تصحيح القراءة في نهج البلاغة

الشيخ خالد البغدادي

تصحيح القراءة في نهج البلاغة

المؤلف:

الشيخ خالد البغدادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-96-X
الصفحات: ٣٨٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ويقول عليه‌السلام في مقام آخر : وبسطتم يدي فكففتها (١) ، ومددتموها فقبضتها ، ثمّ تداككتم علَيّ تداك الإبل الهيم علىٰ حياضها يوم ورودها ، حتّىٰ انقطعت النعل وسقط الرداء ووطئ الضعيف ، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب (٢).

قال أبو جعفر الاسكافي المعتزلي ـ المتوفّىٰ سنة ٢٢٠ هـ ـ : فلمّا قُتل عثمان تداك الناس علىٰ عليّ بن أبي طالب بالرغبة والطلب له بعد أن أتوا مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحضر المهاجرون والأنصار وأجمع رأيهم علىٰ عليّ بن أبي طالب بالإجماع منهم أنّه أوْلىٰ بها من غيره ، وأنّه لا نظير له في زمانه ، فقاموا إليه حتّىٰ استخرجوه من منزله ، وقالوا له : أبسط يدك نبايعك. فقبضها ومدّوها ، ولمّا رأى تداكهم عليه واجتماعهم ، قال : لا أُبايعكم إلاّ في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظاهراً ، فإن كرهني قوم لم أُبايع ، فأتىٰ المسجد وخرج الناس إلىٰ المسجد ، ونادىٰ مناديه.

فيروىٰ عن ابن عبّاس أنّه قال : إنّي والله لمتخوّف أن يتكلّم بعض السفهاء ، أو مَن قتل عليّ أباه أو أخاه في مغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول : لا حاجة لنا بعليّ بن أبي طالب ، فيمتنع عن البيعة.

قال : فلم يتكلّم أحد إلاّ بالتسليم والرضا (٣).

__________________

الخلافة. وربيضة الغنم : الطائفة الرابضة من الغنم ; يصف ازدحامهم حوله وجثومهم بين يديه.

نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ١ / ٣٦.

(١) سيأتي البيان عن أسباب تمنّعه عليه‌السلام من البيعة في أوّل أمره مع الناس.

(٢) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٢٢٢.

(٣) انظر : المعيار والموازنة : ٥٠.

١٢١

أقول :

ومثل هذه البيعة التي نالت هذا المستوىٰ من التسليم والرضا عند المهاجرين والأنصار لم تتحقّق لغيره عليه‌السلام ، فكانت بيعته هي البيعة الوحيدة التي لله فيها رضاً حسب النص الذي أورده الكاتب من نهج البلاغة ؛ فتدبّر ذلك.

أمّا الموارد الّتي تحدّث فيها الإمام عليه‌السلام عن حقّه في الخلافة ، وأنكر الدليمي وجودها في النهج فنذكر منها :

١ ـ ما جاء عنه عليه‌السلام في الخطبة المعروفة بـ : « الشقشقية » (١) ، حيث قال عليه‌السلام : « أما والله لقد تقمّصها (٢) ابن أبي قحافة وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحىٰ ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقىٰ إلَيَّ الطير (٣) ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً (٤) ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر علىٰ طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها

__________________

(١) سمّيت بذلك لأنّ الإمام عليه‌السلام توقّف عن الخطبة لعارض عرض له أثناءها ثمّ طلب ابن عبّاس بعدها من الإمام عليه‌السلام أن يطرد في خطبته من حيث أفاض ، فقال له الإمام عليه‌السلام : « هيهات يا ابن عبّاس! تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت ».

وللوقوف علىٰ صحّة هذه الخطبة ونسبتها للإمام عليه‌السلام ، بل نسبة النهج كلّه اليه ، راجع ـ بالإضافة لما ذكرناه في أوّل الكتاب ـ : الغدير ٤ / ١٧٣.

(٢) تقمّصها : أي لبسها كالقميص.

(٣) محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقىٰ إليَّ الطير : دلالة علىٰ علوّ مكانته عند الله.

(٤) فسدلت : كناية عن غضّ النظر عنها ، وسدل الثوب : أرخىٰ. طوىٰ عنها كشحا : مال عنها.

١٢٢

الصغير ، ويكدح (١) فيها مؤمن حتّىٰ يلقىٰ ربّه ، فرأيت الصبر علىٰ هاتا أحجىٰ (٢) ، فصبرت وفي العين قذىٰ ، وفي الحلق شجا ، أرىٰ تراثي نهباً (٣) ، حتّىٰ إذا مضىٰ الأوّل لسبيله فأدلى بها (٤) إلىٰ ابن الخطّاب بعده ... » إلىٰ آخر الخطبة (٥).

أقول :

فإذا كانت الخلافة شورىٰ ، وهي الطريقة الشرعية لها ، كما يقول الدليمي ، وقد تمّت بالإجماع علىٰ أبي بكر ، وأنّ الله راض عن هذه الخلافة ; فلِمَ يتظلّم عليه‌السلام هنا ويقول بعد انعقادها : « وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر علىٰ طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير » ؟!

