الرسائل العشر

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الرسائل العشر

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٠

والأخبار. ٢ ـ الرّجال والتّراجم والفهرست. ٣ ـ التفسير. ٤ ـ الفقه. ٥ ـ الأصول. ٦ ـ الكلام. ٧ ـ الأدعية والأعمال. ٨ ـ التّاريخ والمقتل. ٩ ـ الأجوبة على المسائل في موضوع واحد أو أكثر من المواضيع المذكورة آنفا ، وهي الأسئلة الواردة عليه من البلاد القريبة والبعيدة والتي هي تعبير عن بسط رئاسته وشهرته في البلاد ، ونحن نذكر أسماء الكتب نباعا بملاحظة الترتيب الآنف لهذه المواضيع :

الأوّل ـ كتب الحديث ثلاثة كتب :

١ ـ تهذيب الأحكام أحد الكتب الأربعة المعروفة وهو شرح كتاب المقنعة للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه ، وبإشارة منه كما قيل.

٢ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، وهو أيضا من جملة الكتب الأربعة ، استخرجها الشيخ من روايات التهذيب وخصّها بما اختلف من الأخبار وقد عالجها بالجمع بينها في حال أنّ التهذيب يشمل الخلاف والوفاق.

٣ ـ الأمالي أو المجالس في الأخبار والروايات أملاها الشيخ في النّجف في ٤٥ مجلسا.

الثّاني كتب الفهرست والرجال ، ثلاثة كتب

١ ـ الأبواب المعروفة برجال الشيخ وهي شاملة لحدود ٩٨٠٠ ترجمة لرواة الحديث وأرباب التأليف.

٢ ـ الفهرست الحاوي لأسماء وتراجم ٩٠٠ نفر من مصنفي الشيعة مع ذكر آثارهم وكتبهم.

٣ ـ اختيار معرفة الرّجال المعروف ب « رجال الكشّي وهو اختيار كتاب ألّفه أبو عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الكشيّ باسم « معرفة النّاقلين عن الأئمة الصادقين ».

الثّالث كتب التفسير ، ثلاثة كتب :

١ ـ التبيان في تفسير القرآن ، عشرة أجزاء مع مقدمة حول القرآن والتفسير.

٢ ـ المسائل الدّمشقيّة في تفسير القرآن شاملة لإثني عشرة مسألة في تفسير القرآن.

٣ ـ المسائل الرجبيّة في تفسير آي من القرآن.

الرابع كتب الفقه ، أحد عشر كتابا

__________________

وعلى ما سنذكره في ذيل هذا المبحث تبلغ إلى ٤٨ كتابا إلا أنك ستعرف أن بعضها مكرر إذ ربما كان لكتاب واحد اسمان ، أو لم يثبت صحة نسبته إلى الشيخ الطوسي.

٤١

١ ـ النّهاية في مجرد الفقه والفتوى ، وهي فقه كامل منصوص اكتفى الشيخ فيها بما نصت عليه الروايات من الاحكام.

٢ ـ المبسوط في الفقه الحاوي على جميع أبواب الفقه منصوصها وتفريعها.

٣ ـ الجمل والعقود في العبادات.

٤ ـ الخلاف في الأحكام ، أو مسائل الخلاف في الفقه التطبيقي والغرض منه الموازنة بين المذاهب الفقهيّة في مختلف الآراء.

٥ ـ الإيجاز في الفرائض ، موجز في أحكام الإرث.

٦ ـ مناسك الحج في مجرد العمل ( اي بدون الأدعية المستحبة ).

٧ ـ المسائل الحلبيّة في الفقه.

٨ ـ المسائل الجنبلائية في الفقه الشاملة ل ـ ٢٤ مسألة فقهيّة.

٩ ـ المسائل الحائرية في الفقه الشاملة لحوالى ٣٠٠ مسألة فقهية.

١٠ ـ مسألة في وجوب الجزية على اليهود والمنتمين إلى الجبابرة.

١١ ـ مسألة في تحريم الفقّاع.

الخامس ، كتب الأصول ، كتابان :

١ ـ العدة أو عدة الأصول ، وهو أبسط كتاب في علم الأصول عند القدماء من الإماميّة وهذا الكتاب يعادل كتاب « الذريعة إلى أصول الشريعة » للسيد المرتضى.

٢ ـ مسألة في العمل بخبر الواحد وبيان حجيّة الأخبار.

السادس ، الكتب الكلاميّة ، ١٦ كتابا.

١ ـ تلخيص الشّافي في الإمامة ، تلخيص وتنظيم كتاب الشّافي للسيد المرتضى.

٢ ـ تمهيد الأصول أو التمهيد في الأصول ، شرح قسم الكلام من كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى.

٣ ـ الاقتصاد الهادي إلى طريق الرّشاد فيما يجب على العباد من أصول العقائد والعبادات الشرعية ، كلام مع فقه موجز في آخره.

٤ ـ المفصح في الإمامة ، كتاب مختصر جامع في الإمامة.

٥ ـ ما لا يسع المكلف الإخلال به.

٦ ـ ما يعلّل وما لا يعلل ، ولا يعلم بالضّبط كونهما فقها أو كلاما.

٧ ـ مقدمة في المدخل إلى علم الكلام ، ولم يعمل مثله على حدّ قول المصنف.

٨ ـ رياضة العقول ، شرح مقدمة في المدخل إلى علم الكلام.

٤٢

٩ ـ أصول العقائد ، غير تام خرج منه التوحيد وقسم من العدل.

١٠ ـ شرح الشرح في الأصول. في رأيي أن هذا الكتاب هو نفس الكتاب السابق ، وهو شرح على كتابه تمهيد الأصول ، الذي هو شرح على جمل العلم والعمل كما سبق ، إذ المؤلف نصّ في أوّل التمهيد على أنّه بصدد الشرح لهذا الشرح أو لكتاب الذّخيرة للسيد.

١١ ـ الغيبة ، في غيبة الإمام المهديّ عليه‌السلام ، من مباحث الإمامة.

١٢ ـ مسألة في الأصول ، وصفها الشيخ بأنّها مليحة.

١٣ ـ الفرق بين النّبي والامام ، أو المسائل في الفرق بين النبي والإمام.

١٤ ـ المسائل الرازية في الوعيد ، خمس عشرة مسألة وردت على السيد المرتضى من « الرّي » وأجاب عنها السيد والشيخ كلاهما.

١٥ ـ النّقض على ابن شاذان في مسألة الغار.

١٦ ـ مسائل أصول الدين ، أو مسائل الطوسي متن موجز في العقائد.

السابع كتب الأدعية وأعمال الشهر خمسة كتب :

١ ـ مصباح المتهجد في أعمال السنة ، كتاب جامع في بابه بنظم جيّد.

٢ ـ مختصر المصباح في الأدعية والعبادات ، أو المصباح الصغير ، اختصار الكتاب السابق.

٣ ـ مختصر في عمل يوم وليلة في العبادات ، أو « يوم وليلة » في الصلوات الخمس اليوميّة وتعقيباتها.

٤ ـ أنس الوحيد ، لعلّه في الأدعية أو مجموعة مثل الكشكول.

٥ ـ هداية المسترشد وبصيرة المتعبد في الأدعية والعبادات.

الثّامن في التاريخ والمقتل ، كتابان :

١ ـ مختصر أخبار المختار بن أبي عبيدة الثّقفي ، أو أخبار المختار.

٢ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام.

التّاسع أجوبة المسائل المختلفة ثلاثة كتب :

١ ـ المسائل القمية ، أو جوابات المسائل القمية ، لا يعلم مواضيعها.

