جواهر الفقه

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

جواهر الفقه

المؤلف:

عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩١

ابتداء الوكالة ، ولا يمنع استدامتها ، وإذا لم يمنع من ذلك ، كانت وكالتها ثابتة وان طلقت.

٢٩٧ ـ مسألة : إذا وكل انسان غيره في المطالبة بحق له على « زيد » فمات « زيد » ، هل للوكيل مطالبة ورثته بالمال أم لا؟

الجواب : ان كان الموكل قال لهذا الوكيل : وكلتك في قبض حقي من « زيد » ، لم تكن له مطالبة الورثة بذلك ، وان كان قال له : وكلتك في قبض حقي الذي على « زيد » كانت له مطالبة الورثة ، لأن ذلك من المطالبة بحقه الذي كان على « زيد » الميت.

٢٩٨ ـ مسألة : إذ وكله في ابتياع سلعة بمأة ، كان ابتياعه صحيحا إذا ابتاعها بالمأة ، فما القول ان ابتاعها بأقل أو أكثر من ذلك؟

الجواب : إذا ابتاعها بالمأة ، كان ابتياعه صحيحا ، لأنه فعل ما أمر به ، فان ابتاعها بأكثر ، لم يصح ، لأنه خالفه على وجه يضر به ، وهذا لا يجوز ، وان ابتاعها بأقل من ذلك ، كان الابتياع صحيحا ، لأنه زاده نفعا ، ولأن الأذن في الابتياع بالمأة ، يتضمن الأذن بالابتياع بأقل منها ، لأنه أنفع له ، وأعود عليه ، وان امره بأن يبتاعها بمأة ونهاه عن ابتياعها بخمسين ، فان ابتاعها بمأة ، كان صحيحا ، وان ابتاعها بأقل من المأة ، وأكثر من الخمسين ، كان جائزا ، لأن الأمر في المأة يتضمن الأمر فيما دونها ، وان ابتاعها بخمسين ، لم يصح ذلك ، لأنه خالف صريح لفظه ، وابتاع ما نهى عن ابتياعه به ، وان ابتاعها بأقل من خمسين وقد ذكرت صحة ذلك ، لأنه دون المأة ، وصريح النهي يتناول الخمسين ، دون ما هو أقل منها. والذي ذكرناه هو الصحيح.

٢٩٩ ـ مسألة : إذا وكل غيره في بيع مملوك بمأة ، فباعه بمأة وقميص ، ما القول في ذلك؟

الجواب : البيع صحيح ، لأنه زاده نفعا ، كما انه لو باعه بمأتين ، وقد ذكر ان ذلك لا يصح ، لأنه باعه بجنسين مختلفين ، والأمر له يتضمن بيعه بجنس واحد.

٨١

والذي قدمناه هو الصحيح.

٣٠٠ ـ مسألة : إذا وكل غيره بأن ) يبتاع له مملوكا بثوب ، فابتاعه بنصف الثوب ، هل يصح ذلك أم لا؟

الجواب : يصح ذلك ، لأنه زاده نفعا وخيرا ، كما لو أمره بأن يبتاعه بعشرة دنانير ، فابتاعه بخمسة دنانير.

٣٠١ ـ مسألة : إذا وكل غيره في ابتياع مملوكين ، وأطلق ذلك ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا وكل بذلك فابتاعهما صفقة واحدة ، كان ذلك صحيحا ، وان ابتاعهما صفقتين ، كل واحد منهما صفقة ، صح ذلك أيضا ، لأنه لم يعين وأطلق.

٣٠٢ ـ مسألة : إذا وكل غيره في ابتياع مملوك ، فابتاعه صفقتين ، هل يصح ذلك أم لا؟

الجواب : لا يصح ذلك ، لأنه إذا ابتاع بصفقتين ، حصلت له الشركة ، وهذا عيب.

٣٠٣ ـ مسألة : إذا ذكر إنسان انه وكيل لـ « زيد » الغائب. واقام على ذلك شاهدا واحدا ، فهل يصح ذلك ، بان حلف مع الشاهد ، أو ان أقام مع الشاهد امرأتين ، فشهدوا له بذلك ، هل يصح أم لا؟

الجواب : لا يصح ذلك ، لأن اليمين مع الشاهد ، لا يقبل في الوكالات مثل الوصية ، وانما يقبل في الأموال ، ولا يقبل فيها أيضا الشاهد مع امرأتين ، لمثل ما ذكرناه ، ولأنه لا دليل عليه.

٣٠٤ ـ مسألة : إذا ادعى إنسان انه وكيل لـ « زيد » الغائب ، واقام على ما ادعاه شاهدين ، فشهد أحدهما بأنه وكله ، وشهد الأخر بأنه وكله الا انه عزله ، هل يحكم له بصحة الوكالة أم لا؟

الجواب : لا يحكم له بذلك ، لأن الشاهد الواحد لم تثبت له وكالة ثابتة

__________________

(١) وفي نسخة : في ان يبتاع

٨٢

في الحال ، وكان وجود شهادته كعدمها في انه لا تأثير لها.

٣٠٥ ـ مسألة : إذا ادعى انه وكيل لـ « زيد » الغائب ، وشهد له بذلك شاهدان ، وحكم الحاكم له بصحة الوكالة ، ثم ان الشاهد الواحد قال : بأنه عزله بعد ان وكله ، هل تثبت له الوكالة أو تبطل؟

الجواب : لا تبطل وكالته ، بل هي ماضية ، ولا يقبل ما قاله هذا الشاهد ، لأنه ابتدأ الرجوع عن الشهادة بعد حكم الحاكم بها ، ولو قال ذلك قبل حكم الحاكم ، لم يحكم له ، لأنه رجع قبل الحكم ، ولا يجوز للحاكم ان يحكم بعد الرجوع عن ذلك.

