جمل العلم والعمل

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

جمل العلم والعمل

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : العقائد والكلام
المطبعة: مطبعة الآداب
الطبعة: ١
الصفحات: ١٣٤

٢١

٢٢
٢٣
٢٤

٢٥
٢٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله كما هو أهله ومستحقه ، وصلى الله على سيد الأنبياء محمد وعترته الأبرار الأخيار ، صلاة لا انقطاع لمددها ولا انتهاء لعددها ، وسلم وكرّم.

أما بعد :

فقد أجبت الى ما سألنيه الأستاد ـ أدام الله تأييده ـ من إملاء مختصر محيط بما يجب اعتقاده من جميع أصول الدين ، ثم ما يجب عمله من الشرعيات التي لا ينكاد المكلّف من وجوبها عليه ، لعموم البلوى بها ، ولم أخلّ شيئا مما يجب اعتقاده من إشارة إلى دليله وجهة عمله ، على صغر الحجم وشدة الاختصار.

ولن يستغني عن هذا الكتاب مبتد تعليما وتبصرة ، ومنته تنبيها وتذكرة.

ومن الله أستمد المعونة والتوفيق ، وما المرجوّ لهما إلا فضله وما المعلّق بهما إلا حبله ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

٢٧
٢٨

باب (١)

( ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد )

الأجسام محدثة ، لأنها لم تسبق الحوادث ، فلها حكمها في الحدوث.

ولا بدّ لها من محدث كالصياغة (٢) والكتابة ، ولا بد من كونه قادرا ، لتعذر الفعل (٣) على من لم يكن قادرا ويتيسر على من كان (٤) كذلك.

ولا بدّ من كون محدثها عالما (٥) ، وهذا الضرب من التعلق لا يصلح إلا من الموجود كونه قديما (٦) ، لانتهاء الحوادث اليه.

ويجب كونه حيا ، وإلا لم يصح كونه قادرا عالما فضلا عن وجوبه.

ويجب أن يكون مدركا ، إذ أوجد المدركات (٧) ، لاقتضاء كونه حيا.

ووجب كونه (٨) سميعا بصيرا ، لأنه يجب (٩) أن يدرك المدركات إذا وجدت ، وهذه فائدة قولنا سميع بصير ومن صفاته.

وإن كانتا عن علة كونه (١٠) مريدا وكارها ، لأنه تعالى قد أمر وأخبر ونهى ، ولا يكون الأمر والخبر أمرا ولا خبرا إلا بإرادة (١١) ، والنهي لا يكون نهيا إلا بكراهة (١٢) ، ولا يجوز أن يستحق

__________________

(١) بيان

(٢) لحاجة كل محدث في حدوثه إلى محدث كالصناعة

(٣) وتعذر الفعل

(٤) تيسره

(٥) لأن الأحكام ظاهرة في كثير من العالم والحكم لا يقع إلا من عالم ولا بد من كونه موجودا لأن له تعلقا من حيث كان قادرا عالما

(٦) لا يصح إلا مع الوجود ويجب كونه قديما

(٧) وجدت

(٨) وذلك واجب كونه

(٩) لأنه ممن يجب

(١٠) وإن كائنا عن علة كونه

(١١) ولا يكون الأمر أمرا ولا الخبر خبرا إلا بالإرادة

(١٢) بالكراهة

٢٩

هاتين الصفتين لنفسه ، لوجوب كونه مريدا كارها للشي‌ء الواحد على الوجه الواحد ، ولا لعلة قديمة لما سنبطل (١) به الصفات القديمة ولا لعلة محدثة في غير حي لافتقاره الإرادة إلى نيته (٢) ، ولا لعلة موجودة في حي لوجوب رجوع حكمها إلى ذلك ، فلم يبق إلا لأن (٣) توجد لا في محل.

ولا يجوز أن يكون له في نفسه صفة زائدة على ما ذكرناه لأنه لا حكم لها معقول من الصفات ، ويفضي إلى الجهالات (٤).

