رسائل الشهيد الأوّل

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]

رسائل الشهيد الأوّل

المؤلف:

الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي [ الشهيد الأوّل ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-251-6
الصفحات: ٣٧٦

وقت دون آخر وعلى وجه دون آخر يفتقر إلى مخصّص ، وليس إلّا الإرادة والكراهة ؛ ولأنّه تعالى أمر بالطاعة ونهى عن المعصية ، والأمر مستلزم الإرادة ، والنهي مستلزم الكراهة ؛ لما سيأتي من حكمته تعالى.

[ المسألة ] الخامسة عشرة : الله تعالى صادق في وعده ووعيده ؛ لأنّ الكذب قبيح عقلا وسمعا ، والله تعالى منزّه عنه ؛ لما سيأتي أنّه لا يفعل القبيح.

[ المسألة ] السادسة عشرة : الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ؛ لما ثبت من حدوثها وقدمه تعالى ؛ لأنّ الجسم يمتنع عليه أن يفعل الجسم ، وقد بيّنّا أنّه فاعل الأجسام ؛ ولأنّ العرض متقوّم بغيره ، وكلّ متقوّم بغيره فهو ممكن ، والله تعالى واجب الوجود.

[ المسألة ] السابعة عشرة : الله تعالى غير متركّب عن شي‌ء ، وإلّا لا فتقر إلى أجزائه ، وأجزاؤه غيره ، والمفتقر إلى غيره ممكن ، وقدّمنا أنّه تعالى واجب الوجوب.

[ المسألة ] الثامنة عشرة : الله تعالى لا يحلّ في محلّ ولا جهة ، وإلّا لا فتقر إلى المحلّ والجهة ، ولزم حدوثه أو قدمهما ، أو حدوث الحاجة إليهما ، وهو محال.

[ المسألة ] التاسعة عشرة : الله تعالى غير متّحد بغيره ، خلافا للنصارى القائلين باتّحاده بالابن والأب وروح القدس (١).

وبرهانه : أنّ الاتّحاد لا يتصوّر إلّا على سبيل الامتزاج ، وهو في الحقيقة ليس اتّحادا ، مع امتناعه عليه ؛ ولأنّ الاثنين إن اتّحدا وبقيا كما كانا لم يكن اتّحادا ، وإن عدما لم يكن اتّحادا ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر لم يكن اتّحادا ؛ لبقاء الاثنين وتجدّد ثالث واستحالة المعدوم بالموجود.

[ المسألة ] العشرون : الله تعالى ليس بمحلّ للحوادث ؛ لامتناع حدوثه ؛ ولأنّ من قامت به الحوادث فهو منفعل عن غيره ، وكلّ منفعل عن غيره فهو ممكن ، وقد تقرّر أنّه تعالى واجب الوجود.

[ المسألة ] الحادية والعشرون : الله تعالى ليس بمرئيّ بالبصر في الدنيا ولا في الآخرة ؛ وهو بيّن الانتفاء بعد سلب الجهة والعرضيّة والحصول في الجهة والمحلّ عنه.

__________________

(١) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ٢٢٠ و ٢٢١.

١٤١

وما ذكره الأشعريّة في الرؤية (١) غير معقول ؛ ولقوله تعالى لموسى عليه‌السلام : ( لَنْ تَرانِي ) (٢) ولتعليقه تعالى رؤيته على استقرار الجبل حال الحركة ، والمعلّق على المحال محال.

وأمّا قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٣) فمن باب حذف المضاف ، وهو كثير في اللغة ، وكلّ ما رووه من الأحاديث في الرؤية (٤) فهو موضوع أو مؤوّل.

[ المسألة ] الثانية والعشرون : الله تعالى ليس بمفتقر ، وهو المعبّر عنه بكونه غنيّا ، وهذه الصفة سلبيّة كصفة الوحدة وإن لمح فيهما معنى الثبوت للفظهما.

وبرهانه : أنّه لو افتقر في ذاته أو صفاته لكان ممكنا ، وقد بيّنّا أنّه تعالى واجب الوجود.

[ المسألة ] الثالثة والعشرون : الله تعالى ليس قادرا بقدرة ، ولا عالما بعلم ، ولا حيّا بحياة ، ولا موجودا بوجود ، إلى غير ذلك ؛ إذ لو احتاج في ذلك إلى مغن لكان مفتقرا إلى غيره ، والمفتقر ممكن ، وقد بيّنّا أنّه تعالى واجب الوجود. وما ذكره البهشميّة من الأحوال (٥) غير معقول.

