مجمع البحرين - ج ٦

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٦

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٦

وَفِي الْحَدِيثِ « اللهَ إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ قُلْتُ : نَعَمْ » وظاهر الكلمة التعجب ، وإعرابها يحتمل الجر بإضمار حرف القسم بقرينة قوله بعد ذلك : فاستحلفني ثلاثا.

و ( لا إله إلا الله ) قال الزمخشري ـ نقلا عنه ـ : قد بلغني أن المختار فيها أن يكون أصلها ( الله إله ) ، ثم قدم الخبر فقيل : ( إله الله ) ثم أدخل ( لا ) و ( إلا ) لتحصيل الحصر فصار ( لا إله إلا الله ).

( أمه )

قوله تعالى وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ [ ١٢ / ٤٥ ] على قراءة ابن عباس ، أي نسيان. والْأَمَهُ : النسيان. والْأُمَّهَةُ : أصل قولهم ( أم ) والجمع أمهات وأمات.

( أوه )

قوله تعالى ( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [ ٩ / ١١٤ ] الْأَوَّاهُ فعال بالفتح والتشديد من أوه وهو الذي يكثر التأوه.

وكل كلام يدل على حزن يقال له التأوه ، ويعبر بالأواه عمن يظهر ذلك خشية لله تعالى.

وقيل أي دعاء.

وقيل : رقيق القلب. وقيل : كثير التأوه والبكاء والدعاء.

وقيل الْأَوَّاهُ : الرحيم ـ بلغة الحبشة.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه‌السلام « أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ ».

أَوْهِ : كلمة توجع ، ويتكلم بها العرب عند الشكاية.

قال الجوهري قولهم : أوه من كذا عند الشكاية ، ساكنة الواو.

وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا : آهْ من كذا.

وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا أَوِّهْ من كذا.

وربما حذفوا الهاء مع تشديد فقالوا أَوِّ من كذا بلا مد ، وبعضهم يقول آوَّهْ من كذا بالمد والتشديد وفتح الواو ساكنة الهاء لتطويل الصوت بالشكاية.

٣٤١

وربما أدخلوا فيه التاء فقالوا أَوَّتَاهُ يمد ولا يمد.

( إيه )

اسم سمي به الفعل ، لأن معناه الأمر يقال للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل « إِيهِ » بكسر الهاء.

قال ابن السكيت : فإن وصلت نونت فقلت إِيهٍ حدثنا ، وإذا أردت التبعيد بإيه قلت : أَيْهاً بفتح الهمزة بمعنى هيهات.

ومن العرب من يقول إيهات ، وهو في معنى هيهات.

وفي كتاب شرح الأبيات : إذا قلت إيه بغير تنوين فكأن مخاطبك كان في حديث ثم أمسك فأمرته بالشروع في الحديث الذي كان فيه ، أي هات الحديث ، فإذا قلت إيه بالتنوين فكأنك أمرته ابتداء بأن يحدث حديثا ما ، أي هات حديثا.

وفي الغريبين إيها : تصديق كأنه قال : صدقت

وَفِي الْحَدِيثِ « إِيهاً وَاللهِ » أي صدقت.

ويقال إيها عنا أي كف عنا.

باب ما أوله الباء

( بده )

فِي حَدِيثِ وَصْفِهِ عليه‌السلام « مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ » أي مفاجأة وبغتة.

( بره )

فِي الْحَدِيثِ « شَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءُ بَرَهُوتَ » بالباء الموحدة المفتوحة على الأفصح وقيل بالضم : بئر بحضرموت (٢) تردها هامة الكفار.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى « تَرِدُهُ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ ».

__________________

(١) اسم سمي به الفعل ، لأن معناه الأمر.

(٢) برهوت : واد في ( حضرموت ) فيه بئر يتصاعد منها لهيب الأسفلت مع صوت الغليان وروائح كريهة. واشتهر عنها : أن أرواح الكفار تجتمع في هذه البئر وتصيح في الليل من الألم قائلة : يا دومة!.

٣٤٢

والْبُرْهَةُ بضم الموحدة وفتحها : المدة الطويلة ، يقال : أتى عليه بُرْهَةٌ من الدهر بالوجهين ، أي مدة طويلة وزمان كثير والجمع برهات كغرفة وغرفات.

وأَبْرَهَةُ : ملك من ملوك اليمن ، وهو أَبْرَهَةُ بن الحارث.

وأَبْرَهَةُ بن الصباح أيضا : ملك من ملوك اليمن.

وكذا أبرهة الأشرم ، وهو أبو يكسوم صاحب الفيل.

وَفِي الْحَدِيثِ « كَانَ بَرْهَةُ نَصْرَانِيّاً » وفي نسخة برية بالباء الموحدة والراء المهملة ثم الياء المثناة من تحت.

وَفِي الْكَافِي بَرْهَةُ بِالْهَاءِ بَدَلُ الْيَاءِ : عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ عَلَى يَدِ أَبِي الْحَسَنِ عليه‌السلام.

وبُرَيْهَةُ : اسم رجل نصراني وكتابه الإنجيل.

