الرسائل العشر

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

الرسائل العشر

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٠

رسالة في الاعتقادات

١٠١
١٠٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

وبه ثقتي

إذا سألك سائل وقال لك : ما الإيمان؟ فقل : هو التصديق بالله وبالرسول وبما جاء به الرسول والأئمة عليهم‌السلام.

كل ذلك بالدليل ، لا بالتقليد ،

وهو مركب على خمسة أركان ، من عرفها فهو مؤمن ، ومن جهلها كان كافرا ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد.

فحد التوحيد هو إثبات صانع واحد موجد للعالم ، ونفى ما عداه.

والعدل هو تنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب ،

والنبوة هي الأخبار الواردة عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر ، وانما الواسطة ملك من الملائكة وهو جبرئيل عليه‌السلام.

والإمامة رئاسة عامة لشخص من الأشخاص في أمور الدين والدنيا ، وهو على بن أبي طالب عليه‌السلام ، فيكون معصوما بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمعاد اعادة الأجسام على ما كانت عليه.

(١) والدليل على أن الله تعالى موجود : لأنّ العالم أثره ، والأثر يدل على وجود المؤثر ، فيكون الباري تعالى موجودا.

(٢) والدليل على ان العالم محدث : لأنه لا يخلو من الحوادث ، وكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. والحوادث هي : الحركة والسكون.

١٠٣

(٣) والدليل على حدوث الحركة والسكون : لأنهما اثنين (١) ، إذا وجد أحدهما عدم الآخر ، ولا نعني بالمحدث إلا الذي يوجد ويعدم.

(٤) والدليل على ان الله تعالى واجب الوجود : لأنا نقسم الموجود الى قسمين : واجب الوجود وممكن الوجود.

فواجب الوجود هو الذي لا يفتقر في وجوده الى غيره ولا يجوز عليه العدم ، وهو الله تعالى.

وممكن الوجود هو الذي يفتقر في وجوده الى غيره ويجوز عليه العدم ، وهو ما سوى الله ، تعالى ، وهو العالم.

فلو كان البارئ تعالى ممكن الوجود لافتقر الى مؤثر ، والمفتقر ممكن ، فيكون الباري تعالى واجب الوجود بهذا المعنى ، وهو المطلوب.

(٥) والدليل على ان الله تعالى قديم أزلي : لأن معنى القديم والأزلي هو الذي لا أول لوجوده فلو كان الباري تعالى لوجوده أولا لكان محدثا وقد ثبت انه تعالى واجب الوجود فيكون قديما أزليا.

(٦) والدليل على ان الله تعالى باق أبدى : لان الأبدي هو الذي لا نهاية لوجوده ، فلو كان الباري تعالى لوجوده نهاية لكان محدثا ، وقد ثبت انه تعالى واجب الوجود ، فيكون الباري تعالى أبديا.

ومعنى أنه سرمدي اى مستمر الوجود بين الأزل والأبد.

(٧) والدليل على انه تعالى قادر مختار لا موجب ، لان القادر المختار هو الذي يصدر عنه الفعل المحكم المتقن مع تقدم وجوده ويمكنه الترك ، [ و ] الموجب هو الذي يصدر هو وفعله دفعة واحدة. فلو كان الباري تعالى موجبا لزم قدم العالم ، وقد بينا انه قديم (٢) فيكون الباري تعالى قادرا مختارا ، وهو المطلوب.

(٨) ـ والدليل على انه تعالى عالم : لان العالم هو الذي يصدر عنه الفعل المحكم المتقن على وجه يصح الانتفاع به ، وهذا ظاهر في حقه تعالى ، فهو عالم.

(٩) والدليل على انه تعالى سميع بصير : لأن (٣) المؤثر في الأشياء كلها وهو يعلم ما نسمعه وما نبصره ، وهو معنى قوله ( سَمِيعاً بَصِيراً ) (٤).

__________________

(١) كذا في النسخة.

(٢) كذا في النسخة ولعل الصواب : حادث.

(٣) كذا في النسخة ولعل الصواب : لأنه.

(٤) الآية ٦١ من سورة النساء.