ويجب أن يكون قادرا فيما لم يزل ، لأنه لو تجدّد له ذلك (٥) لم يكن إلا لقدرة محدثة ، ولا يمكن استناد (٦) إحداثها إلا إليه ، فيؤدي إلى تعليق كونه قادرا بكونه محدثا ، وكونه محدثا إلى كونه قادرا (٧) ، وثبوت كونه قادرا فيما لم يزل يقتضي أن يكون فيما لم يزل حيا موجودا.

ويجب أن يكون عالما فيما لم يزل ، لأن تجدّد كونه عالما (٨) يقتضي أن يكون بحدوث علم ، والعلم لا يقع إلا ممن هو عالم.

ووجوب هذه الصفات له تدل (٩) على أنها نفسية ، وادعاء وجوبها لمعان قديمة تبطل صفات النفس ، ولأن الاشتراك في المقدّم يوجب التماثل والمشاركة في سائر صفات النفس (١٠) ، ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لاستنادها إلى النفس.

ويجب كونه تعالى غنيا غير محتاج ، لأن الحاجة تقتضي أن يكون ينتفع ويستضر (١١) ، ويؤدي إلى كونه جسما. ولا يجوز

__________________

(١) لما ستبطل

(٢) لافتقار الإرادة إلى نية

(٣) رجوع حكمهما إلى ذلك الحي ، فلم يبق إلا أن

(٤) لأنه لا حكم لها معقول ، وإثبات ما لا حكم له معقول من الصفات يفضي إلى الجهالات

(٥) لو تجدّد ذلك

(٦) ولا يكون إسناد

(٧) كونه قادرا بكونه محدثا ، وكونه قادرا

(٨) لأنه إن تجدّد كونه عالما

(٩) ووجوب هذه الصفات تدل

(١٠) ولأن الاشتراك في القدم يوجب التماثل والمشاركة في سائر الصفات

(١١) أن يكون مما ينتفع ويستضر

٣٠

أن يقال لصفة الجواهر (١) والأجسام والأعراض لقدمه وحدوثه هذه أجمع ، ولأنه فاعل للأجسام (٢) ، والجسم يتعذر عليه فعل الجسم.

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية ، لأنه كان يجب مع ارتفاع الموانع وصحة أبصارنا أن نراه ، وبمثل ذلك نعلم أنه لا يدرك بسائر الأجسام (٣).

ويجب أن يكون تعالى واحدا لا ثاني له في القدم ، لأن إثبات ثان يؤدي إلى إثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة. ويؤدي أيضا إلى تعذر الفعل على القادر من غير جهة منع معقول. وإذا بطل قديم ثان بطل قول الثنوية (٤) والنصارى والمجوس.

باب

( بيان ما يجب اعتقاده (٥) في أبواب العدل كلها وما )

( يتصل بها سوى النبوة (٦) والإمامة وسوى )

( ذكر الآجال والأرزاق والأسعار (٧) )

( فإنا اعتمدنا تأخيرها )

يجب أن يكون تعالى قادرا على القبيح ، لأنه قادر لنفسه

__________________

(١) ولا يجوز كونه تعالى بصفة الجواهر

(٢) وحدوث هذه أجمع ، ولأنه فاعل الأجسام

(٣) ولمثل ذلك يعلم أنه لا يدرك بسائر الحواس

(٤) وإذا بطل قدم ثان بطل قول اليهود

(٥) ما يجب اعتقاده

(٦) يتصل بها النبوة

(٧) والأشعار

٣١

واحد حالا منا في كوننا (١) قادرين ، ولا يجوز أن يفعل القبيح لعلمه بقبحه ولأنه (٢) غني عنه. ولا يجري (٣) فيما ذكرناه مجرى الحسن ، لأن الحسن قد يفعله لحسنه (٤) لا لحاجة اليه.

