معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

( باب )

* ( معنى الاستئكال بالعلم ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن حمزة بن حمران قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما استأكل بعلمه افتقر.

فقلت له : جعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون على ذلك منهم البر والصلة والاكرام. فقال عليه‌السلام : ليس أولئك بمستأكلين ، إنما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزوجل ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا.

( باب )

* ( معنى ما روى أن من مثل مثالا أو اقتنى كلبا فقد خرج من الاسلام ) *

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رحمه‌الله ـ عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن النهيكي بإسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : من مثل مثالا أو اقتنى كلبا فقد خرج من الاسلام. فقيل له : هلك إذا كثير من الناس! فقال : ليس حيث ذهبتم ، إنما عنيت بقولي : « من مثل مثالا » من نصب دينا غير دين الله ودعا الناس إليه ، وبقولي : « من اقتنى كلبا » [ عنيت ] مبغضا لنا أهل البيت اقتناه فأطعمه وسقاه من فعل ذلك فقد خرج من الاسلام.

( باب )

* ( معنى ما روى عن أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام أنه قال : ) *

* ( « إذا عرفت فاعمل ما شئت » ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن فضيل بن عثمان ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام فقيل له :

١٨١

إن هؤلاء الأخابث (١) يروون عن أبيك يقولون : أن أباك عليه‌السلام قال : « إذا عرفت فاعمل ما شئت » فهم يستحلون بعد ذلك كل محرم قال : ما لهم لعنهم الله؟! إنما قال أبي عليه‌السلام : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك.

( باب )

* ( معنى قول الرجل للرجل : « جزاك الله خيرا » ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين ابن يزيد ، عن الحسين بن أعين أخي مالك بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الرجل للرجل : « جزاك الله خيرا » ما يعني به؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الخير نهر في الجنة مخرجه من الكوثر ، والكوثر مخرجه من ساق العرش ، عليه منازل الأوصياء و شيعتهم ، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات كلما قلعت واحدة نبتت أخرى باسم ذلك النهر وذلك قول الله عزوجل في كتابه : « فيهن خيرات حسان (٢) » فإذا قال الرجل لصاحبه : « جزاك الله خيرا » فإنما يعني به تلك المنازل التي أعدها الله عزوجل لصفوته وخيرته من خلقه.

( باب )

* ( معنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام للذي قال له إني أحبك : ) *

* ( « أعد للفقر جلبابا » ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن إدريس ، ومحمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن الحسين ، عن منصور ، عن أحمد بن خالد ، عن أحمد بن المبارك ، قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : حديث يروى أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إني أحبك. فقال له : أعد للفقر جلبابا. فقال : ليس هكذا قال : إنما قال له : أعددت لفاقتك جلبابا يعني يوم القيامة.

__________________

(١) في بعض النسخ [ الأجانب ].

(٢) الرحمن : ٧٠.

١٨٢

( باب )

* ( معنى قول الصادق عليه‌السلام « ان الرجل ليخرج من منزله فيرجع ) *

* ( ولم يذكر الله عزوجل فتملأ صحيفته حسنات ) *

١ ـ حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن الحكم بن مسكين ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : إن الرجل ليخرج من منزله إلى حاجة (١) فيرجع وما ذكر الله عزوجل فتملأ صحيفته حسنات ، قال : فقلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : يمر بالقوم ويذكرونا أهل البيت فيقولون : كفوا فإن هذا يحبهم فيقول الملك لصاحبه : اكتب هبة (٢) آل محمد في فلان [ اليوم ].

( باب )

* ( معنى الموجبتين ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تنسوا الموجبتين ـ أو قال : عليكم بالموجبتين ـ في دبر كل صلاة. قلت : وما الموجبتان؟ قال : تسأل الله الجنة وتتعوذ به من النار.

( باب )

* ( معنى الخبر الذي روى أن من سعادة المرء خفة عارضيه ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم المنقري ـ أو غيره ـ رفعه ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : إن من سعادة المرء خفة عارضيه. قال : وما في هذا من السعادة إنما السعادة خفة ماضغيه بالتسبيح (٣).

