معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن جعفر بن سليمان البصري ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : « من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا (١) » فقال : إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ويهدي أهل الايمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال الله عزوجل : « ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء » (٢) وقال الله عزوجل : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم (٣) » ، قال : فقلت : فقوله عزوجل : « وما توفيقي إلا بالله (٤) » وقوله عزوجل : « إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده (٥) » فقال : إذا فعل العبد ما أمره الله عزوجل من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عزوجل وسمي العبد به موفقا ، وإذا أراد العبد أن يدخل في شئ من معاصي الله تبارك وتعالى بينه وبين المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ، ومتى خلى بينه وبين المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه.

( باب )

* ( معنى لا حول ولا قوة الا بالله ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام ، قال : سألته عن معنى

__________________

(١) الكهف : ١٦.

(٢) إبراهيم : ٣٢.

(٣) يونس : ٩. وقوله « تجرى » استيناف أو خبر ثان. وقوله : « في جنات » خبر أو متعلق بتجرى.

(٤) هود : ٩١.

(٥) آل عمران : ١٦٠.

٢١

« لا حول ومالا قوة إلا بالله » فقال : معناه : لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله ، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عزوجل.

( باب )

* ( معنى الحروف المقطعة في أوايل السور من القرآن ) *

١ ـ أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق : قال : حدثنا معاذ بن المثنى العنبري ، قال : حدثنا عبد الله بن أسماء ، قال : حدثنا جويرية ، عن سفيان بن السعيد الثوري ، قال : قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : يا ابن رسول الله ما معنى قول الله عزوجل : « ألم » و « المص » و « الر » و « المر » و « كهيعص » و « طه » و « طس » و « طسم » « يس » و « ص » و « حم » و « حمعسق » و « ق » و « ن »؟ قال عليه‌السلام : أما « ألم » في أول البقرة فمعناه : أنا الله الملك ، وأما « ألم » في أول آل عمران فمعناه : أنا الله المجيد ، و « المص » فمعناه : أنا الله المقتدر الصادق ، و « الر » فمعناه : أنا الله الرؤوف ، و « المر » فمعناه : أنا الله المحيي المميت الرازق (١) ، و « كهيعص » معناه : أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد ، وأما « طه » فاسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعناه : يا طالب الحق الهادي إليه « ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » بل لتسعد به ، وأما « طس » فمعناه : أنا الطالب السميع ، وأما « طسم » فمعناه : أنا الطالب السميع المبدئ المعيد ، وأما « يس » فاسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعناه : يا أيها السامع للوحي « والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم » ، وأما « ص » فعين تنبع من تحت العرش وهي التي توضأ منها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما عرج به ، ويدخلها جبرئيل عليه‌السلام كل يوم دخلة فيغتمس فيها ثم يخرج منها فينفض أجنحته فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة ، وأما « حم » فمعناه : الحميد المجيد ، وأما « حمعسق » فمعناه : الحليم (٢) المثيب العالم السميع القادر القوي ، وأما « ق » فهو الجبل المحيط بالأرض

__________________

(١) في بعض النسخ [ الرزاق ].

(٢) في بعض النسخ [ الحكيم ].

٢٢

وخضرة السماء منه وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها ، وأما « ن » فهو نهر في الجنة قال الله عزوجل : « أجمد » فجمد فصار مدادا ، ثم قال عزوجل للقلم : « اكتب » فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. فالمداد من نور والقلم قلم من نور واللوح لوح من نور. وقال سفيان : فقلت له : يا ابن رسول الله بين لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان ، وعلمني مما علمك الله ، فقال : يا ابن سعيد لولا أنك أهل للجواب ما أجبتك فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك ، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك ، واللوح يؤدي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم. قال : ثم قال لي : قم يا سفيان فلا آمن عليك.

٢ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سعدان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ألم » هو حرف من حروف اسم الله الأعظم ، المقطع في القرآن ، الذي يؤلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام فإذا دعا به أجيب. « ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين » قال : بيان لشيعتنا « الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون » قال : مما علمنا هم ينبئون (١) ومما علمناهم من القرآن يتلون.

٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن محمد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يحدث أن حييا وأبا ياسر ابني أخطب ونفرا من يهود أهل نجران أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له : أليس فيما تذكر فيما أنزل الله عليك « ألم »؟ قال : بلى. قالوا : أتاك بها جبرئيل من عند الله تعالى؟ قال : نعم. قالوا : لقد بعثت أنبياء قبلك وما نعلم نبيا ومنهم أخبرنا مدة ملكه وما أجل أمته غيرك قال : فأقبل حيي بن أخطب على أصحابه فقال لهم : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون.