ولا يجوز أن يريد تعالى القبيح ، لأنه إذا (٥) أراده بإرادة محدثة كانت (٦) قبيحة ، وهو تعالى لا يفعل شيئا من القبائح تعالى عن ذلك (٧) ، وإن أراده لنفسه وجب أن يكون تعالى على (٨) صفة نقص ، وصفات النقص كلها عنه منتفية (٩).

وهو تعالى متكلم ، وبالسمع يعلم (١٠) ذلك. وكلامه فعله (١١) ، لأن هذه الإضافة تقتضي الفعلية كالضرب وسائر الأفعال.

والأفعال الظاهرة من العباد التابعة لقصودهم وأحوالهم هم المحدثون لها دونه (١٢) تعالى ، لوجوب وقوعها بحسب أحوالهم ، ولأن أحكامها راجعة إليهم من مدح أو ذم (١٣). وهذان الوجهان معتمدان أيضا في الأفعال المتولدة (١٤) ، وقدرتنا لا تتعلق (١٥) إلا بحدوث الأفعال لاتباع هذا التعليق صحة الحدوث نفيا وإثباتا ، وهي متعلقة بالضدين ، لتمكن كل قادر غير ممنوع من التنقل (١٦) في الجهات ، وهي متقدمة (١٧) للفعل ، لأنها ليست بعلة ولا موجبة وإنما يحتاج إليها ليكون الفعل محدثا ، فإذا وجد استغنى عنها ، وتكليف ما ليس بقادر في القبح كتكليف (١٨) العاجز ، وقد كلف الله تعالى من تكاملت فيه شروط التكليف من العقلاء.

ووجه حسن التكليف : انه تعريض لنفع عظيم لا يوصل

__________________

(١) وأكد حالا في كوننا (١٠) يعلم

(٢) وبأنه (١١) فعله

(٣) ولا يجري لنفسه القبيح (١٢) دونه

(٤) قد يفعل بحسنه (١٣) وذم

(٥) إن (١٤) المتوالدة

(٦) فهي (١٥) لا يتعلق

(٧) ساقطة من المخطوط (١٦) النقل

(٨) عن وفي نسخة على (١٧) مقدمة

(٩) منفية (١٨) من ليس بقادر في القبح لتكليف

٣٢

اليه إلا به ، والتعريض للشي‌ء في حكم إيصاله ، والنفع الذي أشرنا إليه هو الثواب ، لأنه لا يحسن الابتداء به (١) وإنما يحسن مستحقا ، ولا يستحق إلا بالطاعات ، ولحسن (٢) تكليف من علم الله تعالى أنه يكفر ، لأن وجه الحسن ثابت فيه ، وهو التعريض للثواب (٣).

وعلمه أن (٤) يكفر ليس بوجه قبح ، لأنا نستحسن أن ندعو إلى الدين في الحالة الواحدة جميع الكفار لو جمعوا لنا مع العلم بأن جميعهم لا يؤمن. ونعرض الطعام على من يغلب ظننا (٥) أنه لا يأكله ، ونرشد إلى الطريق من نظن أنه لا يقبل ، ويحسن ذلك منا مع (٦) غلبة الظن. وكان (٧) طريق حسنة أو قبحه المنافع والمضار قام الظن فيه مقام العلم.

ولا بد من انقطاع التكليف ، والا لانتقض الغرض (٨) من التعريض للثواب ، والحي المكلف هو هذه الجملة المشاهدة ، لأن الإدراك يقع بكل عضو منها ، ويبتدئ (٩) الفعل في أطرافها ، ويخفّ عليها إذا حمل باليدين ما يثقل ويتعذر إذا حمل باليد الواحدة. وما يعلم الله تعالى أن المكلف يختار عنده الطاعة ويكون (١٠) إلى اختيارها أقرب ، ولولاه لم يكن من (١١) ذلك يجب (١٢) أن يفعله ، لأن التكليف يوجب ذلك ، قياسا إلى من دعي إلى طعام وغلب على ظنه (١٣) أن من دعاه اليه (١٤) لا يحضر (١٥) ببعض الأفعال التي لا مشقة فيها ، وهذا هو المسمى ( لطفا ).

