مجمع البحرين - ج ٥

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٥

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

وليس في الآية أنه تعالى لا يشاء منهم أن يؤمنوا مختارين.

وإنما نفى المشية لما تلجئهم إلى الإيمان وأنه لو أراد أن يحول بينهم وبين الكفر لفعل.

لكنه أراد أن يكون إيمانهم على الوجه الذي يستحق به الثواب.

قوله ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) [ ٢ / ٣ ] أي يزكون ويتصدقون.

قَوْلُهُ ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) [ ٤ / ٣٧ ] الْآيَةَ.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عليه السلام كَانَتْ مَعَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لَيْلاً وَبِدِرْهَمٍ نَهَاراً وَبِدِرْهَمٍ سِرّاً وَبِدِرْهَمٍ عَلَانِيَةً.

قوله ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ) [ ٦٣ / ١ ] جمع مُنَافِقٍ وهو الذي يخفي الكفر ويظهر غيره.

من النَّفَقُ وهو السَّرَب في الأرض أي يستتر بالإسلام كما يستتر في السرب.

وقيل من النَّافِقِ : اليربوع إذا دخل نَافِقَاء.

فإذا طلب من النَّافِقَاءِ خرج من القاصعاء.

وهما جحرتا اليربوع.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيَتَصَنَّعُ بِالْإِسْلَامِ ».

وعن بعض فقهائنا في الصلاة على المنافق قال : المراد بالمُنَافِقِ « ما يعم الصبي وغيره من أهل الخلاف ».

والنِّفَاقُ بالكسر : فعل المنافق.

والنِّفَاق أيضا جمع النَّفَقَةِ من الدراهم.

ونَفَقَ الزاد نَفَقاً أي نفد.

ونَفَقَتِ الدابة من باب قعد تَنْفُقُ نُفُوقاً أي هلكت وماتت.

ونَيْفَقُ السراويل على فيعل : الموضع المتسع منها.

والعامة تكسر النون.

( نقق )

نَقَ الضفدع والدجاجة : إذا صوتت.

والنُّقَيْقُ بالضم : [ النِّقْنِقُ ] الظليم.

والجمع النَّقَانِقُ ـ قاله الجوهري.

( نمق )

نمق الكتاب يَنْمُقُهُ بالضم : كتبه.

٢٤١

ونَمَّقَهُ تَنْمِيقاً : زينه بالكتابة.

( نمرق )

قوله تعالى ( وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ ) [ ٨٨ / ١٥ ] هي الوسائد ، واحدتها النِّمْرِقَةُ بكسر النون وفتحها.

وَفِي حَدِيثِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام « نَحْنُ النِّمْرِقَةُ الْوُسْطَى ، بِنَا يَلْحَقُ التَّالِي وَإِلَيْنَا يَرْجِعُ الْغَالِي ».

استعار عليه السلام لفظ النِّمْرِقَةِ بصفة الوسطى له ولأهل بيته باعتبار كونهم أئمة العدل يستند الخلق إليهم في تدبير معاشهم ومعادهم.

ومن حق الإمام العادل أن يلحق به التالي المفرط المقصر في الدين ويرجع إليه الغالي المفرط المتجاوز في طلبه حد العدل.

كما يستند إلى النمرقة المتوسطة من على جانبيها.

ومثله فِي حَدِيثِ الشِّيعَةِ « كُونُوا النِّمْرِقَةَ الْوُسْطَى » إلى آخره ، وقد مر في ( غلا ).

( نوق )

قوله تعالى ( ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها ) [ ٩١ / ١٣ ] والأصل نوقة على فعلة بالتحريك لأنها جمعت على نُوقٍ مثل بدنة وبدن.

وقد جمعت في القلة على أَنْوُقٍ.

ثم استثقلوا الضمة على الواو فقدموها فقالوا أَوْنُق.

ثم عوضوا الواو ياء فقالوا أَيْنُق.

ثم جمعوها على أَيَانِق.

وقد تجمع الناقة على نِيَاقٍ كثمرة وثمار.

والنَّاقَة : الأنثى من الإبل.

وقوله ناقة الله إضافة كل خلق إلى الخالق تشريفا له وتخصيصا.

وتَنَوَّقَ في الأمر : تأنق فيه.

ومنه « اعمل طعاما وتَنَوَّقَ فيه ».

وَفِي الْحَدِيثِ « تَنَوَّقُوا بأكفانكم فَإِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ بِهَا » اطلبوا حسنها وجودتها.

من قولهم تَنَوَّقَ وتنيق في مطعمه وملبسه : تجود وبالغ.

والاسم النِّيقَةُ بالكسر.

٢٤٢

( نهق )

نُهَاقُ الحمار : صوته.

