معاني الأخبار

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

معاني الأخبار

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار المعرفة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

فقام إليه ابن الكواء (١) فقال له : يا هذا ما نعرف لك نسبا غير أنك علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. فقال له : يا لكع (٢) إن أبي سماني « زيدا » باسم جده « قصي » واسم أبي « عبد مناف » فغلبت الكنية على الاسم ، و إن اسم عبد المطلب « عامر » فغلب اللقب على الاسم ، واسم هاشم « عمرو » فغلب اللقب على الاسم ، واسم عبد مناف « المغيرة » فغلب اللقب على الاسم وإن قصي « زيد » فسمته العرب مجمعا لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة فغلب اللقب على الاسم.

٢ ـ حدثنا الحاكم أبو حامد أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي ببلخ ، قال : حدثنا عبد المؤمن بن خلف ، قال : حدثني الحسن بن مهران الأصبهاني ببغداد ، قال : حدثني الحسن بن حمزة بن حماد بن بهرام الفارسي ، قال : حدثنا أبو القاسم بن أبان القزويني (٣) ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال : صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام المنبر فقال : أيها الناس انسبوني ، من عرفني فلينسبني وإلا فأنا أنسب نفسي ، أنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد ابن كلاب ، فقام إليه ابن الكواء فقال : يا هذا ما نعرف لك نسبا غير أنك علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، فقال له : يا لكع إن أبي سماني « زيدا » باسم جده « قصي » وإن اسم أبي « عبد مناف » فغلبت الكنية على الاسم ، وإن اسم عبد المطلب « عامر » فغلب اللقب على الاسم واسم هاشم « عمرو » فغلب اللقب على الاسم ، واسم عبد مناف « المغيرة » فغلب اللقب على الاسم. واسم قصي « زيد » فسمته العرب مجمعا لجمعه إياها من البلد الأقصى إلى مكة فغلب اللقب على الاسم ، قال : ولعبد المطلب عشرة أسماء ، منها : عبد المطلب ، وشيبة ، وعامر.

__________________

(١) عبد الله بن الكواء من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام خارجي ملعون وهو الذي قرأ خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام جهرا « ولقد أوحى إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين » وكان علي عليه‌السلام يؤم الناس ويجهر بالقراءة فسكت علي عليه‌السلام حتى سكت ابن الكواء ثم عاد في قراءته حتى فعاله ابن الكواء ثلاث مرات فلما كان في الثالثة قال أمير المؤمنين : « فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ». ( الكنى للمحدث القمي ).

(٢) اللكع : اللئيم ، الأحمق.

(٣) في بعض النسخ [ القرشي ].

١٢١

( باب )

* ( معنى آل ياسين ) *

١ ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الباقي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن عبد الغني (١) [ قال : ] المغاني ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن مندل ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله عزوجل : « سلام على آل ياسين (٢) » قال : السلام من رب العالمين على محمد وآله صلى الله عليه وعليهم والسلامة (٣) لمن تولاهم في القيامة.

٢ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري ، قال : حدثنا محمد بن سهل قال : حدثنا الخضر بن أبي فاطمة البلخي ، قال : حدثنا وهب بن نافع ، قال : حدثني كادح (٤) ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عن علي عليهم‌السلام في قوله عز و جل : « سلام على آل ياسين » قال : ياسين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن آل ياسين.

٣ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري ، قال : حدثني الحسين بن معاذ ، قال : حدثنا سليمان بن داود ، قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السندي ، عن أبي ملك في قوله عزوجل : « سلام على آل ياسين » قال : ياسين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن آل ياسين.

٤ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا عبد الله بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن علي الأصبهاني ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، قال : أخبرني أحمد بن أبي عمر [ ة ] النهدي ، قال : حدثني أبي ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله عزوجل : « سلام على آل ياسين » قال : على آل محمد [ عليهم‌السلام ].

__________________

(١) في بعض النسخ [ أبو عبد الغنى المعاني ] ولم أعثر على ذكر له في أحد من المعاجم.

(٢) الصافات : ١٣٠.

(٣) في بعض النسخ [ والسلام ].

(٤) في بعض النسخ [ قادح ].

١٢٢

٥ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدثنا محمد بن سهل ، قال : حدثنا إبراهيم بن معمر قال : حدثنا عبد الله بن داهر الأحمري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عمر بن الخطاب كان يقرأ : سلام على آل ياسين. قال أبو عبد الرحمن السلمي : آل ياسين آل محمد عليهم‌السلام.

