المنتقى

السيد مرتضى الرضوي

المنتقى

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٥

محشوّة بما ينطق بذالك. فهذا مسلم يروي لنا في

الجزء الأول من صحيحه ١ |٨٧ مصر :

عن أبي سعيد الخدري : « إنّ أناساُ ( في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ) قالوا : يا رسول الله : هل نرى ربّنا يوم القيامة؟

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : نعم .. هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواُ ليس فيها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟

قالوا لا يا رسول الله ..

قال : ما تضارون في رؤية الله تعالى يوم القيامه إلاّ كما تضارون من أحدهما. ثم ذكر الأمم التي كانوا يشركون في عبادة الله ودخولهم النار ».

وقال الشهيد الصدر :

روى الحاكم بسنده عن أبي اسحاق .. سألت القاسم بن العباس كيف ورث علي رسول الله؟

قال : لانه كان اولنا به لحوقا ، واشدنا به لزوقا.

وقال أيضا طاب ثراه :

ولم يكن هذا الشخص الداعي المرشح للإعداد الرّسالي والقيادي والمنصوب لتسلّم مستقبل الدعوة وتزعمها فكرّياً ، وسياسياً إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الذي رشّحه لذلك عمق وجوده في كيان الدعوة ؛ وأنّه المسلم الأول ، والمجاهد الأول في سبيلها عبر كفاحها المرير ضد كلّ أعدائها ، وعمق وجوده في حياة القائد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه ربيبه الذي فتح عينيه في حجره ، ونشأ في كنفه ، وتهيّأت له من فرص التفاعل معه والإندماج بخطَّه ما لو يتوفَّر لأيّ إنسان

٢١

آخر ... ) (١).

« وكما أثبت الشيعة من كتب السنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي بعث عقيدة التشيع ودعا إليها أثبتوا أيضاً من طرق السنة أن النبي أول من أطلق لفظ الشيعة على من أحب علياً وتابعه.

قال الشيخ محمد حسين المظفر في كتاب ( تاريخ الشيعة ص٥ ) طبع النجف الأشرف ـ العراق.

جاء في كتاب : الصواعق المحرقة لابن جحر ، وفي كتاب النهاية لابن الأثير : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

يا علي إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين.

وجاء في الدر المنثور للسيوطي :

« أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

إن هذا ـ وأشار إلى علي ـ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ».

ثم قال صاحب تاريخ الشيعة :

فكانت الدعوة إلى التشيع لعلي من محمد تمشي معه جنباً لجنب مع الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وبهذا يتبين معنى أن المصدر الأول والأخير للشيعة ، والتشيع هو النبي دون سواه ، فإن كان التشيع هو السبب لتمزيق وحدة المسلمين ، وتفريق كلمتهم كما زعم بعض أهل السنة فالمسؤول عن ذلك هو النبي وحده دون سواه » (٢).

* * *

__________________

(١) بحث حول الولاية ص٦٥ الطبعة الثالثة عام ١٤٠٢ هـ.

(٢) تجارب محمد جواد مغنية بقلمه ص٢٣٨ ط دار الجواد بيروت.

٢٢

طعن الإمام الشوكاني (*) في المذاهب ـ

ـ لسدّ باب الإجتهاد ـ

ومن عجيب صنع المقلدة أنّهم يقبلون ممّن ينتسب إلى مذهبهم الترجيح بين الروايتين لإمامهم وإن كان ذلك المرجح مقلّداً غير مجتهد. ولاقريباً من رتبة الـمجتهد ومن جاء هو كإمـامهم ، أو فـوق إمامهم وأخبرهم من الراجح من ذينك القولين لم يلتفتوا ، ولا قبلوا قلوله ولو عضد ذلك بالآيات المحكمة ، والأحاديث المتواترة.

__________________

(*) الإمام الشوكاني هو : محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن محمد بن صلاح ابن علي بن عبدالله الشوكاني ، الخولاني ، ثم الصنعاني ( أبوعبدالله ) ولد في ( ١١٧٣هـ ١٧٦٠م ) وتوفي ( ١٣٥٠ هـ ١٨٤٣ م ).

مفسر ، محدث ، فقيه ، أصولي ، مؤرخ ، أديب ، نحوي ، منطقي ، متكلّم ، حكيم.

ولد بهجرة شوكان من بلاد خولان ، في ( ٢٨ ذي القعدة ) ، ونشأ بضنعاء وولي القضآء ، وتوفي بصنعاء في جمادي الآخرة ودفن بخزيمة.