٢ ـ مسائل ابن البرّاج ، في الفقه على ما يظهر من بعض القرائن.

٣ ـ المسائل الإلياسية مائة مسألة في الفنون المختلفة.

ولقد ذكر المؤلف هذه الكتب والرسائل البالغ عددها ٤٨ تأليفا في كتاب

٤٣

« الفهرست » عدا ستة منها وهي : ١ ـ التبيان ٢ ـ شرح الشّرح الذي قلنا عنه إنّه نفس كتاب أصول العقائد. ٣ و ٤ ـ مسألة في وجوب الجزية ، والمسائل القمية المذكورتان في نسخة من الفهرست كانت عند المولى عناية الله القهبائي. ٥ ـ مسائل ابن البراج ، ذكرها في مقدمة التبيان نقلا عن الفهرست وليست فيه. ٦ ـ مسائل أصول الدين الموجود منها نسختان في المكتبة الرّضويّة بمشهد. وللعلّامة السّيد محمد علي الروضاتي بحث مستوفى في هذه الرسالة ورسالتين أخريين باسم المسائل الكلامية (١) ورسالة في الاعتقادات في المجلد الثالث من ذكري « الشيخ الطوسي الألفيّة » وهناك ثلاث رسائل باسم « إثبات الواجب » و « مسائل الطوسي » و « ثلاثون مسألة » مذكورة في بعض المصادر ومن جملتها في مقالة مطولة في المجلد المذكور للأستاذ الدكتور السيد محمد باقر الحجتى وهي اجمع مصدر بحث حول مؤلفات الشيخ الطوسي ونسخها الموجودة في مكتبات العالم. وهذه الرسائل يجب البحث عنها هل هي رسائل متعددة أو بعضها متحد مع بعض ، وهل الجميع للشيخ الطوسي أو منسوب اليه وهو من تأليف غيره ، كما يقال عن رسالة « إثبات الواجب » أنها لنصير الدين الطوسي.

وبعد. فان البحث عن آثار الشيخ ومؤلّفاته واسع الأطراف جدا ، وله أبعاد مختلفة وهي

أوّلا ، الكشف عن صحّة انتساب كل منها إلى الشيخ الطوسي.

ثانيا ، الكشف عن النّسخ الموجودة من آثار الشيخ ، وقد أدى الدكتور حجّتي واجبه بقدر الإمكان في هذه النّاحية ، في المقال المذكور.

ثالثا ، بيان الخصائص والفوائد والشروح والتّعليقات الراجعة إلى تلك الآثار ، وقد تعرّض العلامة الطّهراني في مقدمة « التبيان » وفي كتابه « الذريعة » لما وقف عليه من ذلك.

رابعا ، نقد الطبعات المتعددة لكتب الشيخ الأمر الذي لم يقم به أحد إلى الآن حسب ما نعلم.

خامسا ، دراسة النّقود التي وجّهها المحقّقون إلى بعض كتب الشيخ مثل التهذيب والمبسوط والخلاف وغيرها المذكورة في « روضات الجنّات » (٢) و « خاتمة المستدرك » (٣) ومصادر أخرى ولنا مذكرات في هذا الصدد.

__________________

(١) ياد نامه شيخ طوسي ج ٣ ص ٧٠٢.

(٢) روضات الجنّات ص ٥٨٨.

(٣) خاتمة المستدرك ص ٧٥٦.

٤٤

سادسا ، التحقيق حول تأريخ تأليف هذه الكتب وضبط المتقدم والمتأخر منها ، وقد بدأ صاحب الروضات أصل هذا البحث (١) وبعده العلامة السّيد رضا الصدر في مقال له حول آثار الشيخ الفقهية نشر في المجلد الثالث من ذكري الطوسي (٢) ولنا ملاحظات ومذكرات في هذا الصدد أيضا.

وليس لدينا مجال واسع الآن للخوض في هذه النواحي ، فاننا إنما نريد أن نقدم بحثا موجزا عن حياة الشيخ وآثاره تصديرا لهذه المجموعة ، ولكن من الواجب إعطاء بعض التفصيل عن آثار الشيخ الفقهية هنا بمناسبة ما قمنا به من تصحيح كتاب « الجمل والعقود » في إطار هذه المجموعة ، لكي يمتاز فضله على سائر كتب الشيخ الفقهية.

تحقيق حول كتب الشيخ الطوسي الفقهية وتنوعها

مع إلقاء نظرة إجمالية على مسيرة الفقه في مذهب الإمامية يتحصل لدينا أنّ فقهاء هذا المذهب قد غيّروا طريقتهم القديمة المتبعة في الفقه في أواخر القرن الثّالث الهجري أو أوائل القرن الرابع ، واتّخذوا طريقة جديدة في تدوين هذا العلم. فقبل هذا الوقت ، كانت الكتب الفقهيّة لهذه الطائفة عبارة عن سلسلة مجموعات من الروايات والأحاديث الواصلة إليهم عن أئمتهم في الأحكام والحلال والحرام والعبادات والمعاملات وغيرها من أقسام الفقه. وقد جمعت بالتدريج خلال القرون الثلاث التي مضت على الطّائفة ، كتب تحمل عنوان : الأصل ، أو الجامع ، أو النّوادر ، أو المسائل أو غيرها ، وكان البعض منها مفصّلا مشروحا ، والبعض الآخر مختصرا ، وبعضها منظم مبوب ، وبعضها متفرق من دون تنظيم معيّن. هذه الآثار ظهرت على مسرح الوجود على يد المحدثين وفقهاء المذهب ، الّذين يمثّلون المذهب وفقهه ، وكان بعضهم من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام. وبعض هذه الكتب كان مختصا بروايات موضوع واحد كالحجّ والصلاة والصّوم ونحوها والبعض الآخر شاملا لمواضيع شتى ، وأحيانا كان جامعا لكل ما يتعلق بالمذهب من الأحكام والأخلاق والمعارف والعقائد وتفسير القرآن وهي الكتب التي كانوا يعبرون عنها ب « الجامع » (٣) وفي جميع هذه الكتب التي كانت على شكل الرواية والحديث الذي ينتهي سنده إلى الأئمة من آل البيت لم يكن للمؤلف حظ سوى الجمع والرواية ، دون

__________________

(١) روضات الجنّات ص ٥٨٩.

(٢) يادنامه شيخ طوسي ج ٣ ص ٢٦٤.

(٣) للاطلاع الكامل على مزايا وخصائص هذه الكتب الحديثية وسير الحديث عند الشيعة لاحظ مقالاتنا « تحقيق در باره كتاب كافي » في مجلة آستان قدس الرضويّة دورتها الأولى والثانية.

٤٥

البحث والدراية.

