السيد مرتضى الرضوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٥
لا ـ كذب ابو الدرداء ، كان النبي يصبح فيوتر ، ولما سمعت أن ابن عمر قال :
اعتمر رسول الله عمرة في رجب ، قضت عليه بالسهو ، وقالت عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري :
ما علم أنس بن مالك وأبي سعيد بحديث رسول الله ؛ وإنما كانا غلامين صغيرين!
وكانت عائشة ترد كلّ ما روي مخالفاً للقرآن ـ وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع ، أو سوء الفهم : وكذب عمران ابن حصين سمرة في حديث أن للنبي سكتتين في الصلاة عند قراءته.
والأمثلة على ذلك كثيرة وقد أتينا في تاريخ أبي هريرة بطائفة من الأحاديث التي انتقدوه فيها ، وردّوها عليه فراجعها هناك (١) (*).
__________________
(١) راجع كتاب شيخ المضيرة الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر.
(*) أضواء على السنة المحمدية ص ٦٨ـ ٧٥ الطبعة الثالثة ط دار المعارف بمصر.
عدم تكفير القادح في أكابر الصّحابة
قال الشيخ محمد الرّاغب :
الرابع من تلك الأبحاث (١) :
فقد كفر الروافض ، والخوارج بوجوه :
الأول : إن القدح في أكابر الصحابة الذين شهد لهم القرآن ، والأحاديث الصحيحة بالتزكية ، والأيمان تكذيب للقرآن ، وللرسول عليهالسلام ، حيث أثنى عليهم ، وعظمهم فيكون كفراً.
قلنا : لا ثناء عليهم خاصة ، أي لا ثناء في القرآن على واحد من الصحابة بخصوصه ، وهؤلاء قد اعتقدوا أنّ من قدحوا فيه ليس داخلاً في الثناء العام الوارد فيه ، وإليه أشار بقوله :
ولاهم داخلون فيهم عندهم ، فلا يكون قدحهم تكذيباً للقرآن.
وأما الأحاديث الواردة في تزكية بعض معيّن من الصحابة والشهادة لهم بالجنة ، فمن قبيل الآحاد فلا يكفر المسلم بإنكارها.
__________________
(١) أبحاث التكفير.
أو نقول : ذلك الثناء عليهم ، وتلك الشهادة مقيدان بشرط سلامة العاقبة ولم يوجد عندهم ، فلا يلزم تكذيبهم للرسول.
الثاني : الإجماع منعقد من الامة على تكفير من كفر عظماء الصّحابة ، وكلّ واحد من الفريقين يكفر بعض أولئك العظماء فيكون كافراً؟!!
قلنا : هؤلاء ، أي من كفّر جماعة مخصوصة من الصحابة ، لا يسلّمون كونهم من أكابر الصّحابة ، وعظمائهم فلا يلزم كفره.
الثالث : قوله صلّى الله عليه وسلم : من قال لأخيه المسلم : يا كافر فقد باء به أي بالكفر أحدهما.
قلنا : آحاد وقد اجتمعت الأمة على أن إنكار الآحاد ليس كفراً (١).
هل يجوز تكفير المسلم في الشريعة الإسلامية؟
قال الله تعالى في كتابه الكريم :
( ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمناً ... ) النساء : ٩٤.
وقال ابن الأثير : ومنه الحديث « من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ». لأنه إمّا يصدق عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافر ، وإن كذب عاد إليه الكفر بتكفيره أخاه المسلم. ( النهاية في غريب الحديث والأثر : ٤| ١٨٥ مادة كفر ).
وقال ابن القيم : في طرق أهل البدع الموافقون على أصول
__________________
(١) سفينة الراغب ص ٥٠ طبع دار الطباعة العامرة الكائنة ببولاق القاهرة عام ١٢٥٥هـ.
الإسلام ولكنهّم مختلفون في بعض الأصول كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ، والرافضة ... فهؤلاء أقسام :
أحدها الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ، ولا يفسّق ، ولا ترد شهادته ... (١).
