المنتقى

السيد مرتضى الرضوي

المنتقى

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٥

قال ابن القطان : تكلم في كل ما لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل ، أو أحد ممن عاصره ما يدل على عدالته ، وهذا شيء كثير ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعّفهم أحد ، ولا هم مجاهيل ؛

وقال في ترجمة مالك بن خير الزبادي :

في رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أحداً نصّ على توثيقهم.

فانظر : هذا العجب. يروي عمن حاله ما ذكر ، ويترك أئمة مشاهير مصنفين لأنهم قالوا بخلق القرآن ، أو وقفوا ، أو نحو ذلك.

والعجب هنا من مجاملة الذهبي بقوله : ولا هم مجاهيل ، فمن لم يعلم عدالته لم تشمله أدلّة قبول خبر الآحاد الخاصة بالعدول ، واللإصطلاح على تسميته مستوراً لا يدخله في العدول الذين تتناولهم أدلّة قبول الأحاد ، فهذا تفريط ، وإفراط!

يترك ابا حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وابن إسحاق ، وداود الظاهري.

ومنهم : من أذعن له الناس في المغازي ، ومنهم : من تبعه شطر أهل البسيطة ، ثم يروي عن مستور لا يعلم من هو ، ولا ما هو.

وليس مرادنا الحط من الصحيحين ، ولكن ليعلم أن الخلاف دخلت مفسدته في كل شعب ، فهذا هو ما نحن بصدده من التنقير عن الخلاف فاعلمه ا هـ باختصار (١).

ثم قال المقبلي في ذيل هذا الكتاب المسمى بالأرواح النوافخ فيما شرح به قوله (٢) :

__________________

(١) من كتاب العلم الشامخ للمقبلي.

(٢) ص ٦٨٧ ـ ٦٨٨.

١٢١

وادعوا الصحبة وأثبتوها لمن لم يقض له بها دليل :

وجه هذا الكلام ما كررناه أنهم يصطلحون على شيء في متأخر الأزمان ، ثم يفسرون الكتاب ، والسنة باصطلاحهم المجدّد.

والصحبة ليس فيها لسان شرعي ، إنما هي بحسب الّلغة وكذلك سائر الألفاظ التي وردت بها فضائل الصحابة ، لكن المحدثون اصطلحوا أو قضوا بغير دليل ، على أن الصحبة لكل من رأى النبي ، أو رأى هو النبي ولو طفلاً ، بشرط أن يكون محكوماً بإسلامه ، ويموت على ذلك ، ولا يرتد.

ولا يشك منصف بل عاقل أن هذه القيود أمر اصطلاحي لا تقضي اللغة بها ، لأن الاشتقاق إنما هو من صحب ، لا من رأى أو رئي تحقيقاً أو تقديراً ، ليدخل الأعمى.

وكان عليهم أن يقولوا تقديراً قريباً أو نحوه ليخرج المعاصر الذي لم يره ، بل ليخرج كلّ احد ، إذ التقدير بحر واسع ، فهذا اصل الخطأ في هذه المسألة كما قد حذرناك من هذه الغلطة التي وقع الناس كثيراً فيها.

ثم بعد أن تم لهم تعريف الصحبة ذيلوها باطراح ما وقع من مسمى الصحابي منهم من يتستر بدعوى الاجتهاد ، دعوى تكذبها الضرورة في كثيرة من المواضع.

ومنهم من يطلق! ويا عجباه من قلة الحياء في ادعاء الاجتهاد لبسر ابن أرطأه (١) ، الذي انفرد بأنواع الشر لأنه مأمور المجتهد معاوية ناصح

__________________

(١) نقل الحافظ ابن حجر في الإصابة أن معاوية وجه بسر بن أرطأة إلى اليمن والحجاز وأمره أن ينظر من كان في طاعة علي فيوقع بهم ويقتلهم ، وهو الذي قتل طفلين لعبيد الله بن عباس ، ولأمهما عائشة بنت المدان قصيدة في ذلك نكتفي منها بهذا البيت :

أنحى عليّ ودجى اني مرهفة

مشحوذة وكذلك الإثم يقترف

ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها.