وقد نَهَقَ يَنْهِقُ نَهِيقاً ونُهَاقاً : إذا صوت.

باب ما أوله الواو

( وبق )

قوله تعالى ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ) [ ١٨ / ٥٢ ] أي مهلكا.

من وَبَقَ يَبِقُ وُبُوقاً : إذا هلك.

ويقال المَوْبِقُ : واد في جهنم.

والمَوْبِقُ : مفعل كالموعد من وعد.

و ( يُوبِقْهُنَ ) أي يهلكن.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا تَعُدْ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي تُوبِقُ دِينَكَ ».

أي تهلكه وتضيعه.

ومثله وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ مُوبِقَاتِ الذُّنُوبِ أي مهلكاتها من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الذنوب المهلكة.

( وثق )

قوله تعالى ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ) [ ٢ / ٢٧ ] أي ينقضون به ما وثق الله به عهده من الآيات والكتب.

أو ما وثقوه به من الالتزام والقبول.

قوله ( لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) [ ٢ / ٨٣ ] الآية.

قال المفسر : الْمِيثَاقُ اليمين المؤكدة لأنها يُسْتَوْثَقُ بها من الأمر.

فقوله ( لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) [ ٢ / ٨٣ ] أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة له والإيمان برسله وما يأتون به من الشرائع.

وقيل المِيثَاقُ هو العهد المأخوذ على الزوج حال العقد من ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) [ ٢ / ٢٢٩ ].

قوله ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ) [ ٣٣ / ٧ ] أي بتبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد ( وَمِنْكَ ) خصوصا ( وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ).

والْمُوَاثَقَةُ : المعاهدة.

٢٤٣

ومنه قوله تعالى ( وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ ) [ ٥ / ٨ ].

وأَوْثَقَهُ في الوثاق أي شده.

قال تعالى ( فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) [ ٤٧ / ٤ ] الوَثَاقُ بالفتح والكسر لغة.

ومنه الْحَدِيثُ « مَنْ مَاتَ فِي الْبَحْرِ يُوثَقُ فِي رِجْلِهِ حَجَرٌ ».

والمِيثَاقُ : العهد مفعال من الوَثَاقِ.

وهو في الأصل حبل أو قيد يشد به الأسير والدابة صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

والجمع المَوَاثِيقُ والمَيَاثِقُ.

وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ « وَلَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ » أي تحالفنا وتعاهدنا.

والتَّوَاثُقُ : تفاعل منه.

وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ عليه السلام « أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ ، وَهُمْ ذَرٌّ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ ».

وتوضيحه : أن الأرواح تعلقت ذلك اليوم بجسد صغير مثل النمل ، دعاهم إلى الإقرار فأقر بعضهم وأنكر بعضهم فمن ثم كان التكذيب.

إذا تقرر هذا فاعلم أن حديث أخذ المِيثَاقِ على العبد مشهور بين الفريقين إلا أن بعض العلماء من كل منهما جد في الهرب عن ظاهره لما يرد عليه.

وقد حققنا الكلام فيه فيما تقدم (١).

وَفِي حَدِيثِ الْأَئِمَّةِ « إِنَّ أَمْرَنَا مَسْتُورٌ مُقَنَّعٌ بِالْمِيثَاقِ فَمَنْ هَتَكَ عَلَيْنَا أَذَلَّهُ اللهُ ».

كأن المعنى مستور مقنع أخذنا العهد والميثاق عليه من المؤمنين أن لا يظهروه لأحد من الأعداء فمن هتك علينا وأظهره أذله الله.

وَفِيهِ « كُلُّ يَمِينٍ فِيهَا كَفَّارَةٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَهْدٍ أَوْ مِيثَاقٍ ».

كأن المعنى ما يتعهد به الإنسان ويلتزمه لغيره فإنه لا كفارة له سوى الوفاء به.

ومن هذا « وَعْدُ الْمُؤْمِنِ نَذْرٌ لَا كَفَّارَةَ لَهُ ».

وَفِي حَدِيثِ تَلْبِيَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

__________________

(١) في ( ذرر ).

٢٤٤

فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أُخِذَ مِيثَاقُهُ بِالْمُوَافَاةِ فِي ظَهْرِ رَجُلٍ وَلَا بَطْنِ امْرَأَةٍ إِلَّا أَجَابَ بِالتَّلْبِيَةِ.

وَفِي حَدِيثِ يَوْمِ الْغَدِيرِ وَيُسَمَّى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَالْجَمْعِ الْمَشْهُودِ.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه واله أخذ عليهم العهد والْمِيثَاقَ في ذاك الجمع المشهود.

والوَثِيقَةُ : فعيلة بمعنى المفعول أي موثوق به لأجل الدين.

والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية.

وقد أخذ بالوَثِيقَةِ في أمره أي بالثقة.

واسْتَوْثَقْتُ منه : أخذت منه الوثيقة.

وقد وَثُقَ بالضم وِثَاقَةً أي صار وثيقا.

ووَثَّقْتُ الشيءَ تَوْثِيقاً : إذا ربطته وشددته.

ومنه الْحَدِيثُ « إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ وَثَّقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ ».

ووَثَّقْتُ فلانا : إذا قلت له إنه ثقة.

ومنه الْحَدِيثُ « لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ بِالظَّنِّ عَلَى الثِّقَةِ ».

والْوَاثِقُ بالله : من خلفاء بني العباس (١).

( ودق )

قوله تعالى ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) [ ٢٤ / ٤٣ ] الْوَدْق بسكون الدال : المطر.

وقد وَدَقَ يَدِقُ وَدْقاً أي قطر.

ومنه حَدِيثُ الِاسْتِسْقَاءِ « بَرَكَةٌ مِنَ الْوَابِلِ تُدَافِعُ الْوَدْقَ بِالْوَدْقِ ».

ومثله « غَيْثاً وَدِقاً مِطْفَاحاً ».

( ورق )

قوله تعالى ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ) [ ١٨ / ١٩ ].

الوَرِقُ بفتح الواو وكسر الراء : الفضة.

والوَرِقُ : الدراهم المضروبة.

وكذلك الرِّقَةُ ، والهاء عوض من الواو.

ومنه الْخَبَرُ « فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ ».

قال الجوهري : وفي الوَرِقِ ثلاث

__________________

(١) هو تاسع الخلفاء العباسيين قال بمذهب المعتزلة وتسلط القواد الأتراك في عهده على جيوش الخلافة وغزا جزيرة صقلية.

٢٤٥

لغات حكاهن الفراء وقرئ بها في الآية الشريفة :

وَرِق بفتح الواو وكسر الراء.

ووَرْق بفتح الواو وسكون الراء.

ووِرْق بكسر الواو وسكون الراء.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّهُ عليه السلام كَرِهَ صَكَ الْوَرِقِ حَتَّى يَقْبِضَ » يعني حرم.

والصك : كتاب كالسجل معرب.

والوَرَّاقُ : كثير الدراهم.

والوَرَق بالتحريك : وَرَقُ الشجر والكتاب.

ومنه الْحَدِيثُ « لَا تَمَسَّ الْكِتَابَ وَمَسَ الْوَرَقَ ».

والواحدة وَرَقَةٌ ، والجمع وَرَقَاتٌ.

ووَرَقَةُ بن نوفل : عم خديجة (١).

ووَرَقَةُ : أم لوط.

وفي نسخة رقية.

والأَوْرَقُ من الإبل : الذي في لونه سواد إلى بياض.

ومنه جمل أَوْرَقُ.

وأَوْرَقَ الشجر : خرج ورقه.

ووَرَقَ مثله.

( وسق )

قوله تعالى ( وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ ) [ ٨٤ / ١٧ ] أي جمع.

وذلك لأن الليل إذا أظلم يضم كل شيء ويجلله فلا يمتنع منه شيء.

والِاتِّسَاقُ : الانتظام.

ومنه قوله تعالى ( وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) [ ٨٤ / ١٨ ] أي اجتمع وامتلأ وصار بدرا ، وذلك في الليالي البيض.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسَاقٍ ».

والْوَسْقُ : ستون صاعا.

الوَسْقُ كفلس ، والجمع وُسُوقٌ كفلوس.

وحكى بعضهم : الكسر لغة.

وجمعه أَوْسَاقٌ مثل حمل وأحمال.

قال في النهاية : الوَسْقُ بالفتح ستون صاعا.

وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز.

__________________

(١) كان من النبهاء العارفين أيام الجاهلية أدرك النبي صلى الله عليه وآله.

٢٤٦

وأربعمائة وثلاثون رطلا عند أهل العراق ـ على اختلافهم في مقدار الصاع والمد.

وعن الخليل : الوَسْقُ حمل البعير.

والوقر : حمل البغل والحمار.

والوَسْقُ أيضا : ضم الشيء إلى الشيء.

ومنه خَبَرُ أُحُدٍ « اسْتَوْسِقُوا ». أي اجتمعوا وانضموا.

وَمِنْهُ « اسْتَوْسَقَ النَّاسُ لِبَيْعَتِهِ ».

( وفق )

قوله تعالى ( جَزاءً وِفاقاً ) [ ٧٨ / ٢٦ ] أي موافقا بسوء أعمالهم.

