مجمع البحرين - ج ٥

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٥

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

كتاب الفاء

٢١
٢٢

باب ما أوله الألف

( أرف )

فِي الْحَدِيثِ « أَيُّ مَالٍ اقْتُسِمَ وَأُرِّفَ عَلَيْهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ». أي حد وعلم.

وَفِيهِ « الْأُرَفُ تَقْطَعُ الشُّفْعَةُ ». هي الحدود والمعالم. جمع أُرْفَة مثل غرفة وغرف في النهاية ويقال بالثاء المثلثة أيضا.

وَفِيهِ « قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ تُوَرَّفْ ». يعني ما لم يقسم المال ويحد.

( أزف )

قوله تعالى : أَزِفَتِ الْآزِفَةُ [ ٥٣ / ٥٧ ] أي قربت القيامة ودنت ، سميت بذلك لقربها ، لأن كل ما هو آت قريب.

يقال أَزِفَ شخوص فلان أَزَفاً من باب تعب وأُزُوفاً : أي قرب.

ومثله قوله : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ) [ ٤٠ / ١٨ ].

( أسف )

قوله تعالى : ( غَضْبانَ أَسِفاً ) [ ٧ / ١٥٠ ] أي شديد الغضب متلهفا على ما أصابه.

قوله : ( يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ ) [ ١٢ / ٨٤ ] أي يا حزناه عليه.

والأَسَفُ : الحزن.

قوله : ( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا ) [ ٤٣ / ٥٥ ] أي أغضبونا.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ الصادق عليه السلام « إِنَّ اللهَ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا ، وَلَكِنْ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ .. قَالَ تَعَالَى : مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَدَعَانِي إِلَيْهَا ... قَالَ عليه السلام : وَهَكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إِلَى اللهِ الْأَسَفُ وَالضَّجَرُ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمَا

٢٣

وَأَنْشَأَهُمَا لَجَازَ لِقَائِلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْخَالِقَ يَبِيدُ [ يَوْماً مَا ] لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَهُ الْغَضَبُ وَالضَّجْرُ جَازَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ الْإِبَادَةُ ثُمَّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُكَوِّنُ مِنَ الْمُكَوَّنِ وَلَا الْقَادِرُ مِنَ الْمَقْدُورِ [ عَلَيْهِ وَلَا الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً » (١).

و « إِسَافٌ » ككتاب وسحاب صنم وضعه عمرو بن يحيى على الصفا ونائلة على المروة ، وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة ، وهما إِسَافُ بن عمرو ونائلة بنت سهل كانا شخصين من جرهم ففجرا في الكعبة فمسخا حجرين فعبدتهما قريش ، وقالوا لو لا أن الله رضي أن يعبد هذان ما حولهما عن حالهما.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا تَقْتُلُوا أَسِيفاً ». الأَسِيفُ : الشيخ الفاني ، وقيل العدو ، وقيل الأسير.

و « يُوسُفُ » النبي عليه السلام ولد يعقوب ، ومعناه مأخوذ من أَسِفَ أي غضب ، لأنه أغضب إخوته بما ظهر من فضله عليهم وشدة محبة والده له ، وفيه ستة أوجه ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمزة وتركها ، وَفِي كُتُبِ السِّيَرِ عَاشَ يُوسُفُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً.

( أفف )

قوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ ) [ ١٧ / ٢٣ ] الأُفُ كلمة يقال لما يتضجر منه ويستثقل ، ومنه قوله : ( أُفٍ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ ) [ ٢١ / ٦٧ ] وفيها على ما قيل تسع لغات أُفِ بحركات ثلاث بغير تنوين وبالحركات الثلاث مع التنوين وأُفَّةً وأُفْ وأِفْ ، والأفصح ما ورد به الكتاب ، وذكر في القاموس أربعين لغة ، واقتصر في الصحاح على ست.

ومنه الْحَدِيثُ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ أُفٍ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْوَلَايَةِ ».

وأَفَّفْتُ بفلان تَأْفِيفاً : إذا قلت له أُفٍ لك.

وأما قولهم أُفُ وتُفُ فذكر في المجمل عن تغلب أنه قال الأُفُ : قلامة الظفر ، وقال غيره الأُفُ ما رفعته من الأرض من عود أو قصبة.

__________________

(١) البرهان ج ٤ ص ١٥٠.

٢٤

وَفِي الْخَبَرِ « أَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ أُفٍ أُفٍّ ».

قال في النهاية : ومعناه الاستقذار لما شم.

( ألف )

قوله تعالى : ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) [ ٩٧ / ٣ ] هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، وكان استقلال أمارة بنى أمية منذ بيعة الحسن بن علي لمعاوية وذلك على رأس أربعين سنة وإن كان انفصال دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة اثنتين وثلاثين ومائة وذلك اثنان وتسعون سنة ، تسقط منها خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر يبقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ـ كذا ذكره في المجمع.