__________________

(١) في بعض النسخ [ يبثون ] أي ينشرون.

٢٣

فهذه إحدى وسبعون سنة ، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه وأجل أمته إحدى و سبعون سنة! قال : ثم أقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال : نعم. قال هاته ، قال : « المص » قال : هذه أثقل وأطول ، « الألف » واحد ، و « اللام » ثلاثون ، و « الميم » أربعون ، و « الصاد » تسعون ، فهذه مائة وإحدى وستون سنة. ثم قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم. قال : هاته. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الر » قال : هذه أثقل وأطول. « الألف » واحد و « اللام » ثلاثون ، و « الراء » مائتان : ثم قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم. قال : هاته. قال : « المر » قال : هذه أثقل وأطول.« الألف » واحد ، « واللام » ثلاثون ، و « الميم » أربعون ، و « الراء » مائتان. ثم قال له : هل مع هذا غيره؟ قال : نعم. قالوا قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت! ثم قاموا عنه ، ثم قال أبو ياسر للحيي أخيه : ما يدريك. لعل محمدا قد جمع له هذا كله وأكثر منه.

قال : فذكر أبو جعفر عليه‌السلام أن هذه الآيات أنزلت فيهم منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. قال : وهي تجري في وجه آخر على غير تأويل حيي وأبي ياسر وأصحابهما.

٤ ـ حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المعروف بأبي الحسن الجرجاني المفسر ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه قال : كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا : سحر مبين تقوله ، فقال الله : « ألم ذلك الكتاب » أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها « الف ، لام ، ميم » وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله : « قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (١) » ثم قال الله : « ألم » هو القرآن الذي افتتح

__________________

(١) الاسراء : ٩١. وقوله تعالى : « لا يأتون » جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة

٢٤

بـ « ألم » هو « ذلك الكتاب » الذي أخبرت به موسى فمن بعده الأنبياء فأخبروا بني إسرائيل أن سأنزل عليك يا محمد كتابا عزيزا « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد » « لا ريب فيه » لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه (١) الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم « هدى » بيان من الضلالة « للمتقين » الذين يتقون الموبقات ويتقون تسليط السفه على أنفسهم حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم. قال : وقال الصادق عليه‌السلام : ثم « الألف » حرف من حروف قول (٢) الله دل بالألف على قولك الله و دل باللام على قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين ، ودل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله (٣) وجعل هذا القول حجة على اليهود وذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم أحد (٤) إلا أخذوا عليهم العهود و المواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة ، يأتي بكتاب من الحروف المقطعة افتتاح بعض سوره ، يحفظه أمته فيقرؤنه قياما وقعودا و مشاة وعلى كل الأحوال يسهل الله عزوجل حفظه عليهم ويقرنون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أخاه ووصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام الاخذ عنه علومه التي علمها ، والمتقلد عنه لأمانة التي قدرها (٥) ، ومذلل كل من عاند محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بسيفه الباتر ويفحم (٦) كل من جادله وخاصمه بدليله الظاهر يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين ، ثم إذا صار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رضوان الله عزوجل وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان وحرفوا تأويلاته وغيروا معانيه ووضعوها على خلاف وجوهها قاتلهم بعد [ ذلك ]

__________________

(١) في بعض النسخ [ لا يلحقه ].

(٢) في بعض النسخ [ قولك ].

(٣) في بعض النسخ [ فعاله ].

(٤) في بعض النسخ [ قوم ].

(٥) في بعض النسخ [ قلدها ]

(٦) السيف الباتر. القاطع. وأفحمه : أسكته بالحجة في خصومه أو غيرها.