٣٠٦ ـ مسألة : المسألة المتقدمة ، إذا شهد احد الشاهدين انه وكله يوم السبت ، وشهد الأخر انه وكله يوم الأحد ، هل تثبت الوكالة أم لا؟

الجواب : لا يجوز الحكم بالوكالة بهذه الشهادة ، لأنها شهادة على عقد ، ولم يتفقا على عقد واحد ، ولا يجرى هذا ، مجرى شهادتهما إذا شهد أحدهما انه أقر بأنه وكله يوم السبت ، وشهد الأخر بأنه أقر بأنه وكله يوم الأحد ، لأن هذه الشهادة صحيحة من حيث انها شهادة على إقراره ، والشهادة على الإقرار لا تكون إلا متفرقة ، لأن المشهود عليه ، لا يكلف الحضور الى الشهود ، فيقر بين أيديهم دفعة واحدة.

٣٠٧ ـ مسألة : المسألة المتقدمة ، إذا شهد أحدهما انه وكله في التصرف ، وشهد الأخر انه اذن له أو سلطة في التصرف في ماله ، هل تثبت الوكالة بذلك أم لا؟

الجواب : الوكالة لا تثبت بذلك ، لأن الشاهدين لم يحكيا لفظ العقد ، واختلافهما في الأداء في اللفظ غير مؤثر في الشهادة.

٣٠٨ ـ مسألة : إذا ادعى إنسان انه وكيل « زيد » الغائب في استيفاء حقه من « عمرو » ، فقال « عمرو » : قد عزلك موكلك ، وأنكر الوكيل ذلك ، هل تسمع هذه الدعوى من « عمرو »؟ وهل يلزمه يمين أم لا؟

الجواب : لا تسمع هذه الدعوى على الوكيل ، ولا يمين عليه في ذلك ، لأن

٨٣

الذي عليه الحق ، يدعى عليه العزل على الموكل ، والنيابة في اليمين لا تجوز ، ولا تجري في ذلك مجرى قوله : أنت تعلم ان موكلك عزلك ، لأنه إذا قال له ذلك ، فتجب له مطالبته باليمين ، لأن ذلك دعوى عليه ، وليست دعوى على الموكل ، وتفارق دعوى العزل ، لأنها دعوى على الموكل دون الوكيل ، كما قدمناه.

٣٠٩ ـ مسألة : إذا ثبتت عند الحاكم وكالة وكيل في استيفاء حق موكله من « عمرو ». وكان الموكل له غائبا ، فادعى من عليه الحق : ان الموكل أبرأه ، أو قضاه الحق ، وأنكر الوكيل ذلك ، هل تسمع هذه الدعوى على الوكيل ، وهل يلزمه يمين ان طالبه من عليه الحق بها أم لا؟

الجواب : لا تسمع هذه الدعوى على الوكيل ، لأن سماعها يقتضي بطلان الوكالة في استيفاء الحقوق ، لغيبة الموكل ، فما من خصم يطالبه الوكيل بالمال الا ويدعى مثل ذلك ، حتى يسقط المطالبة بالحق عن نفسه ، ولا يلزم الوكيل اليمين ان طالبه من عليه الحق بها ، لأنه لو أقر بالقضاء أو الإبراء لم يثبت إقراره ، فإن ادعى انه يعلم ذلك ، وأنكر توجهه ، توجهت اليمين عليه ، وتكون واقعة منه على نفى العلم بما ادعاه عليه.

٨٤

باب مسائل تتعلق بالإقرار :

٣١٠ ـ مسألة : إذا قال « زيد » « لعمرو » : أليس لي عليك مأة دينار ، أو ألف درهم؟ فقال له : نعم ، هل يكون ذلك إقرارا له بالمال أم لا؟

الجواب : لا يكون ذلك إقرارا بالمال ، لأن الجواب في هذا الموضع وما يجرى مجراه ، لا يكون الا ببلى ، لقوله سبحانه « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » (١) ، و « نعم » ها هنا يكون إنكارا ، لأن تقدير ذلك ، لست بربنا ، فتقدير قول « عمرو » في جوابه ما سئل عنه ، ليس ذلك على شي‌ء.

٣١١ ـ مسألة : إذا أقر إقرارا مبهما ، مثل ان يقول لغيره : لك على شي‌ء ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا أقر على هذه الوجه ، كان إقراره صحيحا ، ويرجع في تفسير ذلك اليه ، فمهما فسره به الزم القيام به لخصمه ، وان لم يفسر ، قلنا له : ان فسرت ، والا جعلناك ناكلا ووردنا اليمين على خصمك ، فان حلف الزمناك القيام بما حلف عليه ، وان لم يفسر رددنا اليمين على خصمه ، فان حلف ألزمناه ، وان نكل عن اليمين صرفا جميعا.

٣١٢ ـ مسألة : المسألة بعينها ، ان فسر ـ لا يصح تملكه ، مثل الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ، وما جرى مجرى ذلك ، هل يقبل منه ذلك أم لا؟

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢

٨٥

الجواب : لا يقبل منه هذا التفسير ، ويطالب بتفسير ما يصح تملكه ، لأن لفظ الإقرار لفظ التزام ، والخمر وما جرى مجراها مما لا يلتزمه احد لغيره.

٣١٣ ـ مسألة : المسألة بعينها ، ان فسر ذلك بما لا يتمول في العادة ، مثل قشر جوزة أو لوزة ، أو ما أشبه ذلك ، هل يقبل تفسيره أم لا؟

الجواب : لا يقبل منه ذلك ، لأنه أقر بلفظ الالتزام ، والمذكور مما لا يتمول في العادة ، ولا يجب لأحد على غيره.

٣١٤ ـ مسألة : المسألة بعينها ، إذا فسر بما يتملك ، واختلفا في المقدار أو الجنس ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا فسر ذلك بمقدار ، مثل ان يقر بدينار ، وكذبه المقر له ، ويقول له : أكثر من ذلك ، فالقول ، قول المقر مع يمينه ، فان حلف سقطت الدعوى ، وان لم يحلف ، ردت اليمين على المقر له ، فان حلف حكم له بذلك.