والوِفَاقُ بالكسر : الموافقة.

وَفِي الْحَدِيثِ « زَادَكَ اللهُ تَوْفِيقاً ».

وهو مثل قولهم : وَفَّقَكَ الله تَوْفِيقاً.

والتَّوْفِيقُ من الله : توجيه الأسباب نحو مطلوب الخير.

واسْتَوْفَقْتُ الله أي سألته التوفيق.

ووَافَقْتُهُ : صادفته.

والتَّوَافُقُ : الاتفاق.

وَمِنْهُ « الْمَيِّتُ وَالْجُنُبُ يَتَّفِقَانِ » أي يتصادفان.

والوَفْقُ من الموافقة بين الشيئين كالالتحام.

وقولهم حلوبته على وَفْقِ عياله أي لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه.

وفي كلام بعض الأعلام من المتقدمين : إن الِاتِّفَاقَات لا تحمل على الأحكام لأنها إذا حملت على الأحكام بطلت.

قال بعض الشارحين : يعني الِاتِّفَاقَات بين الناس والتراضي بينهم في المعاملات لا تحتاج مثل القضاء والإفتاء إلى الإمام أو نائبه الخاص أو العام.

بل يكفي فيها أن تكون على يد رجل عدل لأنها لو احتاجت إلى ذلك كالقضاء والإفتاء لبطلت الشروط التي تقع بين المسلمين في غير حضور حاكم الشرع وليس كذلك بالإجماع.

ومما يشهد لذلك الحديث « مَتَى عَدَّلْتَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَ رَجُلٍ إِلَى أَجَلٍ فَكَتَبْتَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقاً لِتَحْمِلَهُمَا عَلَيْهِ فَعَلَى الْعَدْلِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا فِي الِاتِّفَاقِ وَلَا يَتَجَاوَزَهُ ».

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالا دَخَلْنَا عَلَى

٢٤٧

الرِّضَا عليه السلام فَحَكَيْنَا لَهُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه واله رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ الشَّابِ الْمُوَفَّقِ فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً!

وَقُلْنَا : إِنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَصَاحِبَ الطَّاقِ وَالْمِيثَمِيَّ يَقُولُونَ إِنَّهُ أَجْوَفُ إِلَى السُّرَّةِ وَالْبَقِيَّةُ صَمَدٌ.

فَخَرَّ سَاجِداً ثُمَّ قَالَ : مَا عَرَفُوكَ وَمَا وَحَّدُوكَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَصَفُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ :

يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه واله حِينَ نَظَرَ إِلَى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِ الْمُوَفَّقِ وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً الحديث.

فقولهم المُوَفَّقُ هو بالميم والواو والفاء في نسخ متعددة.

وفسره البعض بتناسب الأعضاء.

وقال بعض آخر يحتمل أن يكون هذا من باب الاشتباه الخطي بأن يكون أصله الشاب الريق.

وفيه ما فيه.

وفي بعض النسخ الشاب المونق بالنون من قولهم أنيق أي حسن معجب.

والأول أشهر.

( ولق )

الوَلْقُ : الإسراع في السير وفي الكذب.

والوَلِيقَةُ : طعام يتخذ من دقيق وسمن.

( ومق )

المِقَةُ بالكسر : المحبة والهاء عوض عن الواو.

وقد وَمِقَهُ يَمِقُهُ بالكسر فيهما أي أحبه فهو وَامِقٌ.

( وهق )

أَوْهَاقُ المنية : حبالها.

باب ما أوله الهاء

( هرق )

فِي الْحَدِيثِ « أَهْرِقِ الْإِنَاءَ » أي صُبَّ ما فيه.

يقال هَرَاقَ الماءَ يُهَرِيقُهُ بفتح الهاء كدحرجه يدحرجه هِرَاقَةً أي صبه.

وأصله أراق يريق إراقة.

٢٤٨

وأصل أراق أريق.

وأصل يريق يريق ثم غير

ومنه الْحَدِيثُ « إِنْ كَانَ يَدُهُ قَذِرَةً فَأَهْرِقْهُ » أي صبه « ولا تستعمله ».

قال سيبويه : قد أبدلوا من الهمزة الهاء ثم ألزمت فصارت كأنها من نفس الحرف.

ثم أدخلت الألف بعد على الهاء وتركت الهاء عوضا من حذفهم العين.

لأن أصل أهرق أرأق.

وَفِي الْحَدِيثِ « تِلْكَ الْهِرَاقَةُ مِنَ الدَّمِ ».

بهاء مكسورة بمعنى الصبة.

وَفِي الْخَبَرِ « فَدَعَا بِذُنُوبٍ فَأُهْرِيقَ » بسكون الهاء.