__________________

(١) ساقطة من المخطوط

(٢) بالطاعة ويحسن

(٣) الثواب

(٤) بأنه

(٥) في ظنوننا

(٦) ساقطة من المخطوط

(٧) وكلما

(٨) انتقض الغرض فيه

(٩) وتبدو

(١٠) مختارة الطاعة أو يكون

(١١) ساقطة من المخطوط

(١٢) يحب

(١٣) على من دعا إلى طعامه وغلب في ظنه

(١٤) ساقطة من المخطوط

(١٥) لا يحضر إلا

٣٣

ولا فرق في الوجوب بين اللطف والتمكين ، وقبح منع أحدهما كقبح منع الآخر.

والأصلح فيما يعود إلى الدنيا غير واجب ، لأنه لو وجب لأدى إلى وجوب ما لا يتناهى ، ولكان القديم تعالى غير منفك (١) في حال من الأحوال بالواجب (٢).

وقد يفعل الله الألم (٣) في البالغين والأطفال والبهائم. ووجه حسن ذلك في الدنيا : لأنه (٤) يتضمن اعتبارا يخرج به من أن يكون عبثا أو عوضا (٥) يخرج به من أن يكون ظلما. فأما المفعول منه في الآخرة فوجه حسن فعله الاستحقاق (٦) فقط.

ولا يجوز أن يحسن الألم للعوض فقط ، لأنه يؤدي إلى حسن إيلام الغير بالضرب ، لا لشي‌ء إلا لإيصال النفع (٧) واستيجار من ينقل الماء من نهر الى نهر آخر ، لا لغرض بل للعوض.

ولا اعتبار في حسنه للتراضي (٨) ، لأن التراضي إنما يعتبر فيما يشتبه من المنافع ، فأما ما لا يشبهه (٩) في اختيار العقلاء لمثله إذا عرفوه لبلوغه أقصى المبالغ فلا اعتبار فيه بالتراضي.

ولا يجوز أن يفعل الله (١٠) تعالى الألم لدفع الضرر من غير عوض عليه ، كما يفعل (١١) أحدنا بغيره. والوجه فيه : أن الألم إنما يحسن لدفع الضرر في الموضع الذي لا يندفع إلا به ، والقديم تعالى قادر على دفع كل ضرر عن (١٢) المكلف من غير أن يؤلمه (١٣) ، والعوض هو النفع المستحق العاري من تعظيم وإجلال ، والعوض

__________________

(١) متعال

(٢) من الإخلال بالواجب

(٣) الله تعالى للألم

(٤) أنه

(٥) عبثا وعوضا

(٦) للاستحقاق

(٧) الإيصال النفع إليه

(٨) للعوض بالتراضي

(٩) شبهة

(١٠) ساقطة من المخطوط

(١١) يفعل ذلك

(١٢) على

(١٣) يوله

٣٤

منقطع ، لأنه جار مجرى المثامنة والأرش ، فلو (١) كان دائما لكان العلم بدوامه شرطا في حسنه ، فكان لا يحسن من أحدنا تحمل الألم لعوض (٢) كما لا يحسن تحمل ذلك من غير عوض وأما فعل (٣) من الألم بأمره تعالى ، والعوض على غيره بالتعويض له. نحو من عرّض طفلا للبرد الشديد فتألم (٤) بذلك ، فالعوض هاهنا على المعوض للألم على فاعل (٥) الألم ، وصار ذلك الألم كأنه من فعل المعوض.

والأولى أن يكون من فعل الألم (٦) على وجه الظلم منا لغيرنا (٧) في الحال مستحقا من العوض المبلغ الذي لم يستحق فعله (٨) عليه.