واما الجنس فإنه إذا فسر ذلك مثل ان يقول : لك على دراهم ، وكذبه المقر له ويقول : بلى لي عليك دنانير ، فإنه يبطل إقراره بالدراهم ، لأنه أقر بما لا يدعيه ، وهو مدع للدنانير عليه ، فيكون القول ، قوله مع يمينه ، فإذا حلف سقطت الدعوى ، وان لم يحلف ، ردت اليمين على المدعى ، فإذا حلف ثبت له ما يدعيه.

٣١٥ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » على مال ، وفسر ذلك بجلود الميتة ، أو السرجين ، أو ما جرى مجرى ذلك ، هل يصح الإقرار بالمال المبهم وما فسره به أم لا؟

الجواب : إذا قال : له على مال ، كان إقراره صحيحا ، وقبل تفسيره له بالقليل والكثير من المال بغير خلاف ، فان فسره بما ذكر في المسألة ، لم يقبل منه هذا التفسير ، لأن ذلك لا يتناوله اسم المال ، ولا يسمى به ، ولا يجرى مجرى قوله : له على شي‌ء ، لأن اسم شي‌ء ، يشتمل على المال وغيره ، واسم المال لا يتناول الا بما يتمول دون ما لا يتمول.

٣١٦ ـ مسألة : إذا أقر لغيره فقال : له على أكثر من مال « زيد » ، ما الحكم في ذلك؟

٨٦

الجواب : الحكم في ذلك ان ينظر مال « زيد » فيلزم هذا المقر بمبلغه ، ويرجع في تفسير ذلك إليه ، فإن فسره بمثله لم يقبل منه ذلك ، لأن لفظ أكثر في اللغة ، يقتضي الزيادة على ذلك.

٣١٧ ـ مسألة : إذا أقر لغيره فقال : له على أكثر من مال « زيد » عددا ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : ان أقر بأنه عرف مال « زيد » ، وانه ألف في العدد ، وجب عليه ذلك المبلغ وزيادة ، ويقبل قوله في تفسير هذه الزيادة ولو فسرها بحبة واحدة ، بغير خلاف ، وان كان مال « زيد » ألفا وقال : ما كان عندي بأنه ألف ، وانما اعتقدت أنه عشرة وأردت بالزيادة درهما واحدا ، كان القول في ذلك ، قوله ، فان ادعى المقر له : ان المال ألف ، واقام بذلك بينة ، لم يجب عليه أكثر من غير واحد عشر درهما ، حسب ما فسره ، لأن مبلغ مال « زيد » لم يعرف حقيقته ، لأن المال ظاهر وباطن ، وقد تملك الإنسان مالا كثيرا في الباطن ، ويعتقد فيه انه قليل المال ، فدعواه وشهادة البينة تجريان مجرى واحدة في جواز ان يكونا صادقين أو كاذبين ، أو يكونا صادقين ، ويكون كاذبا ، لأن حقيقة مبلغ المال لا يعرفها الا صاحبه ، وربما خفي على غيره ، فلذلك لا يحكم الا بما أقر به ، من المقدار الذي اعتقده ، ويكون القول قوله مع يمينه في الزيادة ، متى ادعاها المقر له.

٣١٨ ـ مسألة : إذا أقر إنسان لغيره بألف مبهم ، فقال : له على ألف ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا أقر كذلك ، لزمه لمن أقر له ألف ، ويرجع في تفسير ذلك اليه ، فمهما فسره به مما يتملك ، قبل فيه قوله ، ولو كان تفسيره بالحبوب.

٣١٩ ـ مسألة : إذا قال : له على ألف درهم ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا أقر بذلك ، كان عليه ألف درهم ، لأنه فسر ألفا بالإضافة إلى الدرهم ، وكذلك يجري الأمر إذا قال : له على مأة درهم ، أو عشرة دنانير (١) ، وما أشبه ذلك.

__________________

(١) وفي نسخة : أو عشرة دراهم.

٨٧

٣٢٠ ـ مسألة : إذا أقر فقال : له على مأة وخمسون درهما ، هل يكون عليه مأة وخمسون درهما؟ أو يكون عليه خمسون درهما ، ويرجع في تفسير المأة اليه؟

الجواب : إذا أقر كذلك ، لزمه مأة وخمسون درهما ، لأنه قد ميز العددين معا بقوله : « درهما » ، فقول من يقول : « درهما » ، يكون تفسيرا لخمسين دون المأة وان المأة مبهمة ، ليس بصحيح ، لأنا لو قلنا بان ذلك يكون تفسيرا للثاني الذي هو الخمسون ، لبقي الأول بلا تفسير ، وذلك لا يجوز ، ولا يجرى ذلك مجرى قوله :

له على ألف ودرهم ، لأن قوله : « ودرهم » ، معه حرف عطف وهو « الواو » ولا يجوز ان يكون تفسيرا للألف ، لأن المفسر لا يكون هكذا.

٣٢١ ـ مسألة : إذا أقر وقال : له على ألف ودرهمان ، هل يلزمه الكل من الدراهم أو لا؟

الجواب : إذا قال ذلك لم يلزمه من الدراهم غير درهمين ، ويرجع في تفسير الألف اليه ، وجرى ذلك مجرى ما قدمناه من قوله : ألف ودرهم ، لأنه يفيد مع حرف العطف زيادة في العدد ، ولا يقبل التفسير.

٣٢٢ ـ مسألة : إذا قال : له على درهم وألف ، ما الذي يجب عليه؟

الجواب : إذا قال ذلك ، وجب عليه درهم وألف ، ويرجع في تفسيره لألف ، اليه ، على ما قدمناه ، كما لو قال : له على ألف ودرهم ، لا فرق بين ان يقدم المعلوم على المجهول ، أو يقدم المجهول على المعلوم.

