مجمع البحرين - ج ٤

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٤

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٦

( قعص )

فِي الْحَدِيثِ « اللهُمَ اقْعَصِ الزُّبَيْرَ بِشَرِّ قِتْلَةٍ ».

أي أمته بشر ميتة ، من الْقَعْصِ بالفتح فالسكون : الموت الوحي.

وَمِنْهُ « مَنْ مَاتَ قَعْصاً ».

أي أصابته ضربة فمات. والْقُعَاصُ : داء يأخذ الغنم فيهلكها.

( قلص )

فِي الْحَدِيثِ « فِي خَمْسِ قَلَائِصَ شَاةٌ » (١).

هي جمع الْقُلُوصِ بالفتح ، وهي الناقة الشابة بمنزلة الجارية من النساء وجمعها قُلُصٌ ، وجمع الْقُلُصِ قِلَاصٌ بالكسر وقَلَائِصُ. وقيل لا تزال قَلُوصاً حتى تصير بازلا. وعن العدوي الْقَلُوصُ أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني ، فإذا أثنت فهي ناقة ، والقعود أول ما يركب من ذكور الإبل إلى أن يثني ، فإذا أثنى فهو جمل ، وربما سموا الناقة الطويلة القوائم قَلُوصاً. وقَلَصَ الثوبُ يَقْلُصُ قُلُوصاً : ارتفع. ومنه حَدِيثُ الْحُسَيْنِ عليه السلام « أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ قَدْ قَلَصَ عَنْ نِصْفٍ وَقَارَبَ رُكْبَتَيْهِ ».

ومِنْهُ « مِنْ عَلَامَاتِ الْمَيِّتِ أَنْ تَقَلَّصَ شَفَتَاهُ ».

أي تنضم وتنزوي ، يقال قَلَصَتْ شفته تَقْلِصُ ـ من باب ضرب ـ انزوت ، وتَقَلَّصَتْ مثله. وقَلَصَ وتَقَلَّصَ كله بمعنى انزوى وانضم

وَفِي حَدِيثِ الدُّنْيَا « أَنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْءِ الظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَائِغاً حَتَّى قَلَصَ ».

أي انضم وانزوى.

( قمص )

قوله تعالى : ( وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) [ ١٢ / ١٨ ] الْقَمِيصُ : الثوب الذي يلبس ، والجمع الْقُمْصَانُ والْأَقْمِصَةُ. وتَقَمَّصَ الْقَمِيصَ : لبسه. وتَقَمَّصَ الخلافة : أي لبسها كَالْقَمِيصِ ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « وَلَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ ».

يعني الأول لتلبسه بها « وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى » (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٥٣٢.

(٢) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٥.

١٨١

وفِي آخَرَ « وَلَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِيَ الْأَشْقَيَانِ فَلَبِئْسَ مَا لِأَنْفُسِهِمَا مَهَّدَا ».

وقَمَصَ الفرس غيره عند الركوب يقمص قمصا من بابي ضرب وقتل ، وهو أن يرفع يديه ويعجن برجليه ويضمهما معا.

وَمِنْهُ « فَقَمَصَتِ الْمَرْكُوبَةُ فَصَرَعَتِ الرَّاكِبَةَ » (١).

و « الْقَامِصَةُ » مر شرحها

( قنص )

فِي حَدِيثٍ الطَّيْرِ « كُلُّ مَا لَهُ قَانِصَةٌ ».

هي واحدة الْقَوَانِصِ ، وهي للطير بمنزلة الكرش والْمَصَارِينُ لغيره. والْقَانِصُ : الصائد. وقَنَصَهُ : أي صاده. واقْتَنَصَهُ : اصطاده. ومنه حَدِيثُ الدُّنْيَا « حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا ».

أي صادت أهلها.

باب ما أوله اللام

( لخص )

فِي الْحَدِيثِ « قَعَدَ لِتَلْخِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ ».

أي لتخليصه.

( لصص )

اللِّصُ بالكسر واحد اللُّصُوصُ وهو السارق ، وبالضم لغة. ولَصَ الرجل لَصّاً من باب قتل : سرق. وأرض مَلَصَّةٌ : ذات لُصُوصٍ.

__________________

(١) من لا يحضر ج ٤ ص ١٢٥.

١٨٢

باب ما أوله الميم

( محص )

قوله تعالى : ( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) [ ٣ / ١٤١ ] أي يخلصهم من ذنوبهم وينقيهم منها ، يقال مَحَصَ الحبل : إذا ذهب منه الوبر حتى يخلص.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا بُدَّ لِلنَّاسِ أَنْ يُمَحَّصُوا وَيُغَرْبَلُوا ».

أي يبتلوا ويختبروا ليعرف جيدهم من رديهم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام وَذَكَرَ فِتْنَةً فَقَالَ « يُمَحَّصُ النَّاسُ فِيهَا تَمَحُّصَ ذَهَبِ الْمَعْدِنِ مِنَ التُّرَابِ ».