( باب )

* ( معنى الحديث الذي روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

* ( « لا تعادوا الأيام فتعاديكم » ) *

١ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن عبد الله ابن أحمد الموصلي ، عن الصقر بن أبي دلف ، قال : لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن عليه‌السلام جئت أسأل عن خبره. قال : فنظر إلي الزراقي وكان حاجبا للمتوكل فأومأ إلي أن ادخل عليه فدخلت إليه. فقال : يا صقر ما شأنك؟ فقلت : خير أيها الأستاذ. فقال : اقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت : أخطأت في المجيئ. قال فأوجئ الناس عنه ثم قال : ما شأنك؟ وفيم جئت؟ فقلت : لخبر ما (١). فقال : لعلك جئت لتسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له : ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين ، فقال : اسكت ، مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله ، فقال : أتحب أن تراه؟ فقلت : نعم. فقال : اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده ، قال : فجلست فلما خرج قال لغلام له : خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وخل بينه وبينه. قال : فأدخلني الحجرة وأومأ إلى بيت فدخلت قال : فإذا هو عليه‌السلام جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور ، قال : فسلمت فرد ثم أمرني بالجلوس ، ثم قال لي : يا صقر ما أتى بك؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك. قال : ثم نظرت إلى القبر فبكيت ، فنظر إلي فقال : يا صقر لا عليك ، لن يصلوا إلينا بسوء ، فقلت : الحمد لله ، ثم قلت : يا سيدي حديث روي عن

__________________

(١) في بعض النسخ [ لخير ما ]. وأوجئه أي أبعده.

١٢٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أعرف ما معناه [ ف ] قال : وما هو؟ فقلت : قوله : « لا تعادوا الأيام فتعاديكم » ما معناه؟ فقال : نعم ، الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض ، فالسبت : اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأحد : أمير المؤمنين ، والاثنين : الحسن والحسين ، والثلاثاء : علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ، والأربعاء : موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا ، والخميس : ابني الحسن ، والجمعة : ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق وهو الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وهذا معنى الأيام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. ثم قال : ودع وأخرج فلا آمن عليك.

( باب )

* ( معنى الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ) *

١ ـ حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ، ومنهم من يروى أنها شجرة الحسد. فقال : كل ذلك حق. قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال : يا أبا الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا وإن آدم عليه‌السلام لما أكرمه الله ـ تعالى ذكره ـ بإسجاد ملائكته له وبإدخاله الجنة قال في نفسه : هل خلق الله بشرا أفضل مني؟ فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا « لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » فقال آدم : يا رب من هؤلاء؟ فقال ، عزوجل : يا آدم هؤلاء ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء و

١٢٤

الأرض فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري. فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط (١) عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله عن جنته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض.

( باب )

* ( معنى الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ) *

١ ـ حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي ، قال : قرأت على أحمد بن محمد بن سليمان بن الحارث ، قال : حدثنا (٢) محمد بن علي بن خلف العطار ، قال : حدثنا حسين الأشقر قال : حدثنا عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، قال ، سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه.

٢ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال : حدثني محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن معروف ، عن بكر بن محمد ، قال : حدثني أبو سعيد المدائني يرفعه في قول الله عزوجل : « فتلقى آدم من ربه كلمات (٣) » قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

( باب )

* ( معنى كلمة التقوى ) *

١ ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ بمدينة السلام ، قال : حدثنا محمد بن القاسم بن ، زكريا أبو عبد الله ، والحسين بن علي السلولي ، قالا : حدثنا محمد بن الحسن السلولي ، قال : حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن أبي المظفر المديني (٤) عن سلام الجعفي ، عن أبي

__________________

(١) في نسخة [ فسلط الله ].

(٢) في بعض النسخ [ قلت : حدثكم ].

(٣) البقرة : ٣٥.

(٤) في بعض النسخ « المدائني ».

١٢٥

جعفر الباقر عليه‌السلام ، عن أبي بردة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله عزوجل عهد إلي في علي عهدا. قلت يا رب بينه لي ، قال : استمع (١) ، قلت قد سمعت ، قال : إن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين (٢) ، من أحبه أحبني ، ومن أطاعه أطاعني.

( باب )

* ( معنى الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه بهن فأتمهن ) *

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات ، قال : حدثنا محمد بن زياد الأزدي ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال سألته عن قول الله عزوجل : « وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات (٣) » ما هذه الكلمات؟ قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهو أنه قال : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم ، فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عزوجل بقوله : « أتمهن »؟ قال يعني أتمهن إلى القائم عليه‌السلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام. قال المفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عزوجل : « وجعلها كلمة باقية في عقبة (٤) »؟ قال يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة. قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعا ولدا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال عليه‌السلام : إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في

__________________

(١) في بعض النسخ [ اسمع ].

