مجمع البحرين - ج ٣

الشيخ فخر الدين الطريحي

مجمع البحرين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ فخر الدين الطريحي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات مرتضوي
المطبعة: طراوت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٤

« مَضَيْتَ لِلَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ شَهِيداً وَمُسْتَشْهَداً وَمَشْهُوداً ».

والمراد من الشَّهِيدِ المعنى المعروف ، ومن المُسْتَشْهَدِ المطلوب منه الشهادة ، كأن الله أمره بها وطلبها منه ، ومن المَشْهُودِ الذي يشهد قتله الخلائق والملائكة كما في قوله تعالى : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ).

وَفِي حَدِيثِ ذِكْرِ الشَّهِيدِ « وَهُوَ مَنْ مَاتَ بَيْنَ يَدَيِ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ أَوْ قُتِلَ فِي جِهَادٍ سَائِغٍ ».

قيل سمي بذلك لأن ملائكة الرحمة تشهده ، فهو شَهِيدٌ بمعنى مشهود. وقيل لأن الله وملائكته شهود له في الجنة ، وقيل لأنه ممن استشهد يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وآله على الأمم الخالية ، وقيل لأنه لم يمت كأنه شَاهِدٌ أي حاضر ، أو لقيامه بشهادة الحق في الله حتى قتل ، أو لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة وغيره لا يشهدها إلى يوم القيامة ، فهو فعيل بمعنى فاعل. و « الشَّهِيدُ » من أسمائه تعالى ، وهو الذي لا يغيب عنه شيء. والشَّاهِدُ : الحاضر ، وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل ، فإذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم ، وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير ، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشَّهِيدُ وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق. ومنه قَوْلُهُ « وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ».

أي شاهدك على أمته يوم القيامة.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ ».

أراد بالشواهد الحواس لكونها تشهد ما تدركه ،

« وَلَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ ».

المحاضر والمجالس.

وَفِي الْخَبَرِ « سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ شَاهِدٌ ».

قيل أي يشهد لمن حضر صلاته.

وَ « الصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ ».

أي يشهدها الملائكة ويكتب أجرها للمصلي. وشَهِدْتُ على الشيء : اطلعت عليه وعاينته فأنا شَاهِدٌ ، والجمع أَشْهَادٌ وشُهُودٌ. وشَهِدْتُ العيدَ : أدركته ، وشَاهَدْتُهُ مثل عاينته. وشَهِدْتُ المجلسَ : حضرته. وقولهم و « الشَّاهِدُ يرى ما لا يرى الغائب » أي الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب.

٨١

قوله « وهو شَاهِدٌ في بلده » أي حاضر. وشَهِدَ بكذا يتعدى بالباء لأنه بمعنى أخبر. و « أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله » يتعدى بنفسه لأنه بمعنى أعلم. وقد يستعمل « أَشْهَدُ » في القسم نحو « أَشْهَدُ بالله لقد كان كذا » أي أقسم. والشَّهَادَةُ خبر قاطع ، والمعنى واضح. و « ذو الشَّهَادَتَيْنِ » خزيمة بن ثابت (١)حيث جعل رسول الله صلى الله عليه وآله شهادته بشهادتين وسماه بذلك. والمَشْهَدُ : محضر الناس ، ومنه المَشْهَدَانِ. والتَشَهُّدُ معروف ، ومنه قَوْلُهُ عليه السلام « كَانَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ ».

والشَّهْدُ : العسل في شمعها ، والجمع شِهَادٌ كسهم وسهام. و « شَهْدَانِجُ » ويقال « شَاهْ دَانِجُ » هو حب القنب ، قيل ينفع من حمى الربع والبهق والبرص ، ويقتل حب القرع أكلا ووضعا على البطن من خارج

( شيد )

قوله تعالى : ( قَصْرٍ مَشِيدٍ ) [ ٢٢ / ٤٥ ] بفتح ميم وخفة ياء وسكونها هو المعمول بِالشِّيدِ بالكسر ، وهو كل شيء طليت به الحائط من جص أو غيره ، يقال « شِدْتُ البيتَ » من باب باع : إذا بنيته بالشيد. وشَادَهُ يَشِيدُهُ شَيْداً بالفتح : جصصه. و « المُشَيَّدُ » بضم الميم وتشديد الياء وفتحها : المطول ، ومنه قوله تعالى : ( فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) [ ٤ / ٧٨ ] أي قصور مطولة مرتفعة مُشَيَّدَة مجصصة وقيل مزينة ، وقيل المروج بالبروج قصور في السماء بأعتابها.

وَفِي الْحَدِيثِ « إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ ».

يعني رفع بها قدره ومحله ومنزلته حتى كادت لا تخفى على أحد.

__________________

(١) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري ، كان مع علي عليه السلام بصفين ، فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل ـ انظر الاستيعاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٤٤٨.

٨٢

باب ما أوله الصاد

( صخد )

الصَّيْخُودُ واحد الصَّيَاخِيد ، وهو الصخرة الشديدة الصلبة

( صدد )

قوله تعالى : ( وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ ) [ ٣٧ / ٤٣ ] أي منعها من الإيمان عبادة الشمس ، من قولهم صَدَّهُ صَدّاً وصُدُوداً من باب قتل : صرفه ومنعه. قوله : ( إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) [ ٤٣ / ٥٧ ]

رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ : إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ السَّاعَةَ شَبِيهُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فَخَرَجَ بَعْضُ مَنْ كَانَ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله لِيَكُونَ هُوَ الدَّاخِلُ ، فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ الرَّجُلُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ : مَا رَضِيَ رَسُولُ اللهِ أَنْ فَضَّلَ عَلَيْنَا عَلِيّاً عليه السلام حَتَّى يُشْبِهَهُ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَاللهِ لَآلِهَتِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْبُدُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ ) يَضِجُّونَ فَحَرَّفُوهَا ( يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ) (١).