أي يختبرون فيها كما يختبر الذهب ليعرف الجيد من الرديء ، من التَّمْحِيصِ وهو الابتلاء والاختبار. ومَحَّصَ الله العبد من الذنب : طهره. وقولهم « رَبَّنَا مَحِّصْ عَنَّا ذُنُوبَنَا » أي أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب.

( مصص )

فِي الْحَدِيثِ « لَيْسَ لِمُصَاصِ شِيعَتِنَا فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ إِلَّا الْقُوتُ ».

الْمُصَاصُ بضم الميم والصادين المهملتين : الخالص من كل شيء ، يقال فلان مُصَاصُ قومه : إذا كان أخلصهم نسبا ، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث. ومَصِصْتُ الشيء بالكسر أَمَصُّهُ مَصّاً من باب تعب لغة ، وكذلك امْتَصَصْتُهُ. قال الجوهري : والتَّمَصُّمُص الْمَصُ. والْمَصْمَصَةُ بالمهملة مثل المضمضة بالمعجمة إلا أنها بطرف اللسان بخلاف المضمضة فإنها بالفم كله. قال الجوهري : وفرق ما بينهما شبيه بفرق ما بين القبصة والقبضة. و « الْمَصِيصَةُ » كسفينة بلد بالشام ولا يشدد ـ كذا في الصحاح وغيره (١).

__________________

(١) نص ياقوت في معجم البلدان ج ٥ ص ١٤٤ ـ ١٤٥ بأن التشديد أصح وعدم التشديد من متفردات الجوهري وخالد الفارابي.

١٨٣

( مغص )

فِي حَدِيثِ إِدْرِيسَ عليه السلام « فَسَمِعَ صَوْتَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَامْتَغَصَ فَخَرَّ مِنْ جَنَاحِ الْمَلَكِ فَقَبَضَ رُوحَهُ ».

يقال مَغِصَ مَغَصاً فَامْتَغَصَ امْتِغَاصاً : شق عليه وعظم

وَفِيهِ « فَأَخَذَهُ الْمَغْصُ فِي بَطْنِهِ ».

هو بالفتح فالسكون : وجع في المعاء وتقطيع فيها. قال الجوهري : والعامة تقول مَغَصٌ بالتحريك. ومنه مَغِصَ الرجل فهو مَمْغُوصٌ. ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا أَهْوَنُهَا الْمَغَصُ ».

وفِي بَعْضِ نُسَخِ الْحَدِيثِ « أَهْوَنُهَا الْمَعَضُ ».

بالعين المهملة والضاد المعجمة ، أعني الأمر الشاق. وفي بعضها « الْمَعَصُ » بالعين والصاد المهملتين محركا ، وهو التواء في عصب الرجل ، كأنه يقصر عصبه ويعوج قدمه ، ووجع في العقبين من كثرة المشي.

( ملص )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي ذَمِّ أَهْلِ الْعِرَاقِ « أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُهَا وَطَالَ تَأَيُّمُهَا وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا » (١).

قال بعض شراح الحديث : وجه تشبيههم بالمرأة الموصوفة ما فيه من تشبيهات حالهم بحالها ، فاستعدادهم لحرب أهل الشام يشبه حمل المرأة ، ومشارفتهم للظفر يشبه الإتمام ، فإن مالك الأشتر شارف دمشق صبيحة ليلة الهرير ليدخلها من غير حرب لو لا خديعة معاوية وقومه برفع المصاحف وانخداع أصحابه عليه السلام ، ورجوعهم عن عدوهم بعد ظفرهم به يشبه الإملاص ، وخروجهم عن رأيه وتفرقهم عليه يشبه موت قيمها وهو زوجها ، وأخذهم عدوهم مالهم من البلاد وتغلبه عليها يشبه ميراث الأبعد لها.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ١١٥.

١٨٤

والْمَلَصُ بالتحريك : الزلق. وقد مَلِصَ الشيء بالكسر من يدي يَمْلَصُ وانْمَلَصَ الشيء : انفلت ، وتدغم النون في الميم. والتَّمَلُّصُ : التفلت.

( موص )

الْمَوْصُ بالفتح فالسكون : الغسل بالأصابع ، يقال مَصَّتِ الشيء : أي غسلته.

باب ما أوله النون

( نصص )

فِي الْحَدِيثِ « فَنَصَّ رَاحِلَتَهُ فَادًلَفَتْ [ كَأَنَّهَا ظَلِيمٌ ] كَالظَّلِيمِ ».

يقال نَصَ راحلته : إذا استخرج ما عندها من السير. وعن الأصمعي هكذا حيث قال : النَّصُ السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عندها. ومنه حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ « لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله عَارَضَكَ بِبَعْضِ الْفَلَوَاتِ نَاصَّةً قَلُوصاً مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ ».

أي رافعة لها في السير الشديد. قال في الصحاح : وأصل النَّصِ أقصى الشيء وغايته ، ثم سمي به ضرب من السير سريع. ونَصَصْتُ الحديث إلى فلان : رفعته إليه.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَ الْحِقَاقِ فَكَذَا » (١).