قوله : ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) [ ١٠٦ / ١ ] هو مصدر أَلَفْتُ المكان إِيلَافاً ، والمعنى على ما ذكره الشيخ أبو علي : أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نقمة منا على قريش مضافة إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، وقيل معناه فعلنا ذلك لِتَأْلَفَ قريش بمكة وتمكنهم المقام بها ، فإنهم هابوا من أبرهة لما قصدها وهربوا منه فأهلكناه لترجع قريش إلى مكة ويَأْلَفُوا بها ويولد محمد صلى الله عليه واله فيبعث إلى الناس بشيرا ونذيرا. وقوله ( إِيلافِهِمْ ) بدل من الأول ، و ( رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ) منصوبة بوقوع إِيلَافِهَمْ عليها.

وقوله : ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) يتعلق بقوله ( كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) لأنهما في مصحف أبي سورة واحدة بلا فصل ، والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم حتى ينتظم لهم في رحلتهم فلا يجترىء عليهم

وقال الزجاج : معناه أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما أَلِفُوا من رحلة الشتاء والصيف ، وقيل يتعلق اللام بقوله ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ) أمرهم الله أن يعبدوه لأجل إِيلَافِهِمْ رحلة الشتاء والصيف ويجعلوا عبادتهم إياه شكرا لهذه النعمة واعترافا بها. وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن في الصيف إلى الشام فيتجرون ويمتارون. وقرئ ليلاف مختلسة الهمزة ، وقرئ وإِلَافِهِمْ وإِلْفِهِمْ ، يقال أَلِفْتُهُ إِلْفاً وإِلَافاً وقد جمعهما قول الشاعر :

٢٥

زعمتم أن إخوتكم قريشا

لهم إِلْفٌ وليس لكم إِلَافٌ

و ( رِحْلَةَ ) مفعول به لإِيلافِهِمْ ، وأراد رحلتي ، فأفرد لأمن الالتباس كما قيل شعر :

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

والتنكير في جوع وخوف لشدتهما يعني أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف التخطف في بلادهم ومسائرهم. قوله : ( وَهُمْ أُلُوفٌ ) [ ٢ / ٢٤٣ ] هي جمع أَلْف.

والأَلْفُ من الأعداد معروف ، وجمعه في القليل على آلَاف وفي الكثير أُلُوفٌ ، وبهما ورد الكتاب العزيز.

قوله : أَلْفَوْا [ ٣٧ / ٦٩ ] أي وجدوا.

قوله : ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) [ ٩ / ٦٠ ] أي المستمالة قلوبهم بالمودة والإحسان ،وَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُعْطِيهِ دَفْعاً لِأَذَاهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُعْطِيهِ طَمَعاً فِي إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ أَتْبَاعِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُعْطِيهِ لِيَثْبُتَ عَلَى إِسْلَامِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ.

وَفِي حَدِيثِ « الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ هُمْ قَوْمٌ وَحَّدُوا اللهَ وَخَلَعُوا عِبَادَةَ مَنْ يُعْبَدُ دُونِ اللهِ وَلَمْ تَدْخُلِ الْمَعْرِفَةُ قُلُوبَهُمْ إَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يَتَأَلَّفُهُمْ بِالْمَالِ وَالْعَطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ إِسْلَامُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيَعْرِفْهُمْ كَمَا يَعْرِفُون ، فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيباً فِي الصَّدَقَاتِ لِكَيْ يَعْرِفُوا وَيَرْغَبُوا » (١).

والتَّأَلُّفُ : المداراة والاستيناس.

وأَلَّفَ بين الشيئين : جمع ، ومنه قوله ( وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) والألفة اسم من الايتِلَافِ ، وهو الالتيام والاجتماع واسم الفاعل مثل علم.

وأَلَفْتُ الموضع إِيلَافاً من باب أكرمت وأَلَفْتُهُ أُؤالِفُهُ مُؤالَفَةً وإِلَافاً من باب قاتل.

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٢٨ والبرهان ج ٢ ص ١٣٦.

٢٦

والمَأْلَفُ : الموضع الذي يَأْلَفُهُ الإنسان.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ « وَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ لَهَا الإِيلَافَ هَاشِمٌ ».

الإِيلَافُ : العهد والزمام ، كان هاشم بن عبد مناف أخذه من الملوك لقريش.

وَمِنْهُ « وَمَا الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ إِلَّا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ ». هو من قولهم أَلِفْتُهُ إِلْفاً من باب علم : أنست به وأحببته ، والاسم الأُلْفَةُ بالضم.

والايتِلَافُ : نقيض الاختلاف.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤْمِنُ مأْلُوفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤلَفُ ».