وقال الشيخ محمد عبده : إن من أصول الدين الإسلامي : البعد عن التكفير ، وإن ممّا اشتهر بين المسلمين ، وعرف من قواعد أحكام دينهم أنّه إذا صدر قول قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ، ولا يجوز حمله على الكفر (٢).
ونقل الشيخ محمد راغب : عن الإمام أبي حامد الغزالي عن كتابه ( التفرقة بين الإسلام والزندقة ) :
الوصيّة أن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك ما داموا قائلين : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله غير مناقضين لها ، والمناقضة تجويزهم الكذب على الرّسول بعذر ، أو بغير عذر. إنتهى (٣).
وقال الإمام الغزالي : وكيف يقال لمن امن بالله واليوم الآخر وعبد الله بالقول الذّي ينزّه به ، والعمل الذي يقصد به المتعبد لوجهه الذي يستزيد به إيمانا ، ومعرفة له سبحانه ثم يكرمه الله تعالى على ذلك بفؤاد المزيد ، وينيله ما شرف من المخ ، ويريه إعلام الرضا ، ثم يكفّره أحد بغير شرع ، ولا قياس عليه ، والإيمان لا يخرج عنه إلاّ بنبذه واطراحه ، وتركه ، واعتقاد ما لا يتم الإيمان معه ، ولا يحصل بمقارنته (٤).
__________________
(١) الصواعق الإلهية للشيخ سليمان النجدي طبع استانبول عام ١٩٧٩ م.
(٢) الإسلام والنصرانية ص ٥٥ طبع القاهرة.
(٣) سفينة الراغب ص ٤٣ طبع بولاق القاهرة عام ١٢٥٥ هـ.
(٤) الإملاء في إشكالات الأحياء ص ٥٧ طبع مصر عام ١٣٥٧ هـ.
وقال الشيخ سليمان النجدي أخو محمد بن عبدالوهاب :
إجماع أهل السنة : إن من كان مقراً بما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم ملتزماً له إنه وإن كان فيه خصلة من الكفر الأكبر ، أو الشرك أن لا يكفر حتى تقام عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وان الحجّة لا تقوم إلا بالإجماع القطعي لا الظني ، وإن الذي يقوم الحجة : الإمام ، أو نائبه.
وان الكفر لا يكون إلا بانكار الضروريات من دين الإسلام كالوجود ، والوحدانيّة ، والرسالة ، أو بإنكار الأمور الظاهرة كوجوب الصّلاة.
وإن المسلم المقر بالرسول إذا استند إلى نوع شبهة تخفى على مثلثه لا يكفر ، وإن مذهب أهل السنة والجماعة التحاشي عن تكفير من انتسب إلى الإسلام (١).
وقال الشيخ محمد راغب :
قال صاحب « المواقف » في آخر الكتاب :
ولا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا بما فيه نفي الصانع ، القادر ، العليم ، أو شرك ، أو إنكار ما علم مجيئه صلّى الله عليه وسلم به ضرورة ، أو إنكار المجمع عليه كاستحلال المحرّمات.
قال السيد في الشرح : التي أجمع على حرمتها فأن ذلك المجمع عليه مما علم ضرورة من الدين فذاك ظاهر داخل فيما ذكره ، وإلا فإن كان أجماعاً ظنياً فلا كفر بمخالفته ، وإن كان قطعيّاً ففيه خلاف.
قال في المواقف :
وأما ما عداه ـ أي ما عدا ما فيه نفي الصانع ، وما عطف عليه
__________________
(١) الصواعق الإلهية ص ٣١ ط استانبول عام ١٩٧٩ م.
فالقائل به مبتدع غير كافر.
وقال أبو الحسن عليّ بن محّمد بن علي الحسيني الجرجاني الحنفي في شرحه :
فإن الشيخ أبا الحسن قال في أول كتاب : « مقالات الإسلاميّين » :
اختلف المسلمون بعد نبيّهم عليه الصلاة والسلام في أشياء : ضلّل بعضهم بعضاً ، وتبرأ بعضهم من بعض ، فصاروا فرقاً متباينين إلاّ أن الإسلام يجمعهم ، ويعمهم فهذا مذهبه ، وعليه أكثر أصحابنا وقد نقل عن الشافعي أنه قال :
لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء ، إلا الخطابية فانهم يعتقدون حلّ الكذب.