قال في المجمع الحِقاق : المخاصمة ، وهو أن يقول كل واحدة من الخصمين أنا أحق به ، ونص الشيء : غايته ومنتهاه ، يعني أن الجارية ما دامت صغيرة فأمها أولى بها ، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها. قال : وقيل أراد بِنَصِ الحقاق بلوغ العقل والإدراك ، لأنه أراد منتهى الأمر الذي تجب فيه الحُقُوق. قال : وقيل أراد بلوغ المرأة إلى حد يجوز فيه تزويجها وتصرفها في أمرها ،

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢١٢.

١٨٥

تشبيها بالحقاق من الإبل جمع حق وحقة ، وهو الداخل في السنة الرابعة ، وعند ذلك يتمكن من ركوبه وتحميله (١). وعَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ : قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَالْأَئِمَّةِ عليه السلام أَنَّ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالْأَثَرِ الصَّحِيحِ وَالنَّصِ الصَّرِيحِ.

قال : والنَّصُ في اصطلاح أهل العلم هو « اللفظ الدال على معنى غير محتمل للنقيض بحسب الفهم » والأثر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله والإمام أو عن الصحابي والتابعي من قول أو فعل ، وهو أعم من الخبر ، ويقال الأثر ما جاء عن التابعي ، والتفسير معناه كشف المراد عن اللفظ المشكل المجمل والمتشابه ، وذلك كأن يحمل المشترك اللفظي أو المعنوي على أحد المعاني بخصوصه من غير مرجح نقلي كخبر منصوص أو آية أو ظاهر أو إجماع ، ومنه يعلم خروج الظواهر لعدم إشكالها وعدم احتياجها إلى التفسير.

( نغص )

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمُؤْمِنُونَ لَا يَزَالُونَ مُنَغَّصِينَ فِي الدُّنْيَا ».

أي مكدرين ، يقال نَغَّصَ عليه العيش تَنْغِيصاً : كدره. وتَنَغَّضَتْ معيشته : تكدرت.

( نقص )

قوله تعالى : ( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) [ ٢١ / ٤٤ ] قيل يريد أرض الكفر يَنْقُصُهَا من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم ، فَيَنْقُصُ بلاد الحرب ويزيد في بلاد الإسلام ، وذلك من آيات الله.

وَعَنْهُ صلى الله عليه وآله « هُوَ فَقْدُ الْعُلَمَاءِ » (٢).

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ : إِنَّهُ يُسَخِّي بِهِ نَفْسِي فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فِينَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى وَتَلَا الْآيَةَ (٣).

أي لا نبالي في الموت والقتل لأن فينا

__________________

(١) هذا الوجه قال به الشريف الرضي بعد ذكر الكلمة ـ انظر نهج البلاغة ج ٣ ص ٢١٢.

(٢) البرهان ج ٢ ص ٣٠٢.

(٣) البرهان ج ٢ ص ٣٠١.

١٨٦

قولَ اللهِ تعالى : ( أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ). قولَه : ( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ) [ ٣٥ / ١١ ] التقدير في أحد التأويلين ما يطول في عمر واحد ولا يُنْقَصُ من عمر آخر غير الأول ، والتأويل الثاني في الآية عود الكناية إلى الأول ، أي ولا يُنْقَصُ من عمر ذلك الشخص بتوالي الليل والنهار ، ويتم الكلام في قولهم « له درهم ونصف ». وهو في نصف. قوله : ( قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ ) [ ٥٠ / ٤ ] الآية هو رد لاستبعادهم الرجوع أي علمنا ما تأكل الأرض من لحومهم وتبليه من عظامهم فلا يتعذر علينا رجعهم وإحياؤهم.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً أَكْثَرَ مِمَّا صَامَ ثَلَاثِينَ؟ فَقَالَ : « كَذَبُوا مَا صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله إِلَى أَنْ قُبِضَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، وَلَا نَقَصَ شَهْرُ رَمَضَانَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً » (١).

وقد روي خلاف ذلك في كثير من الأخبار ، ومن ثم اختلف أقوال الفقهاء فمنهم من جوز النَّقْصَ ومنهم من لم يُجَوِّزْ وممن ذهب إلى عدم الجواز على ما هو المحكي عن الشيخ المفيد في كتاب لمح البرهان الشيخ الشريف الزكي أبو محمد الحسني والشيخ الثقة أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه والشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه والشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين والشيخ أبو محمد هارون بن موسى ـ انتهى. قال الشيخ الصدوق في كتاب الخصال بعد أن أورد أحاديث في أن شهر رمضان لا يُنْقَصُ عن ثلاثين يوما : قال مصنف هذا الكتاب : خواص الشيعة وأهل الاستبصار منهم في شهر رمضان أنه لا يُنْقَصُ عن ثلاثين يوما أبدا ، والأخبار

__________________

(١) الإستبصار ج ٢ ص ٦٥.