١٠٤

(١٠) والدليل على انه تعالى واحد : لأن معنى الواحد هو الفرد بصفات ذاتية لا يشاركه فيها غيره. فلو كان الباري تعالى معه إله آخر لاشتركا في الذات والصفات ، والمشارك ممكن ، والله تعالى واجب ، الوجود ، فهو واحد.

(١١) والدليل على ان الله تعالى ليس بجسم : لأن الجسم هو المركب الذي يقبل القسمة في جهة من الجهات ، والمركب ممكن لافتقاره الى الأجزاء الذي يتركب منها ، والله تعالى واجب الوجود ، فهو ليس بجسم.

(١٢) والدليل على انه ليس بعرض : لان العرض هو الذي يحل في الأجسام من غير مجاوزة ، ولا يمكن قيامه بذاته. فلو كان الباري تعالى عرضا لافتقر الى محله وهو الجسم والمفتقر ممكن وهو تعالى واجب الوجود فيكون الباري ليس بعرض بهذا المعنى (٥).

(١٣) والدليل على انه تعالى ليس بجوهر لان الجوهر هو المتحيز الذي يتركب الأجسام منه وهو محدث ، وبيان حدوثه افتقاره الى حيز يحصل فيه ـ وهو المكان ـ ، فيكون الباري تعالى ليس بعرض ولا جوهر ـ بهذا المعنى ـ وهو المطلوب.

(١٤) والدليل على انه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر لان الرؤية لا تقع [ الا ] على الأجسام والألوان ، والبارئ تعالى ليس بجسم ولا لون ، فلا يكون بمرئي بحاسة البصر ، وهو المطلوب.

(١٥) والدليل على انه تعالى ليس بمحتاج الى غيره وغيره محتاج إليه : لأن الحاجة انما تكون في الذات أو في الصفات ، والبارئ تعالى غنى في ذاته وصفاته لوجوب وجوده ، فلا يكون بمحتاج ـ بهذا المعنى ـ وهو المطلوب.

(١٦) والدليل على انه تعالى عدل حكيم : لان معنى العدل الحكيم هو الذي لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب ، لان فعل القبيح لا يفعله الا الجاهل به أو المحتاج اليه ، والبارئ تعالى عالم وغنى في ذاته وصفاته ـ لوجوب وجوده ـ فلا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب ـ بهذا المعنى ـ وهو المطلوب.

(١٧) والدليل على نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : لانه ادعى النبوة وظهر المعجز على يده ، والمعجز فعل الله تعالى ، فيكون نبيّا حقا ورسولا صدقا.

__________________

(٥) كذا في النسخة.

١٠٥

(١٨) والدليل على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم عن جميع القبائح كلها ، عمدا وسهوا ، صغيرة وكبيرة : بدليل انه لو لم يكن كذلك لجاز عليه الكذب والخطاء ، فلم تثق الناس بما أخبر به عن الله ، فتبطل نبوته.

(١٩) والدليل على انه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خاتم الرسل : بدليل قوله عليه‌السلام « لا نبي بعدي » وقوله تعالى ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٦).

(٢٠) والدليل على انه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صادق بجميع ما أخبر به في أحكام الشرع من الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك ، وصادق (٧) في إخباراته عن أحوال المعاد ، كالبعث والصراط والحشر والحساب والنشور والميزان وتطاير الكتب وإنطاق الجوارح والجنة وما وعد الله فيها ، من المأكل والمشرب والمنكح والنعيم المقيم ابدا الذي لا عين رأت ولا اذن سمعت بمثله في دار الدنيا ابدا ، والنار وما وعد الله فيها من العذاب الأليم والنكال المقيم. أعاذنا الله (٨) وإياكم من شرابها الصديد ومن مقامعها الحديد ومن دخول باب من أبوابها ومن لدغ حيّاتها ولسع عقاربها.

(٢١) واعتقد أن شفاعة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩) نبيا حقا حقا ، وكذلك الأئمة الطاهرين الأبرار المعصومين : بدليل ان القرآن العظيم نطق به والنبي عليه‌السلام أخبر به ، فيكون حقا.

