معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

الحسن الصفار ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه سئل فيما النجاة غدا فقال : إنما النجاة في ألا تخادعوا الله فيخدعكم فإنه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الايمان ، ونفسه يخدع لو يشعر. فقيل له : فكيف يخادع الله؟ فقال : يعمل بما أمره الله عزوجل به ثم يريد به غيره ، فاتقوا الرياء فإنه شرك بالله عزوجل إن المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا غادر ، يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك ولا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له.

( باب )

* ( معنى الهاوية ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا يعقوب ابن يزيد ، عن محمد بن عمرو ، عن صالح بن سعيد ، عن أخيه سهل الحلواني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بينا عيسى ابن مريم عليه‌السلام في سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطريق والدور ، قال : فقال : إن هؤلاء ماتوا بسخطة ولو ماتوا بغيرها لتدافنوا. قال : فقال : أصحابه : وددنا أنا عرفنا قصتهم. فقيل له : نادهم يا روح الله ، قال : فقال : يا أهل القرية ، قال : فأجابه مجيب منهم : لبيك يا روح الله ، قال : ما حالكم وما قصتكم؟ قالوا : أصحبنا في عافية وبتنا في الهاوية ، قال : فقال : وما الهاوية؟ فقال : بحار من نار ، فيها جبال من النار. قال : وما بلغ بكم ما أرى؟ قال : حب الدنيا وعبادة الطاغوت. قال : وما بلغ من حبكم الدنيا؟ فقال : كحب الصبي لامه إذا أقبلت فرح ، وإذا أدبرت حزن ، قال : وما بلغ من عبادتكم الطواغيت؟ قال : كانوا إذا أمرونا أطعناهم. قال : فكيف أنت أجبتني من بينهم؟ قال : لأنهم ملجمون بلجم من نار ، عليهم ملائكة غلاط شداد وإني كنت فيهم ولم أكن منهم ، فلما أصابهم العذاب أصابني معهم فأنا متعلق بشعرة على شفير جهنم أخاف أن أكبكب في النار. (١) قال : فقال عيسى لأصحابه : النوم على المزابل وأكل خبز الشعير خير كثير مع سلامة الدين.

__________________

(١) كبكب الشئ : صرعه وغلبه ، أي أسقط فيها.

٣٤١

( باب )

* ( معنى المغبون ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تدع قيام الليل فإن المغبون من غبن قيام الليل.

٢ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ابن عمران الأشعري بإسناده المذكور في جامعة يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : المغبون من غبن عمره ساعة بعد ساعة.

٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.

( باب )

* ( معنى الكفات ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه نظر إلى المقابر فقال : يا حماد هذه كفات الأموات (١) ونظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الاحياء ثم تلا [ هذه الآية ] « ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا » (٢).

وروي أنه دفن الشعر والظفر.

__________________

(١) الكفات : الموضع الذي يجمع فيه.

(٢) المرسلات : ٢٥ و ٢٦.

٣٤٢

( باب )

* ( معنى شئ يحق الزهد في أوله والخوف من آخره ) * (١)

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام عند قبر وهو يقول : إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله وإن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره.

( باب )

* ( معنى قاصمات الظهر ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الحميد عن عامر بن رياح ، عن عمرو بن الوليد ، عن الإسكاف ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : ثلاث هن قاصمات الظهر (٢) رجل استكثر عمله ونسي ذنوبه وأعجب برأيه.

( باب )

* ( معنى بوار الأيم ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن ابن سنان ، عن عبد الملك بن عبد الله القمي قال : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام الكاهلي ـ وأنا عنده ـ أكان علي عليه‌السلام يتعوذ من بوار الأيم (٣)؟ فقال : نعم ، وليس حيث تذهب ، إنما كان يتعوذ من العاهات ، والعامة يقولون : بوار الأيم ، وليس كما يقولون.

__________________

(١) في بعض النسخ [ في آخره ].

(٢) قصم الشئ : كسره.

(٣) البوار : الهلاك ، والأيم : المرأة التي فقدت زوجها والرجل الذي فقد زوجه.

٣٤٣

( باب )

* ( معنى الخصال التي فيها الخير كله ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي أيوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : جمع الخير كله في ثلاث خصال : النظر والسكوت والكلام. وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو ، فطوبى لمن كان نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه ذكرا وبكى على خطيئته ، وأمن الناس شره.