[ المسألة ] الرابعة والعشرون : العقل قاض بحسن أشياء وقبح أشياء ، كحسن الصدق والإنصاف ، وشكر النعم ، وقبح أضدادهما ، والضرورة قاضية به ، والمنازع مكابر لصريح عقله ، ومن ثمّ حكم به من لا يتدبّر شريعة ولا يعتقد ملّة كالملاحدة (٦) والبراهمة (٧) ؛ ولأنّه لو لا ذلك لتعذّر معرفة صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يوثق بوعد الله تعالى ووعيده ، وفيه هدم الدين بالكلّيّة.

[ المسألة ] الخامسة والعشرون : نحن فاعلون لأفعالنا الحسنة والقبيحة ، والضرورة قاضية به ؛ ولتعلّق المدح والذمّ منّا عليها دون ألواننا وأشكالنا ، ولتعذيب العاصي ، وهو قبيح

__________________

(١) للمزيد راجع الملل والنحل ١ : ١٠٠ و ١٠٥.

(٢) الأعراف (٧) : ١٤٣.

(٣) القيامة (٧٥) : ٢٢.

(٤) انظر صحيح البخاري ١ : ٢٠٣ / ٥٢٩ و ٥٤٧ ؛ و ٤ : ١٨٣٦ / ٤٥٧٠ ؛ و ٦ : ٢٧٠٣ / ٦٩٩٧ و ٦٩٩٩.

(٥) لمزيد التوضيح راجع الملل والنحل ١ : ٨٢.

(٦) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٦١.

(٧) راجع الملل والنحل ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٦١.

١٤٢

إذا كان الفعل لله تعالى.

[ المسألة ] السادسة والعشرون : الله تعالى عدل حكيم ، أي لا يفعل شيئا من القبائح السيّئة ، ولا يخلّ بالواجب ؛ لأنّ له صارفا عن فعل القبيح وهو علمه بقبحه وغناؤه عنه ، وعلمه بغنائه ، وله داع إلى فعل الواجب ، وهو علمه بحسنه ، والصارف عنه منتف ، فوجب الحكم بنفي القبيح والإخلال بالواجب عنه تعالى ؛ ولأنّه لو جاز منه فعل القبيح لامتنع الفرق بين النبيّ والمتنبّئ ؛ لجواز إظهار المعجز على يد الكاذب ، ولجاز التعذيب على الإيمان والإثابة على الكفر ، وهو باطل قطعا ، ولا يريد شيئا من القبائح البتّة ؛ لأنّ إرادة القبح قبيحة ؛ ولقوله تعالى : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (١).

[ المسألة ] السابعة والعشرون : الله تعالى يفعل لغرض ، ويستحيل عليه الفعل بلا غرض وغاية ؛ ولأنّ ذلك عبث قبيح ؛ ولقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (٢) ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ) (٣).

[ المسألة ] الثامنة والعشرون : اللطف واجب على الله تعالى ، ونعني به هبة مقرّبة من الطاعة ، ومبعّدة عن المعصية ، ولا يبلغ الإلجاء ولا حظّ له في التمكّن.

وبرهانه : أنّ الله تعالى إذا علم من المكلّف أنّه لا يختار الطاعة ، أو لا يكون إلى اختيارها أقرب إلّا مع ذلك اللطف لو لم يفعله لكان ناقضا لغرضه ؛ إذ غرضه الطاعة المتوقّفة على اللطف ، وهو باطل ؛ لأنّه عبث وهو محال على الله تعالى ؛ ولقوله تعالى : ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (٤) وقوله : ( لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٥).

وربّما كان « للأجل » و « الرزق » و « السعر » مدخل في اللطف.

فالأجل : وقت فوت الحياة سواء كان من الله تعالى بالموت أو شبهه ، أو من غيره كالقتل على الأصحّ ؛ لاستحالة خلاف المفهوم.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٠٨.

(٢) الذاريات (٥١) : ٥٦.

(٣) ص (٣٨) : ٢٧.

(٤) الأنعام (٦) : ١٤٩.

(٥) النساء (٤) : ١٦٥.

١٤٣

والرزق : ما أمكن الانتفاع به بلا مانع ؛ فليس الحرام رزقا ، والولد رزق على الأصحّ ، وتقديره وتقتيره تابع للمصلحة.