٣٢٣ ـ مسألة : إذا قال : له على درهم ودرهم الا درهما ، ما الذي يلزمه من ذلك؟

الجواب : الذي يلزمه من ذلك ، درهم واحد ، لأن الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو ، فإنه يرجع الى الجميع ، وإذا رجع الى الجميع الذي هو درهم ودرهم خرج بالاستثناء درهم ، فكان مقرا بدرهم ، ومن لا يقول بالذي ذكرناه ، يوجب عليه درهمين.

٣٢٤ ـ مسألة : إذا قال : له على مأة الا درهمان ، أو قال : له على مأة الا درهمين ، هل يجب عليه ذلك من الوجهين جميعا ثمانية وتسعون درهما أم لا؟

٨٨

الجواب : لا يجب عليه ذلك من الوجهين جميعا ، وانما يجب عليه ذلك من الوجه الأول ، لأنه إذا قال : له على مأة الا درهمان ، كان إقرارا بمأة درهم ودرهمين ، لأن « إلا » بمعنى واو العطف ، وإذا قال : مأة الا درهمين ، كان إقرارا بثمانية وتسعين ، لأن المعنى : له على مأة غير درهمين.

٣٢٥ ـ مسألة : إذا قال : له عندي قميص في منديل ، أو قال : له عندي تمر في جراب (١) هل يكون ذلك إقرارا منه بالمنديل والجراب أم لا؟

الجواب : إذا قال ذلك ، كان إقرارا بالقميص والتمر دون المنديل والجراب ، لأنه يحتمل في منديل أو جراب لي وإذا احتمل ذلك لم يلزم من إقراره إلا ما هو اليقين دون ما يشك فيه ، لأن الأصل براءة الذمة الا ان يتبين فيقول : منديل وجراب له.

٣٢٦ ـ مسألة : إذا قال : غصبتك طائرا في شبكة أو قفص (٢) هل يكون غاصبا في الشبكة أو القفص أم لا؟

الجواب : جواب هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة لها ، وكذلك كل ما يجرى هذا المجرى.

٣٢٧ ـ مسألة : إذا قال : لك على كذا ، هل يلزمه شي‌ء أم لا؟

الجواب : إذا قال ذلك وأطلق ، كان عليه كما لو قال : له على شي‌ء ، ويرجع في تفسير ذلك اليه فبما فسره به مما يتملك قبل منه (٣) دون ما لا يتملك ولا ينتفع به ، وان لم يطلق بل قيده بالدراهم ، ونصب فقال : كذا درهما ، كان عليه درهم واحد ، لأنه أخرجه مخرج التفسير ، كأنه لما قال « كذا » قيل له : فسر ، قال : اعنى درهما ، فكان تفسيرا لكذا ، فان رفع فقال : [ درهم. كان عليه ] (٤) درهم واحد ، يكون معناه كذا هو درهم ، أي الذي أقررت به درهما ، وان كسر فقال : درهم ، كان عليه دون الدرهم ، وبأي شي‌ء فسره قبل

__________________

(١) الجراب بالكسر : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحب والدقيق ونحوهما مجمع البحرين.

(٢) القفص : شي‌ء يتخذ من قصب أو خشب للطير. لاحظ لسان العرب ج ٧ ص ٧٩.

(٣) وفي نسخة : فمهما فسره مما يتملك فيلزمه دون.

(٤) ما بين المعقوفتين من نسخة أخرى.

٨٩

منه ، لأنه يحتمل ان يريد بعض درهم كان عليه ، لأن « كذا » عبارة عن البعض وعن الجملة ، وذهب بعض الناس الى انه يجب عليه درهم واحد ، والصحيح ما قدمناه ، للاحتمال الذي ذكرناه.

٣٢٨ ـ مسألة : إذا أقر لغيره بعشرة مماليك الا واحدا ، هل يكون ذلك إقرارا بالتسعة أم لا؟

الجواب : إذا أقر بذلك فقال : هؤلاء المماليك لفلان الا واحدا ، صح الإقرار بالتسعة ، لأن جهالة الاستثناء لا تمنع من ذلك ، وعليه تعيين المقر بهم ، لأن حق الغير تعلق بهم ، وهو مخير بين ان يعين التسعة ، أو يعين الواحد الذي هو له ، لأنه إذا عين أحدهما أو ميزه ، تعين الأخر وتميزوا.

٣٢٩ ـ مسألة : المسألة بعينها ، إذا عين واحدا لنفسه ، وصدقه المقر له أو كذبه ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا صدقه في ذلك فلا كلام ، وان كذبه كان القول ، قول المقر مع يمينه ، لأنه اعلم بما أقر به وبما استثناه ، لأنه في يده ، فيجب ان يكون القول ، قوله مع يمينه.

٣٣٠ ـ مسألة : إذا قال : غصبت هذه الدار من « زيد » وملكتها « لعمرو » ما الواجب عليه؟

الجواب : الواجب عليه تسليم الدار الى المغصوب منه ، لأنه أقر له باليد ، وللآخر بالملك ، وقد يكون في يده حقا وان كان ملكها لغيره ، مثل ان يكون في يده رهنا أو إجارة.

٣٣١ ـ مسألة : إذا قال : له عندي ألف درهم عارية ، هل يقبل منه ذلك أم لا؟

الجواب : يقبل منه ذلك ، ويكون ذلك مضمونا ، لأن الدراهم والدنانير مضمونة في العارية بغير شرط. [ انما قلنا : بغير شرط ، لأن الإمامية لا ترى العارية مضمونة في غير الذهب والفضة الا ان يشرط ضمانها ] (١).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منقول من النسخة الرضوية.

٩٠

٣٣٢ ـ مسألة : إذا قال : لك عندي (١) ألف درهم ان شئت ، هل يكون ذلك إقرارا لا؟

الجواب : لا يكون ذلك إقرارا ، لأن الإقرار اخبار عن حق واجب ، وما كان واجبا عليه قبل إقراره ، لا يجوز ان يعلق وجوبه بشرط مستقبل.

