معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

علي عليه‌السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته في خبائها (١) ومعه أخ له من الرضاعة وكان أكبر منه سنا بسنة إلا أياما ، وكان عند الخبأ قليب (٢) ، فمر الصبي نحو القليب ونكس رأسه فيه ، فحبي علي عليه‌السلام خلفه فتعلقت رجل علي عليه‌السلام بطنب (٣) الخيمة فجر الحبل حتى أتى على أخيه فتعلق بفرد قدميه وفرد يديه ، وأما اليد ففي فيه ، وأما الرجل ففي يده فجاءته أمه فأدركته فنادت : يا للحي ، يا للحي ، يا للحي من غلام ميمون أمسك علي ولدي. فأخذوا الطفلين (٤) من [ عند ] رأس القليب (٥) وهم يعجبون من قوته على صباه ولتعلق رجله بالطنب ولجره الطفل حتى أدركوه ، فسمته أمه « ميمونا » أي مباركا ، فكان الغلام في بني هلال يعرف بمعلق ميمون وولده إلى اليوم ، وعند الأرمن « فريق » قال : الفريق الجسور الذي يهابه الناس ، وعند أبي « ظهير » قال : كان أبوه يجمع ولده وولد إخوته ثم يأمرهم بالصراع ، وذلك خلق في العرب وكان علي عليه‌السلام يحسر عن (٦) ساعدين له غليظين قصيرين وهو طفل ، ثم يصارع كبار إخوته وصغارهم وكبار بني عمه وصغارهم فيصرعهم ، فيقول أبوه : ظهر علي فسماه ظهيرا ، وعند العرب « علي » قال جابر : اختلف الناس من أهل المعرفة لم سمي علي عليا ، فقالت طائفة : لم يسم أحد من ولد آدم قبله بهدا الاسم في العرب ولا في العجم إلا أن يكون الرجل من العرب يقول : ابني هذا علي يريد من (٧) العلو لا أنه اسمه ، وإنما تسمى الناس به بعده وفي وقته. وقالت طائفة : سمي علي عليا لعلوه على كل من بارزه وقالت طائفة : سمي علي عليا لان داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء وليس نبي تعلو منزلته منزلة علي (٨). وقالت طائفة : سمي علي عليا لأنه علا ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقدميه ، طاعة لله عزوجل ، ولم يعل أحد على ظهر نبي غيره عند حط الأصنام من

__________________

(١) الخباء ـ بكسر الخاء : ما يعمل من وبرأ وصوف أو شعر للسكن.

(٢) القليب : البئر. وقيل : البئر القديمة.

(٣) الطنب ـ بضمتين ـ حبل طويل يشد به سرادق البيت.

(٤) في بعض النسخ [ الطفل ].

(٥) في بعض النسخ [ البئر ].

(٦) في بعض النسخ [ من ].

(٧) في بعض النسخ [ به ] بدل « من ».

(٨) في بعض النسخ [ وليس نبي تعلو منزلته منزلة غيره ].

٦١

سطح الكعبة وقالت طائفة : إنما سمي علي عليا لأنه زوج في أعلى السماوات ولم يزوج أحد من خلق الله عزوجل في ذلك الموضع غيره. وقالت طائفة : إنما سمي علي عليا لأنه كان أعلى الناس علما بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٠ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن جعفر الأسدي (١) قال : حدثنا موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ابن عمر ، عن ثابت بن دينار ، عن سعيد بن جبير : قال : قال يزيد بن قعنب : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذا أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه‌السلام وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق (٢) ، فقالت : رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل وإنه بنى البيت العتيق ، فبحق النبي الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي. قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت وقد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق (٣) الحائط فرمنا (٤) أن ينفتح لنا قفل الباب (٥) فلم ينفتح فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عزوجل ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم قالت : إني فضلت على من تقدمني من النساء ، لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عزوجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، وأن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا ، فإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها ، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف : يا فاطمة سميه عليا فهو علي ، والله العلي الأعلى يقول : إني شققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، ووقفته (٦) على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو

__________________

(١) في بعض النسخ [ العمرى ] والصحيح ما في المتن.

(٢) الطلق ـ بفتح الطاء المهملة وسكون اللام ـ : وجع الولادة.

(٣) في بعض النسخ [ التصق ] وكلاهما بمعنى.

(٤) رمنا : أي قصدنا وأردنا ، من رام يروم روما ومراما.

(٥) في بعض النسخ [ البيت ].

(٦) وقفه على الامر : اطلعه.

٦٢

الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني ، فطوبى لمن أحبه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه.

١١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن عباية بن ربعي ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال له : أخبرني عن الأنزع البطين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقد اختلف الناس فيه. فقال له ابن عباس : أيها الرجل والله لقد سألت عن رجل ما وطأ الحصى بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل منه ، وإنه لأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمه ووصيه وخليفته على أمته ، وإنه لأنزع من الشرك ، بطين من العلم ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أراد النجاة غدا فليأخذ بحجزة هذا الأنزع يعني عليا عليه‌السلام.

١٢ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، عن علان الكليني رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنما سمي سيف أمير المؤمنين عليه‌السلام ذا الفقار لأنه كان في وسطه خطة في طوله تشبه (١) بفقار الظهر فسمي ذا الفقار لذلك ، وكان سيفا نزل به جبرئيل عليه‌السلام من السماء ، وكانت حلقته فضة ، وهو الذي نادى به مناد من السماء « لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي ».

