مجمع البحرين - ج ٦

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٦

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٦

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فَلَا يَكُونُونَ آخِذِينَ وَلَا تَارِكِينَ إِلَّا بِإِذْنٍ ».

قال بعض الشارحين : الْإِذْنُ مقارن لحدوث الفعل والترك ، وإن مصداقه الحيلولة أو التخلية ، ومعناه ليس ما شاءوا صنعوا ، بل فعلهم معلق على إرادة حادثة متعلقة بالتخلية أو بالصرف ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ « أَنَّ تَأْثِيرَ السِّحْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِذْنِهِ تَعَالَى ». وكأن السر في ذلك أنه تعالى قال : لا يكن شيء من طاعة أو معصية أو غيرهما كالأفعال الطبيعية إلا بِإِذْنٍ جديد مني فيتوقف في كل حادث على الْإِذْنِ توقف المعلول على شرطه لا توقفه على سببه.

والْآذِنُ بالمد : الحاجب.

وإِذَنْ : حرف مكافأة وجواب ، قال الجوهري : إن قدمتها على الفعل المستقبل نصبت بها لا غير ، وإن أخرتها ألغيت وقلت أكرمك إِذَنْ ، وإن كان الفعل بعدها فعل الحال لم تعمل فيها العوامل الناصبة.

قال : وإذا وقفت على إِذَنْ قلت : إِذَا ، كما تقول زيدا.

وَإِذِ ينُونَةُ : ـ بكسر الذال وسكون الياء المثناة التحتانية ، على ما صح في النسخ ـ : اسْمٌ لِعَابِدِ الْعِجْلِ بِأَمْرِ السَّامِرِيِّ ، وَهُوَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ ذَبَحُوا الْبَقَرَةَ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِذَبْحِهَا ، وَأَخُوهُ مَيْذُونَةُ ، وَابْنُ أَخِيهِ ، وَابْنَتُهُ ، وَامْرَأَتُهُ.

( أسن )

قوله تعالى : ( ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) [ ٤٧ / ١٥ ] أي غير متغير كالآجن المتغير الطعم ، يقال : أَسَنَ الماء أُسُوناً من باب قعد ، ويَأْسِنُ بالكسر أيضا : تغير فلم يشرب فهو آسِنٌ على فاعل.

وأَسِنَ أَسَناً فهو أَسِنٌ مثل تعبا فهو تعب لغة قاله في المصباح.

( أفن )

قوله تعالى ( ذَواتا أَفْنانٍ ) [ ٥٥ / ٤٨ ] أي أغصان.

وَفِي حَدِيثِ النِّسَاءِ « فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى الْأَفَنِ وَعَزْمَهُنَّ إِلَى الْوَهْنِ » الْأَفَنُ

٢٠١

بالتحريك ضعف الرأي ، قاله الجوهري.

وقال غيره الْأَفَنُ : النقص.

ورأي أَفِنٌ ومَأْفُونٌ : ناقص.

والْأَفْيُونُ : لبن الخشخاش ، وهو مأخوذ من الْأَفْنِ ، وهو أن لا يبقي الحالب من اللبن في الضرع شيئا.

( أمن )

قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ ) [ ٤ / ١٣٥ ] الآية قال المفسر : هو خطاب للمسلمين. قوله آمِنُوا أي اثبتوا على الْإِيمَانِ ودوموا عليه.

قوله ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) [ ٢ / ٢٨٣ ] الْأَمَانَةُ ما يُؤْتَمَنُ عليها الإنسان ، وائْتَمَنَهُ على الشيء أَمِنَه ، يقال اؤْتُمِنَ فلان ـ على ما لم يسمّ فاعله ـ فإن ابتدأت به صيرت الهمزة الثانية واوا ، لأن كل كلمة اجتمع في أولها همزتان وكانت الأخرى ساكنة ، فلك أن تصيرها واوا إن كانت الأولى مضمومة أو ياء إن كانت الأولى مكسورة نحو ايتَمَنَهُ ، أو ألفا إن كانت الأولى مفتوحة نحو آمَنَ.

قوله ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ) [ ٣٣ / ٧٢ ] الآية. قيل المراد بِالْأَمَانَةِ : الطاعة ، وقيل العبادة وَرُوِيَ « أَنَّ عَلِيّاً عليه‌السلام كَانَ إِذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ يَتَمَلْمَلُ وَيَتَزَلْزَلُ فَيُقَالُ لَهُ مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين عليه‌السلام فَيَقُولُ : جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، وَقْتُ أَمَانَةٍ عَرَضَهَا اللهُ ( عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ) » وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها : مجاز. وأما حمل الْأَمَانَةِ فهو مثل قولك فلان حامل لِلْأَمَانَةِ ومحتمل لها يريد لا يؤديها إلى صاحبها حتى يخرج عن عهدتها ، لأن الْأَمَانَةَ كأنها راكبة للمؤتمن عليها فإذا أداها لم تبق راكبة له ولم يكن هو حاملا لها ، والمعنى فأبين أن لا يؤدينها ، وأبى الإنسان إلا أن يكون محتملا لها فلا يؤديها.

وفي المجمع : اختلف في معنى عرض الْأَمَانَةِ على أقوال « أحدها » أن المراد العرض على أهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وعرضها عليهم تعريفه إياهم :

٢٠٢

أن في تضييع الْأَمَانَةِ الإثم العظيم وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه فبين تعالى جرأة الإنسان على المعاصي ، وإشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى ) أَهْلِ ( السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ ) من الملائكة والإنس والجن ( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ) أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأثم فيها ، ( وَأَشْفَقْنَ مِنْها ) أي أشفقن (١) أهلهن من حملها ( وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً ) لنفسه بارتكاب المعاصي ( جَهُولاً ) بموضع الْأَمَانَةِ في استحقاق العقاب على الخيانة فيها.

وأَمِنْتُهُ على كذا وائْتَمَنْتُهُ بمعنى.