من تصانيفه الكثيرة : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول ، فتح القدير الجامع بين فنيّ الرواية والدراية من علم التفسير ، الفواد المجموعة في فنيّ الأحاديث الموضوعة ، والدر النضيد في إخلاص التوحيد. وله شعر ( معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية : ١١ | ٥٣ ) وترجمة القمي : في الكنى والألقاب : ٢ | ٣٧١ وقال : شوكان : موضع بالبحرين ، وبلد بين أبيورد وسرخس.

٢٣

بل يقبلون من موافقهم مجرد التخريج على مذهب إمامهم ، والقياس على ما ذهب إليه ويجعلونه ديناً ، ويحلوّن به ويحرمون.

فيا لله وللمسلمين مع كل عاقل إن الربَّ واحد ، والنبي واحد والأمة واحدة ، والكتاب واحد.

وبالجملة فكلّ من يعقل لا يخفى عليه أن هذه المذاهب قد صار كلّ واحد كالشريعة عند أهله يذودنّ عنه كتاب الله وسنة رسوله. ويجعلونه جسراً يدفعون به كل من يخالفه كائناً من كان

* * *

ـ سدّ باب الإجتهاد نسخٌ للشريعة ـ

والعجب أن هؤ اء مكاسير المقلدة لم يقفوا حيث أوقفهم الله من القصور وعدم العلم النافع فقاموا على أهل العلم قومة جاهلية وقالوا:

باب الإجتهاد قد انسد ، وطريق الكتاب والسنة قد ردمت.

وهذه المقالة من هؤلاء الجهّال تتضمّن نسخ الشريعة ، وذهاب رسمها ، وبقاء مجرّد اسمها ، وأنه لا كتاب ولا سنة لأن العلماء العارفين بهما إذا لم يبق لهم سبيل على البيان الذي أمر الله سبحانه عباده بقوله :

( وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّنه للناس ) ٣ : ١٨٧.

وبقوله :

٢٤

( إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا ـ إلى قوله ـ آولئك يعلنهم الله ) ٣ : ١٥٩.

فقد انقطعت أحكام الكتاب والسنة ، وارتفعت من بين العباد ، ولم يبق إلاّ مجرد تلاوة القرآن ، ودرس كتب السنة ، ولا سبيل إلى التعبد بشيء مما فيما.

ومن زعم هؤلاء الجهلة أنه يقضي أويفي بما فيما ، أو يعمل لنفسه بشيء مما اشتملا عليه فدعواه باطلة وكلامه مردود.

فانظر إلى هذه الفاقرة العظمى ، والداهية الدهياء ، والجهلاء ، والبدعة العمياء الصمّاء!!!

سبحانك هذا بهتان عظيم.

ـ وللإمام الشوكاني ـ

يــا ناقداً لمـقال ليـس يفهـمه

من ليس يفهم ـ قل لي ـ كيف ينتقد

ياصاعــداً في وعور ضاق مسلكها

أيصعد الوعر من في السهل يرتعد

يا مـاشـياً فـي فلاة لا انيـس بها

كيف السبيل اذا ما اغتـالك الأسـد

ياخائض البـحر لايدري سبـاحته

ـ ويلي عليك ـ أتنجو أن علا الزبد

ومنها :

إني بليت بأهل الجهــل في زمن

قاموا به ورجال الـعلم قـد قـعدوا

٢٥

قــوم يدق جـليل الـقول أنهـم

أعدى العداة لمــن في علمه سـدد

إذا رأوا رجـلاً قـد نـال مـرتبة

في العلم دون الذي يدرونــه جحدوا

أو مال عن زائف الأقـول ما تركوا

باباً من الشرّ إلاّ نـحوه قـصــدوا

أمـا الحديـث الذي قد صح مخرجه

كالأمهـات فـما فـيهم لـها ولـد

تـراهـم إن رأوا مـن قـال حدّثنا

قـالوا له ناصبـي مـا لـه رشـد

وإن تـرضـي على الأصحاب بينهم

قــالوا بـاغـض لـلآل مجـتهد

يا غـارقيـن بشوم الجهل في بدع

ونـافرين عـن الهدي القويم هـدوا

ما باجتهاد فتـي فـي العلم منقصة

النقص في الجهل لا حيّاكم الصمـدُ

لاتنكروا مورداً عـذاباً لشــاربـه

إن كان لا بدّ مـن إنـكاره فـردوا

وإن أبيتم فيوم الحشر مـوعـدنـا

في موقف المصطفى والحاكم الأحد(١)

