معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

أحسن منه ، قلت : وما هو؟ قال : الزهد وأحسن منه ، قلت : وما هو؟ قال : الاخلاص و أحسن منه ، قلت : وما هو؟ قال : اليقين وأحسن منه ، قلت : وما هو يا جبرئيل؟ قال : إن مدرجة ذلك التوكل على الله عزوجل ، فقلت : وما التوكل على الله عزوجل؟ فقال : العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل ، قال : قلت : يا جبرئيل فما تفسير الصبر؟ قال : تصبر في الضراء كما تصبر في السراء ، وفي الفاقة كما تصبر في الغناء ، ، وفي البلاء كما تصبر في العافية ، فلا يشكو حاله عن المخلوق (١) بما يصيبه من البلاء ، قلت : وما تفسير القناعة؟ قال : يقنع بما يصيب من الدنيا ، يقنع بالقليل ويشكر اليسير. قلت : فما تفسير الرضا؟ قال : الراضي لا يسخط على سيده أصاب من الدنيا أو لم يصب ، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل. قلت : يا جبرئيل فما تفسير الزهد؟ قال : الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من يبغض خالقه ويتحرج (٢) من حلال الدنيا ولا يلتفت إلى حرامها فإن حلالها حساب وحرامها عقاب (٣) ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ، ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن تغشاه ، وأن يقصر أمله ، وكان بين عينيه أجله ، قلت : يا جبرئيل فما تفسير الاخلاص؟ قال : المخلص الذي لا يسأل الناس شيئا حتى يجد ، وإذا وجد رضي ، وإذا بقي عنده شئ أعطاه في الله ، فإن من لم يسأل المخلوق فقد أقر لله عزوجل بالعبودية وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض والله تبارك وتعالى عنه راض ، وإذا أعطى لله عزوجل فهو على حد الثقة بربه عز وجل ، قلت : فما تفسير اليقين؟ قال : الموقن يعمل لله كأنه يراه فإن لم يكن يرى الله فإن الله يراه وأن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وهذا كله أغصان التوكل ومدرجة الزهد.

__________________

(١) في بعض النسخ [ فلا يشكو خالقه عند المخلوق ].

(٢) التحرج : التجنب.

(٣) في بعض النسخ [ وحرامها عذاب ].

٢٦١

( باب )

* ( معنى ما روى أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى ولا ) *

* ( لمحترف ولا لقوي ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي (١) ولا لمحترف ولا لقوي. قلنا : وما معنى هذا؟ قال : لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها (٢).

٢ ـ وفي حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : [ قد ] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الصدقة لا تحل لغني ـ ولم يقل : ولا لذي مرة سوي ـ.

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « كل محاسب معذب » ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل محاسب معذب. فقال له قائل : يا رسول الله فأين قول الله عزوجل : « فسوف يحاسب حسابا يسيرا (٣) »؟ قال : ذلك العرض يعني التصفح.

( باب )

* ( معنى الطين الذي حرم [ الله ] أكله ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثني أحمد بن

__________________

(١) المرة ـ بكسر الميم ـ : قوة الخلق وشدته. والسوي هو المستوى الخلق الذي لا عيب فيه ولا داء.

(٢) هذا تفسير للقوى أو تحديد لمن يستحق الزكاة ويحل له الصدقة وهو أن يحتاج في معيشته إليها ولا يقدر ان يكف نفسه عنها أي لا يقدر ان يقضى حوائجه بدونها بأن يكون له غنى حاضر وثروة مدخرة أو قوة بدنية يكسب بها ما لا حسب شأنه أو حرفة يحترفها ويحصل بها ما يغنيه فيخرج عنه الغنى والمحترف والسوي القوى. ( م )

(٣) الانشقاق : ٧.

٢٦٢

أبي عبد الله ، قال حدثني المعاذي ، عن معمر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : ما يروي الناس في الطين وكراهته؟ قال : إنما ذاك المبلول وذاك المدر (١).

٢ ـ وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أكل المدر. حدثني بذلك محمد بن الحسن ، ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله.