١٣ ـ حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا جعفر بن محمد ابن مسعود ، عن أبيه قال : حدثنا جبرئيل بن أحمد الفاريابي قال : حدثني الحسن بن خرزاد (٢) ، عن محمد بن موسى بن الفرات ، عن يعقوب بن سويد بن مزيد الحارثي ، عن عمرو ابن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك لم سمي أمير المؤمنين عليه‌السلام أمير المؤمنين؟ قال : لأنه يميرهم العلم ، أما سمعت كتاب الله عزوجل « ونمير أهلنا (٣) ».

__________________

(١) في بعض النسخ [ فشبه ].

(٢) « خرزاذ » بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المهملة أو اسكانها ثم الزاي والذال المعجمتين.

(٣) يوسف : ٦٥. ماره يميره وأماره : أطعمه وأتاه بالمؤونة.

٦٣

١٤ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الغلابي قال : حدثنا محدوج ابن عمير الحنفي (١) ، قال حدثنا بشر بن (٢) إبراهيم الأنصاري عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : إنما سميت فاطمة ، فاطمة لان الله عزوجل فطم (٣) من أحبها من النار (٤).

١٥ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فاطمة لم سميت زهراء؟ فقال ، لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

١٦ ـ وقد روي : إنما سميت الزهراء لان الله عزوجل خلقها من نور عظمته.

١٧ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أسباط ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان ، قال ، حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : حدثني عيسى بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن آبائه ، عن عمر بن علي ، عن أبيه ، علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل : ما البتول (٥)؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول إن مريم بتول ، وفاطمة بتول؟ فقال : البتول التي لن تر حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء. وسمي الامام إماما لأنه قدوة للناس منصوب

__________________

(١) كذا وفى بعض النسخ [ محمد بن عمير الحنفي ] وفى بعضها [ نجدج ].

(٢) في بعض النسخ [ بشير ].

(٣) فطمه : فصله وقطعه ، يقال : فطمت الولد عن الرضاع ، وفطمت فلانا عن عادته.

(٤) في بعض النسخ [ عن النار ].

(٥) البتل : القطع أي انها منقطعة عن نساء زمانها بعدم رؤية الدم. قال الجزري : امرأة بتول أي منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم وبها سميت مريم أم عيسى عليهما‌السلام وفاطمة عليهما‌السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا.

٦٤

من قبل الله تعالى ذكره مفترض الطاعة على العباد. وسمي علي بن الحسين عليهما‌السلام ، السجاد لما كان على مساجده من آثار السجود وقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وسمي ذا الثفنات لأنه كان له في مواضع سجوده آثار ناتئة فكان يقطعها في السنة مرتين كل مرة خمس ثفنات فسمى ذا الثفنات لذلك وسمي الباقر عليه‌السلام باقرا لأنه بقر العلم بقرا أي شقه شقا وأظهره إظهارا. وسمي الصادق صادقا ليتميز من المدعي للإمامة بغير حقها وهو جعفر بن علي إمام الفطحية الثانية. وسمي موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، الكاظم لأنه كان يكظم غيظه على من يعلم أنه كان سيقف عليه ويجحد الامام بعده طمعا في ملكه (١). وسمي علي بن موسى عليهما‌السلام ، الرضا لأنه كان رضي لله تعالى ذكره في سمائه ، ورضي لرسول و الأئمة بعده عليهم‌السلام في أرضه ، ورضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه. وسمي محمد بن علي الثاني عليهما‌السلام ، التقي لأنه اتقى الله عزوجل فوقاه الله شر المأمون لما دخل عليه بالليل سكران فضربه بسيفه حتى ظن أنه كان قد قتله فوقاه الله شره. وسمي الإمامان ـ علي بن محمد ، والحسن بن علي عليهما‌السلام ـ العسكريين لأنهما نسبا إلى المحلة التي سكناها بسر من رأى وكانت تسمى عسكرا. وسمي القائم قائما لأنه يقوم بعد موت ذكره.

وقد روي في هذا المعني غير ذلك. وقد أخرجت هذه الفصول مرتبة مسندة في كتاب علل الشرائع والاحكام والأسباب.

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « من كنت مولاه فعلى مولاه » ) *

١ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثني جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خلف ، قال : حدثنا سهل بن [ إسماعيل بن ] عامر ، قال : حدثنا زافر بن سليمان ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، : ما معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه »؟ قال : أخبرهم أنه الامام بعده.

__________________

(١) في بعض النسخ [ في ماله ].

٦٥

٢ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثني أبو الحسن موسى بن محمد ابن الحسن الثقفي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا صفوان بن يحيى بياع السابري ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبان بن تغلب ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهم‌السلام عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » فقال : يا أبا سعيد تسأل عن مثل هذا؟ علمهم أنه يقوم فيهم مقامه.

٣ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم المحاربي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن أبيه ، قال : ذكر عند زيد بن علي [ بن الحسين ] عليهما‌السلام (١) قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « من كنت مولاه فعلي مولاه ، » قال : نصبه علما ليعرف به حزب الله عزوجل عند الفرقة.

