رسائل الشهيد الأوّل

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]

رسائل الشهيد الأوّل

المؤلف:

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-251-6
الصفحات: ٣٧٦

على أنّا نقول : تحريم السفر يستلزم عدم تحريمه ، فإنّه لا وجه لتحريمه إلّا إخلاله بالصوم الواجب ، وعلى تقدير تحريمه لا يجوز الإفطار ، وإذا لم يجز الإفطار زال المقتضي للتحريم ، وزوال التحريم يثبت أنّه يلزم من القول بالتحريم جوازه ، وكلّ ما يستلزم ثبوته رفعه كان ثبوته محالا فيكون ثبوت التحريم محالا وإذا استحال ثبوت التحريم تثبت الإباحة ؛ إذ لا واسطة.

والله تعالى الموفّق لكلّ خير ، المرجوّ لدفع كلّ ضير ، بمنّه وكرمه.

والحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وخاتمهم محمّد بن عبد الله ، وعلى عترته الأئمّة الأصفياء ، صلاة متّصلة إلى يوم الدين ، وعلى أصحابه الراشدين والتابعين وتابعي التابعين.

وكتب مؤلّفها محمّد بن مكّي ، تجاوز الله عن سيّئاته.

٢٦١
٢٦٢

(١٢)

أجوبة مسائل الفاضل المقداد

٢٦٣
٢٦٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اللهمّ سهّل يا كريم.

الحمد لله المحمود على إفضاله ، والمشكور على نواله ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله.

وبعد ، فإنّ هذه المسائل الجليلة والأجوبة الحسنة الجميلة من مسائل المولى الجليل ، العالم الفاضل المحقّق المدقّق ، فريد دهره ووحيد عصره ، الشيخ الأعظم والمولى المعظّم شرف الملّة والحقّ والدين ، أبو عبد الله المقداد بن السعيد المغفور جلال الدين عبد الله بن محمّد بن حسين السيوري ، عن علّامة العلماء ورئيس الفضلاء ، أنموذج المتقدّمين ، أفضل المتأخّرين ، وعلّامة المجتهدين السعيد الشهيد الشيخ شمس الملّة والحقّ والدين ، محمّد بن السعيد المرحوم شرف الدين المكّي ( قدّس الله روحه ، وبأرفع الدرجات سرّه ، ورفع في الملإ الأعلى ذكره ، وحشره مع النبيّين وفي زمرة الأئمّة المعصومين ) وهي سبعة وعشرون مسألة :

المسألة الأولى :

ما قوله ( دام ظلّه وفضله ) فيما يتملّك بعقد الهبة ، هل يجب فيه الخمس ـ كما هو رأي أبي الصلاح (١) ـ أم لا؟

وعلى تقدير عدم الوجوب لو كان التاجر لا يتملّك شيئا بعقد البيع بل بعقد الهبة في

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٧٠.

٢٦٥

جميع أحواله ، أو على وجه المعاطاة من غير عقد أصلا هل يجب عليه الخمس في الصورتين أم لا؟

وعلى تقدير تملّكه بعقد البيع ، لو وهب في السنة أو ضيّف أو أهدى ممّا فيه قصد القربة أو لا ، فهل يجب عليه الخمس فيما يهبه أو يتصدّق به أو يهديه أو يضيّف به ممّا يكون زائدا على مئونة السنة له ولعياله أم لا؟

وعلى تقدير عدم الوجوب لو وهب هذا التاجر المتملّك بعقد البيع ما أفاده رأس ماله في السنة جميعه ، هل يجب عليه الخمس أم لا؟ أفتنا مثابا مأجورا.

الجواب : قال ( دام ظلّه ) : يديم فواضل مولانا وفضائله ، ويتقبّل فرائضه ونوافله ، الأصحاب معرضون عن هذا القول ، مع قيام الدليل على قوّته ؛ لدخوله في مسمّى الغنيمة ، واتّباعهم أولى ؛ تمسّكا بالأصل وما عليه المعظم.

والمراد بمحلّ النزاع : المملوك بهبة غير معتاض عنها ، أمّا الهبة المعوّض عنها فهي كالبيع قطعا ، ولو أنّ التاجر فعل ذلك لم يسقط عنه الخمس. والمعاطاة هنا بحكم البيع.

وأمّا هبة المال في أثناء السنة والضيافة غير المعتادة وشبه ذلك فهو مخرج عن العهدة ؛ لأنّ المعتبر في الإنفاق عدم الإسراف والإقتار ، فالمسرف يحسب عليه والمقتر يحسب له ، وأمّا الضيافة المعتادة فهي تغتفر هنا.

المسألة الثانية : ما قوله ( دام فضله ) في شخص بيده مال على وجه المضاربة لعدّة أشخاص ، وله عليه نفقة على الوجه المقرّر شرعا وعرفا ، لو أنفق من أحد الأموال المتعدّدة على نيّة المحاسبة والمقاصّة ، أو من ماله بالنيّة المذكورة ، هل له المحاسبة وتوزيع ذلك المخرج في النفقة فيما بعد ، وأخذ القسط من كلّ مال على حدته أم لا؟

وهل لو كان بيد العامل مال آخر على سبيل البضاعة لشخص غير ربّ مال المضاربة أو له ، وشرط على العامل توزيع النفقة على مجموع ما بيده ، هل يلزم الشرط وتكون النفقة على الجميع ويلزم مال البضاعة قسطه؟ أو يلزم الشرط ويكون قسطه على العامل؟ أو لا يلزم الشرط وتكون النفقة مختصّة بمال المضاربة؟

ولو لم يكن الشرط حاصلا هل يلزم مال البضاعة قسطه أم لا؟ وعلى تقدير لزوم قسطه

٢٦٦

هل يكون على العامل أو في المال نفسه؟ أفتنا مثابا مأجورا ، أدام الله فضائلكم.