وَفِيهِ « أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ » بالبناء للمفعول.

والدماء نصب على التمييز ، ويجوز الرفع على إسناد الفعل إليها.

( هيق )

فِي حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ « إِنِّي لَأَظُنُّكَ إِذَا صُفِّقَ خَلْفَكَ طِرْتَ مِثْلَ الْهَيْقِ النَّافِرِ ».

الْهَيْقُ الظَّلِيمُ أي الذكر من النعام.

باب ما أوله الياء

( يرق )

اليَرَقَانُ مثل الأَرَقَان وهو آفة تصيب الزرع وداء يصيب الناس.

وحجر اليَرَقَانُ معروف.

( يقق )

فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله أَنَّهُ قَالَ : « لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قِيعَاناً يَقَقاً » الحديث.

اليَقَقُ : المتناهي في البياض.

وقد تكسر القاف أي شديدة البياض.

هذا نهاية الجزء الرابع (١) ويتلوه الجزء الخامس وبه يتم الكتاب إن شاء الله تعالى ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ).

__________________

(١)حسب تجزئة المصنف رحمه‌الله.

٢٤٩
٢٥٠

كتاب الكاف

٢٥١
٢٥٢

باب ما أوله الألف

( ارك )

قوله تعالى ( عَلَى الْأَرائِكِ ) [ ١٨ / ٣١ ] جمع أَرِيكَةٍ وهو سرير منجد مزين في قبة أو بيت.

وقيل هي سرير في حجلة من دونه ستر لا يكون إلا كذلك فلا يكون منفردا أريكة.

وقيل هي كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ أَصْحَابَ الْأَرَاكِ لَا حَجَّ لَهُمْ ».

الأَرَاكُ كسَحَاب شجر يستاك بقضبانه له حمل كعناقيد العنب يملأ العنقود الكف.

والمراد به هنا موضع بعرفة من ناحية الشام قرب نمرة.

وكأنه حد من حدود عرفة فالوقوف به ليس بوقوف فلا يكون مبرئ للذمة.

وأَرِكَتِ الإبلُ : إذا رعت الأراك.

( أفك )

قوله تعالى ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى ) [ ٥٣ / ٥٣ ] قيل هي القرى التي ائْتَفَكَتْ بأهلها أي انقلبت وهم قوم لوط.

و ( أَهْوى ) أي رفعها إلى السماء على جناح جبرئيل ثم أهوى بها إلى الأرض أي أسقطها.

وقيل المُؤْتَفِكَةُ البصرة ، يدل عليه قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام « يَا أَهْلَ الْمُؤْتَفِكَةِ ، يَا جُنْدَ الْمَرْأَةِ ، وَأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ ـ إِلَى أَنْ قَالَ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيّاً ».

إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه واله أَخْبَرَنِي أَنَّ جبرئيل عليه السلام أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَوَي لَهُ الْأَرْضَ فَرَأَى الْبَصْرَةَ أَقْرَبَ الْأَرَضِينَ مِنْ الْمَاءِ وَأَبْعَدَهَا عَنْ السَّمَاءِ.

وَفِيهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ وَالدَّاءُ الْعُضَالُ ، الْمُقِيمُ فِيهَا بِذَنْبٍ وَالْخَارِجُ مِنْهَا بِرَحْمَةِ.

٢٥٣

وَقَدِ ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا مَرَّتَيْنِ وَعَلَى اللهِ الثَّالِثَةُ ، وَتَمَامُ الثَّالِثَةِ فِي الرَّجْعَةِ.

وَفِي الْخَبَرِ « الْبَصْرَةُ إِحْدَى الْمُؤْتَفِكَاتِ ».

يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها.

والإِفْكُ : أسوأ الكذب وأبلغه.

وقيل هو البهتان.

والمشهور فيه كسر الهمزة وإسكان الفاء.

وجاء فتحها والجمع أَفَائِكُ.

وأَفَكَ كضرب وعلم.

ورجل أَفَّاكٌ بالتشديد : كذاب.

ومنه قوله ( تَنَزَّلُ عَلى كُلِ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) [ ٢٦ / ٢٢٢ ] أي كذاب صاحب الإثم الكبير.

والمراد بهم الكهنة كشق وسطيح (١) ونحوهم كان الشياطين قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملإ فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يلقون ما يسمعونه أي يوحون به إليهم.

قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) [ ٢٤ / ١١ ] الآية.

قَالَ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّ الْعَامَّةِ رَوَتْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ وَمَارِيَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ مِنْ خُزَاعَةَ.

وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَإِنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَمَا رَمَتْهَا بِهِ عَائِشَةَ.

رُوِيَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : لَمَّا هَلَكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله حَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً.

فَقَالَتْ عَائِشَةُ : مَا الَّذِي يَحْزُنُكَ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إِلَّا ابْنُ جَرِيحٍ! فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله عَلِيّاً وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ فَذَهَبَ عَلِيٌّ عليه السلام إِلَيْهِ وَمَعَهُ السَّيْفُ.

وَكَانَ جَرِيحٌ الْقِبْطِيُّ فِي حَائِطٍ فَضَرَبَ عَلِيٌّ عليه السلام بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَقْبَلَ جَرِيحٌ لِيَفْتَحَ الْبَابَ فَلَمَّا رَأَى عَلِيّاً عَرَفَ فِي وَجْهِهِ الشَّرَّ فَأَدْبَرَ رَاجِعاً وَلَمْ يَفْتَحْ بَابَ الْبُسْتَانِ فَاتَّبَعَهُ فَوَلَّى جَرِيحٌ مُدْبِراً.

__________________

(١) يأتي الكلام عنهما في الجزء السّادس ص ٣٠٥.

٢٥٤

فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُرْهِقَهُ صَعِدَ فِي نَخْلَةٍ وَصَعِدَ عَلِيٌّ عليه السلام فِي أَثَرِهِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ رَمَى جَرِيحٌّ بِنَفْسِهِ مِنْ فَوْقِ النَّخْلَةِ فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ.

فَإِذَا لَيْسَ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه واله فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي الْأَمْرِ أَكُونُ فِيهِ كَالْمِسْمَارِ المُحْمَى فِي النَّارِ أَمْ أَثَّبَّتُ؟ فَقَالَ : تَثَبَّتْ.

فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَلَا مَا لِلنِّسَاءِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَرَفَ عَنَّا السُّوءَ أَهْلَ الْبَيْتِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله فَقَالَ صلى الله عليه واله لَهُ : مَا شَأْنُكَ يَا جَرِيحُ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ الْقِبْطُ يُحِبُّونَ حَشَمَهُمْ وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِمْ.

وَالقِبْطِيُّونَ لَا يَسْتَأْنِسُونَ إِلَّا بِالْقِبْطِيِّينَ فَبَعَثَنِي أَبُوهَا لِأَدْخُلَ عَلَيْهَا وَأُونِسَهَا.

فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) [ ٤٩ / ٦ ] الآية.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهِ : الْمُرَادُ بِالْإِفْكِ مَا أُفِكَ بِهِ عَلَى عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ الْمِعَطَّلِ.

وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْإِفْكِ أَنْ عَائِشَةَ ضَاعَ عَقْدَهَا فِي غَزَاةِ الْمُصْطَلَقِ.

وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ فَرَجَعَتْ طَالِبَةً لَهُ.

وَحَمَلَ بَعِيرَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّهَا فِيهِ فَلَمَّا عَادَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ وَجَدَتْهُمْ قَدْ رَحَلُوا.

وَكَانَ صَفْوَانُ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَعَرَفَهَا أَنَاخَ بَعِيرَهُ حَتَّى رَكِبَتْهُ وَهُوَ يَسُوقُهُ حَتَّى أَتَى الْجَيْشَ وَقَدْ نَزَلُوا.

فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ تِلْكَ الْعَقَبَةِ يَشِيعُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ امْرَأَةُ نَبِيِّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُلٍ حَتَّى أَصْبَحَتْ ثُمَّ جَاءَ يَقُودُهَا.

وَاللهِ مَا نَجَتْ مِنْهُ وَلَا نَجَا مِنْهَا.

قال والخطاب في قوله ( هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) لعائشة وصفوان لأنهما المقصودان بالإفك ولمن شاء ذلك من المؤمنين.

٢٥٥

ومعنى كونه خيرا لهم أن الله يعوضهم بصبرهم.

قوله ( لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا ) [ ٤٦ / ٢٢ ] أي لتصرفنا عنها.

وَفِي عَرْضِ نَفْسِهِ صلى الله عليه واله عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ « لَقَدْ أُفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ ».

أي صرفوا عن الحق ومنعوا منه من قوله أَفَكَهُ يَأْفِكُهُ : إذا صرفه عن الشيء وقلبه.

( الك )

الأَلُوكُ : الرسالة.

وكذلك المَأْلَكُ والمَأْلُوكَةُ بضم اللام فيهما.

( انك )

الآنُكُ وزان أَفْلُسٍ : الرصاص.

وقيل هو الرصاص الأبيض.

وقيل هو الأسود.

وقيل هو الخالص منه.

ولم يجئ على أَفْعُلٍ غير هذا ـ على ما قيل.

