مجمع البحرين - ج ٤

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٤

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٦

« لَعَنَ اللهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ » وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبْضَعَةَ.

و « بئر بُضَاعَةَ » بئر بالمدينة لقوم من خزرج (١). و « بُضَاعَة » اسم رجل أو امرأة ، وأهل اللغة يفتحون الباء ويكسرونها ، والمحفوظ من الحديث الضم ، وقد حكي عن بعضهم بالصاد المهملة وليس بمحفوظ. والإِبْضَاع : هو أن يدفع الإنسان إلي غيره مالا ليبتاع به متاعا ولا حصة له في ربحه بخلاف المضاربة.

( بعع )

بَعَاعُ السحاب : ثقله بالمطر.

( بقع )

قوله تعالي : ( فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ ) [ ٢٨ / ٣٠ ] وهي القطعة من الأرض علي غير الهيئة بجنبها. والبُقْعَةُ بضم الباء في الأكثر تجمع علي بُقَعٍ كغُرْفَة وغُرَف ، وبالفتح تجمع على بِقَاع ككَلْبَة وكِلَاب.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَتْ عَلَيْهِ بِقَاعُ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللهَ عَلَيْهَا » (٢).

ويحتمل الحقيقة والمجاز. و « البَقِيعُ » من الأرض المكان المتسع قيل ولا يسمى بَقِيعاً إلا وفيه شجرا وأصولها ، ومنه « بَقِيعُ الغرقد » (٣). وبَقِعَ الغراب بَقْعاً من باب تَعِبَ : اختلف لونه ، فهو أَبْقَعُ ، وجمعه بِقْعَان بالكسر غلب فيه الإسمية. قال في المصباح : ولو اعتبرت الوصفية لقيل بقع مثل أحمر وحمر. والبَقَعُ بالتحريك في الطائر والكلاب

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ١ ص ٤٤٢ : بضاعة بالضم وقد كسره بعضهم والأول أكثر : وهي دار بني ساعدة بالمدينة ، وبئرها معروف ، فيها أفتى النبي بأن الماء طهور ما لم يتغير ، وبها مال لأهل المدينة من أموالهم. وفي كتاب البخاري تفسير القعنبي : البضاعة نخل بالمدينة.

(٢) من لا يحضر ج ١ ص ٨٤.

(٣) وهو مقبرة أهل المدينة ، وهي داخل المدينة معجم البلدان ج ١ ص ٤٧٣.

٣٠١

كالبلق في الدواب.

( بلع )

قوله تعالي : ( يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ) [ ١١ / ٤٤ ] أي ابْتَلِعِيهِ ، يقال بَلِعْتُ الشيء بالكسر وابْتَلَعْتُهُ بمعنى. وفي المصباح : بَلِعْتُ الماء والريق بَلْعاً من باب تَعِبَ ومن باب نَفَعَ لغة. و « سعد بُلَع » منزل من منازل القمر ، وهما كوكبان متقاربان. قال الجوهري : زعموا أنه طلع لما قال الله تعالي للأرض : ( ابْلَعِي ماءَكِ ). وقد تكرر في الحديث ذكر البَالُوعَة ، وهي ثقب في وسط الدار. قال الجوهري : وكذلك البَلُّوعَة يعني بفتح الباء والتشديد والجمع البَلَالِيع ، سميت بذلك لبلعها الماء وما يقع فيها.

وَفِي حَدِيث الرُّكُوعِ « بَلِّعْ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِكَ عَيْنَ الرُّكْبَةِ » (١).

قال بعض شراح الحديث : تقرأ باللام المشددة والعين المهملة من البَلْع أي اجعل أطراف أصابعك بَالِعَة لعين الركبة. والبُلْعُومُ : مجرى الطعام في الحلق ، وهو المريء. قال في المصباح : مشتق من البَلْع فالميم زائدة ، والبُلْعُمُ لغة. و « بَلْعَمُ بن باعورا » تقدم بيانه.

( بلقع )

فِي الْحَدِيثِ « الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ تَذَرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ مِنْ أَهْلِهَا » (٢).

أي خالية ، وهو كناية عن خرابها وإبادة أهلها ، يريد أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق. وقيل هو أن يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمة. والبَلْقَعُ : الأرض القفراء التي لا شيء فيها ، يقال منزل بَلْقَعٌ ودار بَلْقَعٌ بغير هاء إذا كان نعتا.

( بوع )

فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْخَبَرِ « إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي بَوْعاً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».

البَوْعُ والبَاعُ مد اليدين وما بينهما من البدن ، وهو هنا مثل لقرب ألطاف الله

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٣٢٠.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٤٣٦.

٣٠٢

من العبد إذا تقرب إليه العبد بالإخلاص والطاعة.

( بيع )

قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ) [ ٦٠ / ١٢ ] الآية.

قِيلَ نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله مِنْ مُبَايَعَةِ الرِّجَالِ وَجَاءَ النِّسَاءُ يُبَايِعْنَهُ ، قِيلَ كَانَتْ مُبَايَعَتُهُنَ بِأَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي قَدَحٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ يَغْمِسْنَ أَيْدِيَهُنَّ فِيهِ ، وَقِيلَ كَانَ يُصَافِحُهُنَّ وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ (١).

قوله : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) [ ٢ / ٢٧٥ ] المراد بالبَيْعِ إعطاء المثمن وأخذ الثمن. ومنه قَوْلُهُ : « إِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مَالَهُ ».