والسعر : تقدير أبدال المبيعات ، والغلاء والرخص يتبعان السبب ، أي يمكن كونه من الله تعالى ومن العبد.

[ المسألة ] التاسعة والعشرون : التكليف هو إرادة واجب الطاعة متّبعا ابتداء حسن ؛ لأنّه معرض بحسن ؛ ولأنّه من فعل الله تعالى ، وكلّ فعله حسن ، وواجب على الله تعالى لكلّ من كمل عقله ؛ لأنّه تعالى خلق فيه داعيا إلى فعل المعصية ، ومقودا عن فعل الطاعة كالشهوات ، فلا بدّ من زاجر [ و ] هو التكليف ، وإلّا لكان مغريا بالقبيح ، والإغراء بالقبيح قبيح.

[ المسألة ] الثلاثون : الآلام الصادرة من الله تعالى وشبهها يجب عليه عوضها ، وإلّا لكان ظالما ( تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ) وذلك العوض لا بدّ وأن يكون زائدا على الألم زيادة يختارها المكلّف على الألم لو خيّر بينهما ، وإلّا لقبح الألم منه تعالى كما يقبح منّا.

[ المسألة ] الحادية والثلاثون : النبوّة حسنة واجبة. أمّا حسنها فظاهر ؛ لما فيها من الدلالة على المصالح والأمر بها ، والمفاسد والنهي عنها.

وأمّا وجوبها ؛ لأنّها لطف ، وكلّ لطف واجب.

أمّا أنّها لطف : فلأنّ الناس مع وجود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب إلى فعل الطاعات ، وأبعد عن فعل المعاصي ، وهو معنى اللطف.

وأمّا أنّ كلّ لطف واجب : فلما تقدّم.

ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ ؛ لدعواه النبوّة ، وظهور المعجز على يده كالقرآن الذي تحدّى به العرب في قوله : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (١) ، وعجزوا عن معارضته ؛ لعدولهم إلى القتال ؛ وكانشقاق القمر (٢) ، ونبوع الماء (٣) ، وحنين الجذع (٤) ، وتسبيح الحصى في كفّه ، وإشباع الكثير

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٣.

(٢) راجع إعلام الورى : ٣٨ ؛ الخرائج والجرائح ١ : ٣١ / ٢٦.

(٣) راجع إعلام الورى : ٣٢ ؛ الخرائج والجرائح ١ : ٢٨ / ١٧.

(٤) لاحظ إعلام الورى : ٣٢ ؛ الخرائج والجرائح ١ : ٢٦ / ١٠.

١٤٤

من القليل ، إلى غير ذلك. وكلّ من كان كذلك كان نبيّا ؛ لاستحالة أن يصدّق الله تعالى الكاذب على ما تقدّم ؛ ولأنّ الطريق الذي ثبتت فيه النبوّة للأنبياء السالفين حاصل فيه ، فوجب الحكم بنبوّته.

[ المسألة ] الثانية والثلاثون : هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم من الذنوب : كبيرها وصغيرها ، عمدها وسهوها وخطئها ، من أوّل عمره إلى آخره. والعصمة لطف يفعله الله تعالى بالمكلّف ، يعلم عنده وقوع الطاعة وترك المعصية اختيارا.

وبرهانه : أنّه لو لا ذلك لم يوثق بإخباراته الأمان من التكاليف الشرعيّة والجرأة عليها ، فتنتفي قاعدة البعثة ، وهو باطل ؛ ولأنّ العقول تنفر من اتّباع من عهد منه معصية ما ، وهي مأمورة بالإقبال عليه ؛ لوجوب أذاه لو فعل معصية ، وقد قال تعالى : ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) (١).

ويجب كونه أفضل من رعيّته فيما هو نبيّ فيه ؛ لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا ولقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى ) (٢).

ويجب تنزيهه عن دناءة الآباء والأمّهات والنقائص المنفّرة كالجذام والبرص ؛ لنقص المتّصف بذلك ، وعدم إقبال القلوب عليه فلا يحصل الغرض من بعثته.

[ المسألة ] الثالثة والثلاثون : هو خاتم الأنبياء ، وهو معلوم من السمع ؛ إذ لا مجال للعقل ، وقد علم بالضرورة من دينه عليه‌السلام ذلك ؛ ولقوله تعالى : ( وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٣).