__________________

(١) في بعض النسخ [ حاجته ].

(٢) في بعض النسخ [ حب ].

(٣) الماضغان والماضغتان : الحنكان ، والظاهر أن المراد بخفتهما بالتسبيح سهولة الذكر والتسبيح عليهما أي من سعادة المرء أن يسهل عليه التسبيح وتحريك حنكيه بالأوراد فيكثر منها. ( م )

١٨٣

( باب )

* ( معنى السنة من الرب عزوجل ، والسنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

* ( والسنة من الولي عليه‌السلام ) *

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن مبارك مولى الرضا عليه‌السلام عن الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام قال : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربه ، وسنة من نبيه ، وسنة من وليه. فأما السنة من ربه فكتمان السر ، قال الله عزوجل « عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول (١) » وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بمداراة الناس فقال : « خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (٢) » ، وأما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء يقول الله عزوجل : « والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (٣) ».

( باب )

* ( معنى الغيبة والبهتان ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : إن من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، وإن البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه.

__________________

(١) الجن : ٢٦ و ٢٧.

(٢) الأعراف : ١٩٨ والعرف : المعروف المستحسن من الأفعال.

(٣) البقرة : ١٧٧. البأساء : الفقر. والضراء : الوجع. وحين البأس : وقت الحرب.

١٨٤

( باب )

* ( معنى ذي الوجهين واللسانين ) *

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثني محمد بن يحيى العطار قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن داود بن فرقد ، عن أبي شيبة عن الزهري ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام ، قال : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا (١) ، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد ابن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال : حدثنا موسى بن عمران البغدادي ، عن ابن سنان ، عن عون بن معين بياع القلانس ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سمعت الصادق جعفر ابن محمد عليهما‌السلام ، يقول : من لقى الناس بوجه وغابهم بوجه جاء يوم القيامة وله لسانان من نار.

( باب )

* ( معنى نسبة الاسلام ) *

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أخيه ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي ، الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو التصديق ، والتصديق هو اليقين ، واليقين هو الأداء ، والأداء هو العمل. إن المؤمن أخذ دينه من ربه ولم يأخذه عن رأيه ، أيها الناس ، دينكم ، دينكم ، تمسكوا به ولا

__________________

(١) أطرى اطراء فلانا : أحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه. « يأكل غائبا » أي يأكل لحمه بالغيبة.

١٨٥

يزيلنكم ولا يردنكم أحد عنه ، لان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره ، لان السيئة فيه تغفر والحسنة في غير لا تقبل. (١)

( باب )

* ( معنى الاسلام والايمان ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، قال : سألته (٢) عن الايمان والاسلام ، فقلت له : أفرق بين الايمان والاسلام ، فقال : أو أضرب لك مثله؟ قال : قلت أود ذاك. قال : مثل الايمان من الاسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم قد يكون الرجل في الحرم ولا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم ، وقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما. قال : فقلت : فيخرجه من الايمان شئ؟ قال لي : نعم. قلت : فيصيره إلى ماذا؟ قال : إلى الاسلام أو الكفر. وقال : لو أن رجلا دخل الكعبة فأفلت منه (٣) بوله اخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم ولو خرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر لم يمنع أن يدخل الكعبة ، ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة ومن الحرم فضربت عنقه.

٢ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح الرازي ، عن أبي الصلت الخراساني ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الايمان ، فقال : الايمان عقد بالقلب ولفظ باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون الايمان إلا هكذا.

__________________

(١) رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ باسناده عن البرقي مرفوعا هكذا قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لأنسبن الاسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي الا بمثل ذلك ، ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق هو الاقرار والاقرار هو العمل والعمل هو الأداء ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذه ، ان المؤمن يرى يقينه في عمله والكافر يرى انكاره في عمله ، فوالذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم ، فاعتبروا انكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة.

(٢) يعنى أبا عبد الله عليه‌السلام.

(٣) فلت وأفلت وتفلت : تخلص ، وأفلت بوله : أي خرج بغتة من غير اختيار واستطاعة للإمساك.