١٢٢

الإسلام في سبّ عليّ بن أبي طالب وحزبه. وكذلك مروان ، والوليد الفاسق ، وكذلك الاجتهاد الجامع للشروط في البيعة ليزيد ومن أشار بها ، وسعى فيها ، أو رضيها وما لا يحصى ، والله ما قال قائلهم ذلك نصحاً لله ولرسوله ، اللهم إلا مغفل لا يدري ما يخرج من رأسه ـ قد سلم مقدمات وغذّى لحمه ، وعروقه بالهوى ، والتقليد ، وعوّد جسمه ما اعتاد ، فصار بذلك غذاؤه. ثم أخذ يتجاسر في البناء على ذلك ، كنظائر لها قلّما يخلو منها أحد ، وان اختلفت مكانتها في الدين. غايته أن الورع يتحرز من الرضا بتلك الطوام ، فمن غاب عن المعصية ثم رضيها ، كان كمن حضرها ، والعكس كما صرّح به الحديث النبوي...ا هـ (١) *.

__________________

(١) ممن جعلوهم من الصحابه من لمز النبي صلّى الله عليه وسلم في الصدقات ومنهم من آذاه وقال : ( هو أذن ) ومنهم من اتخذوا مسجداً ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين ، ومنهم من كان في قلبه مرض ومنهم : المعوقون ، ومنهم الذين اعتذروا في غزوة تبوك وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، وحلفوا للنبي فقبل منهم علانيتهم فنزل فيهم قوله ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنّم جزاء بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ).

وفي هذه الغزوة هم أربعة عشر منافقاُ أن يفتكوا برسول الله في ظلمات الليل عند عقبة هناك. ولما انصرف النبي من هذه الغزوة إلى المدينة كان في الطريق ماء يخرج من وشل بوادي المشقق فقال رسول الله : من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئاً حتى نأتيه. فسبقه إليه نفر من المنافقين واستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله! وقف عليه فلم ير فيه شيئاً ، ولما علم النبي بأمر المنافقين قال : أولم ننههم أن يستقوا منه شيئاً حتى نأتيه ثم لعنهم ودعا عليهم.

وبحسبك أن تجد أن في القرآن سورة تسمّى سورة المنافقين. وسيأتيك بيان مفصل عن المنافقين في غزوة تبوك.

وروى البخاري عن زيد بن ثابت : لما خرج النبي إلى أحد رجع ناس من أصحابه فقالت فرقة منهم : نقتلهم وقالت فرقة : لا نقتلهم ، نزلت الآية الكريمة : ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ... ) الآية قال الراغب في مفرداته : « أركسهم أي ردّهم إلى كفرهم ـ والكلام في هذا الباب ـ كثير جداً.

(*) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٤٤ـ ٣٥٣.

١٢٣

شمول الصحبة ومميزاتها

كما أن الصحبة تشمل من مردوا على النفاق ، والذين ابتغوا الفتنة من قبل ، وقلبوا لرسول الله الأمور ، واظهروا الغدر ، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون.

وفيهم : من كان يؤذي رسول الله وقد وصفهم الله بقوله :

( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن .. والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (١). و ( إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً ) (٢).

وفيهم المخادعون والذين يظهرون الإيمان وقد وصفهم الله تعالى بقوله :

( ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون ) (٣).

( وإذا لقوا الذين آمنو قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون ) (٤).

( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّق ولنكونّن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم ومعرضون * فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) (٥).

والحاصل أن الصحبة منزلة عظيمة ، وفضيلة جليلة ، وهي

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٦١.

(٢) سورة الاحزاب : الاية ٥٧.

(٣) سورة البقرة : الايتان ٨ ـ ٩.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٤.

(٥) سورة التوبة : الآيات ٧٥ـ ٧٦ـ ٧٧.

١٢٤

بعمومها تشمل من امتحن الله قلبه للإيمان ، واخلص لله ، وجاهد ، وناصر ، ومن رقى درجة الكمال النفساني. فكان مثالاً لمكارم الأخلاق ، وهم يخشون الله ، ويمتثلون أوامره ، كما وصفهم الله بقوله :

( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربّهم ومغفرة ورزق كريم ) (١).

كما أنها لم تشمل من لم يدخل الإيمان قلبه :

( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) (٢).