الجواب : نعم ، له الإنفاق من ماله بنيّة الرجوع ، وأمّا من بعض الأموال فلا يجوز إلّا مع تعذّر الإنفاق من المال الآخر ، ولو تعذّر فأنفق بنيّة البسط ، جاز ، والمحكّم في ذلك العرف.

وأمّا البضاعة فلا حظّ لها من الإنفاق إلّا بإذن المالك ، فإن أذن وزّع ، وإلّا يقبّلها على العامل تنزيلا لها منزلة ماله ، فإنّه لو كان له مال غير مال المضاربة لبسط على الجميع ، ولا فرق بين اشتراط أرباب مال المضاربة التوزيع ، وبين السكوت عن ذلك.

هذا في نفقة العامل ، وأمّا النفقة على المال ، فالمأخوذ من البضاعة ما يخصّها من النفقة عليها ، شرط على المالك ذلك أو لا ؛ قضيّة للعرف.

المسألة الثالثة : ما قوله ( دام شرفه وظلّه ) في شخص أخلّ بالطهارة في أوّل الوقت متعمّدا حتّى بقي من الوقت مقدار الصلاة لا غير ، هل له استباحتها بالتيمّم لو كان الطهور الاختياري حاضرا ، نظرا إلى ضيق الوقت ـ وقد ذكر شيخنا في التحرير ما يفيد هذا المعنى (١) ـ أم ليس له أن يستبيحها إلّا بالطهور المائي ، نظرا إلى تعمّده الإخلال ، وحينئذ يجب عليه القضاء؟

وهل لو كان على بدنه نجاسة والحال هذه يباح له التيمّم وتصحّ صلاته وتبرأ ذمّته أم لا؟

وهل لو كان في البدن قرح أو جرح لا يرقأ ، أو رقأ وخيف من استعمال الماء وعلى المكلّف غسل ، هل يجوز معه التيمّم ، أم يستعمل الجبائر ويمسح عليها؟

ولو كان البدن كلّه نجسا وليس هناك ماء للتطهير ، هل يباح التيمّم مع نجاسة أعضائه ، أم تسقط الصلاة؟ ولو حصل ما يطهّر البعض بحيث يكفي لغسل أعضاء الوضوء وللوضوء ، فهل الوضوء أولى أم يخفّف به النجاسة عن باقي البدن ويستبيح بالتيمّم؟

الجواب : إذا بقي من الوقت قدر الطهارة بالماء وركعة ، يطهّر بالماء قطعا ، وإن قصر عن ذلك وبالتيمّم يبقى ذلك ، تيمّم وصلّى ، فإن كان ذلك التأخير بغير تفريط ، فلا قضاء عليه ، وإن فرّط في ذلك ، فالذي اختاره الشيخ الأفضل في التذكرة ( قدّس الله سرّه وبأرفع الدرجات

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢١.

٢٦٧

سرّه ) أنّه يقضي (١) ؛ لأنّه سبّب في ضياع الصلاة ، وحكمه حكم من أراق الماء في الوقت.

ومن على بدنه نجاسة وتعذّر عليه التطهير بالماء وإزالتها ، صحّ تيمّمه وصلاته.

وأمّا القرح والجرح ، فإن أمكن غسل ما عداه والمسح عليه ، وجب ، وإن تعذّر المسح عليه ، فالمرويّ في الجرح أنّه يغسل ما عداه ويتركه (٢) ، ولو وضع عليه خرقة ومسح ، كان حسنا.

ويجوز التيمّم مع نجاسة البدن وتعذّر الإزالة إذا كان العضو والتراب يابسين. ولو كان أحدهما رطبا ، فهو فاقد للطهور. والأجود فيه القضاء.

وأمّا المتردّد فيه بين الوضوء مع غسل أعضائه ، أو إزالة النجاسة عن معظم البدن ثمّ التيمّم ، فالأقرب ترجيح الأوّل إلّا أن يتغيّر بالوضوء فالنجاسة باقية في الموضعين. أمّا لو كان الماء يكفي غسل جميع النجاسة فإنّه يقدّمها قطعا على الوضوء.

المسألة الرابعة : ما قوله ( دام ظلّه ) في قطرة دم لو وضعت على سطح مستو صلب لم يبلغ مقدار درهم ، فوقعت في مائع ، وأصاب ذلك المائع البدن بمقدار ينيف على سعة الدرهم ، هل يعفى عنه في الصلاة أم لا؟ سواء كان متغيّرا بها أو لا؟

ولو كان الدم على البدن أو الثوب بحيث لا يبلغ الدرهم فحتّ أو معك بحيث زالت العين ، هل تصحّ الصلاة والحال هذه ، أو يختصّ الحكم هنا بشخصه؟ ولو كان الدم في محمولة ـ ككيس أو منديل ـ هل تصحّ الصلاة أم لا؟

الجواب : لا يعفى عن هذا ؛ لأنّه صار ماء نجسا ، وخرج عن اسم الدم ـ سواء تغيّر أم لا ـ على المذهب الأصحّ لم يخالف فيه إلّا ابن أبي عقيل رحمه‌الله.

وأمّا حتّ الدم فلا يخرج عن العفو قطعا.

وحكم المحمول في العفو حكم الثوب بغير إشكال.

