن المنذر أغلظ له عمر القول وأجابه : « إذاً يقتلك الله ». كما قال ـ أي عمر ـ في الواقعة ذاتها محرّضاً علىٰ قتل سعد بن عبادة لمّا نازعهم : « اقتلوه قتله الله ».

فانظر عزيزي القارئ كيفية الخطاب بين الأصحاب من أجل اختيار الخليفة ، وكذلك كيفية القدح بالآخرين وتهديدهم بالقتل من أجل منعهم عن حقّ التصويت بالخلافة.

راجع : تاريخ الطبري ٢ / ٤٥٩ ، تاريخ ابن خلدون ق ٢ ج ٢ ص ٦٤ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٤ باب : مناقب المهاجرين وفضلهم.

وأقول : إن كان القوم يرون أنّ هذه الواقعة ، بما جرىٰ فيها من سباب وشتم وتهديد بالقتل بين الجيل الأوّل من الصحابة ، هي أعظم المصاديق وأفضلها لتطبيق حكم الشورىٰ الّذي ينادون به في الإسلام ، فالسلام إذاً علىٰ الإسلام وأهله !

(٣) المعجم الأوسط ٨ / ٢٦٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٩ ، تفسير القرطبي ١ / ٢٧٢ ، ٢ / ٧٢ ، السير الكبير ـ للشيباني ـ ١ / ٣٦ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣١ ، وقريب منه في المصنّف ـ للصنعاني ـ ١١ / ٣٣٦.

١٥٠

وكان يقف ويطلب الهداية من المسلمين ويقول : إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوّموني (١).

وكان يقول أيضاً : فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني ، وإن رأيتموني زغت فقوّموني ، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني ، لا أُوثر في أشعاركم وأبشاركم (٢).

هذا مع أنّ الله جلّ شأنه قد قال في كتابه العزيز : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (٣).

وقال : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) (٤).

وقال : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ لشَّيَٰطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (٥).

وقال : ( وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا ) (٦).

كما أنّ أبا بكر اعترف بأنّ بيعته كانت فلتة (٧) ، وقد قال عمر ـ وهو أوّل مَن اختاره للخلافة وبايعه ـ : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقىٰ الله شرّها (٨).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٤ ، كنز العمّال ٥ / ٥٩٠.

(٢) المعجم الأوسط ٨ / ٢٦٧ ، كنز العمّال ٥ / ٦٣١ ، البداية والنهاية ٦ / ٣٣٤.

(٣) سورة الزخرف : الآية ٣٦.

(٤) سورة مريم : الآية ٨٣.

(٥) سورة الشعراء : الآيتان ٢٢١ ، ٢٢٢.

(٦) سورة النساء : الآية ٣٨.

(٧) سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣١٥. والمراد بـ « الفلتة » : الأمر الّذي يقع من غير تدبّر ولا روية ؛ مجمع البحرين ٣ / ٤٢٤.

(٨) انظر : صحيح البخاري ٨ / ٢٦ ، مسند أحمد ١ / ٥٥ ، مجمع الزوائد ٦ / ٥ ، السيرة

١٥١

أمّا جهل الخلفاء الّذين سبقوا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالعلوم الشرعية والأحكام الفقهية فهو ممّا امتلأت به كتب المسلمين وصحفهم (١) ، حتّىٰ اشتهر عن عمر بن الخطّاب قوله : كلّ أحد أفقه منّي (٢).

ولننقل للقارئ الكريم هنا بعض الأمثلة عن جهل الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالأحكام الشرعية وهم في سدّة الحكم ، وقد تصدّوا لإمامة المسلمين وقيادتهم ، لنرىٰ : هل ينطبق عليهم قوله عليه‌السلام : « إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ، وأعلمهم بأمر الله فيه ... » ، وذلك حسب خلافة الشورىٰ الّتي ينادي بها الدليمي ؟!

* سُئل أبو بكر عن الكلالة الّتي نزل بحكمها القرآن ، فقال : إنّي سأقول فيها برأيي ; فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكُ خطأً فهو منّي ومن الشيطان (٣). هذا مع أنّ الكلالة قد أوضحها الله عزّ وجلّ في كتابه ، وبيّنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سُنّته (٤).

__________________

النبوية ـ لابن كثير ـ ٤ / ٤٨٧.