( باب )

* ( معنى ما روى « إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد ) *

* ( فإنهن ذوات أزواج » ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا الحسين بن أحمد المالكي ، قال : حدثنا عبد الله بن طاووس سنة إحدى وأربعين ومائتين قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إن لي ابن أخ زوجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق. فقال : إذا كان من إخوانك فلا شئ عليه وإن كان من هؤلاء فأبنها منه. ـ فإنه عنى الفراق ـ قال : قلت : جعلت فداك أليس روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج ، فقال : ذاك من إخوانكم لا من هؤلاء لأنه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم. (٢)

__________________

(١) استفادة الحرمة من الرواية مبنية على استعمال لفظة الكراهة في الحرمة وهو شائع في الاخبار. ثم اعلم أن معنى الرواية يحتمل وجوها : أحدها أن يكون المراد بيان فردين للطين المحرم وهما المبلول أي المخلوط بالماء ، والمدر أي التراب الخالص والمراد بالحصر نفى ما عداهما مما يستهلك في الدبس ويقع على الثمار وسائر المطعومات فيكون قصر الأفراد أو نفى الاختصاص بالمبلول فيكون قصر القلب. وثانيها أن يكون المراد حصر الحرمة في الطين دون التراب لقوله « وذاك المدر » حيث فصله عما قبله بتكرار اسم الإشارة وثالثها أن يكون الزاما للمخالفين حيث يعترضون على الشيعة بالاستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام مع حرمة اكل الطين فيقال في جوابهم ان الظاهر من الطين هو المبلول دون المدر والأولى بل المتعين هو الأول لان الثاني خلاف الاجماع والثالث خلاف الظاهر مع أن الاستشفاء لا يختص بالتراب اليابس. ( م ) أقول : وللعلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ له بيان في البحار ج ١٤ ص ٣٢٤.

(٢) يفهم من الخبر قاعدة فقهية وهي الزام غير الإمامي بأحكام نحلته وتوضيح ذلك يطلب من رسالة العقد للعلامة الشيخ محمد جواد البلاغي ـ رحمه‌الله ـ المطبوعة بطهران سنة ١٣٧٨.

٢٦٣

( باب )

* ( معنى تثقل الرحم ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلة الرحم تزيد في العمر ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، وإن قطيعة الرحم واليمين الكاذبة لتذران الديار بلاقع (١) من أهلها وتثقلان الرحم. وإن تثقل الرحم انقطاع النسل.

( باب )

* ( معنى القاتل الذي لا يموت ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يغرنكم رحب الذراعين (٢) بالدم فإن له عند الله قاتلا لا يموت. قالوا : يا رسول الله [ و ] ما قاتلا (٣) لا يموت؟ قال : فقال : النار.

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن الله من أحدث ) *

* ( حدثا أو آوى محدثا » ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحدث في المدينة حدثنا أو آوى محدثا. قلت : وما ذلك الحدث؟ قال : القتل.

__________________

(١) بلاقع جمع بلقع وهو الأرض القفر.

(٢) أي شديد القوة.

(٣) في بعض النسخ [ قاتل ] بالرفع ، والنصب على الحكاية.

٢٦٤

٢ ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس ، قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا سيف بن هارون البرجمي ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن أمية بن يزيد القرشي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحدث حدثنا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف يوم القيامة. فقيل : يا رسول الله ما الحدث؟ قال : من قتل نفسا بغير نفس ، أو مثل مثلة بغير قود (١) أو ابتدع بدعة بغير سنة ، أو انتهب نهبة ذات شرف. قال : فقيل : ما العدل يا رسول الله؟ قال : الفدية. قال : فقيل : ما الصرف يا رسول الله؟ قال التوبة.

( باب )

* ( معنى التعرب بعد الهجرة ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد ابن الحسين ، عن ابن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المتعرب بعد الهجرة ، التارك لهذا الامر بعد معرفته.

( باب )

* ( معنى ساعة الغفلة ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن سليمان بن سماعة ، عن عمه عاصم الكوزي (٢) ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة. قيل : يا رسول الله ومتى ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء.

__________________

(١) القود ـ بفتحتين ـ : القصاص.

(٢) الكوزي ـ بضم الكاف وسكون الواو والزاي المكسورة ـ نسبة إلى كوز أبى بطن من ضبة من العدنانية والرجل وثقه النجاشي وغيره.

٢٦٥

( باب )

* ( معنى الإمعة ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لرجل من أصحابه : لا تكونن إمعة (١) تقول : أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس.