ثمّ يقول عليه‌السلام : « فصبرت وفي العين قذىٰ ، وفي الحلق شجا ، أرىٰ تراثي نهباً ... » إلىٰ آخر كلامه الدالّ بكلّ وضوح علىٰ اغتصاب الخلافة منه ، وأنّ القوم باختيارهم رجلاً منهم قد أدخلوا المسلمين في طخية عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّىٰ يلقىٰ ربّه ، كلّ ذلك بياناً منه عليه‌السلام علىٰ شدّة الفتنة الّتي أوقعوا المسلمين فيها.

قال الشيخ محمّد عبده في تعليقته علىٰ النهج : طخية ـ بطاء فخاء

__________________

(١) يكدح : يسعى سعي الجهود.

(٢) أحجىٰ : ألزم ، جدير ، أقرب إلىٰ العقل.

(٣) الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم أو نحوه ، والجملتان كناية عن شدّة ما أضمره من الأذىٰ. التراث : الميراث.

(٤) فأدلىٰ بها : ألقىٰ بها إليه.

(٥) راجع بقيّة الخطبة في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٥١ وما بعدها.

١٢٣

بعدها ياء ، ويثلث أوّلها ـ أي : ظلمة ، ونسبة العمىٰ إليها مجاز عقلي ، وإنّما يعمىٰ القائمون فيها إذ لا يهتدون إلىٰ الحقّ ، وهو تأكيد لظلام الحال واسودادها إذ لا فائدة من الإقدام ، ولا خير للناس من وراء الإحجام (١).

وقال ابن قتيبة في : « تاريخ الخلفاء » ، المسمّىٰ بـ : الإمامة والسياسة : إنّ عليّاً ـ كرّم الله وجهه ـ أُتي به إلىٰ أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله.

قيل له : بايع أبا بكر !

فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أُبايعكم وأنتم أوْلىٰ بالبيعة لي. أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ؟

ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أوْلىٰ بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ؟!

وأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به علىٰ الأنصار ; نحن أوْلىٰ برسول الله حيّاً وميتاً ، فانصفونا إن كنتم تؤمنون ! وإلاّ فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال له عمر : إنّك لست متروكاً حتّىٰ تبايع.

فقال له عليّ : احلب حلباً لك شطره (٢) ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً. ثمّ قال : والله يا عمر ! لا أقبل قولك ولا أُبايعه.

فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك.

__________________

(١) راجع : تعليقته علىٰ النهج ١ / ٣١.

(٢) قال ابن قتيبة في هامش كتابه شارحاً هذه العبارة : أي افعل فعلاً يكون لك منه نصيب ; فأنت تبايعه اليوم ليبايعك غداً !

١٢٤

فقال أبو عبيدة بن الجرّاح لعليّ كرّم الله وجهه : يا بن عمّ ! إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ، ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرىٰ أبا بكر إلاّ أقوىٰ علىٰ هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

فقال عليّ كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين ! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته ، إلىٰ دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ! لنحن أحقّ الناس به ، لأنّنا أهل البيت ، وأنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه بدين الله ، العالم بسُنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأُمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنّه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوىٰ ، فتضلّوا عن سبيل الله ، فتزدادون من الحقّ بُعدا (١).

وأقول :

قد أجرىٰ الله تبارك وتعالىٰ أيضاً بيان ثبوت حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة علىٰ لسان ألدّ أعدائه ، وهو معاوية ، فانظر إلىٰ رسالته الّتي بعثها إلىٰ محمّد بن أبي بكر ، جواباً علىٰ رسالة كان قد بعثها الأخير إليه ..

قال معاوية مخاطباً محمّد بن أبي بكر : فقد كنّا أنا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلمّا

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ٢٩.

١٢٥

اختار الله لنبيّه ( عليه الصلاة والسلام ) ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته ، وقبضه الله إليه ( صلوات الله عليه ) كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه علىٰ أمره ، علىٰ ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلىٰ بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم (١).

٢ ـ وهذا نصّ آخر من نهج البلاغة نفسه يبين فيه الإمام عليه‌السلام دفعه عن حقّه في الخلافة ، والاستئثار عليه ؛ قال عليه‌السلام : « فو الله ما زلت مدفوعاً عن حقّي ، مستأثراً علَيَّ منذ قبض الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّىٰ يوم الناس هذا » (٢).

٣ ـ وقال عليه‌السلام في مورد آخر : « حتّىٰ إذا قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجع قوم علىٰ الأعقاب ، وغالتهم السبل ، واتّكلوا علىٰ الولائج (٣) ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الّذي أُمروا بمودّته (٤) ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه » (٥).

٤ ـ وقال عليه‌السلام يوم الشورىٰ : « وقد قال قائل : إنّك علىٰ هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص. فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه.

__________________

(١) راجع تمام الرسالتين في جمهرة رسائل العرب ١ / ٥٤٥ ، مروج الذهب ٣ / ٢١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ١٩٠ ، وقعة صِفّين : ١٢٠ ، أنساب الأشراف : ٣٩٦.