( بله )

فِي الْخَبَرِ « أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ » الْبُلْهُ جمع الْأَبْلَهِ وهو الذي فيه البله بفتحتين يعني الغفلة ، والمراد الغافل عن الشر المطبوع على الخير.

وقيل : الْبُلْهُ هنا هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس لأنهم غفلوا عن دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا أنفسهم بها واستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنة ، فأما الْأَبْلَهُ الذي لا عقل له فليس بمراد.

يقال بَلِهَ الرجل يَبْلَهُ بَلَهاً من باب تعب : ضعف عقله فهو أَبْلَهُ ، والأنثى بَلْهَاءُ والجمع بُلْهٌ كأحمر وحمراء وحمر.

قال في المصباح : ومن كلام العرب « خير أولادنا الْأَبْلَهُ الغفول » المعنى أنه لشدة حيائه كالأبله ، نسبة إلى البله مجازا.

وَفِي الْحَدِيثِ « عَلَيْكَ بِالْبَلْهَاءِ! قُلْتُ : وَمَا الْبَلْهَاءُ؟ قَالَ : ذَوَاتُ الْخُدُورِ الْعَفَائِفُ ».

وعيش أبله : قليل الغموم.

و ( بَلْهَ ) : كلمة مبنية على الفتح ، مثل ( كيف ) ومعناها : ( دع ).

٣٤٣

باب ما أوله التاء

( تره )

فِي الْخَبَرِ « مَنِ اغْتَابَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ غَيْرِ تِرَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ شِرْكُ شَيْطَانٍ » (١) التِّرَةُ : التباعد.

والتُّرَّهَاتُ بضم الفاء وفتح العين : جمع تُرَّهَةٍ بضم التاء وفتح الراء المهملة المشددة وهي الباطل قاله في شمس العلوم.

ومن أمثال العرب « أخذنا في ترهات البسابس » قال الأصمعي : التُّرَّهَاتُ : الطرق الصغار المتشعبة من الطريق الأعظم ، والبسابس : جمع بسبس وهو الصحراء الواسعة لا شيء فيها ، والمعنى : أخذنا في غير القصد والطريق الذي ينتفع بالذهاب فيه كقولهم « يتعلل بالأباطيل ».

( تفه )

فِي الْحَدِيثِ « إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ » أي باليسير الحقير.

( تيه )

قوله تعالى ( يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ) [ ٥ / ٢٦ ] أي يحارون ويضلون.

يقال تَاهَ في الأرض : ذهب متحيرا يتيه تيها وتيهانا ، وهو أتيه الناس.

وتَاهَ أي تكبر ، ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه‌السلام « مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ! وَأَحْسَنُ مِنْهُ تِيهُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ اتِّكَالاً عَلَى اللهِ ».

والتِّيهُ : المفازة يتاه فيها.

__________________

(١) الظاهر : أن الترة في الحديث ـ بكسر التاء وفتح الراء ـ بمعنى الوتر وهو الظلم والحيف. والموتور : من ظلم حقه. والتاء في آخر الكلمة عوض عن الواو المحذوفة من أولها كما في ( عدة ) وهذا المعنى يناسب مفاد الحديث. فإن للغيبة في صورة الظلم مندوحة. أما التره بمعنى الكلام الباطل فلا يصلح مندوحة لجواز الاغتياب.

٣٤٤

وَ ( مُوسَى عليه‌السلام ) مَاتَ فِي التِّيهِ ، فَصَاحَ صَائِحٌ مِنَ السَّمَاءِ : « وَأَيُّ نَفْسٍ لَا تَمُوتُ؟! ».

باب ما أوله الجيم

( جبه )

قوله تعالى ( فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ ) [ ٩ / ٣٥ ] الآية. الْجَبْهَةُ من الإنسان تجمع على جباه ككلبة وكلاب.

وعن الخليل : هي مستوى ما بين الحاجبين إلى الناصية.

وعن الأصمعي : هي موضع السجود.

ورجل أَجْبَهٌ : عظيم الجبهة. وامرأة جَبْهَاءُ.

قال الجوهري : و ( الْجَبْهَةُ ) جبهة الأسد ، وهي أربعة أنجم ينزلها القمر.

وجَبَهَهُ كمنعه : ضرب جبهته ورده.

( جوه )

الْجَاهُ القدر والمنزلة ، ومنه فلان ذو جاه.

باب ما أوله الدال

( دله )

فِي الْحَدِيثِ « أَنَ الْمُدَلَّهَ لَيْسَ عِتْقُهُ بِعِتْقٍ » الْمُدَلَّهُ : الباذل ما عنده من ماله وكذلك إذا لم يقدر على ضبط نفسه ، والتَّدَلُّهُ : ذهاب العقل من الهوى ، يقال دَلَّهَهُ الحب أي حيره وأدهشه.

( ده )

فِي الْحَدِيثِ « دَهْ وَدَوَازْدَهْ » كلمتان عجميتان. والمراد : عشرة من العدد واثنا عشر.

ودَهْدَهْتُ الحجر فَتَدَهْدَهَ أي دحرجته فتدحرج.