وقرئ ( « يَصِدُّونَ » ) بكسر الصاد وضمها ، فمن كسر أراد يضجون وترتفع لهم جلبة فرحا وجذلانا وضحكا ، ومن قرأ بالضم فهو من الصُّدُودِ والإعراض عن الحق. قوله : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) [ ٤٧ / ١ ] نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين ارتدوا بعده وغصبوا أهل بيته حقهم وصدوا عن أمير المؤمنين بعد وفاة

__________________

(١) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٥١.

٨٣

رسول الله صلى الله عليه وآله ( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) أي بطل ما كان منهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله من الجهاد والنصرة (١).

وَرُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَبَا الْحَسَنِ لِمَ قُلْتَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ : قَرَأْتُ شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ : قَدْ قُلْتَهُ لِأَمْرٍ. قَالَ : نَعَمْ إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) فَتَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ أَوْصَى إِلَّا إِلَيْكَ. قَالَ : فَهَلَّا بَايَعْتَنِي؟ قَالَ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَكُنْتُ مِنْهُمْ. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كَمَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِجْلِ عَلَى الْعِجْلِ ، هَاهُنَا فُتِنْتُمْ ، وَمَثَلُكُمْ ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ )(٢).

قوله : ( يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) [ ١٤ / ١٦ ] الصَّدِيدُ : قيح ودم ، وقيل هو القيح كأنه الماء في رقته والدم في شكله ، وقيل هو ما يسيل من جلود أهل النار. قوله : ( فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) [ ٨٠ / ٦ ] أي تَتَصَدَّى ، من قولهم تَصَدَّيْتُ للأمر : تفرغت له ، وأصله تَصَدَّدْتُ فأبدل للتخفيف.

وَفِي الْحَدِيثِ « الْمَصْدُودُ تَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ ، وَالْمَحْصُورُ لَا تَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ » (٣).

والمراد بِالْمَصْدُودِ من صدّه المشركون ومنعوه من الحج ليس من مرض كما رواه رسول الله صلى الله عليه وآله. والصَدُّ : الهجران والإعراض ، يقال

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٦٢٤.

(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٨٠.

(٣) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ٣٦٩.

٨٤

صَدَدْتُ عنه أي هجرته وأعرضت عنه

( صرد )

فِي الْحَدِيثِ « كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام رَجُلاً صَرِداً لَا تُدْفِئُهُ فِرَاءُ الْحِجَازِ ».

الصَّرِدُ بفتح الصاد وكسر الراء المهملة : من يجد البرد سريعا. ومنه « رجل مِصْرَادٌ » لمن يشتد عليه البرد ولا يطيقه ، ويقال أيضا للقوي على البرد ، فهو من الأضداد. وفِيهِ « نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ قَتْلِ الصُّرَدِ ».

وهو كرطب : طائر أبيض البطن أخضر الظهر ضخم المنقار يصطاد العصافير إذا نقر واحدا قده من ساعته وأكله ، ويسمى الأخطب والأخيل لاختلاف لونه (١)، لا يكاد يرى إلا في سعفة أو شجرة ، لا يقدر عليه أحد ، شرير النفس ، غذاؤه من اللحم ، له صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه ليتقرب إليه ، فإذا اجتمعوا إليه شد على بعضهم فأخذه ، تتشاءم به العرب وتتطير بصوته ـ كذا في حياة الحيوان وغيره (٢)وفِي الْمِصْبَاحِ قِيلَ إِنَ الصُّرَدَ كَانَ دَلِيلَ آدَمَ مِنْ بِلَادِ سَرَنْدِيبَ إِلَى بِلَادِ جُدَّةَ مَسِيرَ شَهْرٍ.

وعَنْ كَعْبٍ الْأَحْبَارِ الصُّرَدُ يَقُولُ « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى مِلْءَ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ ».

وجمع الصُّرَدِ الصِّرْدَانُ.

( صعد )

قوله تعالى : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) [ ٤ / ٤٣ ] أي ترابا نظيفا. والصَّعِيدُ : التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ـ نقل عن الجمهرة. والصَّعِيدُ أيضا : وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، وهو قول الزجاج حتى قال لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ، فيشمل الحجر والمدر ونحوهما والصَّعِيدُ أيضا : الطريق لا نبات فيها قال الأزهري : ومذهب أكثر العلماء

__________________

(١) في المصباح المنير ( صرد ) : ويسمى المجوف لبياض بطنه ، والأخطب لخضرة ظهره ، والأخيل لاختلاف لونه.

(٢) حياة الحيوان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٦٠ ـ ٦٣.