(٢) راجع : نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ١ / ٤٢.

(٣) الولائج : جمع وليجة ; وهي : البطانة ، وخاصّة الرجل من أهله وعشيرته ، ويراد بها دخائل المكر والخديعة. نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٣٦.

(٤) وهم أهل بيت النبوّة الّذين أمر الله المسلمين بمودّتهم في قوله عزّ من قائل : ( قُل لاَّ أَسَْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى القربىٰ ). سورة الشورىٰ : الآية ٢٣.

(٥) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٣٦.

١٢٦

فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به » ..

ثمّ قال عليه‌السلام : « اللّهمّ إنّي استعينك علىٰ قريش ومَن أعانهم ! فإنّهم قطعوا رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا علىٰ منازعتي أمراً هو لي » (١) ؛ وكلامه عليه‌السلام هنا واضح بأنّ الخلافة حقّ ثابت له وأمر خاصّ به.

٥ ـ ثمّ انظر إلىٰ كلامه عليه‌السلام لمّا انتهت إليه أنباء السقيفة ; قال : فماذا قالت قريش ؟ قالوا : احتجّت بأنّها شجرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عليه‌السلام : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة (٢).

وقال عليه‌السلام أيضاً : وا عجباه ! أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة (٣).

ويروىٰ له عليه‌السلام في ذلك أيضاً شعراً :

فإن كنتَ بالشورىٰ ملكتَ أُمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غُيّبُ (٤)

وإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمهم

فغيرك أولىٰ بالنبيّ وأقربُ (٥)

__________________

(١) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٨٤.

(٢) قال الشيخ محمّد عبده ـ في تعليقته علىٰ النهج ١ / ١١٦ ـ : يريد من الثمرة : آل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) يريد عليه‌السلام : أنّ احتجاج القوم في السقيفة بالصحبة والقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجعلهم أهلا للخلافة لوحده ، وإنّما أحقّ الناس بهذا الأمر مَن كان النصّ فيه ، وكان أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه ، كما قال الإمام عليه‌السلام في إحدىٰ كتبه إلىٰ معاوية ، وهو النصّ الّذي سيأتي الكلام عنه في الصفحات القادمة.

(٤) جمع غائب ؛ يريد بـ : « المشيرون » : أصحاب الرأي في الأمر ، وهم : عليّ عليه‌السلام وأصحابه من بني هاشم.

(٥) راجع : نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٤ / ٤٤.

١٢٧

٦ ـ وانظر إلىٰ قوله عليه‌السلام في مورد آخر : « لا يقاس بآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأُمّة أحد ... ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن إذ رجع الحقّ إلىٰ أهله ونقل إلىٰ منتقله » (١).

٧ ـ وانظر إلىٰ قوله عليه‌السلام : « أين الّذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ... إنّ الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح (٢) علىٰ سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم » (٣).

فهل يريد الكاتب نصّاً أصرح من هذا بأنّ الإمامة والخلافة العظمىٰ لا تصلح علىٰ غير أهل بيت النبوّة الّذين أرادهم الإمام عليه‌السلام بقوله : غرسوا في هذا البطن من هاشم ؟!

وهو نفس مفاد قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الوارد في صحاح المسلمين وكتبهم ـ : « الخلفاء من بعدي اثنا عشر ، كلّهم من قريش ».

قال الحافظ القندوزي الحنفي : قال بعض المحقّقين : إنّ الأحاديث الدالّة علىٰ كون الخلفاء بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ؛ فبشرح الزمان ، وتعريف الكون والمكان ، عُلم أنّ مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا : الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ؛ إذ لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث علىٰ الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر ( وهم أربعة ) ، ولا يمكن أن يُحمل علىٰ ملوك الأُموية لزيادتهم عن اثني عشر ( وهم ثلاثة عشر ) ولظلمهم الفاحش ، إلاّ عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كلّهم من بني هاشم » في

__________________

(١) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ١ / ٣٠.

(٢) أي : الخلافة والإمامة.

(٣) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٢٧.

١٢٨

رواية عبد الملك عن جابر (١).

كما روى الحمويني الشافعي بسنده عن عباية بن ربعي ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا سيد النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ; أوّلهم : عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم : المهدي (٢). انتهىٰ.

والمتحصّل من ذلك كلّه :

إنّ الإمام عليه‌السلام كان يرىٰ أنّ الخلافة حقّ ثابت له ، وذلك لسبق النصّ عليه من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مناسبات عديدة ; نورد للقارئ الكريم هنا جملة منها :

١ ـ النصّ عليه في يوم الدار ; وذلك عندما نزل علىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالىٰ : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) (٣) ، وجمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرباءه في داره يدعوهم إلىٰ الإسلام ويطلب منهم مؤازرته ونصرته ، فسكت القوم إلاّ عليّاً عليه‌السلام قال : « أنا يا رسول الله أكون وزيرك علىٰ ما بعثك الله ». وبعد أن كرّرها ثلاثاً التفت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم وقال : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (٤).

__________________

(١) ينابيع المودّة ٣ / ٢٩٢.