أمّا الطريقة الجديدة التي اتبعت بعد القرن الثالث فبدأت بإخراج المسائل الفقهيّة من قالب الرواية والحديث وإيراد السّند إلى صورة الفتوى فكان الفقيه بدل أن يروى للناس في كل حكم رواية أو روايات ، يعمد إلى استنباط الحكم منها حسب فهمه ثم يعرضه كفتوى على من استفتاه أو من قلّده في دينه. وقد يقال إنّ أول من سلك هذه الطّريقة وفتح هذا الباب على الناس في المذهب الإمامي هو أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، المتوفّى عام ٣٢٩ ه‍ ، والد المحدث والفقيه الكبير الشيخ الصدوق حيث أبرز فتاويه في رسالته إلى ولده التي أورد كثيرا من ألفاظها الشيخ الصدوق في كتبه الفقهية : كالفقيه والمقنع والهداية وبعد علي بن بابويه تأسى الآخرون به وألفوا في الفقه على منواله وفي طليعتهم ولده الشيخ الصدوق في الكتب المذكورة ولا سيّما المقنع والهداية وطبعا لا يعنى هذا القول أنّه توقّفت عمليّة نقل الحديث وجمع الروايات الفقهيّة والسّير الصعودي فيها في الفترة الجديدة اكتفاء بإيراد الفتاوى بل الأمر بالعكس فنجد العلماء لم يتركوا الطّريقة القديمة بل توسّعوا فيها وأتقنوا العمل في جمع الأحاديث ، وساروا في ذلك مع الزمن إلى يومنا هذا ، مع أنّ هذا الفن من العلم كغيره من الفنون تعرض خلال العصور تارة إلى التألّق والتقدم وأخرى إلى الركود والتأخر. ولكن مع كلّ هذا لم يتوقّف رأسا ولن يتوقّف ما دام باب الفقه والاجتهاد مفتوحا. إذ الحديث ليس سوى كلام الرسول والأئمة ونص فتاويهم ، وهو بعد القرآن يعتبر أكبر مصدر للفقه. بل حاجة الفقه في الفروع والأحكام الجزئية إلى الروايات أشدّ من حاجته إلى القرآن الكريم الحاوي لأصول الاحكام وكلّياتها ، دون الفروع الحادثة مع الزمن التي عنونت في خلال الأحاديث. ونحن نعلم أنّ تشخيص صحيح الحديث عن سقيمه لا يتيسر إلّا بالنظر إلى السّند. فالفقيه مهما بلغ من رفض التقليد ، والاستقلال بالرأي في المسائل الفقهية ، وعدم التسليم لرأي غيره من الفقهاء فلا يستغني في وقت من الأوقات عن الحديث والرجوع إليه. ولن يتخلى عن مراجعة كتب الحديث فلا يسد باب التأليف في الحديث أبدا. وهكذا رأينا أنّهم بعد هذه الانطلاقة الجديدة بدأوا بتدوين المجامع الكبيرة والمعتبرة عند الشيعة التي من جملتها الكتب الأربعة المشهورة ، حيث ظهرت كلها في الفترة الجديدة من الفقه إلّا أن هذا النوع من الفقه أي الفقه المستند ينبغي أن يعدّ نوعا من الفقه في الفترات المتأخرة ، أما قبل تلك الفترة الحادثة فقد كان الفقه عند الشيعة الإمامية منحصرا في الفقه الحديثي أو الفقه المأثور فلو فرض وجود أشكال أخرى من الفقه حين ذاك ، فإنما كانت

٤٦

لا تتجاوز الدرس والمحاورة إلى التأليف والتصنيف. ولو كانت موجودة فبشكل نادر وخاص بمسائل محدّدة وهي التي كانت مدار نقاش بين الشيعة والسّنة أو بين الشيعة أنفسهم والتي خرجت عن كونها مسألة فقهية بحتة وتجلببت جلباب الكلام. وكيف كان فلم يصلنا منه شي‌ء ملحوظ.

وفي بداية التحول الجديد خرج الفقه من صورة الرّواية واتّخذ شكل الفتوى ، وهذا من غير شك يحكي عن توسع الفكر ورفض الجمود الفقهي وهو بذاته يعتبر جرأة علمية وثورة على العادة المتبعة والطريقة التقليدية عند القدماء ، وقد دونت تلك الفتاوى ولكن بنفس الوقت كانوا يراعون جانب الاحتياط فيوردون الفتوى بنفس الألفاظ الصادرة عن مصادر التشريع ، فكانت ألفاظ الروايات تذكر بدون ذكر السند أو الانتساب إلى الامام ، فهذا أوّل الشوط في هذا المضمار ، ولهذا تعتبر الكتب المؤلّفة على هذا الطّراز كرسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق ، وبعض كتب الصدوق نفسه كالمقنع نصوصا حديثية ، وكانت طريقة القدماء الرجوع إليها كنص صدر من لسان الإمام إذا لم يعثروا على رواية أو نصّ آخر موثوق به. وعلى حدّ تعبير بعضهم يرجعون إليها « عند إعواز النّصوص » ونحن نسمّي هذا النوع من الفقه « الفقه المنصوص » وعلى حدّ تعبير الأستاذ الكبير آية الله البروجردي رضوان الله تعالى عليه : « المسائل المتلقاة ».

لكن الفقهاء مع الأيام توسعوا وأبرزوا جرأة أكثر من ذي قبل ، فرفضوا قيود الألفاظ وهدموا حصار الاحتياط ، وتحرّروا من الوساوس فبدءوا بالدّقة في الروايات وعرض بعضها على بعض ، وإخراج المسائل المستنبطة من مجموع الرّوايات والنصوص المعتبرة لديهم ، بألفاظ تعبر عن فتاويهم وآرائهم من دون تقيّد بألفاظ النّصوص. وهذه المرحلة من الفقه ينبغي تسميتها والتعبير عنها ب « الفقه المستنبط » أو بضمها إلى المرحلة السابقة عليها فتسميان جميعا بالفقه المنصوص ، لأنّ الفقه مع هذا التوسّع بالبالغ بعد لم يكن خارجا عن نطاق النّصوص في محتواه وإن كان خارجا وعاريا من ألفاظ النّصوص.

وفي نفس الوقت أو بعده بقليل نرى تقدّما ملحوظا نحو الاجتهاد بشجاعة بالغة ، وسعي مشكور ، وجهد مترقّب ، ودراية كافية أبرزها رجال ذلك العصر ومن جملتهم بل في طليعتهم مترجمنا الشيخ الطوسي رضي‌الله‌عنه وعنهم. وهو أنّهم خرجوا عن حدود الفقه المنصوص ، واعتمدوا على أساس القواعد الكلّية والنّصوص العامة من الكتاب والسنة ، بالإضافة إلى الأدلة العقلية ، والأسس المحرّرة في علم أصول الفقه ، فخاضوا في الفروع المستحدثة ، والحاجات اليوميّة التي تمر على الناس مما لم يرد في النصوص ، ولم يعنون في

٤٧

فقه الإمامية ، بل ربما لم يتفق وجوده. واستنبطوا أحكامها ولم يتحاشوا عن إبداء النظر فيها ، وهم في نفس الوقت كانوا يجتنبون العمل بالقياس جدّا حيث إنّه كان ممنوعا عنه في مذهبهم أكيدا. ومع ذلك فكانوا يجيبون على الأسئلة الواردة والحاجات الطارئة في الحياة استلهاما من النّصوص والقواعد العامّة عدا القياس.

وهذا اللّون من الفقه هو غاية الاجتهاد ونهاية المطاف ، ومع فقده يعتبر الاجتهاد ناقصا مبتورا عاجزا عن الوفاء بحاجات النّاس. وفي الحقيقة يعتبر هذا التّحول الجديد بداية التكامل في الاجتهاد ، وبعبارة أصح قيام الاجتهاد بمعناه الحقيقي بين الشيعة ، في الوقت الّذي كان الاجتهاد والاستنباط من هذا الطّراز سائدا عند أهل السنّة ولا سيّما في المذهب الحنفي من قبل حوالي قرنين أي من أواسط القرن الثّاني الهجري استنادا إلى الرأي والقياس بمعناه الواسع المحظور على أصول الشيعة أو بإشكال أخرى حسب المذاهب الفقهية الموجودة حين ذاك.

وهكذا نرى أنّ المذهب الشيعي مع محافظته على أصوله المسلّمة قد تأثر بالآخرين من حيث شاء أو لم يشأ ، ولكنّه لم يفارق أصوله ولم يتخلّ عن ذاتيته طرفة عين ابدا.