(٢٢) والدليل على ان الإمام الحق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل أمير المؤمنين عليه‌السلام : بدليل انه نص عليه نصا متواترا بالخلافة ، ولا نص على أحد غيره ـ مثل أبي بكر والعباس ـ ، والنص مثل قوله : « أنت أخي ووزيري والخليفة من بعدي ».

ويدل على إمامته أيضا انه معصوم وغيره ليس بمعصوم بإجماع المسلمين.

(٢٣) والدليل على ان الإمام من بعد على عليه‌السلام ولده الحسن ثم

__________________

(٦) الآية ٤٠ من سورة الأحزاب.

(٧) في الأصل : وصادقا.

(٨) في الأصل : عاذنا الله.

(٩) كذا في النسخة ، والظاهر سقوط شي‌ء من هذا الموضع ، ويمكن ان تكون العبارة مغلوطة بلا نقصان من البين.

١٠٦

الحسين ثم على ثم محمد ثم جعفر ثم موسى ثم على ثم محمد ثم على ثم الحسن ثم محمد بن الحسن الحجة القائم المنتظر المهدى ، صلوات الله عليهم أجمعين : بدليل قول النبي عليه‌السلام للحسين « ولدي هذا امام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت من غيره ظلما وجورا »

ويدل على إمامتهم عليهم‌السلام أيضا أنهم معصومون ، ولا أحد ممن ادعيت فيه الإمامة بمعصوم بالإمامة فيهم.

(٢٤) والدليل على ان الخليفة الإمام القائم عليه‌السلام حي موجود في كل آن وزمان لا بد فيه من امام معصوم ، فثبت انه حيّ موجود في كل زمان.

(٢٥) ويدلّ على بقائه إلى فناء هذه الأمة : لأنه لطف للناس واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان ، فيكون الإمام حيا والا لزم ان يكون الله تعالى مخلا بالواجب. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

والحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمد وآله

تم الكتاب وربنا المحمود

في يوم الثالث والعشرون [ كذا ] من شهر رمضان ، سنة ثمان وأربعين وتسعمائة

١٠٧
١٠٨

رسالة

فى الفرق بين النّبى والإمام

١٠٩
١١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة فى الفرق بين النبى والامام ، املاء الشيخ أبى جعفر الطوسى رحمه‌الله.

فقال الشيخ ـ أيده الله ـ املاء :

الفرق بين النبى والامام وبيان فائدة كل واحدة من اللفظتين ، وهل يصح انفكاك النبوة من الامامة على ما يذهب اليه كثير من أصحابنا الامامية ام لا؟ والامامة داخلة فى النبوة ولا يجوز أن يكون نبيا ولا يكون اماما على ما يذهب إليه آخرون ، وأىّ المذهبين أصح؟ وأنا مجيب الى ما سأله مستعينا بالله.

اعلم أن معنى قولنا : نبى ، هو انه مؤد عن الله تعالى بلا واسطة من البشر ولا يدخل ـ على ذلك ـ الامام ولا الامة ولا الناقلون عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كانوا بأجمعهم مؤدين عن الله بواسطة من البشر وهو النبى. وانما شرطنا بقولنا من البشر لان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا يروى عن الله تعالى بواسطة لكن هو ملك وليس من البشر ولا يشركه فى هذا المعنى الا من هو نبى.

وقولنا : امام يستفاد منه أمران :

أحدهما أنه مقتدى به فى أفعاله وأقواله من حيث قال وفعل ، لان حقيقة الامام فى اللغة هو المقتدى به ، ومنه قيل لمن يصلّى بالناس : أمام الصلاة.

١١١

والثانى أنه يقوم بتدبير الامة وسياستها وتأديب جناتها والقيام بالدفاع عنها وحرب من يعاديها وتولية ولاتة من الامراء والقضاة وغير ذلك واقامة الحدود على مستحقيها.

فمن الوجه الاول يشارك الامام النبى فى هذا المعنى ، لانه لا يكون نبى الا وهو مقتدى به ويجب القبول منه من حيث قال وفعل ، فعلى هذا لا يكون الا وهو امام.