[ المسألة ] الرابعة والثلاثون : الإمامة زعامة عامّة لشخص من الناس في الأمور الدينيّة والدنيويّة نيابة عن النبيّ ، والقيد الآخر يخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلتزم بكونه إماما ، أو أريد تعريف الإمام الخاصّ.

وهي حسنة واجبة ؛ لما تقدّم في النبوّة آنفا ، [ و ] وجوبها على الله تعالى ؛ فلأدائه إلى الهرج والمرج لو وجب على الأمّة.

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) : ٥٣.

(٢) يونس (١٠) : ٣٥.

(٣) الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

١٤٥

[ المسألة ] الخامسة والثلاثون : يشترط فيه أن يكون معصوما ؛ لما قلناه في النبيّ ؛ ولما قلناه فيه ؛ ولأنّ العلّة المحوجة إلى نصبه هو جواز الخطأ على الأمّة ، فلو لم يكن معصوما لافتقر إلى إمام آخر ويتسلسل ، وقد بيّنّا بطلانه.

ويشترط فيه أن يكون أفضل من رعيّته فيما هو إمام فيه ، وقد تقدّم دليله في النبيّ.

ويشترط فيه أن يكون منصوصا عليه من الله تعالى ، ومن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ العصمة أمر باطن خفيّ لا يطّلع عليه إلّا الله تعالى ، فلا طريق إلّا هو ، والمعجز الظاهر على يد الإمام.

[ المسألة ] السادسة والثلاثون : الإمام الحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة أمير المؤمنين وإمام المتّقين أبو الحسن عليّ بن أبي طالب ( عليه أفضل الصلوات والسلام وأكمل التحيّات ) وهو ظاهر جدّا بعد بيان القواعد السالفة ؛ إذ العصمة والنصّ والأفضليّة لم تحصل إلّا فيه إمّا بالإخبار والسماع ، وإمّا بخلوّ الاشتراط لهما في غيره ، فلو لم تكن حاصلة فيه ، لزم خلوّ الزمان عن إمام مع وجوب اللطف على الله تعالى ، وهو محال.

ولنذكر طرقا من النصوص الدالّة عليها.

منها : قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١) و « إنّما » للحصر بالنقل عن اللغويّين (٢) ، والوليّ هو الأولى بالتدبير ، والعطف يوجب مساواة المعطوف [ للمعطوف ] عليه. وقد ثبتت الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين ، وليسوا بأسرهم موصوفين بالولاية ؛ لاتّصافهم بصفة خاصّة ، بل بعضهم ، وذلك هو عليّ عليه‌السلام ؛ للإجماع على صدقته بخاتمه حال ركوعه فنزلت فيه هذه الآية ، ذكره الثعلبي (٣) وغيره من المفسّرين.

ومنها : قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤).

وتوجيهه : أنّ الله تعالى عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله والرسول وطاعتهما

__________________

(١) المائدة (٥) : ٥٥.

(٢) الصحاح ٤ : ٢٠٧٣ ؛ القاموس المحيط ٤ : ٢٠٠ ، « أ ن ن ».

(٣) حكاه عنه في مجمع البيان ٣ : ٣٦١.

(٤) النساء (٤) : ٥٩.

١٤٦

واجبة ، والمعطوف على الواجب واجب ، فلو أمر الإمام بمعصية لوجب أن يطاع فيها ، وهو باطل قطعا ، فيستحيل صدورها منه ، وإلّا لوجب اتّباعه فيها ، وغير عليّ عليه‌السلام ليس بمعصوم بالإجماع ، أو غير مشروط فيه العصمة.

ومنها : ما تواتر من طرق الشيعة مع انتشارهم في أقطار الأرض ، وقيام عدد التواتر فيهم ، ونقلته شرذمة ممّن ترك الأهواء من أهل الخلاف : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ عليه بالألفاظ الصريحة التي لا تحتمل التأويل ، مثل قوله : « هذا إمامكم بعدي سلّموا عليه بإمرة المؤمنين » (١) « هذا خليفتي عليكم » (٢).

ومنها : ما تواتر من قبل الفريقين ، ولم ينكره أحد من أهل القبلة ، وهو قوله بغدير خم عام حجّة الوداع حيث جمع الرجال وصعد المنبر ، وقال :

ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار. (٣)

ولفظة « مولى » يعني أولى ، وهو مشهور الاستعمال في اللغة العربيّة (٤) ، ويدلّ عليه قوله :

« ألست أولى ».