٢٥

على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلول (١). قال : فلما بعث الله محمدا وأظهره بمكة ثم سيره منها إلى المدينة وأظهره بها ، ثم أنزل إليه الكتاب وجعل افتتاح سورته الكبرى بـ « ألم » يعني « ألم ذلك الكتاب » وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أني سأنزله عليك يا محمد ، « لا ريب فيه » فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب مبارك لا يمحوه الباطل ، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم ، ثم اليهود يحرفونه عن جهته ، ويتأولونه على غير وجهه ، ويتعاطون التوصل إلى علم ما قد طواه الله عنهم من حال آجال (٢) هذه الأمة وكم مدة ملكهم ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم جماعة ، فولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام فخاطبهم ، فقال قائلهم : إن كان ما يقول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حقا لقد علمناكم قدر ملك أمته ، هو إحدى وسبعون سنة ، « الألف » واحد ، و « اللام » ثلاثون ، و « الميم » أربعون ، فقال علي عليه‌السلام : فما تصنعون بـ « المص » وقد انزل (٣) عليه؟ قالوا : هذه إحدى وستون ومائة سنة. قال : فما ذا تصنعون بـ « الر » وقد أنزلت عليه؟ فقالوا : هذه أكثر ، هذه مائتان وإحدى وثلاثون سنة. فقال علي عليه‌السلام : فما تصنعون بما انزل عليه (٤) « المر »؟ قالوا : هذه مائتان وإحدى وسبعون سنة فقال علي عليه‌السلام : فواحدة من هذه له أو جميعها له؟ فاختلط كلامهم فبعضهم قال له : واحدة منها وبعضهم قال : بل يجمع له كلها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة ، ثم يرجع الملك إلينا يعني إلى اليهود. فقال علي عليه‌السلام : أكتاب من كتب الله نطق بها ، أم آراؤكم دلتكم عليه؟ قال بعظهم : كتاب الله نطق به ، وقال آخرون منهم : بل آراؤنا دلت عليه ، فقال علي عليه‌السلام. فأتوا بالكتاب (٥) من عند الله ينطق بما تقولون. فعجزوا عن إيراد ذلك ، وقال للآخرين : فدلونا على صواب هذا الرأي. فقال : صواب رأينا دليله أن هذا حساب الجمل. فقال علي عليه‌السلام : كيف دل على ما تقولون وليس في

__________________

(١) في بعض النسخ [ المغلوب ].

(٢) في بعض النسخ [ أجل ].

(٣) في بعض النسخ [ وقد أنزلت ].

(٤) في بعض النسخ [ إليه ].

(٥) في بعض النسخ [ بكتاب ].

٢٦

هذه الحروف إلا ما اقترحتم بلا بيان! أرأيتم إن قيل لكم : إن هذه الحروف ليست دالة على هذه المدة لملك أمة محمد ولكنها دالة على أن كل واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب أو أن عدد ذلك لكل واحد منكم ومنا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير أو أن لعلي على كل واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب قالوا : يا أبا الحسن ليس شئ مما ذكرته منصوصا عليه في « ألم » و « المص » و « الر » و « المر ». فقال علي عليه‌السلام : ولا شئ مما ذكرتموه منصوص عليه في « ألم » و « المص » و « الر » و « المر » فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت ، فقال خطيبهم ومنطيقهم (١) : لا تفرح يا علي بأن عجزنا عن إقامة حجة فيما تقولهن (٢) على دعوانا فأي حجة لك في دعواك؟ إلا أن تجعل عجزنا حجتك ، فإذا ما لنا حجة فيما نقول ولا لكم حجة فيما تقولون. قال علي عليه‌السلام لا سواء إن لنا حجة هي المعجزة الباهرة ، ثم نادى جمال اليهود : يا أيتها الجمال أشهدي لمحمد ولوصيه. فتبادر الجمال : صدقت صدقت ، يا وصي محمد وكذب هؤلاء اليهود فقال علي عليه‌السلام هؤلاء جنس من الشهود ، يا ثياب اليهود التي عليهم : أشهدي لمحمد و لوصيه. فنطقت ثيابهم كلها : صدقت صدقت يا علي نشهد أن محمد رسول الله حقا ، وأنك يا علي وصيه حقا ، لم يثبت محمدا (٣) قدما في مكرمة إلا وطأت على موضع قدمه بمثل مكرمته وأنتما شقيقان من اشراق (٤) أنوار الله فميزتما (٥) اثنين وأنتما في الفضائل شريكان إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. فعند ذلك خرست اليهود (٦) وآمن بعض النظارة منهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فغلب (٧) الشقاء على اليهود وسائر النظارة الآخرين ، فذلك ما قال الله : « لا ريب فيه » إنه كما قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصي محمد عن قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول رب

__________________

(١) المنطيق : المتكلم البليغ.

(٢) في بعض النسخ [ تقولون ].

(٣) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا والظاهر أنه من غلط النساخ والصحيح « محمد » بالرفع. ( م )

(٤) في بعض النسخ [ أشرف ].

(٥) في بعض النسخ [ تميزتما ].

(٦) خرس فلان أي انعقد لسانه عن الكلام.

(٧) في بعض النسخ [ وغلب ].

٢٧

العالمين ثم قال : « هدى » بيان وشفاء « للمتقين » من شيعة محمد وعلي إنهم اتقوا أنواع الكفر فتركوها واتقوا الذنوب الموبقات (١) فرفضوها واتقوا إظهار أسرار الله وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فكتموها واتقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقين لها وفيهم نشروها.