وهناك مجال للبحث والدراسة فيمن أبدى أوّلا هذه الشجاعة والجرأة وعمد إلى فتح هذا الباب على المجتهدين بعد أن كان مقفلا إمامهم في المذهب الإمامي. فعند العلامة الطّباطبائي بحر العلوم ، وقبله السيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب وبعده صاحب الرّوضات ، وغيرهم ، كان المؤسّس الأول لهذا الأساس هو الحسن بن أبي عقيل العماني المعاصر للشيخ الكليني ( م ٣٢٩ ه‍ ) وبعده محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي المعاصر للشيخ الصدوق ( م ٣٨١ ه‍ ). وكان الشيخ المفيد تلميذا لهذين وكان له حسن ظنّ بالعماني وابن الجنيد فتابع طريقتهما ومنه تسرى ذلك إلى طلابه الذين تخرجوا عليه ، ومنهم السيد المرتضى والشيخ الطوسي ، ومن عاصرهما. (١) هذا رأيهم.

ولكننا مع الاعتراف بصدق هذا الرأي وصحته ، لا يمكننا إنكار هذه الحقيقة وهي أنّ هذا اللون من الفقه كان رواجه واستقراره رسميا بين الشيعة على يد الشيخ الطوسي ، فله الفضل في نشره والدّفاع عنه ، والوقوف أمام المخالفين له ، وإن كان المؤسّس غيره ممّن سميناهم أو لم نسمهم. فإنّ الشيخ نفسه قد شرح في أوّل كتاب « المبسوط » كيف كان وضع الفقه عند الشيعة ، وما كان هدفه من تأليف كتبه الفقهيّة مثل النهاية والمبسوط

__________________

(١) لاحظ لتفصيل ذلك روضات الجنات ص ١٦٨ و ٥٦١ و ٥٩٠.

٤٨

وغيرهما فقال : « اما بعد فاني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة المنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه ، وينسبون إلى قلّة الفروع وقلة المسائل ، ويقولون إنهم أهل حشو ومناقضة ، وأنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ، ولا التّفريع على الأصول ـ وبعد ردّ هذه التهمة عن الشيعة يقول ـ : وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ( أي الفروع ) تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل ، وتضعف نيّتي أيضا فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه ، وترك عنايتهم به ، لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ، حتّى انّ مسألة لو غيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللّفظ المعتاد لهم لعجبوا منها ، وقصر فهمهم عنها. وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النّهاية ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم ، ورتبته ترتيب الفقه ، وجمعت من النظائر ، ورتبت فيه الكتب على ما رتّبت ، للعلّة التي بينتها هناك ، ولم أتعرض للتفريع على المسائل ، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها ، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك ، وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات ، سلكت فيه طريق الإيجاز والاختصار وعقود الأبواب فيما يتعلق بالعبادات ، ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصّة يضاف إلى كتاب النّهاية ، ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه .. » وهكذا شرح طريقته المتبعة في كتابه « المبسوط » مع الإشارة إلى كتاب « الخلاف » مصرحا بأنّ كتابي النّهاية والمبسوط لا نظير لهما وكذلك كتاب « الخلاف » يعتبر كتابا لا سابق له في بابه. (١)

وللأسف فمع تقدم كتب ابن أبي عقيل وابن الجنيد في هذا المضمار لم يبق شي‌ء منها سوى جملة من الفتاوى المنقولة عنهما في الكتب ، فليس في إمكاننا مقايسة كتبهما مع كتب الشيخ الطوسي ، لتحديد موقف الشيخ وعمله بالضبط وما أتى به من الجديد المبتكر. إلّا أنّه معلوم لدينا أنّ طريقة ابن أبي عقيل وابن الجنيد لم تواجه استقبالا حافلا من قبل سائر العلماء في ذلك العصر بل اتهموا ابن الجنيد بأنّه كان يعمل بالقياس ويفتي به (٢) حتّى جاء العلامة الحلّي بعد قرون عدة فنفى عنه هذه التهمة (٣) وكيف كان

__________________

(١) لاحظ شرح ذلك في مقال العلامة السيد رضا الصدر في ( يادنامه شيخ الطوسي ج ٣ ص ٢٦٤ ).

(٢) روضات الجنّات ص ٥٣٧.

(٣) روضات الجنّات ص ٥٣٧ نقلا عن الخلاصة للعلامة الحلّي.

٤٩

الأمر فيعلم مما ذكرنا شجاعة الشيخ الطوسي ودرايته في فتح باب الاجتهاد بمصراعيه على الشيعة في حزم بالغ مراعيا جانب الاحتياط والتدريج حتى لا يستوحشوا ، ولا يتهموه بمتابعة أهل السنة والعمل بطريقة القياس. ولكن الشيخ الطوسي وإن عصمه الله من هذه الوصمة في عصره إلى أمد بعيد إلّا أنّه لم يبق بريئا إلى الأبد فقد جاء محمد بن احمد بن إدريس المتوفّى سنة ٥٧٨ ه‍ صاحب كتاب السرائر في القرن السادس أي بعد الشيخ بقرن فوجّه نقوده إليه في هذا الكتاب بأنّه اتخذ طريقة أهل السنة وأشاعها في الشيعة (١) وبعده جاءت الطائفة الأخباريّة في القرن الحادي عشر فما بعده فزادوا في الطنبور نغمة أخرى ووجهوا حملاتهم إلى هذا الشيخ المبجّل العظيم (٢)

هذا وفي نفس الوقت الذي شاع بين الشيعة الإمامية الفقه التفريعي الذي تحدثنا عنه ، شاعت بينهم المقايسة والموازنة بين المذاهب الفقهية في المسائل التي كانت مثارا للاختلاف وتضارب الآراء. فاستحدث فنّ آخر من فنون الفقه كانوا يعبرون عنه ب « مسائل الخلاف » ونحن نعبر عنه ب « الفقه التطبيقي » قياسا على « الحقوق التطبيقي ». ولا شكّ في أنّ الشيخ الطوسي كان سابق هذا الميدان في جميع فنون الفقه من بين معاصريه بل بين شيوخه وأساتذته وإنّ كتبه في ذلك ، ولا سيّما كتاب « النهاية » في الفقه المنصوص ، وكتاب « المبسوط » في الفقه التفريعي ، وكذلك كتاب « الخلاف » في الفقه التطبيقي لمن أحسن الكتب في تلك الفنون.

ثمّ إنّ أحد الفنون الفقهية التي ظهرت من خلال التفنن في الفقه وانشعابه إلى شعبات ، هو إخراج أصول المسائل الفقهية بأقصر عبارة ممكنة مع مراعاة التّرتيب والنّظم ، وإدراجها في فصول ، وعقدها في عقود وتحت أرقام معيّنة ولا بأس بأن نسمّيها ب « الفقه الكلاسيكي ». وللشيخ الطوسي فضل التقدم في ذلك أيضا ، فإنّ كتابه « الجمل والعقود » حسب ما هو الظاهر من اسمه ، والواضح من تقديم المصنّف لهذا الكتاب ومما قاله في وصفه في مقدمة كتاب المبسوط ، انه كان يهدف إلى هذا الهدف ، فإنّ الجمل والعقود تعني المطالب المعقودة في سلك خاص والمنتظمة بعضها مع بعض ، ولعل هذا الكتاب هو الأوّل من نوعه والعمل المبتكر في موضوعه وقد بذل المؤلّف أقصى جهده في تنظيم الأبواب وعقد المسائل وعدّ الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والأجزاء والشرائط والآداب

__________________

(١) روضات الجنّات ص ٥٧٤.

(٢) روضات الجنّات.