ويقال البَيْعُ الشراء والشراء البيع لأن أحدهما مربوط بالآخر ، والمعنى أنهم قاسوا الربا على البيع لأنهم قالوا : يجوز أن يشتري الإنسان شيئا يساوي درهما لا غير بدرهمين ، فيجوز أن يبيع درهما بدرهمين ، فرد الله عليهم بالنص على تحليل البيع وتحريم الربا إبطالا لقياسهم. وأورد أنه كان ينبغي أن يقال إنما الربا مثل البيع ، لأن الربا محل الخلاف. ورد بأنه جاء مبالغة في أنه بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا يقاس عليه ، والأصل في ذلك أنه كان في الجاهلية إذا حل له مال على غيره وطالبه به يقول له الغريم زدني في الأجل حتى أزيدك في المال. فيفعلان ذلك ويقولان سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند المحل لأجل التأخير ، فرد الله عليهم بقوله ( لا يَقُومُونَ ) الآية ، وقد مرت. قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ) [ ٤٨ / ١٠ ] قال المفسر : المراد بَيْعَةُ الحديبية ، وهي بَيْعَةُ الرضوان بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله على الموت. قوله : ( لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ ) [ ٢٢ / ٤٠ ] البِيَعُ بكسر الموحدة وتحريك

__________________

(١) انظر البرهان ج ٤ ص ٣٢٦ في كيفية بيعة النساء للنبي ( ص ).

٣٠٣

المثناة جمع بِيعَة النصارى ومعبدهم كسدرة وسدر.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا ».

يريد بهما البائع والمشتري ، فإنه يقال لكل منهما بَيِّعٌ وبَائِعٌ ، والمراد بالتفرق ما كان بالأبدان كما ذهب إليه معظم الفقهاء ، وقيل إنه بالأقوال ، وليس بالمعتمد. والمبايعة : المعاقدة والمعاهدة كان كلا منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه ودخيلة أمره.

وَفِيهِ « نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ».

و « نَهَى عَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ ».

قيل كان ذلك للخوف من الدخول في الربا ، كما دل عليه قوله

فِي الْخَبَرِ « صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا ».

أي بيعان في بيع.

وَفِي الْخَبَرِ « لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ».

أي لا يشتري على شراء أخيه ، والنهي إنما وقع على المشتري لا البائع. والابْتِيَاعُ : الاشتراء. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ يَبْتَاعُ بِدِرْهَمٍ تَمْراً فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ».

والبَيْع : الإيجاب والقبول ، وهو باعتبار النقد والنسيئة في الثمن والمثمن أربعة ، وتفصيله في محله.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ « وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ » (١).

والقصة في ذلك ـ على ما ذكره بعض الشارحين ـ هو أن عمرو بن العاص لم يبايع معاوية إلا بالثمن ، والثمن الذي اشترطه عمرو على معاوية في بيعته إياه ومتابعته على حرب علي عليه السلام طعمة مصر ، ولم يبايعه حتى كتب له كتابا ، والمبتاع معاوية والبائع لدينه عمرو بن العاص ، ولله در من قال :

عجبت لمن بَاعَ الضلالة بالهدى

وللمشتري بالدين دنياه أعجب

وأعجب من هذين من بَاعَ دينه

بدنيا سواه فهو من ذين أعجب.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ٦٣.

٣٠٤

باب ما أوله التاء

( تبع )

قوله تعالى : ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ) [ ٤٤ / ٣٧ ] تُبَّعٌ كسُكَّر واحد التَبَابِعَة من ملوك حمير ، سمي تُبَّعاً لكثرة أتباعه ، وقيل سموا تَبَابِعَة لأن الأخير يتبع الأول في الملك ، وهم سبعون تُبَّعاً ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم ، وكان تُبَّعٌ الأوسط مؤمنا ، وهو تُبَّعٌ الكامل بن ملكي أبو كرب بن تُبَّعِ بن الأكبر بن تُبَّعِ الأقرن ، وهو ذو القرنين الذي قال الله فيه ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ) وكان من أعظم التبابعة وأفصح شعراء العرب ، ويقال إنه نبي مرسل إلى نفسه لما تمكن من ملك الأرض ، والدليل على ذلك أن الله تعالى ذكره عند ذكر الأنبياء فقال ( وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) [ ٥٠ / ١٤ ] ولم يعلم أنه أرسل إلى قوم تبع رسول غير تبع ، وهو الذي نهى النبي صلى الله عليه وآله عن سبه لأنه آمن به قبل ظهوره بسبعمائة عام.

وفي بعض الأخبار تُبَّع لم يكن مؤمنا ولا كافرا ، ولكن يطلب الدين الحنيف ، قيل ولم يملك المشرق إلا تبع وكسرى. وتبع أول من كسا البيت الأنطاع بعد آدم حيث كساه الشعر ، وقيل إبراهيم حيث كساه الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان عليه السلام.

قوله : ( لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً ) [ ١٧ / ٦٩ ] أي تابعا وناصرا. قوله : ( فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) [ ٢ / ١٧٨ ] أي مطالبة بالمعروف.

قوله : ( وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) [ ٥٢ / ٢١ ] الآية. قال المفسر : يعني بالذرية أولادهم الصغار ، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمانهم ، والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء فالولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده.

٣٠٥

فإن قيل : كيف يلحقون به في الثواب ولم يستحقوه؟ فالجواب أنهم يلحقون بهم في الجمع لا في الثواب والمرتبة.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةِ (١).

وقد تقدم غير ذلك في ذرأ. قوله : ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ ) [ ٧ / ١٧٥ ] أي قفاه ، يقال ما زلت أَتَّبِعُهُ حتى أَتْبَعْتُهُ. وتَبِعْتُ فلانا : إذا تلوته. وتَبِعَ الإمام : إذا تلاه. قوله : ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) [ ٣٩ / ٥٥ ] هو مثل قوله تعالى : ( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ) وقد مر. قوله : ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ ) [ ٧ / ١٩٣ ] أي لا يلحقونكم ومثله قوله : ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) [ ٢٦ / ٢٢٤ ] أي يلحقونهم. وأَتْبَعْتُ فلانا : إذا لحقته. قوله تعالى : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ) [ ٢٠ / ٧٨ ] أي لحقهم. ومثله قوله : ( إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ ) [ ٣٧ / ١٠ ]. وأَتْبَعَهُ أيضا : تبعه. قال تعالى : ( فَأَتْبَعَ سَبَباً ) [ ١٨ / ٨٥ ]. قوله : ( أَوِ التَّابِعِينَ ) [ ٢٤ / ٣١ ] التَّابِعُونَ جمع التَّابِعِ ، وهو الذي يتبعك لينال من طعامك ولا حاجة له في النساء ، وهو الأبله الذي لا يعرف شيئا من أمر النساء.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَتْبِعْ وُضُوءَكَ بَعْضَهُ بَعْضاً » (٢).