٥ ـ حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ، عن أبيه قال : حدثنا أحمد بن أحمد ، قال حدثنا (٢) سليمان بن الخصيب ، قال : حدثنا الثقة ، قال : حدثنا أبو جمعة رحمة بن صدقة ، قال : أتى رجل من بني أمية ـ وكان زنديقا ـ جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقال : قول الله عزوجل في كتابه : « المص » أي شئ أراد بهذا؟ وأي شئ فيه من الحلال والحرام؟ وأي شئ فيه مما ينتفع به الناس؟ قال : فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فقال : أمسك ويحك « الألف » واحد و « اللام » ثلاثون ، و « الميم » أربعون ، و « الصاد » تسعون ، كم معك فقال الرجل : أحد وثلاثون (٣) ومائة. فقال له جعفر بن محمد عليهما‌السلام : إذا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة انقضى ملك أصحابك. قال : فنظرنا فلما انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة يوم عاشورا دخل المسودة الكوفة وذهب ملكهم.

٦ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : أخبرنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ابن عمارة ، عن أبيه ، قال : حضرت عند جعفر بن محمد الباقر عليهما‌السلام فدخل عليه رجل فسأله عن « كهيعص » فقال عليه‌السلام : « كاف » كاف لشيعتنا ، « ها » هادي لهم « يا » ولي لهم ، « عين » عالم بأهل طاعتنا « صاد » صادق لهم وعدهم حتى يبلغ بهم المنزلة التي وعدها إياهم في بطن القرآن.

__________________

(١) الموبق : المهلك أو كل شئ حال بين شيئين وكلاهما مناسب للمقام.

(٢) في بعض النسخ [ حدثني ].

(٣) كذا في النسخ التي بأيدينا لكن مجموع أعداد الحروف أحد وستون ومائة. ( م ).

٢٨

( باب )

* ( معنى الاستواء على العرش ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، قال : حدثني مقاتل بن سليمان ، قال : سألت جعفر ابن محمد عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : « الرحمن على العرش استوى (١) » قال : استوى من كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ (٢).

( باب معنى العرش والكرسي )

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العرزمي ، قال : حدثنا علي بن حاتم المنقري ، عن المفضل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسي ما هما؟ فقال : العرش في وجه هو جملة الخلق والكرسي وعاؤه ، وفي وجه آخر العرش هو العلم (٣) الذي اطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع [ الله ] عليه أحدا من أنبيائه ورسوله وحججه عليهم‌السلام.

__________________

(١) طه : ٥.

(٢) فيه إشارة إلى معيته القيومية واتصاله المعنوي بكل شئ على السواء على الوجه الذي لا ينافي أحديته وقدس جلاله وإلى إفاضة رحمته العامة على الجميع على نسبة واحده وإحاطة علمه بالكل بنحو واحد وقربه من كل شئ على نهج سواء واما اختلاف المقربين كالأنبياء والأولياء من المبعدين كالشياطين والكفار في القرب والبعد فليس من قبله سبحانه. ( قاله الفيض رحمه‌الله )

(٣) يمكن أن يكون المراد بهذا العلم العلم الفعلي بقرينة قوله عليه‌السلام قبيل هذا : « العرش في وجه هو جملة الخلق » فهو من وجه علم ومن وجه آخر معلوم لكن المستفاد من سائر الروايات الواردة في العرش انه مرتبة من الوجود عالية تحيط بجل المخلوقات وهي لا تنفك عن العلم فافهم وبناء على هذا فالمراد بكونه جملة الخلق بوجه اشتماله على ما تحته من المخلوقات وانطواء المراتب الضعيفة فيه. ( م ).

٢٩

٢ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد. عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « وسع كرسيه السماوات والأرض » قال : علمه (١).

( باب معنى اللوح والقلم )

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني ، قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العرزمي ، قال : حدثنا علي بن حاتم المنقري ، عن إبراهيم الكرخي ، قال : سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن اللوح والقلم. فقال : هما ملكان.

__________________

(١) اعلم أن الاستواء يطلق على معان :

الأول : الاستقرار والتمكن على الشئ.

الثاني : قصد الشئ والاقبال إليه.

الثالث : الاستيلاء على الشئ ، قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

الرابع : الاعتدال ، يقال : سويت الشئ فاستوى.

الخامس : المساواة في النسبة.