واما من الوجه الثاني فلا يجب فى كل نبى أن يكون القيم بتدبير الخلق ومحاربة الاعداء والدفاع عن أمر الله بالدفاع عنه من المؤمنين لانه لا يمتنع أن تقتضى المصلحة بعثة نبى وتكليفه ابلاغ الخلق ما فيه مصلحتهم ولطفهم فى الواجبات. العقلية وان لم يكلف تأديب أحد ولا محاربة أحد ولا تولية غيره ، ومن أوجب هذا فى النبى من حيث كان نبيا فقد أبعد وقال مالا حجة له عليه.

فقد بين الله تعالى ذلك وأوضحه فى قوله عز ذكره ( وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا .. ) الآية (٤).

فحكى تعالى ذلك أن النبى قال لهم ( إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً ) وكان النبى غير ملك ، لانه لو كان الملك له لما كان لذلك معنى. ولما قالوا ( أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ) بل كان ينبغى أن يقولوا : وأنت أحق بالملك منه لانك نبى والنبى لا يكون الا وهو ملك سلطان.

ثم اخبر النبى ( بأن الله اصطفاه عليهم ( وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) وانه انما جعله ملكا لما فيه من فضل القوة والشجاعة التى يحتاج (٥) اليها المقام (٦) وللاعداء ، وعلمه بسياسة الامور.

ثم أخبر أن الله يؤتى ملكه من يشاء من عباده فمن (٧) يعلم أن المصلحة فى اعطائه فلو كان الامر على ما قالوا لقال : من يشاء من أنبيائه وكل ذلك واضح.

وايضا فلا خلاف أن هارون عليه‌السلام كان نبيا من قبل الله تعالى موحى اليه ، وان موسى عليه‌السلام ، استخلفه على قومه لما توجه الى ميقات ربه

__________________

(٤) السورة ٢ الآية : ٢٤٧

(٥) فى الاصل : تحتاج اليه.

(٦) كذا فى الاصل ويحتمل زيادة الواو.

(٧) كذا فى الاصل ولعل الصحيح : ممن.

١١٢

تعالى واقامه مقامه فيما هو اليه من القيام بتدبير الامة ، وقد نطق به القرآن فى قوله ، ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٨).

فلو كان له امر من حيث كان نبيا القيام (٩) بأمر الامة لما احتاج الى استخلاف موسى اياه وانما حسن ذلك لانه استخلفه فيما كان إليه خاصة فاستخلف أخاه فيه وأقامه مقامه وذلك ايضا واضح.

ولا خلاف أيضا بين أهل السير أن النبوة فى بنى اسرائيل كانت فى قوم والملك فى قوم آخرين وانما جمع الامران لانبياء مخصوصين مثل داود على خلاف من أهل التوراة فى نبوته ـ وسليمان ـ على مذهب المسلمين ـ ونبينا صلّى الله عليه و [ آله ] وذلك بين جواز انفكاك النبوة من الامامة أوضح بيان.

وأيضا فقد قال الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه‌السلام لما ابتلاه الله بكلمات فاتمهن قال : انى جاعل [ ك ] للناس اماما ، (١٠) فوعده أن يجعله اماما للانام فاماما (١١) اوجبه الله عليه جزاء له على ذلك ، فلو كانت النبوة لا تنفصل من الإمامة لما كان لقوله : انى جاعلك للناس اماما معنى ، لانه من حيث كان نبيا وجب أن يكون اماما على قول المخالف ، كما لا يجوز أن يقول : انى جاعلك للناس نبيا وهو نبى.

فان قيل ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً ) بمعنى جعلتك اماما قلنا : هذا فاسد من وجهين :

احدهما أنه تعالى جعل وعده بأن يجعله اماما جزاء على قيامه بما ابتلاه الله تعالى به من الكلمات وذلك لا يليق الابان يكون المراد به الاستقبال ولو لا ذلك لما قال إبراهيم عليه‌السلام ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) أئمة عقيب ذلك.

والثانى اسم الفاعل اذا كان بمعنى الماضى لا يعمل عمل الفعل ولا يصح أن ينصب به ألا ترى الى القائل اذا قال : ( انى ضارب زيدا ) لا يجوز أن يكون المراد بضارب الا اما الحال او الاستقبال ولا يجوز أن يكون ما مضى ، ولو أراد أنا ضارب زيد أمس لم يجز أن ينصب به زيدا ، والله تعالى نصب ( بجاعلك )

__________________

(٨) السورة : ٧ الآية : ١٤٢

(٩) كذا فى الاصل ولعل الصحيح : بالقيام.