أي ألحقه مواليا من غير فصل.

وَفِي الدُّعَاءِ : « تَابِعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالْخَيْرَاتِ ».

أي اجعلنا نَتَّبِعُهُمْ على ما هم عليه. وتَبِعَ زيد عمرا من باب تعب : مشى خلفه أو مر به فمضى معه. و « المصلي تَبَعٌ لإمامه والناس تَبَعٌ له » يكون واحدا وجمعا. قال في المصباح : ويجوز جمعه على أَتْبَاع كسَبَب وأسباب. وتَتَابَعُوا على الأمر : تبع بعضهم بعضا.

__________________

(١) البرهان ج ٤ ص ٢٤١.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣٥.

٣٠٦

وَفِي حَدِيثِ الْجِنَازَةِ « أَكْرَهُ أَنْ تُتْبَعَ بِمِجْمَرَةٍ » (١).

أي تلحق بها. وتَتَبَّعْتُ الأحوالَ : طلبتها شيئا بعد شيء بمهلة. والتَّبِعَةُ : ككلمة ما فيه إثم يتبع به. ومنه الدُّعَاءُ « وَلَا تَجْعَلْ لَكَ عِنْدِي تَبِعَةً إِلَّا وَهَبْتَهَا ».

والتَّبِعَةُ والتِّبَاعَةُ : المظلمة. والتَّبِيع : ولد البقر أول سنة. وبقرة تَبِيعٌ : ولدها معها ، والأنثى تَبِيعَة ، وجمع الذكر أَتْبِعَة مثل رغيف وأَرْغِفَة ، وجمع الأنثى تِبَاع مثل مليحة ومِلاح. ويقال لولد البقر في أول سنة عجل ثم تَبِيع ثم جذع ثم ثني ثم رباع ثم سديس. والتَّابِعُ من الجن : الذي يتبع المرأة بحبها. والتَّابِعَة : جنية تحب المرأة.

( ترع )

فِي حَدِيثِ آدَمَ « وَانْصِبِ الْخَيْمَةَ عَلَى التُّرْعَةِ ».

هي بالضم الروضة في مكان مرتفع

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ » (٢).

التُّرْعَة بالضم الباب الصغير ، وهي في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصة ، فإذا كانت في الموضع المطمئن فروضة ، والجمع تُرَعٌ وتُرُعَات كغرفة وغُرُفات ، فمعنى

وَ « مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ ».

أن الصلاة والذكر في هذا الموضع يؤديان إلى الجنة ، فكأنه قطعة منها. وقَوْلُهُ : « مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ».

لأن قبر فاطمة عليها السلام بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة بأن تكون حقيقتهما كذلك وإن لم يظهرا في الصورة بذلك في الدنيا ، لأن الحقائق تظهر بالصور المختلفة ـ كذا ذكر بعض شراح الحديث ، وهو جيد.

( تسع )

قوله : ( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ )

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ١٤٧.

(٢) من لا يحضر ج ٢ ص ٣٤٠.

٣٠٧

[ ٢٧ / ١٢ ] قال في القاموس وهي : عصا سنةٌ بحرٌ جَرَادٌ وقُمَّلٌ دمٌ ويدٌ بعد الضفادع طوفان ـ انتهى.

وَقِيلَ مَكَانَ السَنَةِ الْحَجَرِ وَمَكَانَ الطُّوفَانِ الطُّورِ ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

وعن بعض المفسرين هي الدم والضفادع والقمل والرجز والوباء والجراد والبرد ، كان ينزل من السماء ويطلع فيه حر نار جهنم فتحرقهم ، والظلام بحيث لا يمكن القائم أن يقعد ولا العكس ، وموت الأبكار وقيل عوض موت الأبكار الطوفان ، وقيل إنها تسع آيات في الأحكام. قوله : ( تِسْعَةُ رَهْطٍ ) [ ٢٧ / ٤٨ ] أي تسع أنفس ، وهم الذين سعوا في عقر الناقة ، وكانوا عتاة قوم صالح. قوله : ( عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) [ ٧٤ / ٣٠ ] يعني من الملائكة ، وهم خزنتها ، وقيل تسعة عشر صنفا. قال بعض المفسرين : ولهذا العدد الخاص حكمة لا يعلمها إلا هو. والتِّسْعَة تقال في عدد المذكر ، والتِّسْع بالكسر في المؤنث ، وبالضم جزء من تسعة أجزاء ، والجمع أَتْسَاع كقفل وأَقْفَال وبضم السين للإتباع لغة. و « تَاسُوعَاء » قبل يوم عاشوراء. قال الجوهري : وأظنه مولدا.

وَفِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ المُعْصِر « ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى تِسْعِينَ ثُمَّ قَالَ تَسْتَدْخِلُ قُطْنَةً ثُمَّ تَدَعُهَا مَلِيّاً ».