أمّا لو زاد في المحمول عن الدرهم ، فظاهر الرواية ـ وبه قطع المحقّق صاحب المعتبر (٣)

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢ ، المسألة ٢٩١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٣ / ١ ـ ٢ ، باب ٣٩ من أبواب الوضوء.

(٣) المعتبر ١ : ٤٤٣.

٢٦٨

( نوّر الله قبره ورفع في الملأ الأعلى ذكره ) ـ أنه عفو.

وقطع الفاضل بأنّ العفو إنّما هو عن الملابس. (١)

والأوّل أحسن ؛ لشمول الرواية.

المسألة الخامسة : ما قوله ( دام شرفه وظلّه ) في الجلد المأخوذ من المخالف ، هل يحكم بطهارته أم لا؟ مع أنّ فقهاءنا قد حكموا بنجاسة ما يؤخذ ممّن يستحلّ جلد الميتة بالدباغ.

والشافعيّة تقول بطهارته إلّا الكلب والخنزير ، والحنفيّة إلّا الخنزير ، والمالكيّة بطهارته ظاهرا لا باطنا ، كما حكى ذلك شيخنا الطوسي في مسائل خلافه. (٢) والحنابلة وإن لم يحكموا بطهارته لكنّهم قد ذكروا أنّهم مجسّمون ، وذلك يمنع من طهارة ما يذبحونه ، والطوائف من أهل السنّة اليوم محصورون في هذه الأربعة ، فما الوجه في الحكم بطهارته؟ أفتنا في ذلك مبيّنا للوجه على ما يظهر لمولاي ، ذاكرا للحجّة على ذلك.

الجواب : الذي ظهر للعبد ، الحكم بطهارة الجلد المأخوذ من المسلمين ، أو من سوق الإسلام وإن لم يعلم كون المأخوذ منه مسلما إذا لم يعلم أنّه يستحلّ الميتة بالدبغ ؛ عملا بالظاهر الغالب من وقوع الذكاة ؛ وبالأخذ باليسير ، ودفع الحرج المنفي.

وينبّه عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح عليه‌السلام : قلت له : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : « إن كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس ». (٣)

وروى الشيخ البزنطي في جامعه عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيّ هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه أيصلّى فيه؟ قال : « نعم ، أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي فأصلّي فيه ، وليس عليكم المسألة ». (٤)

وعن البزنطي قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة أم لا ، أيصلّى فيها؟ قال : « نعم ، ليس عليكم المسألة ، إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنّ الخوارج

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٤.

(٢) الخلاف ١ : ٦٠ ، المسألة ٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ؛ الوسائل ٣ : ٤٩١ / ٥ ، باب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥ ؛ الوسائل ٣ : ٤٩٢ / ٦ ، باب ٥٠ من أبواب النجاسات.

٢٦٩

ضيّقوا على أنفسهم لجهالتهم ، إنّ الدين أوسع عليهم من ذلك ». (١)

وقد بسطت المسألة في الذكرى. (٢)

ومثله رواية الشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه رحمه‌الله في كتابه الكبير (٣) ، وهؤلاء أئمّة المذهب.

وأمّا إذا علم أنّه يستحلّ ، فإن أخبر بكونه ميتة اجتنبت ، وإن أخبر بالذكاة ، فالأقرب :

القبول ؛ عملا بصحّة إخبار المسلمين ، وأنّ الأغلب الذكاة. وإن لم يخبر بشي‌ء ، فالظاهر أيضا الحمل على الذكاة ؛ عملا بالأغلب ؛ وبما تلوناه من الأخبار الشاملة لصورة النزاع.

وبإزائها أخبار (٤) لا تقاومها في الشهرة ، ويمكن تأويلها بالحمل على استحباب الاجتناب إذا علم الاستحلال بالدبغ.

ولم نقف على من أفتى بالمنع من ذلك غير بعض متأخّري الأصحاب. (٥)

ويرد عليه : أنّ الأربعة مجمعون على استحلال ذبيحة أهل الكتاب ، وأكثرهم لا يراعي شرائط الذبيحة ، مع أنّ أحدا منّا لم يوجب الاجتناب فيه لمكان هذا الاحتمال ، وهذا أقوى من الاستحلال بالدبغ ؛ لأنّه أكثر وجودا.

المسألة السادسة : ما قوله ( دام ظلّه وعلاه ) في رجل بيده عروض للتجارة مضاربة لأقوام متعدّدين ، وطلب ظالم منه مالا على سبيل القهر والمغالبة ، فامتنع العامل من تسليمه لعدمه في الحال ، فطلب الظالم منه رهنا على ذلك وعيّن الرهن من نوع بعينه ولم يوجد عنده ، هل له استعارة الرهن المطلوب منه ويكون مضمونا من صلب تلك الأموال مع أنّ الأصلح ذلك ، أم يكون مضمونا على العامل؟

وهل لو عيّن الظالم رهنا وكان موجودا في بعض تلك العروض دون بعض ولم يقبل الظالم إلّا بذلك الرهن عن الجميع وأخذه منه ، هل يكون مضمونا على الجميع أم لا؟

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ؛ الوسائل ٣ : ٤٩١ / ٣ باب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٢) الذكرى ٣ : ٢٨ ـ ٣٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧ ؛ الوسائل ٣ : ٤٩١ / ٣ باب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٤) انظر الوسائل ٣ : ٤٩٠ باب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٥) المنتهى ١ : ٢٠٦.