ومنها : ما صحّ نقله عن الخصم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا توجّه إلى غزوة تبوك وخلّف عليّا عليه‌السلام بالمدينة واستخلفه عليها ، فقال : « يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ » فقال : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ». (٥)

والمنزلة للعموم ، وإلّا لما صحّ الاستثناء ، ومن جملة منازل هارون أنّه لو عاش بعد موسى لكان خليفة ، فيكون عليّ عليه‌السلام خليفة ؛ ولأنّه استخلفه على المدينة ولم ينقل عزله عنها.

[ المسألة ] السابعة والثلاثون : الإمام الحقّ بعد عليّ عليه‌السلام ولده أبو محمّد الحسن الزكيّ ،

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٣٠١ ذيل الآية ٧٤ من سورة التوبة (٩).

(٢) إتحاف السادة المتّقين ٢ : ٢٢٢.

(٣) كمال الدين : ٣٣٧ / ٩ ؛ المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٩٥ / ٥٠٦٨.

(٤) لسان العرب ١٥ : ٤٠٢ ، « ول ى ».

(٥) مسند أحمد ١ : ١٧٥ و ١٨٢ ؛ المعجم الكبير للطبراني ٥ : ٢٠٣ / ٥٠٩٤ و ٥٠٩٥.

١٤٧

ثمّ أخوه أبو عبد الله الحسين الشهيد ، ثمّ من بعده ولده أبو الحسين عليّ زين العابدين ، ثمّ ولده أبو جعفر محمّد الباقر ، ثمّ ولده أبو عبد الله جعفر الصادق ، ثمّ ولده أبو الحسن موسى الكاظم ، ثمّ ولده أبو الحسن عليّ الرضا ، ثمّ ولده أبو جعفر محمّد الجواد ، ثمّ ولده أبو الحسن عليّ الهادي النقي ، ثمّ ولده أبو محمّد الحسن النقي ، ثمّ ولده الخلف القائم المنتظر المهدي الحجّة صاحب الزمان صلوات الله عليهم أجمعين.

وبرهانه : أنّ القول بأنّ العصمة شرط في الإمام لا يجامع القول بإمامة غير هؤلاء ؛ للاتّفاق على نفي اشتراط العصمة في غير عليّ فتكون فيهم ، فلو لم يكن الأحد عشر أئمّة لزم خلوّ الزمان من إمام وهو باطل ؛ ولأنّ المخالف والموافق نقل النصّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بأسمائهم ، وكذا في كلّ واحد على من بعده.

فمن ذلك ما رواه أبو العبّاس عبد الله بن العباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّ الله اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني منها [ فجعلني نبيّا ] ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار منها عليّا ، فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن أتّخذه أخا ووصيّا وخليفة ووزيرا ، فعليّ منّي وأنا من عليّ ، وهو زوج ابنتي ، وأبو سبطيّ الحسن والحسين ، ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري ، ويحفظون وصيّتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهديّ أمّتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة ، وحيرة مضلّة ، فيعلن أمر الله ، ويظهر دين الله ، ويؤيّد بنصر الله وبنصر ملائكة الله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (١).

ومن ذلك ما رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « الأئمّة من بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين والتاسع مهديّهم ». (٢)

ومن ذلك ما رواه أبو سعيد سعد بن مالك الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول للحسين بن عليّ عليهما‌السلام : « أنت الإمام ابن الإمام ، [ وأخو الإمام ] تسعة من صلبك أئمّة أبرار ، والتاسع قائمهم ». (٣)

__________________

(١) كمال الدين : ٢٥٧ / ٢ ؛ كفاية الأثر : ١١.

(٢) كفاية الأثر : ٢٣.

(٣) كفاية الأثر : ٢٨.