( باب )

* ( معنى الزبر ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا زبر له. وقال : هو الذي لا ينهى عن المنكر. وجدت بخط البرقي ـ رحمه‌الله ـ أن الزبر هو العقل فمعنى الخبر : أن الله عزوجل يبغض الذي لا عقل له وقد قال قوم : إنه عزوجل يبغض المؤمن الضعيف الذي لا دبر له وهو الذي لا يمتنع من إرسال الريح في كل موضع ، والأول أصح.

( باب )

* ( معنى النبر ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عمرو بن جميع ، عن

٣٤٤

جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى عليه وآله : تعلموا القرآن بعربيته وإياكم والنبر فيه. يعني الهمز ،. وقال الصادق عليه‌السلام : الهمز زيادة في القرآن إلا الهمز الأصلي مثل قوله عزوجل : « ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض (١) » ومثل قوله عزوجل : « وإذا قتلتم نفسا فادارءتم (٢) ».

( باب )

* ( معنى حقيقة السعادة والشقاء ) *

١ ـ حدثنا محمد الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب القرشي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : إن حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة ، وإن حقيقة الشقاء أن يختم للمرء عمله بالشقاء.

( باب )

* ( معنى الأقيعس ) *

١ ـ حدثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن المؤدب ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبد الله ، عن نصر بن عبيد [ الله ] ، عن نصر بن مزاحم قال : حدثني عبد الغفار بن القاسم ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال : أقبل أبو سفيان ـ ومعاوية يتبعه ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم العن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس. قال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس قال : معاوية.

قال مصنف هذا الكتاب : الأقيعس تصغير الأقعس وهو الملتوي العنق والقعاس التواء يأخذ في العنق من ريح كأنما يكسره إلى ما وراءه ، والأقعس العزيز الممتنع ، ويقال : « عز

__________________

(١) النمل : ٢٥. الخبء مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات.

(٢) البقرة : ٧٢.

٣٤٥

أقعس » والقوعس الغليظ العنق ، الشديد الظهر من كل شئ والقعوس الشيخ الكبير والقعس نقيض الحدب ، والفعل : قعس يقعس قعسا والجمع قعساوات وقعس. والقعساء من النمل الرافعة صدرها وذنبها والاقعنساس شدة والتقاعس هو من « تقاعس فلان » إذا لم ينفذ (١) ولم يمض لما كلف ، ومقاعس حي من تميم.

( باب )

* ( معنى قول الصادق عليه‌السلام « أنا وآل أبي سفيان أهل بيتين ) *

* ( تعادينا في الله عزوجل ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن السياري عن الحكم بن سالم ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه قال : إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله وقالوا : كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليهما‌السلام ، والسفياني يقاتل القائم عليه‌السلام.

( باب )

* ( معنى استعانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعاوية في كتابة الوحي ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بمن المتوكل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي : قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ومعاوية يكتب بين يديه ، وأهوى بيده إلى خاصرته بالسيف ـ : من أدرك هذا يوما أميرا فليبقر خاصرته بالسيف ، فرآه رجل ممن سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وهو يخطب بالشام على الناس فاخترط (٢)

__________________

(١) كذا في النسخ التي بأيدينا والأصوب « لم ينقد » من الانقياد. ( م )

(٢) اخترط سيفه : أسلته.

٣٤٦

سيفه ثم مشي إليه فحال الناس بينه وبينه فقالوا : يا عبد الله مالك؟ فقال : سمعت رسول الله عليه‌السلام يقول : من أدرك هذا يوما أميرا فليبقر خاصرته بالسيف ، قال : فقال : أتدري من استعمله؟ قال : لا ، قالوا : أمير المؤمنين عمر. فقال الرجل : سمعنا وطاعة لأمير المؤمنين.

قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ : إن الناس يشبه عليهم أمر معاوية بأن يقولوا كان كاتب الوحي وليس ذلك بموجب له فضيلة ، وذلك أنه قرن في ذلك إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكانا يكتبان له الوحي وهو الذي قال : « سأنزل مثل ما أنزل الله » وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يملي عليه « والله غفور رحيم » فيكتب « والله عزيز حيكم » ويملي عليه « والله عزيز حكيم » فيكتب « والله عليم حكيم » فيقول له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو واحد هو واحد ، فقال عبد الله بن سعد : إن محمد لا يدري ما يقول! إنه يقول وأنا أقول غير ما يقول ، فيقول لي : هو واحد هو واحد. وإن جاز هذا فإني سأنزل مثل ما أنزل الله فأنزل الله تبارك وتعالى فيه « ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله » (١) فهرب وهجا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من وجد عبد الله بن سعد بن أبي سرح ولو كان متعلقا بأستار الكعبة فليقتله.