فاما المعنى الأول فيستحيل على الله تعالى لما ثبت بالبراهين العقلية والنقلية من استحالة كونه تعالى مكانيا ، فمن المفسرين من حمل الاستواء في هذه الآية على الثاني أي أقبل على خلقه وقصد إلى ذلك وقد ورد أنه سئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن هذه الآية فقال : الاستواء : الاقبال على الشئ ونحو هذا قاله الفراء والزجاج في قوله تعالى : « ثم استوى إلى السماء ». والأكثرون منهم حملوها على الثالث استوى أي استولى عليه وملكه ودبره. قال الزمخشري : « لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك لا يحصل الا مع الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا : استوى فلان على السرير يريدون ملكه وان لم يقعد البتة وإنما عبروا عن حصول الملك بذلك لأنه أصرخ وأقوى في الدلالة من أن يقال : فلان ملك ونحوه قولك : « يد فلان مبسوطة » و « يد فلان مغلولة » بمعنى أنه جواد أو بخيل لا فرق بين العبارتين الا فيما قلت حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم يكن له يد رأسا وهو جواد قيل فيه يده مبسوطة ، لأنه لا فرق عندهم بينه وبين قولهم « جواد ». انتهى

٣٠

( باب )

* ( معنى الموازين التي توزن بها أعمال العباد ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني ، قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي ، قال حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العرزمي ، قال : حدثني (١) علي بن حاتم المنقري ، عن هشام بن سالم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « ونضع الموازين القسط ليوم القيمة

__________________

ويحتمل أن يكون المراد معنى الرابع بان يكون كناية عن نفى النقص عنه تعالى من جميع الوجود فيكون قوله تعالى : « على العرش » حالا ولكنه بعيد. وأما معنى الخامس فهو الظاهر من الاخبار.

ثم اعلم أن العرش قد يطلق على الجسم العظيم التي أحاط بسائر الجسمانيات وقد يطلق على جميع المخلوقات وقد يطلق على العلم أيضا كما وردت به الأخبار الكثيرة فإذا عرفت هذا فاما أن يكون عليه‌السلام فسر العرش ( في الحديث السابق ) بمجموع الأشياء وضمن استواء ما يتعدى بعلي كالاستيلاء والاستعلاء والاشراف فالمعنى استوت نسبته إلى كل شئ حال كونه مستوليا عليها ، أو فسره بالعلم ويكون متعلق الاستواء مقدرا أي تساوت نسبته من كل شئ حال كونه متمكنا على عرش العلم فيكون إشارة إلى بيان نسبته تعالى وأنها بالعلم والإحاطة أو المراد بالعرش عرش العظمة والجلال والقدرة كما فسر بها أيضا في بعض الأخبار أي استوى من كل شئ مع كونه في غاية العظمة ومتمكنا على عرش التقديس والجلالة والحاصل أن علو قدره ليس مانعا في دنوه بالحفظ والتربية والإحاطة وكذا العكس و على التقادير فقوله : « استوى » خبر وقوله : « على العرش » حال ، ويحتمل أن يكونا خبرين على بعض التقادير ولا يبعد على الاحتمال الأول جعل قوله : « على العرش » متعلقا بالاستواء بان تكون كلمة « على » بمعنى « إلى » ويحتمل على تقدير حمل العرش على العلم أن يكون قوله : « على العرش » خبرا وقوله : « استوى » حالا عن العرش ولكنه بعيد وعلى التقادير يمكن أن يقال : أن النكتة في ايراد الرحمن بيان أن رحمانيته توجب استواء نسبته ايجادا وحفظا وتربية وعلما إلى الجميع بخلاف الرحيمية فإنها تقتضي إفاضة الهدايات الخاصة على المؤمنين فقط وكذا كثير من أسمائه الحسنى تخص جماعة ويؤيد بعض الوجوه التي ذكرنا ما ذكره المؤلف ـ رحمه‌الله ـ في كتاب العقائد حيث قال : « اعتقادنا في العرش أنه جملة جميع الخلق والعرش وفى وجه آخر هو العلم » ثم ذكر الحديث الذي مر في الباب السابق. ( قاله العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ )

(١) في بعض النسخ [ حدثنا ].

٣١

فلا تظلم نفس شيئا (١) » قال : هم الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام (٢).

( باب معنى الصراط )

١ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسيني ، قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عيسى بن أبي مريم العجلي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد العرزمي قال : حدثنا علي بن حاتم المنقري ، عن المفضل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصراط. فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عزوجل ، وها صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة. وأما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم.

٢ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ، [ عن عبد الله بن الصلت ] عن يونس بن عبد الرحمن ، عمن ذكره ، عن عبيد الله [ بن ] الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الصراط المستقيم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٣ ـ حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أبي ، عن جدي ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « اهدنا الصراط المستقيم » قال : هو أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعرفته ، والدليل على أنه أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) الأنبياء : ٤٩. والقسط : العدل مصدر وصف للموازين مبالغة ، أو ذوات القسط. « شيئا » مفعول ثان لتظلم أو مصدر والمعنى لا تظلم نفس ظلما.