ويحتمل أن يكون الآنِكُ فاعلا لا أفعل وهو أيضا شاذ.

( ايك )

قوله تعالى ( أَصْحابُ الْأَيْكَةِ ) [ ١٥ / ٧٨ ] ( الْأَيْكَةِ ) واحدة الأَيْكِ وهو الشجر الملتف الكثير.

قِيلَ إِنْ أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ كَانُوا أَصْحَابَ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ وَكَانَ شَجَرُهُمْ شَجَرُ الْمُقْلِ وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ.

ويقال الأَيْكَةُ اسم قرية ، والليكة اسم بلد.

وقيل هما بمعنى.

قال الجوهري من قرأ ( أَصْحابُ الْأَيْكَةِ ) فهي الغيضة.

ومن قرأ ليكة فهي اسم القرية.

ويقال هما مثل بكة ومكة.

٢٥٦

باب ما أوله الباء

( بتك )

قوله تعالى ( فَلَيُبَتِّكُنَ آذانَ الْأَنْعامِ ) [ ٤ / ١١٩ ] أي قطعها ، شدد لكثرته.

والبَتْكُ : القطع.

قال المفسر : هو فعلهم بالنجائب كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على أنفسهم الانتفاع.

وسيف بَاتِكٌ أي صارم.

( برك )

قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) [ ٤٤ / ٣ ] هي ليلة القدر على الصحيح ـ قاله الشيخ أبو علي.

وقيل : ليلة النصف من شعبان أي أنزله جملة واحدة إلى سماء الدنيا.

قوله ( شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ ) [ ٢٤ / ٣٥ ] هي شجرة الزيتون لأنها كثيرة البركة والمنفعة يسرج بدهنها ويؤتدم به ويوقد بحطبها ويغسل الإبريسم برمادها.

وهي على ما نقل أو شجرة نبتت بعد الطوفان في الأرض.

وقيل لأن سبعين نبيا بَارَكُوا فيها منهم إبراهيم عليه السلام.

قوله ( بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ) [ ٢٧ / ٨ ] معناه على ما قيل بورك من في مكان النار ومن حول مكانها.

ومكانها البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة وحواليها حدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله تعالى موسى عليه السلام.

وقيل هو عام في كل من كان في تلك البقعة وذلك الوادي وحواليها من أرض الشام.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي بِهِ قُدِّسَ مَنْ فِي النَّارِ وَهُوَ اللهُ تَعَالَى عَنَى بِهِ نَفْسَهَ.

قال وتأويل هذا القول : أنه كان فيها لا على سبيل تمكن الأجسام بل إنه جل وعلا نادى موسى وأسمعه كلامه

٢٥٧

من جهتها وأظهر له ربوبيته من ناحيتها فالشجرة مظهرة لكلامه تعالى.

رُوِيَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا كَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى سَمِعَ الْكَلَامَ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَلَمْ يَسْمَعُهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى.

قوله ( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) [ ٢٣ / ١٤ ] أي ثبت الخير عنده وفي خزائنه.

وقيل تَبَارَكَ أي علا.

ويقال تَبَارَكَ وتعظم واتسعت رحمته وكثرت نعمته تفاعل من البركة ولا يجيء من هذا خاصة الفعل المضارع.

وقيل تَبَارَكَ الله : بَارَكَ الله مثل قَابَلَ وتَقَابَلَ إلا أن فَاعَلَ يتعدى وتَفَاعَلَ لا يتعدى.

ويقال ( تَبارَكَ اللهُ ) : تقدس.

والقدس : الطهارة.

قوله ( وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ ) [ ٦ / ٩٢ ] قال المفسر وهذا أعني القرآن أنزلناه من السماء إلى الأرض مباركا.

وإنما سماه مُبَارَكاً لأنه ممدوح كل من تمسك به نال الفوز ولأن قراءته خير والعمل به خير وفيه علم الأولين والآخرين وفيه مغفرة للذنوب وفيه الحلال والحرام.

وقيل البَرَكَةُ : الزيادة والقرآن مُبَارَكٌ لما فيه من زيادة البيان على الكتب السماوية لأنه ناسخ لا يرد عليه نسخ فبقاؤه إلى آخر التكليف.

قَوْلُهُ ( وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ ) [ ١٩ / ٣١ ] قَالَ الصادق عليه السلام يَعْنِي نَفَّاعاً.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَأَنْزِلْ عَلَيَّ مِنْ بَرَكَاتِكَ » أي من خيرك وكرمك.

سمى إيصال البركات إلى العباد إنزالا على جهة الاستعارة تشبيها للعلو والسفل اللذين من جهة الرتبة بالعلو والسفل الحقيقيين.