و « الأَلِفُ » حرف من حروف المعجم ولها مواضع تكون للضمير نحو ( آمَنَّا بِرَبِّنا ) وتكون مبدلة من الواو نحو بوب ومن الياء نحو ( يا أَسَفى ) أصله أسفي ومن الهمزة نحو ( آمَنَ ) ومن النون الخفيفة نحو ( لَنَسْفَعاً ) ومن التنوين في الوقف نحو « يا زيدا » وزائدة نحو « ضاربة ضرابا » وتكون للتأنيث نحو « حبلى » وللجمع نحو « قوم غرقى » وللتثنية وتكون للوصل في رءوس الآي في الوقف نحو ( فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) وتكون للنداء نحو « وا زيداه » وتكون للوصل في الخط دون اللفظ كقوله ( فَاضْرِبْ بِهِ ) وتكون للإلحاق في الخط دون اللفظ كقوله ( كَفَرُوا وَصَدُّوا ) قال الخليل : زيدت في الخط فرقا بين واو الإضمار والأصلية نحو « لو » وقيل للفرق بين المضمر المتصل والمنفصل نحو « صدوكم » و « صدوا » وقيل للفرق بين هذه الواو وواو العطف ـ كذا في شمس العلوم.

وَفِي حَدِيثِ الْأَئِمَّةِ « وَمَا عَسَيْتُمْ تَرْوُونَ مِنْ فَضْلِنَا إِلَّا أَلْفاً غَيْرِ مَقْطُوعَةً ». قال بعض الشارحين :قَوْلِهُ « إِلَّا أَلْفاً مَقْطُوعةً ». احتراز عن الهمزة وكناية عن الوحدة. قال : ويمكن أن يكون إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلها صفرا وغيره ، ومحصله لم ترووا من فضلنا سوى القليل المتناهي في القلة.

( أنف )

قوله تعالى : آنِفاً [ ٤٧ / ١٦ ] أي الساعة وهي أول وقت يقرب منا ، من قولك اسْتَأْنَفْتُ الشيء : أي ابتدأته.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ ».

٢٧

ومِثْلَهُ « الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ ».

أي إن قيد انقاد وإن استنيخ على صخرة استناخ.

والجمل الأَنِفُ : أي المَأْنُوفُ الذي عقر الخشاش أَنْفُهُ ، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به ، وكان الأصل أن يقال مَأْنُوفٌ لأنه مفعول كما يقال مصدور ومبطون للذي يشتكي صدره وبطنه ، وإنما جاء هذا على الشذوذ ، وقيل الأَنِفُ الذلول ، ويروى الآنِفُ بالمد وهو بمعناه.

وأَنِفَ من الشيء من باب تعب يَأْنَفُ أَنَفاً : إذا كرهه وعرفت نفسه عنه.

وَفِي الْحَدِيثِ « سَأَلْتُهُ عَنْ سُبْحَانَ اللهِ؟ فَقَالَ : أَنَفَةٌ ».

هو كقصبة أي تنزيه الله تعالى. كما أن سبحان تنزيه.

قال بعض الشارحين : الأَنَفَةُ في الأصل الضرب على الأنف ليرجع ، ثم استعمل لتعبيد الأشياء ، فيكون هنا بمعنى رفع الله عن مرتبة المخلوقين بالكلية لأنه تنزيه عن صفات الرذائل والأجسام.

وأَنِفَ من الشيء : أي استنكف وهو الاستكبار.

وأَنْفُ كل شيء : طرفه.

وأَنْفُ كل شيء : أوله.

وأَنْفُ الرجل وغيره معروف ، والجمع آنُفٌ وأُنُوفٌ وآنَافٌ.

ومنه حَدِيثُ « مَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَلْيَخْرُجْ ».

قال بعض الشارحين : إنما أمر بذلك ليوهم المصلين أن به رعافا ، وهو نوع من الأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح والكناية بالأحسن عن الأقبح ، ولا يدخل في باب الكذب والرياء وإنما هو من باب التجمل والحياء وطلب السلامة من الناس.

وَفِي الْخَبَرِ « شَجَاعَةٌ الْمَرْءِ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ (١) ».

الأَنْفَةُ حمية الأنف وثوران الغضب لما يتخيل من مكروه يعرض استنكارا له واستنكافا من وقوعه ، وظاهر كونه مبدأ للشجاعة في الإقدام على الأمور.

وجاء آنِفاً : أي من قبل.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ١٦٣.

٢٨

ومنه قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَصَا مُوسَى « وَإِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً وَهِيَ خَضْرَاءُ ».

« وَأُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفاً ». أي الآن.

وفعلت الشيء آنِفاً : أي أول وقت يقرب مني.

( أوف )

في الحديث ذكر الآفَةُ ، وهي العاهة والبلية الشديدة التي قل ما يخلو الإنسان عنها.

وقد أِيفَ الزرع ـ على ما لم يسم فاعله ـ أي أصابته آفَةٌ ، فهو مَئُوفٌ مثال معوف.

باب ما أوله التاء

( تحف )

فِي الْحَدِيثِ « أَوَّلُ مَا يُتْحَفُ بِهِ الْمُؤْمِنُ يُغْفَرُ لِمَنْ يَمْشِي خَلْفَ جَنَازَتِهِ » (١).

ومثله « الطِّيبِ تُحْفَةُ الصَّائِمِ ».

التُّحَفَةُ بالتحريك كرطبة : طرفة الفاكهة ، والجمع تُحَف كرطب ، واستعملت في غير الفاكهة من الألفاظ والبر ، يقال أَتْحَفَهُ بشيء من التحفة.