(١) راجع بعض الموارد ـ علىٰ سبيل المثال ـ في المستدرك علىٰ الصحيحين ـ للحاكم ـ ٦ / ٢٤٥ ، الدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٦ / ٣١٧ ، كنز العمّال ـ للمتّقي الهندي ـ ٢ / ٣٢٧ و ٥٤٥ ، السُنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢٤٥ ، وإن أردت التفصيل فارجع إلىٰ الغدير ـ للأميني ـ : الأجزاء ٦ ـ ٩ ؛ لتقف علىٰ موارد كثيرة يصعب عدّها في هذا الجانب.

(٢) الرياض النضرة ٢ / ١٩٦ ، ذخائر العقبىٰ : ٩١.

(٣) سنن الدارمي ٢ / ٣٦٦ ، السنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢٢٣ ، عون المعبود ٩ / ٣٧١ ، كنز العمّال ١١ / ٧٩ ، تفسير ابن كثير ١ / ٤٧١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٥ ; قال : أخرج عبد الرزّاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والدارمي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سُننه عن الشعبي ، قال : سُئل أبو بكر عن الكلالة ( وساق الحديث ) ، المبسوط ٢٩ / ١٥١.

(٤) الكلالة : مصدر ( تكلله ) النسب أي تطرّفه ، كأنّه أخذ من طرفيه ؛ فكلالة الأُمّ :

١٥٢

* لم يعرف أبو بكر ميراث الجدّة فقال لجدّة سألته عن إرثها : لا أجد لك شيئاً في كتاب الله وسُنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فأخبره المغيرة ومحمّد بن سلمة بأنّ الرسول أعطاها السدس ، وقال : « أطعموا الجدّات السدس » (١).

* كما أنّ أبا بكر لم يعرف ميراث العمّة والخالة (٢).

* وعن عبد الرحمٰن بن القاسم ، عن أبيه : إنّ أبا بكر رضي‌الله‌عنه أراد أن يقطع رِجلا بعد اليد والرِجل ، فقال عمر رضي‌الله‌عنه : السُنّة اليد (٣).

ولنقف هنا قليلاً ونقول :

من المحيّر حقّاً أن لا يعلم الخليفة حدّ السارق ، وهو أهم ما يجب عليه معرفته ; لحفظ الأمن العامّ ، وقطع جرثومة الفساد ، فإن لم يكن الخليفة محيطاً بعلوم الشريعة كلّها ، وهو قد جلس موضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الناس ، فلا أقلّ من معرفته بما يرتبط بمهامّه ، والّتي من أهمّها حفظ

__________________

إخوة الميّت من جهة الأُمّ ، وكلالة الأب : هم إخوة الميّت من جهة الأب ، وكلالة الأبوين : هم إخوة الميّت من جهة أُمّه وأبيه ; قال تعالىٰ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ).

راجع : بقيّة أحكامها في آخر سورة النساء ، وفي كتب المواريث من كتب الحديث ، باب : ميراث الأُخوة والأجداد.

(١) المُغني ـ لابن قدّامة ـ ٧ / ٥٢ ؛ قال : رواه مالك في موطّئه وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، بداية المجتهد ٢ / ٢٨٥ ، نيل الأوطار ٦ / ١٧٥ ، فقه السُنّة ٣ / ٦٢٣ ; قال : رواه الخمسة إلاّ النسائي ، وصحّحه الترمذي.

(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين ٤ / ٣٨٢ ، كنز العمّال ١١ / ٧ ، ٥ / ٦٣٢ ؛ وفيه : وددت أنّي كنت سألته ـ أي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن ميراث العمّة وابنة الأخ ، فإنّ في نفسي منهما حاجة.

(٣) السُنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ٨ / ٢٧٣ ، ٢٧٤.

١٥٣

النظام ، وتطبيق ما يتعلّق بذلك من أحكام ; فمنصب الخلافة ليس منصباً وجاهياً ، أو إرثاً عشائرياً ، يشغله المرء وإن افتقر للكثير من الامتيازات !

والشريعة المقدّسة قد حثّت علىٰ لزوم مراعاة الرجل المناسب في المكان المناسب ; فقد قال تعالىٰ : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ..

وأيضاً قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مَن استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أوْلىٰ بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسُنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين » (٢).

* أمّا عمر ؛ فقد منع المغالاة في مهور النساء ، وقال : مَن غالىٰ في مهر ابنته أجعله في بيت مال المسلمين.