وإنما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له فيما يغيره : « هو واحد هو واحد » لأنه لا ينكتب ما يريده عبد الله إنما كان ينكتب ما كان يمليه عليه‌السلام فقال : هو واحد غيرت أم لم تغير لم ينكتب ما تكتبه بل ينكتب ما أمليه عن الوحي وجبرئيل عليه‌السلام يصلحه. وفي ذلك دلالة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجه الحكمة في استكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي معاوية وعبد الله بن سعد وهما عدوان هو أن المشركين قالوا : إن محمدا يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه ويأتي في كل حادثة بآية يزعم أنها أنزلت عليه ، وسبيل من يضع الكلام في حوادث تحدث في الأوقات أن يغير الألفاظ إذا استعيد ذلك الكلام ولا يأتي به في ثاني الامر وبعد مرور الأوقات عليه إلا مغيرا عن حاله الأولى لفظا ومعنى أو لفظا دون معنى ، فاستعان في كتب ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوين له في دينه ، عدلين عند أدائه ليعلم الكفار والمشركون أن كلامه في ثاني الامر كلامه في الأول غير مغير ولا مزال عن جهته فيكون أبلغ للحجة عليهم ، ولو استعان في ذلك بوليين مثل سلمان وأبي ذر وأشباههما لكان الامر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع

__________________

(١) الانعام : ٩٣.

٣٤٧

وكان يتخيل فيه التواطؤ والتطابق فهذا وجه الحكمة في استكتابهما واضح بين والحمد لله (١).

( باب )

* ( معنى التخضير ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن يحيى بن عبادة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول : إن رجلا مات من الأنصار فشهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : خضروه. فما أقل المتخضرين يوم القيامة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : وأي شئ التخضير؟ قال : تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع هنا ـ وأشار بيده إلى عند ترقوته ـ تلف مع ثيابه.

قال مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ جاء هذا الخبر هكذا والذي يجب استعماله أن يجعل للميت جريدتان من النخل خضراوين رطبتين طول كل واحدة قدر عظم الذراع ، تجعل أحدههما من عند الترقوة تلصق بجلده وعليه القميص والأخرى عند وركه ما بين القميص والإزار فإن لم يقدر على جريدة من نخل فلا بأس أن تكون من غير بعد أن تكون رطبا.

( باب )

* ( معنى قول المسيح عليه‌السلام : « أن آخر حجر يضعه ) *

* ( العامل هو الأساس ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد ابن الحسين ، قال : حدثني أحمد بن سهل الأزدي العابد ، قال : سمعت أبا فروة الأنصاري ـ وكان من السائحين ـ يقول : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين بحق أقول لكم إن الناس يقولون إن البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك. قالوا : فماذا تقول يا روح الله؟ قال : بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس. قال أبو فروة : إنما أراد خاتمة الامر.

__________________

(١) قال بعض المتتبعين أن معاوية لم يكن كاتب الوحي أصلا إنما كان يكتب بعض الرسائل.

٣٤٨

( باب )

* ( تفسير آمين ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، قال : حدثني عمر بن علي بن عمر بن يزيد ، عن الحسين بن قارن (١) رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن تفسير قولك : « آمين » رب افعل. وروي في حديث آخر آمين اسم من أسماء الله عزوجل.

( باب )

* ( معنى « فاجتنبوا الرجس من الأوثان » وقول الزور ) *

* ( ولهو الحديث ) *

١ ـ حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه ، قال حدثنا الحسين بن إشكيب ، قال حدثنا محمد بن السري عن الحسين بن سعيد ، عن أبي أحمد محمد بن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن عبد الأعلى قال : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢) عن قول الله عزوجل : « فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور (٣) » قال : الرجس من الأوثان الشطرنج ، وقول الزور الغناء ، قلت : قوله عز وجل « ومن الناس من يشتري لهو الحديث (٤) » قال : منه الغناء.

٢ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : منه قول الرجل للذي يغني « أحسنت ».

( باب )

* ( معنى الحنيفية ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) في بعض النسخ [ قارون ].

(٢) في بعض النسخ [ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن يحيى بن عبادة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... ]

(٣) الحج : ٣٠. (٤) لقمان : ٥.

٣٤٩

محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل « حنفاء لله غير مشركين به » (١) وقلت : ما الحنفية؟ قال : هي الفطرة.