( باب )

* ( معنى الخبر الذي روى عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ) *

* ( اسكنوا ما سكنت السماء والأرض ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا سهل بن زياد ، قال : حدثني علي بن الريان ، قال : حدثنا عبيد الله بن عبد الله الدهقان الواسطي عن الحسين بن خالد الكوفي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : جعلت فداك حديث كان يرويه عبد الله بن بكير ، عن عبيد بن زرارة. قال : فقال لي : وما هو؟ قال : قلت : روي عن عبيد بن زرارة أنه لقي أبا عبد الله عليه‌السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله ابن الحسن (٢) فقال له : جعلت فداك إن هذا قد ألف الكلام وسارع الناس إليه فما الذي تأمر به؟ قال : فقال : اتقوا الله وأسكنوا ما سكنت السماء والأرض. قال : وكان عبد الله ابن بكير (٣) يقول : والله لئن كان عبيد بن زرارة صادقا فما من خروج وما من قائم. قال :

__________________

(١) مخفف أنا معه.

(٢) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن طالب عليهما‌السلام المعروف بقتيل باخمرى. الذي خرج أيام المنصور العباسي سنة ١٤٥ من الهجرة في البصرة وبايعه جماعة كثيرة بلغ عدتهم مائة الف فقاتلوا جيش المنصور في الأرض المعروف بباخمرى راجع أحواله مقاتل الطالبين ص ٣١٥ إلى ٣٨٥ المطبوع بالقاهرة سنة ١٣٦٨.

(٣) عبد الله بن بكير بن أعين الشيباني فطحي ثقة.

٢٦٦

فقال لي أبو الحسن عليه‌السلام : الحديث على ما رواه عبيد وليس على ما تأوله عبد الله بن بكير إنما عنى أبو عبد الله عليه‌السلام بقوله : « ما سكنت السماء » من النداء باسم صاحبك و « ما سكنت الأرض » من الخسف بالجيش.

( باب )

* ( معنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام « ليجتمع في قلبك ) *

* ( الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم » ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي ابن معبد ، قال : أخبرني أحمد بن عمر ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك ، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك.

( باب )

* ( معنى الخبر الذي روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ما ) *

* ( بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة ) *

* ( من ترع الجنة ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة لان قبر فاطمة صلوات الله عليها بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة (١).

__________________

(١) الترعة ـ بضم المثناة الفوقانية ثم المهملتين ـ في الأصل هي الروضة على مكان المرتفع خاصة فإذا كانت بالمطمئن فهي روضة. وفى بعض النسخ [ نزعة ] وهكذا ضبطه العيني في عمدة القاري ( شرح البخاري ).

٢٦٧

قال مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ : روي هذا الحديث هكذا وأوردته لما فيه من ذكر المعنى ، والصحيح عندي في موضع قبر فاطمة عليها‌السلام ما حدثنا به أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثني محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثني سهل بن زياد الآدمي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام عن قبر فاطمة صلوات الله عليها فقال : دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد.

( باب )

* ( معنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يأبى الكرامة الا حمار » ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : لا يأبى الكرامة إلا حمار. قلت : ما معنى ذلك؟ قال : التوسعة في المجلس ، والطيب يعرض عليه.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن الجهم ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : لا يأبى الكرامة إلا حمار ، قلت : أي شئ الكرامة؟ قال : مثل الطيب وما يكرم به الرجل الرجل.

٣ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن علي ابن ميسرة ، عن أبي زيد المكي قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا يأبى الكرامة إلا حمار يعني بذلك الطيب والوسادة.

٤ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا الحميري ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يرد الطيب ، قال : لا ينبغي له أن يرد الكرامة.

٢٦٨

( باب )

* ( معنى قول جبرئيل عليه‌السلام لآدم صلى الله عليه « حياك ) *

* ( الله وبياك » ) *

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لقد طاف آدم عليه‌السلام بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حواء ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العجاجين (١) العظيمين من الدموع ، ثم أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : حياك الله وبياك ، فلما أن قال له : « حياك الله » تبلج وجهه فرحا وعلم أن الله قد رضي عنه ، قال : « وبياك » فضحك ـ و « بياك » أضحك ـ قال : ولقد قام على باب الكعبة [ و ] ثيابه جلود الإبل والبقر ، فقال : اللهم أقلني عثرتي واغفر لي ذنبي وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها ، فقال الله عزوجل : قد أقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وسأعيدك إلى الدار التي أخرجتك منها.