١٨٦

٣ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الايمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال.

٤ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان قول وعمل أخوان شريكان.

٥ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن صفوان بن يحيى ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما حارثة بن النعمان الأنصاري ، فقال له : كيف أصبحت يا حارثة؟ قال : أصبحت يا رسول الله مؤمنا. حقا. قال إن لكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال : عزفت (١) نفسي عن الدنيا وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب ، وكأني بأهل الجنة فيها يتراودون (٢) وأهل النار فيها يعذبون.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت مؤمن نور الله الايمان في قلبك ، فأثبت ثبتك الله. فقال له : يا رسول الله ما أنا على نفسي من شئ أخوف مني عليها من بصري. فدعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذهب بصره.

٦ ـ حدثنا محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد ابن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن عذافر ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ قالوا : نحن مؤمنون ، قال : فما حقيقة إيمانكم. قالوا : الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله تعالى. فقال : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا مالا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون.

__________________

(١) عزفت نفسه عن كذا : زهدت فيه ، وعزفها عنه : منعها ر

(٢) في بعض النسخ [ يتزاورون ].

١٨٧

( باب )

* ( معنى صبغة الله عزوجل ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة (١) » قال : هي الاسلام.

( باب )

* ( معنى الخلق العظيم ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبي الجاورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « إنك لعلى خلق العظيم (٢) » قال : هو الاسلام. وروي أن الخلق العظيم « هو » الدين العظيم.

( باب )

* ( معنى قول الأئمة عليهم‌السلام « حدثنا صعب مستصعب » ) *

١ ـ أبي رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن بعض أهل المدائن قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : روي لنا عن آبائكم عليهم‌السلام أن حديثكم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان. قال : فجاءه الجواب : إنما معناه أن الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك مثله ، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله ، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله ، إنما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه إلى غيره.

__________________

(١) البقرة : ١٣٨.

(٢) القلم : ٤.

١٨٨

( باب )

* ( معنى المدينة الحصينة ) *

١ ـ حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن سفيان بن يعقوب بن الحارث بن إبراهيم الهمداني في منزلة بالكوفة ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن يوسف الأزدي ، قال : حدثنا علي بن يزيد الحناط ، قال : حدثنا عمرو بن اليسع ، عن شعيب الحداد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان أو مدينه حصينة.

قال عمرو : فقلت لشعيب : يا أبا الحسن وأي شئ المدينة الحصينة؟ قال : فقال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنها ، فقال لي : القلب المجتمع.

( باب )

* ( معنى قول الباقر عليه‌السلام : « لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى ) *

* ( يكون الموت أحب إليه من الحياة ، والفقر أحب إليه من ) *

* ( الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة » ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد ابن علي ، عن حارث بن الحسن الطحان ، عن إبراهيم بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة ، والفقر أحب إليه من الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة. قلنا : ومن يكون كذلك؟ قال : كلكم ، ثم قال : أيما أحب إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا؟ فقلت : نموت والله في حبكم أحب إلينا. قال : وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة. قلت : إي والله.

( باب )

* ( معنى القرآن والفرقان ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثني أبو إسحاق ـ يعني إبراهيم بن هاشم ـ ، عن ابن سنان وغيره عمن ذكره

١٨٩

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القرآن والفرقان : أهما شيئان أم شئ واحد؟ قال : فقال : القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به.

( باب )

* ( معنى الحديث الذي روى عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : ما ضرب ) *

* ( رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي أبي عليه‌السلام : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر.

وسألت محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ عن معنى هذا الحديث فقال : هو أن تجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى (١).

( باب )

* ( معنى الحال المرتحل ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان بن عينة ، عن الزهري ، قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، : أي الأعمال أفضل؟ قال : الحال المرتحل. قلت : وما الحال المرتحل؟ قال فتح القرآن وختمه كلما حل في أوله ارتحل في آخره. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحدا أعطي شيئا أفضل مما أعطي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا.