وقرأ ما لَكَ لا تَأْمَنُنَا عَلى يُوسُفَ [ ١٢ / ١١ ] بين الإدغام والإظهار ، وعن الأخفش : الإدغام أحسن.

قوله ( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) [ ٩ / ٧ ] أي موضع أَمْنِهِ إن لم يسلم.

قوله ( قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) [ ٤٠ / ٢٨ ] قِيلَ اسْمُهُ حِزْبِيلُ مِنْ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ ، وَكَانَ نَجَّاراً لَهُ ، وَهُوَ الَّذِي نَجَرَ التَّابُوتَ لِأُمِّ مُوسَى حِينَ قَذَفَتْهُ فِي الْبَحْرِ ، وَقِيلَ كَانَ خَازِناً لِفِرْعَوْنَ قَدْ خَزَنَ لَهُ مِائَةَ سَنَةٍ وَكَانَ مُؤْمِناً خَالِصاً يَكْتُمُ إِيمَانَهُ فَأَخَذَهُ يَوْمَئِذٍ مَعَ السَّحَرَةِ ، وَقُتِلَ صَلْباً.

قوله ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) [ ٢ / ١٤٣ ] أي صلواتكم والْإِيمَانُ هنا الصلوة.

قوله ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) [ ٤ / ٩٢ ] يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث.

قَوْلُهُ ( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ) [ ٢٩ / ٢٦ ] قِيلَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ.

قوله ( وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) [ ٣٥ / ٩ ] أي الْآمِنِ يعني مكة ، وكان آمِناً قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغار عليها.

قوله ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) [ ٣ / ٩٧ ] أي من العقاب إذا قام بحقوق الله تعالى ، وقيل آمِناً من القتل ، وَقِيلَ

__________________

(١) كذا في النّسخ وفي الأصل. والصّحيح : أشفق.

٢٠٣

إِنَّ مَكَّةَ كَانَتْ أَمْناً قَبْلَ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه‌السلاممِنْ لَدُنْ آدَمَ عليه‌السلام مِنَ الْخَسْفِ وَالزَّلَازِلِ وَالطُّوفَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُهْلِكَاتِ ، وَإِنَّمَا تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِدُعَائِهِ عليه‌السلام وقيل الْأَمَانُ للصيد.

قوله ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) [ ٣٨ / ٣٩ ] جعل الله لسليمان أن يحبس من يشاء من الجن والإنس ويطلق من يشاء. يقال مَنَنْتُ على الأسير : أطلقته.

قوله تعالى ( لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ ) [ ٢ / ٧٨ ] الكتاب التوراة.

وقوله ( إِلَّا أَمانِيَ ) أي إلا ما هم عليه من أَمَانِيِّهِمْ إن الله يعفو عنهم ، ولا يؤاخذهم بخطاياهم.

وقيل إلا أكاذيب مختلقة من علمائهم فقبلوها على التقليد ، كما قال أحدهم هذا شيء رويته أم تمنيته أي اختلقته.

وقيل إلا ما يقرءون من كتاب الله كقول الشاعر :

تمنى كتاب الله أول ليله

قوله ( أَمَنَةً نُعاساً ) [ ٣ / ١٥٤ ] الْأَمَنَةُ : الْأَمْنُ مصدر أَمِنْتُ.

والْأَمَنَةُ أيضا : الذي يثق بكل شيء وكذلك الْأُمَنَةُ كهمزة.

والْأَمْنُ : الْأَمَانُ.

قال تعالى ( لَهُمُ الْأَمْنُ ) [ ٦ / ٨٢ ] أي الْأَمَانُ.

قوله ( وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) [ ١١ / ٤٠ ] قيل يعني نوحا عليه‌السلام قيل كانوا ثمانية وقيل كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة.

قوله ( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) [ ١٠ / ١٠٠ ] ظاهره تحريم الْإِيمَانِ عليها ، ولكن على معنى أَنَّهَا مَا كَانَتْ لِتُؤمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ، وَإِذْنِهِ أَمَرَهُ لَهَا بِالْإِيمَانِ كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الرِّضَا عليه السلام.

والْإِيمَانُ لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل ومنه قوله تعالى ( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) [ ١٢ / ١٧ ].

وشرعا على الأظهر هو التصديق بالله بأن يصدق بوجوده ، وبصفاته ، وبرسله بأن يصدق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ، وبكتبه بأن يصدق بأنها

٢٠٤

كلام الله وأن مضمونها حق ، وبالبعث من القبور والصراط والميزان ، وبالجنة والنار ، وبالملائكة بأنهم موجودون وأنهم ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) ، يسبحون الله بالليل والنهار ( لا يَفْتُرُونَ ) ، مطهرون من أنواع الشهوات من الأكل والشرب والجماع إلى غير ذلك ، مبرءون عن التناسل والتوالد ليسوا بذكور ولا إناث ، بل خلقهم الله تعالى من نور وجعلهم رسلا إلى من شاء من عباده.

وَفِي الْحَدِيثِ ـ وَقَدْ سُئِلَ عليه‌السلام عَنْ أَدْنَى مَا يَكُونُ الْعَبْدُ بِهِ مُؤْمِناً ـ فَقَالَ « يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَيُقِرُّ بِالطَّاعَةِ ، وَيَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ».

والْإِيمَانُ يرد على صيغتين الْإِيمَانُ بالله ، والْإِيمَانُ لله.

فَالْإِيمَانُ بالله هو التصديق بإثباته على النعت الذي يليق بكبريائه.

والْإِيمَانُ لله هو الخضوع والقبول عنه والاتباع لما يأمر والانتهاء لما ينهى.

وَفِي كَشْفِ الْغُمَّةِ عَنِ الصَّادِقِ عليه‌السلام أَنَّهُ قَالَ : « الْإِيمَانُ ثَابِتٌ فِي الْقَلْبِ ، وَالْيَقِينُ خَطَرَاتُ فَمَرَّةً يَقْوَى فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ زُبَرُ الْحَدِيدِ وَمَرَّةً يَصِيرُ كَأَنَّهُ خِرْقَةٌ بَالِيَةٌ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « الْوَسَائِلُ إِلَى اللهِ : الْإِيمَانُ الْكَامِلُ » أي الْإِيمَانُ بالله ورسوله هو أصله ، وباقي الفرائض والسنن كمالات.