( باب )

* ( معنى الذنوب التي تغير النعم والتي تورث الندم والتي تنزل النقم والتي تدفع القسم ) *

* ( والتي تهتك العصم ومعنى الذنوب التي تنزل البلاء والتي تديل الأعداء والتي تعجل ) *

* ( الفناء والتي تقطع الرجاء والتي تظلم الهواء والتي تكشف الغطاء والتي ترد الدعاء ) *

* ( والتي تحبس غيث السماء ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن المعلى بن محمد ، قال : حدثنا العباس بن العلاء ، عن مجاهد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الذنوب التي تغير النعم : البغي ، (٢) والذنوب التي تورث الندم : القتل ، والذنوب التي تنزل النقم :

__________________

(١) العجاج ـ على بناء المبالغة ـ : الصياح.

(٢) قال العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ : حمل البغي على الذنوب باعتبار كثرة أفراده وكذا نظائره. والبغي في اللغة تجاوز الحد ويطلق غالبا على التكبر والتطاول وعلى الظلم ، قال الله تعالى « تبغون في الأرض بغير الحق » وقال : « إنما بغيكم على أنفسكم ». « ومن بغى عليه

٢٦٩

الظلم ، والذنوب التي تهتك العصم ـ وهي الستور ـ : شرب الخمر ، والتي تحبس الرزق : الزنا ، والتي تعجل الفناء : قطيعة الرحم ، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء : عقوق الوالدين.

٢ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن الفضيل ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا خالد الكابلي يقول : سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : الذنوب التي تغير النعم : البغي على الناس ، والزوال عن العادة في الخير ، واصطناع المعروف ، وكفران النعم ، وترك الشكر. قال الله عزوجل : « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (١) ». والذنوب التي تورث الندم : قتل النفس التي حرم الله. قال الله تعالى : « ولا تقتلوا النفس التي حرم الله (٢) ». وقال عزوجل في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله « فأصبح من النادمين (٣) ». وترك صلة القرابة حتى يستغنوا ، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وترك الوصية ورد المظالم ، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق اللسان.

والذنوب التي تنزل النقم : عصيان العارف بالبغي والتطاول على الناس والاستهزاء بهم

__________________

لينصرنه الله ». « ان قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم » « فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى » وقد روى أن الحسن عليه‌السلام طلب المبارزة في صفين فنهاه أمير المؤمنين عن ذلك وقال : انه بغى ولو بغى جبل على جبل لهد الله الباغي ولما كان الظلم مذكورا بعد ذلك فالمراد به التطاول والتكبر فإنهما موجبان لرفع النعمة وسلب العزة كما خسف الله بها قارون وقد مر أن التواضع سبب للرفعة والتكبر يوجب الذلة. أو المراد به البغي على الامام أو الفساد في الأرض. والذنوب التي تورث الندامة القتل فإنه يورث الندامة في الدنيا والآخرة كما قال تعالى في قابيل حين قتل أخاه « فأصبح من النادمين » والتي تنزل النقم الظلم كما يشاهد من أحوال الظالمين وخراب ديارهم واستئصال أولادهم وأموالهم كما هو معلوم من أحوال فرعون وهامان وبنى أمية وبنى العباس وأضرابهم وقد قال الله تعالى : « وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا » وهتك الستور بشرب الخمر ظاهر وحبس الرزق بالزنا مجرب فان الزناة وان كانوا أكثر الناس أموالا عما قليل يصيرون أسوء الناس حالا وقد يقرء هنا « الربا » بالراء المهملة والباء الموحدة وهي تحبس الرزق لقوله تعالى « يمحق الله الربا ويربي الصدقات » وإظلام الهواء اما كناية عن التحير في الأموال أو شدة البلية أو ظهور آثار غضب الله في الجو. اه.

(١) الرعد : ١٢.

(٢) المائدة : ٣٤.

(٣) الاسراء : ٣٢.