قال بعض شراح الحديث أراد أنه لف سبابته اليسرى تحت العقد الأسفل من الإبهام اليسرى ، فحصل بذلك عقد تسعين بحساب عدد اليد. والمراد أنها تستدخل قطنة بهذا الإصبع صونا للمسبحة عن القذارة كما صينت اليد اليمنى عن ذلك ، ليتميز الدم الخارج على القطنة فتعمل على ما يقتضيه. ويحتمل أن يكون هذا العقد كناية عن الأمر بحفظ السر حفظا محكما كإحكام القابض تسعين ، وكيف ما كان لم يوافق هذا الحساب حساب اليد المشهور ، إذ العقد على هذا المحل إنما هو من عقود تسعمائة لا عقد التسعين فإن أهل الحساب وضعوا عقود اليد اليمنى لآحاد الأعداد وعشراتها ، واليد اليسرى لمئات الأعداد وألوفها ، فلعل الراوي وهم

٣٠٨

في التعبير ، أو أن ما ذكر اصطلاح آخر في العقود غير مشهور وقد وقع مثله في الخبر.

وَفِي الْخَبَرِ « أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْعٍ ».

يعني بنكاح تسع نساء في الدائم ، وهو مما لا خلاف فيه من أنه لم يجتمع عنده بالنكاح غير تسع ، وما

رُوِيَ « أَنَّهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ ».

فيجمع جاريتين مارية وريحانة.

( تعتع )

فِي وَصَفِ عَلِيٍّ عليه السلام « وَنَطَقْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ تَتَعْتَعُوا ».

هو من التَّعْتَعَةِ في الكلام : التردد فيه من حصر أو عي ، أي حين عجزوا عن القيام به وترددوا فيه.

وَفِي الْحَدِيثِ « مَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَمْ يَأْخُذْ ضَعِيفَهَا مِنْ قَوِيِّهَا بِحَقِّهِ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ » (١).

مُتَعْتَع بفتح التاء : أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه ، يقال تَعْتَعَهُ فَتَتَعْتَعَ ، وغير منصوب على أنه حال للضعيف

( تلع )

فِي الْحَدِيثِ « يَتَدَهدَى الْبَلَاءُ إِلَى الْمُؤْمِنِ أَسْرَعُ مِنْ تَدَهْدِي السَّيْلِ مِنْ رَأْسِ التَّلْعَةِ ».

هي بالفتح فالسكون : ما ارتفع من الأرض ، والجمع تِلَاعٌ : ككلبة وكِلاب. والتَّلْعَة أيضا : ما انهبط من الأرض فهي من الأضداد.

( تيع )

فِي الدُّعَاءِ « وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ تُتَايِعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ ».

التَّتَايُع : التهافت في الشر واللجاج ، فهو كالتتابع لكن الأول لا يكون إلا في الشر والثاني يكون في الخير والشر ، والمعنى أن تُتَايِعَ في طلب الشر.

باب ما أوله الجيم

( جدع )

فِي الْحَدِيثِ « أَنَّهُ صلى الله عليه وآله خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ ».

بالدال المهملة وهي المقطوعة الأذن ، وقيل لم تكن

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ١١٣.

٣٠٩

ناقته مقطوعة الأذن وإنما كان هذا اسمها.

وَمِنْهُ « نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِجَدْعَاء ».

والجَدْعَاءُ من الشياه : المَجْدُوعَة الأذن مستأصلتها. وجُدِعَتِ الشاة جَدْعاً ـ من باب تعب ـ : قطعت أذنها من أصلها. والجَدْعُ : قطع الأنف والأذن والشفة واليد ، تقول جَدَعْتُهُ فهو أَجْدَعُ والأنثى جَدْعَاء.

وَفِي الْحَدِيثِ « سُورَةُ الْأَنْفَالِ فِيهَا جَدْعُ الْأَنْفِ » (١).

قيل لعل المراد أن أحكامها شاقة ، أو لأن فيها إرغامات لأنوف المنافقين والمخالفين من المشركين ، لما في اختصاص النبي صلى الله عليه وآله وأولي القربى بأشياء لا توجد في غيرها من السور.

( جذع )

قوله تعالى : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) [ ١٩ / ٢٥ ] فهو بالكسر فالسكون : ساق النخلة ، والجمع جُذُوع وأَجْذَاع. وفي الحديث تكرر ذكر الجَذَعِ بفتحتين ، وهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة ، ومن البقر والمعز ما دخل في الثانية. وفي المغرب الجَذَع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي حياة الحيوان الجَذَع من الضأن ما له سنة تامة ، هذا هو الصحيح عند أصحابنا ، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. وقيل ما له ستة أشهر ، وقيل ما له سبعة ، وقيل ثمانية ، وقيل عشرة حكاه القاضي عياض وهو غريب ، والأنثى جَذَعَة كقَصَبَة ، سميت بذلك لأنها تَجْذَعُ مقدم أسنانها : أي تسقط ، والجمع جَذَعَات كقَصَبَات ـ انتهى (٢)

( جرع )

قوله تعالى : ( يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ) [ ١٤ / ١٧ ] يقال تَجَرَّعَ الماء : إذا جَرَعَهُ جُرْعَة بعد جرعة. وجَرَعْتُ الماء جَرْعاً من باب نفع ومن باب تعب لغة ، وهو الابتلاع.

__________________

(١) تفسير البرهان ج ٢ ص ٥٨.

(٢) حياة الحيوان ج ١ ص ١٨٧.

٣١٠

قال في المصباح : والجُرْعَة من الماء كاللُقْمَة من الطعام حسوة منه ، وهو ما يَجْرَعُ مرة واحدة ، والجمع جُرَع كغرفة وغُرَف. وتَجَرُّع الغصص مستعار من ذلك ، يقال جَرَّعَهُ غصص الغيض فَتَجَرَّعَهُ : أي كظمه. وقَوْلُهُ « لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْإِنَاءِ ».

يروى بالضم والفتح ، فالضم الاسم من الشرب اليسير ، والفتح المرة.

( جزع )

فِي الْحَدِيثِ « تَخَتَّمُوا بِالْجَزْعِ الْيَمَانِيِّ » (١).

هو بالفتح فالسكون : الخرز الذي فيه سواد وبياض تشبه به الأعين ، الواحدة جَزْعَة مثل تمر وتمرة. والجَزَعُ بالتحريك : نقيض الصبر ، يقال جَزِعَ الرجل جَزَعاً من باب تعب فهو جَزِعٌ ، وجَزُوعٌ مبالغة ، وأَجْزَعَه غيره.