(٢) فرائد السمطين ٢ / ح ٥٦٤.

(٣) سورة الشعراء : الآية ٢١٤.

(٤) تقدّم ذكر مصادره في ص ١٥ ; ولهذا الحديث طرق صحيحة وأسانيد جيّدة تلقاها العلماء بالقبول ..

منها : ما أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية ٣ / ٥٣ ، ٤٠ ; نقلاً عن ابن أبي حاتم في تفسيره ، بلفظ : « ويكون خليفتي في أهلي ».

١٢٩

٢ ـ النصّ عليه عند خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لغزوة تبوك ; وفي ذلك أخرج الحاكم في مستدركه : « عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول الله في غزوة تبوك وخرج الناس معه ، فقال له عليّ : أخرج معك ؟

قال : فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ; فبكىٰ عليّ.

فقال له : أما ترضىٰ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي.

قال ابن عبّاس : وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة ».

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه (١). أي :

__________________

ومنها : ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٨ ، بلفظ : « ويكون خليفتي ووصيّي من بعدي ».

ومنها : ما أخرجه أحمد في المسند ١ / ١١١ ، بلفظ : « ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي في أهلي ». ورجاله رجال الصحيح ..

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١١٣ : رواه أحمد وإسناده جيّد ، وقد تقدّمت لهذا الحديث طرق في علامات النبوّة في آيته في الطعام. انتهىٰ.

ومنها : ما أخرجه المتّقي الهندي بعين لفظه في كنز العمّال ١٣ / ١٢٨ ، ١٣٣ ، ١٤٩ ، عن : ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، وقد ذكر تصحيح ابن جرير له في ما تقدّم ... وفي رواية ابن مردويه : « أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي » ؛ فراجع ثمّة !

(١) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٤٤ ، تلخيص المستدرك ـ للذهبي ـ ٣ / ١٤٤ وصحّحه ، مسند أحمد ١ / ٣٣١ ; قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٢٠ : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري ، وهو ثقة وفيه لين. انتهىٰ. البداية والنهاية ٧ / ٢٧٤ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ١٠٢.

وفي كتاب السُنّة ـ لابن أبي عاصم ، تحقيق الألباني ـ : ٦٠١ : « أفلا ترضىٰ أن

١٣٠

البخاري ومسلم.

٣ ـ النصّ عليه يوم غدير خمّ ; إذ جمع النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من مائة ألف مسلم ومسلمة وخطبهم خطبة طويلة ، جاء فيها : « مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله ... » (١).

__________________

تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ ; إلاّ أنّك لست بنبيّ ، وأنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي » ؛ وقد قال الألباني عنه في ص ٥٥٠ : إسناده حسن ، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بلج ، واسمه : يحيىٰ بن سليم بن بلج ; قال الحافظ : صدوق ، ربّما أخطأ. انتهىٰ ..

وعند البوصيري : عن أبي يعلىٰ ، أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي من بعدي » ؛ انظر : إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ٩ / ٢٥٩ ح ٨٩٤٤ ، مختصر إتحاف السادة المهرة ـ لأبي بكر البوصيري ـ ٩ / ١٨٠ ح ٧٤٤٣.

ولا يخفىٰ أنّ اسم الجنس المضاف يفيد العموم ، كما نصّ عليه أكابر العلماء ؛ فلفظة « منزلة » مفيدة لعموم كلّ واحدة من المنازل ، وواحدة من جملة هذه المنازل هي : كون هارون خليفة لموسىٰ عليهما‌السلام فيما لو عاش بعده ..

أمّا دعوىٰ أنّ ذلك مخصوص بمورده ، أي : استخلاف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له عليه‌السلام أيّام غزوة تبوك ، فمردودة بوجهين :

الأوّل : إنّ العبرة بعموم اللفظ ، لا لخصوص السبب.

الثاني : إنّ هذا الكلام قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام في مواطن عديدة ، منها : يوم حدّث أُمّ سليم ، وفي قضية بنت حمزة ، وعند اتكائه علىٰ عليّ ، وفي المؤاخاة الأُولىٰ ، وفي المؤاخاة الثانية ، وعند سدّ الأبواب ، وعندما صوّر عليّاً وهارون كالفرقدين ؛ راجع : مصادر هذه الموارد من كتب أهل السُنّة في المراجعة ٣٢ من كتاب المراجعات للسيد شرف الدين الموسوي.

(١) صرّح بتواتر المقطع الأوّل من هذا الحديث من علماء أهل السُنّة : الشيخ جلال الدين السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة : ٢٢٧ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٨ / ٣٣٥ ، والعلاّمة جعفر بن إدريس الحسني ـ الشهير بـ : الكتاني ـ في نظم المتناثر من الحديث المتواتر : ٢٠٦ ، والعلاّمة محمّد

١٣١

                                                                                                                       

__________________

مرتضىٰ الحسني الزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة : ٢٠٥ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٢٧٤ ، والشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٤٣ ... وغيرهم.