٤ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي قال حدثنا محمد بن الحارث أبو بكر الواسطي من أصل كتابه قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا أبو مريم ، عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله ربي ولا أمارة لي معه ، وأنا رسول ربي ولا أمارة معي ، وعلي [ وليي و ] ولي من كنت وليه ولا أمارة معه.

٥ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد الله العسكري قال : حدثنا محمد بن علي بن بسام الحراني من أصل كتابه ، قال : حدثنا معلل بن نفيل ، قال : حدثنا أيوب بن سلمة أخو محمد بن سلمة ، عن بسام الصيرفي ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليه فعلي وليه ، ومن كنت إمامه فعلي إمامه ومن كنت أميره فعلي أميره ، ومن كنت نذيره فعلي نذيره ، ومن كنت هادية فعلي هادية ، ومن كنت وسيلته إلى الله تعالى فعلي وسيلته إلى الله عزوجل فالله سبحانه يحكم بينه وبين عدوه.

٦ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن سعيد بن زياد أبو محمد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد

__________________

(١) كذا في النسخ التي عندنا.

٦٦

قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي إمام كل [ مؤ ] من بعدي.

٧ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ الجعابي ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن سعيد بن زياد من أصل كتاب أبيه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا حفص بن عمر العمري ، قال : حدثنا عصام ابن طليق ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزوجل : « وقفوهم إنهم مسؤولون (١) » قال عن ولاية علي ، ما صنعوا في أمره؟ وقد أعلمهم الله عزوجل أنه الخليفة بعد رسوله.

٨ ـ حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي قال : حدثنا علي بن محمد ابن عنبسة مولى الرشيد قال : حدثنا دارم بن قبيصة قال : حدثنا نعيم بن سالم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يوم غدير خم وهو آخذ بيد علي عليه‌السلام : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى. قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ : نحن نستدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص على علي بن أبي طالب ، واستخلفه ، وأوجب فرض طاعته على الخلق بالأخبار الصحيحة. وهي قسمان :

قسم قد جامعنا عليه خصومنا في نقله وخالفونا في تأويله ، وقسم قد خالفونا في نقله فالذي يجب علينا في ما وافقونا في نقله. أن نريهم بتقسيم الكلام ورده إلى مشهور اللغات والاستعمال المعروف أن معناه هو ما ذهبنا إليه من النص والاستخلاف دون ما ذهبوا هم إليه من خلاف ذلك ، والذي يجب علينا فيما خالفونا في نقله أن نبين أنه ورد ورودا يقطع مثله العذر ، وأنه نظير ما قد قبلوه وقطع عذرهم واحتجوا به على مخاليفهم من الاخبار التي تفردوا هم بنقلها دون مخالفيهم وجعلوها مع ذلك قاطعة للعذر وحجة على من خالفهم فنقول وبالله نستعين :

إنا ومخالفينا قد روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قام يوم غدير خم وقد جمع المسلمين فقال : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا : اللهم بلى. قال : فمن كنت مولاه

__________________

(١) الصافات : ٢٤ يعنى احبسوهم في الموقف.

٦٧

فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

ثم نظرنا في معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ثم [ في ] معنى قوله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » فوجدنا ذلك ينقسم في اللغة على وجوه لا يعلم في اللغة غيرها ـ أنا ذاكرها. إن شاء الله ـ ونظرنا فيما يجمع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ويخطب به ويعظم الشأن فيه فإذا هو شئ لا يجوز أن يكونوا علموه فكرره عليهم ، ولا شئ لا يفيدهم بالقول فيه معنى لان ذلك في صفة العابث والعبث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منفي فنرجع إلى ما يحتمله لفظة المولى في اللغة. يحتمل أن يكون المولى مالك الرق كما يملك المولى عبيده وله أن يبيعه ويهبه ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق من الرق ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق وهذه الأوجه الثلاثة مشهورة عند الخاصة والعامة فهي ساقطة في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه لا يجوز أن يكون عنى بقوله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » واحدة منها لأنه لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية ولا أعتقوه عليه‌السلام ويحتمل أيضا أن يكون المولى ابن العم ، قال الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لم تظهرون لنا ما كان مدفونا (١)

ويحتمل أن يكون المولى العاقبة ، قال الله عزوجل : « مأويكم النار هي موليكم » (٢) أي عاقبتكم وما يؤول بكم الحال إليه ، ويحتمل أن يكون المولى لما يلي الشئ مثل خلفه وقدامه ، قال الشاعر :

فغدت ، كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

ولم نجد أيضا شيئا من هذه الأوجه يجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عناه بقوله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » لأنه لا يجوز أن يقول : من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه لان ذلك معروف معلوم وتكريره على المسلمين عبث بلا فائدة. وليس يجوز أن يعني به عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لأنه لا معنى له ولا فائدة. ووجدنا اللغة تجيز أن يقول الرجل : « فلان مولاي » إذا كان مالك طاعته ، فكان هذا هو المعنى الذي عناه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) في لسان العرب : مهلا بنى عمنا مهلا موالينا * امشوا رويدا كما كنتم تكونونا

(٢) الحديد : ١٤.