__________________

(١) ضرب القرآن بعضه ببعض كما يستفاد من روايات أخر هو أن يأخذ الرجل ببعض الآيات المتشابهة التي ربما يوافق ظاهرها ـ في نفسها مع قطع النظر عن سائر الآيات ـ مذهبه الفاسد ويأول سائر الآيات على طبقها ويحملها عليها دون ان يتدبر فيها ويفسرها بسائر الآيات قال تعالى : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لو جدوا فيه اختلافا كثيرا. ولعل هذا مراد محمد بن الحسن ابن الوليد شيخ المؤلف حيث قال في جوابه : هو أن تجيب الرجل الخ. ( م )

١٩٠

( باب )

* ( معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله : « أيعجز أحدكم أن يقرء ) *

* ( كل ليلة ثلث القرآن؟ » ) *

١ ـ حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن هارون بن يزيد ، قال : حدثنا عبد الله بن معاذ ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا شعبة ، عن علي بن مدرك ، عن إبراهيم النخعي ، عن الربيع بن خثيم ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيعجز أحدكم أن يقرء كل ليلة ثلث القرآن؟ قالوا : ومن يطيق ذلك؟ قال : « قل هو الله أحد » ثلث القرآن.

( باب )

* ( معنى مكارم الأخلاق ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، قال : جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فقال : يا ابن رسول الله أخبرني بمكارم الأخلاق فقال العفو عمن ظلمك ، وصلة من قطعك ، وإعطاء من حرمك ، وقول الحق ولو على نفسك.

٢ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا أحدثك بمكارم الأخلاق؟ [ قلت : بلى. قال : ] الصفح عن الناس ، ومواساة الرجل أخاه في ماله ، وذكر الله كثيرا.

٣ ـ حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى العطار ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثني أبي ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن

١٩١

كانت فيكم فاحمدوا الله عزوجل وارغبوا إليه في الزيادة منها ، فذكرها عشرة : اليقين ، والقناعة ، والصبر ، والشكر ، والرضا ، وحسن الخلق ، والسخاء ، والغيرة ، والشجاعة ، والمروءة.

( باب )

* ( معنى ذكر الله كثيرا ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما ابتلي المؤمن بشئ أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها. قيل : وما هي؟ قال : المؤاساة في ذات يده ، والانصاف من نفسه ، وذكر الله كثيرا ، أما إني لا أقول لكم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولكن ذكر الله عندما أحل له وعندما حرم عليه.

٢ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من أشد ما عمل العباد إنصاف المرء من نفسه ومؤاساة المرء أخاه وذكر الله على كل حال. قال : قلت أصلحك الله وما وجه ذكر الله على كل حال؟ قال يذكر الله عند المعصية يهم بها فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية ، وهو قول الله عزوجل : « إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (١) ».

٣ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ،

__________________

(١) قال البيضاوي : « طائف من الشيطان » أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر ان تؤثر فيهم ، أو من طاف به الخيال يطيف طيفا وقرء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي طيف على أنه مصدر أو تخفيف طيف كلين انتهى وفى القاموس الطيف : الغضب والجنون والخيال الطائف في المنام أو مجيئه في النوم وإنما قيل لطائف الخيال : طيف لان معه طيف كميت وميت.

١٩٢

عن الحسين البزاز (١) قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا أحدثك بأشد ما فرض الله الله عز وجل على خلقه؟ قلت بلى قال إنصاف الناس من نفسك ومواساتك لأخيك (٢) ، وذكر الله في كل موطن ، أما إني لا أقول : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » وإن كان هذا من ذلك ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية (٣).

٤ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عن علي بن عقبة ، عن أبي جارود المنذر الكندي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أشد الأعمال ثلاثة : إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى لها منهم بشئ إلا رضيت لهم منها بمثله ، ومؤاساتك الأخ في المال ، وذكر الله على كل حال. ليس « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » فقط ولكن إذا ورد عليك شئ أمر الله به أخذت به وإذا ورد عليك شئ نهى عنه تركته.