( جشع )

فِي حَدِيثِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ « لَا جَشِعٌ وَلَا هَلِعٌ ».

الجَشَعُ محركة : أشد الحرص على الطعام وأسوؤه ، تقول جَشِعَ بالكسر وتَجَشَّعَ مثله فهو جَشِعٌ ، والهلع أفحش الجَشَع. ومنه حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام « إِنِّي لَأَلْحَسُ أَصَابِعِي حَتَّى أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِي خَدَمِي فَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّجَشُّعِ ».

وَفِي الْخَبَرِ « فَبَكَى مُعَاذُ جَشَعاً لِفِرَاقِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله ».

أي جزعا. و « مُجَاشِعٌ » اسم رجل.

( جعجع )

كَتَبَ عُبَيْدُ اللهِ بْنِ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ « أَنْ جَعْجِعْ بِالْحُسَيْنِ ».

قال الأصمعي : يعني احبسه ، وعن ابن الأعرابي يعني ضيق عليه ، من الجَعْجَعَةِ وهو التضييق على الغريم في المطالبة. والجَعْجَعَةُ : أصوات الجمال إذا اجتمعت

( جمع )

قوله تعالى : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) [ ٤ / ٢٣ ] أي

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ١٠٠.

٣١١

وحرم عليكم الجمع بين الأختين في النكاح والوطء بملك اليمين ، ولا يجوز الجمع بينهما في الملك ( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) فإنه مغفور لكم ، بدليل قوله : ( إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) كذا ذكره الشيخ أبو علي (ره) رَوَى مَرْوَانُ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لِأَيِّ عِلَّةٍ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؟ فَقَالَ : لِتَحْصِينِ الْإِسْلَامِ وَسَائِرِ الْأَدْيَانِ تَرَى ذَلِكَ.

قوله : ( وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) [ ٢٤ / ٦٢ ].

قوله : ( عَلى أَمْرٍ جَامِعٍ ) يقتضي الاجتماع عليه والتعاون فيه من حضور حرب أو مشورة في أمر أو صلاة جمعة وما أشبهها.

قوله : ( جُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) [ ٧٥ / ٩ ] أي جمع بينهما في ذهاب الضوء.

قوله : ( حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) [ ١٨ / ٦٠ ] أي ملتقاهما ، يريد به المكان الذي وعد فيه موسى للقاء الخضر عليه السلام ، وهو ملتقى بحر فارس والروم ، فبحر الروم مما يلي المغرب وبحر فارس مما يلي المشرق ، وقيل البحران موسى والخضر ، فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن.

قوله : ( يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) [ ٣ / ١٥٥ ] يعني جمع المسلمين وجمع المشركين ، يريد به يوم أحد.

قوله : ( وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) [ ١٢ / ١٥ ] أي على إلقائه فيها.

قوله : ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ) [ ١٠ / ٧١ ] أي اعزموا عليه وادعوا شركاءكم لأنه لا يقال أجمعت شركائي إنما يقال جَمَعَتْ ، وقيل معناه أَجْمِعُوا أمركم مع شركائكم.

قوله : ( يَوْمَ الْجَمْعِ ) [ ٤٢ / ٧ ] يريد به يوم القيامة لاجتماع الناس فيه.

قوله : ( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ) [ ٥ / ١٠٠ ] أي جمع العدو ، يعني خيل المجاهدين في سبيل الله ، وقيل جَمْعاً ـ يعني المزدلفة.

قوله تعالى : ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ

٣١٢

أَجْمَعُونَ ) [ ١٥ / ٣٠ ] هو تأكيد عن الخليل وسيبويه ، وقيل غير متفرقين ، وخطئ بأنه لو كان كذلك لكان منصوبا على الحال.

قوله : ( مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) [ ٦٢ / ٩ ] هو أحد أيام الأسبوع. وضم الميم لغة الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل ، سمي بذلك لاجتماع الناس فيه.

وَفِي الْحَدِيثِ « سَمِّيَتْ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لِأَنَّ اللهَ جَمَعَ فِيهَا خَلْقَهُ لِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَوَصِيِّهِ فِي الْمِيثَاقِ فَسَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِجَمْعِهِ فِيهِ خَلْقِهِ » (١).

قوله : ( جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ ) [ ١٠٤ / ٢ ] قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل البصرة وابن كثير ونافع وعاصم ( جَمَعَ مالاً ) والباقون جَمَّعَ بالتشديد.

وَفِي الْحَدِيثِ « أُعْطِيْتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ » يريد به القرآن الكريم ، لأن الله جمع بألفاظه اليسيرة المعاني الكثيرة ، حتى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : « مَا مِنْ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفُ الْقُرْآنِ إِلَّا وَلَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَعْنَى ».

ومنه فِي وَصْفِهِ صلى الله عليه وآله « كَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ » (٢) يعني أنه كان يتكلم بلفظ قليل ويريد المعاني الكثيرة.

و « حمدت الله بمَجَامِعِ الحمد » أي بكلمات جمعت أنواع الحمد والثناء على الله.

وَفِي الْخَبَرِ « قَالَ لَهُ : أَقْرِئْنِي سُورَةَ جَامِعَة ، فَأَقْرَأَهُ إِذَا زُلْزِلَتْ » سماها جَامِعَةً لجمعها أسباب الخير بقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).

وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ النِّسَاءِ « مِنْهُنَ جَامِعٌ مُجْمِعٌ وَرَبِيعٌ مُرْبِعٌ وَكَرْبٌ مُقْمِعٌ وَغُلٌّ قَمِلٌ » فَقَوْلُهُ « جَامِعٌ مُجْمِعٌ » يعني كثيرة الخير مخصبة ، و « رَبِيعٌ مُرْبِعٌ » في حجرها ولد وفي بطنها آخر. و « كَرْبٌ مُقْمِعٌ » أي سيئة الخلق مع زوجها ، و « غُلٌّ قَمِلٌ » أي هي عند زوجها كالغل القمل ، وهو غل من جلد يقع فيه القمل فيأكله ولا يتهيأ له التخلص منه جميع ذلك ذكره الصدوق رحمه‌الله عن أحمد

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٤١٥.

(٢) مكارم الأخلاق ص ١١.

٣١٣

بن أبي عبد الله البرقي (١).

وَفِي الْحَدِيثِ « مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ » أي من لم يعزم عليه فينويه من الليل.

وأَجْمَعْتُ الرأي وعزمت عليه بمعنى.

ومثله « لَا يَكُونُ الْإِتْمَامُ إِلَّا أَنْ يُجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ » أي يعزم.

و « الجَامِعُ » من أسمائه تعالى ، وهو الذي يجمع الخلائق ( لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ) ، وقيل جامع لأوصاف الحمد والثناء ، وقيل هو المؤلف بين المتماثلات والمتباينات المتضادات في الوجود.

و « المسجد الجَامِع » الذي يجتمع فيه الناس ويقام فيه الجمعة.

وَفِي حَدِيثِ التَّكْفِينِ « خُذْ بِمَجَامِعِ كَفَنِي » أي بمجتمعها.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام « وَعِنْدَنَا الْجَامِعَةُ. فَقِيلَ لَهُ : وَمَا الْجَامِعَةُ؟ قَالَ : صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَإِمْلَائِهِ مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ عليه السلام بِيَمِينِهِ فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ » (٢).

والجَامِعَة أيضا الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق.

والجِمَاعُ والمُجَامَعَةُ : غشيان الرجل المرأة.

والاجْتِمَاع : ضد الافتراق.

وجَمَعْتُ الشيء المتفرق فَاجْتَمَعَ.

وتَجَمَّعَ القوم : اجتمعوا من هنا ومن هنا.

و « الخمر جِمَاع الإثم » بالكسر والتخفيف أي مجمعه ومظنته ، والجَمْع مصدر قولك « جَمَعْتُ الشيء » وقد يكون اسما لجماعة الناس ، والموضع مَجْمع كمطلع بفتح الميم الثانية وكسرها. وجِمَاع الشيء بالكسر جمعه ، يقال جِمَاع الخباء الأخبية لأن الجِمَاع ما جمع عددا.

وجُمْع الكف بالضم وهو حين تقبضها ، تقول ضربته بجُمْعِ كفي.

والجَمْعُ ضربان : جَمْعُ قلة ، وجَمْعُ كثرة فجَمْعُ القلة مدلوله الثلاثة فما فوقها إلى

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٣١٧.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ١٨٠.

٣١٤

العشرة ، وجَمْعُ الكثرة مدلوله فما فوق العشرة إلى غير النهاية ، وجَمْع القلة من جموع التكسير أَفْعُل وأَفْعَال وأَفْعِلَة وفِعْلَة وما عداها جمع كثرة ، وأما الجَمْع الصحيح فعده الأكثر من جموع القلة وجعله الرضي رحمه‌الله لمطلق الجمع. و « جَمْع » بالفتح فالسكون المشعر الحرام ، وهو أقرب الموقفين إلى مكة المشرفة (١). ومنه حَدِيثُ آدَمَ عليه السلام « ثُمَّ انْتَهَى إِلَى جَمْعٍ فَجَمَعَ فِيهَا مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ».

قيل سمي به لأن الناس يجتمعون فيه ويزدلفون إلى الله تعالى ، أي يتقربون إليه بالعبادة والخير والطاعة ، وقيل لأن آدم اجتمع فيها مع حواء فازدلف ودنا منها ، وقيل لأنه يجمع فيه بين المغرب والعشاء.

وَفِي حَدِيثِ وَصَفَهُ صلى الله عليه وآله « كَانَ إِذَا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعاً ».

أي شديد الحركة قوي الأعضاء غير مسترخ. وجَمَّعَ الناس بالتشديد : شهدوا الجمعة ، كما يقال عيدوا إذا شهدوا العيد. واسْتَجْمَعَ السيل : اجتمع من كل موضع. واسْتَجْمَعَتْ شرائط الإمامة : حصلت واجْتَمَعَتْ. وجاء القوم جَمِيعاً : أي مُجْتَمِعِينَ. وجاءوا أجمعين وبأَجْمَعِهِمْ بفتح الميم.

وَفِي الْخَبَرِ « فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ ».

قال في المصباح غلط من قال إنه نصب على الحال ، لأن ألفاظ التوكيد معارف والحال لا يكون إلا نكرة. ثم قال : والوجه في الخبر فصلوا قعودا أجمعون وإنما هو تصحيف من المحدثين في الصدر الأول ، وتمسك المتأخرون بالنقل.

وَفِي خَبَرِ الْقُرْآنِ « أَجْمَعَهُ مِنْ الرِّقَاعِ ».

قال بعض علماء القوم : اعلم أن القرآن كله كان مجموعا على هذا التأليف الذي

__________________

(١) في معجم البلدان ج ٢ ص ١٦٣ : جمع هو بالمزدلفة ، وهو قرح ، وهو المشعر ، سمي جمعا لاجتماع الناس به ... وجمع أيضا قلعة بوادي موسى عليه السلام من جبال الشراة قرب الشوبك.