٦٨

بقوله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » لان الأقسام التي تحتملها اللغة لم يجز أن يعنيها بما بيناه ولم يبق قسم غير هذا فوجب أن يكون هو الذي عناه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » ومما يؤكد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ثم قال : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » فدل ذلك على أن معنى « مولاه » هو أنه أولى بهم من أنفسهم لان المشهور في اللغة والعرف أن الرجل إذا قال لرجل : إنك أولى بي من نفسي ، فقد جعله مطاعا آمرا (١) عليه ولا يجوز أن يعصيه. وإنا لو أخذنا بيعة على رجل وأقر بأنا أولى به من نفسه لم يكن له أن يخالفنا في شئ مما نأمره به لأنه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنا أولى به من نفسه ، ولان العرب أيضا إذا أمر منهم إنسان إنسانا بشئ وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له : يا هذا أنا أولى بنفسي منك ، إن لي أن أفعل بها ما أريد ، وليس ذلك لك مني. فإذا كان قول الانسان : « أنا أولى بنفسي منك » يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة أولى بنفسه من غيره ، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن يخالفه ولا يعصيه إذا كان ذلك كذلك. ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فأقروا له عليه‌السلام بذلك ثم قال متبعا لقوله الأول بلا فصل : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » فقد علم أن قوله « مولاه » عبارة عن المعنى الذي أقروا له بأنه أولى بهم من أنفسهم ، فإذا كان إنما عنى بقوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي أولى به فقد جعل ذلك لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام بقوله : « فعلي مولاه » لأنه لا يصلح أن يكون عنى بقوله : « فعلي مولاه » قسما من الأقسام التي أحلنا أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عناها في نفسه ، لان الأقسام هي أن يكون مالك رق ، أو معتقا ، أو ابن عم ، أو عاقبة ، أو خلفا ، أو قداما. فإذا لم يكن لهذه الوجوه فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله معنى لم يكن لها في علي عليه‌السلام أيضا معنى ، وبقي ملك الطاعة ، فثبت أنه عناه ، وإذا وجب ملك طاعة المسلمين لعلي عليه‌السلام فهو معنى الإمامة لان الإمامة إنما هي مشتقة من الايتمام بالانسان والايتمام هو الاتباع والاقتداء والعمل بعمله والقول بقوله ، وأصل ذلك في اللغة سهم يكون مثالا يعمل عليه السهام ، ويتبع بصنعه صنعها و

__________________

(١) في بعض النسخ [ أميرا ].

٦٩

بمقداره مقدارها. فإذا وجبت طاعة علي عليه‌السلام على الخلق استحق معنى الإمامة.

فإن قالوا : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما جعل لعلي عليه‌السلام بهذا القول فضيلة شريفة و إنها ليست الإمامة.

قيل لهم : هذا في أول تأدي الخبر إلينا قد كانت النفوس تذهب إليه ، فأما تقسيم الكلام وتبيين ما يحتمله وجوه لفظة « المولى » في اللغة حتى يحصل المعنى الذي جعله لعلي عليه‌السلام بها فلا يجوز ذلك ، لأنا قد رأينا أن اللغة تجيز في لفظة « المولى » وجوها كلها لم يعنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله في نفسه ولا في علي عليه‌السلام وبقي معنى واحد ، فوجب أنه الذي عناه في نفسه وفى علي عليه‌السلام وهو ملك الطاعة.

فإن قالوا : فلعله قد عنى معنى لم نعرفه لأنا لا نحيط باللغة.

قيل لهم : ولو جاز ذلك لجاز لنا في كل ما نقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل ما في القرآن أن نقول لعله عنى به ما لم يستعمل في اللغة وتشكل (١) فيه وذلك تعليل وخروج عن التفهم ونظير قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » فلما أقروا له بذلك قال : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » قول رجل لجماعة : أليس هذا المتاع بيني وبينكم نبيعه والربح بيننا نصفان والوضيعة (٢) كذلك؟ فقالوا له : نعم. قال : فمن كنت شريكه فزيد شريكه. فقد أعلم أن ما عناه بقوله : « فمن كنت شريكه » [ أنه ] إنما عنى به المعنى الذي قررهم (٣) به بدءا من بيع المتاع واقتسام الربح والوضيعة ، ثم جعل ذلك المعنى الذي هو الشركة لزيد بقوله : « فزيد شريكه ». وكذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » وإقرارهم له بذلك ثم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » إنما هو إعلام أنه عنى بقول ، المعنى الذي أقروا به بدءا وكذلك جعله لعلي عليه‌السلام بقوله : « فعلي مولاه » كما جعل ذلك الرجل الشركة لزيد بقوله : « فزيد شريكه » ولا فرق في ذلك.

__________________

(١) في بعض النسخ [ يشكل ] وفى بعضها [ نشكك ] وهو الأظهر. ( م )

(٢) وضع ـ بكسر الضاد ـ بالبناء للفاعل والمفعول ـ ضعة ـ بكسر الضاد وفتحها ـ ووضعية : خسر في تجارته. ( م )

(٣) قرره بالامر : جعله يعترف به.