١٨٧

في ذلك موافقة للكتاب ومخالفة للعامة ، فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الأخبار التي وردت للتقية في أنه يُنْقَصُ ويصيبه ما يصيبه الشهور من النُّقْصَانِ والتمام اتقى كما تتقي العامة ـ انتهى كلامه. وهو قوي متين ، على أنه يمكن الجمع بين الأخبار بوجه آخر هو أن يقال : الأخبار الواردة بأنه لا يُنْقَصُ مبنية على الأصل ، وما ورد فيه من النَّقْصَانِ مبني على الظاهر لإمكان حصول الاستتار فيه عقوبة للمخالفين وارتفاع جانب اللطف عنهم ، كما صرح بذلك الصدوق في الفقيه من أن الهلال قد يستتر عن الناس عقوبة لهم في عيد شهر رمضان وفي عيد الأضحى واستشهد عليه بما رواه عن رزين قال :

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام « لَمَّا ضُرِبَ الْحُسَيْنُ عليه السلام بِالسَّيْفِ وَسَقَطَ ثُمَّ ابْتُدِرَ لِيُقْطَعَ رَأْسُهُ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ : أَلَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْمُتَحَيِّرَةُ الضَّالَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا لَا وَفَّقَكُمُ اللهُ لِأَضْحًى وَلَا فِطْرٍ ». قَالَ : وَفِي خَبَرٍ آخَرَ « لَا لِصَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ ». قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام حَتَّى يَثُورَ ثَائِرُ الْحُسَيْنِ عليه السلام » ـ انتهى. « فلا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون وهو واضح في الدلالة على ما قلناه.

وَفِي خَبَرِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرَةِ قَالَ : » أَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟ قَالَ : نَعَمْ ».

لفظه استفهام ومعناه تنبيه وتقرير لكنه بين الحكم وعلته ليكون معتبرا في نظائره. قال في النهاية : وإلا فلا يجوز أن يخفى مثله على النبي صلى الله عليه وآله مثل قوله ( أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ). والنَّقْصُ والنَّقِيصَةُ : العيب. وفلان يَنْتَقِصُ فلانا : أي يقع فيه ويعيبه. وانْتَقَصَ الشيء : نَقَصَ. ونَقَصَ الشيء يَنْقُصُ ـ من باب قتل نَقْصاً ونُقْصَاناً ، والْمَنْقَصَةُ النَّقْصُ.

وَفِي حَدِيثِ النِّسَاءِ « نَوَاقِصُ الْإِيمَانِ وَنَوَاقِصُ الْحُظُوظِ وَنَوَاقِصُ الْعُقُولِ ».

ثم فسرها

بِقَوْلِهِ : « أَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا نُقْصَانُ

١٨٨

حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ « ثُمَّ قَالَ عليه السلام » اتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ » (١).

( نكص )

قوله تعالى : ( نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ) [ ٨ / ٤٨ ] أي رجع القهقرى. ومثله قوله : ( تَنْكِصُونَ ) [ ٢٣ / ٦٦ ] والنُّكُوصُ : الإحجام عن الشيء ، و ( نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ ) من باب قعد.

( نمص )

فِي الْحَدِيثِ « لَعَنَ اللهُ النَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُتَوَشِّرَةَ وَالْوَاصِلَةَ وَالْمُتَوَصِّلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ».

قال في معاني الأخبار : قال علي بن غراب النَّامِصَةُ التي تنتف الشعر من الوجه ، والْمُتَنَمِّصَةُ التي يفعل بها ذلك ، والواشرة التي تنشر أسنان المرأة وتصلحها وتحددها ، والمتوشرة التي يفعل بها ذلك ، والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، والمستوصلة التي يفعل بها ذلك ، والواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شيء من بدنها بغرز إبرة ثم تحشوه بالكحل أو بالنيل ، والمستوشمة التي يفعل بها ذلك (٢).

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ « الْوَاصِلَةُ وَالْمُتَوِّصَلُة يَعْنِي الزَّانِيَةَ وَالْقَوَّادَةَ » (٣).

والْمُنَمِّصُ والْمِنْمَاصُ : المنقاش الذي يؤخذ به الشعر وغيره.

( نوص )

قوله تعالى : ( وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ) [ ٣٨ / ٣ ] أي ليس الحين حين فرار وليس الوقت وقت تأخير وفرار ، وقد مر تمام البحث فيها في ليت. والْمَنَاصُ : المنجى ، يقال نَاصَ عن قرنه يَنُوصُ نَوْصاً ومَنَاصاً : أي فر وزاغ.

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ١٦٥.

(٢) معاني الأخبار ص ٢٤٩ مع بعض التغيير في الألفاظ.

(٣) معاني الأخبار ص ٢٥٠.

١٨٩

باب ما أوله الواو

( وبص )

فِي الْحَدِيثِ « وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله » (١).

أي لَمَعَانِهِ وبريقه ، من قولهم وَبَصَ الطير وَبِيصاً : إذا برق ولمع.