٣٣٣ ـ مسألة : إذا قال : لك على ألف درهم ، ان شهد لك شاهدان ، هل يكون ذلك إقرارا أم لا؟

الجواب : جواب هذه المسألة ، مثل جواب المسألة المتقدمة.

٣٣٤ ـ مسألة : إذا قال : ان شهد لك شاهدان على بالألف ، فهما صادقان ، هل يلزمه الإقرار بألف أم لا؟

الجواب : إذا قال ذلك لزمه الإقرار بالألف في الحال ، لأن الشاهدين إذا صدقا في شهادتهما عليه بالألف ، فالحق واجب عليه ، شهدا أو لم يشهدا.

٣٣٥ ـ مسألة : إذا كان في يده مملوك فأقر به « لزيد » ، وصدقه « زيد » على إقراره. وأقر العبد بنفسه « لعمرو » ، وصدقه « عمرو » على إقراره ، هل الصحيح إقرار السيد أو إقرار العبد؟

الجواب : إقرار السيد هو الصحيح دون إقرار العبد ، لأن يد السيد ثابتة على العبد ، لأنه ملكه ، ويد العبد ليست ثابتة على نفسه ، لأنه لا يملك لنفسه ، ولأن إقرار العبد إقرار بمال السيد عليه ، ولا يقبل هذا الا إذا صدق السيد المقر له.

فاما ان كذبه ، انعتق العبد ، لأن الذي كان في يده أقر بأنه ليس له ، والذي أقر له به قد أنكر ، وإقرار العبد لم يصح ، فما ثبت عليه ملك لأحد ، فينبغي ان يكون معتقا ، وقد ذكر انه يبقى رقا ، والصحيح ما ذكرناه.

٣٣٦ ـ مسألة : إذا ادعى انسان على غيره بأنه مملوكه ، وأنكر المدعى عليه ذلك ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا كان الأمر على ذلك ، كان القول ، قول المدعى عليه مع

__________________

(١) وفي نسخة : على. بدل « عندي ».

٩١

يمينه ، لأن الظاهر من حاله ، الحرية ، فان لم ينكر ذلك وأقر بما ادعاه من الرق ، ثم ادعى انه أعتقه ، وأنكر السيد ذلك ، كان القول ، قول السيد مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يعتقه.

٣٣٧ ـ مسألة : إذا التقط انسان لقيطا ورباه ، ثم أقر الملتقط بأنه مملوك « لزيد » ، هل يقبل هذا الإقرار منه أم لا؟

الجواب : لا يقبل هذا الإقرار منه ، لأن الظاهر من اللقيط الحرية.

٣٣٨ ـ مسألة : إذا قال : له عندي درهم ودرهم. أو قال : درهم ودرهم ودرهم. أو قال : درهم ثم درهم. أو قال : درهم ثم درهم ثم درهم ، فما الذي يجب عليه من ذلك؟

الجواب : اما قوله : له عندي درهم ودرهم ، فإنه يلزمه درهمان ، لأن الثاني معطوف على الأول بواو ، وكذلك القول في الثلاثة.

والقول في قوله : درهم ثم درهم ، كالقول في درهم ودرهم ، وان كانت لفظة « ثم » تقتضي المهلة ، لكن لا معنى لها ها هنا. والقول في الثلاثة مع لفظة « ثم » ، مثل القول في الثلاثة مع لفظ العطف بالواو ، ويجرى هذا المجرى القول بان له على درهم ، فدرهم للتعقيب ، ولا معنى له ها هنا. وفي الناس من قال يلزمه درهم واحد ، والذي قلناه هو الظاهر الأصح.

٣٣٩ ـ مسألة : إذا قال : له على درهم لا بل درهمان ، أو قال : قفيز حنطة لا بل قفيزان ، ما الذي يلزمه من ذلك؟

الجواب : الذي يلزمه من ذلك درهمان ، ومن الحنطة قفيزان. لأن « لا بل » للإضراب عن الأول والاقتصار على الثاني.

٣٤٠ ـ مسألة : إذا قال : له على قفيز حنطة لا بل قفيز شعير ، ما الذي يلزمه من ذلك؟

الجواب : الذي يلزمه ها هنا ، قفيز حنطة وقفيز شعير ، لأنه أقر بجنس آخر ، ولا يقبل منه نفى الأول.

٣٤١ ـ مسألة : إذا كانت بين يديه جملتان حاضرتان من دراهم ، فقال

٩٢

مشيرا إليهما : « لزيد » على إحداهما ، أو عينها ثم قال : لا بل هذه الأخرى ، ما الذي يلزمه من ذلك؟

الجواب : إذا قال ذلك لزمته الجملتان معا ، ولم يصح رجوعه ، لأن إحدى الجملتين لا تدخل في الأخرى ، ولا يلزم على ذلك لو قال : له على عشرة لا بل عشرون ، لأن العشرة داخلة في العشرين إذا لم تكن معينة.

٣٤٢ ـ مسألة : إذا قال يوم الخميس : « لزيد » على درهم من ثمن مملوك ، وقال يوم الجمعة : له على درهم من ثمن قميص ، ما الذي يلزمه من ذلك؟

الجواب : الذي يلزمه درهمان ، لأن ثمن المملوك ، غير ثمن القميص ، وليس يجرى ذلك مجرى قوله إذا أطلق ذلك من غير اضافة الى السبب ، لأن ذلك يحتمل التكرار ، وهذا لا يحتمل التكرار ، وكذلك إذا أضاف لكل واحد من الإقرارين إلى سبب ، غير السبب الذي أضاف الأخر إليه.

٣٤٣ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » على درهم لا بل درهم ، ما الذي يلزمه؟

الجواب : الذي يلزمه درهم واحد ، لأنه أمسك ليستدرك ، ثم تذكر انه ليس عليه الا ذلك.