٣٤٥

باب ما أوله الراء

( رده )

الرَّدْهَةُ هي النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه‌السلام فِي ذِي الثُّدَيَّةِ « شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ » وَحَدِيثُهُ فِي مُعَاوِيَةَ « أَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَيْحَةٍ لَمَّا انْهَزَمَ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ وَأَخْلَدَ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ ».

( رفه )

فلان في رَفَاهِيَةٍ من العيش أي سعة ورفاهية. والْإِرْفَاهُ : التدهن والترجيل كل يوم.

باب ما أوله السين

( سته )

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه‌السلام « الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّتَةِ » قال الشارح : وهذه من الاستعارات العجيبة ، كأنه شبه السته بالوعاء ، والعين بالوكاء ، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء.

قيل : وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين ع

وَرُوِيَ « الْعَيْنُ وِكَاءُ السِّتِ » بالتاء على حذف لام الفعل.

والسَّتَهُ : الِاسْتُ ، والاست : العجز ، وقد يراد به حلقة الدبر.

وَيُرْوَى : « وِكَاءُ السَّهِ » بحذف العين وأصله سَتَهَ على فعل بالتحريك ، والجمع : أَسْتَاهٌ مثل جمل وأجمال وسبب وأسباب.

( سفه )

قوله تعالى ( إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) [ ٢ / ١٣٠ ] أي أهلكها وأوبقها ، أي صارت سفيهة.

٣٤٦

ويقال سفه في نفسه ، فلما سقط حرف الخفض نصب ما بعده.

قوله ( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ) [ ٢ / ٢٨٢ ] قوله ( سَفِيهاً ) أي جاهلا ( أَوْ ضَعِيفاً ) أي أحمقا ، والجاهل الجاهل بالأحكام ، ولو كان جاهلا في أحواله ما جاز له أن يداين.

والسَّفِيهُ : المبذر وهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة ، أو ينخدع في المعاملة.

وفسر السَّفِيهُ أيضا بمن يستطيل على من دونه ويخضع لمن فوقه.

ولو فسر السَّفِيهُ بالذي لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه لم يكن بعيدا.

قوله ( سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ) [ ٢ / ١٤٢ ] الآية يعني بهم اليهود الجهلاء

وفي كلام بعض الأعلام في هذه الآية : السُّفَهَاءُ خفاف العقول الذين ألفوا التقليد ، وأعرضوا عن النظر.

قال : وأتى بالفعل الاستقبالي إخبارا عما يجيء إعدادا للجواب ، إذ قبل : الرمي يراش السهم ، أو لتوطين النفس على المكروه لأن المفاجأة به شديدة.

قوله ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) [ ٤ / ٥ ] قال الشيخ أبو علي : أي لا تعطوا السفهاء ، وهم الذين ينفقون الأموال فيما لا ينبغي من النساء والصبيان والمبذرين ( أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) تقومون بها وتنتعشون بها (١).

والسَّفَهُ : ضد الحلم.

وسَفُهَ فلان بالضم سَفَاهاً وسَفَاهَةً ، وسَفِهَ بالكسر سَفَهاً لغتان أي صار سفيها.

قال الجوهري : فإذا قالوا سفه نفسه وسفه رأيه لم يقولوا إلا بالكسر لأن فعل لا يكون متعديا.

( سنه )

قوله تعالى ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ) [ ١٨ / ٢٥ ] نصب سنين على أنه عطف بيان من ثلاثمائة.

قال الزمخشري : قال أبو إسحاق : فلو انتصب سنين على التميز لوجب أن

__________________

(١) الشيخ الطبرسي : جوامع الجامع ص ٧٩.

٣٤٧

يكونوا قد لبثوا تسعمائة (١) ـ انتهى.

وقوله ( ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ ) مضافا ، على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كما قال سبحانه ( بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ) [ ١٨ / ١٠٣ ].

قوله ( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ ) [ ٧ / ١٢٩ ] أي بالجدب وقلة الأمطار والمياه.

يقال أَسْنَتَ القوم : إذا قحطوا.

والسَّنَةُ بالتحريك : الجدب وهي من الأسماء الغالبة كالدابة في الفرس.

وسَنَةٌ سنهاء : لا نبات فيها ولا مطر. والسَّنَةُ أيضا : واحد السنين.

وفي نقصانها قولان ( أحدهما ) حذف الواو ، أصله ( سنوة ) لأنك تقول في الجمع سنوات.

و ( الثاني ) الهاء ، وأصلها ( السنهة ) مثل الجبهة لأنها من سنهت النخلة وتسنهت إذا أتت عليها السنون.

ونخلة سَنْهَاءُ وهي التي تحمل سنة ولا تحمل أخرى.

قوله ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) [ ٢ / ٢٥٩ ] يجوز بإثبات الهاء وإسقاطها من الكلام ، فمن قال « سانهت » فالهاء من أصل الكلمة. ومن قال « سانيت » فالهاء لبيان معنى الحركة.

ومعنى ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) : لم يتغير بمر السنين عليه من الآسن : المتغير ، أو لم يَتَسَنَّنْ أي لم يتغير من قوله ( حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) [ ١٥ / ٢٦ ] أي متغير فأبدلوا النون من ( يتسنن ) هاء كما قالوا « تظنيت » (٢).