وحكي الحاكم صاحب « المختصر » في كتاب : « المنتقى » عن أبي حنيفة (رض) أنه لم يكفر أحداً من أهل القبلة.
وحكى أبو بكر الرازي مثل ذلك عن الكرخي ، وغيره (٢).
__________________
(١) سفينة الراغب ص ٤٣ ط دار الطباعة العامرة ببولاق القاهرة ، ١٢٥٥هـ.
(٢) المصدر نفسه ص ٤٣.
موقف النبي (ص) من الصحابة يوم المحشر
أخرج ابن حجر الهيثمي عن أبي الدرداء قال :
قال رسول الله صلّى عليه وسلم : لألفين ما توزعت أحداً (١) منكم عند الحوض فأقول :
هذا من أصحابي فيقول :
أنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك (٢).
وعن أبي الدرداء قال :
قلت يارسول الله بلغني أنك تقول :
إن ناساً من أمتي سيكفرون بعد إيمانهم قال : أجل يا أبا الدرداء؟ ولست منهم (٣).
وأخرج الإمام أحمد عن أبي بكرة قال :
قال رسول الله ليردن الحوض عليّ رجال ممن صحبني ، ورآني ،
__________________
(١) في رواية « في أحدكم » كذا في مجمع الزوائد ٩ | ٣٦٧.
(٢) مجمع الزوائد ٩ | ٣٦٧.
(٣) المصدر نفسه : ٩ | ٣٦٧.
فإذا رفعوا إلى ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ أصحابي ، أصحابي فيقال :
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (١).
وأخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :
ليردن الحوض عليّ رجال حتى إذا رأيتم رفعوا إلى ، فاختلجوا دوني فلأقولنّ :
ياربّ أصحابي ، أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).
وأخرج الإمام أحمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بموعظة فقال :
أنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة ، عراة ، غزلاً ، كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين.
فأول الخلايق يكسي ابراهيم خليل الرّحمن عزّوجلّ ، ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال.
قال ابن جعفر :
وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول :
يارب أصحابي قال : فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك لم يزالوا مرتدّين (٣) على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح :
__________________
(١) مسند الإمام أحمد : ٥| ٥٠ الطبعة الأولى.
(٢) المصدر نفسه : ٣ | ٢٨١.
(٣) الارتداد : الرجوع ، ومنه المرتد ، والردة ـ بالكسر ـ إسم منه ، أي الإرتداد. ( المختار من صحاح اللغة ).
( وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ) الآية ، إلى ( إنك أنت العزيز الحكيم ) (١).
__________________
(١) مسند الإمام أحمد : ١ | ٢٣٥ طبعة مصر
ما أحدثه الصحابة بعد الرسول (ص)
قال محمد بن عمر الواقدي :
وكان طلحة بن عبيد الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبدالله ، يقولون :
صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على قتلى أحد ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
أنا على هؤلاء شهيد.
فقال ابو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، أليس إخواننا ؛ أسلموا كما أسلمنا ، وجاهدوا كما جاهدنا؟ قال : بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئأ ، ولا أدري ما تحدثون بعدي ، فبكي أبو بكر وقال :
إنّا لكائنون بعدك (١)؟
وأخرج البخاري عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء ابن عازب (رض) فقلت : طوبى لك ، صحبت النبي صلى الله عليه
__________________
(١) كتاب المغازي : ١| ٣١٠.
وسلم ، وبايعته تحت الشجرة. فقال :
يابن أخي ، لا تدري ما أحدثنا بعده (١).
وقال العلامة الشيخ لطف الله الصافي دام ظلّه :
نعم : لو قال : لقد رضي الله عن الذين بايعوك ، تشمل كلّ من بايعه كائنا من كان ، وإن شك في إيمانه ، ولكن لا يجوز التمسك به فيمن شككنا في أصل بيعته ، كما لا يثبت إيمان من شككنا في إيمانه بقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين ).