٣٤٤ ـ مسألة : إذا قال : له على عشرة لا بل تسعة ، ما الذي يلزمه؟

الجواب : الذي يلزمه عشرة ، لأنه نفى درهما من العشرة ، على غير وجه الاستثناء ، ولم يقبل منه ذلك ، ولا يجرى هذا مجرى قوله لو قال : له على عشرة إلا درهما ، في انه يقبل منه ، لأن للتسعة عبارتين : إحداهما بلفظ التسعة والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد ، فبأيهما اتى فقد اتى بعبارة التسعة ، وليس كذلك قوله : على عشرة لا بل تسعة ، لأنه أقر بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه ، يوضح ما ذكرناه ، انه لو قال : على دينار الا درهم ، صح ذلك واستثنى قدر الدرهم ، ولو قال : له على دينار لا بل درهم ، لزمه الدرهم والدينار جميعا.

٣٤٤ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » على من الدرهم إلى العشرة ، ما الذي

٩٣

يجب عليه من ذلك؟

الجواب : الذي يجب عليه تسعة ، لأن الأول داخل فيه ، لأن « من » لابتداء الغاية ، والغاية لا تدخل فيه ، وفي الناس من قال : تلزمه ثمانية ، والذي ذكرناه أصح من ذلك.

٣٤٥ ـ مسألة : إذا قال لغيره : هذه الدار أو هذا البيت لك هبة أو عارية ، أو هبة سكنى ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا قال له ذلك ، كان له إخراجه منها من اى وقت أراد ، لأن ذلك إقرار بعارية وهبة ، منفعتها ما سكنه فقد قبضه ، وما لم يسكنه ، لم يقبضه ، فله الرجوع اى وقت أراد ، كما قدمناه.

٣٤٦ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » على من مالي ألف أو مأة ، هل يكون ذلك إقرارا أم لا؟ وهل له تفسيره لما أراد أم لا؟

الجواب : إذا قال ذلك لم يكن هذا الإطلاق إقرارا ، لأنه أضاف هذا المال الى نفسه ، وجعل له منه ألفا أو مأة ، وهذا يقتضي ان يكون هبة ، لأن ماله لا يكون لغيره الا على هذا الوجه. وله تفسيره بالهبة.

٣٤٧ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » الميت على حق ، وهذا ولده وهذه امرأته ، وأوجبتم عليه دفع الحق إليهما ، من حيث أقر بأنه لا يستحقه غيرهما ، فما جوابكم إذا قال : « لزيد » الميت على حق وهذا الطفل ولده ، وهذا وصيه ، هل ترون (١) دفعه إليهما أم لا؟ ما الجواب عن ذلك؟

الجواب : اما الأول فلا شبهة في صحة تسليم ما أقر به الى ولد الميت وزوجته ، لإقراره بأنه لا يستحق له غيرهما ، واما الثاني ، فلا يجوز التسليم الى الوصي ، لأنه لا يأمن من إنكار الطفل عند بلوغه لكونه وصيا له ، فإذا أنكر ذلك سمع منه ، ويجوز تسليمه الى الحاكم ، لأن له على الطفل ولاية ، لا يمكنه إنكارها ، وولاية الوصي لا تثبت إلا ببينة.

٣٤٨ ـ مسألة : إذا كانت لإنسان مملوكة ، فوطأها رجل ، واختلفا ، فقال

__________________

(١) وفي نسخة : هل توجبون وفي الأخرى : هل ترجعون.

٩٤

سيدها للرجل : بعتكها والجارية مملوكة لك ، وعليك ثمنها. وقال الرجل : زوجتنيها والجارية لك ، وعلى مهرها ، ما الحكم بينهما في ذلك؟

الجواب : إذا اختلفا على الوجه المذكور ، كان كل واحد منهما مدعيا على الأخر عقدا ينكر دعواه عليه ، ولكل واحد منهما ان يحلف وينفى بيمينه ما يدعيه الأخر عليه ، فان حلف السيد انه ما زوجها ، وحلف الواطى انه ما اشتراها ، عادت الجارية إلى سيدها ، لأن الواطئ إذا حلف انه ما اشتراها ، فسقط الابتياع ، وإذا حلف السيد انه ما زوجها سقط النكاح ، فان حلف سيدها انه ما زوجها ونكل الواطى عن اليمين ، ردت اليمين على السيد فيحلف انه باعها منه ، فإذا حلف على ذلك ثبتت الجارية في الحكم ملكا للواطى ، ولزمه الثمن لسيدها ، لأنه قد اثبت بيمينه انه ابتاعها منه. وان حلف الواطى انه ما ابتاعها ونكل سيدها عن اليمين ردت اليمين على الواطى ، فيحلف انه تزوجها فتثبت الزوجية فترجع الى سيدها بالملك لرقبتها ، فإذا زال النكاح بينها وبين الواطى ، جاز حينئذ لسيدها وطأها. هذا فالحكم بالظاهر. واما في الباطن فهو على ما يعلمه من نفسه ، فان كان صادقا في دعواه لم يجز له وطأها أيضا الا على الوجه الذي يحل معه وطأ مثلها.

٣٤٩ ـ مسألة : إذا ادعى « زيد » على « عمرو » مالا في مجلس الحكم ، فقال « عمرو » : لا أقر ولا أنكر ، أو قال : لا ادرى ما يقول. أو قال : انا مقر أو منكر ، هل يكون ذلك جوابا صحيحا أم لا؟ وما الحكم فيه؟

الجواب : إذا ذكر ذلك بين يدي الحاكم ، لم يكن جوابا صحيحا ، وكان على الحاكم ان يقوله له : ان أجبت بجواب صحيح ، والا جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على خصمك ، فان لم يجب بجواب صحيح ، وهو ان يقول : انا مقر ـ أو أنا منكر ، جعله الحاكم ناكلا ، ورد اليمين على خصمه. وانما جعل ناكلا ، لأنه لو أجاب بجواب صحيح ، وامتنع من اليمين لجعل ناكلا ، وإذا امتنع من الجواب واليمين ، فأولى ان يكون ناكلا. وانما لم يكن قوله : « ولا أقر ولا أنكر » جوابا صحيحا ، لاحتماله ان يريد أقر فيما بعد ، أو أقر بوحدانية الله تعالى ، وكذلك

٩٥

قوله : « لا أنكر » يحتمل لا أنكر وحدانية الله تعالى ، أو لا أنكر فضلك. وإذا كان ذلك محتملا لم يصح الجواب به حتى يجيب بما يزول معه الاحتمال مما قدمنا ذكره.