٧٠

فإن ادعى مدع أنه يجوز في اللغة غير ما بيناه فليأت به ولن يجده. فإن اعترض (١) بما يدعونه من خبر زيد بن حارثة وغيره من الاخبار التي يختصون بها لم يكن ذلك لهم لأنهم راموا أن يخصوا معنى خبر ورد بإجماع بخبر رووه دوننا ، وهذا ظلم لان لنا أخبار كثيرة تؤكد معنى « من كنت مولاه فعلي مولاه » وتدل على أنه إنما استخلفه بذلك وفرض طاعته ، هكذا نروي نصا في هذا الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن علي عليه‌السلام فيكون خبرنا المخصوص بإزاء خبرهم المخصوص ويبقى الخبر على عمومه نحتج به نحن وهم بما توجبه اللغة والاستعمال فيها وتقسيم الكلام ورده إلى الصحيح منه ، ولا يكون لخصومنا من الخبر المجمع عليه ولا من دلالته مالنا ، وبإزاء ما يروونه من خبر زيد ابن حارثة أخبار قد جاءت على ألسنتهم شهدت بأن زيدا أصيب في غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام وذلك قبل يوم غدير خم بمدة طويلة لان يوم الغدير كان بعد حجة الوداع ولم يبق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده إلا أقل من ثلاثة أشهر ، فإذا كان بإزاء خبركم في زيد ما قد رويتموه في نقضة لم يكن ذلك لكم حجة على الخبر المجمع عليه ، ولو أن زيد كان حاضرا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير لم يكن حضوره بحجة لكم أيضا لان جميع العرب عالمون بأن مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مولى أهل بيته وبني عمه [ و ] مشهور ذلك في لغتهم وتعارفهم فلم يكن لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس : اعرفوا ما قد عرفتموه وشهر بينكم لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يقول قائل : ابن أخي أب النبي ليس بابن عمه. فيقوم النبي فيقول : فمن كان ابن أخي أبي فهو ابن عمي. وذلك فاسد لأنه عيب وما يفعله إلا اللاعب السفيه ، وذلك منفي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فإن قال قائل : إن لنا أن نروي في كل خبر نقلته فرقتنا ما يدل على معنى « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

قيل له : هذا غلط في النظر لان عليك أن تروي من أخبارنا أيضا ما يدل على معنى الخبر مثل ما جعلته لنفسك في ذلك فيكون خبرنا الذي نختص (٢) به مقاوما لخبرك

__________________

(١) في بعض النسخ [ اعترضوا ].

(٢) في بعض النسخ [ نخص ].

٧١

الذي يختص به ويبقى « من كنت مولاه فعلي مولاه » من حيث أجمعنا على نقله حجة لنا عليكم موجبا ما أوجبناه به من الدلالة على النص وهذا كلام لا زيادة فيه.

فإن قال قائل : فهلا أفصح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باستخلاف علي عليه‌السلام إن كان كما تقولون وما الذي دعاه إلى أن يقول فيه قولا يحتاج فيه إلى تأويل وتقع فيه المجادلة.

قيل له : لو لزم أن يكون الخبر باطلا أو لم يرد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المعنى الذي هو الاستخلاف وإيجاب فرض الطاعة لعلي عليه‌السلام لأنه يحتمل التأويل ، أو لان غيره عندك أبين وأفصح عن المعنى للزمك إن كنت معتزليا أن الله عزوجل لم يرد بقوله في كتابه : « لا تدركه الابصار » (١) أي لا يرى لان قولك « لا يرى » يحتمل التأويل ، وإن الله عزوجل لم يرد بقوله كتابه : « والله خلقكم وما تعملون (٢) » أنه خلق الأجسام التي تعمل فيها العباد دون أفعالهم فإنه لو أراد ذلك لأوضحه بأن يقول قولا لا يقع فيه التأويل وأن يكون الله عزوجل لم يرد بقوله : « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم » (٣) أن كل قاتل للمؤمن ففي جهنم ، كانت معه أعمال صالحة أم لا ، لأنه لم يبين ذلك بقول لا يحتمل التأويل. وإن كنت أشعريا (٤) لزمك ما لزم المعتزلة بما ذكرناه كله لأنه لم يبين ذلك بلفظ يفصح عن معناه الذي هو عندك بالحق ، وإن كان من أصحاب الحديث قيل له : يلزمك أن لا يكون قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون (٥) في رؤيته » لأنه قال قولا يحتمل التأويل ولم يفصح به ، وهو لا يقول : ترونه بعيونكم لا بقلوبكم. ولما كان هذا الخبر يحتمل التأويل ولم يكن مفصحا علمنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعن به الرؤية التي ادعيتموها وهذا اختلاط شديد لان أكثر [ ال ] كلام في القرآن وأخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلسان عربي ومخاطبة لقوم فصحاء على أحوال تدل على مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الانعام : ١٠٧.

(٢) الصافات : ٩٤.

(٣) النساء : ٩٥.

(٤) في بعض النسخ [ بخاريا ] وفى بعضها [ مجازيا ].

(٥) هو بالبناء للمفعول أي لا تقهرون وفى بعض النسخ [ لا تضاهون ].