( وقص )

« الْوَقَصُ » بالتحريك وفي إسكان القاف لغة ، واحد الْأَوْقَاصِ في الصدقة ، وهو ما بين الفريضتين كالزيادة على الخمس من الإبل ، والجمع أَوْقَاصٌ وكذلك الشنق. وبعض يجعل الْوَقَصُ في البقر خاصة. والْوَقْصُ : العفو. والْوَقْصُ : كسر العنق. ومنه حَدِيثُ الْمُحْرِمِ « فَوَقَصَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَمَاتَ ».

ولا يقال وَقَصَتِ العنق نفسها ولكن يقال وَقَصَ الرجل فهو مَوْقُوصٌ. و « الْوَاقِصَةُ » قد مر تفسيرها في قرص. و « وَاقِصَةُ » منزل بطريق مكة ـ قاله الجوهري (٢).

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٣٥.

(٢) قال في معجم البلدان ج ٥ ص ٣٥٤ : وواقصة منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة وقبل العقبة ... وقال يعقوب : واقصة أيضا ماء لبني كعب ... وواقصة أيضا بأرض اليمامة. قال الحفصي : واقصة هي ماء في طرف الكرمة ، وهي مدفع ذي مرخ.

١٩٠

كتاب الضاد

١٩١
١٩٢

باب ما أوله الألف

( ابض )

الْإِبَاضِيَّةُ فرقة من الخوارج ، أصحاب عبد الله بن إِبَاضٍ التميمي. و « أُبَاضُ » اسم موضع (١).

( أرض )

قوله تعالى : ( وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ ) [ ٦٥ / ١٢ ] أي سبع أَرَضِينَ. قيل ليس في القرآن آية تدل على أن الْأَرَضِينَ سبع غير هذه الآية.

قَوْلُهُ : ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِ أَرْضٍ تَمُوتُ ) [ ٣١ / ٣٤ ] قَالَ عليه السلام : مَنْ قَدَمٍ إِلَى قَدَمٍ.

وأَرَضُونَ بفتحتين جمع أَرْضٍ ، وهي مؤنثة اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء ، والجمع أَرَضَاتٌ وآرَاضٌ بالمد وأَرَاضِي على غير القياس.

وَعَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ : عَلَى الْحُوتِ. قُلْتُ : فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ : عَلَى الْمَاءِ. قُلْتُ : فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ : عَلَى الصَّخْرَةِ. قُلْتُ : فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الصَّخْرَةُ؟ قَالَ : عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ. قُلْتُ : فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الثَّوْرُ؟ قَالَ : عَلَى الثَّرَى. قُلْتُ : فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الثَّرَى؟ فَقَالَ : هَيْهَاتَ عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ.

وَرَوَى فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ مَسِيرَةُ الشَّمْسِ فِيهَا ثَلَاثُونَ يَوْماً ، هِيَ مِثْلُ الدُّنْيَا ثَلَاثُونَ مَرَّةً ، مَشْحُونَةٌ خَلْقاً لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ وَلَا إِبْلِيسَ ، وَلَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَنَّ اللهَ يُعْصَى فِي الْأَرْضِ.

والْأَرَضَةُ بالتحريك : دويبة صغيرة

__________________

(١) اسم قرية بالعرض عرض اليمامة كلها نخل لم ير نخل أطول منها ، وعندها كانت وقعة خالد بن الوليد مع مسيلمة الكذاب معجم البلدان ج ١ ص ٦٠.

١٩٣

كنصف العدسة تأكل الخشب ، وهي التي ذكرها الله في كتابه العزيز ، ولما كان فعلها في الْأَرْضِ أضيفت إليها. ونقل عن القزويني في الأشكال أنه إذا أتى على الْأَرَضَةِ سنة نبت لها جناحان طويلان تطير بهما ، وهي الدابة التي دلت الجن على موت سليمان بن داود والنملة عدوها وهي أصغر منها ، فتأتي من خلفها فتحملها إلى جحرها.

( ايض )

آضَ يَئِيضُ أَيْضاً مثل باع يبيع بيعا : إذا رجع. فقولهم « افعل كذا أَيْضاً » معناه عود إلى ما تقدم. وآضَ فلان إلى أهله : رجع.

باب ما أوله الباء

( بضض )

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عليه السلام « وَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا جواني [ حَوَانِيَ ] هَرَمِ الْمَشِيبِ » (١).

الْبَضَاضَةُ بضادين معجمتين : رقة اللون وصفاؤه الذي يؤثر فيه أدنى شيء. والْبَضَاضَةُ : امتلاء البدن وقوته.

وَفِي الْخَبَرِ « الشَّيْطَانُ يَجْرِي فِي الْإِحْلِيلِ وَيَبِضُ فِي الدُّبُرِ ».