٨٥

أن الصَّعِيدَ في قوله : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) أنه التراب الطاهر الذي على وجه الأرض أو خرج من باطنها. قوله : ( صَعِيداً زَلَقاً ) [ ١٨ / ٤٠ ] أي أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها. قوله : ( عَذاباً صَعَداً ) [ ٧٢ / ١٧ ] أي شديدا شاقا. والصَّعَدُ مصدر صَعَدَ ، وصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. قوله ( سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ) [ ٧٤ / ١٧ ] الصَّعُودُ بفتح الصاد : العقبة الشاقة ، وقيل إنها نزلت في الوليد بن المغيرة لأنه يكلف في القيامة أن يصعد جبلا من النار من الصخرة ملساء ، فإذا بلغ أعلاها لم يترك أن يتنفس وجذب إلى أسفلها ثم يكلف مثل ذلك (١) قوله : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ ) [ ٣ / ١٥٣ ] الإِصْعَادُ : الابتداء في السفر والانحدار : الرجوع. وقيل الإِصْعَادُ الذهاب في الأرض والإبعاد سواء ذلك في صعود أو حدور. قوله : ( كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) [ ٦ / ١٢٥ ] شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صُعُودَ السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة ، ونبه به على أن الإيمان ممتنع منه كما يمتنع عليه الصعود إلى السماء. وقرئ « يَصَّاعَدُ » أي يتصاعد. وفي تفسير الشيخ علي بن إبراهيم ( كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ). قال : يكون مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر أن تلقى أغصانها يمنة ويسرة ، فتمر في السماء فتسمى حرجة فضرب بها مثل (٢) قوله : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) [ ٣٥ / ١٠ ] أي يقبله ، لأن كلما يتقبل الله من الطاعات يوصف بالرفع والصعود ، ولأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ويرفعونها إلى حيث يشاء الله ، لقوله تعالى : ( إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ )

وَفِي الْحَدِيثِ « يَجْمَعُ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ». قيل هي

__________________

(١) انظر البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٤٠١.

(٢) تفسير علي بن إبراهيم صلى الله عليه وآله ٢٠٤.

٨٦

أرض واسعة مستوية. وفِيهِ « فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ».

هو بضم الصاد وفتح المهملتين والمد : نوع من التنفس يصعده المتلهف الحزين ، وانتصابه كما قيل على المفعول المطلق النوعي نحو « جلست القرفصاء ». والصَّعَدُ بفتحتين الصعود ضد الهبوط. ومنه الْحَدِيثُ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الصُّعُدَاتِ ».

يعني الطرق ، أخذا من الصَّعِيدِ الذي هو التراب ، فإنه يجمع على « الصُّعُدِ » بضمتين ، ثم « الصُّعُدَات » جمع الجمع كما تقول طريق وطرق وطرقات. وقيل المراد من الصُّعُدَاتِ فناء باب الدار وممر الناس بين يديه.

وَفِي وَصْفِهِ عليه السلام « كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ فِي صُعُدٍ ».

أي موضعا عاليا يصعد فيه وينحط. والمشهور « في صبب » وقد مر (١) قال في الدر هو بضمتين جمع صَعُود وهو خلاف الهبوط ، وبفتحتين خلاف الصبب. والصَّاعِدُ : المرتفع ، ومنه « شَرِّي إِلَيْكَ صَاعِدٌ ». ومنه حَدِيثُ الْأَمْوَاتِ « وَصَاعِدْ إِلَيْكَ أَرْوَاحَهُمْ ».

أي ارفعها إليك إلى الجنة. وصَعِدَ في السلم ـ من باب تعب ـ صُعُوداً والصَّعُودُ كرسول : خلاف الهَبُوطِ والجمع صَعَائِد وصُعُد مثل عَجُوز وعَجَائِز وعُجُز. و « اشْتَرَيْتُهُ بدرهم فَصَاعِداً » هو حال ، أي فزاد الثمر صاعدا

( صفد )

قوله تعالى : ( مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) [ ١٤ / ٤٩ ] أي القيود والأغلال التي توثق بها الأرجل ، واحدها صَفَد بالتحريك ويقال صَفَدَهُ يَصْفِدُهُ صَفْداً أي شده وأوثقه ، وكذلك التَّصْفِيدُ. والصَّفَدُ : الوثاق. والصِّفَادُ بالكسر : ما يوثق به الأسير من قِدٍّ وقَيْدٍ وغُلٍّ. والصَّفَدُ بالتحريك : العطاء. ومنه « طِبِّي طِبٌّ لَمْ آخُذْ عَلَيْهِ صَفَداً » يعني لم آخذ عليه أجرة. وأَصْفَدْتُهُ إِصْفَاداً : أي أعطيته مالا

__________________

(١) انظر هذا الكتاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٩٦.

٨٧

أو وهبته عبدا.

وَفِي حَدِيثِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ « وَشَهْرُ رَمَضَانَ تُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ » (١).

أي تشد وتوثق بالأغلال ، هو إما حقيقة ليمتنعوا عن الإغواء والتشويش ، أو مجاز عن قلة الإغواء ، والمراد أن الشياطين لا يخلصون في شهر رمضان لإفساد الناس كما يخلصون في غيره من الشهور لاشتغالهم بصيام يقمع الشهوات وسائر العبادات.

( صلد )

قوله تعالى : ( فَتَرَكَهُ صَلْداً ) [ ٢ / ٢٦٤ ] بتسكين اللام ، أي صلبا أملس نقيا من التراب ، يقال حجر صَلْدٌ : أي صلب أملس. وقوله : ( لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ ) أي لا ينتفع من ينفق رئاء الناس بما فعل ، أو لا يجد ثوابه.

وَفِي حَدِيثِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ « أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ ».

أي لا يدخل قلبه ريب ولا جزع صبور عند المصائب والهزاهز واثق بدينه

( صمد )

قوله تعالى : ( اللهُ الصَّمَدُ ) [ ١١٢ / ٢ ] قيل الصَّمَدُ الذي انتهى إليه السؤدد ، وقيل هو الدائم الباقي ، وقيل هو الذي يُصْمَدُ في الحوائج أي يقصد. قال بعض الأعلام : اختلف أقاويل أهل التفسير في بيان الصَّمَدِ ، وأولى تلك بالتقديم ما وافق أصول أهل اللغة واشتهر بين أهل اللسان أَنَ الصَّمَدَ السيد المتفوق في السؤدد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم.