١٤٨

ومن ذلك : ما رواه أبو ذرّ جندب الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

من أحبّني وأهل بيتي كنّا نحن وهو كهاتين ـ وأشار بالسبابة والوسطى ـ ثمّ قال : أخي خير الأوصياء ، وسبطيّ خير الأسباط ، وسوف يخرج الله تبارك وتعالى من صلب الحسين أئمّة أبرارا ومنّا مهديّ هذه الأمّة ». قلت : يا رسول الله فكم الأئمّة بعدك؟ قال : « عدد نقباء بني إسرائيل ». (١)

ومن ذلك ما رواه أبو عبد الله سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأئمّة بعدي اثنا عشر عدد شهور الحول ، ومنّا مهديّ هذه الأمّة ، له هيبة موسى ، وبهاء عيسى ، وحلم داود ، وصبر أيّوب ». (٢)

ومن ذلك ما رواه أبو عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله تبارك وتعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٣) قلت : يا رسول قد عرفنا الله ورسوله فمن أولى الأمر منكم الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله؟ فقال :

هم خلفائي يا جابر ، وأئمّة المسلمين بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه يا جابر ، فإن لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه ونقيبه في عباده ابن الحسن بن عليّ. (٤)

ومن ذلك ما رواه جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول :

« يكون بعدي اثنا عشر أميرا » ثمّ أخفى عليّ صوته ، فقلت لأبي : ما الذي أخفى صوته به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال ، قال : « كلّهم من قريش ». (٥)

ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الفجر ، ثمّ أقبل علينا وقال : « معاشر أصحابي من أحبّنا أهل البيت حشر معنا ، ومن استمسك بالأوصياء من

__________________

(١) كفاية الأثر : ٣٥.

(٢) كفاية الأثر : ٤٣.

(٣) النساء (٤) : ٥٩.

(٤) كمال الدين : ٢٥٣ / ٣ ؛ كفاية الأثر : ٥٣.

(٥) الخصال ٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧٢ / ١٢ ـ ٢٤ ؛ كمال الدين : ٢٧٢ / ١٩ ؛ كفاية الأثر : ٤٩ ـ ٥٠.

١٤٩

بعدي فقد استمسك بالعروة الوثقى » فقام إليه أبو ذرّ فقال : يا رسول الله وكم الأئمّة بعدك؟

قال : « عدد نقباء بني إسرائيل » فقال : « كلّهم من أهل البيت ». (١)

ونحوه ما رواه عمر بن الخطاب (٢) وزيد بن ثابت ٣ وأبو هريرة ٤ وزيد بن أرقم ٥ وأسعد بن زرارة ٦ وواثلة بن الأسقع ٧ وأبو أيّوب الأنصاري ٨ وعمّار بن ياسر ٩ وغيرهم من الصحابة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روايات تدخل في حيّز التواتر.

وأمّا رواة الإماميّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام فمشهورة بين الأصحاب ولا تحصى كثرة.

[ المسألة ] الثامنة والثلاثون : الإمام الحجّة ابن الحسن ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) حيّ موجود في هذا الزمان إلى انقطاع التكليف ، وعليه تقوم الساعة ويحشر الناس ؛ لما مرّ من وجوب اللطف على الله تعالى ، والنصوص الواردة بغيبته ، والنفع يحصل به كنفع الشمس تحت السحاب ، وتعرض عليه أعمال العباد في كلّ يوم خميس فيعرف وليّ الله وعدوّ الله ، والحكمة في غيبته ممّا استأثر الله تعالى بعلمها ، والذي يظهر للقوّة البشرية أنّه من كثرة عدوّه وقلّة ناصره.

وقد ذكر الأصحاب في كتبهم في الغيبة ـ كالصدوق أبي جعفر محمّد بن بابويه ١٠ ، والنعماني ١١ ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ١٢ والسيد الشريف المرتضى ١٣ وغيرهم رضوان الله عليهم ـ ما فيه مقنع.

[ المسألة ] التاسعة والثلاثون : هذه المسائل السالفة بأجمعها نظريّة لا يجوز التقليد

__________________

(١) كفاية الأثر : ٧٣ ـ ٧٤.

(٢) و ٣. كفاية الأثر : ٩٠ ـ ٩٩.

(٣) ٤ و ٥. كفاية الأثر : ٧٩ ـ ١٠٠ و ١٠٤.

(٤) ٦ و ٧. كفاية الأثر : ١٠٥ ـ ١١١ و ١١٢.

(٥) ٨ و ٩. كفاية الأثر : ١١٣ ـ ١٢٦.

(٦) ١٠. كمال الدين : ٤٨١ و ٤٨٢ / ٧ ـ ١١.

(٧) ١١. الغيبة للنعماني : ١٦١ / ١ ـ ١١.

(٨) ١٢. الغيبة للطوسي : ٩٠.