٥٠

في كل واحدة من العبادات الخمس ، وإحصائها في أرقام محدّدة لا يتصور أحسن منها. وليس مبالغة لو ادّعينا أنّه لا يوجد فيما عندنا من المتون الفقهيّة حتّى المتأخّرة عن هذا الكتاب من آثار كبار الفقهاء كتاب بهذا النّظم الجيّد والأسلوب المبتكر هذا مع ما أضفناه إليه من الأرقام الهندسية في الطبع الأخير ويمكن القول بأنّ غرض الشيخ من هذا التأليف كان نفس الهدف الذي رامه العلماء أمثال ابن مالك الأندلسي في ألفيته في النّحو ، والعلامة بحر العلوم في منظومته الفقهية ، والفيلسوف السبزواري في منظومته في المنطق والفلسفة وغيرهم في غيرها فكلّ هؤلاء كانوا بصدد ضبط المطالب العلميّة وتنظيمها تسهيلا للحفظ ولا سيّما للمبتدئين والفارق أنّ هؤلاء وأمثالهم قاموا بهذا العمل في صناعة الشّعر والشيخ الطوسي وكثير من أمثاله قاموا به باستخدام طريقة النثر وقد قال في ديباجة الكتاب « .. ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند تذكره ، والطالب عند تدبره .. ».

هذا النوع من الكتب ازدادت الحاجة إليه على مرّ الزمن ولا سيما في العصر الذي نعيش فيه حيث انّ العلماء في شتى الفنون ، همهم مصروف الى تلخيص المطالب وتنظيمها و « كلاستها » تسهيلا على المتعلمين. هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا الكتاب نموذج كامل عن الأساليب المتبعة عند القدماء من قبل ألف سنة.

وبعد. فإنّ الشيخ الطوسي قد ألف هذا الكتاب ، وكذلك ألّف أو أملى كتاب الغيبة ، والاقتصاد والفهرست ، والرّجال بالتماس شخص عبّر عنه بالشيخ الفاضل أو الشيخ الأجل ممّا يدل على أنّ الشيخ الطوسي كان يقدره ويكن له احتراما خاصا فوق درجة احترامه لتلميذ وطالب علم عاديين. وقد قيد في هامش عدة نسخ قديمة رآها العلامة الطهراني (١) وكذلك في هامش النّسخة التي كانت لدينا وعلى أساسها تم تصحيح الكتاب وسيأتي شرحها والتعريف بها (٢) ، قد قيّد أنّ هذا الشيخ هو « ابن البراج ». وهو عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج المتوفّى سنة ٤٨١ ه‍ وكان قاضيا في « طرابلس » ونائبا للشيخ الطوسي في البلاد الشاميّة ، ومؤلفا لكتب قيمة منها شرح قسم العبادات من كتاب « جمل العلم والعمل » للسيد المرتضى ، وكان تتلمذ على السيد والشيخ

__________________

(١) مقدمة التبيان ص ث

(٢) كانت هذه النسخة أوّلا ملكا للمرحوم الحاج عبد الحميد المولوي ، ثم انتقلت مع سائر كتبه إلى مكتبة كليّة الإلهيّات بجامعة مشهد. وكانت النواة الأولى لمخطوطات هذه المكتبة القيّمة.

٥١

الطوسي جميعا ، وأشار هو إلى مقاولاته ومباحثاته مع الشيخ في جلسة الدرس ، في كتابه « المهذب » (١) وأيضا نجد من جملة كتب الشيخ الطوسي كتاب « مسائل ابن البرّاج » (٢) والمسألة بعد لا تزال رهن الدراسة والتحقيق حتّى يحصل اليقين بذلك ، وأنّ هذا الشيخ الفاضل الذي تم تأليف هذه الكتب بالتماسه هل هو ابن البراج أو شخص آخر ، وهل المراد بهذا التعبير في تلك الكتب هو شخص واحد أو أشخاص متعددون ونحن نعلم أنّ الشيخ الطوسي لاحظ طريقة أهل السنّة في تأليف كتابه المبسوط ، وكذلك في كتاب الجمل والعقود حيث أورد « الآداب » في عرض الواجبات والمستحبات ، وهو اقتباس من بعض مذاهب أهل السنة ويشهد بذلك كلامه المتقدم ، في مقدمة المبسوط وربما يقال إنّ تأليف المبسوط والجمل والعقود اتفق في زمان واحد ، وقد نصّ على ذلك في مقدمة الجمل والعقود حيث يقول « .. إلّا مسائل التفريع التي شرعنا في كتاب آخر إذا سهل الله إتمامه وانضاف إلى كتاب النّهاية كان غاية فيما يراد » مع أن المستفاد من كلامه في مقدمة المبسوط أنّ الجمل والعقود فرغ منه قديما ليكون كخاتمة للنهاية حيث يقول .. « .. وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النّهاية .. وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات .. ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصّة يضاف إلى كتاب النهاية .. » وتحلّ هذه المشكلة ، بما يظهر من تتمة كلامه في مقدمة المبسوط انّه انصرف عما كان اشتغل به في التّفريع ، وبعد مضي مدة ، اشتغل به ثانيا بطريقة مغايرة عمّا كان بدأ به حين الاشتغال بتأليف الجمل والعقود فلاحظ.

أبعاد البحث والتحقيق في حياة الشيخ الطوسي

من البديهي أنّه كلّما كان الإنسان أعظم شخصية وألمع وجودا وأوسع آثارا تكون مجالات البحث حوله ، أمام المحققين أبعد وأشمل. وما قلناه عن الطوسي في هذه الفرصة السريعة إنّما هو تصوير إجمالي عن حياته ، والّا فهو كالبحر الواسع لا يسعه إناء ضيّق. إنّه من عظماء الإسلام ومن أئمة الفقهاء ، والمحدثين ، والمتكلّمين والمفسرين عند الشيعة الإماميّة ، وهو بحق « شيخ الطائفة » ومجدّد المذهب في القرن الخامس ، ومن المؤسّسين بين

__________________

(١) كما في نسخة خطية من هذا الكتاب موجودة عندي ، وذكر ذلك في مبحث إزالة النّجاسة بالماء المضاف المختلط بالماء المطلق الطاهر.

(٢) مقدمة التبيان ص أب نقلا عن فهرست الطوسي ولم نجد فيه.

٥٢

الشيعة للفنون المختلفة ولعلوم شتّى مثل التّفسير والحديث والرّجال ، والفهرست ، والفقه ، والأصول ، والكلام ، وبشكل عامّ كان الشيخ الطوسي مفصلا في تاريخ هذه العلوم وفي تاريخ المذهب الإمامي فهذا النحرير العليم لا نظير له من حيث دقّة النظر وإصابة الرأي ، واستقامة العقل ، وسعة الاطلاع ، وحسن السّليقة ، وأسلوب التحقيق والشمول والجامعية للفنون. وكذلك هو عديم النظير في سلامة الطوية ، وطهارة النّفس ، والتخلّي عن الأغراض ، وضوء البصيرة بين رجال المذهب بل بين علماء الإسلام عامّة. وقد كانت كتبه مدار البحث والنّظر في عصره ومع وجود أساتذته أمثال السيّد المرتضى علم الهدى. وبقيت ولم تزل حتى عصرنا من أوثق الوثائق والمصادر العلمية. وعلى الرّغم من التّقدم العلمي وظهور نوابغ كبار لا يحصى عددهم ، وإخراج مؤلفات كثيرة فيما يعتبر من تخصّص الشيخ ، فإنّ كتب الشيخ في كل فنّ من تلك الفنون على الرغم من مرور ألف سنة عليها قد احتفظت بمكانتها ، لا بل مع ما جرى من التطوّرات العلمية لقد اكتسبت أهميّة أكبر. ولا سيّما في عصرنا الحاضر الذي اقتضت فيه الأوضاع والأحوال تبدل الأفكار عمّا كانت عليه ، فالمقاييس اختلفت عما كانت وحواجز التعصب وسدود الجهل ارتفعت ، بشكل تقاربت فيه المذاهب الإسلامية ، حيث قامت جماعات من العلماء بتقييم وتقدير المذاهب الأخرى ، بلا أيّ تطرف أو تعصّب مذموم ، في مثل هذه الظروف النيّرة سوف تكون طريقة تفكير الطوسي وأسلوبه العلمي الحكيم ، مثار إعجاب المصلحين أولي البصيرة والنظر.

