رسائل الشهيد الأوّل

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]

رسائل الشهيد الأوّل

المؤلف:

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-251-6
الصفحات: ٣٧٦

والمراد بالحديث الحمل على الأغلب ؛ إذ المراد كامل النجابة ، فإنّ الكماليّة منتفية قطعا ، ومن روى الحديث « لا ينجب » فمعناه لا يلد نجيبا عند بعضهم. وإن سلّم عدم النجابة على الإطلاق ، فهي عدم صفة كمال لا يلزم نفي الإيمان ؛ إذ ليست مسمّاه ولا لازمه. والمرتضى ( رضي‌الله‌عنه وأرضاه ، ورفع درجته ومثواه ) ومن أخذ أخذه بالغ في الحكم بكفره وأنّه إذا أظهر إيمانا فإنّ باطنه يكون مخالفا له. (١)

والمراد به من كان في نفس الأمر عن زنى. أمّا الأحكام الشرعيّة فإنّها تتبع الظاهر لا في نفس الأمر.

المسألة الثانية والعشرون : ما قوله ( دام ظلّه ) في آنية الخمر المنقلب خلّا لو كانت ناقصة ، هل يطهر أعلاها الخالي من الملاقي مع أنّه نجس بملاقاة الخمر له ، أم لا؟ فإن كان الثاني ، تعذّر الانتفاع بذلك الخلّ ؛ إذ يتعسّر إخراجه إلّا بعد ملاقاة ذلك المحيط النجس.

الجواب : بل يطهر الإناء كلّه.

ومن الناس من حكم بطهارة موضع الخلّ وجعل تناوله بثقب الآنية وشبهه.

وليس بشي‌ء ، والله الموفّق.

المسألة الثالثة والعشرون : ما قوله ( دام شرفه ) في شخص ملك مالا في وقت لا يتمكّن فيه من قطع المسافة إلى الحجّ ، كمن ملك في العراق في صغر مثلا ثمّ إنّه عقد نكاحا بمهر لا يفضل ممّا يملكه عن قدر ما يقطع به المسافة للحجّ في وقته ، هل يكون الحجّ مستقرّا في ذمّته والحال هذه أم لا؟

وهل لو لم يكن عقد نكاحا ، بل وهب ذلك المال قبل وقت الحجّ هل تصحّ الهبة ولم يستقرّ الحجّ في ذمّته ، أم لا؟

وهل لو كان عليه كفّارات أو نذور مقيّدة أو مطلقة ، أو ملتزم بعهد أو يمين ، هل يجب صرف المال فيه ، أم في الحجّ ، على تقدير أن لا يكفي للجميع.

وهل يعتبر الزاد والراحلة من مئونة السنة في الخمس ، أم لا؟

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٤٠٠ و ٣ : ١٣١ ـ ١٣٢.

٢٨١

وهل يصحّ الحجّ مع شغل الذمّة بحقّ الله كزكاة أو خمس ، أو حقّ آدميّ كمغصوب أو مستدان مطالب به أو لا يعلم به المستحقّ ، أم لا؟ فإن كان الثاني ، فما المراد من قولهم : لو حجّ بمال حرام صحّ حجّه مع سبق الوجوب بغيره؟

الجواب : لا يستقرّ الحجّ على هذه الصورة ، والمراد بمنع الأصحاب من التزويج لمن استطاع هو المنع في أيّام سفر القافلة أو ما قاربه. وكذا الكلام في الهبة وغيرها.

والكفّارات المختصّة في المال والنذور كذلك معتبرة من جملة الديون التي تمنع الاستطاعة إلّا بعد إيفائها والخروج منها.

والخمس لا يتعلّق بقدر الاستطاعة ؛ لأنّها من المؤن.

نعم ، لو كان ملكه الاستطاعة تدريجا في سنين متعدّدة ، فإنّ الخمس يتعلّق بالسنين السالفة على كمال الاستطاعة.

والأصحّ صحّة الحجّ لمن عليه حقوق وإن كانت مضيّقة ؛ لأنّهما واجبان اجتمعا فيخرج عن العهدة بفعل أيّهما شاء.