وَفِي الْحَدِيثِ إِلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ » (٢)،. وعليه قول أبي طالب عليه السلام في بعض ما كان يمدح النبي صلى الله عليه وآله :

وبالجمرة القصوى وقد صَمَدُوا لها

يؤمون قذفا رأسها بالجنادل

يعني قصدوا نحوها يرمونها بالجنادل يعني الحصا الصغار التي تسمى بالجمار. وقول بعض شعراء الجاهلية :

__________________

(١) الكافي ج ٤ صلى الله عليه وآله ١٥٧.

(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥٢٤.

٨٨

وبالجمرة القصوى وقد صَمَدُوا لها

يؤمون قذفا رأسها بالجنادل

وقول الزبرقان في مدح رهيبة اسم رجل :

ولا رهيبة إلا سيد صَمَدٌ

ومثله قول شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر :

علوته بحسام ثم قلت له

خذها حذيف فأنت السيد

الصَّمَدُ ومثل هذا كثير ، والله هو السيد الصَّمَدُ الذي جمع الخلق من الجن والإنس يصمدون في الحوائج ويلجئون إليه في الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعمة والرفع عن الشدائد. والصَّمْدُ : القصد ، يقال صَمَدَهُ يَصْمُدُهُ صَمْداً : قصده. ومنه الدُّعَاءُ « اللهُمَّ إِلَيْكَ صَمَدْتُ مِنْ بَلَدِي ».

وَفِي حَدِيثٍ « فَصَمَدَ إِلَى جَدْي ». أي قصده.

وَمِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي تَعْلِيمِ قَوْمِهِ الْحَرْبَ « فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَتَجَلَّى لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ » (١).

أي فاقصدوا قصدا بعد قصد. والصَّمَدُ : المكان المرتفع الغليظ. وفِيهِ « إِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى بِئْرِ مَيْمُونٍ أَوْ بِئْرِ عَبْدِ الصَّمَدِ فَاغْتَسِلْ ».

هي بئر قريبة إلى مكة في طريقها.

( صند )

فِي الدُّعَاءِ « نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ صَنَادِيدِ الْقَدْرِ ».

أي دواهيه ونوائبه العظام. والصَّنَادِيدُ : الدواهي. وصَنَادِيدُ قريش : أشرافهم وعظماؤهم ورؤساؤهم ، جمع صِنْدِيد بكسر الصاد ، وهو السيد الشجاع

( صيد )

قوله تعالى : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) [ ٥ / ٩٥ ] وقوله : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) [ ٥ / ٩٦ ] الصَّيْدُ : هو الحيوان الممتنع ولم يكن له مالك وكان حلالا أكله ، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال فهو صَيْدٌ ، وقيل سواء محللا

__________________

(١) نهج البلاغة ج ١ صلى الله عليه وآله ١١٠.

٨٩

أو محرما إلا ما استثني. وقد تكرر الصَّيْدُ في الحديث اسما وفعلا ومصدرا ، يقال صَادَ يَصِيدُ صَيْداً فهو صَائِدٌ ومَصِيدٌ.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله « ادْنُ فَاغْتَسِلْ مِنْ صَادٍ ».

قيل هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام « أَنْتَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَذُودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الصَّادُ ».

بمعنى الذي به الصَّيَدُ ، وهو داء يصيب الإبل في رءوسها ولا تقدر أن تسوي أعناقها. وصَادَ الرجل الطائر : أي اصْطَادَهُ ، فالطير مَصِيدٌ والرجل صَائِدٌ وصَيَّادٌ. والمِصْيَدَةُ بكسر الميم وسكون الصاد ، والمِصْيَدُ بحذف الهاء أيضا : آلة الصيد ، والجمع مَصَايِدُ بغير همز. وكلب صَيُودٌ بالفتح ، وكلابٌ صُيُدٌ وصِيدٌ. ويسمى ما يصاد صَيْداً إما فعيل بمعنى مفعول ، وإما تسميته بالمصدر. و « صَيْدَاءُ » بالمد اسم بلد (١)

باب ما أوله الضاد

( ضدد )

قوله تعالى : ( وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) [ ١٩ / ٨٢ ] الضِّدُّ واحد الأَضْدَاد والضَّدِيدُ مثله ، وقد يكون الضِّدُّ جمعا ومنه الآية الشريفة. وضَادَّهُ مُضَادَّةً : إذا باينه مخالفة ، ومنه

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٣٧ : بالمد وأهله يقصرونه .... وهي مدينة على ساحل بحر الشام من أعمال دمشق شرقي صور بينهما ستة فراسخ ... وبحوراء موضع يقال له أيضا صيداء ... وصيداء أيضا الماء المعروف بصداء الذي يضرب به المثل في الطيب ، فيقال « ماء ولا كصداء ».