* * *

__________________

(١) جاء ذكر هذه الأبيات تحت عنوان : جهاد الشوكاني للمقلدين في كتاب : « ولاية الله والطريق اليها ص ٣٣٠ » طبعة مصر

٢٦

ومن كلام الزمخشري(١) ( رض ) :

إذا سألوا عـن مذهـبي لم أبح بـه

وأكتمه .. كتمانه لـي أسلـم

فإن حنـيفـاً قلـت قـالو بأنـَّني

أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وأن مالكـيّاً قـلت قـالو بأنـَّني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هموا

وإن شافـعياً قلـت قـالوا بأنَّـني

أبيح نكاح البنت والبنت محرم

وأن حـنبلياً قلـت قـالـو بأنـَّني

ثقيل حلولي بغـيض مجـسم

وإن قلت من أهل الحديـث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت مـن هـذا الـزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

وأخرني دهـري وقـدم معشـراً

على أنهم لا يعلمون .. وأعلم

__________________

(١) وهو أبوالقاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري ولد يوم الأربعاء ٢٧ من شهر رجب سنة ( ٤٦٧ هـ ) سبعاً وستين وأربعماءة بزمخشر بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وبعدها راء : قرية كبيرة من قرى « خوارزم » وتوفي رحمه الله ليلة عرفة سنة ( ٥٨٣ هـ ) بجرجانية بعد رجوعه من مكة. مصنفاته : منها : تفسير الكاشف المسمّى : حقائق التنزيل ، وعيون الأقاويل ، المفرد المركب في العربية ، الفائق في تفسير الحديث ، أساس البلاغة ، المفصل في النحو ، وغيرها ، أنظر تفسير الكاشف : ٤ | ٣٠٧ طبعة مصر.

٢٧

ومذ أفلح الجهال أيقنت أنَّني

أنا (الميم) والايام أفلح(١) أعلم(٢)

__________________

(١) الأعلم والأفلح هو : مشقوق الشفتين الأعلى والأسفل ولا يستطيع النطق بحرف الميم.

(٢) تفسير الكشاف : ٤ | ٣١٠ طبعة مصر.

٢٨

ـ تسمية السنَّة بأهل السنَّة (١) والجماعة ـ

قال العلاّمة أبوالقاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره ( حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ) المعروف بالكشاف :

« ثم تعجب من المتسمّين بالإسلام ، المتسمَّين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظمة مذهباً ولا يغرنّك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم والقول ما قال أحد العدلية فيهم ».

لجماعة سمّـوا هواهــم سنّةً

وجماعة حمرـ لعمري ـ موكفه

قد شبهوه بخلقـه وتخوفــوا

شنـع الـورى فتستروا بالبلكفه

تفسير الكشاف ٢| ١١٦ ط مصر.

* * *

__________________

(١) قال المرحوم الشيخ محمود أبو رية طاب ثراه :

إننا لا نعرف سيئا إسمه ( أهل السنة ) ولا شيئاً آخر يقابلها من سائر الفرق ، أو المذاهب التي استحدثت بين المسلمين لتعريفهم ، وبخاصة فإن وصف أهل السنة هذا لم يكن معروفاً قبل معاوية ابن أبي سفيان ، وقد استحدثوه في عهده في العام الذي وصفوه بأنه ( عام الجماعة ) نفاقاً للسياسة لعنها الله ، وما كان إلاّ عام الفرقة. إنظر : شيخ المضيرة أبوهريرة ص ٣٠٩ الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر عام ١٩٦٩ م.

٢٩

تمهيد

وصف حالة المسلمين إليوم

من الواضح الغني عن البيان ، ما وصلت إليه حالة المسلمين ، ولا سيما في هذه القرون الأخيرة ، من الضعف والسقوط والذلة ، وتحكم الأجانب بهم ، واستعبادهم ، واستملاك أراضيهم وديارهم ، وجعلهم خولاً وعبيداً ، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم ، ويستغلّونهم بوضع الأغلال في أعناقهم ، إلى ما فوق ذلك من الهوان ، والخسران ، ممّا لا يحيط به وصف واصف ، ولا يستطيع تصويره ريشة مصوّر ، كل ذلك جلي وواضح ..