٧٢

وربما وكل علم المعنى إلى العقول أن يتأمل الكلام. ولا أعلم عبارة عن معنى فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ ثم قوله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » لأنه كلام مرتب (١) على إقرار المسلمين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعني الطاعة وأنه أولى بهم من أنفسهم ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه » لان معنى « فمن كنت مولاه » هو فمن كنت أولى به من نفسه لأنها عبارة عن ذلك بعينه ، إذ كان لا يجوز في اللغة غير ذلك ، ألا ترى أن قائلا لو قال لجماعة : أليس هذا المتاع بيننا نبيعه ونقتسم (٣) الربح والوضيعة فيه؟ فقالوا له : نعم. فقال : « فمن كنت شريكه فزيد شريكه » كان كلاما صحيحا والعلة في ذلك أن الشركة هي عبارة عن معنى قول القائل : « هذا المتاع بيننا نقتسم (٢) الربح والوضيعة » فلذلك صح بعد قول القائل : « فمن كنت شريكه فزيد شريكه » وكذلك [ هنا ] صح (٣) بعد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بكم من أنفسكم [ فمن كنت مولاه فعلي مولاه » ] لان مولاه عبارة عن قوله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » وإلا فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع الفاء الأولى عبارة عن المعنى الأول لم يكن الكلام منتظما أبدا ولا مفهوما ولا صوابا بل يكون داخلا في الهذيان ، ومن أضاف ذلك إلى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كفر بالله العظيم ، وإذا كانت لفظة « فمن كنت مولاه » تدل على من كنت أولى به من نفسه على ما أرينا وقد جعلها بعينها لعلي عليه‌السلام قد جعل أن يكون علي عليه‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وذلك هو الطاعة لعلي عليه‌السلام كما بيناه بدءا.

ومما يزيد ذلك بيانا أن قوله عليه‌السلام : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » لو كان لم يرد بهذا أنه أولى بكم من أنفسكم جاز أن يكون لم يرد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه » أي من كنت أولى [ به ] من نفسه وإن جاز ذلك لزم الكلام الذي من قبل هذا من أنه يكون كلاما مختلطا فاسدا غير منتظم ولا مفهم معنى ولا مما يلفظ به حكيم ولا عاقل ، فقد لزم بما مر من كلامنا وبينا أن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » أنه

__________________

(١) في بعض النسخ [ مترتب ].

(٢) في بعض النسخ [ نقسم ].

(٣) في بعض النسخ [ وكذلك ما صح ] وهو الأصح وفى بعض النسخ [ فلذلك صح ].

٧٣

يملك طاعتهم ، ، ولزم أن قوله : « فمن كنت مولاه » إنما أراد به : فمن كنت أملك طاعته فعلي يملك طاعته بقوله : « فعلي مولاه » وهذا واضح والحمد لله على معونته وتوفيقه.

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام أنت ) *

* ( منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ) *

١ ـ حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي بالكوفة ، قال : حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، قال حدثنا محمد بن علي بن معمر ، قال : حدثنا أحمد بن علي الرملي ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق المروزي ، قال : حدثنا عمرو بن منصور ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، عن يحيى بن كثير ، عن أبيه ، عن أبي هارون العبدي ، قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري عن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : عليه‌السلام « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » قال : استخلفه بذلك والله على أمته في حياته وبعد وفاته وفرض عليهم طاعته فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين.

٢ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن الحسين السكري ، قال : أخبرنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : قيل (١) لسيد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام : إن الناس يقولون : إن خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي عليه‌السلام قال : فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فمن كان في زمن موسى مثل هارون؟.

قال مصنف هذا الكتاب ـ قدس الله روحه (٢) ـ أجمعنا وخصومنا على نقل قول النبي

__________________

(١) في بعض النسخ [ قلت ].

(٢) هذه الجملة من النساخ.

٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » فهذا القول يدل على أن منزلة علي منه في جميع أحواله بمنزلة هارون من موسى في جميع أحواله إلا ما خصه به الاستثناء الذي في نفس الخبر. فمن منازل هارون من موسى أنه كان أخاه ولادة ، والعقل يخص هذه ويمنع أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عناها بقوله لان عليا لم يكن أخا له ولادة. ومن منازل هارون من موسى أنه كان نبيا معه ، واستثناء النبي يمنع من أن يكون علي عليه‌السلام نبيا. ومن منازل هارون من موسى بعد ذلك أشياء ظاهرة وأشياء باطنة ، فمن الظاهرة أنه كان أفضل أهل زمانه وأحبهم إليه وأخصهم به وأوثقهم في نفسه ، وأنه كان يخلفه على قومه إذا غاب موسى عليه‌السلام عنهم ، وأنه كان بابه في العلم ، وأنه لو مات موسى ، وهارون حي كان هو خليفته بعد وفاته. والخبر يوجب أن هذه الخصال كلها لعلي من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وما كان من منازل هارون من موسى باطنا وجب أن الذي لم يخصه العقل منها كما خص إخوة الولادة فهو لعلي عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن لم نحط به علما لان الخبر يوجب ذلك وليس لقائل أن يقول : إن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنى بعض هذه المنازل دون بعض فيلزمه أن يقال : عنى البعض الاخر دون ما ذكرته فيبطل جميعا حينئذ أن يكون عنى معنى بتة ويكون الكلام هذرا (١) والنبي لا يهذر في قوله لأنه إنما كلمنا ليفهمنا و يعلمنا عليه‌السلام فلو جاز أن يكون عنى بعض منازل هارون من موسى دون بعض ولم يكن في الخبر تخصيص ذلك لم يكن أفهمنا بقوله قليلا ولا كثيرا ، ولما لم يكن ذلك وجب أنه قد عنى كل منزلة كانت لهارون من موسى مما لم يخصه العقل ولا الاستثناء في نفس الخبر وإذا وجب ذلك فقد ثبتت الدلالة على أن عليا عليه‌السلام أفضل أصحاب رسول الله و أعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوثقهم في نفسه ، وأنه يجب له أن يخلفه على قومه إذا غاب عنهم غيبة سفر أو غيبة موت ، لان ذلك كله كان في شرط هارون ومنزلته من موسى.