٩٠

« لا مُضَادَّ له في ملكه ». والمُتَضَادَّانِ : اللذان لا يجتمعان كالليل والنهار. وقولهم « لا ضِدَّ له ولا ضَدِيدَ » أي لا نظير له ولا كفء له

( ضمد )

يقال « ضَمَّدَ فلان رأسه » بالتشديد : أي شده بِالضِّمَادِ ، وهي خرقة بعصابة أو ثوب ما خلا العمامة. وضَمَّدْتُهُ فَتَضَمَّدَ. والضِّمَادُ : خرقة يشد بها الغصن ـ قاله في الدر

( ضود )

الضَّادُ حرف مستطيل مخرجه من طرف اللسان إلى ما علا الأضراس ، ومخرجه من جانب الأيسر أكثر من الأيمن ، والعامة تخرجه من طرف اللسان وبين الثنايا ، وهي لغة حكاها الفراء. قال : ومن العرب من يبدل الضاد ظاء ومنهم من يعكس ، وهذا وإن نقل في اللغة وجاز استعماله في الكلام فلا يجوز العمل به في كتاب الله تعالى ، لأن القراءة سنة متبعة وهو غير منقول فيها ـ كذا في المصباح

( ضهد )

فِي الدُّعَاءِ « أَعُوذُ بك أَنْ أُضْطَهَدَ وَالْأَمْرُ لَكَ ».

أي أُقْهَرَ ، يقال ضَهَدْتُهُ فهو مَضْهُودٌ ومُضْطَهَدٌ : أي مقهور. والطاء بدل من تاء الافتعال

. باب ما أوله الطاء

( طرد )

قوله تعالى : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ ) [ ٦ / ٥٢ ] الآية.

قِيلَ مَرَّ مَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ أَرَضِيتَ بِهَؤُلَاءِ مِنْ قَوْمِكَ ، أَفَنَحْنُ نَكُونُ تَبَعاً لَهُمْ ، فَلَعَلَّكَ إِنْ طَرَدْتَهُمْ اتَّبَعْنَاكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ

٩١

الْآيَةَ (١).

وعَنْ سَلْمَانَ وَحُبَابٍ فِينَا نَزَلَتِ الْآيَةُ (٢).

وَفِي الْخَبَرِ « التَّهَجُّدُ مَطْرَدَةُ الدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ ».

أي إنها حالة من شأنها إبعاد الداء ، وهي مفعلة من الطرد ، يقال طَرَدَهُ : إذا أخرجه عن بلده. وطَرَدْتُ الرجل طَرْداً : إذا أبعدته ، فهو مَطْرُودٌ وطَرِيدٌ. ومُطَارَدَةُ الأقران في الحرب : حمل بعضهم على بعض. واطَّرَدَ الخافقان وهما المشرق والمغرب ، واطِّرَادُهُمَا بقاؤهما. والأنهار تَطَّرِدُ بالكسر والتشديد : أي تجري. ونهران يَطَّرِدَانِ : أي يجريان

( طود )

قوله تعالى : ( فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) [ ٢٦ / ٦٣ ] الطَّوْدُ : الجبل العظيم. وطَوْدٌ منيف : جبل عال

باب ما أوله العين

( عبد )

قوله تعالى : ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) [ ١٨ / ١١٠ ] قال الشيخ أبو علي : العِبَادَةُ هي غاية الخضوع والتذلل ، ولذلك لا تحسن إلا لله تعالى الذي هو مولى أعظم النعم ، فهو حقيق بغاية الشكر. قوله : ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) إلى آخر السورة. قال الشيخ أبو علي : ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) الألف واللام فيها للعهد ، لأنه يريد قوما معينين ، ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) أي لا أعبد آلهتكم التي

__________________

(١) نقل هذا القول في مجمع البيان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٠٥ عن عبد الله بن مسعود.

(٢) مجمع البيان ج ٢ صلى الله عليه وآله ٣٠٥.

٩٢

تعبدونها اليوم وفي هذه الحال ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) أي إلهي الذي أعبده اليوم وفي هذه الحال ( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ) فيما بعد اليوم ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) بعد اليوم من الأوقات المستقبلة. قال الزجاج نفى رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل (١)

وَفِي الْحَدِيثِ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَتَكْرَارِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ : كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا وَتَكْرَارِهَا أَنَّ قُرَيْشاً أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَقَالُوا : تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً وَتَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ، فَأَجَابَهُمُ اللهُ بِمِثْلِ مَا قَالُوا فَقَالَ فِيمَا قَالُوا تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) وَفِيمَا قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) وَفِيمَا قَالُوا تَعْبُدُ آلِهَتَنَا ( وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ ) وَفِيمَا قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً ( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ) فَرَجَعَ الْأَحْوَلُ إِلَى أَبِي شَاكِرٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو شَاكِرٍ : هَذَا حَمَلَتْهُ الْإِبِلُ مِنَ الْحِجَازِ (٢).

وَفِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : إِذَا قُلْتَ ( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) فَقُلْ : لَكِنِّي أَعْبُدُ اللهَ ( مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ) ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا قُلْ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ثَلَاثاً (٣).

قوله تعالى : ( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ ) [ ٣٤ / ٤١ ] قال المفسرون : يريدون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله. قوله : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ ٥١ / ٥٦ ] أي ما خلقتهم إلا لأجل العبادة ولم أرد من جميعهم إلا إياها ، والغرض في خلقهم تعريضهم للثواب ، وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٥٢.

(٢) البرهان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٥١٦.

(٣) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٥١.