٢٧٠

وهل لو طلب الظالم رهنا معيّنا ، وبيد العامل من ذلك النوع عروض تتزايد قيمة بعضها عن بعض ـ وإن اتّفقت في النوعيّة ـ فأخذ العامل الأدون قيمة فجعله رهنا محافظة على المصلحة ، والأعلى قيمة ، هل يكون مضمونا على تلك العروض في أموال أربابها أم لا؟

الجواب : إذا كان العامل مفوّضا إليه فظنّ المصلحة ، فكلّ ذلك جائز. وبعّض المأخوذ (١) أو قيمته على الأموال بالحصص ، وكذا العدول إلى ما يراه أصلح لكونه أدون قيمة.

والضمان على أرباب الأموال إذا كانوا عالمين في ابتداء المضاربة بحدوث مثل هذه الأمور.

وبالجملة ، له مراعاة الأصلح في ذلك ، ولا ضمان عليه إلّا أن يكون أربابه غير عالمين بالأحوال النادرة ولم يفوّضوا إليه نظرا لمصلحة ، فهنا يجب مراجعة الحاكم عند فجأة هذه الأمور النادرة. ولو تعذّر (٢) وصانع عن الجميع بنيّة الرجوع فليس ببعيد جوازه ؛ لأنّه من باب التعاون على البرّ.

المسألة السابعة : ما قوله ( دام ظلّه ) في شخص بيده عين وذكر أنّها وديعة يبيعها لمالكها ، أو مضاربة بيده للبيع ، واتّفق مع وكيل صاحبها في البيع ، وعلم بشاهد الحال عدم كذبه في الإخبار ، هل يصحّ الشراء منه وتملّك العين ولم تكن مضمونة ، أم لا؟

وهل لو مسّها شخص أو قبضها أو استند إليها والحال هذه يكون ضامنا لها ويجب تسليمها إلى مالكها ، أم لا؟ وكذا العبد الذي يرى في السوق يبيع ويشتري ويعلم بشاهد الحال أنّه مأذون ، هل يفتقر في معاملته إلى البيّنة ، أم يكفي شاهد الحال؟

الجواب : لا ضمان ظاهرا في أمثال ذلك ولا إثم فيه ، ويقبل قول ذي اليد في ذلك كلّه ، ويكفي شاهد الحال والشياع في إذن السيّد لعبده في التصرّف ، وتباح معاملته بذلك ، ولا ضمان.

المسألة الثامنة : ما قوله ( دام ظلّه ) فيما يوجد في يد كافر ممّا ليس بمائع من ثوب ممّا هو مصبوغ ، أو الطعام ممّا هو مصنوع ، يحكم بطهارته أم لا؟

__________________

(١) في نسخة « ب » : « فكاكه » بدل « المأخوذ ».

(٢) يعني مراجعة الحاكم.

٢٧١

وهل المراد بالآنية : الجديدة ، أم يحكم بطهارتها ولو كانت مستعملة ، كما ذكره الشيخ في القواعد (١) ، لكنّ استعمالها لا ينفكّ عن المباشرة برطوبة غالبا ، فكيف يقول : ما لم تعلم مباشرتهم لها برطوبة!؟ وهل الشرط العلم بعدم الملاقاة برطوبة ، أو عدم العلم بالملاقاة؟

الجواب : كلّ ما يوجد في يد الكافر أو غيره فهو طاهر إذا لم تعلم نجاسته ، سواء كان مائعا أو جامدا ، وكذا المصبوغ وغيره ، إلّا أن يعلم أنّ الكافر صبغه وكذا الطعام المصنوع.

ولا فرق بين الإناء المستعمل وغيره. والمانع علم الملاقاة ، فيكفي في الاستعمال عدم العلم ، ولا يشترط علم العدم.

المسألة التاسعة : ما قوله ( أعلى الله مجده ) فيما أجمع عليه علماؤنا من تحريم الفقّاع ونجاسته؟ ، ولا شكّ أنّ التصديق مسبوق بتصوّر المحكوم عليه ، فما المراد بالفقّاع المحكوم بتحريمه ونجاسته ، هل هو ما يسمّى فقّاعا فيما بين الناس؟ وحينئذ يلزم تحريم ( الأقسيما ) (٢) ، إذ قد (٣) ذكر أنّ أجزاءها قريبة من أجزائه ، لكنّه قد نقل عنكم حلّها ، إذا لم يرد التحريم فتكون مباحة ، أم هو مركّب خاصّ له أجزاء خاصّة ، فينبغي أن تكون مضبوطة ليعلم حتّى يصحّ الحكم بتحريمها ونجاستها؟

الجواب : الظاهر أنّ الفقّاع كان قديما يتّخذ من الشعير غالبا ، ويصنع حتّى تحصل له النشيش والغليان ، وكأنّه الآن يتّخذ من الزبيب أيضا ، وتحصل فيه هاتان الخاصّيّتان أيضا.

والفرق بينه وبين المسمّى ب ( الأقسيما ) إنّما هو بحسب الزمان ، فإنّه في ابتدائه قبل حصول الخاصّيّتين يسمّى ( أقسيما ) فإن استفاد الخاصّيّتين بطول الزمان يسمّى فقّاعا ، والله أعلم.

المسألة العاشرة : ما قوله ( دام ظلّه ) فيما أجمع عليه من طهارة باطن الخفّ والقدم بالأرض ، أنّه لو كانت الأرض رطبة هل تكون مطهّرة أم لا؟ يحتمل التطهير ؛ للعموم ، ويحتمل العدم ؛ لأنّه في أوّل آنات ملاقاتها تنجس بالملاقي فلا تكون لها قوّة التطهير لغيرها.