__________________

(١) نظرا إلى أن « سنين » ـ وهو جمع وأقله ثلاثة ـ لو كان تميزا للثلاثمائة ، لكان الجمع هو المعدود المكرر بهذا العدد ، أي ثلاثمائة ( ثلاث سنين ) أو ثلاثمائة ( جمع من السنين ).

(٢) بإبدال النون الثاني ياء.

٣٤٨

باب ما أوله الشين

( شبه )

قوله تعالى ( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) [ ٢ / ١١٨ ] أي أشبه بعضها بعضا في الكفر والفسق.

قوله ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) [ ٢ / ٢٥ ] أي يشبه بعضه بعضا في الجودة والحسن.

ويقال يَشْبَهُ بعضه بعضا في الصورة ، ويختلف في الطعم.

وقوله ( كِتاباً مُتَشابِهاً ) [ ٣٩ / ٢٣ ] أي يشبه بعضه بعضا ، ويصدق بعضه بعضا لا يختلف ولا يتناقض.

قوله ( مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ) [ ٦ / ٩٩ ] قيل مشتبه بالنظر ، وغير متشابه في الألوان والطعوم وقيل منه حلو ومنه حامض.

قوله ( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) [ ٣ / ٧ ] أي متماثلات أي بعضها يماثل بعضا من قولهم هذا شِبْهُ هذا أي شبيهه ومثيله ، وقولهم : بينهما شِبْهٌ وشَبَهٌ بالتحريك أي مماثلة ، وفسروا الشبه بكل لون لا يخالف معظم لون صاحبه.

ومنه يعلم المحكم لأنه مقابل المتشابه وأن الظواهر القرآنية داخلة فيه كما عليه الاتفاق من الكل ، فبطل قول مدعي خلاف ذلك.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَى لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ » قال بعض الشارحين : فيه دلالة على وجوب تجنب الشبهات من حيث إن الوقوع فيها مستلزم للوقوع في المحرم ، والوقوع في الحرام حرام فما هو السبب في الوقوع أيضا حرام ، وكأن المراد من الوقوع في الشبهات : التكاثر منها والله أعلم ، وقد مر توجيه الحديث أيضا في ( وقع ).

وسمي الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق.

والْمُشْتَبِهَاتُ من الأمور : المشكلات والشبيه ككريم.

٣٤٩

وشَبَّهْتُ الشيء بالشيء : أقمته مقامه بصفة جامعة بينهما ، ومنه الْمُشَابَهَةُ وهي المشاركة في معنى من المعاني ، وتكون الصفة ذاتية ومعنوية فالذاتية نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم ، والمعنوية نحو زيد كالأسد ، وقد تكون مجازا نحو الغائب كالمعدوم.

واشْتَبَهَتِ الأمور وتَشَابَهَتْ : التبست فلم تتميز ولم تظهر ، ومنه اشتباه القبلة ونحوها.

وشَبَّهْتُ عليه تَشْبِيهاً مثل لبست عليه وزنا ومعنى.

والشَّبَهُ بفتحتين : ما يشبه الذهب بلونه من المعادن وهو أرفع من الصفر.

( شده )

شُدِهَ الرجل فهو مَشْدُوهٌ : دهش.

( شره )

الشَّرَهُ : طلب المال مع عدم القناعة ، ومنه حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام « مَا بِي شَرَهٌ وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِيَ اللهُ مُتَعَرِّضاً لِفَوَائِدِهِ ».

وشَرِهَ كفرح : غلب حرصه.

( شفه )

قوله تعالى ( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ ) [ ٩٠ / ٩ ] الشَّفَةُ بالفتح من الإنسان مخففة ، ولامها محذوفة والهاء عوض عنها ، قيل والجمع شَفَهَاتٌ وشَفَوَاتٌ.

وأنكر الجوهري أصالة الواو حيث قال : الشَّفَةُ أصلها شفهة لأن تصغيرها شفيهة ، والجمع شفاه بالهاء. مقتصرا على ذلك.

ولا تكون الشفة إلا للإنسان.

وأما غيره من ذي الخف فيقال فيه « الْمَشْفَرُ » بفتح الميم وكسرها و « الْجَحْفَلَةُ » من ذي الحافر و « الْمِقَمَّةُ » من ذي الظلف و « الْخُرْطُومُ » من السباع.

ويقال « له في الناس شَفَةٌ » أي ثناء حسن.

و « ما كلمته ببنت شَفَةٍ » أي بكلمة.

والْمُشَافَهَةُ : المخاطبة من فيك إلى فيه.

والحروف الشَّفَوِيَّةُ : الباء والفاء والميم.

٣٥٠

( شوه )

فِي الدُّعَاءِ « وَلَا تُشَوِّهْ خَلْقِي فِي النَّارِ » أي لا تقبح خلقي بها.

وَفِي الْحَدِيثِ « سُئِلَ عليه‌السلام عَنِ الْمُشَوَّهِينَ فِي خَلْقِهِمْ؟ قَالَ : هُمُ الَّذِينَ يَأْتِي آبَاؤُهُمْ نِسَاءَهُمْ فِي الطَّمْثِ ».

ورجل أَشْوَهُ : قبيح المنظر ، وامرأة شَوْهَاءُ ، والجمع شُوهٌ مثل أحمر وحمراء وحمر.