وقوله : « لا ادرى ما يقول ». انما لم يكن جوابا صحيحا ، لأنه اعلم بما يقول خصمه ، وكيف يقول لا ادرى به.

وقوله : « انا مقر أو منكر » انما يجرى مجرى ما تقدم ، في انه ليس بجواب صحيح ، لمثل ما ذكرناه في الوحدانية وغيرها.

٣٥٠ ـ مسألة : إذا قال : « لزيد » على مأة ، ثم سكت ثم قال : من ثمن مبيع لم أقبضه. أو قال : له على مأة من ثمن مبيع ، ثم سكت ثم قال : لم اقبضه ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا قال الأول لم يقبل منه ما ادعاه من المبيع ، لأنه أقر بالمأة وفسر ذلك بما يسقط إقراره. واما الثاني فلا يجرى مجرى الأول ، لأنه إذا قال : له على مأة من ثمن المبيع ، ثم سكت ثم قال : لم اقبضه ، قبل ذلك منه ، لأن قوله بعد السكوت : « لم اقبضه » غير مناف للإقرار الأول ، لأنه قد تكون عليه مأة دينار ثمنا ، ولا يلزمه تسليمها حتى يقبض المبيع ، ولأن الأصل عدم القبض.

٣٥١ ـ مسألة : إذا شهد على انسان شهود بإقراره ، ولم يقولوا : هو صحيح العقل ، هل يصح ذلك أم لا؟

الجواب : تصح الشهادة بذلك ، لأن الظاهر صحة إقراره ، ولأن الظاهر أيضا ان الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل ، فان ادعى المشهود عليه بالإقرار ، انه أقر وهو مجنون ، وأنكر المقر له ذلك ، كان القول ، قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم الجنون ، ولأن الشهود يشهدون على ظاهر الحال ، فيجوز ان يخفى جنونه ، ويكون المقر له عالما بذلك.

٣٥٢ ـ مسألة : إذا قال : له على درهم في عشرة ، كم يكون للمقر له؟

الجواب : ان أراد بما ذكره ضرب الحساب ، وجبت عليه عشرة دراهم ، لأن واحدا في عشرة ، عشرة ، وان لم يرد ضرب الحساب ، لم يلزمه غير درهم

٩٦

واحد ، لأنه يكون معناه له درهم في عشرة دراهم لي ، ويجرى ذلك مجرى ما قدمناه في القول له قميص في منديل.

٣٥٣ ـ مسألة : إذا قال : له عندي درهم ودرهمان ، كم يجب عليه؟

الجواب : تجب عليه ثلاثة دراهم ، لأن الدرهمين معطوفان على الدرهم ، فإذا كان قد عطف الدرهمين على الدرهم ، وكان من حق المعطوف ، ان يكون غير معطوف عليه ، لزمه ما ذكرناه.

٣٥٤ ـ مسألة : إذا ادعى على صبي البلوغ ، وأنكر الصبي ذلك ما حكمه؟

الجواب : على المدعى لبلوغ الصبي ، البينة بما ادعاه ، فان لم تكن له بينة ، لم يلزم الصبي يمين ، وكان القول في ذلك ، قوله ، لأن إلزامه اليمين يؤدى الى نفيها وإسقاطها عنه ، لأنه إذا حلف أنه صبي ، وحكم له بالصبي ، بطلت يمينه ، لأن يمين الصبي غير صحيحة ، وكلما أدى إثباته إلى نفى لم يكن لإثباته معنى يعول عليه.

٣٥٥ ـ مسألة : إذا أقر إنسان لمملوك غيره بمال ، هل يصح ذلك الإقرار أم لا؟ وان صح فهل يكون إقرار للمملوك أو لسيده؟

الجواب : هذا الإقرار صحيح ، وهو إقرار لسيد المملوك ، لأن المملوك لا يصح ان يكون له مال بالاكتساب أو غيره ، فإذا ثبت ذلك ، كان لسيده.

٣٥٦ ـ مسألة : إذا هلك انسان وخلف ابنا ، فأقر هذا الابن بأخ له من أبيه ، ثم اقرا جميعا بثالث ، ثم ان الثالث أنكر نسب الثاني ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا أقرا جميعا بثالث ثبت نسب الثالث ، وإذا أنكر الثالث الثاني ، لم يثبت نسبه ، لأنه لم يشهد له اثنان بذلك ، والثالث قد شهد له اثنان ، فيصح بذلك نسبه ، ولم يصح للثاني ، والمال الموروث يكون بين الأول والثالث ، ويأخذ الثاني من الأول الذي أورثه (١) ، ثلث ما بقي في يده ، لأنه مقر به وبغيره.

__________________

(١) وفي نسخة : الذي أقر به.

٩٧

٣٥٠ ـ مسألة : إذا هلك وترك أخا وزوجة ، فأقرت الزوجة بابن لزوجها المتوفى ، وأنكر الأخ ، ما الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا أقرت الزوجة بهذا الابن ، وأنكره الأخ لم يثبت نسبه ، واما المال الموروث ، فإنه ان كان في يد الأخ لم تأخذ الزوجة منه الا الثمن ، لأنه القدر الذي تدعيه ، وان كان في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه. لأنه القدر الذي يدعيه ، لأنه يقول : انه ليس لزوجها ابن ، فيبقى في يدها الربع ، وهي مدعية لنصفه ، لأنها تقول : ان لزوجها ابنا ، فيكون نصف هذا الربع وهو الثمن ، لها ، والباقي ترده على الذي ادعت انه ابن زوجها.