والاحتجاج بأنّ حقّ الآدميّ مقدّم على حقّ الله تعالى ، والأمر بالشي‌ء نهي أو مستلزم للنهي عن ضدّه ؛ وأنّ النهي مفسد للعبادة ممنوع مقدّماته ، لكن ثمار تحقيقه في الأصول.

المسألة الرابعة والعشرون : ما قوله ( أدام الله فضله ) فيما قوّاه شيخنا في المختلف من أنّه لو لم يعلم الوصي بالوصيّة فله ردّها بعد موت الموصي (١) ، هل يعمل عليه سيّدنا ، أم لا؟

فإن كان الثاني ، فلو ردّ الوصيّ الوصيّة ، هل يكون ضامنا لما يتلف من مال الموصي ـ على تقدير أنّه لو دخل في الوصيّة يحفظه ـ أم لا؟

الجواب : الذي دلّ عليه كلام أصحابنا والرواية (٢) أنه لا يجوز الردّ ، فلو ردّ لما يحفظ ، كان ضامنا لما يتلف بسبب إهماله الحفظ ؛ لأنّ ذلك عين التفريط.

المسألة الخامسة والعشرون : ما قوله ( دام فضله ) فيما يتداوله التجّار من أنّهم يوردون أثمان أمتعتهم عند الصرّاف مع غلبة ظنّهم أنّه أحفظ لها ؛ فلو كان بيد شخص وديعة أو

__________________

(١) مختلف الشيعة ٦ : ٢٩٩ ، المسألة ٨٢.

(٢) الفقيه ٤ : ١٤٤ / ٤٩٦ ؛ الوسائل ١٩ : ٣١٩ / ١ ، باب ٢٣ من أبواب الوصايا.

٢٨٢

مضاربة ، أو هو وكيل حتّى أورد ثمن ذلك عند الصرّاف من غير إشهاد عليه ، هل يكون مفرّطا بمجرّد ذلك أم لا؟

وهل فرق بين ما لو كان الصرّاف مسلما أو كافرا ، عدلا أو فاسقا ، أم لا؟

وهل لو أورد ذلك عند الصرّاف ولم يعلمه أنّه لغيره حتّى أورد لنفسه شيئا آخرا ، يكون بمجرّد ذلك قد مزجه في ماله أم لا؟

وهل يجب عليه ـ والحال هذه ـ أنّه إذا أخذ من الصرّاف شيئا أن يقول : « أعطني من الوجه الفلاني الذي لي » أم يكفي قصده إليه من غير إعلام الصرّاف؟

وما قوله أنّه إذا قبّل الحوالة بثمن الوديعة على الصرّاف من غير قبض يكون ذلك بمنزلة القبض ، ويصحّ تسليم العين حينئذ؟ ولو كان تسليم العين سابقا على الحوالة أو على قبض الثمن ـ كما قد جرت عادة التجّار به ـ يكون تفريطا ، أم لا؟

الجواب : إذا لم يكن مأذونا في الإيداع بغير إشهاد ، ضمن بترك الإشهاد ، سواء كان الصيرفيّ عدلا أو لا. ولا فرق بين أن يجعله وديعة عنده أو قرضا عليه. أمّا لو خلطه فإن كان قد جعله وديعة وخلطه الصيرفيّ بماله ، ضمن المودع مع عدم سبق الإذن من المالك ، وله أيضا تضمين الصيرفي ، ويرجع مع جهله على المودع.

وأمّا القبض فإن كان مأذونا في الاقتراض ولم يعلم الصيرفيّ باشتراك المال بينه وبين غيره ، فالظاهر أنّ نيّة القابض كافية ، وإن علم فلا بدّ من تعيين الصيرفيّ المدفوع.

والحوالة على الصيرفيّ وقبوله بمناسبة القبض ، فيجوز تسليم السلعة إلى المحيل ، ولو سلّم العين قبل ذلك ، كان ضامنا. هذا كلّه إذا لم يكن العامل قد استأذن في هذا كلّه.