(٢) أشار به إلى قوله تعالى في سورة الفتح آية ٢٦ : « وألزمهم كلمه التقوى ».

(٣) البقرة : ١٢٤.

(٤) الزخرف : ٢٧.

١٢٦

صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول : لم فعل الله ذلك؟ فإن الإمامة خلافة الله عزوجل ليس لأحد أن يقول : لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن لان الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

ولقول الله تعالى (١) : « وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن » وجه آخر وما ذكرناه أصله. والابتلاء على ضربين : أحدهما مستحيل على الله ـ تعالى ذكره ـ والآخر جائز فأما ما يستحيل فهو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه وهذا مالا يصلح (٢) لأنه عزوجل علام الغيوب ، والضرب الاخر من الابتلاء أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق ولينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله عزوجل أنه لم يكل أسباب الإمامة الا إلى الكافي المستقل الذي كشفت الأيام عنه بخبره.

فأما الكلمات فمنها ما ذكرناه ، ومنها اليقين وذلك قول الله عزوجل : « وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (٣) » ومنها المعرفة بقدم بارئه وتوحيده وتنزيهه عن التشبيه حتى نظر إلى الكواكب (٤) والقمر والشمس فاستدل بأفول كل واحد منها على حدثه وبحدثه على محدثه (٥) ، ثم علمه عليه‌السلام بأن الحكم بالنجوم خطأ في قوله عزوجل : « فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم (٦) » وإنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة لان النظرة الواحدة لا توجب الخطأ إلا بعد النظرة الثانية بدلالة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا علي أول النظرة لك والثانية عليك ولا لك » ، ومنها الشجاعة وقد كشفت الأيام عنه بدلالة قوله عزوجل : « إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من

__________________

(١) هذا كلام المؤلف ـ رحمه‌الله ـ.

(٢) في بعض النسخ [ مالا يصح ].

(٣) الانعام : ٧٥.

(٤) في بعض النسخ [ الكوكب ].

(٥) لا يأتي مصدر حدث يحدث إلا « حدثا وحداثة » والظاهر أنه « على حدوثه وبحدوثه على محدثه » فصحف.

(٦) الصافات : ٨٨ و ٨٩.

١٢٧

الشاهدين * وتا الله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون (١) » ومقاومة الرجل الواحد الوفا من أعداء الله عزوجل تمام الشجاعة ، ثم الحلم مضمن معناه في قوله عزوجل : « إن إبراهيم لحليم أواه منيب (٢) » ثم السخاء وبيانه في حديث ضيف إبراهيم المكرمين ، ثم العزلة عن أهل البيت والعشيرة مضمن معناه في قوله : « وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ـ الآية ـ » (٣) ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بيان ذلك في قوله عزوجل : « يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا (٤) » ودفع السيئة بالحسنة وذلك لما قال له أبوه : « أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا (٥) » فقال في جواب أبيه : « سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا (٦) » والتوكل بيان ذلك في قوله : « الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (٧) » ، ثم الحكم والانتماء إلى الصالحين في قوله : « رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين (٨) » يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عزوجل ولا يحكمون بالآراء والمقائس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق بيان ذلك في قوله : « واجعل لي لسان صدق في الآخرين (٨) » أراد في هذه الأمة الفاضلة فأجابه

__________________

(١) الأنبياء : ٥٣ إلى ٥٩. والجذاذ من الجذ وهو القطع.

(٢) هود : ٧٧.

(٣) مريم : ٤٩.

(٤) مريم : ٤٣ إلى ٤٦. وقوله : « أهدك صراطا سويا » أي أوضح لك طريقا مستقيما معتدلا غير جائر بك عن الحق إلى الضلال.

(٥) مريم : ٤٧. أي لئن لم تمتنع عن هذا لأرجمنك بالحجارة أو لأرمينك بالذنب والعيب أو لأشتمنك أو لأقتلنك. « فاهجرني » أي فارقني دهرا.

(٦) مريم : ٤٦. وقوله : « حفيا » أي بارا لطيفا.

(٧) الشعراء : ٧٨ إلى ٨٢

(٨) الشعراء : ٨٣ ، ٨٤.