وصرّح بصحّة المقطع الثاني : الحاكم في المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١١٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ ; رواه عن أحمد ، وقال : ورجال أحمد ثقات. وابن حبّان في صحيحه ١٥ / ٣٧٦ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ ; وقد نقل تصحيح الذهبي له. والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٣٠ ... وغيرهم ..

راجع : مصادر الحديث ورواته من الصحابة والتابعين والحفّاظ في كتاب الغدير ١ / ٣١٣ ، وملحق المراجعات : ١٣٠ وما بعدها.

وللاطّلاع علىٰ التحقيق بشأن المراد من كلمة « مولىٰ » في الحديث المذكور ، والقرائن الكثيرة الدالّة علىٰ إرادة معنىٰ « الأوْلىٰ » منه الدالّ علىٰ الخلافة ، انظر : الغدير ١ / ٣٢٣ وما بعدها ، والمراجعات : المراجعتان ٥٨ و ٦٠.

وأقول أيضاً : إنّ للقارئ الكريم أن يستغني عن الاطّلاع علىٰ جميع القرائن الدالّة علىٰ أنّ مراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كلمة « مولىٰ » في حديث الغدير : الأوْلىٰ بالتصرّف ، ويكتفي بالاطّلاع علىٰ قرينة واحدة فقط هي : فهم المخاطَبين بكلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ فهم المخاطَبين بكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهم العرب الأقحاح ـ أوْلىٰ بالتقديم من فهم غيرهم ممّن ابتعدوا عن الواقعة ولم يشهدوها ; فماذا كان فهم المخاطَبين بكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

سأذكر للقارئ الكريم هنا ثلاثة شواهد فقط علىٰ أنّ المخاطَبين فهموا من كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه أراد : الأولوية بالتصرّف والإمامة ، والّتي تعني : القيادة والخلافة العظمىٰ :

الشاهد الأوّل : ما فهمه حسّان بن ثابت شاعر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بكلامه في موقفه بغدير خمّ : الإمامة لعليّ عليه‌السلام الّتي تعني القيادة والخلافة العظمىٰ بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام وأنشد في ذلك الجمع المحتشد الحافل بمائة ألف أو يزيدون ، وفيهم البلغاء ، ومدراء الخطابة ، وصاغة القريض ، ومشيخة قريش العارفون بلحن القول ، ومعارض الكلام ، وبمسمع أفصح مَن نطق بالضاد « النبيّ

١٣٢

٤ ـ وأيضاً جاء النصّ علىٰ خلافته عليه‌السلام لما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « عليّ منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (١) ..

__________________

الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الّذي أقرّه علىٰ ما فهمه من مغزىٰ كلامه ، وقرّظه بقوله : « لا تزال يا حسّان مؤيَّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».

قال حسان بن ثابت :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخُمّ واسمع بالرسول مناديا

فقال : فمَن مولاكم ونبيّكم ؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا :

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلقَ منّا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا عليّ ! فإنّي

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمَن كنتُ مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللّهمّ ! والِ وليّه

وكن للّذي يعادي عليّاً معاديا

راجع : ترجمة الشاعر ورواة شعره أعلاه من علماء المسلمين في كتاب الغدير ٢ / ٣٢ وما بعدها.

الشاهد الثاني : ما فهمه الحارث بن النعمان الفهري من كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل معترضاً علىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ دعا علىٰ نفسه بقوله : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً ، فأمطِر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إلىٰ راحلته حتّىٰ رماه الله سبحانه بحجر سقط علىٰ هامته ، فخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالىٰ فيه : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَٰفِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ للهِ ذِى الْمَعَارِجِ ).

انظر الحادثة في تفسير القرطبي ١٨ / ٢٧٨ ، فتح القدير ٥ / ٢٨٨.

الشاهد الثالث : ـ وهو الأهمّ ـ : استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالحديث بأحقّيته بالخلافة لمّا نوزع عليها في عدّة مواقف ، منها : عندما نوزع يوم الشورىٰ ، وفي أيّام عثمان ، ويوم الرحبة ، ويوم صِفّين ...

راجع تفاصيل المناشدة والاحتجاج في الغدير ١ / ١٤٦ ـ ١٨٠ ..

وانظر في الجزء نفسه من ص ١٨٠ ـ ١٩٣ : مناشدة الزهراء عليها‌السلام بالحديث ، ومناشدة الحسن والحسين عليهما‌السلام بالحديث ، ومناشدة غيرهم.

أقول : إنّ فهم المخاطَبين بكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفهم الرعيل الأوّل من الصحابة أوْلىٰ من فهم المتأخّرين عنهم من الّذين يتكلّفون التأويل و .. التضليل ما استطاعوا !!

(١) أخرجه الترمذي في سُننه ٥ / ٢٩٧ باب : مناقب عليّ برقم ٣٧١٢ ، وقال عنه :

١٣٣

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريدة حين اشتكىٰ من عليّ عليه‌السلام : « لا تبغضنَّ يا بريدة عليّاً ; فإنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي » (١) ..