فإن قال قائل : إن هارون مات قبل موسى ولم يكن إماما بعده فكيف قيس (٢)

__________________

(١) الهذر : سقط الكلام الذي لا يعبأ به. وهذر في كلامه : تكلم بما لا ينبغي.

(٢) في بعض النسخ [ قستم ]. وفى بعضها [ قست ].

٧٥

أمر علي عليه‌السلام على أمر هارون بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « : هو مني بمنزلة هارون من موسى »؟ وعلي عليه‌السلام قد بقي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قيل له : نحن إنما قسنا أمر علي على أمر هارون بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هو مني بمنزلة هارون من موسى » فلما كانت هذه المنزلة لعلي عليه‌السلام وبقي علي فوجب أن يخلف النبي في قومه بعد وفاته.

ومثال ذلك ما أنا ذاكره إن شاء الله : لو أن الخليفة قال لوزيره : « لزيد عليك في كل يوم يلقاك فيه دينار ، ولعمرو عليك مثل ما شرطته لزيد » فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد ، فإذا جاء زيد إلى الوزير ثلاثة أيام فأخذ ثلاثة دنانير ، ثم انقطع ولم يأته وأتى عمرو الوزير ثلاثة أيام فقبض ثلاثة دنانير فلعمرو أن يأتي يوما رابعا وخامسا وأبدا و سرمدا ما بقي عمرو وعلى هذا الوزير ما بقي عمرو أن يعطيه في كل يوم أتاه دينار وإن كان زيد لم يقبض إلا ثلاثة أيام. وليس للوزير أن يقول لعمرو : لا أعطيك إلا مثل ما قبض زيد. لأنه كان في شرط زيد أنه كلما أتاك فأعطه دينارا ولو أتى زيد لقبض وفعل هذا الشرط لعمرو وقد أتى فواجب أن يقبض. فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصي ان يخلف موسى عليه‌السلام على قومه ومثل ذلك لعلي فبقي (١) علي عليه‌السلام على قومه ، ومثل ذلك لعلي عليه‌السلام فواجب أن يخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قومه نظير ما مثلناه في زيد وعمرو ، وهذا ما لابد منه ما أعطى القياس حقه.

فإن قال قائل : لم يكن لهارون لو مات موسى أن يخلفه على قومه.

قيل له : بأي شئ ينفصل من قول قائل قال لك : إنه لم يكن هارون أفضل أهل زمانه بعد موسى ولا أوثقهم في نفسه ولا نائبه في العلم؟ فإنه لا يجد فصلا لأن هذه المنازل لهارون من موسى عليه‌السلام مشهورة ، فإن جحد جاحد واحدة منها لزمه جحود كلها.

فإن قال قائل : إن هذه المنزلة التي جعلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام إنما جعلها في حياته.

قيل له : نحن ندلك بدليل واضح على أن الذي جعلها النبي لعلي عليهما‌السلام بقوله :

__________________

(١) في بعض النسخ [ وبقى ].

٧٦

أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » إنما جعله له بعد وفاته ، لا معه في حياته فتفهم ذلك إن شاء الله.

ومما (١) يدل على ذلك في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » معنيان. أحدهما : إيجاب فضيلة ومنزلة لعلي عليه‌السلام منه ، والآخر نفي لان يكون نبيا بعده. ووجدنا نفيه أن يكون علي عليه‌السلام نبيا بعده دليلا على أنه لو لم ينف ذلك لجاز لمتوهم أن يتوهم أنه نبي بعده لأنه قال فيه : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وقد كان هارون نبيا فلما كان نفي النبوة لا بد منه وجب أن يكون نفيها عن علي عليه‌السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة والمنزلة له فيه ، لأنه من أجل الفضيلة و المنزلة ما احتاج صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينفي أن يكون علي عليه‌السلام نبيا لأنه لو لم يقل له : « إنه مني بمنزلة هارون من موسى » لم يحتج إلي أن يقول : « إلا أنه لا نبي بعدي » فلما كان نفيه النبوة إنما كان هو لعلة الفضيلة والمنزلة التي توجب النبوة وجب أن يكون نفي النبوة عن علي عليه‌السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة له فيه مما جعل له من منزلة هارون ولو كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما نفي النبوة بعده في وقت والوقت الذي بعده عند مخالفينا لم يجعل لعلي فيه منزلة توجب له نبوة لان ذلك من لغو الكلام ، ولان استثناء النبوة إنما وقع بعد الوفاة ، والمنزلة التي توجب النبوة في حال الحياة التي لم ينتف النبوة فيها ، فلو كان استثناء النبوة بعد الوفاة مع وجوب الفضيلة والمنزلة في حال الحياة لوجب أن يكون نبيا في حياته ، ففسد ذلك ووجب (٢) أن يكون استثناء النبوة إنما يكون هو في الوقت الذي جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام المنزلة فيه لئلا يستحق النبوة مع ما استحقه من الفضيلة والمنزلة.