٢٧٠

والسخرية منهم. والذنوب التي تدفع القسم : إظهار الافتقار ، والنوم على العتمة ، وعن صلاة الغداء ، واستحقار النعم ، وشكوى المعبود عزوجل ، والذنوب التي تهتك العصم : شرب الخمر ، واللعب بالقمار ، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح ، وذكر عيوب الناس ، ومجالسة أهل الريب. والذنوب التي تنزل البلاء : ترك إغاثة الملهوف ، وترك معاونة المظلوم ، وتضييع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. والذنوب التي تديل الأعداء (١) : المجاهرة بالظلم ، وإعلان الفجور ، وإباحة المحظور ، وعصيان الأخيار ، والانطباع (٢) للأشرار ، والذنوب التي تعجل الفناء : قطيعة الرحم ، واليمين الفاجرة ، والأقوال الكاذبة ، والزنا ، وسد طرق المسلمين ، وادعاء الإمامة بغير حق ، والذنوب التي تقطع الرجاء : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله ، والتكذيب بوعد الله عزوجل ، والذنوب التي تظلم الهواء : السحر ، والكهانة ، والايمان بالنجوم ، والتكذيب بالقدر ، وعقوق الوالدين. والذنوب التي تكشف الغطاء : الاستدانة (٣) بغير نية الأداء ، والاسراف في النفقة على الباطل ، والبخل على الأهل والولد وذوي الأرحام وسوء الخلق ، وقلة الصبر ، واستعمال الضجر (٤) ، والكسل ، والاستهانة بأهل الدين والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الاخوان ، وترك التصديق بالإجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرب إلى الله عزوجل بالبر والصدقة ، واستعمال البذاء والفحش في القول. والذنوب التي تحبس غيث السماء : جور الحكام في القضاء ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، ومنع الزكاة والقرض والماعون ، وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة ، وظلم اليتيم والأرملة ، وانتهار السائل ورده بالليل.

__________________

(١) الادالة : اخذ الدولة منهم وايتاؤها أعدائهم.

(٢) الانطباع : الانقياد.

(٣) الاستدانة : أخذ الدين.

(٤) الضجر : القلق والاضطراب.

٢٧١

( باب )

* ( معنى العرس والخرس والعذار والوكار والركاز ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، قال : حدثني أبو عبد الله الرازي ، عن سجادة ، عن موسى بن بكر ، قال : قال أبو الحسن الأول عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا وليمة إلا في خمس في عرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو ركاز. فأما العرس فالتزويج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوكار الذي يشتري الدار ، والركاز الرجل يقدم من مكة.

قال مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ سمعت : بعض أهل اللغة يقول في معنى الوكار : يقال للطعام الذي يدعا إليه الناس عند بناء الدار أو شرائها : « الوكيرة » والوكار منه ، والطعام الذي يتخذ للقدوم من السفر يقال له : « النقيعة » ويقال له : « الوكار » أيضا. والركاز الغنيمة كأنه يريد أن في اتخاذ الطعام للقدوم من مكة غنيمة لصاحبه من الثواب الجزيل ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة » وقال أهل العراق : الركاز : المعادن كلها ، وقال أهل الحجاز : الركاز : المال المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم قبل الاسلام. كذلك ذكره أبو عبيد. ولا قوة إلا بالله. أخبرنا بذلك أبو الحسين محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام.

( باب )

* ( معنى الكلالة ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد.

٢٧٢

( باب )

* ( معنى الحميل ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الحميل فقال : وأي شئ الحميل ، فقلت : المرأة تسبى من أرضها معها الولد الصغير فتقول هو ابني والرجل يسبى ويلقي أخاه فيقول هو أخي ليس لهما بينة إلا قولهما. قال : فما يقول فيه الناس عندكم؟ قلت : لا يورثونهم إذا لم يكن لهما على ولادتهما بينة إنما كانت ولادة في الشرك. فقال : سبحان الله إذا جاءت بابنها أو ابنتها لم تزل مقرة به وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة منهما لم يزالوا مقرين بذلك ورث بعضهم بعضا.

أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون الزنجاني ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد قال : في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوم يخرجون من النار فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

قال الأصمعي : الحميل ما حمله السيل من كل شئ وكل محمول فهو حميل كما يقال للمقتول : « قتيل » ومنه قول عمر في الحميل : « لا يورث إلا ببينة » وسمي حميلا لأنه حمل من بلاده صغيرا ولم يولد في الاسلام. قال الأصمعي وأما الحبة فكل نبت له حب فاسم الحب منه الحبة. وقال الفراء : الحبة بزور البقل. وقال أبو عبيد : وفي الحميل تفسير آخر وهو أجود من هذا يقال : إنما سمي الحميل لأنه مجهول النسب وهو أن يقول الرجل هذا أخي أو أبي أو ابني فلا يصدق إلا ببينة لأنه يريد بذلك أن يدفع ميراث مولاه الذي أعتقه ولهذا قيل للدعي : « حميل » قال : الكميت يعاتب قضاعة في تحولهم إلى اليمن :

على م نزلتم من غير فقر

ولا ضراء منزلة الحميل

٢٧٣

( باب )

* ( معنى قول الصادق عليه‌السلام : « لا جلب ولا جنب ) *

* ( ولا شغار في الاسلام ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن رشيد ، عن غياث ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام ، قال : الجلب الذي يجلب مع الخيل يركض معها ، والجنب الذي يقوم في أعراض الخيل فيصيح بها ، والشغار كان يزوج الرجل في الجاهلية ابنته بأخته (١).