ليت شعري ما هذه العصمة ، أكانت في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم بعده؟! فإن كانت في حياته فما أكثر الشواهد على نفي ذلك :

أخرج البيهقي بسنده عن أبي عبدالله الأشعري عن أبي الدرداء قال :

قلت : يارسول الله بلغني أنك تقول :

ليرتدن أقوام بعد إيمانهم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجل ولست منهم (٣).

ومن الغريب أن البعض علّل ذلك بأن المراد من هؤلاء المرتدين ، هم الذين قتلوا عثمان ، وإن أبا الدرداء مات قبل قتل عثمان ، وبهذا التوجيه يتوجه الطعن على أكثر الصحابة ، فإنهم اشتركوا بقتل عثمان ،

__________________

(١) سورة الأنفال : الآيات ٢ـ ٣ـ ٤

(٢) سورة الفتح : الآية : ١١.

(٣) تاريخ ابن كثير : ٦ / ١٧٠

١٢٥

والمتخلفون عن ذلك عدد لا يتجاوز أصابع الكف.

وبمقتضى هذا التأويل يدخل في قائمة الحساب عدد كثير هو أضعاف ما في قائمة الشيعة من المؤاخذات ، ومن الشواهد على نفي العدالة في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ـ كان رجل يكتب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قرأ البقرة ، وآل عمران ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يملي عليه غفوراً ، رحيماً ، فيكتب : عليماً ، حكيما. فيقول له النبي : اكتب كذا وكذا فيقول : أكتب كيف شئت ، ويملي عليه عليماً حكيماً فيكتب : سميعاً بصيراً وقال :

انا أعلمكم بمحمد. فمات ذلك الرجل. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

الأرض لا تقبله.

قال انس : فحدثني أبو طلحة ، أنه أتى الأرض التي مات فيها الرجل ، فوجده منبوذاً فقال أبو طلحة :

ما شأن هذا الرجل؟ قالوا : دفناه مراراً فلم تقبله الأرض.

قال ابن كثير : وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).

٢ـ وهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي سماه الله فاسقاً حينما ارسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على صدقات بني المصطلق فعاد وأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم خرجوا لقتاله فأراد أن يجهز لهم جيشاً فأنزل الله فيه :

( يا أيها الذين آمنو إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ... ) ( الآية ) فقد كان في عداد الصحابة ، فأين العدالة من

__________________

(١) تاريخ ابن كثير : ٦ / ١٧٠.

١٢٦

الفاسق؟! (١).

٣ـ وهذا الجد بن قيس أحد بني سلمة نزلت فيه :

( ومنهم من يقول إئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) (٢).

٤ـ وهذا مسجد ضرار ، وما ادراك ما مسجد ضرار قد بناه قوم ، وسموا بالصحبة يتظاهرون فيه بأداء الصلاة في اوقات لا يسعهم الوصول إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن فضح الله سرهم ، وأبان أمرهم فهم منافقون.

وانزل الله فيهم :

( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصادأ لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلاّ الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ) (٣).

وكانوا إثني عشر رجلا من المنافقين منهم :

خذام بن خالد بن عبيد ، ومن داره أخرج المسجد.

ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن ابي الأزعر وغيرهم (٥).

٥ـ وهذا ثعلبة بن حاطب بن عمر بن أمية ممن شهد بدراً واحداً فقد منع زكاة ماله ، فأنزل الله فيه :

( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٤/ ٢١٢.

(٢) سيرة ابن هشام : ٢/ ٣٣٢.

(٣) سورة التوبة : الآية ١٠٧.

(٤) سيرة ابن هشام : ١/ ٣٤١ ، وتفسير ابن كثير ٢/ ٣٨٨.

١٢٧

معرضون ) (١).

وكان ثعلبة هذا من الصحابة ملازماً لأداء الصلاة في أوقاتها ، وكان فقيراً معدماً ، فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ادع لي أن يرزقني مالاً فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ويحك يا ثعلبة قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه.

فقال ثعلبة :

والذي بعثك في الحق نبيّاً لئن دعوت الله فيرزقني مالاً لاعطين كل ذي حق حقّه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اللهم ارزق ثعلبة مالا ، فزاد وفره ، وكثر ماله ، وامتنع من أداء زكاته فأعقبه نفاقاً إلى يوم يلقاه بما أخلف وعده وكان من الكاذبين.