__________________

حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان ؛ وعقّب عليه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٢٦١ بقوله : وهو ثقة من رجال مسلم ، وكذلك سائر رجاله ؛ ولذلك قال الحاكم : صحيح علىٰ شرط مسلم. انتهى ..

وقال المباركفوري في شرحه لسُنن الترمذي ١٠ / ١٤٦ : وظاهر أنّ قوله : « بعدي » في هذا الحديث ممّا يقوىٰ به معتقد الشيعة.

وأيضاً أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٤٣٨ ، والنسائي في السُنن ٥ / ٤٥ ، والخصائص : ٩٨ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٨ / ١٢٩ ، وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير ; وصحّحه في ما نقله عنهما : المتّقي الهندي في كنز العمّال ١١ / ٦٠٨ و ١٣ / ١٤٢ ، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه كما في صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان ١٥ / ٣٧٤ ; قال شعيب الأرنؤوط ـ المراجع للصحيح ـ : إسناده قوي.

وأيضاً أخرجه أبو يعلى في مسنده ١ / ٢٩٣ ; وقال الشيخ حسين أسد ـ المراجع للمسند ـ : رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السُنّة : ٥٥٠ بإسناد صحيح ، وأبو داود الطيالسي في مسنده : ١١١ ، والهيثمي في موارد الظمآن : ٥٤٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٢ / ١٩٨ ، وابن الأثير في أُسد الغابة ٤ / ٢٥ ، وابن حجر في : الإصابة ٤ / ٤٦٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٣٨١.

(١) رواه أحمد من طريق أجلح الكندي في المسند ٥ / ٣٥٦ بلفظ : « لا تقع في عليّ ؛ فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي » ( يكرّرها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّتين ).

قال المناوي الشافعي في فيض القدير ٤ / ٤٧١ : قال جدّنا للأُمّ ، الزين العراقي : الأجلح الكندي وثّقه الجمهور ، وباقي رجاله رجال الصحيح. انتهىٰ.

السنن الكبرىٰ ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : ٩٨ ; كلاهما للنسائي ، المعجم الأوسط ٦ / ٦٢ بسنده ؛ وفيه : « يا بريدة ! أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية الّتي أخذ ، وأنّه وليّكم من بعدي ».

تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، ١٩١ ، ١٩٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٨ ، ٦١٢ ; يرويه عن : ابن أبي شيبة ، والديلمي ...

وقد عدّه الألباني ـ في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٢٦٢ ـ من الشواهد

١٣٤

وأيضا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوهب بن حمزة ، عندما تكلّم في عليّ عليه‌السلام : « لا تقل هذا ; فهو أوْلىٰ الناس بكم بعدي » (١) ..

وأيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام مخاطباً إيّاه : « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة » (٢).

ودلالة « وليّ كلّ مؤمن بعدي » و « وليّكم من بعدي » في هذه الأحاديث علىٰ : « الإمارة » و « الخلافة » ، ظاهرة كدلالة النصّ المتقدّم : « مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ، الّذي فهم منه المخاطَبون دلالته علىٰ ولاية الأمر والإمامة العظمى ، كما تقدّم بيان الشواهد علىٰ هذا المعنىٰ ، وخاصّة هنا بقرينة كلمة « بعدي » ، الّتي أوضحت المراد ، ونفت أن تكون المعاني

__________________

للحديث المتقدّم ، وقال عنه : إسناده حسن ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأجلح ; وهو ابن عبد الله الكندي : مختلف فيه ، وفي التقريب : صدوق شيعي .. ثمّ قال الألباني : فإن قال قائل : راوي هذا الشاهد شيعي ، وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر ، وهو جعفر بن سليمان ; أفلا يعتبر ذلك طعناً في الحديث ، وعلّة فيه ؟!

فأقول : كلاّ ؛ لأنّ العبرة في رواية الحديث إنّما هو الصدق والحفظ ، وأمّا المذهب فهو بينه وبين ربِّه ، فهو حسيبه ، ولذلك نجد صاحبي « الصحيحين » وغيرهما قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين ، كالخوارج والشيعة وغيرهم. انتهىٰ.

(١) المعجم الكبير ٢٢ / ١٣٥ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، الإصابة ٦ / ٤٨٨ بلفظ : « فإنّه وليّكم بعدي » ..

قال المناوي في فيض القدير ٤ / ٤٧٠ : رواه الطبراني. قال الهيثمي : فيه : دكين ، ذكره أبو حاتم ولم يضعّفه أحد ، وبقيّة رجاله وثّقوا. انتهىٰ.

(٢) مسند أحمد ١ / ٣٣١ بسند صحيح ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٤٤ ; قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي ، كما في تلخيص المستدرك ٣ / ١٤٤ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٦٠ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ ، ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١.

١٣٥

الأُخرىٰ لكلمة « وليّ » مرادة في المقام ، كـ : المحبّ أو الناصر أو الجار أو الحليف أو ابن العمّ ، الّتي لا يمكن حتّىٰ تصوّرها في المقام ؛ فيحمل لفظ « المولىٰ » علىٰ المعنىٰ الظاهر منه في المقام ، وهو : إنّ عليّاً إمامكم والمتصرّف بأُموركم من بعدي.