قال محمد بن علي مصنف هذا الكتاب ، يعني أنه كان الرجل في الجاهلية يزوج ابنته من رجل على أن يكون مهرها أن يزوجه ذلك الرجل أخته.

__________________

(١) الجلب يكون في شيئين أحدهما في الزكاة وهو أن يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهى عن ذلك وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم. الثاني أن يكون في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري فنهى عن ذلك.

والجنب ـ بالتحريك ـ في السباق أن يجنب فرسا إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب ، وهو في الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر فنهوا عن ذلك. وقيل : هو أن يجنب رب المال بماله أي يبعده عن موضعه حتى يحتاج العال إلى الابعاد في اتباعه وطلبه.

والشغار هو نكاح معروف في الجاهلية ، كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو بنتك أو من تلي أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من إلى أمرها ولا يكون بينهما مهر ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الأخرى وقيل له : شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول ، وقيل : الشغر : البعد ، وقيل : الاتساع. ( النهاية )

٢٧٤

( باب )

* ( معنى النهى عن البدل في النكاح ) *

١ ـ حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه السراج الزاهد الهمداني بهمدان ، قال : حدثنا أبو عمرو أحمد بن الحسين بن عمرون ، قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن نعيس البغدادي ، قال : حدثنا ابن الحماني ، قال : حدثنا عبد السلام ، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي تنزل لي عن امرأتك فأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله عزوجل : « ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن (١) » قال : فدخل عيينة بن حصن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده عائشة فدخل بغير إذن فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأين الاستيذان؟ قال : ما استأذنت على رجل مضر منذ أدركت ، ثم قال : من هذه الحميراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه عائشة أم المؤمنين ، قال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق وتنزل عنها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل قد حرم ذلك علي ، فما خرج قالت له عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وإنه على ما ترين سيد قومه.

( باب )

* ( معنى الأقيال العباهلة ، ومعنى التيعة ، والتيمة ، والسيوب ، ) *

* ( والخلاط ، والوراط ، والشناق ، والشغار ، والاجباء ) *

١ ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون الزنجاني ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز

__________________

(١) الأحزاب : ٥٢. وتمام الآية هكذا « لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن الا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا ».

٢٧٥

عن أبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كتب لوائل بن الحجر الحضرمي ولقومه « من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وعلى التيعة شاة ، والتيمة لصاحبها ، وفي السيوب الخمس ، لا خلاط ، و لا وراط ، ولا شناق ، ولا شغار ، ومن أجبى فقد أربى ، وكل مسكر حرام ».

قال أبو عبيد : الأقيال ملوك باليمن دون الملك الأعظم واحدهم « قيل » يكون ملكا على قومه ، والعباهلة الذين قد أقروا على ملكهم لا يزالون عنه ، وكل مهمل فهو معبهل وقال تأبط شرا :

متى تبغني ما دمت حيا مسلما

تجدني مع المسترعل المتعبهل

فالمسترعل الذي يخرج في الرعيل وهي الجماعة من الخيل وغيرها ، والمتعبهل الذي لا يمنع من أدنى شئ. قال الراجز يذكر الإبل أنها قد أرسلت على الماء ترده كيف شاءت :

* عباهل عبهلها الوراد *

يعني الإبل أرسلت على الماء ترده كيف شاءت ، و « التيعة » الأربعون من الغنم و « التيمة » يقال : إنها الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى ، ويقال : إنها شاة تكون لصاحبها في منزله يحتلبها وليست بسائمة وهي الغنم الربائب التي يروى فيها عن إبراهيم أنه قال : ليس في الربائب صدقة. قال أبو عبيد وربما احتاج صاحبها إلى لحمها فيذبحها فيقال عند ذلك : « قد أتام الرجل وأتامت المرأة » قال الحطيئة يمدح آل لأي :