وَفِيهِ « لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ » هذا الكلام ونحوه وعيد لا يراد به حقيقة الإيقاع ، وإنما يقصد به الزجر والردع ونفي الفضيلة دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله.

وَفِيهِ « مَنْ صَامَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً فَكَذَا » أي تصديقا بالله وبوعده ، وإيمانا مفعول له ، ويجوز أن ينتصب على الحال ، أي صام مؤمنا ومصدقا ، ويجوز نصبه على المصدر أي صام صوم مُؤْمِنٍ مصدق له. قيل : وأحسن الوجوه كونه مفعولا. والْمُؤْمِنُ : من كان متصفا بالإيمان ، وهل يكلف الدليل؟ قال المحقق الشيخ علي رحمه‌الله : الْمُؤْمِنُ من كان يعتقد

٢٠٥

اعتقاد الإمامية ، وإن لم يكن عنده دليل.

وقريب منه ما نقل عن المحقق الطوسي.

وقيل لا بد منه ولو إجمالا.

وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ « أَتَدْرِي يَا رِفَاعَةُ لِمَ سُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً؟ قَالَ : لَا أَدْرِي! قَالَ : لِأَنَّهُ يُؤْمِنُ عَلَى اللهِ فَيُجِيزُ أَمَانَهُ ».

وَالْمُؤْمِنُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى سُمِّيَ اللهُ تَعَالَى بِهِ لِأَنَّهُ يُؤْمِنُ مِنْ عَذَابِهِ مَنْ أَطَاعَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ

وَفِيهِ « نَهْرَانِ مُؤْمِنَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَنَهْرَانِ كَافِرَانِ » وهذا على التشبيه لا الحقيقة لأنهما يفيضان فيسقيان الحرث بلا مؤنة وكلفة ، وجعل الأخيرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمؤنة وكلفة فهذان في الخير والنفع كَالْمُؤْمِنِينَ ، وهذان في قلة النفع كالكافرين.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَأَخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا آمِناً » أي من الذنوب التي بيني وبينك ، بأن توفقني للتوبة منها قبل الموت ، ومن التي بيني وبين خلقك ، بأن توفقني للخلاص منها ».

وَفِيهِ « لَا تُؤْمِنِّي مَكْرَكَ » قيل فيه كالاستدراج ونحوه.

وَفِيهِ « الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ يَكْتُمُهُ صَاحِبُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ أَوْ ذَاكِراً لَهُ بِخَيْرٍ » فقوله بِالْأَمَانَةِ أي كالوديعة التي يجب حفظها.

وفي المجمع في قَوْلِهِ « الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ » : إلا ثلاثة كما إذا سمع في المجلس قائلا يقول أريد أقتل فلانا ، وأريد الزنا بفلانة ، أو آخذ ماله فإنه لا يستره.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام « الْمَجْلِسُ بِالْأَمَانَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ يَكْتُمُهُ صَاحِبُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَوْ ذَاكِراً لَهُ بِخَيْرٍ ».

وَفِي حَدِيثِ الرِّضَا عليه‌السلام مَعَ الرَّشِيدِ « الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ ، وَخَاصَّةً مَجْلِسُكَ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ عَلَيْكَ ».

والْأَمِينُ : الْمُؤْتَمَنُ على الشيء ، ومنه مُحَمَّدٌ صلى‌الله‌عليه‌وآله أَمِينُ اللهِ

٢٠٦

عَلَى رِسَالَتِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَلُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ » أي ممن يصدقونهم ويَأْتَمِنُونَهُمْ على ذلك كله.

قيل في شرح الحديث : أما في الصلاة والصيام فظاهر ، وأما في اللحوم والدماء فقيل فيه إن من صدر منه ذلك جاز استحلال لحمه الذي يؤخذ منه ، ولحم يؤخذ من بلد هو فيه ، وأما في الدماء فمعناه أن من صدر منه إهراق دم جاز استحلاله ، ومثله « الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا ».

والْأَمَانُ : عدم الخوف.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله « كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْأَمَانِ ».

قال بعض الشارحين : المراد أَمَانُ أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) [ ٩٣ / ٥ ] وَهُوَ صلى‌الله‌عليه‌وآله لَا يَرْضَى بِدُخُولِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَى النَّارِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وحُلَلُ الْأَمَانِ : استعارة ، وذكر الكسوة ترشيح.

وآمِينَ بالمد ، والقصر لغة ، بمعنى « اللهم استجب ». وعند بعضهم : « فليكن كذلك ».

وأَمَّنْتُ على الدعاء تَأْمِيناً : قلت عنده آمِينَ.

ومنه « فلان يدعو وفلان يُؤَمِّنُ على دعائه ».

والرجل الْمَأْمُونُ : المتصف بِالْأَمَانَةِ.

وكذا الحائض الْمَأْمُونَةُ.

والْمَأْمُونُ من ألقاب الخلفاء ، واسمه عبد الله بن هارون الرشيد.

وَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ : أُمُّ النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تُوُفِّيَتْ وَلِلنَّبِيِّ أَرْبَعُ سِنِينَ ، وَتُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ ، وَمَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَلِلنَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِ سِنِينَ كَذَا فِي الْكَافِي

وآمِنَةُ بنت أبي سفيان : زوجة النبي صلى الله عليه وآله.

( أنن )

قوله تعالى ( وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ) [ ١٥ / ٧٩ ] يعني قوم لوط والأيكة

٢٠٧

( لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ) أي لبطريق واضح.

قوله ( وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) [ ١٥ / ٧٩ ] إن هي المخففة من المثقلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، تقديره : وإِنَ الشأن والحديث ( كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) أي ظاهر.

