المنتقى

السيد مرتضى الرضوي

المنتقى

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٥

ابـلغ أمير الـمؤمنيـن رسـالـة

فأنت أمين الله فـي النهـي والأمـر

وأنـت أمـين الله فيـنا ومن يكن

أمينا لرب العرش يسلم لـه صـدري

فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه

وارسل إلى جزء وارسـل إلـى بشر

ولا تنسيـن الـنـافعين كليهمـا

ولا ابن غلاب من سراة بني نصر(١)

إلى آخر الرسالة وذكر فيها جماعة من عماله الذين استأثروا بالأموال ، وجلّهم من الصحابة ، فعاقبهم عمر ، واتهمهم بالخيانة ، والخيانة لا تجتمع مع العدالة.

ولا نطيل الحديث حول قاعدة أصالة العدالة لكل صحابي ، أو تأويل الأخطاء لهم على وجه يلزم السكوت عليه.

ما ذلك إلا تحدّ لنواميس الدين ، ومقدسات الشريعة ، ومجادلة بالباطل لحفظ كرامة معاوية وحزبه ( ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً ) (٢).

__________________

(١) فتوح البلدان : ص ٢٢٧.

(٢) سورة النساء : الآية ١٠٩ ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١/٦٠٥ ، ٦٠٦.

١٤١

المنافقون من الصحابة

ماجاء عنهم في سورة التوبة عن غزوة تبوك

ذكر البغوي وغيره عن ابن عباس أنه قال :

لم يكن رسول الله يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة وكان قبلها يعرف بعض صفاتهم وأقوالهم ، وأفعالهم ممّا جاء عنهم في عدة سور نزلت قبل براءة ، منها سورة المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر.

أما سورة براءة فقد فضحتهم ، وكشفت جميع أنواع نفاقهم الظاهرة ، والباطنة ومن أجل ذلك سميت ( الفاضحة ) والمبعثرة ، والمشردة ، والمخزية ، والمثيرة ، والحافرة ، والمنكّلة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب!

وإليك بيان أمورهم في غزوة تبوك ، وحدها ، وأعمالهم ، وآيات نفاقهم ، وهتك أستارهم ، وعقابهم ، مرتبة على سياق آيات سورة التوبة لا على الحروف (١) :

__________________

(١) هذا الفصل منقول عن الجزء العاشر من تفسير القرآن الحكيم للإمامين محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا رضي الله عنهما والأرقام الموضوعة هي أرقام الصفحات من هذا الجزء.

١٤٢

١ـ استئذانهم في التخلف وهو لا يقع من مؤمن ، وإنما يستأذن ترك الجهاد من لا يؤمن بالله ولا بالأخرة (٤٦٧).

٢ـ لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدة (٤٧١).

٣ـ إن الله كره انبعاثهم فثبطهم (٤٧١).

٤ـ إنهم لو خرجوا في المؤمنين لم يزيدوهم إلاً خبالاً ، ويبغون فتنتهم (٤٧٣).

٥ـ إنهم اتبعوا الفتنة من قبل تبوك في غزوة أحد ، إذ أوقعوا الشقاق في المسلمين ، وثبطوا بعضهم (٤٧٤).

٦ـ إنهم قلبوا الأمور للنبي من أول الأمر إلى أن جاء الحق بنصره وظهور أمر الله وهم كارهون لذلك (٤٧٥).

٧ ـ إن منهم من استأذن النبي في القعود متعذراً بأنه يخاف على نفسه الافتتان بجمال نساء الروم ، فسقطوا في فتنة معصية الله ورسوله بالفعل (٤٧٧).

٨ ـ إن كل حسنة تصيب النبي تسؤوهم ، وكلّ مصيبة تعرض له تسرّهم ، ويرون أنهم أخذوا بالحزم في التخلّف (٤٧٨).

٩ـ إن المؤمنين يتربصون بالمنافقين عذاب الله مباشرة أو بأيديهم ( ٤٧٩).

١٠ـ إن صدقاتهم لا تقبل لفسوقهم ، ولكفرهم ، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى ، وإنفاق ما ينفقون وهم كارهون (٤٨١).

١١ـ تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا وموتهم على كفرهم (٤٨٥ ـ ٥٧٤).