ومنه قَوْلُهُ صلى الله عليه واله « مَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا وَلِيَ فِيهَا تُحْفَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى ». وأصل تحفة وحفة فأبدلت الواو تاء كما في تراث ، وإنما ذكرناها في هذا الباب لقرب التفاهم.

وَفِي الْحَدِثِ « تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ ». وذلك لما يصيبه من الأذى في الدنيا وما له عند الله من الخير الذي لا يناله ولا يصل إليه إلا بالموت ، وما أحسن ما أنشده بعضهم :

قد قلت إذ مدحوا الحياة وأسرفوا

في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان عذابه بلقائه

وفراق كل معاشر لا ينصف

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ١٧٣.

٢٩

( ترف )

قوله تعالى : أَتْرَفْناهُمْ [ ٢٣ / ٣٣ ] أي نعمناهم وبقيناهم في الملك.

ومثله قوله : أُتْرِفُوا [ ١١ / ١١٦ ] قوله : ( قالَ مُتْرَفُوها ) [ ٣٤ / ٣٤ ] أي الذين نعموا في الدنيا بغير طاعة الله.

والمُتْرِفُ : المتقلب في لين العيش.

والمُتْرَفُ : المتروك يصنع ما يشاء ، وإنما قيل للمتنعم مترف لأنه لا يمنع من تنعمه ، فهو مطلق فيه.

والمُتْرِفُ والمتنعم : المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها من التَّرَفُّه بالضم وهي النعمة والتَّرَفُ التنعم ، والنعت ترف.

وأَتْرَفَتْهُ النعمة : أطغته.

( تلف )

التَّلَفُ بالتحريك الهلاك ، وقد تَلِفَ الشيء وأَتْلَفَهُ غيره.

وذهبت نفس فلان تَلَفاً : أي هدرا.

ورجل مِتْلَافٌ : أي كثير الإتلاف لما له.

( تنف )

فِي الْخَبَرِ « سَافَرَ الرَّجُلُ بِأَرْضٍ تَنُوَفٍة ».

الأرض التَّنُوفَةُ القفر ، وقيل البعيدة الماء ، وجمعها تَنَائِفُ.

باب ما أوله الثاء

( ثقف )

قوله تعالى : ( حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) [ ٢ / ١٩١ ] أي وجدتموهم وظفرتم بهم ، من قولهم ثَقِفْتُ الرجل : إذا وجدته وظفرت به.

تَثْقَفَنَّهُمْ [ ٨ / ٥٧ ] أي تظفرن بهم ويَثْقَفُوكُمْ [ ٦٠ / ٢ ] أي يظفروا بكم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍ « أَما وَاللهِ لَيُسَلِّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلَامٌ ثَقِيفٍ الذيال الميال » (١).

قال بعض الشارحين غلام ثقيف هو الحجاج بن يوسف من الأحلاف قوم من ثقيف ، والذيال طويل الذيل يسحبه تبخترا

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٢٩.

٣٠

وكنى به عن التكبر ، وثَقِيفٌ أبو قبيلة من هوازن ، والنسبة إليه ثقفي بفتحتين.

و « مسجد ثَقِيفٍ » أحد المساجد الملعونة في الكوفة.

وثَقِفْتُ الشيء ثَقَفاً من باب تعب : أخذته.

وثَقِفْتُ الرجل في الحراب : أدركته.

وفي القاموس ثَقِفَهُ كسمعه : صادفه وأخذه.

و « غلام لقن ثَقِفٌ » أي ذو فطنة وذكاء.

والثِّقَافُ : ما تسوى به الرماح.

باب ما أوله الجيم

( جأف )

جَافَةُ بمعنى ذعرة ، وهو مَجْئَوفٌ أي خائف.

( جحف )

فِي الْحَدِيثِ .. « وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ » (١). بضم جيم هي مكان بين مكة والمدينة محاذية لذي الحليفة من الجانب الشامي قريب من رابغ بين بدر وخليص ، سميت بذلك لأن السيل اجْتَحَفَ بأهلها أي ذهب بهم ، وكان اسمها قبل ذلك مهيعة (٢) ويسمى ذلك السيل الجُحَافُ بالضم ، يقال سيل جُحَافٌ إذا أجرف كل شيء وذهب به.

وأَجْحَفَ بعبده : كلفه ما لا يطيق ، ثم أستعير الإجحاف في النقص الفاحش.

ومنه الْحَدِيثُ « إِنْ بَسَطْتَ وَبَسَطُوا أَجْحَفْتَ بِهِمْ ». أي أدخلت عليهم النقص وكلفتهم ما لا طاقة لهم به.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٩.

(٢) قال في معجم البلدان ج ٢ ص ١١١ : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة ... وبينها وبين المدينة ست مراحل ، وبينها وبين غدير خم ميلان.

٣١

ولم يُجْحِفْ بماله : لم ينقصه.

وأَجْحَفَتْ بهم الفاقة : أي أفقرت بهم الحاجة وأذهبت أموالهم.

والمُجْحِفَةُ : المنقصة.