والشَّوَهُ : قبح الخلقة ، وهو مصدر من باب تعب.

وشَاهَتِ الوجوه تَشُوهُ شَوْهاً : قبحت.

وشَوَّهْتُهَا : قبحتها.

وشَوَّهَهُ الله : قبحه ، فهو مشوه.

والشَّاةُ من الغنم : تقع على الذكر والأنثى ، والجمع شِيَاهٌ بالهاء.

و ( شَهْ شه ) كلمة استقذار واستقباح ومنه قَوْلُهُ عليه‌السلام « شَهْ شَهْ تِلْكَ الْخَمْرَةُ الْمُنْتِنَةُ ».

و ( شَاهْ زنان ) أم علي بن الحسين عليه‌السلام ، ومعناه في العجمية ( سلطانة النساء ) (١).

وَفِي حَدِيثِ صَاحِبِ الشَّاهَيْنِ « مَاتَ وَاللهِ شَاهُهُ قُتِلَ وَاللهِ شَاهُهُ ».

قال بعض الشارحين : لا يخفى ما في هذا الحديث من الإغماض ، والذي يخطر في البال : أن الشاه المذكور هنا عبارة عن شيء يتقامر فيه ، يسمى بهذا الاسم ، يضاف إلى المتقامرين ، فحين يقع النزاع بينهما ويريد الآخر إثبات ما يدعيه باليمين يقول هذا القول ، وهو في الحقيقة لا ينبغي أن يستعمل إلا فيمن له السلطنة والغلبة ، وهو الله تعالى. فعلى هذا ينبغي رفع شاهه في قَوْلِهِ « وَاللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ شَاهُهُ

__________________

(١) اسْمهَا : ( شهربانو ) بِنت يَزدجرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ پرويز بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِيرَوَانُ ـ الْمَلِكِ الْعَادِلِ ـ أَسَرَّهَا وَأُخْتَهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ فَتَحَ خُرَاسَانَ وَأَرْسِلْهُمَا إِلَى عُثْمَانَ ، فَزَوَّجَ إحديهما مِنْ الْإِمَامِ السِّبْطِ الْأَكْبَرِ الحَسنِ الْمُجْتَبَى عليه‌السلام وَالْأُخْرَى مِنْ الْإِمَامِ السِّبْطِ الْأَصْغَرُ الحسين عليه‌السلام لَكِنها توفيتْ فِي نِفَاسِهَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ الْإِمَامِ السَّجَّادِ عليه‌السلام.

٣٥١

مَا مَاتَ وَلَا قُتِلَ » على أنه خبر مبتدإ محذوف أي هو شاهه لا غير ، فكيف ينسب إليه الموت والقتل.

وشَاهْتَرَجُ (١) نافع ورقه وبذره للجرب والحكة أكلا وشربا قاله في القاموس.

باب ما أوله الصاد

( صه )

صَهْ بنيت على السكون ، وهي كلمة زجر يستوي فيها الواحد مع غيره ، ومعناه اسكت ، فإذا نونت تكون للتنكير وإذا ترك تكون للتعريف.

باب ما أوله العين

( عته )

الْمَعْتُوهُ : الناقص العقل.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمَعْتُوهُ الْأَحْمَقُ الذَّاهِبُ الْعَقْلِ ».

وقد عَتِهَ عَتَهاً من باب تعب وعَتَاهاً بالفتح : نقص عقله من غير جنون أو دهش. وعُتِهَ بالبناء للمفعول عَتَاهَةً بالفتح وعَتَاهِيَةً بالتخفيف فهو مَعْتُوهٌ : بين العته.

وأبو الْعَتَاهِيَةِ (٢) ككراهية قال في

__________________

(١) معرب ( شاترة ) تستعمل عصارته في علاج الحكة. له طعم مر شديد. يقوي المعدة والكبد. ويدر البول ويسهل الأخلاط ولا سيما السوداء. ويصفي الدم ويبعث على الاشتهاء.

(٢) هو : إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان. ولد بعين التمر سنة ١٣٠ ه‍

٣٥٢

القاموس هو لقب أبي إسحق إسمعيل بن أبي القاسم بن سويد لا كنيته ، ووهم الجوهري.

وفي ( ميزان الاعتدال ) : المعتبر عند العامة إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية : شاعر زمانه حدث عن مالك بحديث منكر.

( عضه )

الْعِضَةُ : القطعة من الشيء ، وجزء منه ولامها محذوفة ، والأصل عضوة.

ومنهم من يقول : اللام المحذوفة هاء ، وربما تثبت مع التأنيث ، فتقول عضهة

__________________

ونشأ في الكوفة. وكان يصطنع الجرار ويحملها في قفص على ظهره ويدور في شوارع الكوفة وأزقتها ويبيع منه. ولكنه أحس من حداثته بقدرة على النظم. وكان الشعر يومئذ ديوان الناس وموضع أحاديثهم. وحيثما اجتمعوا تناشدوه وتذاكروا فيه. فاتفق يوما وهو يدور بقفص الجرار أنه مر بفتيان جلوس يتذاكرون الشعر. فسلم عليهم ووضع القفص واستجازهم في الشعر لكنهم استهزءوا به أول مرة. ولما وقفوا على نظمه الرائع خجلوا ، وطار أمره وشاع صيته ، فجعلت أدباء الكوفة وطلاب الشعر من فتيانها يأتونه إلى دكانه يستنشدونه فينشدهم أشعاره. فيأخذون ما تكسر من الخزف فيكتبونها فيه.