(١٠) السورة ٢ الآية : ١٢٤.

(١١) كذا فى الاصل.

١١٣

فى الآية ( إِماماً ) وجب (١) أن يكون المراد به اما الحال أو الاستقبال دون الماضى ، والنبوة كانت حاصلة له قبل ذلك.

فبان (٢) هذه الجملة انفصال احدى المنزلتين من الاخرى وأن من قال : احداها يقتضى الاخرى على كل حال فبعيد من الصواب.

وهذه الجملة كافية فى هذا الباب.

فاذا ثبت ذلك فقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام : ( أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبى بعدى (٣) لا يجب أن يكون باستثنائه النبوة استثناء (٤) امامته لأنا قد بينا أن الامامة تنفصل عن النبوة فليس فى استثناء (٥) استثناء الامامة.

على أنا لو سلمنا أن كل نبى امام لم يلزم أن يكون كل امام نبيا وانما تكون الامامة شرطا من شروط النبوة وليس اذا انتفت النبوة انتفت الامامة كما أن من شرط النبوة العدالة وكمال العقل وليس اذا انتفت النبوة عن شخص وجب أن ينتفى منه العدالة وكمال العقل لان العدالة وكمال العقل قد ثبت فى من ليس بنبى. وكذلك لا خلاف من أن الامامة قد ثبتت مع انتفاء النبوة فلا يجب بانتفاء النبوة انتفاء الامامة.

وقد استوفينا الكلام فى هذه المسألة فى كتاب الامامة (٦) وفى المسائل الحلبية (٧) ، وبلغنا فيها الغاية ، فمن أراد ذلك وقف عليه من هناك إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) كذا فى الاصل ولعل الصحيح : فوجب.

(٢) كذا فى الاصل.

(٣) راجع غاية المرام للبحرانى ص ١٠٨ ـ ١٥٢

(٤) كذا فى الاصل ولعل الصحيح : استثنى.

(٥) كذا فى الاصل ولعل الصحيح : استثنائها.

(٦) له فى الامامة مؤلفات منها المفصح فى الامامة ومنها تلخيص الشافى فى الامامة ومنها الاستيفاء فى الامامة. والاول لم نقف الا على نسخة ناقصة منه والثانى مطبوع والثالث لم نقف الى الآن على نسخة منه.

(٧) الى الآن لم نقف على نسخة منه ولكن كان عند ابن ادريس ونقل عنها فى كتابه راجع ص ١٨ و ٤٥٥ من السرائر.

١١٤

الكتاب المفصح

في إمامة

أميرالمؤمنين والأئمة عليهم‌السلام

١١٥
١١٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على خيرته من خلقه محمد والطاهرين من عترته وسلم تسليما.

سألت أيها الشيخ الفاضل ـ أطال الله بقاءك وأدام تأييدك ـ إملاء كلام في صحة إمامة أمير المؤمنين على بن أبي طالب صلوات الله عليه من جهة النصوص المروية في ذلك ، وبيان وجه الاستدلال منها ، وإيراد شبه مخالفينا ، المعتمدة على كل دليل ، بغاية ما يمكن من الإيجاز والاختصار ، على حد يصغر حجمه وتكثر منفعته ، وأن أردف ذلك بالكلام في صحة إمامة الاثنى عشر من جهة النظر والاستدلال ، ومن جهة ما روى في ذلك من الاخبار المعتمدة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن اعتمد الاختصار في جميع ذلك وأتجنب الإطالة والإسهاب فيه ، وترك (١) ما لا طائل فيه من شبه المخالفين ، وأنا مجيبك الى ما سألت مستمدا من الله تعالى المعونة والتوفيق لما يحبّ ويرضى انه قريب مجيب.

__________________

(١) واترك. ظ.