١٢ـ حلفهم للمؤمنين بأنهم منهم ، ووصف خيبتهم ، وفرقهم منهم (٤٨٥).

١٤٣

١٣ ـ لمز بعضهم للرسول في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإلا سخطوا (٤٦٧).

١٤ ـ إيذاؤهم له ( ص ) بقولهم : هو أذن (٥١٦).

١٥ ـ حلفهم للمؤمنين ليرضوهم دون إرضاء الله ورسوله (٥٢٢).

١٦ ـ حذرهم إنزال سورة تنبئهم بما في قلوبهم ووعيدهم على استهزائهم باخراج ما يحذرون (٥٢٥).

١٧ـ اعتذارهم عن استهزائهم بأنهم كانوا يقصدون الخوض واللعب ، وكون هذا الخوض عين الكفر ، ووعيدهم بتعذيب طائفة منهم بإصرارهم على إجرامهم ، واحتمال العفو عن طائفة أخرى ( ٥٢٨ ـ ٥٣٢ ).

١٨ـ بيان حال المنافقين وصفاتهم العامة ذكراناً ، وإناثاً ، وإيقادهم هم والكفار نار جهنم ولعنهم إلخ (٥٣٣ ).

١٩ ـ تشبيههم بمنافقي الأمم الغابرة في كونهم لا حظ لهم إلا الاستماع بما ذكروا في خوضهم بالباطل ، وحبوط أعمالهم في الدنيا والأخرة مثلهم وخسارهم التام (٥٢٧). وتذكيرهم بنبأ أقوام الأنبياء قلبهم (٥٣٩ ).

٢٠ـ ( إن المنافقين هم الفاسقون ). الآية ( ٦٧).

٢١ـ قرنهم بالكفار في وجوب جهادهم والإغلاظ في معاملتهم ووعيدهم (٥٤٩).

٢٢ـ حلفهم على إنكار ما قالوا من كلمة الكفر ، وإثبات الله لما نفوه ( وهمهم بما لم ينالوا ) أي محاولة اغتياله (ص) ( ٥٥١ ـ ٥٥٥ ).

٢٣ـ من عاهد الله منهم على الصدقة في حالة العسر ، وإخلافه ،

١٤٤

وكذبه ، بعد الغنى واليسر ، وإعقابهم ذلك نفاقا يصحبهم إلى الحشر ، وجهلهم علم الله بحالهم في السرّ والجهر (٥٥٨).

٢٤ ـ لمزهم وعيبهم للمؤمنين في الصدقات ، وسخريتهم منهم. (٥٦٣).

٢٥ ـ حرمانهم الانتفاع باستنفار الرسول لهم بكفرهم حتى بالله ورسوله لا يرجى اهتداؤهم بالرجوع عن قسوتهم (٦٦٦).

٢٦ ـ فرح المخلّفون منهم بمقعدهم خلاف رسول الله ، وتواصيهم بعدم النفر في الحر ، وتذكيرهم بحر جهنم (٥٦٩).

٢٧ـ كون الأجدر بهم أن يحزنوا ، ويضحكوا قليلاً ويبكوا كثيراً (٥٧٢).

٢٨ ـ نهيه (ص) عن الصلاة على موتاهم ، وتعليله بكفرهم وموتهم عليه (٥٧٣).

٢٩ ـ استئذان أغنيائهم بالتخلف عن الجهاد كلما نزلت سورة تأمر بالجمع بين الإيمان والجهاد (٥٨١).

٣٠ـ حال الأعراب ، واستئذان بعضهم بالقعود عن الجهاد ، وقعود الكاذبين بغير اعتذار ووعيدهم بعذاب أليم على الكفر (٥٨٣).

نكتفي بذلك من صفات المنافقين في غزوة تبوك التي جاءت بسورة التوبة ومن أراد المزيد من معرفة سائر أعمال المنافقين فليرجع إلى سور : المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر.

وفي الصحيحين من حديث الإفك أن أسيد بن الخضير قال لسعد ابن عبادة :

إنك منافق ، تجادل عن المنافقين. واختصم الفريقان فأصلح النبي بينهم ـ فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم :

١٤٥

إنك منافق ، ولم يكفر النبي لا هذا ، ولا ذاك.