فما تتام جارة آل لأي

ولكن يضمنون لها قراها

يقول : لا تحتاج إلى أن تذبح تيمتها. قال : و « السيوب » الركاز ولا أراه اخذ إلا من السيب وهو العطية. تقول : « من سيب الله وعطائه ». فأما قوله : « لا خلاط ولا وراط » فإنه يقال : إن الخلاط إذا كان بين الخليطين عشرون ومائة شاة لأحدهما ثمانون وللآخر أربعون فإذا جاء المصدق وأخذ منها شاتين رد صاحب الثمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة فتكون عليه شاة وثلث شاة وعلى الاخر ثلثا شاة وإن أخذ المصدق من العشرين و

٢٧٦

المائة شاة واحدة رد صاحب الثمانين على صاحب الأربعين ثلث شاة فيكون عليه ثلثا شاة وعلى الاخر ثلث شاة وهذا قوله : « لا خلاط » ، و « الوراط » الخديعة والغش ويقال : إن قوله : « لا خلاط ولا وراط » كقوله : « لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع ».

قال مصنف هذا الكتاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ وهذا أصح والأول ليس بشئ ، و قوله : « لا شناق » فإن الشنق هو ما بين الفريضتين وهو ما زاد من الإبل من الخمس إلى العشر ، وما زاد على العشر إلى خمس عشرة يقول : « لا يؤخذ من ذلك شئ » وكذلك جميع الأشناق. قال الأخطل يمدح رجلا :

قرم تعلق أشناق الديات به

إذا المئون أمرت فوقه حملا

وأما قوله : « ولا شغار » فإنه كان الرجل في الجاهلية يخطب إلى الرجل ابنته أو أخته ويمهرها أن يزوجه أيضا ابنته أو أخته فلا يكون مهر سوى ذلك فنهي عنه.

وقوله : « ومن أجبى فقد أربي » فالاجباء بيع الحرث قبل أن يبدو صلاحه.

( باب )

* ( معنى المحاقلة والمزابنة والعرايا والمخابرة والمخاضرة و ) *

* ( المنابذة والملامسة وبيع الحصاة وغير ذلك من المناهي ) *

أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون الزنجاني ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام بأسانيد متصلة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أخبار متفرقة أنه نهى عن المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر وهو مأخوذ من الحقل ، والحقل هو الذي تسميه أهل العراق : « القراح » ويقال في مثل : « لا تنبت البقلة الا الحقلة » والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر ، ورخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في العرايا واحدها عرية وهي النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والاعراء أن يجعل له ثمرة عامها يقول : رخص لرب النخل أن يبتاع من تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته ، قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعث الخراص قال : خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية.

٢٧٧

قال : ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المخابرة ، وهي المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقل من ذلك وأكثر وهو الخبر أيضا وكان أبو عبيد يقول : لهذا سمي الأكار الخبير لأنه يخبر (١) الأرض والمخابرة : المواكرة ، والخبرة : الفعل ، والخبير : الرجل ، ولهذا سمي الأكار لأنه يؤاكر الأرض أي يشقها.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المحاضرة وهو أن تباع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد ، ويدخل في المخاضرة أيضا بيع الرطاب والبقول وأشباهما. ونهى عن بيع التمر قبل أن يزهو ، وزهزه أن يحمر أو يصفر. وفي حديث آخر : نهى عن بيعه قبل أن يشقح. و يقال : « يشقح » والتشقيح هو الزهو أيضا وهو معنى قوله : « حتى تأمن العاهة » والعاهة الآفة تصيبه.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة. ففي كل واحدة منها قولان ، أما المنابذة فيقال : إنها أن يقول الرجل لصاحبه : انبذ إلي الثوب أو غيره من المتاع أو أنبذه إليك وقد وجب البيع بكذا وكذا. ويقال : إنما هو أن يقول الرجل : إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع وهو معنى قوله أنه نهى عن بيع الحصاة. والملامسة أن تقول : إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع بكذا وكذا. ويقال : بل هو أن يلمس المتاع من وراء الثوب ولا ينظر إليه فيقع البيع على ذلك وهذه بيوع كان أهل الجاهلية يتبايعونها فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها لأنها غرر كلها.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المجر وهو أن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة. ويقال : منه أمجرت في البيع إمجارا.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الملاقيح والمضامين ، فالملاقيح ما في البطون وهي الأجنة والواحدة منها « ملقوحة » وأما المضامين فمما في أصلاب الفحول وكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضرب الفحل في عامه أو في أعوام.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع حبل الحبلة. فمعناه ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة ، و قال غيره : هو نتاج النتاج وذلك غرر.