٩٣

قوله : ( إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) [ ٤٣ / ٨١ ] يعني إن كنتم تزعمون للرحمن ولدا فأنا أول الجاحدين لما قلتم والآنفين ، من قولهم « عَبِدَ » إذا جحد وأنف. قوله : ( وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ) [ ٢ / ١٣٨ ] أي خاضعون أذلاء ، من قولهم « طريق مُعَبَّدٌ » أي مذلل قد عثر الناس فيه. قوله : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) [ ١ / ٥ ] أي نخصك بالعبادة ، وهي ضرب من الشكر وغاية فيه وكيفية ، وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل. قوله : ( أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) [ ٢٦ / ٢٢ ] أي اتخذتهم عبيدا لك ، قيل ومحل ( أَنْ عَبَّدْتَ ) رفع بأنه عطف بيان لتلك. ونظيره ( وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ. الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ ) والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي ، ويجوز أن يكون في محل النصب والمعنى إنما صارت نعمة علي لأنك عبدت بني إسرائيل. قوله : ( فَادْخُلِي فِي عِبادِي ) [ ٨٩ / ٢٩ ] أي في حربي. و « العِبَادُ » في الحديث والقرآن جمع عَبْدٍ وهو خلاف الحر ، والعَبِيدُ مثله ، وله جموع كثيرة والأشهر منها أَعْبُدٌ وعَبِيدٌ وعِبَادٌ. وحكى عن الأخفش عُبُد مثل سقف وسقف. قال الجوهري : ومنه قرأ بعضهم و « عُبُدَ الطَّاغُوتِ » وأضافه. قال الشيخ أبو علي في قوله : ( وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) قال الزجاج : هو نسق على لعنة الله ، والتقدير ومن لعنه الله ومن عبد الطاغوت. وقال الفراء : تأويله ( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ ) من ( عَبَدَ الطَّاغُوتَ ) ، فعلى هذا يكون المفعول محذوفا ، وذلك لا يجوز عند البصريين ، والصحيح الأول. ثم قال : ولا تعلق في هذه الآية للمجبرة لأنه أكثر ما تضمنته الأخبار بأنه خلق من يعبد الطاغوت على قراءة حمزة وغيره ، ولا شبهة في أنه تعالى خلق الكافر وأنه لا خالق للكافر سواه ، غير أن ذلك لا يوجب أن يكون خلق الكفر وجعله كافرا ، وليس لهم أن يقولوا إنا نستفيد من قوله جعل منهم من عبد

٩٤

الطاغوت أنه خلق ما به كان عابدا ، كما نستفيد من قوله : ( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ) أنه جعل ما به كانوا كذلك ، وذلك لأن الدليل قد دل على أن ما به يكون القرد قردا والخنزير خنزيرا لا يكون إلا من فعل الله ، وليس كذلك ما يكون ما به يكون الكافر كافرا ، فإنه قد دل الدليل على أنه تعالى متعال عن فعله وخلقه ، فافترق الأمران.

وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ « إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ ».

إلخ. قال بعض الأفاضل : الصناعة النحوية تقتضي أن يكون الموصول اسم إن والجار والمجرور خبرا ، لكن لا يخفى أنه ليس الغرض الإخبار عن الذي لا يصلحه إلا الفقر بعض العباد ، إذ لا فائدة فيه بل الغرض بالعكس ، فالأولى أن يجعل الظرف اسم إن والموصول خبر. قال : وهذا وإن كان خلاف ما هو المتعارف من القوم ولكن جوز بعضهم مثله في قوله ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ). و « العِبَادَةُ » بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به ، والفاعل عَابِدٌ ، والجمع عِبَادٌ وعَبَدَةٌ مثل كافر وكفار وكفرة ، ثم استعمل العَابِد فيمن اتخذ إلها غير الله ، فقيل عَابِدُ الوثن وعَابِدُ الشمس. و « زَيْنُ العَابِدِينَ » هو علي بن الحسين عليه السلام. والتَّعَبُّدُ : التنسك ، ومِنْهُ « سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِ تَعَبُّداً وَرِقّاً » (١).

والعَبْدُ المُتَعَبِّدُ : الدائم على العبادة أي الخضوع والتذلل لله. قال المحقق الطوسي في الأخلاق الناصرية : قال الحكماء عِبَادَةُ الله ثلاثة أنواع : الأول ما يجب على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته جل ذكره. الثاني ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحة من العلم بتوحيد الله وما يستحقه من الثناء والتمجيد والفكر فيما أفاضه الله سبحانه على العالم من وجوده وحكمته ثم الاتساع في هذه

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى الله عليه وآله ٣٢٣.

٩٥

المعارف. الثالث ما يجب عند مشاركات الناس في المدن وهي في المعاملات والمزارعات والمناكح وتأدية الأمانات ونصح البعض للبعض بضروب المعاونات وجهاد الأعداء والذب عن الحريم وحماية الحوزة ـ انتهى. وحقيقة العُبُودِيَّةِ هي كما في حديث عنوان ثلاثة أشياء : أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا لأن العَبِيدَ لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله ، ولا يدبر العَبْدُ لنفسه تدبيرا ، وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى ونهاه عنه ، فإذا لم ير العبد فيما خوله الله ملكا هان عليه الإنفاق ، وإذا فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبرها هانت عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد فيما أمره الله ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء أو المباهات مع الناس ، فإذا كرم الله العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا والمسيس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تفاخرا وتكاثرا ، ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا ، ولا يدع أيامه باطلة. فهذا أول درجة المتقين. و « العَبَادِيُ » بفتح العين والباء الموحدة المخففة منسوب إلى عَبَادٍ اسم قبيلة. و « العَبَادِيدُ » الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه ، وكذلك العَبَابِيدُ بالباء الموحدة. و « عَبَّادَان » على صيغة التثنية بلد على بحر فارس بقرب البصرة شرقا. وعن الصنعاني عَبَّادَان جزيرة أحاط بها شعبتا دجلة (١). و « قيس بن عُبَادٍ » على وزن غراب

__________________

(١) قال في معجم البلدان ج ٤ صلى الله عليه وآله ٧٤ : والعباد الرجل الكثير العبادة ، وأما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها ، أنهم إذا سموا موضعا أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفا ونونا ، كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد بن أبيه زيادان ، وأخرى إلى عبد الله عبد الليان ، وأخرى إلى بلال ابن أبي بردة بلالان. وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع ، وكانوا قديما في وجه ثغر يسمى الموضع بذلك ... والعجم يسمونها ميان روذان.