( باب )

* ( معنى حمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام ) *

* ( وعجز على عن حمله ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن عيسى المكتب ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الوراق ، قال : حدثني بشر بن سعيد بن قيلويه (٢) المعدل بالمرافقة (٣) قال : حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال : سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله في نفسي مسألته أريد أن أسألك عنها. فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فسل ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟ قال : بالتوسم والتفرس : أما سمعت قول الله عزوجل : « إن في ذلك لآيات للمتوسمين » (٤) وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عزوجل »؟ قال : قلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني بمسألتي. قال : أردت أن تسألني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم لم يطق حمله علي عليه‌السلام عند حطه الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي بها وراءه أربعين ذراعا وكان لا يطيق حمله أربعون رجلا وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ير كتب الناقة والفرس والبغلة والحمار وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي عليه‌السلام في القوة والشدة. قال : فقلت له :

__________________

(١) الحج : ٣١.

(٢) في بعض النسخ [ قليويه ]. وفى بعضها [ قبلويه ].

(٣) النسخ في ضبط « المرافقة » مختلفة ففي بعضها « المرافقة » وفى بعضها « الواقفة » ولم يكن لأحد منها ذكر في معاجم أسماء الأمكنة والبقاع ويمكن أن يكون « المراقبة » وهي الفتح والقاف المكسورة والياء المخففة. أول بلدة يلقاه قاصدا لإفريقية من طريق الإسكندرية. أو تكون « واقية » وهي اسم جبل بناحية الديلم. أو تكون « واقصة » منزل في طريق مكة بعد القرعاء نحو مكة أود « واعقة » اسم موضع ـ ويمكن أن تقرء الرافقة وهي بلد على قرب الفرات.

(٤) الحجر : ٧٥.

٣٥٠

عن هذا والله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله فأخبرني. فقال : إن عليا عليه‌السلام برسول الله شرف ، وبه ارتفع ، وبه وصل إلى إطفاء نار الشرك وإبطال كل معبود دون الله عزوجل ، ولو علا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحط الأصنام لكان بعلي عليه‌السلام مرتفعا وشريفا وواصلا إلى حط الأصنام ، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ، ألا ترى أن عليا عليه‌السلام قال : لما علوت ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها ، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله ، وقد قال علي عليه‌السلام : « أنا من أحمد كالضوء من الضوء » ، أما علمت أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام (١) وان الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا قد انشعب فيه شعاع لامع ، فقالت : إلهنا وسيدنا ، ما هذا النور! فأوحى الله عزوجل إليهم : هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامه ، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي ، وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي ولولاهما ما خلقت خلقي ، أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع يدي علي عليه‌السلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم ، وقد احتمل صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين عليهما‌السلام يوم حظيرة بني النجار ، فلما قال له بعض أصحابه : ناولني أحدهما يا رسول الله. قال : نعم الحاملان ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما ، وروي في خبر آخر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل الحسن وحمل جبريل الحسين فلهذا قال : نعم الحاملان. وإنه عليه‌السلام كان يصلى بأصحابه فأطال سجدة من سجداته ، فلما سلم قيل له : يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، إن ابني ارتحلني (٢) فكرهت أن أعجله حتى ينزل وإنما أراد عليه‌السلام بذلك رفعهم وتشريفهم ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول بني آدم وعلي عليه‌السلام

__________________

(١) قد تقدم منا أن هذا النحو من التحديد بالأيام والأعوام ليس على حد ما نحدد معاشر الناس الأمور بالشهور والسنين التي ليست الا مقدار الحركة لان من البديهي أنه لم يكن قبل خلق الخلق زمان ولا حركة ولا يوم ولا سنة فهذا النحو من التقدم نوع آخر غير التقدم الزماني الذي نعرفه فتذكر. اللهم الا ان يراد بالخلق بنو آدم لكن هذا التأويل مما لا تحتمله تلك الرواية فان فيها ان الله تبارك وتعالى خلق نور محمد قبل ان يخلق السماوات والأرض والعرش والكرسي الخ ( م ).

(٢) ارتحله : ركبه.

٣٥١

إمام ليس بنبي ولا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.

قال محمد بن حرب الهلالي : قلت له : زدني يا ابن رسول الله. فقال : إنك لأهل للزيادة ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل عليا على ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه ، كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصبا (١).