أي يدب فيه يتخيل أنه بلل أو ريح

( بعض )

قوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ) [ ٢ / ٢٦ ] المعنى أن يضرب مثلا بَعُوضَةً نصبها على البدل وما زائدة ، وقد تقدم معنى الاستحياء. و « الْبَعُوضَةُ » بالفتح واحدة الْبَعُوضِ الذي هو صغار البق ، واشتقاقها من الْبَعْضِ لأنها كَبَعْضِ البقة ، وهي على خلقة الفيل إلا أنها أكثر أعضاء ، فإن للفيل أربعة

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ ص ١٣٦.

١٩٤

أرجل وخرطوما وذنبا ولها مع هذه الأعضاء رجلان زائدتان وأربعة أجنحة ، وخرطوم الفيل مصمت وخرطومه مجوف ، فإذا طعن به جسد الإنسان استسقى الدم وقذف به إلى جوفه فهو له كالبلعوم والحلقوم قوله : ( فَما فَوْقَها ) قال الزمخشري : فيه معنيان « أحدهما » فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة. و « الثاني » فما زاد عليها في الحجم ، كأنه قصد بذلك رد ما استكبروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من الْبَعُوضَةِ. ونقل القاضي بن خلكان عن بعض الفضلاء أن الزمخشري أوصى أن تكتب هذه الأبيات على قبره ، وقد ذكرها في تفسيره في تفسير سورة البقرة وهي :

يَا مَنْ يَرَى مَدَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهُ

فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الْأَلْيَلِ

ويرى مناط عروقها في نحرها

والمخ في تلك العظام النحل

امنن علي بتوبة أمحو بها

ما كان مني في الزمان الأول

ومن بَعْضِ ما قيل :

لا تحقرن صغيرا في عداوته

إن الْبَعُوضَةَ تدمي مقلة الأسد

وبَعْضُ الشيء : طائفة منه. وبَعَّضَهُ تَبْعِيضاً : أي جزأه فَتَبَعَّضَ. وعن تغلب أجمع أهل النحو على أن الْبَعْضَ شيء من شيء أو أشياء ، وهذه تتناول ما فوق النصف كالثمانية ، فإنه يصدق عليها أنها من العشرة. وقال الأزهري : وأجاز النحويون إدخال الألف واللام على بَعْضٍ وكل إلا الأصمعي فإنه منع ذلك وقال : كل وبَعْضٌ معرفة فلا يدخلهما الألف واللام لأنهما في نية الإضافة ، ومن هنا قال أبو علي كل وبَعْضٌ معرفتان لأنهما في نية الإضافة ، وقد نصبت العرب عنها الحال فقالت « مررت بكل قائما » والباء لِلتَّبْعِيضِ. قال في المصباح : ومعناه أنها لا تقضي العموم ، فيكفي أن يقع ما يصدق عليه أنه بَعْضٌ ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) وقالوا الباء هنا لِلتَّبْعِيضِ على رأي الكوفيين.

١٩٥

ونص على مجيئها لِلتَّبْعِيضِ ابن قتيبة في أدب الكاتب وأبو علي الفارسي وابن جني ، ونقله الفارسي عن الأصمعي.

وقال ابن مالك في شرح التسهيل : وتأتي الباء موافقة من التَّبْعِيضِيَّةِ ... إلى أن قال : وذهب إلى مجيء الباء بمعنى التَّبْعِيضِ الشافعي وهو من أئمة اللسان ، وقال بمقتضاه أحمد وأبو حنيفة حيث لم يوجب التعميم بل اكتفى أحمد بمسح الأكثر وأبو حنيفة بمسح الربع ولا معنى لِلتَّبْعِيضِ غير ذلك.

قال : وجعلها لِلتَّبْعِيضِ أولى من القول بزيادتها ، لأن الأصل عدم الزيادة ولا يلزم من الزيادة في موضع ثبوتها في كل موضع ، بل لا يجوز القول به إلا بدليل ، فدعوى الأصالة دعوى تأسيس وهو الحقيقة ، ودعوى الزيادة دعوى مجاز ومعلوم أن الحقيقة أولى.

وقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ ، وَمِثْلُهُ ( فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ ) أي علم الله ... إلى أن قال : وقال النحاة تأتي للإلصاق ، ومَثَّلُوهُ بقولك « مسحت يدي بالمنديل » أي ألصقتها به ، والظاهر أنه لا يستوعبه وهو عرف الاستعمال ، ويلزم من هذا الإجماع على أنها لِلتَّبْعِيضِ ـ انتهى.

وهو تحقيق جيد يطابق المذهب الحق ويشهد له صريح الحديث الصحيح المشهور الْمَرْوِيُّ عَنْ زُرَارَةَ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ : قُلْتُ لَهُ أَلَا تُخْبِرُنِي مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ وَقُلْتُ : إِنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ وَبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ ، فَضَحِكَ وَقَالَ : يَا زُرَارَةُ قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَنَزَلَ بِهِ الْكِتَابُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَالَ : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ ، ثُمَّ قَالَ : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فَوَصَلَ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُغْسَلَا إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ فَصَّلَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فَعَرَفْنَا حِينَ قَالَ ( بِرُؤُسِكُمْ ) أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ لِمَكَانِ الْبَاءِ ، ثُمَّ وَصَلَ الرِّجْلَيْنِ بِالرَّأْسِ كَمَا وَصَلَ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ فَقَالَ : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فَعَرَفْنَا حِينَ وَصَلَهُمَا بِالرَّأْسِ أَنَ

١٩٦

الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِهَا ، ثُمَّ فَسَّرَ رَسُولُ اللهِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ فَضَيَّعُوهُ.