١٢٨

الله وجعل له ولغيره من أنبيائه لسان صدق في الآخرين وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام و ذلك قوله : « وجعلنا لهم لسان صدق عليا (١) » ، والمحنة في النفس حين جعل في المنجنيق وقدف به في النار ، ثم المحنة في الولد حين أمر بذبح ابنه إسماعيل ، ثم المحنة بالأهل حين خلص الله حرمته من عرارة القطبي في الخبر المذكور في هذه القصة (٢) ، ثم الصبر على سوء خلق سارة ، ثم استقصار (٣) النفس في الطاعة في قوله : « ولا تخزني يوم يبعثون (٤) » ثم النزاهة في قوله عزوجل : « ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (٥) » ، ثم الجمع لأشراط (٦) الكلمات في قوله : « إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (٧) » فقد جمع في قوله : « محياي ومماتي لله » جميع أشراط الطاعات كلها حتى لا يعزب عنها عازبة (٨) ولا يغيب عن معانيها غائبة ، ثم استجاب الله عزوجل دعوته حين قال : « رب أرني كيف تحيي الموتى (٩) » وهذه آية متشابهة معناها : أنه سأل عن الكيفية ، والكيفية من فعل الله عزوجل متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ولا عرض في توحيده نقص ، فقال الله عز وجل : « أولم تؤمن قال بلى (٩) » هذا شرط عام من آمن به متى سئل واحد منهم « أولم تؤمن »؟ وجب أن يقول : « بلى » كما قال إبراهيم ، ولما قال الله عزوجل لجميع أرواح بني آدم : « ألست بربكم قالوا بلى (١٠) » كان أول من قال « بلى » محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فصار بسبقه إلى « بلى » سيد الأولين والآخرين ، وأفضل النبيين والمرسلين. فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم

__________________

(١) مريم : ٥١.

(٢) القصة مذكورة في روضة الكافي ص ٣٧١ فمن أراد الاطلاع فليراجع هناك ، وعرارة اسم ذلك القبطي.

(٣) في بعض النسخ [ استقامة النفس ]. وفى بعضها [ الاستقصاء ].

(٤) الشعراء : ٨٧.

(٥) آل عمران : ٦٧.

(٦) في بعض النسخ [ لاشتراط ].

(٧) الانعام : ١٦٣.

(٨) أي لا يخفى عنه شئ وعزب أي بعد وغاب وخفى.

(٩) البقرة : ٢٦٢.

(١٠) الأعراف : ١٧١.

١٢٩

فقد رغب عن ملته ، قال الله عزوجل : « ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه » (١) ثم اصطفاء الله عزوجل إياه في الدنيا ثم شهادته له في العاقبة (٢) أنه من الصالحين في قوله عزوجل : « ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (٣) » والصالحون هم النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، الآخذين (٤) عن الله أمره ونهيه ، والملتمسين للصلاح من عنده ، والمجتنبين للرأي والقياس في دينه في قوله عزوجل : « إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (٥) » ، ثم اقتداء من بعده من الأنبياء عليهم‌السلام به في قوله : « ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (٦) » وفي قوله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (٧) » وفي قوله عزوجل : « ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين من قبل (٨) » واشتراط كلمات الامام مأخوذة (٩) مما تحتاج إليه الأمة من جهة مصالح الدنيا والآخرة وقول إبراهيم عليه‌السلام : « ومن ذريتي (١٠) » « من » حرف تبعيض ليعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة ومنهم من لا يستحقها هذا من جملة المسلمين وذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر [ أ ] وللمسلم الذي ليس بمعصوم ، فصح أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين ، والخواص إنما صاروا خواصا بالبعد من الكفر ، ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص أخص (١١) ، ثم المعصوم هو الخاص الأخص ولو كان للتخصيص

__________________

(١) البقرة : ١٢٩.

(٢) في بعض النسخ [ الآخرة ].

(٣) البقرة : ١٢٩.

(٤) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا وهو منصوب على المدح وكذا « الملتمسين » و « المجتنبين ». ( م )

(٥) البقرة : ١٢٥.

(٦) البقرة : ١٢٦.

(٧) : النحل : ١٢٤. قوله : « حنيفا » أي مستقيم الطريقة في الدعا إلى التوحيد.

(٨) الحج : ٧٧. قوله : « من قبل » أي قبل نزول القرآن.

(٩) في بعض النسخ [ أشراط كلمات الامام مأخوذة ]. وزاد هنا في الخصال ج ١ ص ١٤٨ « من جهته ».

(١٠) البقرة : ١١٨.