٥ ـ وقد روي في خبر آخر عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : « اذكروا الله ذكرا كثيرا (٥) » ما هذا الذكر الكثير؟ قال : من سبح تسبيح فاطمة عليها‌السلام فقد ذكر الله الذكر الكثير.

__________________

(١) رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي ج ٢ ص ١٤٥ باسناده عن ابن محبوب ، عن هشام ، عن الحسن البزاز. والرجل لم أتحقق منه وفي التهذيب ج ٢ كتاب الفرائض باب العول ص ٣٥٣ في رواية عبد الله بن بكير عن الحسين البزاز وأيضا في ص ٣٧٠ مثلها. والحسن غير معنون في كتب الرجال أصلا.

(٢) المؤاسات ـ بالهمزة ـ بين الاخوان عبارة عن اعطاء النصرة بالنفس والمال وغيرهما في كل ما يحتاج إلى النصرة فيه ، يقال : آسيته بمالي مؤاساة أي جعلته شريكي فيه على سوية وبالواو لغة. وفى القاموس في فصل الهمزة « آساه بماله مؤاساة : أناله منه وجعله أسوة ، أولا يكون ذلك الا من كفاف فإن كان من فضلة فليس بمواساة » وجعلها بالواو لغة ردية ( قاله الفيض ـ رحمه‌الله ـ )

(٣) إذا هجمت على البناء للمجهول أو المعلوم وقال الفيروزآبادي : هجم عليه هجوما : انتهى إليه بغتة أو دخل بغير إذن. وفلانا أدخله كأهجمه. اه وقد يقرء « إذا هممت ». والمعنى ظاهر إلا أن المختار أظهر.

(٤) الظاهر أنه الجاورد بن المنذر الكندي. وفى بعض النسخ والكافي ج ٢ ص ١٤٤ [ عن علي بن عقبة ، عن جارود أبى المنذر ].

(٥) الأحزاب : ٤٢.

١٩٣

حدثنا بذلك محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد قال : حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن سعيد البجلي ابن أخي صفوان بن يحيى ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح بن نعيم العائذي ، عن محمد بن مسلم ، قال : في حديث يقول في آخره : تسبيح فاطمة عليها‌السلام من ذكر الله الكثير الذي قال الله عزوجل : « واذكروني أذكركم (١) ».

تم الجزء الأول بعون الله ومنه.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الأكرمين. (٢)

__________________

(١) البقرة : ١٥٢ وفيه « فاذكروني أذكركم ».

(٢) في بعض النسخ : تم الجزء الأول من معاني الأخبار والحمد لله رب العالمين ويتلوه الجزء الثاني إن شاء الله بمنه وكرمه وفضله.

١٩٤

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

( باب )

* ( معنى الغايات ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : الاشتهار بالعبادة ريبة ، إن أبي حدثني عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أعبد الناس من أقام الفرائض ، وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضي ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشد ذكرا للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب يرجوا الثواب ، وأغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علما ، وأقل الناس قيمة أقلهم علما ، وأقل الناس لذة الحسود ، وأقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله تعالى عليه ، وأولى الناس بالحق أعملهم به ، و أقل الناس حرمه الفاسق ، وأقل الناس وفاء الملوك ، وأقل الناس صديقا الملك ، وأفقر

__________________

(١) في بعض النسخ بعد البسملة : الجزء الثاني من كتاب معاني الأخبار تأليف الشيخ السعيد أبى جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه. نزيل الري ـ أدام الله أيامه ـ.

١٩٥

الناس الطماع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيرا ، وأفضل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدرا من ترك مالا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقا ، وأقل الناس مروءة من كان كاذبا ، وأشقى الناس الملوك ، و أمقت الناس المتكبر ، وأشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب ، وأحكم الناس من فر من جهال الناس ، وأسعد من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس (١) من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحق الناس بالذنب السفيه المغتاب ، وأذل الناس ، من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس.