وَفِي حَدِيثِ صِفَاتِهِ تَعَالَى « لَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فِي كَمَالِهِ » يعني أوصافه الكاملة كثيرة ، وهو عالم قادر سميع بصير ومصداق لكل واحد ، وهو ذاته ، وهو منزه عن التجزئة التي تستلزم العدد في الكثرة

( بغض )

الْبَغْضَاءُ بالمد : أشد الْبُغْضُ ، وكذلك الْبِغْضَةُ بالكسر.

والْبُغْضُ : ضد الحب.

والتَّبَاغُضُ : ضد التحاب.

وبَغَضَهُ يَبْغُضُهُ من باب نصر ، وقد بَغُضَ الرجل بَغَاضَةً : أي صار بَغِيضاً ، وبَغَّضَهُ الله إلى الناس تَبْغِيضاً.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْمُؤْمِنَ الضَّعِيفَ. قُلْتُ : وَمَا الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ؟ قَالَ : هُوَ الَّذِي يَرَى الْمُنْكَرَ وَلَا يُنْكِرُ عَلَى فَاعِلِهِ ».

ومعناه أن يعامله معاملة الْمُبْغِضِ مع من أَبْغَضَهُ ، بأن يوصل إليه ما يترتب على الْبُغْضِ لا حقيقة الْبُغْضِ ، فإن ما يوصف به سبحانه يؤخذ باعتبار الغايات لا المبادئ.

( بيض )

قوله تعالى : ( كَأَنَّهُنَ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) [ ٣٧ / ٤٩ ] أي مصون تشبه الجارية بالبيض بياضا وملاسة وصفاء لون ، وهي أحسن منه وإنما تشبه الألوان.

قوله : ( بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) [ ٣٧ / ٤٦ ] وصفها بِالْبَيَاضِ تنبيها على كرمها وفضلها.

قوله : ( يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) [ ٣ / ١٠٦ ] يحتمل أنهما كنايتان عن ظهور الفرج والسرور وكآبة الخوف والخجل ، أو المراد بهما حقيقة الْبَيَاضِ والسواد ، وقد اعتبر هذان الوجهان فِي قَوْلِهِ « اللهُمَ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَسْوَدُّ فِيهِ الْوُجُوهُ » الدعاء.

قوله : ( وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ ) [ ١٢ / ٨٤ ] من الْبَيَاضِ بالفتح ، وهو اللون الأبيض.

رُوِيَ « أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ حُزْنِ يَعْقُوبَ عَلَى يُوسُفَ حُزْنَ سَبْعِينَ ثَكْلَى عَلَى أَوْلَادِهَا ، وَكَانَ عليه السلام لَمْ يَعْرِفِ الِاسْتِرْجَاعَ

١٩٧

فَمِنْهَا قَالَ وَا أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ ».

وَفِي الْحَدِيثِ « التَّقْصِيرُ فِي بَيَاضِ يَوْمٍ ».

يريد من الفجر إلى الغروب.

وَفِي حَدِيثِ الْحَائِضِ « يُمْسِكُ عَنْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ ».

يريد الطهر من الحيض. و « الْبَيْضَةُ » واحد الْبَيْضِ من الطير والحديد. والْبَيْضَتَانِ : أنثيا الرجل. وبَيْضَةُ الإسلام : جماعته. ومنه الدُّعَاءُ « لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ».

أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم ، أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم ، وقد تقدم وقيل أراد بِالْبَيْضَةِ الخوذة. فكأنه شبه مكان اجتماعهم والتيامهم بِبَيْضَةِ الحديد ، ويجمع الْأَبْيَضُ على بِيضٍ ، وأصله بُيْضٌ بضم الباء. قال الجوهري : وإنما أبدلوا من الضمة كسرة لتصح الياء. و « أيام الْبِيضِ » على حذف مضاف ، يريد أيام الليالي الْبِيضِ ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وسميت لياليها بِيضاً ، لأن القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها.

وَ « الْبَيْضَاءُ » أَحَدُ قَلَانِسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله الَّتِي كَانَ يَلْبَسُهَا.