(١١) في بعض النسخ [ الأخص ].

١٣٠

صورة أربى عليه (١) لجعل ذلك من أوصاف الامام وقد سمى الله عزوجل عيسى من ذرية إبراهيم وكان ابن ابنته من بعده. ولما صح أن ابن البنت ذرية ودعا إبراهيم لذريته بالإمامة وجب على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الاقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عزوجل إليه وحكم عليه بقوله : « ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا » ـ « الآية » ـ ولو خالف ذلك لكان داخلا في قوله : « ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه (٢) » جل نبي الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال الله عزوجل : « إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا (٣) ». وأمير المؤمنين عليه‌السلام أبو ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووضع الإمامة فيه ووضعها في ذريته المعصومين بعده. قوله عزوجل : « لا ينال عهدي الظالمين (٤) » يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما أو أشرك بالله طرفة عين وإن أسلم بعد ذلك ، والظلم وضع الشئ في غير موضعه وأعظم الظلم الشرك ، قال الله عزوجل : « إن الشرك لظلم عظيم (٥) » وكذلك لا يصلح للإمامة (٦) من قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا وإن تاب منه بعد ذلك و كذلك لا يقيم الحد من في جنبه حد فإذا لا يكون الامام إلا معصوما ولا تعلم عصمة (٧) إلا بنص الله عزوجل عليه على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله لان العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد والبياض وما أشبه ذلك ، فهي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علام الغيوب عزوجل.

( باب )

* ( معنى الكلمة الباقية في عقب إبراهيم عليه‌السلام ) *

١ ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني (٨) ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ،

__________________

(١) أي أعلا مرتبة. وفى بعض النسخ [ أدنى ].

(٢) البقرة : ١٢٩.

(٣) آل عمران : ٦٧.

(٤) البقرة : ١٢٣.

(٥) لقمان : ١٢.

(٦) في بعض النسخ [ لا تصلح الإمامة لمن ] وما في المتن أظهر. ( م )

(٧) في أكثر النسخ [ عصمته ].

(٨) كذا في أكثر النسخ والظاهر أنه محمد بن أحمد السناني كما احتمله المولى الوحيد ـ ره ـ ، وكما في بعض النسخ.

١٣١

عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « وجعلها كلمة باقية في عقبه (١) » قال : هي الإمامة جعلها الله عزوجل في عقب الحسين عليه‌السلام باقية إلى يوم القيامة.

( باب )

* ( معنى عصمة الامام ) *

١ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني ، قال ، : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال : حدثنا محمد ابن عاصم الطريفي ، قال : حدثنا عباس بن يزيد بن الحسن الكحال مولى زيد بن علي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : الامام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا. فقيل له : يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال : هو المعتصم بحبل الله (٢) ، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة ، والامام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الامام ، وذلك قول الله عزوجل : « إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (٣) ».

٢ ـ حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي ـ بالري ـ المعروف بأبي الحسن الحنوطي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن [ أحمد بن ] سليمان بن الحارث ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، قال : قلت لهشام بن الحكم : ما معنى قولكم : « إن الامام لا يكون إلا معصوما »؟ فقال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، وقال الله تبارك وتعالى : « ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (٤) ».

__________________

(١) الزخرف : ٢٧.

(٢) أي أن معصوميته بسبب اعتصامه بالقرآن وعدم مفارقته عنه.

(٣) الاسراء : ٩. أي للملة التي هي أقوم الملل والطريقة التي هي أقوم الطرائق وأول في الخبر بالامام لأنه الهادي إلى تلك الملة والمبين لتلك الطريقة والداعي إليها.

(٤) آل عمران : ٩٦.

١٣٢

٣ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ـ رحمه‌الله ـ قال حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئا أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الامام فإني سألته يوما عن الامام أهو معصوم؟ فقال : نعم. فقلت : فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شئ تعرف؟ فقال : إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها : الحرص ، والحسد ، والغضب ، والشهوة فهذه منفية عنه لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه لأنه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسودا لان الانسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد ، فكيف يحسد من هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشئ من أمور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عزوجل ، فإن الله عزوجل قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتى يقيم حدود الله عزوجل ، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لان الله عزوجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح وطعاما طيبا لطعام مر وثوبا لينا لثوب خشن ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية.