٢ ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن معروف عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن الحسن بن سعيد ، عن الحارث بن محمد بن النعمان الأحول صاحب الطاق ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبد الله الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل ومن أحب أن يكون أتقى الناس فليتوكل كل على الله ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن يما عند الله عزوجل أوثق منه بما في يده ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من أبغض الناس وأبغضه الناس. ثم قال : ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الذي لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنبا. ثم قال : ألا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يؤمن شره ولا يرجى خيره ، وإن عيسى ابن مريم عليه‌السلام قام في بني إسرائيل فقال : يا بني إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم ، الأمور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتبعه ، وأمر تبين لك غيبه ، وأمر اختلف فيه فرده إلى الله عزوجل.

٣ ـ حدثنا أبي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) من العتواى الطغيان. وفى بعض النسخ [ أغبن الناس ]

١٩٦

الحسين بن يزيد النوفلي ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي المال خير؟ قال : زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده. قيل : يا رسول الله فأي المال بعد الزرع خير؟ قال : رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر (١) يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. قيل يا رسول الله فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر تغد وبخير وتروح بخير (٢) قيل : يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل والمطعمات في المحل (٣) ، نعم الشئ النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق (٤) اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها. قيل : يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت ، فقال له رجل : فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار تغد ومدبرة و تروح مدبرة (٥) لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة (٦).

٤ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال : حدثنا الحسن بن القاسم قراءة قال : حدثنا علي بن إبراهيم المعلى ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر المرادي ، عن موسى بن جعفر ، عن

__________________

(١) أي ساق غنمه للسقي والرعي إلى مواضع ينزل فيها المطر. ( م )

(٢) يعنى انه منتفع بما يحلب منه غدوا ورواحا مع خفة المؤونة.

(٣) الراسيات في الوحل هي النخلات التي تثبت عروقها في الأرض وهي تثمر مع قلة المطر أيضا بخلاف الزرع وبعض الأشجار وقال الفيروزآبادي : المحل : الشدة والجدب وانقطاع المطر.

(٤) الشاهق : الجبل المرتفع وفى بعض النسخ [ شاهق اشتدت ].

(٥) ادبارها لقلة منفعتها بالنسبة إلى مؤونتها وكثرة موتها.

(٦) قال المؤلف ـ رحمه‌الله ـ بعد إيراد الخبر في الفقيه : معنى قوله عليه‌السلام : « لا يأتي خيرها الا من جانبها الأشأم » هو انها لا تحلب ولا تركب ولا تحمل الا من الجانب الأيسر انتهى وقال الجزري : أي من جانبها الأيسر يعنى الشمال ، وقال بعض الأفاضل : أريد انه من جملة مفاسد الإبل أن تكون معها غالبا الأشقياء الفجرة وهم الجمالون الذين هم شرار الناس. وهو المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اما انها لا تعدم الأشقياء الفجرة ».

١٩٧

أبيه ، عن جده [ عن ] علي بن الحسين ، عن أبيه عليهم‌السلام قال : بينا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذات يوم جالس مع أصحابه يعبئهم (١) للحرب إذ أتاه شيخ عليه شجبة للسفر (٢) ، فقال : أين أمير المؤمنين؟ فقيل : هو ذا. فسلم عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي وإني أظنك ستغتال (٣) فعلمني مما علمك الله. قال : نعم يا شيخ ، من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها ، ومن كان غده شر يوميه فمحروم ، ومن لم يبال ما رزئ (٤) من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ومن كان في نقص فالموت خير له ، يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك و إيت إلى الناس ما تحب أن يؤتي إليك. ثم أقبل على أصحابه فقال : أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى (٥) وبين عائد ومعود (٦) وآخر بنفسه يجود ، وآخر لا يرجى وآخر مسجى (٧) ، وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يصير الباقي. فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال : الهوى ، قال : فأي ذل أذل؟ قال : الحرص على الدنيا ، قال : فأي فقر أشد؟ قال : الكفر بعد الايمان ، قال : فأي دعوة أضل؟ قال : الداعي بما لا يكون ، قال : فأي عمل أفضل؟ قال : التقوى ، قال : فأي عمل أنجح؟ قال : طلب ما عند الله ، قال : فأي صاحب شر؟ قال : المزين لك معصية الله ، قال : فأي الخلق أشقى؟ قال : من باع دينه بدنيا غيره ، قال : فأي الخلق أقوى؟

__________________

(١) عبأهم تعبئة وتعبيئا : جهزهم.