٩٦

من التابعين قتله الحجاج (١). و « أبو عُبَيْدَةَ » اسمه معمر بن المثنى البصري النحوي العلامة (٢)، كان يعرف أنواعا من العلوم ، وكان مع معرفته بالشعر يكسر الشعر إذا أنشده ويلحق إذا قرأ القرآن وكان رأى رأي الخوارج ، وكان لا يقبل أحد من الحكام شهادته لأنه كان يتهم بالميل إلى الغلمان. قال الأصمعي : دخلت أنا وأبو عبيدة إلى المسجد وإذا على الأسطوانة التي يجلس عليها أبو عبيدة مكتوب :

صلى الإله على لوط وشيعته

أبو عبيدة قل بالله آمينا (٣)

وعَبْدُ الله بن عمر قتله الحجاج بمكة (٤) ، وله قصة مع يزيد لعنه الله تدل على سوء حاله. وعَبْدُ مناف كان له أربع بنين هاشم والمطلب وعَبْدُ شمسٍ ونوفل ، فأولاد المطلب مع أولاد هاشم كشيء واحد لم يفارق أحدهما الآخر في جاهلية ولا إسلام ، وأولاد عبد شمس ونوفل كانوا مخالفين. والعَبْدُ القِنُ : الذي ملك هو وأبوه

__________________

(١) هو قيس بن عباد بن قيس بن ثعلبة البكري اليشكري شيعي متأله. خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج ـ انظر منتهى المقال صلى الله عليه وآله ٢٤٧.

(٢) في مروج الذهب ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٤٩ : وفي سنة ٢١١ مات أبو عبيدة معمر بن المثنى بالبصرة ، وكان يرى رأي الخوارج ، وبلغ نحوا من مائة سنة ، ولم يحضر جنازته أحد من الناس حتى اكتري لها من يحملها.

(٣) هذه القصة مذكورة بتفصيل أكثر في مروج الذهب ج ٣ صلى الله عليه وآله ٤٤٩.

(٤) مات عبد الله بن عمر بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر أو نحوها ، وقيل لستة أشهر ، وكان الحجاج قد أمر رجلا فسم زج رمح وزحمه في الطريق ووضع الزج في ظهر قدمه ، وذلك أن الحجاج خطب يوما وأخر الصلاة فقال ابن عمر إن الشمس لا تنتظرك فقال الحجاج : لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك. قال : إن تفعل فإنك سفيه مسلط. ـ انظر الاستيعاب ج ٢ صلى الله عليه وآله ٩٥٢.

٩٧

وعَبْدُ المَمْلَكَةِ الذي هو دون أبويه ، يقال عَبْدٌ قِنٌ وعَبْدَانِ قن وعَبِيدُ قن وقد يجمع على أَقْنَانٍ وأَقِنَّةٌ و « العَبْدِيُ » منسوب إلى عَبْدِ قيس (١). و « العَبْدِيُ » أيضا منسوب إلى بطن من بني عدي بن جناب من قضاعة ـ قاله الجوهري.

( عتد )

قوله تعالى : ( رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ ٥٠ / ١٨ ] العَتِيدُ الحاضر المهيأ ، يقال عَتُدَ الشيءُ ، بالضم عَتَاداً بالفتح : حضر ، فهو عَتَدٌ بفتحتين ، وعَتِيدٌ أيضا. قوله تعالى : ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ) [ ١٢ / ٣١ ] أي أعدت وهيأت لهن متكأ يتكين عليه من نمارق ، من قولهم أَعْتَدَهُ إِعْتَاداً : أي أعده ليوم. والعَتَادُ : العدة ، يقال أخذ للأمر عدته وعَتَادَهُ أي أهبته وآلته.

وَفِي الْحَدِيثِ « أَخْرَجَ إِلَيَّ أَبِوُ الْحَسَنِ مَخْزَنَةً فِيهَا مِسْكٌ مِنْ عَتِيدَةٍ ».

قال في القاموس العَتِيدَةُ : الحقة يكون فيها طيب الرجل والعروس. و « العَتُودُ » هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعي وأتى عليه حول ، وجمعه أَعْتِدَةٌ

( عدد )

قوله تعالى : ( أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ) [ ٧٢ / ٢٨ ] قيل يجوز أن يكون بمعنى مَعْدُوداً ، فيكون حالا. قوله : ( عَدَدَ سِنِينَ ) [ ٢٣ / ١١٢ ] أي سنين معدودة ، وهو نعت للسنين ، وعن الزجاج العَدَدُ هنا بمعنى المصدر. قوله : ( جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ ) [ ١٠٤ / ٢ ] قال الشيخ أبو علي : أحصاه وقيل عَدَّدَهُ للدهر فيكون من العدة ، وعن الزجاج أَعْدَدْتُ الشيءَ وعَدَدْتُهُ إذا أمسكته ، وقيل جمع مالا من غير حله ومنعه من حقه وأعده ذخر النوائب الدهر ـ انتهى (٢)وهذا على معنى التشديد ، وبالتخفيف

__________________

(١) وزاد الجوهري : وربما قالوا عبقسي.