قال أبو جعفر مصنف هذا الكتاب : الدليل على عصمة الامام أنه لما كان كل كلام ينقل عن قائله يحتمل وجوها من التأويل وكان أكثر القرآن والسنة مما أجمعت الفرق على أنه صحيح لم يغير ولم يبدل ولم يزد فيه ولم ينقص منه محتملا لوجوه كثيرة من التأويل وجب أن يكون مع ذلك مخبر صادق معصوم من تعمد الكذب والغلط ، منبئ عما عنى الله ورسوله في الكتاب والسنة على حق ذلك وصدقه ، لان الخلق مختلفون في التأويل ، كل فرقة تميل مع القرآن والسنة إلى مذهبها ، فلو كان الله تبارك وتعالى تركهم بهذه الصفة من غير مخبر عن كتابه صادق فيه لكان قد سوغهم الاختلاف في الدين ودعاهم إليه إذ أنزل كتابا يحتمل التأويل وسن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله سنة يحتمل التأويل وأمرهم بالعمل بهما ، فكأنه قال : تأولوا واعملوا. وفي ذلك إباحة العمل بالمتناقضات والاعتماد للحق وخلافه. فلما استحال ذلك على الله عزوجل وجب أن يكون مع القرآن والسنة

١٣٣

في كل عصر من يبين عن المعاني التي عناها الله عزوجل في القرآن بكلامه دون ما يحتمله ألفاظ القرآن من التأويل ويبين عن المعاني التي عناها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سننه وأخباره دون التأويل الذي يحتمله ألفاظ الاخبار المروية عنه عليه‌السلام المجمع على صحة نقلها ، وإذا وجب أنه لا بد من مخبر صادق وجب أن لا يجوز عليه الكذب تعمدا ولا الغلط فيما يخبر به (١) عن مراد الله عزوجل في كتابه وعن مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أخباره وسننه ، وإذا وجب ذلك وجب أنه معصوم.

ومما يؤكد هذا الدليل أنه لا يجوز عند مخالفينا أن يكون الله عزوجل أنزل القرآن على أهل عصر النبي صلى عليه وآله ولا نبي فيهم ويتعبدهم بالعمل بما فيه على حقه و صدقه فإذا لم يجز أن ينزل القرآن على قوم ولا ناطق به ولا معبر عنه ولا مفسر لما استعجم منه ولا مبين لوجهه فكذلك لا يجوز أن نتعبد نحن به إلا ومعه من يقوم فينا مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قومه وأهل عصره في التبيين لناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ، و المعاني التي عناها الله عزوجل بكلامه ، دون ما يحتمله التأويل ، كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مبينا لذلك كله لأهل عصره ولا بد من ذلك ما لزموا العقول والدين.

فإن قال قائل : إن المودي إلينا ما نحتاج إلى علمه من متشابه القرآن ومن معانيه التي عناها الله دون ما يحتمله ألفاظه هو الأمة. أكذبه اختلاف (٢) الأمة وشهادتها بأجمعها على أنفسها في كثير من آي القرآن لجهلهم بمعناه الذي عناه الله عزوجل ، وفي ذلك بيان أن الأمة ليست هي المؤدية عن الله عزوجل ببيان القرآن ، وأنها ليست تقوم في ذلك مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فإن تجاسر متجاسر فقال : قد كان يجوز أن ينزل القرآن على أهل عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يكون معه نبي ويتعبدهم بما فيه مع احتماله للتأويل. قيل له : فهب ذلك كان قد وقع (٣) من الخلاف في معانيه ما قد وقع في هذا الوقت ما الذي كانوا يصنعون؟ فإن قال :

__________________

(١) قوله : « تعمدا » فيه ما فيه ومبنى على اعتقاده ـ رحمه‌الله ـ فتأمل.

(٢) في بعض النسخ [ خلاف ].

(٣) في بعض النسخ [ كله قد وقع ].