(٢) ميزان كل شئ هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشئ فميزان الناس ليوم القيامة ما يوزن به قدر كل انسان وقيمته على حسب عقيدته وخلقه وعمله لتجزى كل نفس بما كسبت وليس ذلك الا الأنبياء والأوصياء إذ بهم وباتباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترك ذلك بالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقد حسناتهم وسيئاتهم فميزان كل أمة هو نبي تلك الأمة ووصى نبيها والشريعة التي أتى بها. ( قاله الفيض ـ رحمه‌الله ـ )

٣٢

قوله عزوجل : « وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (١) » وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام في أم الكتاب في قوله عزوجل : « اهدنا الصراط المستقيم ».

٤ ـ حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر ، قال : حدثني يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن يسار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام في قوله : « اهدنا الصراط المستقيم » قال : أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا. والصراط المستقيم هو صراطان : صراط في الدنيا ، و صراط في الآخرة. وأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو ، وارتفع عن التقصير (٢) ، واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل. وأما الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنة.

قال : وقال جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، في قوله عزوجل : « اهدنا الصراط المستقيم » قال : يقول أرشدنا [ إلى ] الصراط المستقيم أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ [ إلى ] دينك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب (٣) ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك. ثم قال عليه‌السلام : فإن من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة (٤) تعظمه وتسفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله ، فرأيته قد أحدق به خلق [ الكثير ] من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام (٥) أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم (٦) حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرقت العوام عنه لحوائجهم ، وتبعته أقتفي أثره

__________________

(١) الزخرف : ٤.

(٢) في بعض النسخ [ النقيصة ].

(٣) أي نهلك.

(٤) غثاء بضم الغين المعجمة والثاء المثلثة والمد ـ : ما يجيئ فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره.

(٥) اللثام : ما كان على الانف وما حوله من ثوب أو نقاب.

(٦) راوغه : خادعه وماكره.

٣٣

فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله (١) فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة (٢) ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، قم مر بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثم أقول : وما حاجته إذا إلى المسارقة ، ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء ، فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك ولكنني رأيت منك ما شغل قلبي! وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : ما هو قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين! قال : فقال لي : قبل كل شئ حدثني من أنت؟ قلت : رجل من ولد آدم عليه‌السلام من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال حدثني من أنت؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : أين بلدك قلت : المدينة. قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قلت : بلى. فقال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح عليه فاعله؟ قلت : وما هو؟ قال : القرآن كتاب الله! قلت : وما الذي جهلت منه؟ قال : قول الله عزوجل : « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها (٣) » وأني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل [ واحد ] منهما كان لي [ بها ] أربعين (٤) حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع بأربع سيئات بقي لي ست وثلاثون حسنة. قلت : ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت أنه عزوجل يقول : « إنما يتقبل الله من المتقين (٥) » إنك لما سرقت رغيفين

__________________

(١) تغفله : تحين غفلته وترصدها. ( م )

(٢) سارقه : اختلس منه على غفلة. ( م )

(٣) الانعام : ١٦٢.

(٤) يمكن تصحيح نصب « أربعين » بجعله خبرا والضمير المستتر في « كان » الراجع إلى التصدق أو « ما ذكر » اسما له لكن الأظهر رفعه بناء على كونه اسما والجار والمجرور المتقدمين خبرا سيما على النسخة التي تثبت لفظة « بها ». ( م )

(٥) المائدة : ٣١.

٣٤

كانت سيئتين ولما سرقت رمانتين كانت أيضا سيئتين ولما دفعتهما إلى غير صاحبيهما بغير أمر صاحبيهما كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات ، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته. قال الصادق عليه‌السلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يضلون ويضلون وهذا نحو تأويل معاوية [ لعنه الله ] لما قتل عمار بن ياسر ـ رحمه‌الله ـ فارتعدت فرائص (١) خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عمار تقتله الفئة الباغية. فدخل عمرو على معاوية [ لعنه الله ] وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا. قال : لماذا؟ قال : قتل عمار. فقال معاوية [ لعنه الله ] : قتل عمار فماذا؟ قال : أليس قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : [ عمار ] تقتله الفئة الباغية؟ فقال له معاوية [ لعنه الله ] : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا! فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : إذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين!.

ثم قال الصادق عليه‌السلام : طوبى للذين هم كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ، وينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين.