__________________

(١) القواعد ١ : ١٩٧.

(٢) كذا في المخطوطة ، وفي المطبوعة : « الأقسمة ».

(٣) في « ح » : « فقد » بدل « إذ قد ».

٢٧٢

وهل القبقاب حكمه حكم الخفّ أم لا؟ وهل حافّات النعل والخفّ التي لم تلاق الأرض بسطحها مع زوال العين تكون نجسة أم لا؟

وهل المراد بالأرض : البسيط الصرف ، أم يكفي لو كانت مطبّقة أو مبلّطة أو مجصّصة أو سقفا أو غير ذلك.

وهل ظهر الحصير غير الملاقي للشمس اليابس بها ، أو باطن الجدار اليابس بها طاهر أم لا؟

وهل عرق الشارب ماء نجسا طاهر أم لا؟

وهل لو اجتمع هواء صلب مع شمس ضعيفة غلب ظنّا أو تيقّن أنّ المنشّف هو الهواء يحكم بالطهارة أم لا؟

الجواب : لا ريب في تطهير الأرض الرطبة كاليابسة ، والإيراد مندفع ؛ لدفع الحرج ، وللزوم مثله في الماء المصبوب على الإناء والثوب ، مع أنّ الاتّفاق على طهارتهما.

والمسمّى بالقبقاب نعل أيضا. وما لا تلاقيه الأرض من الجوانب لا يطهر بها. ولا فرق بين الأرض والحجر والآجر والجصّ والنورة وغير ذلك إذا صارت متحجّرة. (١)

وأمّا الحصير والبارية فالظاهر أنّه لا يطهر إلّا ما أشرقت عليه الشمس.

وسمعنا من شيخنا عميد الدين ( رفع الله مكانه ومكانته ) طهارة الظاهر والباطن ؛ لصدق مسمّى الحصير والبارية.

وكذا الكلام في باطن الجدار.

ولا عبرة بانقهار الشمس بالريح إذا علم أنّ الشمس صادفت رطوبة في آخر الأمر فجفّفتها.

المسألة الحادية عشرة : ما قوله ( أدام الله فوائده ) في الحوض الصغير في غير الحمّام لو كانت له مادّة من الجاري أو الكثير ، هل يكون طاهرا مع ملاقاة النجاسة غير المغيّرة ، أم الحكم مختصّ بالحمّام؟ ثمّ لو كانت المادّة لا حقّة به من أسفله هل يكفي ذلك أم لا؟

__________________

(١) في « ح » : « والحجر والآجر ... متحجّرة مطهّر [ ة ] ».

٢٧٣

وهل بنفس ملاقاة المادّة للحوض يحكم بطهارته ، أو تعتبر أغلبيّتها فيه؟ وكذا ماء الغيث المطهّر ، هل له حدّ ، أو أيّ قطرة وقعت كفت؟

الجواب : لا فرق بين الحمّام وغيره هنا ، وإنّما يظهر الفرق لو قلنا بأنّ الحمّام لا يشترط في مادّته الكرّيّة ، أمّا على القول بالاشتراط فلا فرق البتّة.

ولا فرق بين النابع من أسفله أو الجاري من أعلاه مع [ كون ] (١) المادّة كرّا. وأمّا الأغلبيّة فالأحوط اعتبارها فيه ، وفي الغيث أيضا.

المسألة الثانية عشرة : ما قوله ( رفع الله قدره ) فيما يتّخذ من الفضّة ميلا للكحل ، وغلافا للتعاويذ ، وحلقا للمّ شعر الرأس ، وغير ذلك ممّا لا يسمّى لباسا ولا آنية ، هل هو حرام فتبطل الصلاة مع لبسه أم لا؟

وهل يحرم بيع ما يستعمل من آلات الركوب ، كالسرج واللجام والركاب مربكا (٢) بالذهب أم لا؟

الجواب : كلّ ذلك جائز لا تحريم فيه ؛ لعدم مسمّى الآنية ؛ لما صحّ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في قصعته حلقة من فضّة (٣) ، واتّخذ أيضا أنفا من فضّة عرفجة بن اسعد وأسر فاتّخذ من ذهب بإذن النبيّ (٤). وكان للكاظم عليه‌السلام مرآة عليها فضّة (٥). وقال الصادق عليه‌السلام : « كان نعل سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّة ، وفيه حلق من فضّة ». (٦)

وأمّا المركب واللجام ، والمركب المحلّى بالفضّة فجائز. أمّا الذهب فالظاهر المنع ، وقد أوردت خبرين في تحلية السيوف والمصاحف بالذهب ، وأنّه جائز ، في كتاب الذكرى (٧).

المسألة الثالثة عشرة : ما قوله ( دام ظلّه ) في غير الكتابي إذا وجدناه تاجرا في بلاد

__________________

(١) ليس في النسختين ، وأضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) قال في الصحاح : ربكت الشي‌ء أربكه ربكا : خلطته. الصحاح ٤ : ١٥٨٦ ، « ر ب ك ».

(٣) انظر صحيح البخاري ٥ : ٢١٣٥ / ٥٣١٥.

(٤) أسد الغابة ٣ : ٤٠٠ ؛ مسند أحمد بن حنبل ٧ : ٢٨٠ / ٢٠٢٩٠ ـ ٢٠٢٩٢.

(٥) الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٢ ، باب الأكل والشرب في آنية الذهب والفضّة ؛ التهذيب : ٩ : ٩١ / ٣٩٠ ؛ الوسائل ٣ : ٥٠٥ / ١ ، باب ٦٥ من أبواب النجاسات.