__________________

(١) في بعض النسخ [ يختبر ] وفى بعضها [ يخابر ].

٢٧٨

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن. ومعناه : ليس منا من لم يستغن به (١) ولا يذهب به إلى الصوت وقد روي أن من قرأ القرآن فهو غنى لا فقر بعده. وروي أن من أعطى القرآن فظن أن أحدا أعطي أكثر مما أعطي فقد عظم صغيرا وصغر كبيرا ، فلا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدا من أهل الأرض أغنى منه ولو ملك الدنيا برحبها. ولو كان كما يقوله أنه الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقراءة فليس من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : « ليس منا من لم يتغن القرآن ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فأما الركوع فعظموا الله فيه ، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « قمن » كقولك « جدير وحري » أن يستجاب لكم.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : استعيذوا بالله من طبع يهدي إلى طبع ، والطبع الدنس والعيب ، وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع.

واختصم رجلان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواريث وأشياء قد درست ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار. فقال له كل واحد من الرجلين : يا رسول الله حقي هذا لصاحبي فقال : ولكن اذهبا فتوخيا ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه. فقوله : « لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض » يعني أفطن لها وأجدل ، واللحن الفطنة ـ بفتح الحاء ـ واللحن ـ بجزم الحاء ـ : الخطأ ، وقوله : « استهما » أي اقترعا. وهذا حجة لمن قال بالقرعة في الاحكام ، وقوله : « اذهبا فتوخيا » يقول : توخيا الحق فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تقصيص القبور وهو التجصيص وذلك أن الجص يقال له : « القصة » يقال : منه قصصت القبور والبيوت إذا جصصتها.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ونهى عن عقوق الأمهات

__________________

(١) فيه نظر.

٢٧٩

ووأد البنات (١) ومنع [ ال ] وهات. يقال : إن قوله : « إضاعة المال » يكون في وجهين : أما أحدهما وهو الأصل فما أنفق في معاصي الله عزوجل من قليل أو كثير وهو السرف الذي عابه الله تعالى ونهى عنه. والوجه الاخر : دفع المال إلى ربه وليس له بموضع. قال الله عزوجل : « وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا ـ وهو العقل ـ فادفعوا إليهم أموالهم (٢) » وقد قيل : إن الرشد صلاح في الدين وحفظ المال وأما كثرة السؤال فإنه نهى عن مسألة الناس. أموالهم وقد يكون أيضا من السؤال عن الأمور وكثرة البحث عنها كما قال عزوجل : « لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم (٣) » ، وأما وأد البنات فإنهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء ولهذا كانوا يسمون القبر « صهرا » ، وأما قوله : « نهى عن قيل وقال » القال : مصدر ، ألا ترى أنه يقول : « عن قيل وقال » فكأنه قال : عن قيل وقول ، يقال على هذا : قلت قولا وقيلا وقالا. وفي حرف عبد الله « ذلك عيسى ابن مريم قال الحق (٤) » وهو من هذا فكأنه قال : قول الحق.

ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن التبقر في الأهل والمال. قال الأصمعي : أصل التبقر التوسع والتفتح ، ومنه يقال : « بقرت بطنه » إنما هو شققته وفتحته. وسمي أبو جعفر « الباقر » لأنه بقر العلم أي شقه وفتحه.

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار ، ومعناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتى أخفض من ظهره. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ركع لم يصوب رأسه ولم يقنعه. معناه أنه لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده ولكن بين ذلك ، و « الاقناع » رفع الرأس وإشخاصه ، قال الله تعالى : « مهطعين مقنعي رؤسهم (٥) » والذي يستحب من هذا أن يستهوي ظهر الرجل ورأسه في الركوع لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا ركع لو صب على ظهره ماء لاستقر. وقال الصادق عليه‌السلام : لا صلاة لمن لم يقم صلبه في ركوعه وسجوده.

__________________

(١) في اللغة « وأد البنت : دفنها في التراب وهي حية ».

(٢) النساء : ٥

(٣) المائدة : ١٠١.

(٤) كذا. والآية في سورة مريم : ٢٤ والمراد قراءة ابن مسعود ظاهرا.

(٥) إبراهيم : ٤٤. والاهطاع : الاسراع أي مسرعين إلى الدعي والاقناع رفع الرأس أي رافعين رؤوسهم إلى السماء ولا يرون موضع قدمهم.

٢٨٠