قال : فقلت له : زدني يا ابن رسول الله ، فقال : احتمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عليه من الدين والعدات والأداء عنه (٢) من بعده.

قال : فقلت له : يا ابن رسول الله زدني ، فقال : إنه احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمل ، لأنه معصوم لا يحتمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : يا علي إن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي ، وذلك قوله عزوجل : « ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (٣) » ولما أنزل الله تبارك وتعالى عليه « يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم (٤) » قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضر كم من ضل إذا اهتديتم (٥) » وعلي نفسي وأخي ، أطيعوا عليا فإنه مطهر معصوم لا يضل ولا يشقى ، ثم تلا هذه الآية « قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين (٦) ».

قال محمد بن حرب الهلالي : ثم قال لي جعفر بن محمد عليهما‌السلام : أيها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت : إن جعفر بن محمد لمجنون ، فحسبك من ذلك ما قد سمعته. فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

__________________

(١) الجدب : الأرض اليابسة التي لا نبت فيها لانقطاع المطر عنها والخصب هي التي كثر فيها العشب والخير.

(٢) كذا ولعله سقط قبل لفظة « الأداء » فعل يدل على التصدي والتحمل. ( م )

(٣) الفتح : ٢.

(٤) المائدة : ١٠٤.

(٥) مأخوذ من الآية لا لفظها.

(٦) النور : ٥٣.

٣٥٢

( باب )

* ( معنى قول سليمان عليه‌السلام « رب اغفر لي وهب لي ملكا ) *

* ( لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب » ومعنى قول رسول الله ) *

* ( صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رحم الله أخي سليمان ما كان أبخله ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن يحيى المكتب ، قال : حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق ، قال : حدثنا علي بن هارون الحميري ، قال : حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، قال : حدثني أبي ، عن علي بن يقطين : قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : أيجوز أن يكون نبي الله عزوجل بخيلا؟ فقال : لا فقلت له : فقول سليمان عليه‌السلام « رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي (١) » ما وجهه؟ ومعناه؟ فقال : الملك ملكان مأخوذ بالغلبة والجور واختيار الناس ، وملك مأخوذ من قبل الله تبارك وتعالى كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين ، فقال سليمان عليه‌السلام هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول إنه مأخوذ بالغلبة والجور واختيار الناس ، فسخر الله تبارك وتعالى له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا ، وسخر الله له الشياطين كل بناء وغواص ، وعلم منطق الطير ومكن في الأرض فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور.

قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رحم الله أخي سليمان ما كان أبخله »؟ فقال : لقوله وجهان : أحدهما ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه ، والوجه الاخر يقول ما كان أبخله إن كان أراد ما يذهب إليه الجهال.

ثم قال : عليه‌السلام : قد والله أوتينا ما أوتي سليمان وما لم يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من العالمين ، قال الله عزوجل في قصة سليمان : « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (٢) » وقال في قصة محمد صلى الله عليه وآلة : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا (٣) ».

__________________

(١) ص : ٣٥.

(٢) ص : ٣٩.

(٣) الحشر : ٧.

٣٥٣

( باب )

* ( معنى قول المريض آه ) * (١)

١ ـ حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد العلوي ، قال : حدثنا محمد بن همام ، عن علي ابن الحسين ، قال : حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي ، عن أبي إسحاق الخزاعي ، عن أبيه ، قال : دخلت مع أبي عبد الله عليه‌السلام على بعض مواليه يعوده فرأيت الرجل يكثر من قول « آه » فقلت له : يا أخي أذكر ربك واستغث به فقال أبو عبد الله : إن « آه » اسم من أسماء الله عزوجل فمن قال : « آه » فقد استغاث بالله تبارك وتعالى.

( باب )

* ( معاني قول فاطمة عليها‌السلام لنساء المهاجرين ) *

* ( والأنصار في علتها ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني قال : حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام قال : لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليها اجمتع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها : يا بنت رسول الله كيف أصبحت ، من علتك؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم (٢) ، لفظتهم قبل أن عجمتهم ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحا لفلول الحد وخور القناة (٣) ، وخطل الرأي ، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي

__________________

(١) في بعض النسخ أخر هذا الباب عن الباب الآتي.

(٢) في بعض النسخ « عايفة لدنياكن ، قالية لرجالكن » وسيأتي تفسير كلامها عليها‌السلام في المتن.

(٣) الخور ـ بفتحتين والراء المهملة ـ : الضعف والانكسار ، والقناة : الرمح.