وأمّا دلالة عبارة : « أوْلىٰ الناس بكم من بعدي » الّتي رواها الطبراني برجال ثقات ، فهي أظهر من سابقتها ، وهي دالّة علىٰ إرادة الإمامة والخلافة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل.

محاولة ابن تيمية لدفع هذه الأحاديث :

قال ابن تيمية : قوله : « وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ». كذب علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل هو في حياته وبعد مماته وليّ كلّ مؤمن ، وكلّ مؤمن وليّه في المحيا والممات ؛ فالولاية الّتي هي ضدّ العداوة لا تختصّ بزمان ..

وأمّا الولاية الّتي هي الإمارة فيقال فيها : والي كلّ مؤمن بعدي ، كما يقال في صلاة الجنازة : إذا اجتمع الولي والوالي قُدّم الوالي في قول الأكثر ، وقيل : يُقدَّم الولي.

فقول القائل : عليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي ، كلام يمتنع نسبته إلىٰ رسول الله ؛ فإنّه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول : « بعدي » ، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقال : « والٍ كلّ مؤمن » ... (١).

ولا يسعنا هنا في الردّ علىٰ محاولة ابن تيمية هذه في دفع هذا الحديث الشريف والأحاديث الأُخرىٰ الّتي جاءت بمضمونه (٢) إلاّ أن نقول :

__________________

(١) منهاج السُنّة ٧ / ٣٩١ ، ٣٩٢.

(٢) من محاولات ابن تيمية الأُخرىٰ : زعمه ـ كما جاء في مجموع الفتاوىٰ ٤ / ٤١٧ ،

١٣٦

إنّه أساءَ لنفسه بعمله من حيث ظنّ أنّه يحسن إليها ، وإنّه أعطىٰ لخصمه حقّاً من حيث أراد أخذه منه ..

فقد اعترف بأنّ هذا الحديث لا يراد منه الولاية الّتي بمعنىٰ المحبّة أو النصرة ، وهما ضدّ العداوة لعدم اختصاص ذلك بزمان ، إذ تكون لفظة « بعدي » نافية لهما ، وهذان المعنيان هما اللذان فقط يمكن تصوّرهما من معاني « الولي » في المقام دون المعاني الأُخرىٰ كلّها ، بالإضافة إلىٰ معنىٰ « الأوْلىٰ بالتصرّف » أو « الولاية » الّتي تعني الإمارة ، وبنفيهما لم يَتَبقَّ سوىٰ معنىٰ : « الأوْلىٰ بالتصرّف » المماثل لمعنى قوله تعالىٰ في سورة المائدة : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١).

فهو ـ أي ابن تيمية ـ قد اتّفق معنا من حيث نفي الدلالة علىٰ إرادة المحبّة أو النصرة في الحديث ، الّتي يتشبّث بهما آخرون من دون تحصيل ، ولكنّه ـ وبسبب أنّ هذا الحديث الشريف وما يماثله من أحاديث في المضمون واللفظ تنسف عقيدته من أساسها ـ اختار طريقاً آخر في الردّ

__________________

٤١٨ ـ أنّ الشطر الأوّل من حديث الغدير ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ضعيف. وأنّ الشطر الثاني ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهمّ والِ مَن والاه وعادِ من عاداه » كذب ..

وقد ردّ عليه الشيخ الألباني بتحقيق موسّع عن الحديث المذكور ، إلىٰ أن قال : وجملة القول : إنّ الحديث صحيح بشطريه ، بل الأوّل منه متواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما يظهر لمَن تتبّع أسانيده وطرقه ..

وعن دعوىٰ التضعيف والتكذيب قال : وهذا من مبالغاته الناتجة ـ في تقديري ـ من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ، ويدقّق النظر فيها. انتهىٰ. سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٣٣٠ ـ ٣٤٤.

(١) سورة المائدة : الآية ٥٠.

١٣٧

عليه ، يكشف عن المعاندة والمكابرة دون الرغبة الصادقة في اتّخاذ العلم طريقاً إلىٰ معرفة الحقّ واتّباعه بما يضمن له صدق المتابعة للشريعة المقدّسة وأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; فقال ـ مكابراً ـ : إنّ هذا الحديث كذب علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّه يمتنع أن يقوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخلل في معاني ألفاظه.

وفي ذلك نقول :

إنّ هذا الحديث صحيح وقوي سنداً ، قد أخرجه أئمّة الحديث ، كـ : الترمذي ، وأحمد بن حنبل ، والنسائي ، والطبراني ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والحاكم ، وابن حبّان ، والمتّقي الهندي ، وابن أبي عاصم ، وأبو داود الطيالسي ، وابن عساكر ، والهيثمي ، وابن حجر ، وابن الأثير ، وابن كثير ... وغيرهم ، ورجاله هم من رجال الصحيح ، نصّ علىٰ ذلك أئمّة الرجال عند كلامهم عن أسانيده ..

ولهذا الحديث شواهد صحيحة وقوية لا يمكن لابن تيمية ، أو لغيره ، دفعها أو التحايل عليها ، وقد مرّ بيانها في ما تقدّم ، فدونك مصادرها والتحقّق من أسانيدها.