ومما يزيد ذلك بيانا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو قال : « علي مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي في حياتي » لوجب بهذا القول أن لا يمتنع على أن يكون نبيا بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه إنما منعه ذلك في حياته وأوجب له أن يكون نبيا بعد

__________________

(١) في بعض النسخ [ فمما ].

(٢) في بعض النسخ [ فوجب ].

٧٧

وفاته لان إحدى منازل هارون أن كان نبيا ، فلما كان ذلك كذلك وجب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما نفي أن يكون علي نبيا في الوقت الذي جعل له فيه الفضيلة ، لان بسببها ما احتاج إلى نفي النبوة ، وإذا وجب أن المنزلة هي في النبوة وجب أنها بعد الوفاة لان نفي النبوة بعد الوفاة ، وإذا وجب أن عليا عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون من موسى في حياة موسى فقد وجبت له الخلافة على المسلمين وفرض الطاعة ، وأنه أعلمهم وأفضلهم. لأن هذه كانت منازل هارون من موسى في حياة موسى.

فإن قال قائل : لعل قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بعدي » إنما دل به على بعد نبوتي ولم يرد بعد وفاتي.

قيل له : لو جاز ذلك لجاز أن يكون كل خبر رواه المسلمون من أنه لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه إنما هولا نبي بعد نبوته وأنه قد يجوز أن يكون بعد وفاته أنبياء.

فإن قال : قد اتفق المسلمون على أن معنى قوله : « لا نبي بعدي » هو أنه لا نبي. بعد وفاتي إلى يوم القيامة. فكذلك يقال له في كل خبر وأثر يومي (١) فيه أنه لا نبي بعده.

فإن قال : إن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » إنما كان حيث خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى غزوة تبوك فاستخلف عليا عليه‌السلام. فقال : يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟

قيل : هذا غلط في النظر لأنك لا تروي خبرا تخصص به معنى الخبر المجمع عليه إلا وروينا بإزائه ما ينقضه ويخصص الخبر المجمع عليه على المعنى الذي ندعيه دون ما تذهب إليه ولا يكون لك ولا لنا في ذلك حجة لان الخبرين مخصوصان ويبقى الخبر على عمومه ويكون دلالته وما يوجبه وروده عموما لنا دونك. لأنا نروي بإزاء ما رويته أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع المسلمين وقال لهم : وقد استخلفت عليا عليكم بعد وفاتي وقلدته أمركم وذلك بوحي من الله عزوجل إلي فيه.

__________________

(١) في بعض النسخ [ روى ].

٧٨

ثم قال له بعقب هذا القول مؤكدا له : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » فيكون هذا القول بعد ذلك الشرح بينا مقاوما لخبركم المخصوص ويبقى الخبر الذي أجمعنا عليه وعلى نقله من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » بحالة يتكلم في معناه على ما تحتمله اللغة و المشهور من التفاهم وهو ما تكلمنا فيه وشرحناه وألزمنا به أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص على إمامة علي عليه‌السلام بعد وفاته وأنه استخلفه وفرض طاعته والحمد لله رب العالمين على نهج الحق المبين.

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى والحسن والحسين « أنتم ) *

* ( المستضعفون بعدي » ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن محمد الهيثم العجلي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم‌السلام فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل : فقلت له : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدي ، إن الله عزوجل يقول : « ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (١) » فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.

( باب )

* ( معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أبو أحمد القاسم بن بندار المعروف بأبي صالح الحذاء ، قال : حدثنا إبراهيم بن نصر بن عبد العزيز

__________________

(١) القصص : ٥.

٧٩

الرازي نزيل نهاوند ، قال : حدثنا أبو غسان ملك إسماعيل النهدي قال : حدثنا جميع ابن عمير بن عبد الرحمن العجلي ، قال : حدثني رجل بمكة ، عن ابن أبي هالة التميمي ، عن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، قال : سألت خالي « هند أبي هالة » ـ وكان وصافا ـ عن حلية رسول الله صلى لله عليه وآله ، وحدثني الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن منيع ، قال : حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام بمدينة الرسول قال : حدثني علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي ، عن موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : قال الحسن بن علي عليهما‌السلام : سألت خالي « هند بن أبي هالة » عن حلية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وحدثني الحسن بن عبد الله بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد عبدان وجعفر بن محمد البزاز البغدادي ، قالا : حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثني جميع بن عمير العجلي قال : حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي عليهما‌السلام قال : سألت خالي « هند بن أبي هالة التميمي » ـ وكان وصافا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أنا أشتهي أن تصف (١) لي منه شيئا لعلي أتعلق به. فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخما (٢) ، مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة رجل الشعر ، إن انفرقت (٣) عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب (٤) ، سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا ، متماسكا ، سواء البطن والصدر ، بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس ، عريض الصدر ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر :

__________________

(١) في بعض النسخ [ وأنا أشتهي أن يضف ... ].

(٢) سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفسير الحديث من المؤلف ـ رحمه‌الله ـ في المتن.

(٣) في بعض النسخ [ ان تفرقت ... ].

(٤) زج حاجبه : أي رق في طول فهو أزج.

٨٠