(٩) ١٣. رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٢٩٥.

١٥٠

فيها ، ولا في بعضها ، بل الواجب إقامة الدليل على كلّ مطلوب منها وهو مقدار سهل. أمّا التعرّض لحلّ شبه الطاعنين فيجب على من عرضت له. والاستفادة من المسائل الكلاميّة من العلماء للتنبيه لا للتقليد.

والدليل على هذا المطلوب قوله تعالى : ( قُلِ انْظُرُوا ) (١) ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (٢) وقوله : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ) (٣) وتكليفه بالعلم يستلزم تكليفنا به ؛ لوجوب التأسّي به. وهذه تنبيها على هذا المطلوب ؛ إذ التقليد لا يؤمن خطؤه وهو قبيح عقلا وللزم الترجيح بلا مرجّح عند الاختلاف ، أو اعتقاد حقّيّة النقيضين ؛ ولأنّه تعالى ذمّ التقليد في عدّة أماكن ؛ ولأنّ صدق المقلّد إنّما يستفاد بعد تحصيل هذه المعارف ، فلو استفيدت منه لزم الدور المحال. وعدم تكليف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاعتراف بالنظر ؛ ليدخلوا دار الإسلام ويسمعوا محاسنه ، وفي الأثناء يظهر لهم بأدنى تنبيه أنّ له هذه المعارف ، على أنّ أكثرهم كانوا معتقدين لها ، مستحضرين لأدلّتها وإن لم يعثروا عليها ؛ لقوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٤) ( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٥).

[ المسألة ] الأربعون : الإيمان اسم للتصديق بالله تعالى ولجميع ما جاء به النبيّ ( عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله ) ممّا علم بالضرورة مع الإقرار اللساني. أمّا فعل الطاعات بالجوارح فليس يدخل في حقيقة الإيمان وإنّما هو من مكمّلاته.

وبالإيمان يستحقّ الخلود في الجنّة ، وبالكفر يستحقّ الخلود في النار ، وبفعل الطاعات يزيد في الدرجات في الجنان ، وبتركها يستحقّ دخول النار ، ثمّ الدخول إلى الجنّة ، إلّا أن تتدارك المكلّف توبة أو شفاعة شفيع أو عفو الله تعالى.

واعلم أنّه لا بدّ من المعاد البدني والروحاني ، وعليه إجماع الملّة الإسلاميّة ( شرّفها الله تعالى ) وقد نطق به القرآن العزيز في عدّة مواضع ؛ لأنّه تعالى حكيم ، وقد ألزم بالميثاق

__________________

(١) يونس (١٠) : ١٠١.

(٢) يونس (١٠) : ٣.

(٣) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤٧) : ١٩.

(٤) الزمر (٣٩) : ٣٨.

(٥) العنكبوت (٢٩) : ٦٥.

١٥١

وأنزلها فيجب الجزاء عليها بالثواب والعوض ؛ وكلّ من عليه حقّ يجب إعادته عقلا وسمعا.

أمّا الأطفال ونحوهم فيجب إعادتهم سمعا ، وكلّ ما أخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من الجنّة والنار ، والصراط والميزان ، وإنطاق الجوارح ، وتطاير الكتب ، يجب الاعتقاد لها والإقرار بها ؛ لإمكانها وإخبار المعلوم الصدق بها.

وهذا آخر الرسالة.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

١٥٢

(٦)

العقيدة الكافية

١٥٣
١٥٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أشهدكم يا معاشر المؤمنسين ، أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، إلها واحدا أحدا فردا وترا صمدا حيّا قيّوما ، لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وأفضل رسله ، وأنّ خليفته على أمّته أخوه وابن عمّه أمير المؤمنين أبو الحسنين عليّ ابن أبي طالب ( عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيّات وعلى ذرّيّته الطاهرين والطاهرات ) ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ عليّ ثمّ محمّد ثمّ جعفر ثمّ موسى ثمّ عليّ ثمّ محمّد ثمّ عليّ ثمّ الحسن ثمّ الخلف الحجّة القائم المهديّ عجّل الله فرجه.

واستدلّ على وجود الله تعالى بحدوث ما سواه.

واستدلّ على حدوث ما سواه بالتغيّر والزوال.

واستدلّ على قدمه بانتهاء الحوادث إليه.

واستدلّ على وجوب وجوده بإمكان ما سواه.