والوجه في ذلك : أنه لو لم يكن لذلك مستحقا لم يكن الانتصاف منه ممكنا مع وجوب الانتصاف ، بخلاف ما قال أبو هاشم (٩) ، فإنه أجاز أن (١٠) يكون ممن لا يخرج من الدنيا إلا وقد استحق ذلك ، وقد كلف الله تعالى من (١١) أكمل عقله النظر

__________________

(١) والأروش ولو

(٢) لعوض منقطع

(٣) وما

(٤) فيألم

(٥) المعرض للألم لا على الفاعل

(٦) ما بين القوسين ساقطة من المخطوط

(٧) منا بغيره

(٨) يستحق مثله

(٩) أبو هاشم عبد السلام بن ابي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان الجبائي : رأس الفرقة البهشمية المعروفة ، وكان هو وأبوه من رؤساء المعتزلة ولهما مقالات على مذهب الاعتزال ، ولهما آراء انفردا بها عن أصحابها ، وانفرد هو وأبوه أيضا كل واحد منهما عن الآخر بمسائل ، ولد سنة ٢٤٧ وتوفي سنة ٣٢١ ه‍ ودفن ببغداد ـ ميزان الاعتدال ٢ ـ ٦١٨ ، وفيات الأعيان ٢ ـ ٣٥٦ ، الأعلام للزركلي ٤ ـ ١٣٠ ، الكنى والألقاب ٢ ـ ١٢٦ ، الملل والنحل ١ ـ ١٠٣ ـ ١١٢.

(١٠) فإنه أجاز أن يمكن من الظلم وإن لم يكن في الحال مستحقا لما يقابله من العوض بعد أن

(١١) من أكمل

٣٥

في طريق معرفته (١).

ثم وهذا الواجب أول الواجبات على العاقل ، لأن جميعها عند السائل (٢) يجب تأخيره أو يجوز ذلك فيه.

ووجه وجوب هذا النظر : وجوب المعرفة التي يؤدي إليها. ووجه وجوب المعرفة : أن العلم باستحقاق الثواب والعقاب الذي هو لطف في فعل الواجب العقلي لا يتم إلا بحصول هذه المعرفة ، ومالا يتم الواجب الا به واجب.

والنظر هو الفكر ، ويعلمه أحدنا من نفسه ضرورة ، وإنما يجب على (٣) هذا النظر إذا خاف (٤) من تركه وإهماله ، وإنما يخاف الضرر بالتخويف من العباد إذا كان ناشئا بينهم ، أو بأن يبتدئ في الفكر (٥) في أمارة الخوف من ترك النظر ، أو بأن يخطر الله تعالى بباله ما يدعوه الى النظر ويخوفه من الإهمال (٦). والأولى في الخاطر أن يكون كلاما خفيا يسميه (٧) وإن لم يميزه ، والنظر في الدليل على الوجه الذي يدل سبب تولد العلم ، لأنه يحدث بحسبه فجرى في أنه مولود (٨) مجرى الضرب والألم.

والمستحق بالأفعال : مدح ، وثواب ، وشكر ، وذم ، وعقاب ، وعوض. فأما المدح فهو القول (٩) المنبئ عن عظم الممدوح (١٠) ، وأما الثواب فهو النفع (١١) المستحق المقارن للتعظيم والإجلال ، وأما الشكر فهو الاعتراف (١٢) بالنعمة مع ضرب من التعظيم ، وأما الذم فهو ما أنبأ عن إيضاع (١٣) المذموم ، وأما العقاب