وهذا كلام متين في غاية المتانة.
وايضاً هذه الآية لا تدل على حسن خاتمة أمر جميع المبايعين المؤمنين. وإن فسق بعضهم ، أو نافق. لأنها لا تدل على أزيد من أنّ الله تعالى رضي عنهم ببيعتهم هذه ، أي قبل عنهم هذه البيعة ، ويثيبهم عليها ، وهذا مشروط بعدم إحداث المانع من قبلهم.
والحاصل : إن اتصاف الشخص بكونه مرضيّاً لا يكون إلاّ بعمله المرضيّ ، والعامل لا يتّصف بنفسه بهذه الصفة ، فهذه الصفة تعرض على الشخص بواسطة علمه. فإذا صدر عنه الفعل الحسن ، والعمل المرضي ، يوصف العامل بهذه الصفة أيضاً ، ولا دلالة للآية على أن من رضي الله عنه بواسطة عمله يكون مرضيّاً طول عمره ، وإن صدرت منه المعاصي الموبقة بعد ذلك ، ورضا الله تعالى عن أهل بيعة الحديبية ليس مستلزماً لرضاه عنهم إلى الأبد.
والدليل على ذلك قوله تعالى في هذه السورة في شأن أهل هذه البيعة ، وتعظيمها :
__________________
(١) صحيح البخاري : ٣| ١٤٤ ، باب غزوة الحديبية من كتاب المغازي. ط مصر موطأ الإمام مالك : ٢ | ٤٦٢ باب الشهداء في سبيل الله ، الحديث رقم ٣٢. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
( إن الذين يبايعونك ، إنّما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ).
فلو لم يجز أن يكون في المبايعين من ينكث بيعته ، وكان رضا الله عنهم مستلزماً لرضاه عنهم إلى الأبد لا فائدة لقوله :
( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ).
وأيضاً قد دلّت آيات من القرآن ، وأحاديث صحيحة على وقوع غضب الله تعالى. وسخطه على من يرتكب بعض المعاصي ، ومع ذلك لم يقل أحد بأن هذا مانع من حسن إيمانه في المستقبل ، وذلك مثل قوله تعالى في سورة الأنفال :
( ومن يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرفاً لقتال ، أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير ).
فإذا لم يكن بوء شخص ، أو قوم إلى غضب الله مانعاً من حسن حاله في المستقبل لم يكن رضاه أيضاً سبباً لعدم صدور فسق ، أو كفر من العبد بعد ذلك.
والقول بدلالة على حسن حال المبايعين مطلقاً ، وعدم تأثير صدور الفسق عنهم في ذلك مستلزم للقول بوقوع التعارض بين هذه الآية ، وبين آية الأنفال المذكورة فيمن ولّى دبره عن الجهاد من المبايعين لأنها أيضاً تدل باطلاقها على سوء حال من يولّي دبره ، وعدم تأثير صدور الحسنات في رفع ذلك.
والحديث الأول صريح بأن حسن خاتمة مثل : أبى بكر من الصحابة المبايعين المهاجرين موقوف على ما يحدث بعد الرّسول (ص).
هذا مختصر الكلام حول مدلول الآية الكريمة.
وعليه : ليس المستفاد منها أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان.
نعم : لا يثبت بها إيمان واحد معين من المبايعين على نحو التفصيل ، فلا يصح التمسك بها في إثبات إيمان صحابي خاص ، وعدم نفاقه ، أو حسن إيمانه إذا شك فيه (١).
لعن الرسول (ص) لبعض الصحابة
قال برهان الدين الحلبي : وفي رواية :
صار صلّى الله عليه وسلم يقول :
اللهم العن فلاناً ، وفلاناً (٢).
وأخرج البخاري عن يحيى بن عبدالله السّلمي : أخبرنا معمر عن الزهري ، حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول :
اللهم العن فلاناً ، وفلاناً بعدما يقول :
سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، فأنزل الله :
( ليس لك من الأمر شيء ) إلى قوله ( فإنهم ظالمون ) (٣).