وَفِي حَدِيثٍ الْمُحْتَضَرِ « إِذَا سَالَتْ عَيْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ».

أي أَنَّهُ قد مات. وأَنَ الرجل من الوجع يَئِنُ بالكسر أَنِيناً أو أُنَاناً بالضم : صوت.

وقولهم لا أفعله ما إِنْ في السماء نجم ، أي كان في السماء نجم.

وإِنْ الساكنة المكسورة هي حرف للجزاء توقع الثاني من أجل وقوع الأول ، كقوله « إِنْ تأتني آتك » و « إن جئتني أكرمتك ».

ولها في العربية معان : تكون شرطية كما تقدم.

ونافية نحو قوله تعالى ( إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ) [ ٦٧ / ٢٠ ] ونحو قوله تعالى ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) [ ٤٦ / ٢٦ ] وسيجيء معنى الآية.

ومخففة من المثقلة ، وهذه لا بد فيها من دخول اللام في خبرها عوضا مما حذف من التشديد ، لئلا يلتبس بمعناه للنفي.

فإن دخلت على الجملة الاسمية جاز الإعمال ، وعليه قراءة بعضهم وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ [ ١١ / ١١١ ] والإهمال وهو كثير نحو ( وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [ ٤٣ / ٣٥ ].

وإن دخلت على فعلية وجب إهمالها نحو ( وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً ) [ ٢ / ١٤٣ ] و ( إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) [ ١٧ / ٧٣ ]

وزائدة نحو قول الشاعر :

وما إِنْ طبنا جبن (١)

وجوابا للقسم نحو « والله إِنْ فعلت » أي ما فعلت.

وأما أن المفتوحة الهمزة فهي في العربية لمعان : تكون حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع نحو ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) [ ٢ / ١٨٤ ] ( إِلَّا

__________________

(١) ولكن منايانا ودولة آخرينا.

٢٠٨

أَنْ قالُوا ) [ ٧ / ٥ ].

ومخففة من الثقيلة نحو ( أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ) [ ٢٠ / ٨٩ ] وقوله ( وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) [ ١٠ / ١٠ ] والمعنى أَنَّهُ الحمد لله ، وقرأ بعضهم أَنَ الْحَمْدَ لِلَّهِ بالتشديد للنون ونصب الدال ، قيل وهو خارج من رأي الأئمة.

وقرئ وَأَنْ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً [ ٦ / ١٥٣ ] بسكون النون.

واختلف في قوله ( أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ ٧ / ٤٣ ] فقرئ بتشديد النون ، ونصب التاء ، والباقون بالرفع والتخفيف.

وأما قوله تعالى ( وَالْخامِسَةُ أَنَ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ ) [ ٢٤ / ٧ ] ( وَالْخامِسَةَ أَنَ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها ) [ ٢٤ / ٩ ] فقرئ بالتخفيف والرفع ، وقرئ بالتشديد والنصب.

وتكون مفسرة بمعنى أي نحو ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ) [ ٧ / ٤٣ ] وقوله ( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ) [ ٣٨ / ٦ ].

وزائدة نحو ( فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ ) [ ١٢ / ٦٩ ] ولا معنى للزيادة سوى التأكيد.

وأَنَا : اسم مكنى به ، وهو للمتكلم وحده ، وإنما بني على الفتح فرقا بينه وبين أن التي هي حرف ناصب للفعل ، والألف الأخيرة إنما هي لبيان الحركة في الوقف.

وقد يوصل بها تاء الخطاب فيصيران كالشيء الواحد ، تقول أنت ، وتكسر للمؤنث ، وأنتم ، وأنتن.

وقد يدخل عليه كاف التشبيه تقول أنا كأنت ، وأنت كأنا.

وأما إن المكسورة ، فتأتي في أول الكلام ، نحو ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) [ ١٠٨ / ١ ] وتأتي بعد القول نحو قوله تعالى ( قالَ إِنَّهُ يَقُولُ ) [ ٢ / ٧١ ] وبعد القسم نحو قوله تعالى ( وَالْعَصْرِ إِنَ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) [ ١٠٣ / ١ ].

وهي إما حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر.

أو جواب بمعنى نعم كَقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ

٢٠٩

لِمَنْ قَالَ لَهُ لَعَنَ اللهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ : « إِنْ وَرَاكِبَهَا » أي نعم ولعن الله راكبها.

وأما أَنَ المفتوحة المشددة فتكون بمعنى المصدر كقوله تعالى ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) [ ٢٣ / ٣٥ ].

قال سيبويه : أنَ الثانية مبدلة من أَنَ الأولى ، والمعنى أَنَّكُمْ مخرجون إذا متم.

قال الفراء والمبرد : أَنَ الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام كان تكريرها حسنا.

وهي في العربية على وجهين أيضا.

« أحدهما » ـ التوكيد كالمكسورة ،

و « الثانية » ـ أن تكون لغة في لعل ، وعليه حمل قراءة من قرأ ( وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) [ ٦ / ١٠٩ ] قال الجوهري : وفي قراءة أبي : لعلها ، وَفِي حَدِيثِ التَّلْبِيَةَ « لَبَّيْكَ إِنَ الْحَمْدَ لَكَ » بكسر الهمزة على معنى الاستيناف ، وربما فتحت على تأويل : بأَنَ الْحَمْدَ لَكَ.

وأما أَنَّى بتشديد النون والألف ، فيكون شرطا في الأمكنة بمعنى أين.

ويكون استفهاما بمعنى ثلاث كلمات ، وهي « متى وأين وكيف ».

قال في الارتشاف ـ نقلا عنه ـ : إلا أنها بمعنى « من أين » بزيادة حرف الجر على الابتداء ، لا بمعنى أين وحدها ، ألا ترى أَنَ مريم عليها‌السلام لما قيل لها ( أَنَّى لَكِ هذا ) [ ٣ / ٣٧ ] أجابت ( هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ولم تقل هو عند الله ، بل لو أجابت به لم يحصل المقصود.