__________________

(١) معرفة تعالى

(٢) التأمل

(٣) على العاقل

(٤) خاف الضرر

(٥) بالمفر وفي الهامش بالفكر

(٦) الاهتمال

(٧) يسمعه

(٨) مولد

(٩) قول

(١٠) حال الممدوح

(١١) لنفع

(١٢) الاعتبار

(١٣) عن اتضاع حال

٣٦

فهو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف (١) والإهانة ، وأما العوض فهو النفع الحسن الخالي من تعظيم وتبجيل ، ويستحق (٢) بفعل الواجب وماله صفة الندب (٣) وبالتحرز من القبيح ، ويستحق الثواب بهذه الوجوه الثلاثة إذا اقترنت بها المشقة ويستحق الشكر المنعم والإحسان ، فأما العبادة فهي ضرب من الشكر وغاية فيه ، فلهذا لم نفردها (٤) بالذكر ، فأما الذم فيستحق فعل القبيح وبأن لا يفعل الواجب ، وأما العقاب فيستحق (٥) بهذين الوجهين معا بشرط أن يكون للفاعل اختيار (٦) ما استحق به ذلك على ما فيه مصلحته ومنفعته.

وإنما قلنا انه يستحق الذم على الإخلال بالواجب وانه جهة في استحقاق الذم كالقبح (٧) لأن العقلاء يعقلون الذم بذلك كما يعقلونه بالقبيح ، ولأنهم يذمونه (٨) إذا علموه غير فاعل للواجب عليه وإن لم يعلموا سواه ، والمطيع منا يستحق بطاعته الثواب مضافا الى المدح ، لأنه تعالى كلفه على وجه يشق فلا بد من المنفعة ، ولا تكون هذه المنفعة من جنس (٩) العوض ، لأن العوض يحسن الابتداء بمثله ، ويستحق أحدنا بفعل القبيح والإخلال بالواجب العقاب مضافا الى الذم ، لأنه تعالى أوجب عليه الفعل (١٠) وجعله شاقا ، والإيجاب لا يحسن لمجرد النفع فلا بد من استحقاق ضرر على تركه ، ولا دليل في العقل على دوام الثواب والعقاب (١١) وإنما المرجع في ذلك الى السمع ، والعقاب يحسن (١٢) التفضل بإسقاطه

__________________

(١) للاستحقاق

(٢) ويستحق المدح

(٣) النعم

(٤) نفردها

(٥) يستحق

(٦) الفاعل اختيارا

(٧) كالقبيح

(٨) يذموه

(٩) حيس

(١٠) العقل

(١١) ثواب ولا عقاب

(١٢) بحسن

٣٧

ويسقط بالعفو (١) لأنه حق الله تعالى اليه قبضه واستيفاؤه ، ويتعلق (٢) باستيفائه ضرر فأشبه الدين.

ولا تحابط بين (٣) مجراه وقبول التوبة ، وإسقاط العقاب عندها تفضل من الله تعالى ، والوجه (٤) الذي ذكرناه من فقد التنافي.

ومن جمع بين طاعة ومعصية اجتمع له استحقاق المدح والثواب بالطاعة والذم والعقاب بالمعصية ، وفعل ذلك به على الوجه الذي يمكن.

وعقاب الكفار مقطوع عليه بالإجماع ، وعقاب فساق أهل الصلاة غير مقطوع عليه ، لأن (٥) العقل يجيز العفو عنهم ولم يرد سمع قاطع بعقابهم ، وما يدعى من آيات الوعيد وعمومها مقدوح فيه بأن العموم لا ينفرد بصيغة خاصة في اللغة (٦) ، ولأن آيات الوعيد مشروطة بالثابت (٧) ومن زاد ثوابه عندهم ، وما أوجب هذين الشرطين يوجب اشتراط من تفضل الله تعالى (٨) بالعفو عنه وهذه الآيات أيضا معارضة بعموم آيات أخرى (٩) ، مثل قوله تعالى (١٠) « وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ » (١١) « وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ » (١٢) و « إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » (١٣).

__________________

(١) بالعقوبة

(٢) ويستحق وفي نسخة ويتعلق

(٣) ولا تحايط بين الثواب والعقاب ولا بين الطاعة والمعصية لفقد التنافي ويجري

(٤) للوجه

(٥) إلا أن

(٦) في اللغة له

(٧) بالتائب

(٨) ساقط من المخطوط

(٩) أخر

(١٠) ساقط من المخطوط

(١١) سورة النساء آية ٤٨.