المسألة السادسة والعشرون : ما قوله ( دام ظلّه ) في شخص أودع شخصا آخر وديعة يسلّمها إلى آخر ولم يأمره بالإشهاد عليه بل على المودع ، أو قال له المستودع : « إنّي لا أشهد عليه » فرضي بذلك ، ثمّ اتّفق موت المودع قبل تسليم المستودع الوديعة ولم يعلم بموته ، ثمّ سلّمها إلى ذلك المأمور بتسليمها إليه من غير إشهاد ، ثمّ علم فيما بعد بموت المودع ، هل يكون الودعيّ الأوّل ضامنا لها لتركة الميّت ـ لعدم إشهاده أو لعدم إذنهم في التسليم ـ أم لا ، ويكون إذن الميّت كافيا؟

٢٨٣

الجواب : يضمن ولو دفعها بإشهاد ؛ لأنّ الآذن بموته انفسخت الوديعة وصارت أمانة شرعيّة لا يجوز إيداعها عند الغير ـ مع إمكان حفظها على حال ـ إلّا بإذن الوارث. والجهل بانتقالها إلى الوارث ليس مزيلا للضمان ؛ لتساوي الخطأ والعمد في إتلاف الأموال.

نعم ، يزيل الإثم في الدفع.

المسألة السابعة والعشرون : ما قوله ( دام عزّه ) فيما يخرجه الودعي والمضارب والوكيل على العروض ممّا لم يستحقّ شرعا ، كالتمغاوات ووزن الأعراب ومداراتهم ، هل يكون لازما مع عدم إذن المودع والموكّل والمضارب ، أم لا؟

وهل بمجرّد طلبة الظالم لذلك يباح التسليم ، أم يتوقّف على توعّده بالإيذاء ولو بالشتم ـ مثلا ـ أو كلام لا يتحمّله مثله؟

وهل يجوز للودعي والعامل والوكيل استنابة أحد في الإخراجات المذكورة ، أم تجب المباشرة بنفوسهم؟

وهل لو كان بيده حمول متعدّدة لأشخاص متعدّدين ، ولكلّ حمل على حدته مميّز وله دراهم معيّنة للإخراج عليه ، فاتّفق أن أخرج أحد الأموال على جميع الحمول على مظلمة معيّنة ، وقسط صاحب المال منها جزء معلوم ، ثمّ أخرج مال الآخر في مظلمة أخرى على الوجه المذكور ، هل له فيما بعد توزيع ذلك المخرج على الحمول وحساب كلّ حمل بقسطه ممّا فضل لصاحب الفاضل من مال الآخر ، وهكذا ، أم ليس له ذلك ، بل يجب إخراج كلّ مال على حدته في وجه المداراة عن صاحبه بقسط منه؟

فإن كان الثاني ، فلو فرض انتزاع مال صاحب الحمل ثمّ جاءت مظلمة أخرى وليس له مال وليس هناك من يباع عليه جزء من الحمل ويخرج ثمنه عنه ، هل للذي بيده المال استدانة مال للإخراج ويكون لازما لصاحب الحمل أم لا؟

ولو فرض أنّ هناك مشتريا ، لكن بالثمن الأوكس ، هل يكون مخيّرا ، أم يراعي الأصلح لو كان الدين بفائدة أيضا ، أم يتحتّم البيع؟

وما قوله فيمن يستأجر لحمل مع شخص ، ويشترط المستأجر على المؤجر ضمان جميع المظالم أو الوزون المتعلّقة به ، ويزيده على أجرة المثل زيادة تقارب تلك المظالم ،

٢٨٤

هل يصحّ الشرط ويلزم الضمان ، أم لا؟

وهل لو فضل عن أجرة المثل وعن ما دفع في وجه المظالم شي‌ء عن الذي عقد به ، يستحقّه المؤجر أم لا؟ وكذا لو أعوز ، هل يجب على المستأجر الدفع إلى المؤجر ما أعوز ، أم لا؟

الجواب : إذا كان الموكّل والمودع والقارض يعلم بالحال وقد صار هذا مشهورا ، فلا ضمان فيه ولا إثم ، ولا يتوقّف تسليمه على أمر آخر ، بل يكفي الطلب الذي يغلب معه الظنّ بالإضرار عليه وعدم المكنة من دفعه.