٣١٥

عليه اليوم إلا سورة براءة فإنها نزلت آخرا فلم يبين موضعها فألحقوها بالأنفال للمناسبة ، وقد ثبت أن أربعة من الصحابة كانوا يجمعون القرآن وشركهم فيه آخرون. و ( أما أبو بكر ) فإنما جمعه في الصحف وحوله إلى ما بين الدفتين ، وقيل جمعه في الصحف وكان قبله في نحو الأكتاف ولعله صلى الله عليه وآله ترك جمعه في المصحف لئلا تسير به الركبان إلى البلدان فيشكل طرح ما نسخ منه فيؤدي إلى خلل عظيم. و ( أما عثمان ) فجرد اللغة القريشية من الصحف وجمع عليها ، وكانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهه التي نزل بها على لغة قريش وغيرهم ، أو كان صحفا فجعلها مصحفا واحدا. هذا كلامه.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : « مَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهِ إِلَّا كَذَبَ وَمَا جَمَعَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ » (١).

وفيه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍ « يَا عَلِيُّ الْقُرْآنُ خَلْفَ فِرَاشِي فِي الصُّحُفِ وَالْحَرِيرِ وَالْقَرَاطِيسِ فَخُذُوهُ وَاجْمَعُوهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ كَمَا ضَيَّعَتِ الْيَهُودُ التَّوْرَاةَ ، فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ عليه السلام وَجَمَعَهُ فِي ثَوْبٍ أَصْفَرَ ثُمَّ خَتَمَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ : لَا أَرْتَدِي حَتَّى أَجْمَعُهُ ، وَإِنَّهُ كَانَ الرَّجُلِ لِيَأْتِيَهُ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ حَتَّى جَمَعَهُ وَأَخْرَجَهُ إِلَى النَّاسِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَكَتَبَهُ قَالَ لَهُمْ : هَذَا كِتَابُ اللهِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمَعْتُهُ مِنَ اللَّوْحَيْنِ. فَقَالُوا : هَذَا عِنْدَنَا مُصْحَفٌ جَامِعٌ فِيهِ الْقُرْآنُ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ : أَمَا وَاللهِ لَنْ تَرَوْهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا ، إِنَّمَا كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُخْبِرَكُمْ كَيْفَ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ ».

وفِي نَقْلٍ آخَرَ « أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله بِمَدَّةٍ قَدْرُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ ».

وَفِي الْخَبَرِ « أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يَجْمَعُ

__________________

(١) الْبُرْهَانِ ج ١ ص ١٥.

٣١٦

فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً » قيل إن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في جسم المرأة تحت كل ظفر وشعر ، ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم ، فذلك جَمْعُهَا.

قيل ويجوز أن يريد بالجَمْعِ مكث النطفة في الرحم أربعين يوما تتخمر فيه حتى تتهيأ للخلق والتصوير فتخلق بعد الأربعين.

وَفِي الْحَدِيثِ « خُذْ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ وَاتْرُكِ الشَّاذَّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ ».

وَفِيهِ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ مَعْنَى الْوَاحِدِ فَقَالَ « إِجْمَاعُ الْأَلْسُنِ عَلَيْهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ».

ونحو ذلك جاء في الحديث ، وهو في اللغة الاتفاق والعزم على الأمر ، وفي الاصطلاح العلمي هو عبارة عن اتفاق مخصوص ، فالإِجْمَاعُ من قوم هو جمعهم في الآراء وإن كانوا متفرقين في الأبدان والاجْتِمَاعُ يكون في الأبدان وإن كانوا متفرقين في آرائهم.

قال الشيخ في العدة : ذهب الجمهور الأعظم والسواد الأكثر إلى أن طريق كون الإِجْمَاع حجة السمع دون العقل ، ثم اختلفوا فذهب داود وكثير من أصحاب الظاهر إلى أن إجماع الصحابة هو الحجة دون غيرهم من أهل الأعصار ، وذهب مالك ومن تابعه إلى أن الإجماع المراعى هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم ، وذهب الباقون إلى أن الإجماع حجة في كل عصر ولا يختص ذلك ببعض الصحابة ولا بإجماع أهل المدينة.

ثم قال : والذي نذهب إليه أن الأمة لا يجوز أن تجتمع على خطإ ، وأن ما تجتمع عليه لا يكون إلا صوابا وحجة ، لأن عندنا أنه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجة يجب الرجوع إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله.

ثم قال : فإن قيل إذا كان المراعى في باب الحجة قول الإمام المعصوم فلا فائدة في أن تقولوا الإجماع حجة أو تعتبروا ذلك. قيل له : الأمر وإن كان على ما تضمنه السؤال فإن لاعتبارنا الإجماع

٣١٧

فائدة معلومة هي أنه قد لا يتعين لنا قول الإمام في كثير من الأوقات فيحتاج إلى اعتبار الإجماع ليعلم بإجماعهم أن قول المعصوم داخل فيهم ، ولو تعين لنا قول المعصوم الذي هو الحجة لقطعنا على أن قوله هو الحجة ولم نعتبر سواه على حال ... إلى أن قال : إذا كان المعتبر في باب كونه حجة هو قول الإمام المعصوم فالطريق إلى معرفة قوله شيئان : « أحدهما » السماع منه والمشاهدة لقوله ، و « الثاني » النقل عنه بما يوجب العلم فيعلم بذلك قوله أيضا. هذا إذا تعين لنا قول الإمام ، فإذا لم يتعين ولم ينقل عنه نقل يوجب العلم ويكون قوله في جملة أقوال الأمة غير متميز منها فإنه يحتاج أن ينظر في أحوال المختلفين ، فكل من خالف في من يعلم نسبه ويعرف منشؤه عرف أنه ليس بالإمام الذي دل الدليل على عصمته وكونه حجة ووجب اطراح قوله ، وتعتبر أقوال الذين لا يعرف نسبهم لجواز أن يكون كل واحد منهم الإمام الذي هو الحجة. ثم أطنب الكلام في هذا الباب ، فمن أراد الاطلاع عليه قصده.

( جوع )

قوله تعالى : ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) [ ١٠٦ / ٤ ] الجُوعُ هو الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة عن الغذاء.

وَفِي الْخَبَرِ « وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ».