(١٢) سورة الرعد آية ٦.

(١٣) سورة الزمر آية ٥٣.

٣٨

وشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع ، لأن حقيقة الشفاعة تختص بذلك من جهة انها لو اشتركت (١) لكنا شافعين في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله.

وإذا بطل التحابط فلا بد فيمن كان مؤمنا في باطنه من أن يوافي بالإيمان ، وإلا أدى الى تعذر استيفاء حقه من الثواب.

وتسمي (٢) من جمع بين الإيمان والفسق مؤمنا بإيمانه فاسقا (٣) بفسقه لأن الاشتقاق يوجب ذلك ، ولو كان لفظ « مؤمن » منتقلا الى استحقاق الثواب والتعظيم (٤) ـ كما يدعى ـ يوجب (٥) تسميته به ، لأنه (٦) عندنا يستحق الثواب والتعظيم وان استحق العقاب.

والأمر بالمعروف ينقسم الى واجب وندب ، فما (٧) تعلق منه بالواجب كان واجبا [ وما تعلق منه بالندب كان ندبا ] (٨).

والنهي عن المنكر كله واجب عند الشرط (٩) ، لأن المنكر لا ينقسم انقسام المعروف ، وليس في العقل دليل على وجوب ذلك إلا إذا كان على سبيل دفع الضرر ، وإنما المرجع في وجوبه الى السمع (١٠).

وشرائط إنكار المنكر : أن يعلمه منكرا ، ويجوّز تأثير إنكاره ، ويزول الخوف على النفس وما جرى مجراها ، ولا يكون في إنكاره مفسدة.

__________________

(١) أشركت

(٢) ويسمى

(٣) بأنه مؤمن بإيمان فاسق

(٤) ساقط من المخطوط

(٥) الواجب

(٦) لأن

(٧) فيما

(٨) ما بين القوسين ساقط من المخطوط

(٩) الشروط

(١٠) السميع

٣٩

باب (١)

( ما (٢) يجب اعتقاده في النبوة )

متى علم الله سبحانه (٣) أن لنا في بعض الأفعال مصالح وألطافا أو فيها ما هو مفسدة في الدين والعقل لا يدل عليها وجب (٤) بعثة الرسول (٥) لتعريفه ، ولا سبيل الى تصديقه الا (٦) بالمعجز.

وصفة المعجز : أن يكون خارقا للعادة ، ومطابقا لدعوى الرسول ومتعلقا بها ، وأن يكون متعذرا في جنسه (٧) أو صفته المخصوصة (٨) على الخلق ، ويكون من فعله تعالى أو جاريا مجرى فعله تعالى ، وإذا وقع موقع التصديق فلا بد من دلالته (٩) على المصدّق (١٠) وإلا كان قبيحا.

وقد دلّ الله تعالى (١١) على صدق رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن ، لأن ظهوره من جهته (١٢) معلوم ضرورة ، وتحديه العرب والعجم (١٣) معلوم أيضا ضرورة ، وارتفاع معارضته أيضا بقريب (١٤) من الضرورة ، فإن ذلك التعذر معلوم بأدنى نظر ، لأنه لو لا التعذر لعورض ، ولو لا أن التعذر خرق العادة توقف (١٥) على انه لا دلالة في تعذر معارضته. فإما أن يكون

__________________

(١) فصل

(٢) فيما

(٣) ساقط من المخطوط

(٤) وجبت

(٥) الرسل

(٦) ساقط من المخطوط

(٧) حسبه

(٨) المخصوص

(٩) دلالة

(١٠) الصدق

(١١) ساقط من المخطوط

(١٢) جهته صلى‌الله‌عليه‌وآله

(١٣) في قوله تعالى « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً » ( الاسراء ـ ٨٨ ).

(١٤) معلوم أيضا بغريب (١٥) لوقف

٤٠