٣٥٤

العذاب هم خالدون ، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها (١) فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين ، ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الوحي الأمين والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي حسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عزوجل ، والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاعتلقه ، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه ، ولا وردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه ، ولأصدرهم بطانا ، قد تخير لهم الري (٢) غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه سورة (٣) الساغب ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا هلم فاسمع (٤) وما عشت أراك الدهر العجب وإن تعجب وقد أعجبك الحادث ، إلى أي سناد استندوا؟ وبأية عروة تمسكوا؟ استبدلوا الذنابى والله بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فمالكم كيف تحكمون؟ أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما ننتجوا ، ثم اختلبوا طلاع القعب دما عبيطا وزعافا ممقرا ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم [ أ ] نفسا ، واطمأنوا للفتنة جأشا (٥) وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا وزرعكم حصيدا. فيا حسرتي لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.

وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني ، قال : أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، قال : حدثني محمد بن علي الهاشمي ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن

__________________

(١) في بعض النسخ [ وشنت عليهم غارها ].

(٢) في بعض النسخ [ قد تخير لهم الذي ].

(٣) في بعض النسخ [ شرر ].

(٤) في بعض النسخ [ فاستمع ].

(٥) في الاحتجاج وأمالي الشيخ [ ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا واطمأنوا للفتنة جأشا ].

٣٥٥

علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : لما حضرت فاطمة عليها‌السلام الوفاة دعتني فقالت : أمنفذ أنت وصيتي وعهدي؟ قال : قلت : بلى ، أنفذها. فأوصت إلي وقالت : إذا أنا مت فادفني ليلا ولا تؤذنن رجلين ذكرتهما. قال : فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار فقلن : كيف أصبحت يا بنت رسول الله من علتك؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لدنياكم وذكر الحديث نحوه.

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : سألت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري عن معنى هذا الحديث فقال : أما قولها صلوات الله عليها : « عائفة » فالعائفة الكارهة يقال : « عفت الشئ » إذا كرهته « أعافه ». و « القالية » المبغضة ، يقال : « قليت فلانا » إذا أبغضته كما قال الله تبارك وتعالى : « ما ودعك ربك وما قلى (١) » وقولها عليها‌السلام : « لفظتهم » هو طرح الشئ من الفم كراهة له ، تقول : « عضضت على الطعام ثم لفظته » إذا رميت به من فمك. وقولها : « قبل أن عجمتهم » يقال : « عجمت الشئ » إذا عضضت عليه ، و « عود معجوم » إذا عض. و « شنأتهم » أبغضتهم ، والاسم منه « الشنآن ». وقولها : « سبرتهم » أي امتحنتهم ، يقال : « سبرت الرجل » اختبرته وخبرته. وقولها : « فقبحا لفلول الحد » يقال : « سيف مفلول » إذا انثلم حده. و « الخور » الضعف. و « الخطل » الاضطراب. وقولها : « لقد قلدتهم ربقتها » الربقة ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط والجمع الربق ، و « شننت » صببت ، يقال : « شننت الماء وشننته » إذا صببته « وجدعا » شتم من جدع الانف. و « عقرا » من قولك : « عقرت الشئ ». و « سحقا » أي بعدا. و « زحزحوها » أي نحوها. و « الرواسي » الأصول الثابتة وكذلك « القواعد ». و « الطبين » العالمين ،. و « ما نقموا من أبي حسن » أي ما الذي أنكروا عليه. و « تنمره » أي تغضبه يقال : « تنمر الرجل » إذا غضب وتشبه بالنمر. وقولها : « تكافوا » أي كفوا أيديهم عنه. و « الزمام » مثل في هذا. « لاعتلقه » لاخذه بيده. و « السجح » السير السهل. « لا يكلم » لا يجرح ولا يدمى (٢). و « الخشاش » ما يكون في أنف البعير من الخشب. و « لا يتعتع »

__________________

(١) الضحى : ٣.

(٢) دمى الجرح : خرج منه الدم.