فقامت امرأة في آخر المسجد وقالت له : أما تقرأ قوله تعالىٰ : ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ) (٣) ؟!

فقال : كلّ الناس أفقه من عمر ، حتّىٰ المخدّرات في البيوت (٤).

* أمر عمر برجم مجنونة فنبّهه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقال : « إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّىٰ يفيق ».

__________________

(١) سورة يونس : الآية ٣٥.

(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين ٤ / ١٠٤ وصحّحه الحاكم ، السُنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١١٨ ، المعجم الكبير ١١ / ٩٤ ، نصب الراية ٥ / ٣٧ ، ٣٨ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٦٧ ، كنز العمّال ٦ / ٢٥ ، ١٦ / ٨٨ ، ٨٩ ، سبل السلام ٤ / ١١٧ ، ١٩٠ ، كتاب السُنّة : ٦١٣.

(٣) سورة النساء : الآية ٢٠.

(٤) المبسوط ١٠ / ١٥٣ ، سبل السلام ٣ / ١٤٩ ، سنن البيهقي ٧ / ٢٣٣ ، المجموع شرح المهذّب ١٦ / ٣٢٧ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٣٧ ، كشف الخفاء ٢ / ١١٦ بطرق متعدّدة ، الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣ يخرجه عن سعيد بن منصور وأبي يعلىٰ بسند جيّد.

١٥٤

فقال عمر : لولا عليّ لهلك عمر (١).

* أخرج أحمد بن حنبل في مسنده : عن ابن عبّاس ، أنّ عمر تحيّر في حكم الشكّ في الصلاة ، فقال له : يا غلام ! هل سمعت من رسول الله أو من أحد أصحابه إذا شكّ الرجل في صلاته ماذا يصنع (٢) ؟

* خطب عمر الناس يوماً فقال : مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أُبّي بن كعب ، ومَن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ، ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومَن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإنّي له خازن. وفي لفظ : فإنّ الله تعالىٰ جعلني خازناً وقاسماً (٣) ..

قال العلاّمة الأميني في الغدير : في هذه الخطبة الثابتة المروية عن الخليفة ـ بطرق صحيحة ، كلّ رجالها ثقات ، وصحّحها الحاكم والذهبي ـ اعترف بأنّ المنتهىٰ إليه في العلوم الثلاثة أُولئك النفر المذكورين فحسب ، وليس للخليفة إلاّ أنّه خازن مال الله !

وهل ترىٰ من المعقول أن يكون خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ أُمّته ، في شرعه ودينه وكتابه وسُنّته وفرائضه ، فاقداً لهاتيك العلوم ، ويكون مرجعه فيها لفيفاً من الناس ، كما تنبئ عنه سيرته ؟!

فعلامَ هذه الخلافة ؟!

__________________

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٤٧٠ ، فتح الملك العليّ : ٧١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ١٢ / ٢٠٥.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٩٠.

(٣) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ٣٠٥ ، ٣٠٦ وصحّحه الحاكم ، السُنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢١٠ ، مجمع الزوائد ١ / ١٣٥ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٧ / ٦٢٠ ، المعجم الأوسط ٤ / ١٢٧.

١٥٥

وهل تستقرّ بمجرّد الأمانة ، وليست عزيزة في أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وما وجه الاختصاص به ؟!

نعم ، وقع النصّ عليه ممّن سبقه في الخلافة علىٰ غير طريقة القوم في الخليفة الأوّل (١) !!

* أمّا عثمان ؛ فموارده لا تحصىٰ ولا تستقصىٰ ، وكفاك أن تعلم أنّ مَن بايعه من الصحابة والتابعين هم الّذين استحلّوا قتله وإهراق دمه (٢) ؛ لما ظهر منه من المخالفات للكتاب والسُنّة والجهل بهما ، ولتوليته شاربي الخمور ، المعلنين بالفسق والفجور ، أعداء الله ورسوله ، كـ : الوليد بن عقبة ، الّذي دعاه الله فاسقاً ، ونزل فيه : ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٣) ، وعبد الله بن أبي سرح ، وغيرهم ممّن عُرفوا بالفسق والفجور.

ومن موارد جهله بالكتاب والسُنّة : إتمامه الصلاة بمنى مع كونه مسافراً (٤).