وَفِي الدُّعَاءِ « وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ » أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة من بَرَكَ البَعيرُ : ناخ في موضعه فلزمه.

وبَارَكَ الله عليه وفيه بمعنى جعل فيه البركة.

٢٥٨

والتَّبْرِيكُ : تفعيل ، وهو الدعاء بالبركة.

والأرض المُبَارَكَةِ : القدس والخليل كما جاءت به الرواية.

ومَبَارَكُ الإبل : المواضع التي تأوي إليها دون مناخها لعلفها.

وبَرَكَ البعيرُ يَبْرُكُ بُرُوكاً أي استناخ لأنه يقع على بَرْكِهِ وهو صدره.

وقولهم ما أحسن هذه البِرْكَةَ بالكسر وهو اسم للبُرُوك كالرِّكبة والجِلسة.

وبِرْكَةُ الماء : معروفة.

والجمع بِرَكٌ كسِدْرَة وسِدَر سميت بذلك لإقامة الماء فيها.

والبُرَكَةُ كرُطَبَةٍ : طائر أبيض من طير الماء.

( برمك )

البَرَامِكَةُ : الذين كثر فسادهم في البلاد فأخذهم الله ( أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ) (١)

نُقِلَ أَنَّ شِيرَوَيْهَ لَمَّا قَتَلَ أَبَاهُ كِسْرَى اسْتَوْزَرَ بَرْمَكَ بْنَ فَيْرُوزَ جَدَّ البَرَامِكَةِ.

( بكك )

قوله تعالى ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ) [ ٣ / ٩٦ ] قيل بَكَّة : موضع البيت.

ومكة سائر البلد.

وقيل هما اسمان للبلد والباء والميم يتقاربان.

وإنما سميت بَكَّة قيل لأنها تَبُكُ أعناقَ الجبابرةِ أي تدقها.

وقيل لأن الناس يَبُكُ بعضُهُمْ بعضاً في الطواف أي يزاحم ويدافع.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّهَا تَبُكُ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءِ ».

وَرُوِيَ « سَمِّيَتْ بَكَّةَ لِبُكَاءِ النَّاسِ حَوْلَهَا وَفِيهَا ».

وبَعْلَبَكّ : اسم بلد (٢) كلمتان جعلتا كلمة واحدة.

__________________

(١) استوزرهم بنو العباس واستفحل امرهم حتى استأصلهم الرشيد في نكبتهم المشهورة.

(٢) بلدة فيها آثار ضخمة في لبنان شيد فيها ـ في القديم ـ معبد جبار على اسم ( جوبيتر هليوپوليس ) ودام بناء وتجميل المعبد زهاء ( ٢٦٠ سنة من عهد أوغسطوس إلى عهد كاركلا وكانت مستعمرة رومانية.

٢٥٩

( بوك )

في الحديث ذكر تَبُوك كرسول وهو موضع بالشام (١) منه إلى المدينة أربع عشر مرحلة وإلى دمشق أحد عشر.

وَمِنْهُ غَزْوَةُ تَبُوكَ.

وَهِيَ غَزْوَةٌ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله فِي تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَأَقَامَ بِهَا عِدَّةَ أَيَّامٍ وَصَالَحَ أَهْلَهَا عَلَى الْجِزْيَةِ.

وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَاتُوا يَبُوكُونَ حِسْيَهَا بِقَدَحٍ أَيْ يُدْخِلُونَ فِيهَا الْقَدَحَ أَعْنِي السَّهْمَ وَيُحَرِّكُونَهُ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ ـ قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ.

فَقَالَ صلى الله عليه واله « مَا زِلْتُمْ تَبُوكُونَهَا بَوْكاً » فسميت تلك الغزوة غزوة تَبُوكَ من البَوْكِ.

باب ما أوله التاء

( ترك )

قوله تعالى وتَرَكَهُمْ في طغيانهم يعمهون (٢) وقوله ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) [ ٢ / ١٧ ] هو من تَرَكْتُ الشيءَ تَرْكاً إذا خليته.

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) [ ٢ / ١٧ ] فَقَالَ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالتَّرْكِ كَمَا يُوصَفُ خَلْقُهُ لَكِنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَنَعَهُمْ عَنْ الْمُعَاوَنَةُ وَاللُّطْفِ وَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اخْتِيَارِهِمْ.

والتُّرْكُ بالضم : جيل من الناس.

__________________

(١) هي ـ اليوم ـ داخلة في البلاد السعودية على حدودها من ناحية المملكة الأردنية الهاشمية.

(٢) هكذا في النسخ والصحيح : ( ويمدّهم في طغيانهم يعمهون ) [ ٢٠ / ١٥ ].

٢٦٠