وقال السيوطي : وأخرج أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، والبيهقي في ( الدلائل ) عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد :
اللهم العن أبا سفيان.
اللهم العن الحرث بن هشام.
__________________
(١) مع الخطيب في خطوطه العريضة : ص ١٢٠ ، ١٢٢.
(٢) السيرة الحلبية : ٢| ٢٣٤ طبعة مصر.
(٣) صحيح البخاري مشكول : ٣| ٢٤ طبعة عيسى البابي الحلبي بمصر.
اللّهم العن سهيل بن عمرو.
واللّهم العن صفوان بن أمية. ثم قال السيوطي :
وأخرج الترمذي ، وصححه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال :
كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر ... وكان يقول في صلاة الفجر :
اللّهم العن فلانا وفلانا .. (١).
وأخرج نصر بن مزاحم المنقري عن عبدالغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال :
أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
« اللّهم العن التابع والمتبوع ، اللّهم عليك بالاقعيس ».
فقال ابن البراء لأبيه :
من الاقيعس (٢)؟ قال معاوية (٣).
واخرج نصر عن علي بن الأقمر (٤) في آخر حديثه قال :
فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ، ومعاوية وأخوه ،
__________________
(١) الدر المنثور في التفسير المأثور : ٢ | ٧١.
(٢) قعس ومنه حديث الأخدود « فتقاعست أن تقع فيها » تقعس أي تأخر ومنه حديث الزبرقان « أبغض صبياننا إلينا الأقعيس الذكر » هو تصغير الأقعس. النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ | ٨٧ ـ ٨٨.
(٣) وقعة صفين ص ٢١٧ تحقيق وشرح الأستاذ عبد السلام محمد هارون طبع مصر.
(٤)هو علي بن الأقمر بن عمر الهمداني الوادعي. كوفي ثقة. تقريب الرواي ( عن هامش الكتاب ).
أحدهما قائد والآخر سائق ، فلمّا نظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال :
« اللّهم العن القائد ، والسائق ، والراكب ».
قلنا :
أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي (١).
__________________
(١) وقعة صفين ص ٢٢٠ طبعة مصر.
كلـمة عامـة
قال الشيخ أبو رية رحمة الله :
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن علماء الجرح والتعديل قد بذلوا جهداً كبيراً في تمحيص ما روي من أحاديث رسول الله ممّا يستحقّون عليه الثناء الطيب ، والتقدير الحق.
بيد أنهم على فضلهم وتدقيقهم ، لم يبلغوا الغاية من عملهم ، إذ لا تزال كتب الحديث تحمل الكثير من الأحاديث المشكلة ، أو التي يبدو عليها الوضع ، ولم يكن ذلك عن تقصير منهم رحمهمالله لأنهم قد بذلوا كل طاقتهم في عملهم ، وإنّما كان ذلك لأمر فوق قدرتهم البشريّة ، ذلك بأن حكمهم على الرجال إنّما كان ( لظاهر أحوالهم ) وما وصل إلى علمهم من أخبارهم ، أما بواطنهم ، ودخائل نفوسهم ، ومطويّات ضمائرهم ، فهذا أمر من وراء إدراكهم لا يطلع عليه إلاّ علام الغيوب ، وربّ رجل حسن السمت ، طيب المظهر ، إذا كشف عن دخيلته تبين لك سوء مخبره ، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد ، وقد تكلم فيه العلماء المحققون.