(٢) مجمع البيان ج ٥ صلى الله عليه وآله ٥٣٨.

٩٨

جمع مالا وقوما ذوي عَدَدٍ. قوله : ( فَسْئَلِ الْعادِّينَ ) [ ٢٢ / ١١٣ ] بتشديد الدال ، أي الحساب والمراد بهم الملائكة تعد الأنفاس. ومثله قوله ( نَعُدُّ لَهُمْ ) [ ١٩ / ٨٤ ] يريد به عد الأنفاس كما جاءت به الرواية عن الصادقين عليه السلام (١). قوله : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [ ٣٠ / ١١٣ ] يعني الجنة ، أي هيئت لهم. قوله : ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) [ ٢ / ٢٤ ] قال بعض الأعلام : يجوز أن تكون جملة أعدت صلة ثانية للتي. قوله : ( فَطَلِّقُوهُنَ لِعِدَّتِهِنَ ) [ ٦٥ / ١ ] أي لزمان عدتهن ، والمراد أن يطلقن في طهر لم يجامعوهن فيه وهو الطلاق لِلْعِدَّةِ لأنها تعتد بذلك من عدتها ، والمعنى لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ، وهو مذهب أهل البيت عليه السلام ، وقال النحاة : اللام هنا بمعنى في ، أي طلقوهن في عدتهن. قوله : ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) [ ٢ / ١٨٥ ] قال بعضهم : معناه أي شهر رمضان لا ينقص أبدا ، وقيل معناه ولتكملوا عدة الشهر تاما كان أو ناقصا. قوله : ( إِنَ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً ) [ ٩ / ٣٦ ] أي من غير زيادة ولا نقصان. قوله : ( لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) قيل أي موقتات بعدد معلوم على قدر عِبَادَةِ العجل وهي أربعون يوما. و « الأيام المَعْدُودَات » هي أيام التشريق. قوله : ( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) [ ٢ / ١٨٤ ] قال بعض الأفاضل ( أَيَّاماً ) منصوب على أنه ظرف لفعل مقدر يدل عليه الصيام ، أي صوموا أياما ، لا أنه منصوب بالصيام كما قاله الزمخشري ، لأن المصدر إعماله مع اللام ضعيف والإضمار من محاسن الكلام. ومَعْدُوداتٍ قلائل فإن الشيء إذا كان قليلا يعد وإذا كان كثيرا يهال هيلا. واختلف فيها فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ هِيَ هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ

__________________

(١) البرهان ج ٣ صلى الله عليه وآله ٢٢.

٩٩

وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ ثُمَّ نُسِخَ بِشَهْرِ رَمَضَانَ ، وَعَنْهُ أَيْضاً أَنَّهَا شَهْرُ رَمَضَانَ.

وبه قال الأكثر. قوله : ( دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ ) [ ١٢ / ٢٠ ] أي قليلة ، فإنهم كانوا يزنون ما بلغ الأوقية ويعدون ما دونها ، قيل كانت عشرين درهما ، وقيل اثنين وعشرين درهما.

وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقِيَامَةِ مَتَى تَكُونُ؟ قَالَ : إِذَا تَكَامَلَتِ الْعِدَّتَانِ.

قال القتيبي معناه قاله عدة أهل الجنة وعدة أهل النار إذا تكاملت عند الله تعالى لرجوعهم إليه ، فحينئذ قامت القيامة. قال الفارسي : ويحتمل أنه أراد بِالْعِدَّتَيْنِ عدة حياة الأحياء من الحيوانات ثم مدة موتهم التي هي العدة في علم الله تعالى.

وَفِي الْحَدِيثِ « لَا عِبْرَةَ فِي الْعَدَدِ ».

يعني في ثبوت الهلال في شهر رمضان ، ومعناه عَدَدُ شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما أبدا ، وقيل هو عد خمسة من هلال الماضي وجعل الخامس أو الحاضر وقيل عد شهر تاما وشهر ناقصا. وفِيهِ « مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ صُحْبَةَ الْمَوْتِ ».

أي من جعله من عمره. والعُدَّةُ : ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ونحو ذلك ، والجمع عُدَدٌ مثل غرفة وغرف. وأَعْدَدْتُهُ إِعْدَاداً : أي هيأته وأحضرته واسْتَعَدَّ له : تهيأ ، ومنه الِاسْتِعْدَادُ. واسْتَعِدُّوا للموت : أي أعدوا ، من استفعل بمعنى أفعل ، كما يقال استجاب بمعنى أجاب ، وتكون للطلب أي اطلبوا العدة للموت. وفي الحديث ذكر طَلَاق العِدَّةِ وهو أن يطلق ثم يراجع في العدة ويطأ ثم يطلق وهكذا ، وطَلَاقُ السُّنَّة وهو أن يطلق ثم يراجع ولا يطأ. وفي التهذيب ذكر تفسيرهما في أول باب أحكام الطلاق (١)و عَدَدْتُ الشيء ـ من باب قتل ـ : أحصيته ، والاسم العَدَدُ والعَدِيدُ. والعَدَدُ : هو الكمية المتألفة من الواحد فيختص بالمتعدد في ذاته. قال في المصباح : وعلى هذا فالواحد ليس بعدد لأنه غير متعدد. وقال النحاة الواحد من العدد

__________________

(١) التهذيب ج ٨ صلى الله عليه وآله ٢٥ ـ ٢٨.

١٠٠