وقد فسرت في قوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) [ ٢ / ٢٢٣ ] بثلاثة معان : كيف شئتم ، وحيث شئتم ، ومتى شئتم.

واقتصر الجوهري من ذلك على معنيين. قال علي بن إبراهيم : وتأولت العامة ( أَنَّى شِئْتُمْ ) في القبل والدبر ، وقَالَ الصَّادِقُ عليه‌السلام ( أَنَّى شِئْتُمْ ) فِي الْفَرْجِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) [ ٢ / ٢٢٣ ] فَالْحَرْثُ الزَّرْعُ

٢١٠

وَالزَّرْعُ فِي الْفَرْجِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ.

وقوله تعالى ( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) [ ٣ / ٤٠ ] قال المفسر : هو استبعاد من حيث العادة ( وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ) [ ٣ / ٤٠ ] أي أثر في الكبر ، وأضعفني ، وَكَانَتْ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً ، وَلِامْرَأَتِهِ ثَمَانٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً.

( اين )

قوله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ) [ ٧ / ١٧٦ ] قال الجوهري وإِيَّانَ بالكسر لغة.

قوله ( أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) [ ١٦ / ٢١ ] أي أي حين؟ وهو سؤال عن زمان ، مثل متى.

فَأَيْنَ للأمكنة شرطا واستفهاما ، ومتى وأَيَّانَ للأزمنة.

وكسر همزة أَيَّانَ لغة سليم.

ولا يستفهم بها إلا عن المستقبل كقوله تعالى ( وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) [ ٢٧ / ٦٥ ].

قوله ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ) [ ١٠ / ٩١ ] قال الجوهري الآن اسم الوقت الذي أنت فيه ، وهو ظرف غير متمكن وقع معرفة ولم يدخله الألف واللام للتعريف لأنه ليس له ما يشركه ، وربما فتحوا اللام منه ، وحذفوا الهمزتين.

وقال غيره : الْآنَ وهو الوقت الذي يقع فيه كلام المتكلم ، وقد وقعت في أول أحوالها بالألف واللام ، وهي علة بنائها ، ويقال إنما بني لأن وضعه يخالف وضع الاسم ، لأن الأسماء إنما وضعت أولا نكرات ثم التعريف يعرض عليها ، وأما الْآنَ فوضع بالألف واللام فلم يكن وضعه كوضع الاسم ، فبني كالحرف لأن وضعها ليس كوضع الاسم.

أو يقال إنما بني لتضمنه حرف التعريف كأمس وقيل غير ذلك.

واختلف في أصله فقيل : أصله ( أَوَانَ ) فحذف منه الواو ، وهو أحد قولي الفراء كما قالوا في زمن وزمان وأورده الجوهري في أين ، ولا بعد فيه ..

والفرق بين الْآن والآنِفِ : أن الْآنَ الوقت الذي أنت فيه والآنف اسم للزمان الذي قبل زمانك الذي أنت فيه.

٢١١

وآنَ له أن يفعل كذا أي حان له أن يفعل كذا.

والْأَيْنِيَّةُ : الوجود ، والمائية : الماهية ومنه الْحَدِيثُ « لَا يُثْبَتُ الشَّيْءُ إِلَّا بِأَيْنِيَّةٍ وَمَائِيَّةٍ » ومنه الْحَدِيثُ « إِنَّ اللهَ أَيَّنَ الْأَيْنَ وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ » وكأن المعنى أوجد الْأَيْنَ لمن يقول أَيْنَ ، وأوجد الكيف لمن يقول كيف.

وأَيْنَ : سؤال عن مكان إذا قلت أين زيد ، فإنما تسأل عن مكانه.

باب ما أوله الباء

( بدن )

قوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) [ ١٠ / ٩٢ ] الْبَدَنُ ما سوى الرأس والأطراف.

وبَدَنُ القميص مستعار منه وهو ما يقع على الظهر والْبَدَنُ دون الكمين والدخارس والجمع أَبْدَانٌ.

والْبَدَنُ أيضا الدرع القصيرة.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه‌السلام « إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً لَكُمْ جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً ».

قيل إنما قال ذلك لأن مجاورته إياهم إنما كان بجسده لا بنفسه المجاورة للملائكة المقبلة على العالم العلوي بكليتها ، المعرضة عن العالم السفلي.

وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ عليه‌السلام « أَنَّهُ كَانَ بَادِناً » الْبَادِنُ ، والْبَدِينُ : الجسيم.

ورجل بَادِنٌ أي سمين ضخم.

والْبُدْنُ بالضم : جمع بَدَنَةٍ كقصبة وتجمع على بَدَنَاتٍ كقصبات سميت بذلك لعظم بَدَنِهَا وسمنها ، وتقع على الجمل والناقة والبقرة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء ، وخصها جماعة بالإبل.

وعن بعض الأفاضل قال : إطلاقها على البقرة مناف لما ذكره أئمة اللغة من أنها من الإبل خاصة وَلِقَوْلِهِ عليه‌السلام « تُجْزِي الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعِينَ ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ » وهي في السن على ما نقل عن بعض المحققين : ما له خمس سنين ودخل

٢١٢

في السادسة.

( برثن )

فِي حَدِيثِ وَصْفِهِ عليه‌السلام « كَأَنَّ الذَّهَبَ أُفْرِغَ عَلَى بَرَاثِنِهِ » الْبَرَاثِنُ بالثاء المثلثة جمع بُرْثُنٍ كقنفذ : الكف مع الأصابع.

والْبُرْثُنُ من السباع والطير الذي لا يصيد ، بمنزلة الظفر من الإنسان.

( برن )

فِي الْحَدِيثِ « خَيْرُ تُمُورِكُمُ الْبَرْنِيُ » هو نوع من أجود التمر.

والْبَرْنِيَّةُ بفتح الأول : إناء معروف من خزف.