وعن قريب ستظهر هذه الحقيقة الخفيّة ، وسينكشف هذا السر المكتوم ، وهو أنّ الشيخ الطوسي ، مع أنّه كان يعتبر الإمام المقتدى به لمذهب الإمامية والمروج لعلومه وحامل لوائه في أخطر مرحلة من تاريخ هذا المذهب كان في نفس الوقت يوجّه نظره إلى نطاق أوسع من مذهبه الخاص به ، وكان محلقا بمقدرته العلمية وقريحته القوية في إطار العالم الإسلامي الواسع المحيط ، وفي خارج حدود مذهبه ، ولا سيّما في ميدان الفقه ، حيث كان يطاير علماء سائر المذاهب ويصافهم فيما يخصهم من المذهب. ومن هذا المنطلق يسوغ لنا أن نضيف إلى تلك الخصائص والملامح مزية اخرى للشيخ ، وهو أنّه كان من رجال التقريب بين المذاهب الإسلاميّة بل هو المبتكر والفاتح لبابة. ولا ريب أنّه اي التقريب هو الدواء الشّافي للإسلام والمسلمين في مثل هذه الفوضي والغوغائية المسيطرتين على العالم ويجب على جميع المصلحين والعلماء أن يتابعوا هذه الطريقة الحكيمة في دراساتهم الإسلامية.

٥٣

وفي رأينا أنّ هذه الفضائل النفسانيّة والكمالات المعنويّة كانت هي السبب الأكبر والسر النافذ لما نجده واضحا جليّا من تجاوز الشيخ الطوسي بما له من الآثار العلميّة حدود الزّمان والمكان ، وعدم انحصاره بإطار مذهبيّ خاص ، فجعلته هذه الخصال على مرّ الزمن إماما لكل المسلمين.

وفي هذا الوقت الذي نعيش فيه تلفت هذه النّاحية من حياة الشيخ الأنظار ، وقد أبدى في عصرنا رجال من كبار علماء الشيعة الإمامية رأيهم وأصدروا حكمهم في حق الشيخ سواء من هذه الناحية أو من سائر نواحي حياته ومن بينهم إمامان كبيران كانا مولعين بتعظيم الشيخ والتعريف به بين الأمّة.

أوّلهما : الإمام الأعظم أستادنا الكبير آية الله العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائيّ البروجردي رضوان الله تعالى عليه المتوفّى عام ١٣٨٠ ه‍ والذي كان في علم الرّجال والحديث فريد عصره ، وكان له فيهما وفي الفقه والأصول طريقة مبتكرة ومباني خاصة. فكان يوجه الإنظار إلى طريقة القدماء من الفقهاء ويؤكد من بينهم على شخصيّة الشيخ الطوسي.

وقد سمعته لأول مرّة عام ١٣٢٣ ه‍ ش حيث زار المشهد الرضوي ، وكنت حين ذاك طالبا للعلم في مرحلة السطوح في هذا البلد ، سمعته يقول « إن الشيخ الطوسي ألّف بعض كتبه الفقهية في إطار المذهب الإمامي والبعض الآخر للعالم الإسلامي بأجمعه ثم بدأ بشرح هذا الكلام. وفي عام ١٣٢٨ ه‍ ش هاجرت إلى قم حيث تشرفت بحضور درسي الفقه والأصول للأستاذ كما حضرت بعد ذلك حلقات تدوين الحديث التي كانت تنعقد في بيته لأصحاب الحديث (١) وقد بدا لي أنّ السيد الأستاذ كان يرى أنّ من الواجب عليه القيام بتعريف الشيخ للطلبة وإحياء ذكره والإعلام بكتبه حيث كان يتعرض لذلك في كل مناسبة. وأحيانا كان يحمل معه كتاب « عدة الأصول » للشيخ إلى

__________________

(١) لازمت دروس الأستاذ حوالي إحدى عشر سنة ـ أي من سنة ١٣٢٨ إلى ١٣٣٩ ش ه ـ ومن بينها حوالي سبع سنوات شاركت مع جماعة آخرين في لجنة الحديث الّتي كانت تنعقد يوميّا في منزل الأستاذ الامام لتأليف كتاب « جامع الأحاديث الفقهية للشيعة الإماميّة » الجامع لكل ما في الوسائل والمستدرك من الرّوايات بأسلوب بديع ، وقد ألّفت رسالة بشأن هذا الكتاب لم تنتشر لهذا الوقت. وكان الأستاذ يحضر جلسة الحديث كثيرا ويرشدنا إلى ما كنا نحتاج إليه في عملنا. وقد تم الكتاب في حياته الا ما شذ من بعض الأبواب ، وطبع مجلّدان منه على الحجر بأمر منه ، ثم طبع بعده طبعة ثانية في أجزاء صغار وانتشر منها أحد عشر مجلدا إلى كتاب الحجّ ، وهذه الطبعة لا تزال مستدامة بعد.

٥٤

درس الأصول ، ويقرؤه على الطلّاب ويشرح عباراته. وفي درس الفقه أيضا قد يحضر معه كتاب « الخلاف » ويدرّس بعض المسائل منه. وقد قام الأستاذ رحمه‌الله بطبع هذا الكتاب مع تعليقاته لأوّل مرة. كما رتّب أسانيد كتاب تهذيب الأحكام والاستبصار فيما رتّب من الأسانيد لكتاب الكافي وكتب الصدوق وغيرها ، وهذا فنّ ابتكره الأستاذ الإمام.

وللأسف أنّ هذه الكتب الثّمينة لم تر النّور ولم تنتشر حتى هذا الوقت.

وكان الأستاذ يولي اهتماما خاصّا بكتب الشيخ وآرائه الرجالية ، وجمع لديه نسخا مصححة من هذه الكتب ، وقد اشتغل أصحاب الحديث بأمره بتأليف كتاب جامع بين كتاب رجال النّجاشي وفهرست الشيخ وفرغوا منه ، ولكنه بعد في انتظار الطبع.