(٢) الشجبة : التعب والمشقة. ويحتمل أن يكون بالحاء المهملة كما في بعض النسخ بمعنى تغير اللون من مرض ونحوه. ( م )

(٣) غاله واغتاله : أخذه من حيث لا يدرى وقتله.

(٤) رزأه : أصابه ونقصه.

(٥) الصريع : المطروح على الأرض ، وتلوى : أي انعطف وانطوى.

(٦) أي مريض يعوده الناس.

(٧) سجى الميت تسجية : مد عليه ثوبا يستره.

١٩٨

قال : الحليم ، قال : فأي الخلق أشح؟ قال : من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه قال : فأي الناس أكيس؟ قال : من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده ، قال : فمن أحلم الناس؟ قال : الذي لا يغضب ، قال : فأي الناس أثبت رأيا. قال : من لم تغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوفها (١) ، قال : فأي الناس أحمق؟ قال : المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها ، قال : فأي الناس أشد حسرة؟ قال : الذي حرم الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين ، قال : فأي الخلق أعمى؟ قال : الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل ، قال : فأي القنوع أفضل؟ قال : القانع بما أعطاه الله ، قال : فأي المصائب أشد؟ قال : المصيبة بالدين ، قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عز و جل؟ قال : انتظار الفرج. قال : فأي الناس خير عند الله عزوجل؟ قال : أخوفهم الله وأعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا ، قال : فأي الكلام أفضل عند الله عزوجل؟ قال كثرة ذكره والتضرع إليه والدعاء ، قال : فأي القول أصدق. قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، قال : فأي الأعمال أعظم عند الله عزوجل؟ قال : التسليم والورع. قال : فأي الناس أصدق؟ قال : من صدق في المواطن ، ثم أقبل عليه‌السلام على الشيخ فقال : يا شيخ إن الله عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها وفي حطامها فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه و اشتاقوا إلى ما عند الله من الكرامة وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله وهو عنهم راض ، واعملوا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على الذل ، وقدموا الفضل ، وأحبوا في الله ، وأبغضوا في الله عزوجل ، أولئك المصابيح في الدنيا وأهل النعيم في الآخرة والسلام.

فقال الشيخ : فأين أذهب وأدع الجنة ـ وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير المؤمنين ـ؟ جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك فأعطاه أمير المؤمنين عليه‌السلام سلاحا وحمله وكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام يضرب قدما قدما وأمير المؤمنين عليه‌السلام يعجب مما يصنع فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل ـ رحمة الله عليه ـ وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) التشوف : التزين.

١٩٩

فوجده صريعا ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه ، فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام بدابته وسلاحه وصلى عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : هذا والله السعيد حقا فترحموا على أخيكم.

( باب )

* ( معنى الكنز الذي كان تحت جدار الغلامين اليتيمين ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد ابن أحمد ، قال : حدثنا الحسن بن علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « وكان تحته كنز لهما » (١) قال : كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب « بسم الله [ الرحمن الرحيم ] لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح؟! عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يخزن؟! عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك؟! عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها؟!.

( باب )

* ( معنى المستضعف ) *

١ ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمهما‌الله ـ قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال : حدثنا نضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه ذكر أن المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضا ، ومن لم يكن من أهل القبلة ناصبا فهو مستضعف.

٢ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي المغرا حميد بن المثنى العجلي ، قال : حدثني أبو حنيفة ـ رجل من أصحابنا (٢) ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من عرف

__________________

(١) الكهف : ٨١.

(٢) رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي ج ٢ ص ٤٠٦ عن أبي المغرا عن أبي بصير ، والمستضعف عند أكثر أصحابنا من لا يعرف الامام ولا ينكره ولا يوالي أحدا بعينه. وفى المحكى عن ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم وهو أوفق بالأحاديث.

٢٠٠