( برذن )

فِي الْحَدِيثِ « مَنْ رَبَطَ بِرْذَوْناً يُرِيدُ بِهِ جَمَالاً أَوْ قَضَاءَ حَاجَةٍ أَوْ دَفْعَ عَدُوٍّ مُحِيَتْ عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَيِّئَةٌ وَكُتِبَ لَهُ سِتُّ حَسَنَاتٍ ».

الْبِرْذَوْنُ بكسر الباء الموحدة وفتح الذال المعجمة : التركي من الخيل والجمع الْبَرَاذِينُ ، وخلافها العراب ، كذا في المغرب.

وعن ابن الأنباري : يقع على الذكر والأنثى ، وربما قالوا في الأنثى بِرْذَوْنَةٌ.

وبَرْذَنَ الرجل بَرْذَنَةً : إذا ثقل ، واشتقاق الْبِرْذَوْنِ منه.

( برهن )

قوله تعالى : ( لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) [ ١٢ / ٢٤ ] الْبُرْهَانُ بالضم فالسكون الحجة والبيان.

وبُرْهانَكُمْ أي حجتكم.

وبَرْهَنَهُ أي بينه بحجة.

وسميت الحجة بُرْهَاناً لبيانها ووضوحها.

وعن ابن الأعرابي : الْبُرْهَانُ الحجة من الْبَرَهْرَهَةِ وهي البيضاء من الجواري ، كما اشتق السلطان من السليطة وهو الزيت لإنارته.

قوله ( بُرْهانَ رَبِّهِ ) [ ١٢ / ٢٤ ] قِيلَ أَيْ قُبْحَ الزِّنَا وَسُوءَ عَاقِبَتِهِ ، وَقِيلَ رَأَى جَبْرَئِيلُ ، وعن بعضهم المراد بِبُرْهَانِ ربه ما نصبه من الدلائل العقلية والنقلية على وجوب اجتناب المحارم والمآثم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام

٢١٣

فِي مَعْنَاهُ قَالَ : « قَامَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ إِلَى الصَّنَمِ فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْباً. فَقَالَ لَهَا يُوسُفُ : مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ : أَسْتَحِي مِنَ الصَّنَمِ أَنْ يَرَانَا. فَقَالَ لَهَا يُوسُفُ : أَتَسْتَحِينَ مِمَّنْ لَا يُبْصِرُ وَلَا يَفْقَهُ ، وَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ ( خَلَقَ الْإِنْسانَ ) و ( عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) ».

قوله : ( فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ ) [ ٢٨ / ٣٢ ] هما اليد البيضاء وضم الجناح من الرهب.

( بستن )

الْبُسْتَانُ بالضم معرب بوستان.

وبُسْتَانُ إبراهيم عليه‌السلام ببلاد أسد قاله في القاموس.

( بطن )

قوله تعالى ( لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ) [ ٣٧ / ١٤٤ ] الْبَطْنُ : خلاف الظهر وهو مذكر ، وجمعه في القلة أَبْطُنٌ ، وفي الكثرة بُطُونٌ.

قال الله تعالى : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ) [ ١٦ / ٨٨ ] وقال ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ ) [ ١٦ / ٦٩ ] وإن كان يخرج من أفواهها كالريق لئلا يظن أنه ليس من بطونها.

قوله ( لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ) [ ٣ / ١١٨ ] أي دخلا من غيركم ، وبِطَانَةُ الرجل : دخلاؤه وأهل سره ممن يسكن إليهم ويثق بمودتهم ، شبه بِبِطَانَةِ الثوب كما يشبه الأنصار بالشعار والناس بالدثار ، ومنه حَدِيثُ الْحَائِضِ « كَانُوا كَلَّفُوا نِسْوَةً مِنْ بِطَانَتِهَا » أي من أهل سريرتها الْمُسْتَبْطِنِينَ أمرها ، العالمين به.

وَمِنْهُ « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَ الْبِطَانَةُ » قيل أراد بالخيانة : مخالفة الحق بنقض العهد في السر ، وهي نقيض الأمانة.

وَفِي حَدِيثِ غَيْبَةِ الْقَائِمِ عليه‌السلام « لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُ بِطَانَةٍ وَوَلِيجَةٍ » الْبِطَانَةُ : السريرة والصاحب ، والوليجة : الدخيلة وخاصتك من الناس.

وَفِي التَّعْوِيذِ « أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبِطَانَةِ » وهي خلاف الظهارة وأصلها في الثوب ثم تستعار لمن تخصه بالاطلاع على باطن أمرك ، وأريد ما يَسْتَنْبِطُهُ فيجعله بِطَانَةً

٢١٤

حاله.

وبُطْنَانُ العرش بالضم : وسطه وداخله ، ومنه الْحَدِيثُ « فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ ».

وَفِي حَدِيثِ الشَّمْسِ « إِذَا غَابَتْ انْتَهَتْ إِلَى حَدِّ بُطْنَانِ الْعَرْشِ » قال بعض الشارحين كأن المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار فإنها حينئذ تحاذي النقطة التي هي وسط العرش.

والْبُطْنَانُ جمع الْبَطْنِ وهو المنخفض من الأرض.

والْباطِنُ من أسمائه تعالى ، وهو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وهو العالم بما بَطَنَ قاله في النهاية.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْبَاطِنُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِبْصَارِ لِلْأَشْيَاءِ أَنْ يَغُورَ فِيهَا ، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى اسْتِبْطَانِهِ لِلْأَشْيَاءِ عِلْماً وَحِفْظاً وَتَدْبِيراً ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَبْطَنْتُهُ أَيْ أَخْبَرْتُهُ وَعَلِمْتُ مَكْنُونَ سَرِّهِ ».

وفِيهِ « أَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ » أي فليس شيء أَبْطَنَ منك.

وَفِي حَدِيثٍ الْوُضُوءِ « أَيُبَطِّنُ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ » بتشديد الطاء من بطن يَبْطُنُ إذا أدخل الماء تحتها مما هو مستور بشعرها لا من بَطَنْتُ الوادي دخلته.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه‌السلام « أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَلَمْ يَسْتَبْطِنِ الشِّرَاكَيْنِ » أي لم يمسح ما تحتهما.