ثانيهما : فقيد الإسلام ، شيخ مشايخ الزّمان ، العلامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ه‍ ق ) رضوان الله تعالى عليه ، الذي أشدنا بذكره في هذا المقال مرارا. فكان لهذا العالم الجليل علاقة خاصة بالشيخ الطوسي ، وقد تعرض لترجمته والتّعريف بآثاره وكتبه في مطاوي كتابه الخالد « الذّريعة إلى تصانيف الشيعة » مرات كثيرة وخصّ به رسالة تحت عنوان « حياة الشيخ الطوسي » تصديرا لكتاب تفسير التبيان طبع النّجف الأشرف وهذه الرّسالة لعلّها أجمع وأوفى ترجمة للشيخ إلى هذا الوقت. ويرى الناظر بوضوح من خلالها إعجاب الكاتب بالشيخ الطوسي حيث يقول : « ارتسمت على كلّ أفق من آفاق العالم الإسلامي أسماء رجال معدودين امتازوا بمواهب وعبقريّات رفعتهم إلى الأوج الأعلى من آفاق هذا العالم ـ الى أن يقول ـ وثمة رجال ارتسمت أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق ، وهم قليلون للغاية شذّت بهم طبيعة هذا الكون ، فكان لهم من نبوغهم وعظمتهم ما جعلهم أفذاذا في دنيا الإسلام ، وشواذّ الا يمكن أن يجعلوا مقياسا لغيرهم ، أو ميزانا توزن به مقادير الرّجال ، إذ لا يمكنها أن تنال مراتبهم ، وإن اشرأبت إليها أعناقهم وحدثتهم بها نفوسهم » « ومن تلك القلّة شيخنا وشيخ الكلّ في الكلّ ، علّامة الآفاق ، شيخ الطائفة الطوسيّ أعلى الله درجاته ، وأجزل أجرة ، فقد شاءت إرادة الله العليا أن تبارك في علمه وقلمه ، فتخرج منهما للناس نتاجا من أفضل النّتاج ، فيه كل ما يدلّ على غزارة العلم وسعة الاطلاع ، وقد مازه الله بصفات بارزة ، وخصه بعناية فائقة ، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلا وقد كرّس ـ قدس الله نفسه ـ حياته طول عمره لخدمة الدّين والمذهب ، وبهذا استحق مكانته السامية من العالم الإسلامي عامة والشيعيّ خاصّة. وبإنتاجه الغزير أصبح ـ وأمسى ـ علما من أعظم أعلامه ، ودعامة من أكبر دعائمه ، يذكر اسمه مع كلّ تعظيم وإجلال وأكبار وإعجاب ، ولقد أجاد من قال

٥٥

فيه :

شيخ الهدى والطائفة

أثر القرون السالفة(١)

ويقول العلامة الطهراني في خاتمة مقاله : « هذا ما أمكننا القيام به خدمة لشيخ الطائفة أجزل الله أجره ، وكان ذلك من أحلى أمانينا وأعذبها حيث كنّا نفكر في ذلك منذ زمن بعيد .. » (٢)

وكان العلامة الطهراني يأمل لا بل إنّه سعى بمنتهى جهده لإقامة مهرجان بأحسن ما يمكن ، احتفالا بمناسبة مرور ألف سنة على ولادة الشيخ الطوسي حيث صادف عام ١٣٨٥ ه‍ ق. وقد أرسل بيانا إلى المؤتمر الألفي للشيخ ، المنعقد في أواخر عام ١٣٤٨ ه‍ ش الموافق ١٣٩٠ ه‍ ق في المشهد المقدس الرّضوي من قبل جامعة مشهد وشرح في هذا البيان معاني الحبّ والولاء والإعجاب التي يكنّها في نفسه تجاه الشيخ الطوسي وآثاره واعماله القيمة ، ولقد قرئ هذا البيان في افتتاحيّة المؤتمر ، وقد ارتحل إلى رحمة الله تعالى بعد مضي شهرين فقط من المؤتمر.

وكانت نسخة البيان مكتوبة بيده المرتعشة وكأنها كانت آخر ما رقمه بقلمه الشريف وصورتها موجودة في الجزء الثالث من ذكري الشيخ الطوسي (٣) وفي ذلك البيان بعد ذكر لمحة عن مساعيه الحميدة المضنية من أجل اقامة الذكرى الألفية للطوسي والتي لم تكلل بالنجاح يقول : ما ترجمته « بعد وصول الدعوة إليه من قبل الأمانة العامّة للمؤتمر إنّني دائما كنت أرى أنّ الله تعالى أنعم على الشيخ بلطفه الخاص وليس السبب لإفاضة مثل هذا اللطف الصافي من قبل الفياض المطلق الحكيم ، عالم السر والخفيات عليه لو لم يكن ملحوظا عنده تعالى في بدء خلقته بما أبدعه من وجوده ـ ثم يعدد أعمال الشيخ ويقول ـ إذن بعد رؤية هذا الحقير ( يعنى نفسه ) بعينيه وبقلبه هذه الأمور كنت على اطمئنان كامل في انتظار يوم تضي‌ء فيه شمس وجوده العالم أجمع .. وكنت منتظرا لذلك خلال الأيّام الطّوال حتى اقترب الأجل وجاءت البشارة بقرب الاحتفال بالذكرى الألفيّة التي وصلت على يدي ساعي البريد حيث ألقي إلى كتاب الأعضاء المحترمين فأحسست بنفخ روح جديدة في جسدي. » وقد أجازنا في سفره إلى مشهد عام ١٣٨٠ هـ

__________________

(١) مقدمة التبيان ص ألف.

(٢) مقدمة التبيان ص أبص.

(٣) يادنامه شيخ طوسي ج ٣ ص ١٧ و ١٨.

٥٦

ق لرواية الحديث ، وألحقنا بالشيوخ ، لأنّه كان يروي عن صاحب المستدرك العلامة الطبرسي رضوان الله تعالى عليه المتوفّى عام ١٣٢٠ ه‍ ، وهذا إسناد عال وكثير من الشيوخ المعاصرين يروون عنه بواسطة العلامة الطهراني رضي‌الله‌عنه وأجزل له الأجر.

هذا .. وقد كتبت عن ذلك المؤتمر العظيم شرحا وافيا في المجلّد الثالث من الذكرى الألفية (١) فليلاحظ.

وحقا أقول إن الحديث عن عالم جامع الأطراف كالشيخ الطوسي لا يسعه العديد من الصفحات ، بل يحتاج إلى عدة مجلدات ، ونحن نقدم للقراء في خاتمة هذه الدراسة المتواضعة قائمة بأهم العناوين الكليّة القابلة للبحث عنها بشأن هذا الإمام الكبير وهي هذه :

١ ـ شرح حياته وتاريخه

٢ ـ عائلته وأعقابه

٣ ـ مشايخه ومعاصروه

٤ ـ طلّابه الذين أخذوا عنه

٥ ـ مكانته في سلسلة الإجازات

٦ ـ خصائصه ودراسة ما قاله فيه الآخرون

٧ ـ دراسة النقود التي وجهوها إلى طريقته وكتبه سواء في آرائه الكلامية أو الفقهية الخاصة به.

٨ ـ البحث عن كتبه وآثاره العلمية مع النّظر إلى كل أبعادها التي عددناها سابقا

٩ ـ تقييم أثر الشيخ الطوسي في الثّقافة والعلوم الإسلاميّة ومدى تأثيره في المذهب الإمامي.

١٠ ـ مصادر الدراسة عنه.

وتلك عشرة كاملة ، وإني لاعترف بأنّه لم يكن الحديث في شي‌ء من هذه النّواحي في هذا المختصر وافيا ، إلّا أنّا بذلنا الجهد لاطلاع القارئ على جوانب من حياة الشيخ كي يقوم هو بدوره بتعقيب البحث. ويجب التّنبيه على أمور لها علاقة بمصادر الدراسة والتحقيق عن الطوسي وهي هذه :

__________________

(١) يادنامه شيخ طوسي ج ٣ ص ٨٥٣.

٥٧

١ ـ لعلّ المصدر الوحيد الجامع في هذا الباب هو ما كتبه العلّامة الطهراني في مقدمة التّبيان بعنوان « حياة الشيخ الطوسي ». وقد بحث فيه بشكل أكثر تفصيلا من غيره في موضوعين هامين.