١٣٤

ما قد صنعوا الساعة. قيل : الذي فعلوه الساعة أخذ كل فرقة من الأمة جانبا من التأويل وعمله عليه وتضليل الفرقة المخالفة لها في ذلك وشهادتها عليها بأنها ليست على الحق. فإن قال : إنه كان يجوز أن يكون أول الاسلام كذلك وإن ذلك حكمة من الله و عدل فيهم. ركب خطأ عظيما وما لا أرى أحدا من الخلق يقدم عليه ، فيقال له عند ذلك : فحدثنا إذا تهيأ للعرب الفصحاء أهل اللغة أن يتأولوا القرآن ويعمل كل واحد منهم بما يتأوله على اللغة العربية فكيف يصنع من لا يعرف اللغة من الناس؟ وكيف يصنع العجم من الترك والفرس؟ وإلى أي شئ يرجعون في علم ما فرض الله عليهم في كتابه؟ و من أي الفرق يقبلون مع اختلاف الفرق في التأويل وإباحتك كل فرقة أن تعمل بتأويلها فلا بد لك من أن تجري العجم ومن لا يفهم اللغة مجرى أصحاب اللغة من أن لهم أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا. و [ إلا ] إن ألزمت (١) من لا يفهم اللغة اتباع بعض الفرق دون بعض لزمك أنت تجعل الحق كله في تلك الفرقة دون غيرها ، فإن جعلت الحق في فرقة دون فرقة نقضت ما بنيت عليه كلامك واحتجت إلى أن يكون مع تلك الفرقة علم وحجة تبين بها من غيرها وليس هذا من قولك لو جعلت الفرق كلها متساوية في الحق مع تناقض تأويلاتها فيلزمك أيضا أن تجعل للعجم ومن لا يفهم اللغة أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا ، وإذا فعلت ذلك لزمك في هذا الوقت أن لا تلزم (٢) أحدا من مخالفيك من الشيعة والخوارج وأصحاب التأويلات وجميع من خالفك ممن له فرقة ومن مبتدع لا فرقة له على مخالفيك ذما (٣) ، وهذا نقض الاسلام والخروج من الاجماع ، ويقال لك : وما ينكر على هذا الاعطاء (٤) أن يتعبد الله عزوجل الخلق بما في كتاب مطبق لا يمكن أحدا (٥) أن يقرأ ما فيه ويأمر أن يبحثوا ويرتادوا ويعمل كل فرقة بما ترى أنه في الكتاب. فإن أجزت ذلك أجزت على الله عز وجل العبث لان ذلك صفة العابث ، ويلزمك أن تجيز على كل من نظر بعقله في شئ واستحسن أمرا من الدين أن يعتقده لأنه سواء أباحهم أن يعملوا في أصول الحلال و الحرام وفروعها بآرائهم [ أ ] وأباحهم أن ينظروا بعقولهم في أصول الدين كله وفروعه

__________________

(١) في بعض النسخ [ الا أن ألزمت ].

(٢) في بعض النسخ [ لا تذم ].

(٣) في بعض النسخ [ مخالفتك ذما ].

(٤) في بعض النسخ [ الاغضاء ].

(٥) كذا.

١٣٥

من توحيده وغيره وأن يعملوا أيضا بما استحسنوه وكان عندهم حقا فإن أجزت ذلك أجزت على الله عزوجل أن يبيح الخلق أن يشهدوا عليه أنه ثاني اثنين ، وأن يعتقدوا الدهر ، وجحدوا البارئ جل وعز. وهذا آخر ما في هذا الكلام لان من أجاز أن يتعبدنا الله عزوجل بالكتاب على احتمال التأويل ولا مخبر صادق لنا عن معانيه لزمه أن يجيز على أهل عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك وإذا أجاز مثل ذلك لزمه أن يبيح الله عزوجل كل فرقة العمل بما رأت وتأولت لأنه لا يكون لهم غير ذلك إذا لم يكن معهم حجة في أن هذا التأويل أصح من هذا التأويل ، وإذا أباح ذلك أباح متبعهم (١) ممن لا يعرف اللغة وإذا أباح أولئك أيضا لزمه أن يبيحنا في هذا العصر ، وإذا أباحنا ذلك في الكتاب لزمه أن يبيحنا ذلك في أصول الحلال والحرام ومقائس العقول وذلك خروج من الدين كله ، وإذا وجب بما قدمنا ذكره أنه لا بد من مترجم عن القرآن وأخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يكون معصوما ليجب القبول منه ، فإذا وجب أن يكون معصوما بطل أن يكون هو الأمة لما بينا من اختلافاتها في تأويل القرآن والاخبار وتنازعها في ذلك ومن إكفار بعضها بعضا ، وإذا ثبت ذلك وجب أن المعصوم هو الواحد الذي ذكرناه وهو الامام. وقد دللنا على أن الامام لا يكون إلا معصوما وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الامام لم يكن بد من أن ينص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه لان العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علام الغيوب تبارك وتعالى على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لان الامام لا يكون إلا منصوصا عليه. وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة.

( باب )

* ( معنى تحريم النار على صلب انزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) *

* ( وبطن حمله وحجر كفله ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، قال :

__________________

(١) في بعض النسخ [ متبعيهم ].

١٣٦

سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : نزل جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول : إني قد حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ، فقال : يا جبرئيل بين لي ذلك ، فقال : أما الصلب الذي أنزلك فعبد الله ابن عبد المطلب ، وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد.