(٦) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٤ ، باب الحلي.

(٧) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٥ و ٧ ، باب الحلي ؛ الذكرى ١ : ١٤٧.

٢٧٤

الإسلام هل يحلّ ماله أم لا؟ وكذا الكتابي الذي لم يؤدّ الجزية ، كالفرنجي المعلوم أو المظنون حربيّته وتقلّبه في غير بلد الإسلام ، هل يحلّ ماله أم لا؟

وهل أخذ الجائر الجزية وأمانه ينزّل منزلة العادل أم لا؟

ثمّ لو تجرّأ متجرّئ على كافر معصوم المال ، أو من يعتقد ما يوجب الكفر آخره وهو مسلم الآن ، وأخذ من ماله شيئا ، هل هو حقّ لله تعالى هو المطالب به في الآخرة؟ أو هو حقّ للمأخوذ منه فيوصل إليه عوضه آخرة إذا لم يصل إليه دنيا ، الذي يظهر للعبد : الثاني (١) ؛ لاستقرار ملك المأخوذ منه ، فهو من قبيل الآلام ، فما عند مولاي فيه؟

الجواب : لا ريب في حرمة مال حربيّ دخل بأمان إلى بلد الإسلام وإن كان المؤمّن سلطانا متغلّبا ؛ لأنّه شبهة ، ويثبت في الذمّة ماله ، ومال الذمّي وكلّ كافر حرام ، ويكون المطالب به يوم القيامة ذلك المأخوذ منه وإن كان مستحقّا للخلود في النار ، ولا يزول بذلك حقّ الله تعالى من تعدّي الحدود.

المسألة الرابعة عشرة : ما قوله ( دام عزّه وعلاه ) في وكيل مفوّض في وكالته في جميع أموال الموكّل عموما ، هل يملك البيع نسيئة أم لا؟ وكذا لو ابتاع كذلك ، أو أودع ، أو ضارب ، أو باع من نفسه؟

الجواب : إن تحقّق العموم فله فعل كلّ ما فيه صلاح.

المسألة الخامسة عشرة : ما قوله ( دام فخره ) في الاستخارة بالمصحف ، هل رواية الحروف عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ثابتة أم لا؟ وما كيفيّة روايتها؟ وهل وقف مولاي على كيفيّة أخرى لاستخارة المصحف أم لا؟

الجواب : لم يقف العبد على إسنادها فيما أحسبه ، ولكنّه مشهور في المصحف.

والكيفيّة : أن يقرأ الحمد ثلاثا والإخلاص ثلاثا ، ويقول : « اللهمّ إنّي توكّلت عليك وتفأّلت بكتابك فأرني ما هو المكنون في سرّك ، المكنون في غيبك » ثلاثا. وليكن عاقبة ما يستخير فيه خيرا ، ويأخذ أوّل حرف من سابع سطر ، ولا يفرح ولا يحزن ، ثمّ يذكر الحروف

__________________

(١) يعني القول الثاني ، أي أنّه حقّ للمأخوذ منه.

٢٧٥

على ما هو مشهور.

وقد روى اليسع القمّي : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أريد الشي‌ء فأستخير الله فيه فلا يوفّق فيه الرأي ، أفعله أو أدعه ، فقال : « انظر إذا قمت إلى الصلاة ـ فإنّ الشيطان أبعد ما يكون من الإنسان إذا قام إلى الصلاة ـ أيّ شي‌ء وقع في قلبك فخذ به ، وافتح المصحف وانظر أوّل ورقة ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله تعالى ». (١)

والظاهر أنّهما صورتان ، وهذا الحديث مسند ، وقد ضمّنه الشيخ الجليل نجيب الدين يحيى بن سعيد رضي‌الله‌عنه في جامعه (٢).

المسألة السادسة عشرة : ما قوله ( أدام ظلّه ) فيمن يقرّ أنّ في ماله خمسا أو زكاة ولم يخرجهما أو علم ذلك منه ، هل يصحّ الشراء منه أو البيع منه ، وأخذ الثمن من ذلك المال ، ويكون الحقّ الواجب مضمونا على ذلك الذي وجب عليه الخمس أو الزكاة ، أم لا يصحّ الشراء منه حتّى يضمن؟

وكذا لو أضاف أو أهدى ، هل يصحّ قبوله والأكل من طعامه ، أم لا؟

وهل وجوب إخراج الخمس مضيّق؟ الذي يظهر من كلام شيخنا في القواعد (٣) عدمه ، أعني بذلك حقّ الإنسان لا حقّه عليه‌السلام فإن كان الحقّ ذلك ، هل يصحّ البيع والشراء والأكل وقبول الهبة والهديّة من مال من لم يخرج الخمس ولو لم تضمّنه بناء على أنّه يخرجه؟ وهو موسّع أم لا؟

وهل فرق في ذلك كلّه بين من لا يعتقد الوجوب وبين غيره ، أم لا؟

الجواب : أمّا الخمس فلا يمنع من تناول مال من لم يخرج الخمس ، سواء اعتقد وجوبه أم لا ، وقد نصّ الأصحاب أنّه لا خمس فيما ينتقل إلى الإنسان ممّن لا يخمّس ماله.

وأمّا الزكاة فإن علم ببذل النصاب وصيرورتها في الذمّة ، فلا بأس بذلك أيضا. وإن علم بقاء عين النصاب ، فاجتنابه أولى.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١٠ / ٩٦٠ ؛ الوسائل ٨ : ٧٨ / ١ باب ٦ من أبواب صلاة الاستخارة.