المراد بالجُوع هنا الذي يشغل عن ذكر الله ويثبط عن الطاعة لمكان الضعف ، وأما الجوع الذي لا يصل إلى هذه الحالة فهو محمود بل هو سيد الأعمال كما جاءت به الرواية ، وذلك لما فيه من الأسرار الخفية كصفاء القلب ونفاذ البصيرة ، لما

رُوِيَ « أَنَّ مَنْ أَجَاعَ بَطْنَهُ عَظُمَتْ فِكْرَتُهُ وَفَطَنَ قَلْبُهُ ».

ومنها رقة القلب ، ومنها ذل النفس وزوال البطر والطغيان ، ولما فيه من طعم العذاب الذي به يعظم الخوف من عذاب الآخرة وكسر سائر الشهوات التي هي ينابيع المعاصي ، ولما فيه من خفة البدن للتهجد والعبادة ، ولما فيه من خفة المئونة وإمكان القناعة

٣١٨

بقليل من الدنيا ، فإن من تخلص من شره البطن لم يفتقر إلى مال كثير ، فيسقط عنه أكثر هموم الدنيا. وقد جَاعَ يَجُوعُ جَوْعاً ومَجَاعَةً ، وقوم جِيَاعٌ بالكسر. وتَجَوَّعَ : تعمد الجوع. وعام مَجَاعَةٍ ومَجْوَعَةٍ بسكون الجيم.

باب ما أوله الخاء

( خدع )

قوله تعالى : ( يُخادِعُونَ اللهَ ) [ ٢ / ٩ ] وهو بمعنى يَخْدَعُونَ الله ، أي يظهرون غير ما في أنفسهم ، والخِدَاعُ منهم يقع بالاحتيال والمكر ، ومن الله أن يتم عليهم النعمة في الدنيا ويستر عنهم ما أعدّ لهم من عذاب الآخرة ، فجمع الفعلان لتشابههما من هذه الجهة. وقيل معنى الخَدْعِ في كلام العرب الفساد ، فمعنى ( يُخادِعُونَ اللهَ ) يفسدون ما يظهرون من الإيمان بما يضمرون من الكفر ، كما أفسد الله عليهم نعيمهم في الدنيا بما صاروا إليه من عذاب الآخرة.

وَفِي الْحَدِيثِ « عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ آبَائِهِ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله سُئِلَ فِيمَا النَّجَاةُ غَداً؟ قَالَ : النَّجَاةُ أَنْ لَا تُخَادِعُوا اللهَ فَيَخْدَعَكُمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُخَادِعِ اللهَ يَخْدَعْهُ. فَقِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ يُخَادِعُ اللهَ؟ قَالَ : يَعْمَلُ مَا أَمَرَ اللهُ ثُمَّ يُرِيدُ بِهِ غَيْرَهُ ، فَاتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ شِرْكٌ بِاللهِ ، إِنَّ الْمُرَائِيَ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ يَا كَافِرُ يَا فَاجِرُ يَا غَادِرُ يَا خَاسِرُ حَبِطَ عَمَلُكَ وَبَطَلَ أَجْرُكَ وَلَا خَلَاقَ لَكَ الْيَوْمَ فَالْتَمِسْ أَجْرَكَ مِمَّنْ كُنْتَ تَعْمَلُ لَهُ ».

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه السلام « هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ ».

وذلك أن من أظهر الطاعة لله وهو عاص في باطنه لا يدخله الله الجنة ولا يثيبه بذلك ، لأن الخَدِيعَةَ تجوز على من لا يعلم السر دون من يعلمه.

٣١٩

وخَدَعَهُ يَخُدَعُهُ خِدْعاً وخِدَاعاً أيضا بالكسر : ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم ، والاسم الخَدِيعَة. ومنه الْحَدِيثُ « إِيَّاكَ وَالْخَدِيعَةَ ».

أي احذرها. ومِنْهُ « وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ صَاحِبِ خَدِيعَةٍ إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَفْشَاهَا ».

والخَدْعُ : إخفاء الشيء ، وسمي به المخْدَعُ ، وهو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير ، وتضم ميمه وتفتح. ومِنْهُ « صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا ».

وَفِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ حَبَسَهُمُ الْمَنْصُورُ « اللهُمَ اخْدَعْ عَنْهُمْ سُلْطَانَهُ ».

أي اقطع ، من التَّخْدِيعِ : التقطيع. والحرب خُدْعَة وخَدْعَة ضما وفتحا. قال الجوهري والفتح أفصح ، وجاء خُدَعَة مثل هُمَزَة. ورجل خُدَعَةٌ : أي يخدع الناس. وخُدْعَةٌ : أي يخدعه الناس.

( خرع )

الاخْتِرَاع [ والاسم الخِرْعَة ] بالكسر : الابتداع والإنشاء وقد جاء في الحديث يقال اخْتَرَعَ كذا : أي أنشأه وابتدعه. ومنه الدُّعَاءُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اخْتَرَعَ الْخَلْقَ بِمَشِيَّتِهِ ».

والخِرْوَعُ كمِقْوَد : نبت ضعيف يتثنى.

( خزع )

تَخَزَّعْنَا الشيءَ بيننا : أي اقتسمناه قطعا. واخْتَزَعُوهُ : فرقوه ، وبه سميت خُزَاعَة قبيلة من الأزد لتفرقهم بمكة ، ورئيسهم عمر بن ربيعة بن حارثة ، ورئيس جرهم عمر بن الحرث الجرهمي ، ولما بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها بعث الله عليهم الرعاف والنمل فأفناهم وسلط عليهم خزاعة فهزموهم ، فخرج من بقي من جرهم إلى أرض من أرض جهينة فجاءهم سيل أتي فذهب بهم ، ووليت خزاعة البيت فلم تزل في أيديهم حتى جاء قصي بن كلاب فأخرج خزاعة من الحرم وولي البيت وغلب عليه.

( خشع )

قوله تعالى : ( وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ

٣٢٠