وإن السبب الوحيد هو : تفرق المسلمين ، وتباغضهم ، وتعاديهم ، وسعي كل طائفة منهم لتكفير الأخري فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم ، ما هو إلاّ الجهل المطبق ، والعصبية العمياء.

فالجهل يمدّهم ، ويطغيهم ، ومكائد الأجنبي المستعبد تشدّهم ، وتغريهم ، وقد أفاضت أقلام الأعلام والخطباء وطفحت الصحف ، والمؤلفات في هذا الموضوع حتى أوشك أن يكون في الأحاديث التي صار يمجّها الطبع وينبو عنها السمع لأن الطبع موكل بمعاداة المعادات ، وكراهة المكررات (١).

__________________

(١) اصل الشيعة وأصولها ص ٢٢ ط القاهرة عام ١٣٧٧ هـ.

٣٠
٣١

التـقـيّـة

عنـد الشـيعة الإمامـيّـة

من لا تقيّة له لا دين له

الإمام الصادق عليه‌السلام

٣٢

التقية في نظر الشيعة والسنة

أسباب نشوء التقية

هي : أن السلطة الحاكمة قد صادرت حرية الرأي ، والعقيدة وتذرّعت بالتنكيل ، والخشونة فالتجأ المسلمين إلى إبطان عقيدتهم حفاظاً على أنفسهم ، ومذهبهم.

فإن كانت التقية تعد جريمة فهي من فعل السياسات الحاكمة آنذاك.

والتقية : إيمان صحيح ، وقانون طبيعي في ظلّ السلطات الجائرة.

عقيدة الشيعة الإمامية في التقية

قال العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (١) :

__________________

(١) هو : الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله آل المظفر النجفي. عالم جليل وأديب بارع.

ولد في النجف الأشرف في الخامس من شعبان سنة (١٣٢٣) هـ بعد وفاة والده بستة أشهر ، فكفله أخواه الشيخ عبدالنبي ، والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلّم المباديء ، وقرأ مقدمات العلوم على بعض الأفاضل ، ثم حضر في الفقه والأصول على الميرزا محمد حسين

٣٣

روي عن صادق آل البيت عليهم‌السلام في الاثر الصحيح :

« التقية ديني ودين آبائي » و« من لا تقية له لا دين له ». وكذلك هي :

لقد كانت التقية شعارا لآل البيت عليهم‌السلام دفعا للضرر عنهم ، وعن أتباعهم ، وحقنا لدمائهم ، واستصلاحا لحال المسلمين ، وجمعا لكلمتهم ، ولما لشعثهم ، وما زالت سمة تعرف بها الاماميّة دون غيرها من الطوائف ، والأمم ، وكل انسان اذا أحس بالخطر على نفسه ، أو ماله بسبب نشر معتقده ، أو التظاهر به لا بد أن يتكتّم ، ويتقي مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضية فطرة العقول.

من المعلوم أن الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن ، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائقة ، أو أمة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية بمكانة المخالفين لهم ، وترك مظاهرتهم ، وستر عقائدهم ، وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضّرر في الدنيا.

ولهذا السبب امتازوا « بالتقية » وعرفوا بها دون سواهم.

وللتقية أحكام من حيث وجوبها ، وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية.

وليست هي بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز ، أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحق ، والتظاهر به نصرة

__________________

النائيني ، والشيخ ضياء الدين العراقي ، وعمدة استفادته من أخيه الشيخ محمد حسن المذكور ، وحضر أيضاً في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني عدة سنين ، وأضاف إلى دراسة العلوم الدينية ، العلوم الرياضية ، ومبادئ العلوم الطبيعية ؛ على الطريقة الحديثة .. وأسس ( جمعية منتدى النشر ) عام ( ١٣٥٤ هـ ) وانتخب لرئاستها من سنة (١٣٥٧) هـ وجدّد انتخابه في كل دورة. وله آثار علمية جيدة طبع منها : السقيفة ، المنطق ، عقائد الشيعة ، أصول الفقه وغيرها. توفي في عام ( ١٣٨٣هـ ). ( طبقات أعلام الشيعة : نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١| ٣٧٢ ، ٣٧٣ ).

٣٤

للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالإموال ، ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقية في الأمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجاّ للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم ، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم [ أو السبب بتفريقهم ، وتمزيق شملهم].

وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جماعة سرّية لغاية الهدم ، والتخريب ، كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين ، وأحكامه سرّاً من الأسرار ، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ، ومؤلفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ، ومباحث الكلام ، والمعتقدات قد ملأت الخافقين ، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أية أمّة أن تدين بدينها.