٣٥٦

أي لا يكره ولا يقلق و « المنهل » مورد الماء. و « النمير » (١) الماء النامي في الحشد (٢). و « الفضفاض » الكثير. و « الضفتان » جانبا النهر. و « البطان » جمع « بطين » وهو الريان. « غير متحل منه بطائل » أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا (٣) : « إلا بغمر الماء » كان يشرب بالغمر ، و « الغمر » القدح الصغير. « وردعه سورة الساغب » أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع. و « الذنابى » ما يلي الذنب من الجناح. و « القوادم » ما تقدم منه و « العجز » معروف. و « المعاطس » : الأنوف. وقولها : « فنظرة » أي انتظروا « ريثما تنتجوا » تقول : حتى تلد. « ثم احتلبوا طلاع القعب » أي ملا القعب والعقب العس (٤) من الخشب. و « الدم العبيط » الطري. و « الزعاف (٥) » السم. و « الممقر » المر و « الهرج » القتل. و « الزهيد » القليل.

( باب )

* ( معنى الزبى والطبيين ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال ، حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا

__________________

(١) قال الجوهري : ماء نمير أي ناجع ، عذبا كان أو غير عذب.

(٢) عين حشد ـ بالحاء المهملة والشين المعجمة المضمومتين ـ : مالا ينقطع ماؤها. وفى بعض النسخ [ الجسد ] والظاهر أنه تصحيف. ( م )

(٣) هذا تفسير لقولها عليه‌السلام « قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل الا بغمر الماء وردعه سورة الساغب » والذي اختلج بالخلد في توجيهه ان يقال : « تخير » بالخاء المعجمة بمعنى اختار والموصول مفعول له والري ضد العطش و « غير متحل منه » أي غير مستفيد منه بكثير كما قاله الجوهري فالمعنى انه قد اختار لهم الطيبات من كل شئ وخضرة الحياة ورغدة العيش ولا يختار لنفسه الا شبعة الكافل أو ما يردع به سورة الجائع فيكون ذلك كناية من عدم الاخذ من مالهم الا الصدقة المفروضة وفى بعض النسخ [ غير متحلى ] فيحتمل أن يكون من التحلي بمعنى التزين أي اختار لهم مالا يأخذ منه للزينة بل للضرورة فليتأمل. ( م )

(٤) العس ـ بضم العين وتشديد السين المهملتين ـ : القدح والاناء الكبير.

(٥) الزعاف ـ بالزاي أو الذال المعجمتين ـ : السم الذي يقتل سريعا. ويحتمل أن يكون « الزعاق » بالزاي والقاف بمعنى الماء المر الذي لا يطاق شربه وهو انسب بقولها : « ممقرا » أي مرا. ( م )

٣٥٧

القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا حسان بن علي المدائني قال : حدثنا العباس بن مكرم ، عن سعد الخفاف (١) ، عن الأصبغ بن نباتة قال : كتب عثمان ابن عفان حين أحيط به إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أما بعد ، فقد جاوز الماء الزبى ، وبلغ الحزام الطبيين ، وتجاوز الامر بي قدره ، وطمع في من لا يدفع عن نفسه.

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلا فأدركني ولما أمزق

قال المبرد : قوله : « قد جاوز الماء الزبى » فالزبية مصيدة الأسد (٢) ولا تتخذ إلا في قلة جبل وتقول العرب : « قد بلغ الماء الزبى » وذلك أشد ما يكون من السيل ، ويقال في العظيم من الامر : « قد علا الماء الزبى ، وبلغ السكين العظم ، وبلغ الحزام الطبيين ، وقد انقطع السلى في البطن (٣) ». قال العجاج ، فقد علا الماء الزبى إلى غير ، أي قد جل الامر عن أن يغير ، أو يصلح ، وقوله : « بلغ الحزام الطبيين » (٤) فأن السباع والطير يقال لموضع الاخلاف منها (٥) « أطباء » واحدها « طبي » كما يقال في الخف والظلف : خلف هذا مكان هذا ، فإذا بلغ الحزام الطبيين فقد انتهى في المكروه ، ومثل هذا من أمثالهم « التقت حلقتا البطان (٦) » ويقال : « التقت حلقة البطان والحقب (٧) » ويقال : « حقب البعير » إذا صار الحزام في الحقب منه.

__________________

(١) هو سعد بن طريف وفى نقد الرجال قال حمدويه : سعد الإسكاف وسعد الخفاف وسعد ابن طريف واحد وقال : كان ناووسيا وقف على الصادق عليه‌السلام وضعفه ابن الغضائري وروى عن الأصبغ بن نباتة وروى عنه أبو جميلة وروى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وله كتاب رسالة الباقر عليه‌السلام. والناووسية اتباع رجل يقال له ناووس قالوا : ان الصادق عليه‌السلام حي يظهر وهو القائم المهدى.