٥ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : حدثني ثابت الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : ليس بين الله وبين حجته حجاب ، فلا (٢) لله دون حجته ستر ، نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن موضع سره.

٦ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن عبيد الله بن موسى العبسي ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول

__________________

(١) ارتعد : اضطرب واهتز ، و « فرائص » جمع « فريصة » وهي لحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع. يقال : « ارتعدت فريصته » أي فزع فزعا شديدا. ( م )

(٢) في بعض النسخ [ ولا ].

٣٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط فلم يجز أحد إلا من كان معه كتاب فيه براة بولايتك.

٧ ـ حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، قال : حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن إبراهيم ، قال : حدثنا ألوان بن محمد ، قال : حدثنا حنان بن سدير ، (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : قول الله عزوجل في الحمد : « صراط الذين أنعمت عليهم » يعني محمدا وذريته صلوات الله عليهم.

٨ ـ حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، قال : حدثنا فرات بن إبراهيم ، قال : حدثني عبيد بن كثير ، قال : حدثني (٢) محمد بن مروان ، قال حدثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزوجل : « صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين » قال : شيعة علي عليه‌السلام الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام لم يغضب عليهم ولم يضلوا.

٩ ـ حدثنا محمد بن القاسم الاسترآبادي المفسر ، قال : حدثني يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام في قول الله عزوجل : « صراط الذين أنعمت عليهم » أي قولوا : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك وهم الذين قال الله عزوجل : « ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (٣) » وحكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ثم قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ، ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا أو فساقا؟ فما ندبتم إلى أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم ، وإنما

__________________

(١) حنان ـ كمكان ـ وسدير ـ كجدير ـ.

(٢) في بعض النسخ [ حدثنا ].

(٣) النساء : ٧١.

٣٦

أمرتم بالدعاء بأن ترشدوا إلى صراط الذين أنعم عليهم بالايمان [ بالله ] وتصديق رسوله (١) وبالولاية لمحمد وآله الطاهرين ، وأصحابه الخيرين المنتجبين ، وبالتقية الحسنة التي يسلم بها من شر عباد الله ، ومن الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم ، بأن تداريهم ولا تعزيهم بأذاك وأذى المؤمنين ، وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين ، فإنه ما من عبد ولا أمة والى محمد وآل محمد عليهم‌السلام وعادى من عاداهم إلا كان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا وجنة حصينة ، وما من عبد ولا أمة داري عباد الله فأحسن المداراة فلم يدخل بها في باطل ولم يخلج من حق إلا جعل الله عزوجل نفسه تسبيحا ، وزكى عمله ، وأعطاه بصيرة على كتمان سرنا واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله ، وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه ، ، فوفاهم حقوقهم جهده ، وأعطاهم ممكنه ، ورضي عنهم بعفوهم وترك الاستقصاء عليهم ، فيما يكون من زللهم واغتفرها لهم إلا قال الله له يوم يلقاه : يا عبدي قضيت حقوق إخوانك ، ولم تستقص عليهم فيما لك عليهم ، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والكرم فإني (٢) أقضيك اليوم على حق [ ما ] وعدتك به ، وأزيدك من فضلي الواسع ، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي ، قال : فيلحقهم بمحمد وآله ، ويجعله في خيار شيعتهم. ثم قال : قال رسول الله صلى الله على وآله لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبد الله أحب في الله ، وأبغض في الله ، ووال في الله ، وعاد في الله ، فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادون ، وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا ، فقال الرجل : يا رسول الله فكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ، ومن ولي الله حتى أواليه؟ ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : أترى هذا؟ قال : بلى. قال : ولي هذا ولي الله فواله ، وعدو هذا عدو الله فعاده ، ووال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك [ وولدك ] ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك أو وولدك.

__________________

(١) في بعض النسخ [ رسله ].

(٢) في بعض النسخ [ فأنا ].

٣٧

( باب )

* ( معنى حروف الأذان والإقامة ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقري ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال : حدثنا محمد بن عاصم الطريفي ، قال : حدثنا أبو زيد عباس بن يزيد بن الحسن الجمال مولى زيد بن علي ، قال : أخبرني [ أبي ] يزيد بن الحسن ، قال : حدثني موسى ابن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : كنا جلوسا في المسجد إذ صعد المؤذن المنارة فقال : الله أكبر ، الله أكبر فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وبكينا لبكائه ، فلما فرغ المؤذن قال : أتدرون ما يقول المؤذن؟ قلنا : الله ورسوله ووصيه أعلم قال : لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا! فلقوله « الله أكبر » معان كثيرة منها أن قول المؤذن : « الله أكبر » يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه. فإذا قال المؤذن « الله أكبر » فإنه يقول : الله الذي له الخلق والامر و بمشيته كان الخلق ، ومنه كل شئ للخلق ، وإليه يرجع الخلق ، وهو الأول قبل كل شئ لم يزل ، والآخر بعد كل شئ لا يزال ، والظاهر فوق كل شئ لا يدرك ، والباطن دون كل شئ لا يحد ، وهو الباقي وكل شئ دونه فان.