وفي وصف الشريعة بكونها بَيْضَاءَ نقية تنبيها على كرمها وفضلها ، لأن الْبَيَاضَ لما كان أفضل لون عند العرب عبر به عن الكرم والفضل ، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب هو أَبْيَضُ الوجه ، ويحتمل أن يكون المراد منها كونها مصونة عن التبديل والتحريف خالية عن التكاليف الشاقة. والْأَبْيَضُ : السيف ، والْبِيضُ بالكسر جمعه. والْبِيضَانُ من الناس : خلاف السودان. والْمُبَيِّضَةُ بكسر الياء فرقة من الثنوية. قال الجوهري : وهم أصحاب المُقَنَّعِ ، سُمُّوا بذلك لِتَبَيُّضِهِمْ بثيابهم مخالفة للمُسَوِّدَة من أصحاب الدولة العباسية.

١٩٨

باب ما أوله الجيم

( جرض )

الْجَرَضُ بالتحريك : الريق ، يقال جَرِضَ بريقه يَجْرَضُ ، وهو أن يبتلع ريقه على هم وحزن بالجهد. والْجَرِيضُ : الغصة ، ومنه الْحَدِيثُ « أَلَمُ الْمَضَضِ ».

أي الوجع ، و « غَصَصُ الْجَرَضِ ».

( جهض )

« الْجِهَاضُ » بالكسر اسم من أَجْهَضَتِ الناقة والمرأة ولدها إِجْهَاضاً أسقطته ناقص الخلق. ومنه الْمُجْهِضُ المسقطةُ للحمل ، والولد مُجْهَضٌ بفتح الهاء وجَهِيضٌ.

( جيض )

جَاضَ عن الشيء يَجِيضُ جَيْضاً : حاد عنه وعدل. وأصل الْجَيْضِ : الميل عن الشيء. ومنه الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام « ارْتَدَّ النَّاسُ إِلَّا ثَلَاثَةً سَلْمَانُ وَأَبُو الذَّرِّ وَالْمِقْدَادُ. قُلْتُ : فَعَمَّارٌ؟ قَالَ : كَانَ جَاضَ جَيْضَةً أَيْ مَالَ وَعَدَلَ » (١).

قال في النهاية : ويروى بالحاء والصاد المهملتين ، يعني جال جولة يطلب الفرار وقد تقدم.

باب ما أوله الحاء

( حرض )

قوله تعالى : ( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ ) [ ٨ / ٦٥ ] أي حثهم ، والتَّحْرِيضُ على القتال والحث والإحماء عليه. قوله : ( حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً ) [ ١٣ / ٨٥ ] الْحَرَضُ بالتحريك الذي أذابه

__________________

(١) رجال الكشي ص ٨.

١٩٩

العشق والحزن ، وعن قتادة حتى تهرم أو تموت ، ويقال الْحَرَضُ الشرف على الهلاك ، من قولهم حَرِضَ حَرَضاً من باب تعب : أشرف على الهلاك. وفي الحديث ذكر الْحُرُضَ بضمتين وإسكان الراء أيضا ، وهو الأشنان بضم الهمزة ، سمي بذلك لأنه يهلك الوسخ.

( حضض )

قوله : وَلا تُحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [ ٨٩ / ١٨ ] أي لا تحثون على طعامه ولا تأمرون بالتصدق عليه ، من قولهم حَضَّهُ على الأمر حَضّاً من باب قتل : حثه عليه. وحَضَّضَهُ : أي حرضه. قال الشيخ أبو علي : ومن قرأ ( وَلا تَحَاضُّونَ ) يعني بفتح التاء أي لا يَحُضُ بعضكم بعضا على ذلك ، والمعنى الإهانة مما فعلتموه من ترك إكرام اليتيم ومنع الصدقة للفقير لا ما زعمتموه.

وَفِي حَدِيثٍ « لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ بِالْحُضُضِ ».

يروى بضم الضاد الأولى وفتحها ، وقيل هو بظاءين ، وقيل بضاد ثم بظاء دواء معروف ، قيل إنه يعقد من أبوال الإبل ، وقيل هو عقار ، منه مكي ومنه هندي وهو عصارة شجر معروف له ثمرة كالفلفل تسمى شجرته الْحُضْحُضَ. والْحَضِيضُ : قرار الأرض ، وأسفل الجبل أيضا. ومنه حَدِيثُ عَلِيٍّ عليه السلام « أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ عَلَى الْحَضِيضِ وَيَنَامُ عَلَى الْحَضِيضِ ».

ومنه حَدِيثُ « مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنَّهُمْ ارْتَقَوْا مُرْتَقًى دَحْضاً ».

يعني زلقا تزل عنه إلى الْحَضِيضِ أقدامهم. وحروف التَّحْضِيضِ أربعة : هلا ، وألا ، ولولا ، ولوما. قال النحاة : ودخولها على المستقبل حث على الفعل وطلب له ، وعلى الماضي توبيخ على ترك الفعل نحو « هلَّا تَنْزِلُ » و « هَلَّا نَزَلْتَ عِنْدَنَا ».

( حمض )

حَمُضَ الشيء بضم الميم وفتحها يَحْمُضُ حُمُوضَةً فهو حَامِضٌ ، والْحُمُوضَةُ : طعم الْحَامِضِ.

٢٠٠