وإذا كان لجماعة متعدّدة ، أعطى من مال كلّ عن ماله ، ولو اقتضت المصلحة المهاياة في الأموال على ما جرت به العادات ، كان جائزا ولا ضمان.

وتجوز الاستنابة تبعا للعادة ممّن عادته المباشرة أو الاستنابة ، والظاهر أنّ العادة جارية في هذه الضرائب إلى الأعراب أن يتولّاها من القافلة بعضهم ، فاتباع هذا جائز.

وله الاستدانة على صاحب الحمل إذا كان أصلح من البيع تبعا للعرف.

والاستئجار المذكور فيه شرط المظالم باطل ؛ للجهالة بوجودها ثمّ بقدرها ، فلو دفع شيئا بإذنه وكان قد دفع إليه أجرة ، تقاصّا ، ورجع صاحب الفضل.

ومولانا ـ أدام الله تعالى إفادته ـ هو صاحب الفضل والفضائل ، وعزّ العلماء الأماثل ، أطلع الله شمس علومه في الآفاق ، وحال بينه وبين ما يمنع من استكمال النفس على الإطلاق ، ونفعنا ببركات دعواته وأنفاسه وأدام نظرها لمجاري عن أنفاسه بحقّ الحقّ وأهله ، وصلّى الله على محمّد وآله ، والحمد لله ربّ العالمين.

٢٨٥
٢٨٦

(١٣)

الوصيّة بأربع وعشرين خصلة [١]

٢٨٧
٢٨٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

هذه وصيّة العبد الضعيف ، كاتب هذه الأحرف ، محمّد بن مكّي ـ تاب الله عليه توبة نصوحا ، وكان من هفواته وزلّاته صفوحا ـ إلى إخوانه في الله ، وأحبّائه لله ، ويبدأ بنفسه ، ثمّ بهم ، وهي مشتملة على أمور :

أوّلها : تقوى الله تعالى فيما يأتون ويذرون ، ومراقبته ومخافته ، والحياء منه في الخلوات.

وثانيها : ذكره بالقلب على كلّ حال ، وباللسان في معظم الأحوال.

وثالثها : التوكّل عليه ، وتفويض الأمور إليه ، والالتجاء عند كلّ مهمّ إليه.

ورابعها : التمسّك بشرائع الدين ، فلا يخرج عنها شعرة ؛ لئلّا تحصل الضلالة.

وخامسها : المباشرة على الفرائض من الأفعال والتروك ، بحسب ما جاءت به الشريعة المطهّرة.

وسادسها : الاستكثار من النوافل ، بحسب الجهد والطاقة والفراغ والصحّة ، وخصوصا الصلوات المندوبة فإنّها خير موضوع ، وما يقرّب العبد إلى الله تعالى بعد المعرفة بأفضل منها ، وخصوصا الليليّة منها.

وسابعها : كفّ اللسان عن الهذر والغيبة والنميمة واللغو.

__________________

(١) هذه الرسالة مطبوعة في جريدة « كيهان العربي » العدد ٤١٧ في الثامن من شهر جمادى الأولى عام ١٤٠٥ ه‍ ق.

٢٨٩

وكفّ السمع عن اللغو ، وعن سماع كلّ ما لا فائدة فيه ، دينيّة أو دنيويّة. وكفّ الأعضاء عن جميع ما يكرهه الله تعالى.

وثامنها : الزهد في الدنيا بالمرّة ، والاقتصار في البلغة منها ، والقوت من حلّه ، ومهما أمكن الاستغناء عن الناس فليفعل ؛ فإنّ الحاجة إليهم الذلّ الحاضر.

وتاسعها : دوام ذكر الموت ، والاستعداد لنزوله. وليكن في كلّ يوم عشرين مرّة ، حتّى يصير نصب العين.

وعاشرها : محاسبة النفس عند الصباح والمساء على ما سلف منها ، فإن كان خيرا استكثر منه ، وإن كان شرّا رجع.

وحادي عشرها : دوام الاستغفار بالقلب واللسان. وصورته : « اللهمّ اغفر لي ، فإنّي أستغفرك وأتوب ».

ومن وصيّة لقمان لابنه ، أن يكثر من : « اللهمّ اغفر لي » فإنّ لله أوقاتا لا يردّ فيها سائلا.