( جدف )

المِجْدَافُ : السفينة معروف ، ويقال بالدال المهملة والذال المعجمة ، وهما لغتان فصيحتان ، والجمع مَجَادِيفُ.

والجَدَفُ : القبر ، وهو إبدال الجدث.

وعن الفراء العرب تعقب بين الفاء والثاء فيقولون جَدَفٌ وجدث.

والتَّجْدِيفُ : هو الكفر بالنعم ، وقيل هو استقلال ما أعطاه الله.

ومنه الْخَبَرُ « لَا تُجَدِّفُوا بِنِعْمَةٍ اللهِ ».

( جرف )

قوله تعالى : ( عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ ) [ ٩ / ١٠٩ ] أي على قاعدة هي أضعف القواعد و « الجُرُفُ » بضم الفاء والعين وبالسكون للتخفيف : ما جَرَّفَتْهُ السيول وأكلته من الأرض وأشرف أعلاه ، فإذا انصدع أعلاه فهو الهار.

وسيل جُرَافٍ كغراب : للذي يذهب بكل شيء ، وجمع الجُرْف جِرَفَة كحجر وحجرة.

وجَرَفْتُ الشيء أَجْرُفُهُ جَرْفاً من باب قتل : أي ذهبت به كله أو جله.

والمِجْرَفَةُ بكسر الميم : المسحاة تتخذ من الخشب يجرف بها التراب ونحوه.

( جزف )

فِي الْحَدِيثِ « مَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ سَمَّيْتَ فِيهِ كَيْلاً فَلَا يَصْلُحُ مُجَازَفَةً ». الجِزَافُ بكسر الجيم والمُجَازِفَةُ : المبايعة في الشيء بالحدس من غير كيل ولا وزن ولا عدد فارسي معرب.

وَمِنْهُ « لَا تَشْتَرِ لِي مِنْ مُجَازِفٍ شَيْئاً ».

قال بعض الشارحين : الذي يكره من بيع الطعام مجازفة البيع اللازم أما الإباحة المعوضة فتصح مجازفة وللطرفين الرجوع ما دامت العين باقية وبيع المعاطاة من قبيل الإباحة المعوضة ، بل القرائن العادية تدل على أنه من قبيل الهبة المعوضة.

( جعف )

« جُعْفِيٌ » وزان كرسي أبو قبيلة

٣٢

من اليمن ، وهو جُعْفِيُ بن سعد العشيرة ، والنسبة إليه كذلك.

( جفف )

فِي الْحَدِيثِ « جَفَ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ ». يريد ما كتب في اللوح من الكائنات والفراغ منها ، يقال جَفَ الثوب وغيره بالكسر من باب تعب جَفَافاً وجَفُوفاً بالفتح فيهما : إذا ابتل ثم جف ، فجعل جَفَافَ القلم كناية عن جريانه بالمقادير وإمضائها والفراغ منها تمثيلا ، وذلك أبلغ في المراد لأن الكاتب إنما يجف قلمه بعد الفراغ مما يكتب.

قال بعض شراح الحديث : ولم يوجد هذا اللفظ مستعملا على هذا الوجه فيما انتهى إلينا من كلام العرب ، فيمكن أن يكون من الألفاظ المستعارة التي لم يهتد إليها البلغاء ، فاقتضتها الفصاحة النبوية.

و « الجُفُ » بضم الجيم وتشديد الفاء : وعاء طلع النخل ، وهو الغشاء الذي يكون عليه.

ومنه ما روي فيما سحر به النبي صلى الله عليه واله فجعل في جُفِ طلعة.

والجَفَّةُ بالفتح : جماعة الناس ، يقال دعيت في جَفَّةِ الناس : أي في جماعتهم.

( جلف )

الجَالِفَةُ : الشجة التي تقشر الجلد مع اللحم ، ومنه طعنة جَالِفَةٌ : للتي لم تصل إلى الجوف ، وهي خلاف الجائفة.

والجِلْفُ بالكسر فالسكون القشر ، ويقال أعرابي جِلْفٌ أي جاف.

قال الجوهري : وأصله من أَجْلَافِ الشاة ، وهي المسلوخة بلا رأس ولا قوائم ، وعن أبي عبيدة أصل الجِلْفِ الدن الفارغ. وجِلْفَةُ القلم : سنانه.

ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « أَلِقْ دَوَاتَكَ وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمَكَ » (١).

( جنف )

قوله تعالى : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) [ ٢ / ١٨٢ ] أي ميلا وظلما.

والجَنَفُ : هو الميل والعدول عن الحق ، يقال جَنِفَ بالكسر يَجْنَفُ جَنَفاً وبابه تعب أي ظلم ، وأَجْنَفَ مثله.

_________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٢٨.

٣٣

قوله : ( غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ ) [ ٥ / ٣ ] أي غير مائل إلى الحرام ومتعمد له.

( جوف )

فِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ عَلَيْكَ مَضْمَضَةٌ وَلَا اسْتِنْشَاقٌ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْجَوْفِ ». أي من الباطن ، وأصل الجَوْفِ الخلاء ، وهو مصدر من باب تعب ثم استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ ، فقيل جَوْفُ الدار لباطنها ، وجوف الإنسان ، وجوف الكعبة.