والْبَطْنُ : دون القبيلة ، وفوقها : الْفَخِذَةُ مؤنثة ، وإن أريد الحي فمذكر ، ويجمع الْبَطْنُ على أَبْطُنٍ وبُطُونٍ.

والْبَطَنُ محركة : داء الْبَطْنِ.

والْمَبْطُونُ : الذي يموت بمرض الْبَطَنِ والْمَبْطُونُ : من به إسهال أو انتفاخ في بَطْنٍ أو من يشتكي بَطْنَهُ.

وَفِي الْخَبَرِ « الْمَبْطُونُ لَمْ يُعَذِّبْ فِي الْقَبْرِ ».

وبَطِنَ بالكسر يَبْطَنُ فهو بَطِينٌ : إذا عظم بَطْنُهُ. والْمِبْطَانُ مثله.

والْمِبْطَانُ : الذي لا يزال عظيم الْبَطْنِ من كثرة الأكل.

ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه‌السلام « أَوْ أَبِيْتُ

٢١٥

مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى ».

والْبِطْنَةُ بالكسر : الامتلاء الشديد.

ومنه قَوْلُهُ عليه‌السلام « إِنْ أَفْرَطَ فِي الشِّبَعِ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ ».

ومنه :

بِحَسْبِكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ

وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

( بلسن )

الْبُلْسُنُ بالضم : حب كالعدس وليس به قاله الجوهري.

( بلهن )

يقال « فلان في بَلْهَنَةٍ من العيش » أي في سعة ورفاهية.

( بنن )

قوله تعالى ( وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ بَنانٍ ) [ ٨ / ١٢ ] وقوله ( بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) [ ٧٥ / ٤ ] الْبَنَانُ بالفتح الأصابع ، وقيل أطرافها سميت بَنَانَةً لأن بها صلاح الأحوال التي تستقر معها.

وتُبِنُ أي تقيم ، يقال أَبَنَ بالمكان إذا استقر به.

وجمعه في القلة على بَنَانَاتٍ.

والمعنى بلى قادرين على أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه كما كانت أولا ، على صغرها ولطافتها ، فكيف كبار العظام.

وقيل : معناه نحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه أي نجعلها مستوية شيئا واحدا ، كخف البعير وحافر الحمار فلا يمكنه أن يعمل شيئا مما كان يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل ، من البسط والقبض وأنواع الأعمال.

( بون )

فِي الْحَدِيثِ « نِعْمَ الدُّهْنُ الْبَانُ » وفِيهِ « مَضْغُ الْبَانِ يُذِيبُ الْبَلْغَمَ » الْبَانُ : ضرب من الشجر له حب حار يؤخذ منه الدهن ، واحده : بَانَة.

وقد يطلق الْبَانُ على نفس الدهن توسعا.

والْبَوْنُ بالفتح فالسكون : الفضل والمزيد وهو مصدر بَانَهُ بَوْناً إذا فضله.

٢١٦

وبينهما بَوْنٌ أي بين درجتيهما أو بين اعتبارهما في الشرف.

وأما في التباعد الجسماني فيقال بينهما بَيْنٌ بالياء.

وقال الجوهري : بينهما بَوْنٌ بعيد ، وبين بعيد والواو أفصح.

( بين )

قوله تعالى ( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ) [ ٦ / ٩٤ ] الْبَيْنُ من الأضداد يكون للوصل والفراق قرئ هنا بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه فاعل الفعل أي تقطع وصلكم وتشتت جمعكم والنصب على الحذف أي تقطع ما بينكم.

قوله ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ) [ ٤٥ / ٢٦ ] أي ما خفي عليكم من مصالحكم والأصل يريد الله أن يُبَيِّنَ لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التَّبْيِينِ كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب.

قوله ( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ ) [ ٢ / ٨٧ ] كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص.

والْبَيْنُ : الوسط ، قال تعالى ( بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) [ ٤ / ١٥٠ ].

قوله ( خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) [ ٥٥ / ٤ ] أي فصل ما بَيْنَ الأشياء ، وتِبْيَانُ كل شيء يحتاج الناس إليه.

ويقال : الْبَيَانُ هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.

وقيل الإنسان آدم عليه‌السلام ، والْبَيَانُ : اللغات كلها ، وأسماء كل شيء.

وقيل الإنسان : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والْبَيَانُ ما كان وما يكون.

والفرق بين البيان والتِّبيَانِ هو أن الْبَيَانَ جعل الشيء مُبَيِّناً بدون حجة ، والتِّبيَانُ جعل الشيء مُبَيِّناً مع الحجة. وهو بالكسر من المصادر الشاذة ، قال الجوهري لأن المصادر إنما تجيء على وزن التَّفعال بفتح التاء كالتكرار والتذكار ولم يجئ بالكسر إلا حرفان هما التبيان والتلقاء.

قوله ( إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ) [ ٤٩ / ٦ ] أي إذا سافرتم وذهبتم للغزو فَتَبَيَّنُوا أي اطلبوا بَيَانَ الأمر وثباته ، ولا تعجلوا فيه.

قوله ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ ) [ ٣٤ / ١٤ ] أي ظهر وتَبَّيَنَ أن الجن

٢١٧

( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ ) [ ٣٤ / ١٤ ] من تَبَيَّنَ الشيء إذا ظهر وتجلى.

والْبَيْنُ : الواضح ، قال تعالى ( بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ ) [ ١٨ / ١٥ ] أي واضح.

قوله تعالى ( فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) [ ٦ / ٥٩ ] أي في اللوح المحفوظ ، وقيل علم الله تعالى.

قوله ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [ ١٢ / ٥ ] أي مظهر للعداوة.

قوله ( فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ) [ ٧ / ١٠٧ ] أي بَيِّنٌ.

وبَيَّنَ الشيء : إذا أوضحه.