ومنها : تقديمه الخطبتين في العيدين علىٰ الصلاة (٥) ؛ وهو مخالف للسُنّة المتواترة وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : إحداثه الأذان الثالث يوم الجمعة زائداً علىٰ سُنّة رسول

__________________

(١) الغدير ٦ / ١٩٢.

(٢) انظر : تاريخ الطبري : ج ٣ عند بيان حصر عثمان وقتله ، كنز العمّال ١٣ / ٨٠ عند بيان حصر عثمان وقتله ، تاريخ المدينة المنورة ١ / ١٥٤. شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ١٤٨ ، ٢٠ / ٢٣.

(٣) سورة الحجرات : الآية ٦.

(٤) انظر : صحيح البخاري ٢ / ٣٥ باب : ما جاء في التقصير ، ٢ / ١٧٣ باب : الصلاة بمنىٰ ، سُنن أبي داود ١ / ٤٣٨ باب : الصلاة بمنى ، السُنن الكبرىٰ ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٤٤ ، تاريخ ابن خلدون ق ٢ ج ٢ ص ١٤٠.

(٥) انظر : تاريخ الخلفاء : ١٨٧.

١٥٦

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وهو بدعة محرّمة كما اعترفوا به.

ومنها : تعطيله الحدود الواجبة ، كـ : الحدّ في عبيد الله بن عمر لمّا قتل الهرمزان بعد إسلامه فلم يقد به (٢) ، وقد كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يطلبه ، ولذلك خرج مع معاوية علىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام !

وكان عمّار بن ياسر ممّن أعان علىٰ قتل عثمان ، ويقول : قتلناه كافراً (٣).

وقيل لزيد بن أرقم : بأي شيء كفّرتم عثمان ؟

فقال : بثلاث : جعل المال دولة بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين والأنصار من الصحابة بمنزلة مَن حارب الله ورسوله ، وعمل بغير كتاب الله (٤).

بل يمكن للمتابع أن يلاحظ الحال الّتي وصل إليها عثمان بأنّ الّذي اختاره للخلافة وهو عبد الرحمٰن بن عوف قد جفاه بعد ذلك وأخذ يعيّره ..

روى أحمد بن حنبل في مسنده : عن عاصم ، عن شقيق ، قال : لقي

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ١ / ٢١٧ كتاب الجمعة في باب : زيادة النداء الثاني ، وفي باب : زيادة النداء الثالث ، وهي متقاربة ، تاريخ ابن خلدون ق ٢ ج ٢ ص ١٤٠.

(٢) انظر : السُنن الكبرىٰ ٨ / ٦٢ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق الصنعاني ـ ٥ / ٤٧٩ ، الطبقات الكبرىٰ ٥ / ١٧.

(٣) انظر : التمهيد ـ للباقلاني ـ : ٢٢٠ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٤٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٤٩٧ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٦٣ ، وفي سير أعلام النبلاء ـ للذهبي ـ ١ / ٤٢٥ : « بسند حسن عن أبي الغادية ، قال : سمعت عمّار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة ، فتوعّدته بالقتل ، فلمّا كان يوم صِفّين جعل عمّار يحمل علىٰ الناس ، فقيل لي : هذا عمّار ... فطعنته في ركبته فوقع فقتلته ... ».

(٤) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٥١.

١٥٧

عبد الرحمٰن بن عوف الوليد بن عقبة ، فقال له الوليد : ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان رضي‌الله‌عنه ؟

فقال له عبد الرحمٰن : أبلغْه أنّي لم أفرّ يوم عينين ـ قال عاصم : يقول : أُحد ـ ولم أتخلّف يوم بدر ، ولم أترك سُنّة عمر رضي‌الله‌عنه (١). انتهىٰ.

أقول :

فأين هذه الأقوال والأفعال ـ الصادرة عن الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ من حيث الهداية : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، لن يفترقا حتّىٰ يردا علَيّ الحوض » (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لن يفترقا حتّىٰ يردا علَيّ الحوض » (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه من حيث العلم : « أعلم أُمّتي من بعدي : عليّ بن أبي طالب » (٤).

وأخرج المحبّ الطبري في الرياض والذخائر عن عائشة : « أعلم الناس بالسُنّة : عليّ بن أبي طالب » (٥).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٦٨.