٦ـ وهذا ذو الثدية كان في عداد الصحابة متنسكاً عابداً ، وكان يعجبهم تعبّد واجتهاده فأمر النبي بقتله ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

إنه لرجل في وجهه لسفعة من الشيطان ، وارسل ابا بكر ليقتله فلما رآه يصلّي رجع وارسل عمراً فلم يقتله ثم أرسل عليّاً عليه‌السلام فلم يدركه (٢) وهو الذي ترأس الخوارج وقتله علي عليه‌السلام يوم النهروان.

٧ ـ وهؤلاء قوم وسموا بالصحبة كانوا يجتمعون في بيت سويلم يثبطون الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر من أحرق عليهم بيت سويلم (٣).

__________________

(١) سورة التوبة الآيتان : ٧٥و ٧٦.

(٢) الإصابة في تميز الصحابة : ١/٤٢٩.

(٣) سيرة ابن هشام : ٣/٢٣٥.

١٢٨

٨ ـ وهذا قزمان بن الحرث شهد أحداً ، وقاتل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتالاً شديداً فقال أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنّا فلان فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أما إنه من أهل النار.

ولمّا أصحابته الجراحة وسقط فقيل له :

هنيئاً لك بالجنّة يا ابا الغيداق.

قال : جنة من حرمل ، والله ما قاتلنا إلا على الأحساب (١).

٩ـ وهذا الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس طريد رسول الله ولعينه وهو والد مروان وعم عثمان.

حدث الفاكهي بسند عن الزهري ، وعطاء الخراساني أن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله دخلوا عليه وهو يلعن الحكم فقالوا : يارسول الله ما باله؟ فقال :

دخل عليّ شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة.

ومرّ النبي بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي بإصبعه فالتفت فرآه فقال :

اللهم اجعله وزغاً فزحف مكانه (١). وكان يسمى خيط الباطل.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه :

ويل لأمتي مما في صلب هذا.

ومن حديث عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم :

أشهد أن رسول الله لعن اباك وأنت في صلبه.

__________________

(١) الإصابة : ٣/ ٢٣٥.

١٢٩

١٠ـ وهذه أم المؤمنين عائشة لم يثبت لها صلى‌الله‌عليه‌وآله الايمان كما حدث كثير بن مروة عنها :

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أطعمينا يا عائشة قالت : ما عندنا شيء.

فقال أبو بكر :

إن المرأة المؤمنة لا تحلف أنه ليس عندها شيء وهو عندها.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ما يدريك أنها مؤمنة؟

انّ المرأة المؤمنة في النساء كالغراب الأبقع في الغربان (١).

وهذا إنكار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على القطع بالعدالة ، والإيمان.

ولو كان كما يدعى لقال مؤيداً لقول أبي بكر. نعم إنها مؤمنة ، وزوجة نبي ومن أهل الجنة ، ولكنة صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرض بذلك الاعتقاد ، وإنما الأمور منوطة بالعمل وحسن الخاتمة.

ويدل على ذلك أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله عاد كعباً في مرضه فقالت أم كعب : هنيئاً لك الجنة يا كعب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من هذه المتالية على الله عزوجل؟

قال كعب : هي أمي يارسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وما يدريك يا أم كعب ، لعل كعباً قال ما لا يعنية ، ومنع ما لا يغنية (٢).

__________________

(١) علل الحديث لا بن أبي حاتم : ١/٤٣٩.

(٢)تاريخ بغداد : ٤/٢٧٣.

١٣٠

١١ـ وأخرجا النسأئي في صحيحه عن ابن عباس في نزول قوله تعالى :

( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) أنه قال :

كانت امرأة تصلّي خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض القوم يتقدّم لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ليراها. فأنزل الله فيهم ذلك.

١٢ـ وأخرج ابن حنبل من طريق ابن عباس ، وابن عمر أنها سمعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على منبره يقول :

لينتهين اقوام عن ودعهم الجماعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكتبن من الغافلين (١).