والأَجْوَفَانِ : البطن والفرج.

وجَوَّفْتُهُ تَجْوِيفاً : جعلت له جوفا.

ومنه « الجَائِفَةُ » في الشجاج وهي الطعنة التي تبلغ الجوف.

وشيء أَجْوَفُ وشيء مُجَوَّفٍ : أي فيه تَجْوِيفٌ.

والجَوْفُ : المطمئن من الأرض.

وأَجَفْتُ الباب : رددته.

ومنه الْحَدِيثُ « مَنْ أَجَافَ مِنَ الرِّجَالِ عَلَى أَهْلِهِ بَاباً أَوْ أَرْخَى سِتْراً فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ ».

و « أَجِيفُوا أبوابكم » أي ردوها.

( جيف )

قد تكرر في الحديث ذكر الجِيفَةِ ، وهي الميتة من الدواب المواشي والجمع جِيَفٌ كسدرة وسدر ، سميت بذلك لتغير ما في جوفها.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْجِيَفُ كُلُّهَا سَوَاءٌ إِلَّا جِيفَةً قَدْ أُجِيفَتْ ». أي غيرت طعم الماء بريحها.

باب ما أوله الحاء

( حتف )

الحَتْفُ : الموت ، والجمع حُتُوفٌ ، ولم يأت منه فعل يقال مات حَتْفَ أنفه : أي على فراشه من غير قتل ولا ضرب ولا غرق ولا حرق ، وخص الأنف لما يقال إن روحه تخرج من أنفه تتتابع

٣٤

نفسه ، أو لأنهم كانوا يتخيلون أن المريض تخرج روحه من أنفه والجريح من جراحته

( حجف )

« الحَجَفَةُ » بالتحريك : الترس ، وذلك إذا كانت من جلود وليس فيها خشب ، وتسمى درقة أيضا ، والجمع حَجَفٌ وحَجَفَاتٌ كقصبة وقصب وقصبات.

( حذف )

« الحَذْفُ » يستعمل في الضرب والرمي معا.

وحَذْفُ الشيء : إسقاطه.

ومنه « حَذَفْتُ من شعري » و « من ذنب الدابة » أي أخذت من نواحيه حتى سويته فقد حذفته.

ومنه مواضع التَّحْذِيفُ بالذال المعجمة وهي ما بين منتهى العذار والنزعة طرف منه على رأس الأذن والطرف الثاني على زاوية الجبين ، ينبت عليه شعر خفيف تحذفه النساء والمترفون.

وحَذَفْتُهُ حذفا من باب ضرب : قطعته.

والحَذْفُ : الرمي بأطراف الأصابع يقال حَذَفَهُ بعصا ، وفي بعض النسخ بإعجام الحاء.

والحَذَفُ : غنم سود صغار جرد ليس لها آذان ولا أذناب يجاء بها من اليمن ، الواحدة حذفة مثل قصب وقصبة ، وبتصغير الواحد سمي الرجل حُذَيْفَةً.

و « حُذَيْفَةُ بن اليمان » أحد الأركان الأربعة من أصحاب علي عليه السلام ، ولاه عمر المدائن ، ومات بها سنة ست وثلاثين (١).

( حرف )

قوله تعالى : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ) [ ٤ / ٤٦ ] أي يُحَرِّفُونَ كلام الله من بعد مواضعه ، أي من بعد أن فرض فروضه وأحل حلاله وحرم حرامه ، يعني بذلك ما غيروا من حكم

__________________

(١) حذيفة بن اليمان العبسي ، عداده في الأنصار وقد عد من الأركان الأربعة ، سكن الكوفة ومات بالمدائن بعد بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بأربعين يوما منتهى المقال ص ٨٨.

٣٥

الله تعالى في الزنا ونقلوه من الرجم إلى أربعين جلدة ـ كذا نقل عن جماعة من المفسرين. وقيل نقلوا حكم القتل من القود إلى الدية حتى كثر القتل فيهم.

قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) [ ٢٢ / ١١ ] يعني على شك من محمد وما جاء به ( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ ) يعني عافية في نفسه وماله وولده ( اطْمَأَنَّ بِهِ ) ورضي به ( وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ ) يعنى بلاء في جسده أو ماله تطير وكره المقام على الإقرار بالنبي صلى الله عليه واله ورجع إلى الوقف والشك ونصب العداوة لله والرسول ، ويقال ( وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ ) يعنى بلاء في نفسه ( انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ) أي انقلب عن شكه إلى الشرك ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ).

قوله : ( إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ) [ ٨ / ١٦ ] التَّحَرُّفُ الميل إلى حَرْفٍ ، أي طرف ، وقيل يريد الكر بعد الفر وتغرير العدو.

وقوله : ( يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَ يُحَرِّفُونَهُ ) [ ٢ / ٧٥ ] أي يقلبونه ويغيرونه.

وحَرْفُ كل شيء : طرفه وشفيره وحده.