بلى : إنّ عقيدتنا في التقية قد استغلّها من أراد التشنيع على الإمامية (١) فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلاّ أن تقدَّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال : هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعابسيّين بل العثمانيّين.

__________________

(١) نظراء أحمد أمين المصري صاحب فجر الإسلام. محب الدين الخطيب صاحب الخطوط العريضة محمد مال الله البحريني صاحب الشيعة وتحريف القرآن وما شاكلهم من العلماء في العصر الحاضر : إحسان إلهي ظهير الباكستاني ، وابراهيم الجبهان الوهابي وعبدالله محمد الغريب المصري وغيرهم من أدعياء الإسلام.

٣٥

وإذا كان طعن من أراد أنّ يطعن يستند إلى عدم زعم مشروعيتها من ناحية دينية فإنا نقول له :

أوّلاّ : إنّنا متّبعون لأئمتنا عليهم‌السلام ، ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها ، وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وعندهم من الدين ، وقد سمعت قول الصادق عليه‌السلام :

« من لا تقيّة له لا دين له ».

وثانياً : قد ورد تشريعها في القرآن الكريم ذلك قوله تعالى :

( إلاَّ مَن أكرهَ وَقَلبُهُ مُطمئن بالإيمان ) النحل : الاية ١٠٦.

وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر الّذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام وقوله تعالى : ( إلاّ أن تَتَّقُوا منهُم تُقاةً ). وقوله تعالى : ( وَقالَ رجل مؤمن من آل فرعَون يَكتُمُ إيمانَهُ ) ( المؤمن : ٢٨ ) (١).

* * *

__________________

(١) عقائد الإمامية ص ٧٢ ، ٧٤ طبعة مصر عام ١٣٧٧ هـ مطبعة نور الأمل شارع القلعة بالقاهرة.

٣٦
٣٧

التـقـيّـة

فـي نـظر علـماء السنـة

٣٨

التقية في نظر علماء السنّة

١ـ قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ).

( المسألة الرابعة ) : اعلم أن للتقّية أحكاماً كثيرة ونحن نذكر بعضها :

الحكم الأول : إنَّ التقيّة إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار ، ويخاف منهم على نفسه ، وماله فيداريهم باللسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة بالّلسان بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام المُوهم للمحَّبة والموالاة ، ولكن بشرط أن يُضمر خلافه وأن يعرض في كلّ ما يقول ، فإن للتقيّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب ...

الحكم الرابع : ظاهر الآية يدُل أنَّ التقيّة إنما تحلّ مع الكفّار الغالبين ، إلاَّ أنّ مذهب الشافعي رضي الله عنه :

إن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلّت التقيّة محاماة على النّفس.

الحكم الخامس : التقيّة جائزة لصون النّفس ، وهل هي جائزة

٣٩

لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلى الله عليه وسلم :

« حرمة مال المسلم كحرمة دمه ».

ولقوله صلّى الله عليه وسلم :

« من قتل دون ماله فهو شهيد » (١).

٢ـ وقال الزمخشري في تفسيره :

في تفسير قوله تعالى : ( إلاَّ أن تتَّقوا منهم تقاة ) : رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة محالفة ، ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة ، والبغضاء ، وانتظار زوال المانع من قشر العصا ، وإظهار الطَّرية ... (٢).

٣ـ وقال الخازن في تفسيره :

التقية لا تكون إلاّ مع خوف القتل مع سلامة النيَّة قال الله تعالى : ( إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ( ٦٠| ١٠٦ ). ثم هذه التقيّة رخصة ... الخ (٣).

٤ـ وقال النفسي في تفسيره :

( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) ( ٣ | ٢٨ ). إلاّ أن تخافون جهتهم أمراً يجب اتّقاؤه أي ألاّ يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ، ومالك فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة ، وإبطان المعاداة (٤).

__________________

(١) انظر : تفسير الفخر الرازي : ٨| ١٣ طبعة دارالفكر عام ١٤٠١هـ.

(٢) تفسير الكشاف : ١| ٤٢٢ ، تفسير غريب القرآن للنيسابوري ٣ | ١٧٨ بهامش تفسير الطبري طبع بولاق.

(٣) تفسير الخازن : ١| ٢٧٧.

(٤) تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن : ١ |٢٧٧ طبع مصر.

٤٠