٣٥١ ـ مسألة : إذا هلك الإنسان وخلف ابنين ، وأقر الواحد منهما بأخ ، وأنكره الأخر ، هل يثبت نسبه أم لا؟ فان قلتم : يثبت ، قيل لكم : هذا خلاف مذهبكم ، لأن عندكم ، لا يثبت نسبه إلا بشهادة اثنين ، فان قلتم : لا يثبت ، قيل لكم : فان مات المنكر وورث اخوه جميع المال ، هل تجب عليه مقاسمة الذي أقر به أم لا؟ وان خلف المنكر ابنا فوافق عمه فيما أقر به ، من أخيه الذي أنكره أبوه ، هل يثبت نسبه أم لا؟

الجواب : إذا ورث الأخ جميع ما خلفه اخوه وجبت عليه المقاسمة لمن أقر به وليس له جحده بعد ذلك ، فإذا لم يكن له جحده بعد إقراره به كما ذكرناه ، لزمه ان يقاسمه المال ، فاما (١) ثبوت نسبه لموافقة ابن المنكر له فصحيح ، لأن الأخ إذا كان قد أقر به ، وشهد ابن أخيه له بمثل ذلك ، فلا بد من ثبوت النسب والميراث له ، لأنهما اثنان ، وقد شهدا له بذلك.

٣٥٩ ـ مسألة : إذا هلك وترك ابنين أحدهما قاتل ، ما الحكم فيه وفي الأخر ان أقر بأخ وأنكره الأخر؟

الجواب : إذا ترك ابنين أحدهما قاتل ، كان المال كله للذي ليس بقاتل ، وان أقر الذي صار له الميراث بأخ له آخر غير القاتل ، كان عليه ان يقاسمه المال ، لأنه مقر بنسبه ، وان أنكره القاتل لم يكن لإنكاره ها هنا تأثير ، وان أقر به لم يثبت

__________________

(١) وفي نسخة : واما.

٩٨

نسبه ، لأنه لا يجوز ان يرث من هذا الميراث شيئا.

٣٦٠ ـ مسألة : إذا هلك انسان وترك ابنين ، أحدهما كافر والأخر مسلم ، ما الحكم فيه وفيه الأخر ان أقر بأخ وأنكره الأخر؟

الجواب : إذا ترك ابنين أحدهما كافر والأخر مسلم ، كان المال للمسلم دون الكافر. فإن أقر أحدهما بأخ آخر وكان المقر هو المسلم ، كانت عليه مقاسمة المال ، لأنه أقر به ، وان كان المقر به هو الكافر ، لا يثبت نسبه ، لأنه لا يجوز ان يرث من هذا الميراث شيئا ، وان أنكره لم يكن لإنكاره ها هنا تأثير.

٣٦١ ـ مسألة : إذا أقر الوارث بوارث آخر هو اولى منه ، كيف حكمه؟

الجواب : إذا أقر الوارث بوارث آخر هو اولى منه ، كان عليه ان يدفع جميع المال إليه ، لأنه أقر به.

٣٦٢ ـ مسألة : إذا أقر بوارث آخر يكون ثالثا له وللذي أقر به ، كيف يكون حكمه؟

الجواب : إذا أقر بذلك ، كان عليه ان يغرم له مثل الميراث ، لأنه أقر به.

٣٦٣ ـ مسألة : المسألة بعينها إذا أقر بهذا الذي هو ثالث له وللذي أقر به وجحده المقر له أولا ، كيف الحكم في ذلك؟

الجواب : إذا كان كذلك ، كان عليه ان يغرم له الميراث ، كما قدمناه ، واما جحده للذي أقر به أولا ، فلا يصح جحده له بعد الإقرار به.

٣٦٤ ـ مسألة : إذا أقر للميت بزوج ، كيف حكمه؟

الجواب : إذا أقر بذلك كان عليه ان يدفع اليه مقدار ما كان يجب له من سهمه.

٣٦٥ ـ مسألة : المسألة بعينها إذا أقر بزوج آخر ، ما الحكم فيه؟

الجواب : إذا أقر بذلك كان إقراره باطلا ، لأن الزوجين ها هنا لا يتعددان ، فان كذب نفسه في الإقرار الأول ، كان عليه ان يغرم للثاني سهمه ، ولا سبيل له على الأول.

٣٦٦ ـ مسألة : إذا أقر الولد بزوجة للميت ، كيف الحكم في ذلك؟

٩٩

الجواب : إذا أقر بذلك كان عليه ان يدفع إليها ثمن ما كان في يده.

٣٦٧ ـ مسألة : المسألة بعينها وأقر بعد ذلك بزوجة ثانية ، هل يجب عليه ان يدفع إليها شيئا أم لا؟

الجواب : يجب عليه ان يدفع إليها نصف ثمن ما في يده.

٣٦٨ ـ مسألة : المسألة بعينها ، وأقر بعد ذلك بزوجة ثالثة وبعد الثالثة أقر برابعة وبعد الرابعة أقر بخامسة ، ما الحكم فيهن؟

الجواب : إذا أقر بعد ذلك بثالثة ، كان عليه ان يدفع إليها ثلث ثمن ما في يده ، فإذا أقر بعد ذلك برابعة ، كان عليه ان يدفع إليها ربع ثمن ما في يده ، فإذا أقر بعد ذلك بخامسة ، كان إقراره بها باطلا ، وان أنكر واحدة ممن كان أقر بها منهن ، كان إنكاره باطلا ، ووجب عليه ان يغرم للتي أقر بها بعد ذلك ما يجب لها ، وان لم ينكر واحدة منهن ، وكان إقراره ، بالخامسة باطلا ، على ما قدمناه.

٣٦٩ ـ مسألة : إذا أقر بأربع زوجات في وقت واحد ، ما الحكم فيهن؟

الجواب : إذا كان كذلك ، كان لجميعهن عليه الثمن ، ويكون بينهن بالسوية.

١٠٠