والحَرْفُ واحد حَرَوف التهجي ، وربما جاء للكلام التام.

ومنه الْحَدِيثُ « الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفاً » (١). يعنى فصلا.

وَفِي الْحَدِيثِ « سُئِلَ عليه السلام أَنَّهُمْ يَقُولُونَ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؟ فَقَالَ : كَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ وَلَكِنَّهُ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ وَاحِدٍ » (٢).

وَفِي آخَرَ « وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الرُّوَاةِ » (٣). وفيه رد لما رووه في أخبارهم من أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، ثم إنهم اختلفوا في معناه على أقوال : فقيل المراد بِالْحَرْفِ الإعراب ، وقيل الكيفيات ، وقيل إنها وجوه القراءة التي اختارها القراء ، ومنه « فلان يقرأ بحرف ابن مسعود ».

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٣٠٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٣٠.

(٣) نفس المصدر والصفحة.

٣٦

يشتر لي متاعا ويَحْتَرِفُ للمسلمين أي يكتسب لهم.

وعن أبي عبيدة على سبعة أَحْرُفٍ أي لغات من لغات العرب.

قال : وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ولكن نقول هذه اللغات السبع معروفة في القرآن ، فبعضه بلغة قريش ، وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة هوازن ، وبعضه بلغة أهل اليمن.

ثم قال : ومما يبين ذلك قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ « إِنِّي سَمِعْتُ الْقُرَّاءَ فَوَجَدْتُهُم مُتَقَارِبِينَ فَاقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلَ ».

وحُرُوفُ القسم معروفة.

وتَحْرِيفُ القلم : قطه.

وتَحْرِيفُ الكلام : تغييره عن مواضعه.

وتَحْرِيفُ الغالين : من الغلو وهو التجاوز عن القدر ، والغالي هو الذي يتجاوز في أمر الدين عما عدل وبين قال تعالى : ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) فالمبتدعة غلاة في الدين يتجاوزون في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه واله عن المعنى المراد فيحرفونه عن جهته.

والحُرْفَةُ بالضم : الحرمان كالحِرْفَةِ بالكسر والمُحَارَفُ بفتح الراء : المحروم الذي إذا طلب لا يرزق أو يكون لا يسعى في الكسب ، وهو خلاف قولك المبارك (١).

ومنه الْحَدِيثُ « لَا تَشْتَرِ مِنْ مُحَارَفٍ فَإِنَّ صَفْقَتَهُ لَا بَرَكَةَ فِيهَا ».

والمُحَارَفُ أيضا : المنقوص من الحظ لا ينمو له مال ، والحُرْفُ بالضم اسم منه ، وقد حُورِفَ كسب فلان : إذا شدد عليه في معاشه ، كأنه ميل برزقه عنه.

وفلان يَحْتَرِفُ لعياله : أي يكتسب من هنا ومن هنا.

وَفِي الْخَبَرِ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحَارَفُ عَلَى فَعَلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ». أي ليجازى.

وحَرِيفُ الرجل الذي يعامله في حِرْفَتِهِ وفلان حَرِيفِي : أي معاملي.

ومنه الْحَدِيثُ دُلَّنِي عَلَى حَرِيفٍ.

__________________

(١) ومنه الحديث : « كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان محارفا لا يتوجه في شيء فيصيب فيه شيئا .. » الوافي ج ١٤ ص ٩٦.

٣٧

و « الحِرْفَةُ » بالكسر الاسم من الاحْتِرَافِ ، وهو الاكتساب بالصناعة والتجارة

( حشف )

فِي الْحَدِيثِ « لَا تَدَعُ أُمَّتِي السَّحُورَ وَلَوْ عَلَى حَشَفَة ٍ » (١). هي بالتحريك أردى التمر الذي لا لحم فيه والضعيف الذي لا نوى له.

والحَشَفَةُ أيضا : رأس الذكر من فوق الختان إذا قطعت وجبت الدية كاملة. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ ».

( حصف )

الحَصَفُ : الجرب اليابس.

وقد حَصِفَ جلده بالكسر يَحْصَفُ من باب تعب حَصَفاً : إذا خرج به بثر صغار كالجدري.

( حفف )

قوله تعالى : ( وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) [ ١٨ / ٣٢ ] أي أطفناهما من جوانبهما بنخل ، من حَفُّوا بالشيء : أطافوا به.

ومنه قوله : ( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) [ ٣٩ / ٧٥ ] أي مطيفين به مستديرين عليه.

وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الذَّكَرِ « فَيَحُفُّوا بِهِمْ ـ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ ـ بِأَجْنِحَتِهِمْ ». أي يطوفون بهم ويستديرون حولهم.

وَ « حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ » وَيُرْوَى حُجِبَتْ. قد تقدم شرحه.

وحَفَ القوم بالقتال : إذا تناول بعضهم بعضا بالسيوف. وحَفَ به العدو حُفُوفاً : أسرع. وحَفَّتِ المرأة وجهها من الشعر تَحُفُّهُ حَفّاً من باب قتل : زينته.