وثاني عشرها : الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر مهما استطاع ، على ما هو مرتّب شرعا.

وثالث عشرها : مساعدة الإخوان ، والتعرّض لحوائجهم ، بحسب الحاجة والمسكنة.

وخصوصا الذرّيّة العلويّة ، والسلالة الفاطميّة.

ورابع عشرها : التعظيم لأمر الله تعالى ، والتعظيم لعلماء الدين وأهل التقوى من المؤمنين.

وخامس عشرها : الرضى بالواقع ، وأن لا يتمنّى ما لا يدرى أهو خيرة ، أو لا ، ودوام الشكر على كلّ حال.

وسادس عشرها : الصبر في المواطن ؛ فإنّه رأس الإيمان.

وسابع عشرها : دوام الدعاء بتعجيل الفرج ؛ فإنّه من مهمّات الدين.

وثامن عشرها : دوام دراسة العلم مطالعة وقراءة وتدريسا وتعليما وتعلّما. ولا تأخذه فيه لومة لائم.

وتاسع عشرها : الإخلاص في الأعمال ؛ فإنّه لا يقبل الأركان إلّا خالصا صافيا. والرياء

٢٩٠

في العبادة شرك ( نعوذ بالله منه ).

وعشرونها : صلة الأرحام ، ولو بالسلام إن لم يمكن غيره.

وحادي عشرونها : زيارة الإخوان في الله تعالى ، ومذاكرتهم في أمور الآخرة.

وثاني عشرونها : أن لا يكثروا في الرخص ، والأخذ بها ، والتوسعة. ولا يكثروا التشديد على أنفسهم في التكليف. بل يكون بين ذلك قواما.

وثالث عشرونها : أن لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة دينيّة أو دنيويّة.

ورابع عشرونها : معاشرة الناس بما يعرفون والإعراض عمّا ينكرون ، وحسن الخلق ، وكظم الغيظ ، والتواضع بهم ، وسؤال الله تعالى أن يصلحهم ويصلح لهم.

وملاك هذه الأمور كلّها تقوى الله ، ودوام مراقبته. والسلام عليهم جميعا ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين.

٢٩١
٢٩٢

(١٤)

الوصيّة [٢]

٢٩٣
٢٩٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عليك بتقوى الله في السرّ والعلانية ، واختيار الخير لكلّ مخلوق ولو أساء إليك ، واحتمال الأذى ممّن كان من خلق الله. ولو شتمت وأهنت فلا تقابل الشاتم بكلمة واحدة.

وإذا غضبت فإيّاك والكلام ، ولكن تحوّل من مكانك وتشاغل بغيره يزل غضبك وغيظك.

وعليك بالفكر لآخرتك ودنياك.

وإيّاك والخلوّ من التوكّل على الله في جميع أمورك ، وكن واثقا به في مهمّاتك كلّها.

وعليك بالشكر لمن أنعم عليك.

وإيّاك والضحك ؛ فإنّه مميت القلب.

وإيّاك وتأخير الصلاة عن أوّل أوقاتها ولو كان لك شغل أيّ شغل كان. ولا تترك القضاء لصلاة عليك ولو يوما واحدا ، فإذا فرغت من الصلاة فصلّ النوافل.

وعليك بالملازمة في طلب العلم منذ كان ، ولا تتلوه على كلّ أحد ، بل تستقبل من كلّ أحد [؟ ].

وإيّاك ومنازعة من تقرأ عليه والردّ عليه ، بل خذ ما يعطي بالقبول.

وإيّاك أن تترك النظر في الذي تقرؤه ليلة واحدة.

واجعل لك وردا من القرآن ، وإن تمكّنت من حفظه فاحفظ ، بل احفظه ما استطعت.

واجتهد أن يكون كلّ يوم خيرا من ماضيه ولو بقليل.

٢٩٥

وإيّاك وأن تسمع نميمة أحد من خلق الله ؛ فإنّها نقمة لا تعدّ ولا تحصى.

ولا تنقطع عن الزيارات.

وإيّاك وأن تحادث أحدا في غير العلم.

وإيّاك وكثرة الكلام ، ونقل كلام أحد.