(٢) في بعض النسخ [ موضع الأسد ]

(٣) السلى : جلدة يكون ضمنها الولد في بطن أمه إذا انقطع في البطن هلكت الام والولد.

(٤) الحزام ـ بسكر الجاء المهملة والزاي ـ : ما يشد به وسط الدابة. والطبيين تثنية الطبي بكسر الطاء وضمها : حلمات الضرع التي من خف وظلف.

(٥) الاخلاف ـ جمع « الخف » بكسر الخاء ـ : مكان مص الحليب من الضرع.

(٦) البطان : الحزام الذي يجعل تحت بطن الدابة.

(٧) الحقب ـ بفتحين ـ الحزام الذي يلي حقو البعير وهو فوق وركه.

٣٥٨

( باب )

* ( معنى الشفر وفيض النفس ) *

١ ـ حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ بالري في رجب سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ، قال : حدثنا محمد بن يونس ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو صالح الطويل التمار البصري جليس سليمان بن حرب ، قال : حدثنا إسماعيل بن قيس ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبي حازم ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه قال : لما كان يوم أحد بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب سعد بن الربيع وقال لي : إذا رأيته فأقرئه مني السلام وقل له : كيف تجدك؟ قال : فجعلت أطلبه بين القتلى حتى وجدته بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم فقلت له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرء عليك السلام وهو يقول : كيف تجدك؟ فقال : سلم على رسول الله عليه وآله وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن وصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيكم شفر يطرف. وفاضت نفسه.

قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه‌الله ـ : سمعت أبا العباس يقول : قال أبو بكر محمد ابن القاسم الأنباري : قوله : « وفيكم شفر يطرف » الشفر واحد أشفار العين وهي حروف الأجفان التي تلتقي عند التغميض ، والأجفان أغطية العينين من فوق ومن تحت ، والهدب الشعر النابت في الأشفار ، وشفر العين مضموم الشين. ويقال : « ما في الدار شفر » بفتح الشين يراد به أحد ، قال الشاعر :

فوالله ما تنفك منا عداوة

ولا منهم ما دام من نسلنا شفر

وقوله : « فاضت نفسه » معناه : مات. قال أبو العباس : قال أبو بكر ابن الأنباري.

حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا نصر بن علي قال : أخبرنا الأصمعي ، عن ابن عمرو بن العلاء ، قال : يقال « فاظ الرجل » إذا مات ولا يقال : « فاظت نفسه » ولا « فاضت نفسه ». وحدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا ابن الأنباري ، قال : حدثنا عبد الله بن خلف ، قال : حدثنا صالح بن محمد بن دراج ، قال : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول : يقال :

٣٥٩

« فاظ الميت » ولا يقال : « فاظت نفسه ». ولا « فاضت نفسه » وحدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى ، عن سلمة بن عاصم ، عن الفراء ، قال : أهل الحجاز وطي يقولون : « فاظت نفس الرجل » وعكل وقيس وتميم يقولون : « فاضت نفسه » بالضاد ، وأنشد :

يريد رجال ينادونها

وأنفسهم دونها فائضة

وحدثنا أبو العباس قال : حدثنا أبو بكر ابن الأنباري ، قال : حدثنا أبي قال : أخبرنا أبو الحسن الطوسي ، عن أبي عبيد ، عن الكسائي قال : يقال : « فاضت نفسه » و « فاض الميت نفسه » و « أفاض الله نفسه ».

وحدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا أبو بكر ابن الأنباري ، قال : حدثنا أبي قال : أخبرنا أبو الحسن الطوسي ، عن أبي عبيد ، عن الكسائي ، وأبو جعفر محمد بن الحكم ، عن الحسن اللحياني قال : يقال : « فاظ الميت » بالظاء و « فاض الميت » بالضاد.

وحدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد القمي (١) ، قال : حدثنا يعقوب بن السكيت ، قال : يقال : « فاظ الميت يفوظ ، وفاظ يفيظ ».

وحدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد ابن الجهم عن الفراء ، قال : يقال : « فاظ الميت نفسه » بالظاء ونصب النفس.

وحدثنا أبو العباس قال : أنشدنا أبو بكر ، قال : أنشدني أبي ، قال : أنشدنا أبو عكرمة الضبي :

وفاظ ابن حصن عائبا في بيوتنا

يمارس قدا في ذراعيه مصحبا

 ( باب )

* ( معاني خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ) *

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة ،

__________________

(١) في بعض النسخ [ أبو محمد عبد الله بن محمد الرستمي ].

٣٦٠