١٣ـ وأخرج أحمد في مسنده : عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لأصحابه : أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول : يا ربي اصحابي ، فيقول :

إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

وأخرج عن ابن مسعود ايضاً بلفظ : وأني ممسك بحجورك إن تهافقوا في النار كتهافت الفراش (٣).

وأخرج الترمذي عن النبي (ص) ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين ، وذات الشمال فأقول : ياربي أصحابي فيقال : إنك لا تدري

__________________

(١) مسند أحمد : ٥/٤٠.

(٢) مسند أحمد : ٥/٢٣١.

(٣) مسند أحمد : ٦/٥١.

١٣١

ما أحدثوا بعدك ، فإنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : إن تعذبهم فإنّهم عبادك (١)

وأخرج مسلم من طريق عائشة بلفظ :

إني على الحوض انتظر من يرد عليّ منكم فوالله لينقطعن رجال فلأقولن أي ربي ... الحديث. وأخرج مثله من طريق أم سلمة(٢).

ولعلّ الاستمرار بذكر الشواهد ـ وما أكثرها ـ يوجب الإطالة ، والإطالة توجب الملل فلهذا نكتفي بالقليل من البيان حول الشواهد على نفي العدالة المزعومة :

« لكل من هب ، ودرج ».

والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة لكنها غير عاصمة ، فإن فيهم العدول ، والأولياء والصديقون ، وهم علماء الامة ، وحملة الحديث ، وفيهم مجهول الحال ، وفيهم : المنافقون وأهل الجرائم كما أخبر تعالى بقوله :

( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) (٣).

وفيهم : من كان يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (٤).

__________________

(١) صحيح الترمذي : ٢/٦٧.

(٢) صحيح مسلم : ٤/٦٥ ـ ٦٧.

(٣) سورة التوبة : الآية ١٠١.

(٤) سورة التوبة : الآية ٦١.

١٣٢

فإلى الله نبرأ من هؤلاء ، وممن ( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ) (١).

والذين ( يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ) (٢).

والكتاب العزيز يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن طبع الله على قلوبهم لأنهم اتبعوا الهوى فقال تعالى :

( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم )(٣).

كما أعلن تعالى لعن طائفة منهم وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ( أولئك الذين لعنهم الله فأصمتهم وأعمى أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )(٤).

أجل أين ذهب أولئك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وقد جرعوه الغصص في حياته ، ودحرجوا الدباب ، فهل انقلبت حالهم بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله من النفاق إلى الإيمان؟ ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن الشك إلى اليقين ، فأصبحوا في عداد ذوي العدالة من

__________________

(١) سورة المجادلة : الآية ١٦.

(٢) سورة النساء : الآيتان ١٤٢ـ ١٤٣.

(٣) سورة محمد(ص) : الآية ١٦.

(٤)سورة محمد(ص) : الآيتان ٢٣ـ ٢٤.

١٣٣

الصحابة الذين طبعت نفوسهم على التقى والورع ، وعفة النفس والعلم ، والحلم ، والتضحية في سبيل الله وهم الذين وصفهم الله تعالى بقوله :

( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) (١).

فنحن لا نرتاب في ديننا ، ولا نخالف قول الحق في تمييز منازل الصحابة ، ودرجاتهم فنتبع الصادقين منهم ، ونوالي من اتصف بتلك الصفات التي ذكرها الله ورسوله ، كما أنا لا نأتمن أهل الخيانة لله ورسوله ، ففي ذلك جناية على الدين وخيانة لأمانة الإسلام ولا نركن لمن ظلم منهم ، ولا نواد من حاد الله ورسوله.

هذا هو قوله الحق. والحق أحق أن يتبع (٢).

* * *

الصحابة في حدود الكتاب والسنة

وهل تجاوزت الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابة حدود الكتاب والسنة؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة ظاهرة ، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأن عموم الصحبة لا يمنحهم سلطة التصرف بالأحكام ، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك الحدود وإن الاجتهاد في مقابلة النص هو في الحقيقة طرح للأحكام ، ونبذ للقرآن وراء الظهور ، وإن كثيراً منهم حديثو عهد في الإسلام ، قد ألفت نفوسهم أشياء وطبعت عليها ، ومن الصعب أن تتحلل منها بسرعة.

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ١٥.