والأخبار في ذلك كثيرة ومن شاء أن يقف على أسماء المنافقين من الخزرج والأوس فليرجع إلى الجزء الأول من ( أنساب الأشراف ) يجد أسماءهم قد ملأت عشر صفحات كاملة من ص ٢٧٤ إلى ص ٢٨٣.

يفضلون التجارة واللهو عن الصلاة

ولا بأس أن نورد هنا ما فعله الصحابة مع رسول الله ، وانفضاضهم من حوله إلى التجارة واللّهو ، وتفضيل ذلك على الصّلاة ، وتركهم إيّاه قائماً وحده يصلّي يوم الجمعة وذلك بعد أن أمرهم الله سبحانه بأن يسعوا إلى الصلاة ، ويتركوا البيع ، لأن ذلك خير لهم ( إن كانوا يعلمون ) فخالفوا عن أمر الله ، وانصرفوا إلى تجارتهم ، ولهوهم ، من حول رسول الله! وإليك هذه الآية الكريمة التي تفضحهم قال تعالى :

( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قل ماعند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) الجمعة : ١١.

نفاق الصحابة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده

وإليك حديثاً رواه البخاري وغيره (١) عن حذيفة بن اليمان يبين فيه نفاق الصحابة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وبعده.

قال حذيفة : إن المنافقين اليوم ، شرّ منهم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم ، كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون! وفي رواية أخرى للبخاري كذلك عنه :

__________________

(١) فتح الباري : ١٣/٦٢ـ ٦٣ ط مصر.

١٤٦

قال : إنما كان النفاق على عهد النبي (ص) ، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان. ( وفي رواية ) : فإنما هو الكفر والإيمان.

واخرج البزار عن أبي وائل ، قلت لحذيفة : النّفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال :

فضرب به على جبهته وقال :

أوه : هو اليوم ظاهر ، إنما كانوا يستخفون على عهد رسول الله (١)!

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٥٦ـ ٣٥٩ ط دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة.

١٤٧

صـيـانـة

القرآن مـن التـحريـف

١٤٨

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في :

وصف القرآن الكريم :

جعله الله ريا لعطش العلماء ، و

ربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاج

لطرق الصلحاء ودواء ليس

بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة.

نهج البلاغة

١٤٩

نقدم إلى القارىء الكريم بعض الآراء لعلماء الشيعة الإماميّة عن سلامة القرآن من الزيادة والنقصان.

معنى التحريف

قال الراغب الأصباني :

وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم. ( المفردات في غريب القرآن ص ١١٤ ط مصر ).

الشيعة مأمورون بالأخذ بما يوافق القرآن

عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال :

خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال :

أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وماجاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله. ( أصول الكافي : ١/٦٩ رقم الحديث ٥ ).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال :

١٥٠

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه. ( اصول الكافي : ١/٦٩ رقم الحديث ١ ).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال :

ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف. ( أصول الكافي : ١/٦٩ رقم الحديث ٤ ).

التمسك بالقرآن الكريم

إن الإمامية أشدّ تمسّكا بالقرآن ، ومحافظة عليه ، وتعظيماً له ، ومنه يستقون عقيدتهم ، وأحكامهم وبه يدفعون شبهات المقياس المبطلين وأقوال المتحذلقين ، فهو عندهم : المعجزة الكبرى ، والمقياس الصحيح للحق ، والهداية. فقد رووا أن أئمتهم أمروهم أن يعرضوا ما ينقل عنهم على القرآن ، فإن خالفه فهو كذب ، وافتراء ، وزخرف وباطل يجب ضربه في عرض الجدار (١).

صيانة القرآن عن الزيادة والنقصان

قال الله تعالى :

( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (٢).

( صدق الله العلى العظيم ).

__________________

(١) الشيعة في الميزان ص ٣١٤ طبع بيروت ـ لبنان.

(٢) المؤلف : علماء الشيعة الإمامية يستدلون بالآيات الواردة تحت عنوان : ( صيانة القرآن عن

١٥١

جمع القرآن الكريم على عهد النبي (ص)

قال الإمام شرف الدين العالمي قدس‌سره :

وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب ، والتنسيق في آياته ، وسوره ، وسائر كلماته ، وحروفه بلا زيادة ، ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ، ولا تغيير ..