ثم وفد على بغداد في أول خلافة المهدي العباسي وتقرب لديه. وكان المهدي يكرمه ويقدمه حتى أحرز نفوذا عظيما عنده.

ولما توفي المهدي خلفه الهادي ، وكان واجدا عليه لأنه كان يلازم أخاه الرشيد ، فهنأه أبو العتاهية بقصيدة يتقرب بها إليه فأذن بإدخاله. ولم تطل مدة الهادي فخلفه الرشيد. وكان أبو العتاهية قد عاهد نفسه ألا يقول شعرا فأجبره الرشيد على القول فأطاعه ، فحظي عنده حظوة كبيرة ، حتى كان لا يفارقه في حضر ولا سفر وعين له راتبا مقداره ٠٠٠ ر ٥٠ درهم سوى الجوائز منه ومن أمرائه ووزرائه. وأخباره كثيرة تجدها في الأغاني ج ٣ ص ١٢٦ وج ٦ ص ١٨٦ وج ٨ ص ٢٤.

٣٥٣

كعنته : والجمع عضون على غير القياس مثل سنين.

والْعِضَاه ككتاب من شجر الشوك كالطلح والسلم والسدر والسمر والقتاد والعوسج ، واستثنى بعضهم القتاد والسدر فلم يجعله من العضاه.

( عمه )

قوله تعالى ( يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) [ ٢ / ١٥ ] أي يتحيرون ويترددون.

يقال عَمِهَ في طغيانه عَمَهاً من باب تعب : إذا تردد متحيرا ، ومنه « رجل عَامِهٌ » وعَمِهٌ أي متحير جائر عن الطريق ، فالعمه في الرأي خاصة.

( عوه )

فِي الْحَدِيثِ « بِظَهْرِ الْكُوفَةِ قَبْرٌ لَا يَلُوذُ بِهِ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا شَفَاهُ اللهُ تَعَالَى » أي آفة من الوجع.

وفِيهِ « لَمْ يَزَلِ الْإِمَامُ مُبَرَّأً مِنَ الْعَاهَاتِ » أي هو مستوي الخلقة من غير تشويه.

باب ما أوله الفاء

( فره )

قوله تعالى ( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ) [ ٢٦ / ١٢٩ ] وقرئ فرهين فمن قرأ فرهين فهو من ( فَرِهَ ) بالكسر : أشر وبطر ، ومن قرأ ( فارِهِينَ ) فهو من ( فَرُهَ ) بالضم أي حذق أي حاذقين.

والْفَارِهُ : الحاذق بالشيء.

وفَرِهَ الدابة وغيره يَفْرَهُ من باب تعب ـ وفي لغة من باب قتل ـ وهو النشاط والخفة.

ويقال للبرذون والبغل والحمار : فَارِهٌ إذا كان بين الفروهة والفراهة.

وفلان أَفْرَهُ من فلان أي أصبح.

وجارية فَرْهَاءُ أي حسناء ، وجوار فُرْهٌ مثل حمراء وحمر.

٣٥٤

ودابة فَارِهَةٌ أي نشيطة قوية.

قال الأزهري ـ نقلا عنه ـ : ولم أرهم يستعملون هذه اللفظة في الحرائر ، ويجوز أن يكون خص الإماء بهذه اللفظة كما خص البراذين والبغال والهجن بالفاره دون أعراب الخيل ، فلا يقال في العربي فاره بل جواد.

وَفِي الْحَدِيثِ « اسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ ».

أي استحسنوها ، وفي نسخة « استغرموا » أي استقرضوا.

( فقه )

قوله تعالى ( وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) [ ١٧ / ٤٤ ] أي لا تفهمونه من قولهم فَقِهْتُ الكلام : إذا فهمته ، ومنه سمي الفقيه فقيها.

يقال فَقِهَ الرجل بالكسر يَفْقَهُ فِقْهاً من باب تعب : إذا علم.

وفَقُهَ بالضم مثله ، وقيل : الضم إذا صار الفقه له سجية.

وفلان لا يَفْقَهُ أي لا يفهم.

ثم خص به ( علم الشريعة ).

قال بعض الأعلام : الْفِقْهُ هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، ويسمى العلم بالأحكام فقها ، والْفَقِيهُ : الذي علم ذلك واهتدى به إلى استنباط ما خفي عليه ـ انتهى.

وقد فَقُهَ بالضم فَقَاهَةً ، وفَقَّهَهُ الله ، وتَفَقَّهَ : إذا تعاطى ذلك.