واستدلّ على بقائه وأبديّته بوجوب وجوده.

واستدلّ على قدرته بوقوع الفعل منه على سبيل الجواز.

واستدلّ على علمه بإحكام أفعاله وإتقانها.

واستدلّ على عموم قدرته وعلمه بتساوي نسبة الجميع إليه ، فلا يتخصّص البعض دون البعض.

واستدلّ على كونه سميعا بصيرا بعموم علمه بهما.

١٥٥

واستدلّ على إرادته وكراهته بأمره ونهيه.

واستدلّ على كلامه بالقرآن العظيم العزيز وقوله تعالى : ( حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ) (١).

واستدلّ على وحدته باستقامة العالم ، وبقوله : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (٢).

واستدلّ على غناه عن غيره بذاته وصفاته بكونه واجب الوجود.

واستدلّ على كونه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا متحيّز ولا حالّ في المتحيّز ولا مرئيّ ولا مركّب ولا موصوف بالمعاني القديمة ولا الحادثة : بكونه قديما وواجب الوجود.

واستدلّ على عدله وحكمته بأنّه تعالى لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. وبكونه غنيّا.

واستدلّ على نبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادّعائه النبوّة ، وصدّقه الله تعالى بالمعجز الظاهر على يده ، مثل انشقاق القمر (٣) ، ونبوع الماء من بين أصابعه (٤) ، وحنين الجذع اليابس إليه (٥) ، وشكوى الظبية (٦) والبعير (٧) إليه.

واستدلّ على عصمته بوثوقه في أمره ونهيه.

واستدلّ على كونه خاتم النبيّين بقوله تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٨).

واستدلّ على إمامة عليّ عليه الصلاة والسلام وأحد عشر ـ من ولده الطيّبين خلفا عن سلف ـ إماما بالعصمة المشترطة في الإمامة (٩) ، حذرا من الدور والتسلسل لو كان الإمام

__________________

(١) التوبة (٩) : ٦.

(٢) الإخلاص (١١٢) : ١.

(٣) الخرائج والجرائح ١ : ٣١ / ٢٦ ؛ إعلام الورى : ٣٨.

(٤) إعلام الورى : ٣٢ ؛ الخرائج والجرائح ١ : ٢٨ / ١٧.

(٥) الخرائج والجرائح ١ : ٢٦ / ١٠ ؛ إعلام الورى : ٣٢.

(٦) إعلام الورى : ٣٦ ؛ الخرائج والجرائح ١ : ٣٧ / ٤١.

(٧) إعلام الورى : ٣٩ ؛ الخرائج والجرائح ٢ : ٣٧ / ٣٩.

(٨) الأحزاب (٣٣) : ٤٠.

(٩) لاحظ الكافي ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٤ / ٩ ـ ٢٠ ؛ الخصال ٢ : ٤٦٦ ـ ٤٨٠ / ٦ ـ ٥١ ، أبواب الاثني عشر.

١٥٦

غير معصوم ؛ وبقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) (١) ؛ وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولدي الحسين إمام ابن إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم أفضلهم أعلمهم » (٢).

واستدلّ على بقاء المهديّ بتواتر الأخبار ٣ ، وامتناع الإخلال باللطف الواجب على الله تعالى.

واستدلّ على المعاد وسؤال القبر والجنّة والنار والصراط والميزان بثبوت صدق المخبر بذلك ، وهو النبيّ المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأعتقد بجميع ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نبوّة الأنبياء السالفة على نبيّنا وعليهم‌السلام ، ومن تكليف المكلّفين ، ومن الحشر والنشر والجنّة والنار. وما أعدّ الله فيهما من الثواب والعقاب والمطعم والمشرب والنكاح حقّ وصدق.

هذا اعتقادي ، وعليه أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله تعالى.

وصنّفه معتقده محمّد بن مكّي ، وهو يشهد أنّ معتقده والعامل به ناج من عذاب النار ، فائز برضى الجبّار ، إذا هو وافى عليه إلى نزول الحافرة وأوّل أيّام الآخرة.

والحمد لله حمد الشاكرين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

__________________

(١) التوبة (٩) : ١١٩.

(٢) و ٣. انظر الخصال ٢ : ٤٧٥ / ٣٨ باب الاثني عشر ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٥٦ / ١٧.

١٥٧
١٥٨

(٧)

الرسالة الألفيّة

١٥٩
١٦٠