أجل : إن القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوصي ، والنبوّة ، مؤلفاً على ما هو عليه الآن ... وقد كان القرآن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلق عليه الكتاب قال الله تعالى :

( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (١) البقرة : ٢.

__________________

الزيادة والنقصان ) وبأحاديث كثيرة وردت عن طريق أئمة أهل البيت النبوي عليهم‌السلام بإرجاع شيعتهم إلى التمسك بهذا القرآن المتداول بين يدي عامة المسلمين في جميع أقطار العالم وإليك نص أول إمام من أئمة العترة الطاهرة وصيّ الرسول وخليفته صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل أميرالمؤمنين ، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال عليه‌السلام :

وعليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والرّي النافع [ نفع العطش إذا أزاله ] والعصمة للمتمسك ، والنجاة للمتعلق ، لا يعوج فيقام ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تخلفه كثيرة الرّد ، وولوج السمع من قال به صدق ، ومن عمل به سبق.

( نهج البلاغة شرح محمد عبده ص ٣٣٥ ط بيروت ـ دارالمعارف ).

(١) بعض الآيات التي فيها جاء ذكر( الكتاب ) :

( يا أيها الذين آمنوا آمنوا باالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ... ) النساء : ١٣٦.

( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) المائدة : ١٥.

( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء ) النجل : ٨٩.

( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب ). الجمعة : ٢.

( وهذا كتاب مصدق لسانا عربياً ) الأحقاف : ١٢.

( إنا أنزلنا إليك بالحق ) الزمر : ٢.

( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكروا أولو الألباب ) ص : ٢٩.

( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ) الزمر : ٤١. =

١٥٢

وهذا يشعر بأنه كان مجموعاً ، ومكتوباً فإن ألفاظ القرآن إذا كانت محفوظة ، ولم تكن مكتوبة لا تسمّى كتاباً ، وإنما تسمّى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى ، وكيف كان فإن رأي المحقّقين من علمائنا :

أن القرآن العظيم إنما هو ما بين الدفتين الموجود في أيدي الناس ، والباحثون من أهل السنة يعلمون منا ذلك ، والمنصفون منهم يصرّحون به. ( أجوبة مسائل جار الله ص ٣٤ ، ٣٧ الطبعة الثانية صيدا عام ١٣٧٧ هـ ).

__________________

( تلك آيت الكتاب المبين ) القصص : ٢.

( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) الجاثية : ٢٩.

( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) الواقعة : ٣٧ ، ٣٨.

١٥٣

لا تحريف في القرآن

١ـ معنى التحريف (١)

يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشراك ، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين ، وبعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضاً ، وبعض منها وقع الخلاف فيما بينهم ، وإليك تفصيل ذلك :

__________________

(١) علماء الشيعة الإمامية الذين ألّفوا في فقه القرآن ينكرون التحريف ، وكذلك علماء التفسير.

وأما علماء الحديث والرجال من الشيعة فإنهم قائلون بتمحيص الروايات حتى في كتب الحديث المعتبرة عندهم (*).

وأمّا فقهاء الشيعة ، ومؤلّفو آيات الأحكام فهم يحتجون بالقرآن وذلك إذعاناً منهم بحجية القرآن ، وصيانته من التحريف ، وأهم من هؤلاء جميعاً علماء الكلام ، ومؤلّفو الفلسفة الإسلامية ، والحكماء منهم الذين دوّنوا عقائد الشيعة بالأصول العلمية والفلسفية يرفضون الرأي القائل : بتحريف القرآن رفضاً باتاً بل إنهم في مقام الاستدلال على الإمامة والخلافة يستدلّون بآيات من القرآن الكريم.

____________

(*) راجع معجم رجال الحديث الجزء الأول.

قال الراغب الأصبهاني : وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على غيره ، قال عزوجل : ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) ( ومن بعد مواضعه ) ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه ) ( المفردات في غريب القرآن ص ١١٤ ).

١٥٤

الأول : « نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره » ومنه قوله تعالى :

( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) النساء : ٤٦.

ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله فإن كل من فسر القرآن بغير حقيقته ، وحمله على غير معناه فقد حرفه ، وترى كثيراً من أهل البدع ، والمذاهب الفاسدة ، قد حرفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم.

وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى ، وذم فاعله في عدة من الروايات منها :

رواية ( الكافي ) بإسناده عن الباقرعليه‌السلام أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير :

« ... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ، ولا يرعونه ، والجهّال يعجبهم حفظ للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ... » الوافي ٣/٢٧٤. أبواب القرآن وفضائله.

الثاني : النقص أو الزيادة في الحروف ، أو في الحركات ، مع حفظ القرآن ، وعدم ضياعه ، وإن لم يكن مميزاً في الخارج عن غيره ».

والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعاً فقد أثبتنا فيما تقدّم (١) عدم تواتر القراءات ، وأمّا غيرها فهو إمّا زيادة في القرآن ، وإمّا نقيصة فيه.

__________________

(١) انظر : البيان في تفسير القرآن ص ١٥٨ طبع بيروت تحت عنوان : أدلّة تواتر القراءات.

١٥٥

الثالث : النقص أو الزيادة بكلمة ، أو كلمتين ، مع حفظ التحفظ على نفس القرآن المنزل ».

والتحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام ، وفي زمان الصحابة قطعاً ، ويدلنا على ذلك إجماع المسلمين على أن عثمان أحرق جملة من المصاحف وأمر ولاته بحرق كل مصحف غير ما جمعه.

وهذا يدّل على أن هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه ، وإلاّ لم يكن هناك سبب موجب لإحراقها.

وقد ضبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف ، منهم :

عبدالله بن أبي داود السجستاني ، وقد سمّى كتابه هذا بكتاب ( المصاحف ). وعلى ذلك فالتحريف واقع لا محالة ، إمّا من عثمان ، أو من كتاب تلك المصاحف ، ولكنا سنبين بعد هذا إن شاء الله تعالى : أن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين ، الّذي تداولوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يداً بيد.

فالتحريف بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان.

وأما القرآن الموجود فليس فيه زيادة ، ولا نقيصة.

وجملة القول : إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف ـ كما هو الصحيح ـ فالتحريف بهذا المعنى وإن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلاّ أنه قد انقطع في زمان عثمان ، وانحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما القائل : بتواترالمصاحف بأجمعها ، فلا بدّ له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع فيه في القرآن المنزل ، وبضياع شيء منه.

١٥٦

الرابع : « التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل ، والمتسالم على قراءة النبي (ص) إيّاها ».

والتحريف بهذا المعنى أيضاً واقع في القرآن قطعاً. فالبسملة ـ مثلاً ـ ممّا تسالم المسلمون على أن النبي (ص) قرأها قبل كلّ سورة غير سورة التوبة.

وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة. فاختار جمع منهم أنّها ليست من القرآن ، بل ذهبت المالكيّة إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة ، إلا إذا نوى بها المصلّي الخروج من الخلاف ، وذهب جماعة أخرى إلى أن البسملة من القرآن.

وأما الشيعة الإمامية فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبه ، واختار هذا القول جماعة من علماء السنة أيضاً ... وإذاً ، فالقرآن المنزل من السّماء قد وقع فيه التحريف يقيناً بالزيادة ، أو بالنقيصة.

الخامس : « التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل ».

والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين ، بل هو ممّا علم بطلانه بالضرورة.

السادس : « التحريف بالنقيصة ، بمعنى أن المصحف الّذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الّذي نزل من السّمآء ، فقد ضاع بعضه على النّاس ».

والتحريف بهذا المعنى هو الذّي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون (١).

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن ص ٢٠٠ طبع بيروت.

١٥٧

٢ ـ رأي المسلمين في التحريف

المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النّبي الأعظم (ص) وقد صرّح بذلك كثير من الاعلام.

منهم : بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (١) في مقدمة تفسيره ( آلاء الرحمن ) وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم منهم :

شيخ المشايخ المفيد [ محمد بن محمد النعمان ] وَالمُتَبَحّر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله ، وأضرابهم. وممّن يظهر منه

__________________

(١) قال الشيخ آقا بزرك في طبقات أعلام الشيعة : الشيخ محمد جواد البلاغي المولود سنة ( ١٢٨٢ هـ ) ـ والمتوفى سنة ( ١٣٥٢ هـ ) هو : الشيخ محمد جواد بن الشيخ حسن ... ابن الشيخ محمد علي بن محمد البلاغي النجفي الربعي نسبة الى ربيعة القبيلة المشهورة. من مشاهير علماء الشيعة في عصره. علاّمة جليل ، ومجاهد كبير ، ومؤلف مكثر خبير.