(٢) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ١/٥٩٣ ـ ٥٩٦.

١٣٤

وليس من الإنصاف أن يكون هؤلاء بمنزلة أهل السبق ، ومن رسخ الإيمان في قلوبهم فنشروا الإسلام ، وحملوا ألوية العدل ، ونشروا العقيدة الإسلامية ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم عن نية صادقة ، وهاجروا عن إيمان خالص.

وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه » (١).

وسأله ناس من أصحابه فقالوا : يارسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ به ، ومن أساء أخذ في الجاهلية والإسلام » (٢).

وعن صهيب مرفوعاً :

« ما آمن بالقرآن من استحل محارمه » (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بلفظ : « من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام اخذ في الأوّل ، والأخر » (٤).

وعن ابن عمر قال :

صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال :

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦/٤٨.

(٢) صحيح مسلم : ١/ ٧٧.

(٣) صحيح الترمذي : ٢/١٥١.

(٤) صحيح مسلم : ١/٧٧.

١٣٥

« يا معشر من اسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم. من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (١).

وهكذا يتضح لنا على ضوء الأحاديث النبوية وآي القرآن الكريم مساواة الناس وشمول الأحكام لهم ، وأن ثبوت العدالة بالعمل ، ولا أثر لها بدونه ، والصحابة هم أولى بتنفيذها ، والقول في اجتهادهم مطلقاً يحتاج إلى مشقة في الإثبات ، والنتيجة عقيمة لا تثمر كثير فائدة ، والتأويل في مقابلة النص معناه طرح للأحكام. فلا يصح أن يتأولوها على خلاف ظاهرها ، ثم يستبيحوا لأنفسهم مخالفة الظاهر منها ، بل الأحكام شرعة واحدة بين الناس لتشملهم عدالتها. فلا مجال لأحد عن الخضوع لها وتطبيقها.

ولنا في سياسة الإمام علي بن أبي طالب ، وسيرته في عصر الخلفاء ، وفي عصره لأكبر دليل على ما نقول :

فقد كان يقيم الحد على من تعدّى حدود الله ، ويعامل كل واحد بما يقتضيه عمله ، وبقدر منزلته عند الله تعظم منزلته عنده.

وكم كان يدعو على أولئك الذين وسموا بالصحبة ، وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله ، ونصبوا له الحرب.

وقد أعلن عليه‌السلام البراءة منهم على منبره لأنهم خالفوا كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن وقف على عهوده عليه‌السلام لعماله ، ووصاياه لأمراء جيشه ، ورسائله لولاة أمره ، يعرف هناك عدم الالتزام بما ألزموا الأمة

__________________

(١) صحيح الترمذي : ١/٣٦٥.

١٣٦

به ، من القيود التي فرضتها ظروف خاصة ، وهو القول بعدالة الصحابي ، وإن ارتكب ما حرّم الله.

والتحدث عن سيرة علي لا يتسع له مجال هذا الموضوع الذي خضناه بهذه العجالة ، والغرض أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله لا بد أن يلتزموا باجتناب ما حرم الله تعالى ويهتدوا بهدي رسوله صلى الله عليه وآله ، ولم يفتحوا المجال لمتأول في مقابلة النص ، وللاجتهاد شروط ، ولعل في قصة قدامة أكبر دليل على ذلك قدامة بن مضعون :

قدامة بن مضعون بن حبيب المتوفى ( سنة ٣٦هـ ) كان من السابقين الأولين ، وهاجر الهجرتين ، واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن الخطاب من البحرين ، وشهد على قدامة أنه شرب الخمر فسكر ، فقال : من يشهد معك فقال الجارود : أبو هريرة.

فقال عمر لأبي هريرة : بم تشهد؟ قال : لم أره شرب الخمر ولكن رأيته سكران يقيء.

فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة ، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم ، فقال الجارود : أقم على هذا حدّ الله.

فقال عمر : أخصم أنت أم شهيد؟

فقال شهيد.

فقال : قد أديت شهادتك.

ثم غدا الجارود على عمر فقال :

أقم على هذا حدّ الله.

فقال عمر :

ما أراك إلا خصماً وما شهد معك إلا رجل واحد.

١٣٧

فقال الجارود : أنشدك الله.