١١٧

باب الدلالة على امامة أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام

يدل على إمامته عليه‌السلام ما تواترت به الشيعة مع كثرتها وتباعد ديارها وتباين آرائها واختلاف هممها وقد بلغوا من الكثرة إلى حد لا يتعارفون ولا يتكاتبون ولا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد ـ وقد نقلوا خلفا عن سلف مثلا عن مثل في فصول (١) شرائط التواتر فيهم ، الى أن اتصل نقلهم بالنبي عليه وآله السّلام بأنه نص على أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعله القائم مقامه بعده بلا فصل.

فلا يخلو حالهم في ذلك من أحد أمرين : اما أن يكونوا صادقين أو كاذبين ، فان كانوا صادقين فقد ثبتت إمامته حسب ما ذكرناه ، وان كانوا كاذبين لم يخل كذبهم من أحد أمور : إما أن يكون قد اتفق لهم الكذب فنقلوه على جهة التنحت ، أو تواطئوا عليه ، أو جمعهم على ذلك ما يجرى مجرى التواطؤ ، أو اتفق أحد ذلك في أحد الفرق الناقلة فيما بيننا وبين نبينا عليه‌السلام ، أو كان الأصل فيهم واحدا ثم انتشر الخبر عنه وظهر. وإذا بين فساد جميع ذلك لم يبق الا ان الخبر صدق حسب ما قدمناه.

ولا يجوز أن يكون قد اتفق لهم الكذب من غير تواطؤ ، لأن العادة مانعة من وقوع أمثال ذلك ونظائره ، ألا ترى انا نعلم استحالة أن يتفق الشعراء جماعة كثيرة التوارد في قصيدة واحدة على وزن واحد ورويّ واحد ومعنى واحد ، وكذلك يستحيل على مثل أهل بغداد أن يتكلموا ـ كلهم ـ بكلام واحد أو غرض واحد ، ويجرى ذلك في الاستحالة مجرى اتفاقهم على أكل طعام واحد ، والتزييّ بزيّ واحد وما يجرى مجرى ذلك. وإذا ثبتت استحالة جميع ما ذكرناه فما ذكرناه لاحق به في الاستحالة.

ولا يجوز أن يكونوا تواطئوا عليه لأن التواطؤ اما ان يكون وقع منهم باجتماع بعضهم الى بعض ، وهذا مما يعلم استحالته فيهم لكثرتهم وتباعد ديارهم وأوطانهم ، أو يكون وقع التواطؤ منهم بالتكاتب والتراسل ، وهذا أيضا محال ، لانه من المحال ان يكاتب الشيعة في أقطار الأرض بعضهم بعضا ويتفقوا على شي‌ء بعينه. وكيف

__________________

(١) كذا في الأصل. ولعل الصحيح : مع حصول.

١١٨

يصح ذلك وفيهم جمّ غفير في كل بلد لا يعرفون ممن في بلاد أحدا (١) إلا الواحد والاثنين فاما الباقون فلا يعرفون ، ومن هذا حكمه فإنه تستحيل المكاتبة بينهم. ولو كان ذلك مما يصح أيضا لوجب ان يظهر في أوجز مدّة لأن ما يجرى هذا المجرى من الأمور العظيمة التي يتواطؤ الناس عليها فإنها لا يجوز أن يخفى بل لا بد من ظهورها في أسرع الأوقات.

فأما ما يجرى مجرى التواطؤ أيضا فمفقود فيهم ، لأن ذلك لا يكون إلا إما رغبة في العاجل أو رهبة ، وكلا الأمرين منتفيان عن النصّ لأن الذي ادعي له النصّ لم يكن له سوط فتخاف سطوته فيدعو ذلك الى افتعال النص عليه (٢) بل كانت الصوارف حاصلة فيما يختص هو به من الفضل من نشره (٣) وكتمان مناقبه ، ولا كان له أيضا دنيا فيكون الطمع في نيلها داعيا الى وضع النص له.

ولو كان الأمران أيضا حاصلين لمن ادعي له النص لما جاز أن يكون ذلك داعيا الى افتعال خبر بعينه الا من جهة التواطؤ الذي أبطلناه. وانما يجوز ان يكون الأمران داعيين الى وضع فضيلة ما له في الجملة ، فأما أن يكون داعيا الى وضع فضيلة بعينها على صيغة مخصوصة فإن ذلك من المحال حسب ما قدمناه.