وانظر : مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ; قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلىٰ والطبراني باختصار ، والبزّار بطوله بنحوه ، وفيه : عاصم بن أبي النجود ، وهو حسن الحديث ، وبقيّة رجاله ثقات.

(٢) تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٤٩ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٨.

(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٣٤ ، والذهبي في الصفحة نفسها من تلخيصه ؛ وصرّح كلّ منهما بصحّته علىٰ شرط الشيخين.

(٤) كنز العمّال ١١ / ٦١٤ ; يرويه عن الديلمي.

(٥) الرياض النضرة ٣ / ١٦٠ ، ذخائر العقبىٰ : ٧٨.

١٥٨

وأخرج أحمد في مسنده قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليها‌السلام : « أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً » (١).

وأيضاً ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله مخاطباً أصحابه : « أقضاكم عليّ » (٢).

وقد كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام يقول : « علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب من العلم ، في كلّ باب ألف باب ، أو : كلّ باب يفتح منه ألف باب » (٣).

وكان يقول : « لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالىٰ ، ولا سُنّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أنبأتكم بذلك » (٤).

وكان يقول : « والله ! ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم أُنزلت ، وأين أُنزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً سؤولاً » (٥).

كما كان يقول : « سلوني ! والله لا تسألوني عن شيء يكون إلىٰ يوم القيامة إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ! فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٢٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠١ ; وقال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ، وفيه : خالد بن طهمان ; وثّقه أبو حاتم وغيره ، وبقيّة رجاله ثقات. انتهىٰ.

(٢) تفسير القرطبي ١٥ / ١٦٢ ، الإحكام ـ للآمدي ـ ٤ / ٢٣٧ ..

وأنظر أيضاً : فتح الباري ٧ / ٦٠ ; يذكر قول عمر : عليّ أقضانا ، الطبقات الكبرىٰ ٢ / ٣٣٨ ; وفيه قول ابن مسعود : أقضىٰ أهل المدينة : عليّ بن أبي طالب.

(٣) تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٥ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٤٨٣ ; يرويه بسند فيه : كامل بن طلحة ، عن ابن لهيعة ; قال الذهبي : كامل صدوق ، وقال ابن عدي : لعلّ البلاء فيه من ابن لهيعة ; فإنّه مفرط في التشيّع. انتهىٰ.

قلنا : الأصل في الموضوع الصدق والإتقان ; فانظر : توثيق ابن لهيعة وإطراء العلماء له في تهذيب الكمال ١٥ / ٤٩٤ ، وتاريخ دمشق ٣٢ / ١٤٣ ، ١٤٤.

(٤) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٤ / ٢٤٨ من طريقين ، وقال : ثبت أيضاً من غير وجه.

(٥) الطبقات الكبرىٰ ٢ / ٣٣٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٩٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٨.

١٥٩

أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل » (١).

وكان يقول : « ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه » (٢).

قال سعيد بن المسيّب : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني ، إلاّ عليّ بن أبي طالب (٣).

فهل تراها تتّفق ـ عزيزي القارئ ـ تلك الأقوال والأفعال ، الّتي مرّ ذكرها عن واقع الخلفاء الثلاثة ، والّتي تمخّضت عن خلافة الشورىٰ ، مع قوله عليه‌السلام : « إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ، وأعلمهم بأمر الله فيه » ، الّذي جاء به الدليمي هنا ; ليستدلّ به علىٰ صحّة تلك الخلافة ؟!

نترك الإجابة للقارئ !!

ثمّ ذكر الكاتب قولا آخر من أقوال الإمام عليه‌السلام في الموضوع ذاته ، وهو قوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ :

« فنظرت في أمري ؛ فإذا طاعتي سبقت بيعتي ، وإذا الميثاق في عنقي لغيري.

ـ قال : ـ هذا تسليم منه رضي‌الله‌عنه بوجوب طاعته لمَن صار خليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ ذلك ميثاق في عنقه يجب الوفاء به » (٤).

أقول :

مَن قرأ كلام الإمام عليه‌السلام في النهج ، السابق لكلامه هنا ، تبين له مراده

__________________

(١) تفسير القرطبي ١ / ٣٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٧ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦.

(٢) أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم ١ / ١١٤ ، وفي مختصره : ٥٧.

(٣) تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٩٩ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٦٦.

(٤) ص ١٤.

١٦٠