فقال عمر : لتمسكن لسانك أو لأسوانك.

فقال : يا عمر ما ذالك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني.

فقال ابو هريرة : يااميرالمؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الواليد فأسألها ـ وهي امرأة قدامة ـ فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها.

فقال عمر لقدامة : إني حادّك ، فقال قدامة :

لوشربت كما تقول ما كان لكم أن تحدّني.

فقال عمر : لم؟

قال قدامة : قال الله عزوجل : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناح فيما طعموا ... ) الآية.

فقال عمر : أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ماحرّم الله ، ثم أقبل عمر على الناس فقال :

ماترون في جلد قدامة؟

فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً. فسكت على ذلك أيّاماً ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال : ما ترون في جلد قدامة. فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً.

فقال عمر : لأن يلقى الله تحت السياط أحب إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي ، ائتوني بسوط تام. فأمر به فجلد (١).

هذه قصة قدامة ، وإقامة الحد عليه ، وتأويله فيما ارتكبه ، ولم نوردها لنحط من كرامته ، أو نطعن عليه في دينه ، فله شرف الهجرة

__________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة : ٣/٢٢٨.

١٣٨

والسبق ، ولكنّا ذكرناها ليتضح لنا عدم صحة ما يقولون ، بعدم مؤاخذة المتأول ، وإن خالف الإجماع ، وما هو معلوم بالضرورة كقضيّة أبي الغادية وقتله لعمار بن ياسر مع اعترافه بأن ما ارتكبه جريمة توجب دخول النار.

وهناك جماعة من الصحابة تأوّلوا فأخطأوا ، فلم يدرأ تأويلهم الحد لوقوعهم في الخطأ. منهم :

أبو جندل ، وضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور فقد وجدهم أبوعبيدة قد شربوا الخمر فأنكر عليهم. فقال أبو جندل :

( ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا ... ) الآية ، ولم ينفعهم ذلك وأقام عليهم الحد.

فأين العدالة من إقامة عليهم الحد.

وكان عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر بمصر فأقام الحد عليه عمرو بن العاص إلى كثير من ذلك (١).

* * *

سياسة عمر تجاه بعض الصحابة

وهذا عمر بن الخطاب لم يثبت العدالة لأبي هريرة عندما استعمله على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر :

استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ الله ، وعدو كتابه.

فقال أبوهريرة :

لست بعدوّ الله ، ولا عدوّ كتابه ، ولكن عدوّ من عاداهما.

__________________

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ١/٦٠٢ـ ٠٥

١٣٩

فقال عمر : من أين لك؟

قال : خيل نتجت ، وغلّة ، ورقيق لي ، وأعطية تتابعت (١).

وفي لفظ ابن عبد ربه :

إنّ عمر دعا أبا هريرة فقال له :

علمت أني استعملتك على البحرين ، وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار قال :

كانت له أفراساً تناتجت ، وعطايا تلاحقت ، قال عمر :

قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأدّه.

قال أبو هريرة : ليس لك ذلك.

قال : بلى أوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال :

ائت بها. قال احتسبتها عند الله.

قال : لو أخذتها من حلال ، وأدّيتها طائعاً ، أجئت من أقصى البحرين تجبي الناس لك لا لله ، ولا للمسلمين؟ مارجعت به أميمة إلا لرعية الحمر ، وأميمة أم أبي هريرة (٢).

هكذا رأينا عمر يقابل أبا هريره بشدّة ، ويتهمه بخيانة أموال المسلمين ، وينسبه لعداء الله ، وعداء كتابه ، ولا يصدقه فيما يدّعيه. ولو كان أبو هريرة عادلاُ في نظر عمر لصدق قوله. ولقال أنت عادل ، أو مجتهد مخطىء ، وكذلك موقف عمر مع خالد بن الوليد في جنايته الكبرى مع مالك بن نويرة.

ويحدثنا البلاذري أن أبا المختار ، يزيد بن قيس ، رفع إلى عمر ابن الخطاب كلمة يشكو بها عمال الأهواز وغيرهم يقول فيه :

__________________

(١) تاريخ ابن كثير : ٨/١١٣.

(٢) العقد الفريد : ١/٢٦.

١٤٠