وليس لأحد أن يقول إذا جاز أن ينقلوا الخبر الصدق لكونه صدقا ويكون علمهم أو اعتقادهم لصدقه داعيا الى نقله من غير تواطؤ [ فلم ] لا يجوز أن ينقلوا الكذب لمجرّد كونه كذلك من غير تواطؤ ، لأن الدلالة فرقت بين الموضعين ، لأنا نعلم ان العلم أو الاعتقاد لكون الخبر صدقا داع الى نقله ، والاعتقاد لقبح الشي‌ء أو كون الخبر كذبا وان جاز ان يكون داعيا على بعض الوجوه ، فلا يجوز أن يشمل ذلك الخلق الكثير. على ان العلم بقبح الشي‌ء لا يكون داعيا الى فعله بل هو صارف عن فعله ، وانما يدعو في بعض الأوقات لأمر زائد على كونه قبيحا من نفع أو دفع مضرة وقد بينا ان كليهما لم يكن في خبر النص ، ولو كان لكان داعيا الى وضع الفضائل المختلفة دون ان يكون ذلك داعيا الى وضع فضيلة بعينها.

وجميع ما قدمناه من وجوه البطلان في الطرق التي بيّنا فإنه يبطل أيضا ان

__________________

(١) كذا في الأصل. ولعل الصحيح : أخر.

(٢) له. ظ

(٣) والدواعي حاصلة الى كتمان مناقبه. ظ.

١١٩

يكون قد اتفق ذلك في كل فرقة بيننا وبين النبي عليه‌السلام.

ويبطله أيضا ان الذين نقلوا الخبر ذكروا أنهم أخذوا عن أمثالهم في الكثرة واستحالة التواطؤ عليهم فلو جاز ان يكونوا كاذبين في ذلك لجاز أن يكونوا كاذبين في نفس الخبر وذلك قد بينا فساده.

وليس لأحد أن يقول ان كونهم بصفة المتواترين انما يعلم بالدليل ولا يعلم ذلك بالضرورة فما أنكرتم ان يكون قد دخلت عليهم الشبهة فاعتقدوا في من ليس بصفة المتواترين انهم متواترون.

وذلك انّ العلم بأن الجماعة قد بلغت الى حد لا يجوز على مثلها التواطؤ مما يعلم بأدنى اعتبار العادة وليس ذلك مما يجوّز دخول الشبهة فيهم ، وانّما تدخل الشبهة فيما طريقه النظر والاستدلال.

فأما الذي يبطل ان يكون الأصل في خبر النص واحدا ثم انتشر وظهر ، هو انه لو كان الأمر على ذلك لوجب ان يعلم الوقت الذي أبدع فيه ومن المبدع له حتى يعلم ذلك على وجه لا تحيل (١) على أحد من العقلاء.

الذي يدل على ذلك ان كل مذهب حدث بعد استقرار الشريعة لم يكن ، فإنه علم المحدث له والوقت الذي أحدث فيه ، ألا ترى انه لما كان أول من قال بالمنزلة بين المنزلتين وأصل بن عطاء وعمرو بن عبيد علم ذلك ولم يخف ، ولما كان حدوث مذهب الخوارج عند التحكيم علم ذلك أيضا ولم يخف ، وكذلك مذهب أبي الهذيل في تناهى مقدورات الله تعالى وان ذاته علمه علم ذلك ولم يخف ، وكذلك مذهب النظام في الجزء والطفرة من الاسلاميين ، وكذلك مذهب جهم بن صفوان لما لم يكن له سلف نسب المذهب اليه وعلم ، وكذلك مذهب ابن كلاب ومن بعده مذهب الأشعري في القول بقدم الصفات علم ذلك ولم يخف ، وكذلك لما لم يكن قد سبق أبا حنيفة من جمع فقهه على طريقته فنسب فقهه اليه ، وكذلك مذهب مالك والشافعي ولم يخف ذلك على أحد من العقلاء ممن سمع الاخبار.

فلو كان القول بالنص جاريا هذا المجرى لوجب ان يعلم المحدث له

__________________

(١) لا تخفى. ظ.

١٢٠