ومثله « حُفَّتِ الدنيا بالشهوات كما يُحَفُ الهودج بالثياب ».

وحَفَّتْهُمُ الحاجة تَحُفُّهُمْ : إذا كانوا محاويج وحَفَ رأسه يَحِفُ بالكسر حُفُوفاً : إذا بعد عهده بالدهن.

وحَفَ شاربه يحف حفا : أَحْفَاهُ. وحَفِيفُ الفرس : دوي جريه. وحَفِيفُ الشجر : دوي ورقه ، ومثله حفيف جناح الطير.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٩٥.

٣٨

والمِحَفَّةُ بكسر الميم : مركب من مراكب النساء كالهودج.

( حقف )

قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ ) [ ٤٦ / ٢١ ] هي جمع حِقْفٍ ، وهو الرمل المعوج كحمل وأحمال ، وقيل رمال مستطيلة بناحية شجر ، وكانت عاد بين جبال مشرفة على البحر بالشجر من بلاد اليمن ، يقال حَقَفْتُ الشيء حُقُوفاً من باب قعد أعوج ومثله احْقَوْقَفَ الرمل والهلال.

( حلف )

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) [ ٤٨ / ١٠ ] الحَلَّافُ ـ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ـ هُوَ الثَّانِي ، حَلَفَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله أَنَّهُ لَا يَنْكُثُ عَهْداً ( هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) قَالَ : كَانَ يَنُمُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله وَيَهْمِزُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ.( عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ) قال العتل : العظيم الكفر والزنيم الدعي. قال الشاعر :

زنيم تداعاه الرجال تداعيا

كما زيد في عرض الأديم الأكارع

( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) قَالَ فِي الرَّجْعَةِ إِذَا رَجَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَيَرْجِعُ أَعْدَاؤُهُ فَيَسِمُهُمْ بِمِيسَمٍ مَعَهُ كَمَا تُوسَمَ الْبَهَائِمُ (١).

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ». أصل الحِلْفِ ـ على ما نقل ـ المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام ، وقيل المُحَالَفَةُ كانت قبل الفتح. وَقَوْلُهُ « لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ». قاله في زمن الفتح فكان ناسخا.

وَمِمَّا نُقِلَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مِنْ الأَحْلَافِ وَالأَحْلَافُ سِتُّ قَبَائِلَ عَبْدُ الدَّارِ وَجُمَحُ وَمَخْزُومٌ وَعُدَيُّ وَكَعْبٌ وَسَهْمٌ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا فِي أَيْدِي عَبْدِ الدَّارِ مِنْ الْحِجَابَةِ وَالرِّفَادَةِ وَاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَأَبَتْ عَبْدُ الدَّارِ عَقَدَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى أَمَرِهِمْ حَلْفاً مُؤَكَّداً عَلَى أَنْ

__________________

(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ص ٦١١.

٣٩

لَا يَتَخَاذَلُوا ، فَأَخْرَجَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيْباً فَوَضَعَتْهَا لِأَحْلَافِهِمْ وَهُمْ أَسَدٌ وَزُهْرَةُ وَتَيْمٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا وَتَعَاقَدُوا فَسُمُّوا الْمُطْمَئِنِّينَ ، وَتَعَاقَدَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَحُلَفَاؤُهَا حَلْفاً آخَرَ مُؤَكَّداً فَسُمُّوا الأَحْلَافَ لِذَلِكَ.

والحِلْفُ بالكسر : العهد بين القوم والصديق يحلف لصاحبه وأنه لا يغدر به.

وحَالَفَهُ : عاهده.

وتَحَالَفُوا : تعاهدوا.

والحَلِيفُ : المعاهد.

وتَحَالَفَا : إذا تعاهدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية وحِلْفَةُ بالكسر : أي عهد.

والمُحَالِفُ : المعاهد.

وحَالَفَ بين قريش والأنصار : أي آخى بينهم.

والحَلْفُ : اليمين ، يقال حَلَفَ يَحْلِفُ حَلْفاً : أقسم ، ومَحْلُوفًا أيضا وهو أحد ما جاء من المصادر على مفعول كالمجلود والمعقول.

ورجل حَلِيفُ اللسان : إذا كان حديد اللسان فصيحا.

وقد تكرر في الحديث « ذو الحُلَيْفَةِ » هو بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء مصغر الحَلَفَةُ إما واحد الحُلَفَاءِ أعني النبات المعروف أو بمعنى اليمين لتحالف قوم من العرب فيه ، وهو موضع على ستة أميال من المدينة وميقات الحاج منه (١).

( حنف )

قوله تعالى : ( وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً ) [ ٣ / ٦٧ ] الحَنِيفُ : المسلم المائل إلى الدين المستقيم ، والجمع حُنَفَاءُ.

والحَنِيفُ : المسلم لأنه تَحَنَّفَ أي

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٢ ص ٢٩٥ : ذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم بينهم وبين بني خفاجة من عقيل ، وذوالحليفة أيضا .. موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة وليس بالمهد الذي قرب المدينة.

٤٠