وفَاقَهْتُهُ : إذا باحثته في الفقه.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثاً بَعَثَهُ اللهُ فَقِيهاً عَالِماً » قال بعض الشارحين : ليس المراد به الفقه بمعنى الفهم فإنه لا يناسب المقام ، ولا العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية فإنه مستحدث ، بل المراد البصيرة في أمر الدين ، والفقيه أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى ، فالفقيه هو صاحب البصيرة ، وإليها أَشَارَ صلى‌الله‌عليه‌وآله بِقَوْلِهِ « لَا يَفْقَهُ الْعَبْدُ كُلَ الْفِقْهِ حَتَّى يَمْقُتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللهِ ، وَحَتَّى يَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهاً كَثِيرَةً ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهَا أَشَدَّ مَقْتاً ».

ثم قال : هذه البصيرة إما موهبية وهي التي دعا بها النبي صلى الله عليه وآله

٣٥٥

لأمير المؤمنين عليه‌السلام حين أرسله إلى اليمن حيث قَالَ : « اللهُمَ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ » أو كسبية وهي التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قَالَ لِوَلَدِهِ الْحَسَنِ عليه‌السلام « وَتَفَقَّهْ يَا بُنَيَّ فِي الدِّينِ » ـ انتهى كلامه.

ولا يخفى أن ما أراده من معنى الْفِقْهِ لا يخلو من غموض ، ولعل المراد منه ( علم الشريعة ) كما نبه عليه الجوهري فيكون المعنى حينئذ من حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما يحتاجون إليه في أمر دينهم وإن لم يكن فقيها عالما بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما داخلا في زمرة العلماء الفقهاء. وثوابه كثوابهم بمجرد حفظ تلك الأحاديث ، وإن لم يتفقه في معانيها.

وقد تكرر في الحديث « الأمر بِالتَّفَقُّهِ في دين الله » والمراد به على ما قرره بعض الشارحين : هو أن سائر الأفعال التي أوجبها الله تعالى كالوضوء ، والغسل ، والصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر يجب على الخلق طلب العلم بها.

وأما الأحكام الشرعية الوضعية كحكم الشك في عدد الركعات ، وحكم من زاد على سجدة سهوا ، وأحكام البيع ، والميراث والديات ، والحدود ، والقصاص ، والاقتضائية التي هي تحريم بعض الأفعال كحرمة الغيبة ، وشرب الخمر وغير ذلك فإنما يجب طلب العلم عند الحاجة إليها.

( فكه )

قوله تعالى ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) [ ٥٦ / ٦٥ ] أي تعجبون ، ويقال تندمون من تفكه : تندم.

قوله تعالى ( وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ ) [ ٤٤ / ٢٧ ] أي ناعمين وقُرِئَ فَكِهِينَ أي أشرين ، ويقال فَاكِهُونَ وفَكِهُونَ بمعنى ، أي معجبون بما أصابكم وتقولون : إنا لمغرمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك.

ويقال ( فَاكِهُونَ ) للذين عندهم فاكهة كثيرة كما يقال ( رجل لابن ) و ( تامر ) أي ذو لبن وتمر كثير.

٣٥٦

قوله ( وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ) [ ٨٣ / ٣١ ] قال الشيخ أبو علي قرأ أبو جعفر وحفص : ( فَكِهِينَ ) بغير ألف والباقون : فاكهين والمعنى : إذا رجع هؤلاء الكفار إلى أهلهم رجعوا معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم.

قوله ( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) [ ٥٥ / ٦٨ ] الفاكهة : ما يتفكه به الإنسان أي يتنعم بأكله رطبا كان أو يابسا ، كالزبيب والرطب والتين والبطيخ والرمان.

قال بعض اللغويين : وإنما خصه بالذكر لأن العرب تذكر الأشياء مجملة ثم تختص منها شيئا بالتسمية ، تنبيها على فضل فيه ، كقوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) [ ٣٣ / ٧ ].

قال الأزهري ـ نقلا عنه ـ : ولم نعلم أن أحدا من العرب قال النخل والرمان ليسا من الفاكهة ، ومن قال ذلك من الفقهاء فلجهله بلغة العرب وبتأويل القرآن.

( فوه )

قوله تعالى ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) [ ١٤ / ٩ ] أي فعضوها غيظا مما جاء به الرسل.

والْأَفْوَاهُ : جمع فوه كسبب وأسباب.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه‌السلام « إِنْ جَامَعْتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَكَانَ بَيْنَكُمَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطِيباً قَوَّالاً مُفَوَّهاً » كأنه أراد منطيقا.

وأفواه الأزقة والأنهار ، واحدتها فوهة بتشديد الواو ، قاله الجوهري.

وكلمته فاه إلى فِيَ أي مشافها.

وما فُهْتُ بكلمة ، وما تفوهت بمعنى أي ما فتحت فمي به.

( فهه )

الْفَهَّةُ والْفَهَاهَةُ : العي.

يقال رجل فه وامرأة فهة.

وفَهِهْتَ بالكسر يا رجل فَهَهَاً أي عييت ـ قاله الجوهري.

٣٥٧

باب ما أوله القاف

( قهقه )

الْقَهْقَهَةُ : الضحك ، وهي أن يقول الإنسان « قه قه ».

وقَهَ وتَقَهْقَهَ بمعنى. وقَهَ قَهّاً (١) من باب ضرب : ضحك وقال في ضحكه ( قه ) بالسكون فإذا كرر قيل : قه قه قهقهة كدحرج دحرجة.