قال تعالى ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) [ ٣ / ١٨٧ ] وقال ( إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) [ ٤ / ١٩ ].

واسْتَبَانَ الشيء : تَبَيَّنَ.

واسْتَبَانَهُ : بَيَّنَهُ ، وعلى الوجهين قرئ قوله ( وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ الْمُجْرِمِينَ ) [ ٦ / ٥٥ ] بنصب السبيل ورفعه.

قوله ( الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ) [ ٣٧ / ١١٧ ] أي البليغ في بَيَانِهِ وهو التوراة.

قوله ( وَلا يَكادُ يُبِينُ ) [ ٤٣ / ٥٢ ] من بَانَ الأمر يَبِينُ فهو بَيِّنٌ إذا وضح. وأَبَانَ إِبَانَةً وبَيَّنَ وتَبَّيَنَ واسْتَبَانَ ، كله بمعنى الوضوح والانكشاف.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَنَّ اللهَ نَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالْبَيَانِ » أي بالمعجزة ، وبأن ألهمهم وأوحى إليهم بمقدمات واضحة الدلائل على المدعى عند الخصم ، مؤثرة في قلبه.

وَفِيهِ « أَنْزَلَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ » أي كشفه وإيضاحه.

والْبَيَانُ والسلطان والبرهان والفرقان : نظائر ، وحدودها مختلفة.

فَالْبَيَانُ : إظهار المعنى للنفس ، كإظهار نقيضه.

والبرهان : إظهار صحة المعنى وإفساد نقيضه.

والفرقان : إظهار تميز النفس مما التبس.

والسلطان : إظهار ما يتسلط به على نقض المعنى بالإبطال.

وتَبَيَّنَ الشيء لي إذا ظهر عندي وزال

٢١٨

خفاه عني ، وفي المثل « قَدَّ بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ » أي تَبَيَّنَ.

وبَانَ الحي بَيْناً وبَيْنُونَةً : ظعنوا وأبعدوا.

وضرب رأسه فَأَبَانَهُ من جسده : فصله. والْمُبَايَنَةُ : المفارقة.

وتَبَايَنَ القوم : تهاجروا.

والْبَائِنُ من الطلاق : ما لا رجعة فيه.

وتطليقة بَائِنَةٌ هي فاعلة بمعنى مفعولة.

وَفِي الْحَدِيثِ « كَسْبُ الْحَرَامِ يَبِينُ فِي الذُّرِّيَّةِ ».

ويرد عليه قوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [ ٦ / ١٨٤ ].

ويمكن الجواب بأن أثر الحرام يسري إلى الذرية بحيث تفعل أفعالا موجبة للنكال.

وغراب الْبَيْنِ : مر بيانه (١).

وَفِي وَصْفِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله « لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ » أي المفرط طولا الذي بعد عن قد الرجال.

وتَبَيَّنَ الشيء : تحقق.

ومِنْهُ « تَبَيَّنَ زِنَا الزَّانِيَةِ » أي تحقق زِنَاهَا بِبَيِّنَةٍ أو رؤية.

وَفِي الْخَبَرِ « مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ وَأُبِينَ مِنْهُ » أَيْ انفصل منه وهو حي « فَهُوَ مَيْتَةٌ » يعني أنه لا يجوز أكله.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا تُقَدِّمَنَّ شَيْئاً بَيْنَ يَدَيْ شَيْءٍ » أي قدامه متوسطا يديه.

وقولهم « لإصلاح ذات الْبَيْنِ » يعني الأحوال التي بَيْنَ القوم وإسكان النائرة التي بَيْنَهُمْ ، وإصلاحها بالتعهد والتفقد ولما كانت ملابسة الْبَيْنِ وصفت به ، فقيل لها ذات الْبَيْنِ كما قيل للأسرار ذات الصدور.

وبَيْنَ : ظرف مبهم لا يَتَبَيَّنُ معناه إلا بالإضافة إلى اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى ( عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) [ ٢ / ٦٨ ].

وتكون ظرف مكان ، نحو جلست بين القوم.

وظرف زمان وهو كثير قال في المصباح والمشهور في العطف بعدها أن تكون

__________________

(١) في ( غرب ).

٢١٩

بالواو لأنها للجمع المطلق نحو « المال بين زيد وعمرو ».

وأجاز بعضهم بالفاء مستدلا بقوله بين الدخول فحومل (١).

وأجيب بأن ( الدخول ) اسم لمواضع شتى ، فهو بمنزلة « المال بين القوم ».

وَفِي الْحَدِيثِ « بَيْنَا أمير المؤمنين عليه‌السلام جَالِسٌ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إِذْ قَالَ كَذَا وَكَذَا ».

قال بعض الشارحين ـ ووافقه غيره من اللغويين بَيْنَا : فعلى من الْبَيْنِ ، أشبعت الفتحة فصارت ألفا.

بَيْنَا ويقال بَيْنَمَا بزيادة الميم والمعنى واحد ، تقول « بَيْنَا نحن نرقبه أتانا » أي أتانا بين أوقات رقبتنا إياه.

وتضاف إلى جملة « من فعل وفاعل » أو « مبتدإ وخبر » وتستدعي في الصورتين جوابا يتم به المعنى ، كما يستدعي ( إذا ) و ( لما ).

وتقع بعدها إذ الفجائية غالبا تقول « بَيْنَا أنا في عسر إذ جاء الفرج ».

وعامله محذوف يفسر الفعل الواقع بعد إذ ، أي بَيْنَ أوقات إعساري مجيء الفرج.

وبَيْنَ بَيْنَ : هما اسمان جعلا اسما واحدا وبنيا على الفتح كخمسة عشر.

وأَبْيَنَ وزان أحمر : اسم رجل من حمير بن عدن فنسب إليه. وقيل عدن أَبْيَنُ ، وكسر الهمزة لغة قاله في المصباح

__________________

(٢) من قصيدة ( لإمرىء القيس : )

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوي بين الدخول فحومل

 وهي من القصائد السبع المعلقة.

٢٢٠