والمعنى الثاني : الله أكبر ، أي العليم الخبير عليهم بما كان ويكون قبل أن يكون.

والثالث : الله أكبر ، أي القادر على كل شئ يقدر على ما يشاء ، القوي لقدرته ، المقتدر على خلقه ، القوي لذاته ، قدرته قائمة على الأشياء كلها ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.

والرابع : الله أكبر ، على معنى حلمه وكرمه ، يحلم كأنه لا يعلم ، ويصفح كأنه لا يرى ، ويستر كأنه لا يعصى ، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما.

٣٨

والوجه الآخر في معنى « الله أكبر » أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال (١).

والوجه الآخر الله أكبر فيه نفي صفته وكيفيته كأنه يقول : الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته الذي هو موصوف به ، وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا.

والوجه الآخر « الله أكبر » كأنه يقول : الله أعلى وأجل ، وهو الغني عن عباده ، لا حاجة به إلى أعمال خلقه.

وأما قوله : « أشهد أن لا إله إلا الله » فإعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفته من القلب كأنه يقول : أعلم أنه لا معبود إلا الله عزوجل وأن كل معبود باطل سوى الله عزوجل وأقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجا من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله. وفي المرة الثانية « أشهد أن لا إله إلا الله » معناه : أشهد أن لا هادي إلا الله ولا دليل لي إلى الدين إلا الله و اشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله واشهد سكان السماوات وسكان والأرضين وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين وما فيهن من الجبال والأشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله ، له الخلق والامر ، وبيده الخير كله ، تبارك الله رب العالمين.

وأما قوله : « أشهد أن محمدا رسول الله » يقول : اشهد الله أنه لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، واشهد من في السماوات والأرض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أن محمدا سيد الأولين والآخرين. وفي المرة الثانية « أشهد أن محمدا رسول الله » يقول : أشهد أن لا حاجة لأحد [ إلى أحد ] إلا إلى الله الواحد القهار الغني عن عباده والخلائق والناس أجمعين ، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، من أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم

__________________

(١) في بعض النسخ [ النوال ].

٣٩

خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا.

وأما قوله : « حي على الصلاة » أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم ، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ، وإطفاء ناركم التي أوقدتموها ، وفكاك رقابكم التي رهنتموها ، ليكفر الله عنكم سيئاتكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ويبدل سيئاتكم حسنات ، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم ، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته ، والتقدم إلى بين يديه. وفي المرة الثانية « حي على الصلاة » أي قوموا إلى مناجاة الله ربكم ، وعرض حاجاتكم (١) على ربكم ، وتوسلوا إليه بكلامه ، وتشفعوا به ، وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع ، وارفعوا إليه حوائجكم ، فقد أذن لنا في ذلك.

وأما قوله : « حي على الفلاح » فإنه يقول : أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه ، ونجاة لا هلاك معها ، وتعالوا إلى حياة لا موت معها ، وإلى نعيم لا نفاد له ، وإلى ملك لا زوال عنه ، وإلى سرور لا حزن معه ، وإلى أنس لا وحشة معه ، وإلى نور لا ظلمة معه ، وإلى سعة لا ضيق معها ، وإلى بهجة لا انقطاع لها ، وإلى غنى لا فاقة معه ، وإلى صحة لا سقم معها ، [ وإلى عز لا ذل معه ] وإلى قوة لا ضعف معها ، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، واعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ، ونجاة الآخرة والأولى. وفي المرة الثانية « حي على الفلاح » فإنه يقول : سابقوا إلى ما دعوتكم إليه ، وإلى جزيل الكرامة ، وعظيم المنة ، وسني النعمة (٢) ، و الفوز العظيم ، ونعيم الأبد في جوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

وأما قوله « الله أكبر » فإنه بقول : الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه وأطاع أمره وعبده وعرف وعيده واشتغل به وبذكره وأحبه وآمن به واطمأن إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به. وفي المرة الثانية « الله أكبر » فإنه يقول : الله أكبر وأعلى وأجل من أن يعلم أحد مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب

__________________

(١) في بعض النسخ [ حاجتكم ].

(٢) السنى الرفيع.

٤٠