(٢) الجامع للشرائع : ١١٥.

(٣) القواعد ١ : ٣٦٣.

٢٧٦

وأمّا توسعة إخراج الخمس فكما أفاده شيخنا ( آجره الله تعالى ) ونقله جماعة من الأصحاب. والأولى تضيّق مستحقّ الأصناف لا غير.

المسألة السابعة عشرة : ما قوله ( أدام الله ظلّه ) فيما ذكره الفقهاء من التعويل على قبلة البلد مع عدم علم الخطأ ، وقبلة البصرة غربيّة ، وجامعها أيضا كذلك ، ولا شكّ أنّ البصرة من العراق ، ولكن قد ذكر أنّ عليّا عليه‌السلام صلّى في مسجدها ، ولم ينقل إنكار منه في ذلك ، ولو أنكر لاشتهر ذلك ونقله النقلة. هذا إذا كان وضع المسجد في زمانه عليه‌السلام على ما هو الآن ، وإن لم يكن على وضعه الآن حتّى غيّر إلى هذا الوضع لكان قد اشتهر أيضا ذلك التغيّر ونقل ، فأحد الأمرين لازم ، إمّا اشتهار التنكير ، أو اشتهار التغيّر ، فما قوله في ذلك؟

وهل يعمل في هذه الصورة على قبلتها الآن ، أم على الأمارات العراقيّة؟

الجواب : لا ريب أنّ قبلة البصرة تتيامن عن قبلة الكوفة ؛ لاختلافهما في العرض اختلافا بيّنا. واسم العراق وإن يشملها لكن هذه العلامات على سبيل التقريب والتسهيل ، وفيها إشارة إلى أنّ القبلة هي الجهة المتّسعة جدّا ، فإنّ خراسان والكوفة شديد تباعدهما وقد حكم باتحاد قبلتهما ، فالمراد به في امتداد الجهة لا في نفس الخطّ الذي يقف عليه المصلّي.

وما أفاده ( أدام الله فوائده وأسبغ عوائده ) من السؤال وارد إذا قيل بمساواتها قبلة الكوفة في نفس موقف المصلّي والخط الخارج منه إلى الكعبة ، أمّا إذا قيل بالمساواة في الجهة فلا.

وقد أحسن الجدّ السعيد لمولانا العلّامة ركن الدين في شرح المختصر بيان الجهة ، وكيفيّة توجّه المصلّي بيانا حسنا ( قدّس الله لطيفه وزاد تشريفه ).

المسألة الثامنة عشرة : ما قوله ( دام فضله ) في الواحد منّا ، هل تجوز له الصلاة قبل دخول الوقت تقيّة كما في المغرب ، ويكون ذلك مبرئا للذمّة ، ولا تجب الإعادة ، أم لا؟

وهل تجوز التقيّة في شرب الفقّاع أم لا؟ فالضابط فيما تجوز التقيّة فيه هل هو ما عدا قتل المسلم غير المستحقّ ، أم هناك شي‌ء آخر لا تجوز التقيّة فيه؟

وهل لو صلّى الجمعة معهم تقيّة تجزئه عن الظهر ، أم لا؟

الجواب : أمّا تقديم الصلاة على وقتها تقيّة فلا أعلم به قائلا منّا ، مع أنّهم جوّزوا الإفطار

٢٧٧

قبل الوقت تقيّة.

وأمّا شرب الفقّاع فجائز لها. (١) وقد روي : « لا تقيّة في شرب المسكر ، والمسح على الخفّين ». (٢)

وضابط التقيّة بحسب الإقدام والإحجام ، ما تظنّ فيه توجّه الضرر إلّا القتل. وفي الجراح قولان. وأمّا إظهار كلمة الكفر فتجوز التقيّة وتركها. ولا ريب في جواز إيجاد صورة الصلاة تقيّة بل وجوبها ، ولا يلزم من ذلك الإجزاء.

المسألة التاسعة عشرة : ما قوله ( دام ظلّه ) في أخذ الأجرة على الأذان في المشاهد المشرّفة مع تعيين الأخذ للأذان ، أو مع عدم تعيينه؟

وهل يجوز إعطاؤه من النذر أم لا؟ وعلى تقدير جوازه ، هل يجوز من غير إذن حاكم الشرع أم لا؟ وكذا هل يجوز التناول من مال نذور المشاهد لمفت أو مدرّس أو محدّث أو قارئ للقرآن بتلك المشاهد أم لا؟

وهل يجوز استعمال آلات المشاهد ، كحصير وبارية وقنديل في مدرسة أو رباط قريب من المشهد لكنّه خارج عن حدوده ، وإن دخل في سور بلده ، أم لا؟

وكذا هل تجوز عمارة ما يخرب من المدارس والربط بذاك ، أو مناصيها من مال المشاهد؟

وكذا هل تجوز إجارة أو إعارة آلاته للمقيمين ببلده أم لا؟

وكذا هل تجوز لناظر تلك البقعة مع خوفه من ظالم متوقّع من تلك الأموال شيئا مداراته وإعطاؤه ومع غلبة ظنّه أو تيقنه بحصول ضرر ذلك الظالم أم لا؟

وهل جواز بذل تلك الأموال للزوّار والواردين مختصّ بأوقات الزيارات ، أم في كلّ وقت اتّفق؟

وهل ذلك جائز حال الورود ، أم في باقي أيّام الإقامة أيضا؟ فإن كان الثاني فيشرع أيضا للمجاورين ؛ إذ لا تقدير للإقامة؟

__________________

(١) أي : للتقيّة.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢ / ٢ ، باب مسح الخفّ ؛ الفقيه ١ : ٣٠ / ٩٥ ؛ التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٩٣ ؛ الاستبصار ١ : ٧٦ / ٢٣٧.