وأمّا دعوىٰ الامتناع ، فنقول : إنّ ابن تيمية قد أنفق بضاعته هنا علىٰ غير أهلها ؛ رغبة منه في رواجها ، وإلاّ فلا يخفىٰ علىٰ أهل العلم ملاحظة ما صوّره من مغالطات في المقام ؛ لأنّه كما يقال : إنّ من معاني لفظ « الولي » : المحبّ والناصر والمعتق والجار والحليف وابن العمّ ، فإنّ من معانيه ـ أيضاً ـ الوالي ; ولذا يقال للسلطان : « وليّ » ، وهو بقرينة لفظة « بعدي » هنا قد دلّ علىٰ المطلوب ، وهو : ولاية الأمر بعده ، دون المعاني

١٣٨

الأُخرىٰ ؛ فدعوىٰ الامتناع مردودة عليه ، وتخرّص محض ، بل التفاف علىٰ الحجّة بعد تمام المحجّة.

ولعلّ ابن تيمية كان ملتفتاً إلىٰ ضعف دعواه ; لذا قال : « ينبغي » ، وفي هذا أيضاً جرأة ووقاحة علىٰ مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ بعد عدم امتناع ذلك ، وأنّ لفظة « وليّ » دالّة علىٰ والي ، لا يحقّ لابن تيمية ، أو لغيره ، أن يقول للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ينبغي لك أن تتكلّم بهذا اللفظ دون هذا !!

فالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أفصح من نطق بالضاد ، وهو سيد البلغاء والمتكلّمين ، وله أن يتكلّم بأي بيان يريد ، وقد جاء بيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث الشريف مطابقاً لفظاً ومعنىً لما جاء في قوله تعالىٰ في آية الولاية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وهي الآية الّتي نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام عندما تصدّق بخاتمه وهو راكع لله تعالىٰ في صلاته (١).

__________________

(١) انظر مَن ذكر نزولها في عليّ عليه‌السلام : ابن أبي حاتم في تفسيره ٤ / ١١٦٢ ؛ ورواه بغير طريق ، ومن طرقه : أبو سعيد الأشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسىٰ بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، وكلّهم ثقات ..

وبهذا الإسناد عن ابن أبي حاتم وغيره رواه : ابن كثير في تفسيره ٢ / ٧٣ ، ٧٤.

ورواه السيوطي ـ في الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣ ، ٢٩٤ ـ عن عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبي نعيم ... وغيرهم.

قال الجصّاص في أحكام القرآن ٢ / ٥٥٧ : روي عن مجاهد والسدي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع. انتهىٰ.

الواحدي في أسباب النزول : ١٣٣ ، السيوطي في لباب النقول في أسباب النزول : ٨١ ؛ رواه عن الطبراني ، وذكر له شواهد ، ثمّ قال : فهذه شواهد يقوّي

١٣٩

وهذه الآية تدلّ علىٰ أنّ الأوْلىٰ بالتصرّف والقيام بأُموركم حصراً ـ لدلالة لفظة « إنّما » فيها ـ هم : الله ورسوله وأمير المؤمنين (١) ..

وهذه الآية المباركة الشريفة دالّة علىٰ المطلوب أيضاً ، وهي تضاف لما ذكرناه من نصوص نبوية مباركة ، بل تُعدّ مشكاتها في المقام.

وأمّا ما ساقه ابن تيمية من شاهد : فقد دلّت القرينة فيه باجتماع الولي مع الوالي علىٰ أنّ المراد بـ : الولي فيه ، هو الولي الشرعي ، كـ : الأب والجدّ دون السلطان ، وهذا لا ينفي بأن يكون أحد المعاني الثابتة لاستعمالات الولي هو السلطان ، وإنّما تدلّ علىٰ ذلك القرائن ، كما هو المعلوم في باب الاشتراك اللفظي ، ولكن التعصّب يعمي البصيرة عن إدراك أبسط المعارف ، فهو كما يقولون : « داء لا دواء له » (٢).

وعلى أية حال ، لهذا الّذي ذكرناه وغيره من النصوص الواردة بحقّه عليه‌السلام قال الإمام عليه‌السلام في نهج البلاغة ، كما جاء من كتاب له إلىٰ أهل مصر بعثه مع مالك الأشتر لمّا ولاّه إمارتها :

« فو الله ! ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل بيته ، ولا أنّهم مُنحّوه عنّي من بعده ،

__________________

بعضها بعضاً ..

وهناك عشرات المصادر ، ذكرها الشيخ الأميني في موسوعة الغدير ؛ فانظر : ٣ / ١٥٦ وما بعدها.

(١) قال الزمخشري في الكشّاف ٢ / ٤٠ : إن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي‌الله‌عنه واللفظ لفظ جماعة ؟!

قلت : جيء به علىٰ لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً ؛ ليرغب الناس في مثل فعلهِ فينالوا مثل ثوابه. انتهىٰ.

(٢) علل الشرائع ٢ / ٥٤٨.

١٤٠