( آل البلاغي ) من أقدم بيوتات النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب.

انجبت هذه الأسرة عدّة من رجال العلم والدين ... والمترجم من أعلام هذا البيت المعاصرين. كان أحد مفاخر العصر علماً وعملاً.

وإليك من مؤلفاته المطبوع منها : ( الهدى إلى دين المصطفى ) جزءان في الرد على عبدة الثالوث و ( أنوار الهدى ) في إبطال بعض الشبه الإلحادية و( الرحلة المدرسية ) أو المدرسة السيارة ثلاثة أجزاء في الرد على الملل الخاطئة طبع مرتين وترجم إلى الفارسية وطبع أيضاً و ( التوحيد والتثليث ) في الرد على النصارى أيضا و ( إبطال فتوى الوهابيين ) بهدم قبور البقيع ، ورسالة في إبطال فتوى الوهابيين أيضاً و ( البلاغ المبين ) في الالهيات و ( أجوبة المسائل البغدادية ) في أصول الدين ورسالة في وضوء الإمامية وصلاتهم ، وصومهم طبعت بالإنجليزية و ( العقود المفضلة ) في حلّ المسائل المشكلة في الفقه ، تعليقة على مباحث البيع من ( المكاسب ) للشيخ الأنصاري و ( آلاء الرحمن ) في تفسير القرآن طبع منه الجزءان الأول والثاني وهو آخر تأليفه ومن أثمن التفاسير وأليقها بهذا العصر. وأما غير المطبوع فهو كثير ... الخ.

( نقباء البشر في القرن الرابع عشر : ١/٣٢٤ـ٣٢٥ طبعة النجف الأشرف ـ العراق ).

١٥٨

القول بعدم التحريف : كل من كتب في الإمامة من علماء الشيعة وذكر فيه المثالب ، ولم يتعرض للتحريف فلو كان هؤلاء قائلين في التحريف لكان ذلك أولى بالذكر من إحراق المصحف وغيره.

وجملة القول : إن المشهور بين علماء الشيعة الإمامية ومحقّقيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف(١).

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن ص ٢٠٠ ، ٢٠١.

١٥٩

رأي علماء الإماميَّة بعدم الزيادة والنقيصة في القرآن

ـ رأي الشيخ الصدوق طاب ثراه

قال العلامة الجليل المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي ( طاب ثراه ) في مقدمة تفسيره ( آلاء الرحمن ) المطبوعة في أوائل تفسير القرآن الكريم للعلامة الجليل المفسّر السيد عبد الله شبر(١) في القاهرة تحت عنوان : قول الإمامية بعدم النقيصة في القرآن :

ولا يخفى أن شيخ المحدثين والمعروف بالاعتناء بما يروي وهو الصدوق ( طاب ثراه ) (٢) قال في كتاب ( الاعتقاد ) :

__________________

(١) هو السيد عبد الله بن السيد محمد رضا شبر ولد رحمه الله في النجف الأشرف عام (١١٨٨هـ) وتوفي في مدينة الكاظمية قرب بغداد في ليلة الخميس من شهر رجب ( عام ١٢٤٢هـ ) ودفن في رواق الكاظمين عليهما‌السلام.

وقال السيد الخوانساري في ( روضات الجنات ) :

السيد عبدالله بن محمد رضا العلوي الحسيني الكاظمي الشهير بشبر ( على زنه سكر ).

كان من أعيان فضلاء هذه الأواخر ومحدثيهم. فقيهاُ ، متبحرا ، جامعاً ، متتبعاً متوطناً بأرض الكاظمين المطهرة على مشرّفيها السلام. وله مؤلفات كثيرة في التفسير ، والحديث والفقه ، والأصول ، وغير ذلك.

(٢) الشيخ الصدوق : من كبار علماء الإمامية في القرآن الثالث الهجري.

١٦٠