وإذا زرت أو دعوت اذكرنا سرّا ، وادع لنا بخاتمة الخير وحسن التوفيق ، وإن تمكّنت عقيب كلّ صلاة فافعل.

وعليك بالمواظبة في كلّ يوم بخمس وعشرين مرّة : « اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات » فإنّ فيها ثوابا جزيلا.

ولا تترك الاستغفار عقيب العصر سبعا وسبعين مرّة.

وأكثر من قراءة « إنّا أنزلناه » و « قل هو الله أحد ».

٢٩٦

(١٥)

الوصيّة [٣]

٢٩٧
٢٩٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وأوصيهم ببذل المجهود في الجمع بين القلب واللسان في التلاوة وسائر الأذكار في الركوع والسجود وسائر الهيئات. لا يقنع أحدهم أن يحضر عند الله تعالى بقالبه دون قلبه. وعلى قدر ضبط الجوارح عن الفضول بين كلّ فريضتين يجد قلبه في الصلاة.

وأوصيهم بذكر الله عزوجل باللسان والقلب ؛ فأمّا القلب ففي كلّ مجلس ومحفل وكلّ طريق يسلكونه ، وعند الأكل والوضوء خاصّة ؛ فإنّ الذاكر على طعامه ووقت وضوئه يقلّ طروق الشيطان على قلبه ، وتقلّ وسوسته في صلاته.

وأوصي الإخوان بالدوام على الطهارة. ينبغي للعبد أن لا يحدث إلّا ويجدّد الوضوء ؛ فإنّه سلاح المؤمن.

ومهما قدر أن لا يقعد إلّا مستقبل القبلة ، وكلّ مجلس لا يكون فيه مستقبل القبلة يعتقد أن قد فاتته فضيلة. ويتصوّر في كلّ مجلس كأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاضر حتّى يتأدّب في قوله وفعله. ولا ينام إلّا على طهارة مستقبل القبلة.

ومن أنفع الوصايا القيام بالليل ، فإنّه دأب الصالحين ؛ فإنّهم لا يدع أحدهم أن ينقضي ليله ولم تكن له فيها نافلة إمّا في أوّلها أو أوسطها أو آخرها.

وأحبّ من إخواني أن لا يدعوا يوما بليله لا يكونوا فيه بين يدي الله تعالى متأسّفين على ما بدر منهم من أمر ، وفاتهم من عوالي الدرجات.

ومن العون الحسن على حقائق العبوديّة ذكر الموت. وقد قيل : يا رسول الله هل يحشر

٢٩٩

مع الشهداء؟ قال : « نعم ، من يذكر الموت بين اليوم والليلة عشرين مرّة ». فذكر الموت يقصّر الأمل ويحسّن العمل.

وممّا انتفعت به في زماني وأوصي به إخواني البكور إلى الجمعة : يجتهد أحدهم أن يصلّي فريضة الصبح في الجامع ويشغل وقته بالصلاة والتلاوة وأنواع الذكر إلى أن يؤدي الفريضة. فيوم الجمعة يوم الآخرة لا يشغل بشي‌ء من أمور الدنيا. ويغتسل للجمعة قبل طلوع الشمس. فإن أمكنه الغسل مع البكور إلى الجمعة قريب الصلاة ، فحسن.

وأحبّ من الإخوان أن لا يدعوا يوما بلا صدقة ، ولا يدعوا أسبوعا كاملا بلا صوم ، فيصوم أحدهم الأثانين والأخمسة والجمع ، وإلّا فيومين منها.

وأوصيهم أن لا يذكروا أحدا من المسلمين إلّا بخير على ما يعتقد فيه من بدعة أو شبهة ، ولا يفتحوا على أنفسهم باب التأويل للوقيعة في المسلمين.

وأحبّ من الإخوان ترك الكلام في أمر الدنيا بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح ، ثمّ يختم المجلس بركعتين.

هذا ما حضرني في الوقت ، وكتبته للإخوان بمدينة دمشق حماها الله ، ووفّقهم وإيّاي لما يحبّ ويرضى بحوله وكرمه ، والحمد له وحده ، وصلواته على سيّدنا محمّد وآله.

٣٠٠