٢٧٨

وهل لو خرج المجاور ثمّ عاد بنيّة الزيارة يجوز له التناول ، أم لا؟

الجواب : نصّ الأصحاب على تحريم أخذ الأجرة على الأذان ، مطلقين ذلك ، سواء وجد غيره أم لا.

نعم ، يجوز الرزق من بيت المال ، ومن أموال المشاهد مع عدم وجود المتطوّع. والحاكم فيه إنما هو الفقيه.

وأمّا قضيّة النذور فيتبع قصد الناذرين ، فإن جهل القصد ، صرف في العمارة ، ثمّ الفرش والتنوير ، ثمّ السدنة. أمّا الدفاع عنه فإنّه مقدّم على كلّ شي‌ء.

وأمّا رزق المدرّس والمفتي والمحدّث فليس ببعيد جواز أخذه من ذلك ، وإنّما يقف على المشاهد ؛ لأنّه من أهمّ المصالح ؛ لما فيه من إقامة الشعار الإيماني.

وأمّا استعمال الآلات في غيرها فلا يجوز مع احتياجها إليها ، ومع الغنى عنها يجوز للواردين للزيارة وفقراء المجاورين وإن لم يكن في نفس المحدود ، بل جاز في جميع المشهد.

أمّا من هو مقيم في المشهد الشريف ، الأولى الامتناع من ذلك إلّا مع الحاجة إذا كانت إقامته للمجاورة والتعبّد والزيارة وإن طالت الإقامة.

وكذا تجوز عمارة المناصي من ذلك والمدارس المعروفة بالحضرة الشريفة.

المسألة العشرون : ما قوله ( دام عزّه ) في الأرض الصقيلة ، كالمبلّطة والمغرة الخالية من الشقوق ، هل تطهيرها بإيراد القليل عليها ، أم لا؟

وما قوله فيما يزال به الخبث ، هل هو طاهر مطلقا كما قال السيّد (١) ، أم نجس مطلقا كرأي صاحب القواعد (٢)؟ وقولهم بنجاسته بعد الانفصال عن المحلّ هل هو عن جملة المحلّ أم جزء جزء منه؟ فإن كان الثاني ، فلا نحكم بطهارة الآنية بإفاضة الماء عليها بالإبريق ؛ إذ الماء كلّما انتقل عن جزء نجّس آخر. وإن كان الأوّل فلو صبّ في الآنية النجسة الضيّقة الرأس

__________________

(١) اعترف بعدم النصّ على الفرق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وقواه فحكم بعدم نجاسة الماء الوارد وإلّا لما طهر المحلّ. راجع الناصريات : ٧٢ ، المسألة ٣ ؛ والذكرى ١ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) القواعد ١ : ١٨٦.

٢٧٩

ـ كالإبريق مثلا ـ شي‌ء من الماء ، ثمّ أدير ذلك فيه بحيث عمّ جميعه ثمّ انفصل عنه ، هل يحكم بالطهارة أم لا؟

وهل يجب تطهير اليد العاصرة للثوب أم لا؟ فإن كان الأوّل ، لزم التحكّم في طهارة المعصور. وإن كان الثاني ، لزم التحكّم في نجاسة المنفصل.

الجواب : نعم ، يطهر بذلك ولو كان فيها حلول أو فطور إذا علم ورود الماء وانفصاله عنها ثمّ وروده ثانيا.

والذي يظهر من فتاوى المعظم والروايات أنّ ماء الغسلة كمغسولها قبلها. فحينئذ إن أوجبنا الثلاثة فماء الثالثة طاهر أيضا. وفي الولوغ ما يوجب السبع عند من قال به يطهر ما ورد بعده. والإجماع على طهارة الآنية بالإدارة وإن كان الماء قليلا.

ولا يجب تطهير اليد إذا كان الماء قد جرى عليها حال الصبّ المطهّر ، بل تطهر بطهارة الثوب ، ولا يلزم منه طهارة المنفصل ؛ لأنّ المرجع في ذلك إلى الحكم الشرعي ، ولا امتناع في الحكم بنجاسة المنفصل وطهارة الباقي واليد ؛ لمكان الحرج.

المسألة الحادية والعشرون : ما قوله ( دام علاه ) في ولد الزنى ، ما الأصحّ عند مولاي فيه ، وهل هو طاهر السؤر والجسد ، أم لا؟ وهل يصحّ نكاحه وإنكاحه أم لا؟ وما المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولد الزنى لا يكون نجيبا » (١) وهل على القول بنجاسته يصحّ نكاحه ويكون ولده ولد حلال ، أم يكون حكمه حكمه؟

وهل صحيح ما يقال : إنّه ورد : « أنّه وإن أظهر شعائر الدين واعتقد العقيدة الصحيحة أنّه لم يوفّق للموافاة على ذلك »؟

وهل المراد بولد الزنى في ذلك من يكون كذلك في نفس الأمر وإن ألحق شرعا بمن ولد على فراشه ، أو المراد من حكم عليه بذلك شرعا وإن كان في نفس الأمر حاصلا من وطئ حلال؟

الجواب : الأصحّ عند الأصحاب أنّه بحكم المؤمنين في الطهارة وصحّة التناكح.

__________________

(١) وجدت ما يقرب من هذا في عوالي اللآلي ٣ : ٥٣٤.

٢٨٠