قال مجتهد اليمن الوزير اليماني في ( الروض الباسم ) : (١| ١٥١ ) :
أن الإجماع منعقد على الاعتبار بالظاهر دون الباطن ، ومن نجم نفاقه ، وظهر كفره يترك حديثه ومن ( ظهر إسلامه ) وأمانته ، وصدقه قُبِلَ ، وإن كان في الباطن خلاف ما ظهر منه ، فقد عملنا بما وجب علينا ، وبذلنا في طلب الحق جهدنا ، وقد كان رسول الله يعمل بالظاهر ، ويتبّرأ من علم الباطن ، وإلى ذلك الإشارة في هذه الآية بقوله : ( لا تعلهم نحن نعلهم ) أي إنه (ص) لم يكن يعلم المنافقين وذلك في الآية « ١٠١ » من سورة التوبة ونصّها :
( وممّن حولكم من الأعراب منافقون ، ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق ، لا تعلمهم نحن نعلمهم ، سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم )(١).
كلمة قيّمة للدكتور طه حسين
قال العلاّمة الشيخ محمود أبو ريّة :
وقال الدكتور طه حسين في كلمة قّيمة (١) قرّظ فيها كتابنا «الأضواء » وهو يذكر ما بذله رجال الجرح والتعديل :
وقد فطن المحدّثون القدماء لهذا كلّه ، واجتهدوا ما استطاعوا في التماس الصحيح من الحديث وتنقيته عن كذب الكذابين ، وتكليف المتكلفين. وكانت طريقتهم في هذا الاجتهاد إنما هي الدرس لحياة الرجال الذين نقلوا الحديث جيلاً بعد جيل حتى تم تدوينه فكانوا يتتبّعون كل واحد من هؤلاء الرجال ، ويتحقون من أنه كان نقيّ السيرة صادق الإيمان بالله ورسوله. شديد الحرص على الصدق في حديثه كله ، وفي
__________________
(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٣٧ ط ثالثة لدار المعارف بمصر.
(٢) نشرت هذه الكلمة في جريدة الجمهورية المصرية الصادرة في ٢٥ نوفمبر ١٩٥٨ م.
حديثه عن النبي خاصة ، وهو جهد محمود خصب بذله المتقنون من علماء الحديث واخلصوا فيه ما وجدوا إلى الإخلاص سبيلاً. ولكن هذا الجهد على شدته ، وخصبه لم يكن كافياً ، فمن أعسر الأشياء وأشدها تعقيداً ، أن تتبع حياة الناس والبحث ، والفحص ، والتنقيب عن دقائقها ، فمن الممكن أن تبحث وتنقب دون أن تصل إلى حقائق الناس ، ودقائق أسرارهم ، وما تضمر قلوبهم في أعماقها ، وما يمنعون في الاستخفاء به من ألوان الضعف في نفوسهم ، وفي سيرتهم أيضاً.
ولم يكن بد إلى أن يضاف إلى هذا الجهد جهد آخر ، وهو درس النص نفسه. فقد يكون الرجل صادقاً مأموناً في ظاهر أمره بحيث يقبل القضاة شهادته إذا شهد عندهم ، ولكن الله وحده هو الذي اختص بعلم السرائر ، وما تخفيه القلوب ، وتستره الضمائر ، وقد يكون الرجال الذين روى عنهم حديثه صادقين مأمونين مثله يقبل القضاة شهادتهم إن شهدوا عندهم. ولكن سرائرهم مدخولة يخفى دخائلها على الناس ، فلا بد إذن من أن نتعمق في نص الحديث الذي يرويه عن أمثاله من العدول ، لنرى مقدار موافقته للقرآن الذي لا يتطرق إليه الشك ، ولا يبلغه الريب من أي جهة من جهاته ، لأنه لم يصل إلينا من طريق الرواة أفراداً ، أو جماعات ، وإنما تناقلته أجيال الأمة الإسلامية مجمعة على نقله في صورته التي نعرفها.
وهذه الأجيال لم تنقله بالذاكرة ، وإنما تناقلته مكتوباً ، كتب في أيام النبي نفسه ، وجمع في خلافة أبي بكر ، وسجل في المصاحف ، وأرسل إلى الأقاليم في خلافة عثمان ، فاجتمعت فيه الرواية المكتوبة ، والرواية المحفوظة في الذاكرة ، وتطابقت كلتا الروايتين دائماً ، فلا معنى للشك ، في نص من نصوص القرآن لأنها وصلت إلينا عن طريق لا يقبل فيها الشك.