( باب )

* ( معنى الكلمات التي جمع الله عزوجل فيها الخير كله لآدم عليه‌السلام ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكمنداني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم‌السلام قال : أوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم عليه‌السلام : يا آدم إني أجمع لك الخير كله في أربع كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة ، فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس. فأما التي لي : فتعبدني لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك : فأجازيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأما التي بيني وبينك : فعليك الدعاء وعلي الإجابة ، وأما التي فيما بينك وبين الناس : فترضى للناس ما ترضى لنفسك.

( باب )

* ( معنى الكفر الذي لا يبلغ الشرك ) *

١ ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، قال : حدثنا النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، قال : حدثني من سأله ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ هل يكون كفر لا يبلغ الشرك؟ قال : إن الكفر هو الشرك ، ثم قام فدخل المسجد فالتفت

١٣٧

إلي فقال : نعم ، الرجل يحمل الحديث إلى صاحبه فلا يعرفه فيرده عليه فهي نعمة كفرها ولم يبلغ الشرك.

( باب )

* ( معنى الرجس ) *

١ ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، قال : حدثنا النضر بن شعيب ، عن عبد الغفار الجازي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (١) » قال : الرجس هو الشك.

( باب )

* ( معنى إبليس ) *

١ ـ حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ، عن أبيه ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، قال : حدثنا محمد بن الوليد ، عن عباس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه ذكر : أن اسم إبليس « الحارث » وإنما قول الله عزوجل : « يا إبليس » يا عاصي وسمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله عزوجل (٢).

( باب )

* ( معنى كحل إبليس ولعوقه وسعوطه (٣) ) *

١ ـ أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) أي يئس منها.

(٣) اللعوق : ما يلعق أي يلحس ويتناول بالإصبع أو اللسان ، والسعوط : الدواء يصب في الانف.

١٣٨

رفعه إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لإبليس كحلا ولعوقا وسعوطا فكحله النعاس ، ولعوقه الكذب ، وسعوطه الكبر.

( باب )

* ( معنى الرجيم ) *

١ ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني (١) ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي. قال : حدثنا سهل بن زياد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهم‌السلام يقول : معنى الرجيم أنه مرجوم باللعن ، مطرود من مواضع الخير ، لا يذكره مؤمن إلا لعنه ، وأن في علم الله السابق أنه إذا خرج القائم عليه‌السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن.

( باب )

* ( معنى كنز الحديث ) *

١ ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي بسرخس ، قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدثنا هاشم بن عبد العزيز المخزومي ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ، عن خالد بن يزيد ، عن عبد الله بن مشروح (٢) ، عن ربيعة بن بوراء ، عن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد كنز الحديث فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله.

( باب )

* ( معنى المخبيات (٣) ) *

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار

__________________

(١) مر الكلام فيه ص ١٣١.

(٢) في بعض النسخ [ مشراح ].

(٣) أخبى النار : أطفأها. وفى بعض النسخ [ المنجيات ]. وكذا لفظه في الحديث.

١٣٩

عن إبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن علي بن الحكم ، عن أبيه ، عن سعد ابن طريف الإسكاف ، عن الأصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يخلص الذهب الذي لا كدر فيه وليس أحد يطالبه بمظلمة فليقرء في دبر الصلاة الخمس نسبة الله عزوجل : « قل هو الله أحد » اثنى عشر مرة ، ثم يبسط يديه ويقول : « اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار صل على محمد وآل محمد وفك رقبتي من النار وأخرجني من الدنيا آمنا وأدخلني الجنة سالما واجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا إنك أنت علام الغيوب ». ثم قال عليه‌السلام : هذا من المخيبات مما علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرني أن أعلمه الحسن والحسين.

( باب )

* ( معنى سيد الاستغفار ) *

١ ـ حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري ، قال : حدثنا أبو يزيد الهروي ، قال : حدثنا سلمة بن شبيب ، قال : حدثنا محمد بن منيب العدني (١) قال : حدثنا السري بن يحيى : عن هشام ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تعلموا سيد الاستغفار : « اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك وأبوء بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي (٢) ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ».

( باب )

* ( معنى قول الصادق عليه‌السلام « إياكم أن تكونوا منانين » ) *

١ ـ حدثنا أبي ـ رحمه‌الله ـ قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن

__________________

(١) في بعض النسخ [ محمد بن شبيب العدني ].

(٢) باء ـ يبوء بوءا ـ إليه : رجع ، وبالذنب : أقر.

١٤٠