( قوه )

فِي الْحَدِيثِ « دَعَا بِقَمِيصٍ قُوهِيٍ » هي ضرب من الثياب بيض نسبة إلى ( القوهاء ) بالضم : كور بين نيسابور وهراة.

باب ما أوله الكاف

( كره )

قوله تعالى ( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) [ ٤ / ١٨ ] وقرئ بالضم وهما لغتان بمعنى المكروه ، كاللفظ بمعنى الملفوظ.

وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا لِيَرِثَهَا مَا وَرِثْتَ مِنْ أَبِيهِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ أَيْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ كَارِهَاتٍ لِذَلِكَ أَيْ مَكْرُوهَاتٍ عَلَيْهِ.

وَفِي نَقْلٍ آخَرَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ عَنِ امْرَأَةٍ أَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي لِيَرِثَهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وفعلته كَرْهاً بالفتح أي إكراها ،

__________________

(١) وزان : « مد مدا ».

٣٥٨

وعليه قوله تعالى ( طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ) [ ٩ / ٥٣ ] فقابل بين الضدين.

قال الزجاج ـ نقلا عنه ـ : كل ما في القرآن من الكره بالضم فالفتح فيه جائز إلا في سورة البقرة في قوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) [ ٢ / ٢١٦ ].

قوله فَكَرِهْتُمُوهُ [ ٤٩ / ١٢ ] أي فتحقق بوجوب الإقرار عليكم كراهتكم له ونفور طاعتكم منه فأكرهوا ما هو نظيره من الغيبة.

قوله ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) [ ١٦ / ١٠٦ ] قال المفسر : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ) مستثنى من قوله ( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ) [ ١٦ / ١٠٦ ].

قِيلَ : وَمِمَّنْ أُكْرِهَ ( عَمَّارٌ ) وَأَبُوهُ ( يَاسِرٌ ) وَ ( سُمَيَّةُ ) وَ ( بِلَالٌ ) وَ ( خَبَّابٌ ) حَتَّى نُقِلَ « أَنَّ عَمَّاراً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ : مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ : شَرٌّ يَا رَسُولَ اللهِ مَا تَرَكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ : إِنْ عَادُوا لَكَ فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ » (١).

ثم قال المفسر : وقد قسم أصحابنا التقية إلى ثلاثة أقسام :

الأول حرام ، وهو في الدماء فإنه لا تقية فيها لأنها إنما وجبت حقنا للدم فلا تكون سببا في إباحته.

والثاني مباح ، وهو في إظهار كلمة الكفر فإنه يباح الأمران ، استدلالا بقصة عمار وأبويه ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صوب الفعلين معا على ما نقل.

الثالث واجب ، وهو فيما عدا هذين القسمين ، للدلالة على ذلك مع إجماع الطائفة هذا مع تحقق الضرر ، أما إذا لم يتحقق يكون الفعل مباحا ومستحبا.

وكَرِهَ الأمر كَرَاهَةً فهو كَرِيهٌ ، مثل قبيح وزنا ومعنى ، وكَرَاهِيَةً بالتخفيف أيضا.

وكَرِهْتُهُ أَكْرَهُهُ من باب تعب كرها وكرها : ضد حببته فهو مكروه.

__________________

(١) جوامع الجامع : الشيخ الطبرسي ص ٢٥٠.

٣٥٩

وفي المصباح الْكَرْهُ بالفتح : المشقة وبالضم : القهر.

وقيل بالفتح الإكراه ، وبالضم المشقة.

وأَكْرَهْتُهُ على الأمر إِكْرَاهاً : حملته عليه كُرْهاً.

وكَرَّهْتُ إليه الشيء تَكْرِيهاً : نقيض حببته إليه.

والْكَرْهُ بالفتح : الإكراه.

والْكُرْهُ بالضم : الكراهة.

وَقَوْلُهُ عليه‌السلام « وَكُلُّ النَّوْمِ يُكْرَهُ » أي يفسد الوضوء.

ومَكْرُوهُ العبادة : ما نهى عنه الشارع لرجحان تركه على فعله على بعض الوجوه ، كالصوم المندوب في السفر ، ولبس الثياب السود في الصلاة ونحو ذلك

( كمه )

قوله تعالى ( وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ) [ ٥ / ١١٠ ] الْأَكْمَهُ بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الميم هو الذي يولد أعمى.

وقد كَمِهَ كَمْهاً من باب تعب فهو أَكْمَهُ ، وامرأة كَمْهَاءُ ، مثل أحمر وحمراء.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَلْعُونٌ مَنْ كُمُّهُ أَعْمَى فَزَادَهُ عَمًى ».

وَفِي الدُّعَاءِ « لَأَكْمَهْتَنِي » أي لأعميتني.

( كنه )

فِي الْحَدِيثِ « مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله الْعِبَادَ بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ » كُنْهُ الشيء : نهايته ولا يشتق منه فعل ، قال الجوهري ويقال أعرفه كُنْهَ المعرفة أي حقيقتها.

وقولهم لا يَكْتَنِهُهُ الوصف بمعنى لا يبلغ كنهه فهو ـ على ما نقل ـ كلام مولد.

٣٦٠