الأوّل ، أسره الشيخ وعقبه من بعده حيث لا يوجد في مصدر آخر بهذا البسط ، (١) ولكنّ النكتة التي يجب التنبيه عليها في هذا الصدد هي أنّ العلامة الطّهراني اعتبر العائلة المعروفة باسم « نصيري طوسي » من ذرية الشيخ الطوسي مع أنّ هذه العائلة المعروفة إلى هذا الوقت ب « نصيرى » أو « خواجه نصيري » أو « نصيري طوسي » المنتشرة حاليّا في أرجاء إيران المختلفة : مثل طهران ، ومشهد وأصفهان وغيرها ، انما تنتسب إلى المحقّق المشهور خواجه نصير الدين الطوسي ( م ٦٧٢ ه‍ ) وقد أعددت مذكرات كثيرة حول هذه العائلة ورجالها الذين كانوا يعيشون في نهاية العظمة لدى الملوك ولا سيّما ملوك الصفوية مبجلين لدى البلاط ، موظفين حتّى زمن قريب في الدّولة وقد قررت لهم رواتب شهرية أو سنوية. وكلّ الذين سمّاهم العلّامة الطّهراني ، هم من رجال هذه الأسرة الجليلة. والمتتبع يقف على أسمائهم وأسماء آخرين منهم في كتاب « عالم آراء عباسي » (٢) وغيره ويبدو أنّ هذه الأسرة عاشت بعد المحقّق الطوسي في آذربايجان ولا سيما في مدينة « أردوباد » ثم تفرقت في البلاد.

وعلى كلّ حال فلا شكّ في أنّ لقب « النصيري الطوسي » منسوب إلى نصير الدّين الطوسي وعليه فلا إبهام في إضافة « النصيري » إلى « الطوسي » الأمر الذي أحرج العلامة الطّهراني بناء على رأيه من انتساب هذه العائلة إلى الشيخ الطوسي. (٣)

نعم يمكن إثبات العلاقة والنّسبة بين هذه الأسرة وبين الشيخ الطوسي بطريق آخر وهو أنّ العلامة الطّهراني قد تعرض في مقدمته ، (٤) وكذلك غيره نصّ على وجود النسبة بين « ابن طاوس » عن طريق الأمّ بفواصل عديدة وبين الشيخ الطوسي. وقد رأيت أنا في بعض المصادر أن هناك علاقة بين عائلة « ابن طاوس » وعائلة « نصير الدين الطوسي » عن طريق المصاهرة والبحث بعد رهن الدّراسة والتحقيق.

__________________

(١) لاحظ مقدمة التبيان ص أف.

(٢) عالم آراء عباسي ص ٨٠٤ فما بعدها وص ٧٢٤ و ٧٥٦ و ٤١٩ و ٤٣٩ و ٥٥٤ و ٥٠١ .. وأيضا كتاب أحوال وآثار خواجه للأستاذ المدرس الرضوي ص ٦٨ ومطلع الشمس ج ٣ ص ١٤٧.

(٣) مقدمة التبيان ص أبج.

(٤) مقدمة التبيان ص أض.

٥٨

الثاني ، قد تعرض العلامة الطهراني للبحث حول مشايخ وتلامذة الشيخ بدقة أكثر ممّا جاء في خاتمة « مستدرك الوسائل » (١) للعلامة الطّبرسي وفي غيرها من المصادر على أنّه لم يأت بترجمة وافية عن كلّ واحد منهم وبهذا يبقى مجال البحث في هذا المضمار أيضا مفتوحا أمام المحقّقين.

٢ ـ توجد في خلال التّرجمات التي كتبها المحققون في عصرنا كتصدير لكتب الشيخ الطوسي مثل « الرّجال » و « الفهرست » و « الأمالي » و « الغيبة » وغيرها من آثار الشيخ الّتي طبعت لأوّل مرة أو كانت مسبوقة بطبع آخر ، توجد مصادر كثيرة للتحقيق في حياة الشيخ ، فقد ذكر العلامة الطهراني في مقدمة التبيان ٧٨ مصدرا ، (٢) وكذلك الشيخ محمّد هادي الأميني نجل العلامة الأميني صاحب كتاب « الغدير » قدس الله روحه في رسالة ألّفها باسم « مصادر الدراسة عن الشيخ الطوسي » وجمع فيها المصادر حسب المقدور مشكورا ومن أبرز هذه المصادر مقدمة رجال الطوسي ومقدمة فهرسته وكلاهما للعلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم الذي قام بدوره بإخراج كثير من الآثار الرجالية في عصرنا ونشرها بأحسن وجه جزاه الله عن الإسلام خيرا.

٣ ـ إن أوسع البحوث حول حياة الشيخ الطوسي وزواياها تجدها في منشورات المؤتمر الألفي للشيخ الطوسي ، الّتي قمت أنا بجمعها وتصحيحها وتنظيمها وطبعها طيّ سنين عدّة ، وهي تعد كنتيجة لمحاضرات وأقلام الذين شاركوا في ذلك المؤتمر العظيم الفريد من نوعه ، من علماء الإسلام ومن غير المسلمين ، من الإيرانيين وغير الايرانيين ، والذين تكلموا أو كتبوا بالفارسيّة والعربية أو الانكليزية أو الألمانيّة. ولا يتسنى لمن يريد دراسة كاملة عن الشيخ الطوسي إلّا أن يرجع إليها.

وهذا أو ان الفراغ من هذا التّصدير ، ولله الحمد ، ومنه التوفيق ، وعليه التّكلان ، وصلى الله على نبيّنا محمد وآله الأطهار.

مشهد ، ٦ جمادى الأولى عام ١٤٠٣ ه‍

محمد واعظزاده الخراساني

__________________

(١) خاتمة المستدرك ص ٥٠٩.

(٢) مقدمة التبيان ص أبي.

٥٩

أهمّ المصادر والمراجع لهذا التّصدير

١ ـ أحوال وآثار نصير الدين الطوسي للأستاذ محمد تقي المدرّس الرضوي ، بنياد فرهنگ إيران ، طهران ، ١٣٥٤ ه‍ ش.

٢ ـ البداية والنهاية : للحافظ ابن كثير ، أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ، ط ١ ، مكتبة المعارف ، بيروت ، ١٩٦٦ م.

٣ ـ تاريخ بغداد : للخطيب البغداديّ ، أبي بكر أحمد بن علي ، ط دار الكتاب العربي بيروت.

٤ ـ تاريخ علوم عقلي در تمدن إسلامي : للدكتور ذبيح الله صفا ، ط جامعة طهران ، عام ١٣٤٦ الهجري الشمسي.

٥ ـ تاريخ عالم آراي عباسي : للإسكندر بيك تركمان ، ط موسوي ، طهران ١٣٣٤ ه‍ ش.

٦ ـ التّمهيد في الأصول : للشيخ الطوسي ، مخطوط المكتبة الرّضويّة ، رقم ٥٤.

٧ ـ الجمل والعقود : للشيخ الطوسي ، مع الشرح والترجمة وتحقيق النّص لنا ، مطبعة جامعة مشهد ، ١٣٨٧ ه‍ ق ـ ١٣٤٦ ه‍ ش.

٨ ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرّجال : للعلّامة الحلّي ، الحسن بن يوسف ط ٢ ، المطبعة الحيدريّة ، النّجف ١٣٨١ ه‍ ١٩٦١ ـ م ٩ ـ دليل خارطة بغداد : للدّكتور مصطفى جواد ، والدّكتور أحمد سوسة ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، ١٣٧٨ ه‍ ق ـ ١٩٥٨ ـ م.

١٠ ـ الرّجال : للشيخ الطوسي ، المطبعة الحيدريّة ، النّجف الأشرف ، ١٣٨١ ه‍ ١٩٦١ ـ م.

١١ ـ الرّجال : لأبي العباس النّجاشي أحمد بن على بن أحمد ، ط بمبئي ، ١٣١٧ ه‍ ق.

٦٠